الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ[سورة الأعراف:43]. إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [سورة آل عمران:19]. وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [سورة آل عمران:85].
بشائر القرآن والسنة بانتصار الإسلام
عباد الله: لقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يستخلفهم في الأرض، وجاءت البشائر في القرآن والسنة بأن الإسلام منصور، وأن المستقبل لهذا الدين، قال الله -تعالى-: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [سورة الروم:47]. وقال: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ[سورة غافر:51]. وقال: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ [سورة القصص:5، 6]. وقال: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [سورة الصافات:172، 173]. وقال: إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [سورة الأعراف:128]. وقال ﷺ: بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض[1]. وقال ﷺ: إذ هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده[2]. وقال ﷺ: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، وذكر تقلب الأحوال بالأمة، وفي آخر الحديث قال: ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت[3]، وسُئل النبي ﷺ: أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل تفتح أولا[4]، يعني قسطنطينية. والمعروف تاريخيا أن قسطنطينية كانت عاصمة الكنيسة الشرقية للأرثوذكس، ورومية عاصمة الكنيسة الغربية الكاثوليك، وقد فتحت قسطنطينية، وللمسلمين معها فتح آخر، وسيأتي قطعًا فتح رومية، كما أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح. والمعروف تاريخيا أن قسطنطينية كانت عاصمة الكنيسة الشرقية للأرثوذكس، ورومية عاصمة الكنيسة الغربية الكاثوليك، وقد فتحت قسطنطينية، وللمسلمين معها فتح آخر، وسيأتي قطعًا فتح رومية، كما أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح. وقال: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس[5]. وقال ﷺ: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين حديث صحيح[6]، فلا يزال هذا يتكرر، ووعد الله لا يخلف. وقال ﷺ: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها[7]. قد يكون واحدًا، وقد يكونون جماعة، وقد يكون التجديد في كل مجال من الدين في كل مجدد بحسبه؛ فمنهم من يجدد لها في التفسير وتدبر القرآن، ومنهم من يجدد لها في الحديث والإرشاد إلى صحته، وتنجب موضوعه ومكذوبه، والدلالة على السنن، ومعاني الأحاديث، ومنهم من يجدد لها في الفقه وأحكام الحلال والحرام، وهكذا منهم من يجدد لها في شأن الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أخبر النبي ﷺ عن نشء متعاقب في أجيال الأمة، لا يزال يظهر ولا ينعدم ولا يختفي أبدًا، فقال: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته[8]. وهكذا الدعوة إلى الله قائمة في كل عصر ومصر، وهكذا يتوالى العلماء والأخيار والشهداء بعد الصديقين في هذه الأمة؛ كما قال ﷺ: مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره[9]. وإذا سقط للإسلام موطن في مشرق قام في مغرب، وهكذا حصل لما سقطت خلافة بغداد قامت خلافة الأندلس، ولما سقطت خلافة الأندلس قامت خلافة بني عثمان.
دين الله باق، وينتشر في كل مكان وزمان، بالرغم من كل الضربات: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [سورة الصف:8، 9]، وهذا وعد من الله، ووعد الله لا يتخلف، وقد قال ﷺ: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها[10]. وفي رواية: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر[11] من الحجارة مبني ولا وبر من شعر منسوج، لا بيوت الشعر ولا بيوت الحجر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر قال تميم الداري : قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذل والصغار والجزية[12].
إحصائيات حول سرعة انتشار الإسلام وتزايد أعداد الداخلين فيه
الإسلام -يا عباد الله- ينتشر بحسب الإحصاءات في الأرض بسرعة مذهلة، وتتزايد أعداد الداخلين في الإسلام زيادة عظيمة، وبحسب دراسات أعدائنا أنفسهم، فإن الإسلام يتزايد بأعلى نسبة تزايد في الأديان كافة على مستوى العالم، وهو أسرع الأديان انتشارًا الآن في العالم، وخلال العقود الأربعة المقبلة سيزداد عدد المسلمين أسرع من أي أتباع ديانة أخرى، ويزداد عدد المسلمين بنسبة 1.5% سنويا، مقابل 0.7 للديانة الأخرى، فالزيادة في أعداد المسلمين سنويًا ضعف الديانات الأخرى. ووفق دراسة أمريكية حديثة سيصبح الإسلام هو الديانة الأولى عالميًا في عام 2070، وفي 2030، يعني بعد أقل من خمسة عشر عامًا سترتفع نسبة المسلمين مما عليه الآن الربع أو أقل، إلى أن تكون 35%، أي أكثر من الثلث، ويرتفع عدد المسلمين من مليار وستمائة مليون في 2010 إلى مليارين ومائتين مليون في 2030، بحسب دراستهم، وسيزيد عدد المسلمين في 2050 على ثلث سكان العالم، ثم يكونون الأغلبية في عام 2070. الإسلام ثاني أكبر ديانة في فرنسا بعد النصرانية، عدد المسلمين سيمثل ربع سكان فرنسا في 2025، يعتنق الإسلام في فرنسا خمسون ألفًا سنويًا، وعشرون ألف أمريكي سنويًا، وثلاثة وعشرون ألف أوروبي، وخمسة وعشرون ألف بريطاني سنويًا، انتشار الإسلام في سجون الغرب بشكل لافت للنظر، نسبة النمو السنوي للمسلمين في العالم 6,4 سنوياً، حتى أن الدين الإسلام صار الديانة الثانية في أسبانيا وفرنسا وبريطانيا، هذه النسبة 6,4% يقابلها بالنسبة للنصارى 1% فقط. وفي أمريكا لا يوجد مسافة أطول من خمسين ميلًا في جميع الاتجاهات إلا وتكاد وتجد فيها مسجدًا، كما ذكر أحد الأساتذة هناك، يتزايد الإقبال على الصلاة، المساجد في ازدياد، تبنى كل عام أعداد كبيرة من المساجد، ينضم إلى قوافل المصلين أعداد كبيرة من المسلمين.
