الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
خطورة العولمة
فإن الله قد بعث رسوله رحمة للعالمين، ونسخ سائر الأديان بدين الإسلام المبين ليكون هذا الدين مهيمناً على ما سبقه وحاكماً في الأرض بشريعة رب العالمين وأرحم الراحمين ، فجاء هذا الدين بالعولمة في نشره وانتشاره ووجوب تطبيقه في الأرض، وكنا نحن المسئولين عن هذه العولمة والشوملة فشمل حكمنا الأرض في أيام الخلافة الراشدة، وصارت دولة الإسلام أكبر دولة في العالم تحكم شرق الأرض وغربه، وتهيمن عليه، وتنشر فيه العدل والتوحيد، وقد عرف العالم هذا الدين، وأحست شعوبه بالعدل، فأقبلت عليه، فدخل الناس في دين الله أفواجاً زرافات ووحداناً، فنهلوا من حياضه، وأقبلوا عليه، فصار في العالم مئات الملايين من المسلمين، وهكذا كانت العولمة في الأرض للإسلام؛ لأنه جاء للعالمين كافة وكان نبينا ﷺ رسولاً للعالمين مبشراً ونذيراً، ولم تكن هناك حواجز في بلاد المسلمين، فكانت تسير الدابة حيثما تشاء تحت راية خلافة المسلمين والعدل في الأرض، وشاء الله لحكم يريدها سبحانه ويعلمها أن تتراجع عولمة المسلمين التي كانت في القرون الماضية وسقطت الخلافة العثمانية التي وصلت في أوجها إلى فينا وباريس وغير ذلك من مدن أوروبا لما غزوناهم في عقر دارهم، واستولى المسلمون على كثير من بلدانهم، وبقيت شعوب في أوروبا كما في البوسنة، وكوسوفا، وألبانيا، وغيرها شاهدة على وصول المد الإسلامي إلى تلك الأصقاع، وكذلك وجود المسلمين في كازخستان، والشيشان، وغير ذلك من الأماكن في جنوب الكرة الأرضية أيضاً، وشرقها، وفي جزر نائية، ووجود شعب فطاني المسلم، ووجود المسلمين في الفلبين بقي شاهداً على انتشار الإسلام الذي كان يهيمن في عولمة على الأرض، ولما شاء الله لشمس القوة الإسلامية أن تأفل بتراجع المسلمين عن دينهم وكانت الهزيمة شيئاً مما كسبته أيدينا وبتراجع المسلمين عن عقيدتهم، وفشوا الشرك، والطرق الصوفية، والخزعبلات، والخرافات، تلك المناهج المنحرفة المنافية للجهاد والمميتة له، ودخول المسلمين في عالم الترف أدى إلى تقاعسهم عن نشر دينهم وتراجعهم عن التوحيد، وانتشر الشرك فيما بينهم، وعمتهم الفرقة، فسهل انتصار الأعداء عليهم، وقامت دول كثيرة في العالم، ثم أراد الكفار أن يقلبوا القضية إليهم، وأن يعولموا الأرض تحت حكمهم، فجاءوا بأذرعة عسكرية في أحلافهم الأطلسية وغيرها، وجاءوا بأذرعة اقتصادية في منظمات التجارة العالمية، وصندوق النقد وغيره، وجاءوا بأذرعة اجتماعية تتبين في مؤتمرات المرأة والسكان وغيرها، وهكذا وهكذا من الأذرعة التي يريدون بها أن يعولموا العالم تحت كفرهم، وهانحن نرى اليوم في ثورة الاتصالات وغيرها شاهد على هذه الخطة التي يريدون بها أن يحكموا الأرض بكفرهم، وأن يركعوا شعوب العالم تحت هيمنتهم، وأن يكونوا هم المصادر في التلقي، وهذه هي البلية العظيمة أن يكون الكفار هم مصدر التلقي والمنبع الذي يثقف العالم بزعمهم وينقلون إليه المعلومات بقوالبهم، هكذا يريدون أن يحكموا الأرض اليوم فيسخرون تقنية الاتصالات لتخدم هيمنتهم هم، وسيطرتهم، فصار تعريف العولمة والكوكبة والشوملة والكوننة وغير ذلك من الألفاظ التي كثرة المقالات عنها، وتطويع التقنية الحديثة لأجل الهيمنة الغربية، وتطويع التقنية الحديثة بما تملك من أقمار ومحطات ووسائل اتصالات متقدمة لأجل هيمنتهم هم على سائر شعوب الأرض.
ولنكن عادلين منصفين فنقول: ليس المسلمون وحدهم مستهدفين بهذه القضية بل شعوب الأرض جميعاً، ولكن من هو المتضرر الأكبر؟ هل المتضرر الأكبر من وراء الهيمنة الغربية هم الهندوس عباد البقر، أم المتضرر الأكبر من الهيمنة الغربية هم البوذيون الذين يعبدون بوذا، أو الشيوعيون الذين سقط منهجهم؟ من هو المتضرر الأكبر؟ ومن هو الذي سيتخلف حقاً ويكون تابعاً متضرراً أشد الضرر؟ لو نظرت في العالم فاستعرضت شرقه وغربه لوجدت أن المتضرر الأكبر هم المسلمون.