وشركة ﺩﻳﻠﻭيت للخدمات المهنية والاستشارية قدرت في تقارير لها عدد المساجد في العالم بأكثر من ثلاثة وستة من عشرة مليون مسجد، بمعدل مسجد لكل خمسمائة مسلم، والمتوقع أن تصبح في 2019 ثلاثة مليون وثمانمائة وخمسين ألف مسجدًا. في الصين التي يحاصر فيها المسلمون 39000 مسجد، ومائة وثلاثين مليون مسلم، وفي الهند ثلاثمائة ألف مسجد، ومائة وستة وسبعين مليون مسلم، وفي أمريكا زادت عدد المساجد في العشر السنوات الماضية 74%، و50% من تلك المساجد يرتادها خمسمائة مسلم فأكثر، وفي قلب أوروبا أعداد المساجد تنافس أعداد الكنائس في عواصم أوروبا، مع إقبال شديد من المسلمين، وضعف شديد من إقبال النصارى على كنائسهم، حتى صاروا يعملون الدعايات والسحب على السيارات من أجل الترويج لكنائسهم. انتشار نسخ القرآن الكريم، والكتب الإسلامية، شيء هائل، وفي أمريكا نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعًا في الأسواق، وكذلك في أوروبا، وفي ألمانيا بيع خلال سنة واحدة أربعون ألف نسخة من ترجمة معاني القرآن باللغة الألمانية، وفي فرنسا في حدث من الحوادث نفذت نسخ ترجمة معاني القرآن الكريم من الأسواق، والأربعون النووية حقق في إحدى السنوات أعلى مبيعات في المكتبات الفرنسية، ويتزايد الإقبال على القرآن الكريم حفظًا وتحفيظًا في أنحاء العالم، ودورات تحفيظ القرآن تفتح باستمرار وفي تزايد. ويوجد سنويًا في الباكستان أكثر من مائة ألف حافظ، ومجموع ما خرجته المدارس هناك أكثر من مليون حافظ للقرآن الكريم، وأكثر من اثنى عشر ألف مدرسة دينية، وعدد الحفاظ عبر سنوات ماضية يقدر بأكثر من سبعة مليون حافظ، والخضوع لأحكام الشريعة، والاعتراف بأهميتها، وصحتها، من القريب والبعيد، والعدو والصديق، بل الرضوخ لأنظمة الإسلام، كالنظام المالي، وقديمًا كانوا يستهزئون بالمصارف الإسلامية، واليوم يزيد عدد المصارف الإسلامية في العالم على سبعمائة مؤسسة مصرفية، تعمل في أكثر من سبعين دولة، بواقع أكثر من أربعين مليون عميل. ومئات البنوك الربوية تقوم بافتتاح فروع إسلامية في أنحاء العالم، أو تتحول بنوك ربوية إلى مصارف إسلامية، وتبدأ بالتفكير في الهيئات الشرعية، وكيف تأسلم معاملاتها المالية، وصار من النصارى والكفار من يدعو لتطبيق النظام الإسلامي في الاقتصاد، كحل للتخلص من الانهيارات والإفلاسات المالية الماضية والمتوقعة. كم من الأبحاث في أضرار لحم الخنزير، وأضرار الخمر، وإتيان النساء في المحيض، وأهمية عدة المرأة، ومنافع الصوم والوضوء؟ كم من اعتراف غربي بخطورة الاختلاط، وتبرج المرأة، وأثر ذلك في التحرش والاغتصاب، وضرورة فصل الجنسين في الدراسة والوظائف، والأثر الإيجابي لعمل المرأة في البيت، وعلى الأسرة، حتى أن بعض المنظمات العالمية تنادي براتب لربة المنزل؛ لأنها تعمل حقيقة، هو عمل أعظم من عمل النساء خارج البيوت، ولا زالت النشرات تذكر المرأة بأهمية الأمومة، والرضاع الطبيعي. وإقبال من الشباب على الإسلام في أنحاء من العالم، وانتشار للحجاب والنقاب، والتمسك بالسنة، وتوبة للفنانين والفنانات، واستراجع للهوية الإسلامية، وعودة للاعتزاز بالدين، والحرص على اللباس الإسلامي، والذبح الحلال، ومطاعم الحلال.
انتشار المواقع الإسلامية، والقنوات الفضائية الإسلامية، وكذلك المراكز الإسلامية، كثرة الإقبال على العلم الشرعي، ودورات العلم الشرعي، وحفظ المتون، والجامعات الإسلامية، والكليات الإسلامية، والمواقع على الشبكة العنكبوتية، والإقبال على تعلم اللغة العربية التي فرضت نفسها حتى على كثير من المنتجات التقنية في الشركات العالمية.
اللهم أعز دينك، اللهم أعز دينك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى وصحبه أجمعين أرسله الله رحمة للعالمين، ليفتح به أعينًا عميًا، وأذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة.
أسرار انتشار الإسلام وتفوقه على سائر الأديان
وهذا دينه ينتشر، ما أنزل الله كتابه ليضمحل، ولا دينه ليزول، ولكن ليهيمن، إنه دين الفطرة: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [سورة الروم: 30]. الإسلام ينتشر؛ لأنه يوافق الفطر السليمة، والعقول المستقيمة، الإسلام ينتشر بالبراهين، والأدلة الساطعة، والحجج البينة النافعة: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [سورة الذاريات: 20 - 21].
ومن يدرس الفلك في أعماق السماوات، وعلم الأجنة في بطون الأمهات، وغير ذلك ليوقنن بصحة هذا الدين، وهذا القرآن، ومن يدرس تشريعات الإسلام في الاجتماع والاقتصاد، ونظام الدين في العبادات والمعاملات، يذهله ذلك، ولا يرى منافسًا للإسلام في أي دين آخر، ويرى هذا الدين قد جاء بالمحاسن في العلاقة بين العبد وربه والعبد ونفسه، والعبد والعبيد الآخرين، والنظافة والطهارة، وبر الوالدين، ورعاية الأيتام والأرامل، والصدق والعفاف، وكذلك بمحاسن الأخلاق والآداب. إسلام ينتشر، وديانات تنحسر، وتخبط عند الآخرين، وحيرة في أهل الإلحاد، وكيف يموت الإله، وأهل التنصير والصليبية، فكيف يكون واحد في ثلاثة؟ وثلاثة في واحد؟ لا يوجد دين مثل الإسلام يحمي الضعيف، وإذا كان قانونهم لا يحمي المغفل، فالشريعة تحمي المغفل، وكذلك هذه الحقوق الشخصية، من حضانة الأطفال، ونفقات الأمهات.
وهكذا ماذا يوجد عندنا؟ عبادة فضيلة، ماذا يوجد لديهم؟ خمور مخدرات، هذا دينهم رذائل شهوات، عندنا طهر وعفاف وفضيلة ونكاح، وعندهم شذوذ ورذيلة وزنا.
هلاك الظالمين وقيادة الإسلام للعالم قادمة
ونحن نوقن أنه مهما علا شأن الأعداء؛ فإن الله سيأخذهم، ومهما عملوا في المسلمين من المذابح، والتشريد، والتقتيل، والنهب، والسلب، والتسلط، فإن الإسلام منصور، وعندنا من السنن الربانية، والقواعد الإلهية في الخلق والبشرية ما يوضح بجلاء أنهم إلى ذهاب، وأن دين الله قادم، ليقود العالم، أليس الله قد قال: وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [سورة الإسراء:58]؟ ألم تنص السنن الإلهية في القرآن والسنة على عقاب أهل الكفر؟ ألم يقل ربنا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [سورة هود: 102]، وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ [سورة الحـج: 48]؟ ليست الحربان العالميتان ببعيدتين عنا، فكم هلك فيهما من الكفار؟ وكم خُرّب فيها من ديارهم ومدنهم؟ ليس ببعيد أن يحدث ما هو أدهى منها وأمر في عقر دارهم؟ أليس الله قد قال: وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ [سورة الرعد: 31]؟ وعندما يكررون فعل قوم لوط، بل يشرعنون ذلك، ويسنون القوانين لحمايته، وتكوين الأسرة من ذكر وذكر، وأنثى وأنثى، واستئجار الأجنة، والفوضى العارمة في الأنساب، حتى إن هناك سيارات تجوب مدنهم لمن أراد فحص الحمض النووي: (DNA)، ليعرف من أبوه؛ لأن كثيرين لا يعرفون آباءهم، وقد قال الله في عقوبة قوم لوط: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [سورة هود:83]. وقال الله: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [سورة محمد:10]. أليس الله أصدق قيلاً؟ أليس وعد الله لا يتخلف؟ أليس الله إذا هدد فإنه يوقع العقوبة؟ ولكنكم تستعجلون، ولكن الله يمهل، لكنه لا يهمل، وقد ذكر أن عقوبته تنزل بالكفرة: مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [سورة الأحزاب:61].
عندما يرى بعض الناس الاستثناء الذي حصل في هذا الزمان لليهود: إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ [سورة آل عمران:112]، ينسون أن الله قال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [سورة الأعراف:167]. هذا حقيقة، ينسون أن الله قال: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة المائدة:14]، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [سورة الأحزاب:61]، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [سورة الأحزاب:62]. والله قال لليهود: وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا [سورة الإسراء:8]، إن عدتم للإفساد عدنا للتسليط عليكم، وقد حصل الآن بما لا يعرف مثله عبر التاريخ، فما هو المتوقع إذًا في المستقبل؟ وكذلك عندما يخبر النبي ﷺ بأنه ما من قرية فشا فيها الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله : ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله ، أليست مدنهم قد ظهر فيها الربا والزنا؟ أليس الله قد قال في كتابه العزيز: فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ [سورة البقرة:279]؟
أليس النبي ﷺ قد قال: سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل: متى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف يعني الموسيقى والقينات الراقصات واستحلت الخمور[13]. وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [سورة هود:122]، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ[سورة هود:83]. لكن الناس يقولون: ما حصل شيء؟ ما رأينا شيء؟ على استعجالهم، ولكن النظر مرة أخرى إلى حربين عالميتين ليستا ببعيدتين عنا، أكلت أخضرهم ويابسهم؟ أليس من الممكن أن يقوم ما هو أضعاف أضعاف ذلك؟ ألم يهلك الله عادًا وثمود وفرعون؛ لأنهم تجبروا في الأرض: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ -قوم لوط- أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى [سورة النجم:50- 54]؟ وكذلك قوم شعيب؛ لأنهم نهبوا الخيرات، وقطعوا السبيل، وطففوا المكيال والميزان.
وإذا كان الكفار هؤلاء قد فعلوا بإمكاناتهم ما هو أضعاف أضعاف ذلك، فلا بدّ أن ينزل العقاب الإلهي: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ [سورة القصص:58].
عدم الاغترار بثورة العمران والتقنيات الحديثة
لا يغرنك -يا عبد الله- ثورة العمران، ولا ثورة الاتصالات، ولا التقنية، فإن الله قال: حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ [سورة يونس: 24]، وهذا حصل، ماذا بقي من الآية؟ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [سورة يونس:24]، هل هي حرب عالمية؟ هل هو انهيار اقتصادي مريع تفلس فيه مصارفهم ومصانعهم وشركاتهم؟ السقوط والانهيار قادم، حتى بشهادتهم هم أنفسهم، يتحدثون عن إفلاس عظيم قادم، وانهيار مالي فظيع، ولا بدّ أن يأتي وعد الله . لكن ما هو المهم بالنسبة للمسلمين؟ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ [سورة الحـج:41]. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [سورة النــور:55].
عباد الله: يجب أن لا تلهينا المذابح القائمة في رقاب المسلمين، والتشريد الحاصل في بلدانهم، والمآسي العظيمة التي تحصل لهم، عن رؤية بقية الصورة، عن رؤية السنن الإلهية، عن رؤية ما يمكن أن يحدث، وهو قادم لا محالة، هذه نصوص من الوحي، ووعد الله لا يتخلف.
- ^ رواه أحمد: (21258)، وقال محققو المسند: "إسناده قوي".
- ^ رواه البخاري: (3120)، ومسلم: (7511)
- ^ رواه الإمام أحمد: (18430)، وهو حديث صحيح.
- ^ رواه أحمد: (6645)، وهو السلسلة الصحيحة: (4).
- ^ رواه البخاري: (7311)، ومسلم: (5064)، واللفظ له.
- ^ رواه البزار: (9423) و(9429)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح:( 248).
- ^ رواه أبو داود: (4293)، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في مشكاة المصابيح: (247).
- ^ رواه ابن ماجه: (8)، وأحمد: (17822)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه: (8).
- ^ رواه الترمذي: (2869)، وأحمد: (12483)، وهو حديث حسن صحيح كما في المشكاة: (6277)، والصحيحة: (2286).
- ^ رواه مسلم: (7440).
- ^ رواه أحمد: (16998).
- ^ رواه أحمد: (16998)، وقال محققو المسند: (16998).
- ^ رواه الطبراني في الكبير: (5678).