إن الله قد بعث رسوله رحمة للعالمين، ونسخ سائر الأديان بدين الإسلام المبين ليكون هذا الدين مهيمناً على ما سبقه وحاكماً في الأرض بشريعة رب العالمين وأرحم الراحمين ، فجاء هذا الدين بالعولمة في نشره وانتشاره ووجوب تطبيقه في الأرض، إذن لا يضر عباد البقر لو تركوا عبادة بقرهم تأثراً بالنصرانية، ولا يضر عباد بوذا إذا تركوا عبادة بوذا تأثراً باليهودية، ولكن يضر المسلمين أشد الضرر أن يتركوا شعائر الإسلام تأثراً بهذه المناهج الكافرة وهذه العقائد الزائغة التي يراد تصديرها بواسطة العولمة، نعم، هم لا يريدون فقط أن يصدروا دينهم، يريدون أن يهيمنوا ويسيطروا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً أيضاً؛ ولذلك قاموا ينادون بصهر الأديان الخمسة الرئيسية في الأرض، وأن تجتمع هذه الأديان على شيء مشترك، ولا شك عندما يحصل الانفتاح التام وتزول الحواجز من الذي يستفيد؟ يمكن أن يقال نظرياً: نحن نصدر وهم يصدرون، ونحن نلقي بالمعلومات إليهم وهم يلقون، ولكن من الذي سيستفيد بالدرجة الأكبر؟ ماذا نكون نحن بجانبهم في مسائل البضائع والمصنعات وآلات الاتصال ونحو ذلك؟ لا شيء تقريباً؛ ولذلك فإن القوي هو الذي سيغلب.
هدف العولمة
أيها الإخوة، أيها المسلمون: إن هذه الخطة اليوم التي تطبق على العالم تهدف فيما تهدف إليه لإزالة الحواجز تماماً، إزالة الحواجز وتذويب الفروقات، احفظ معي هذه الفروقات وتمعن فيها وفي آثار هذه الخطة الرهيبة، إزالة الحواجز وتذويب الفروقات، ما معنى ذلك بالنسبة إلينا ونحن مسلمون؟ يعني: أن نقبل كل ما يصدروه إلينا، وألا يكون هناك فرق بين المسلمين والكفار، هذا هو أكبر الآثار الضارة من وراء ذلك، أكبر الآثار الضارة تذويب الفروق والعالمية التي يدعون إليها، فإذا أردنا أن نبين ما هي الأجسام المضادة لهذه الفكرة الخبيثة والخطة الرهيبة.
العقيدة المضادة للعولمة وكيفية المواجهة
أيها الإخوة: لا شك أنها عقيدة الإسلام، فلو قال قائل: العقيدة المضادة للعولمة وكيفية المواجهة كيف تكون؟
فالجواب: أن ننظر في آثار هذه العولمة إلى ما ستؤدي إليه، إلى إزالة الحواجز وتذويب الفروقات، إذن يجب علينا أن ندعم الحواجز ونبين الفروقات، وليس المقصود بالحواجز ستاراً رملياً ولا امتداداً من الأسلاك الشائكة ولا إقامة سور عظيم ولا غير ذلك من أنواع الحواجز فهذا غير ممكن، المقصود هو إقامة الحواجز النفسية بيننا وبين الكفار، الحواجز التي هي عبارة عن جدران تمنع الاختراق، الحواجز النفسية التي تقوم في نفس المسلم ولاء للمسلمين، وبراءة من الكافرين، فتمنع المسلم من تقبل ما ينافي دينه، وهذا كلام مهم جداً، فإذن الأجسام المضادة، والخطة المضادة للعولمة في آثارها الضارة؛ لأننا نريد النافع منها ولا شك، حيث أن ديننا يأمرنا بالاستفادة من سائر المعلومات المفيدة، وأن نسخر ذلك لخدمة دين الله في الأرض، لسنا عن هذا نتحدث، وإنما نتحدث الآن عن قضية تعديل وتقويم، وتقوية الحواجز النفسية عند المسلمين حتى تكون هي جدران التنقية، والتصفية لما سيأتي إلينا تباعاً من العولمة، وما هي هذه الجدران وكيف نقيمها هذه الحواجز؟
عقيدة الولاء والبراء
إنها موجودة في ديننا أصلاً ولله الحمد، إنها عقيدة الولاء والبراء، فعندما تعلم أيها المسلم أن الله أمرك أن توالي المسلمين وأن تعادي الكافرين، وأنه لا يمكن أن يوجد قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، وعندما تعلم أن الله أمرك ونهاك وقال: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِسورة الممتحنة1، وعندما تعلم أنه حذرك من مؤامراتهم بقوله: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءسورة النساء89 وعندما تتمعن في كلام العلماء في عقيدة البراءة من المشركين التي أقامتها هذه الآيات ودعمتها الأحاديث النبوية كمثل حديث: من تشبه بقوم فهو منهم[رواه أبو داود4031]، تعلم حينئذ أن القضية تتضح معالمها فيما يلي: الموالاة للكفار تشمل الرضا بكفرهم، أو الشك فيه، أو الامتناع عن تكفيرهم، أو الإقدام على مدح دينهم، من فعل هذا فهو كافر بالله العظيم خارج عن ملة الإسلام، من رضي بكفرهم، أو شك هل هو كفر أم لا، أو امتنع عن تكفيرهم وقال: لا أكفر النصارى واليهود، أو أقدم على مدح دينهم وقال: شريعتهم عادلة عظيمة، فهو كافر بالله؛ لأن الله اشترط للإسلام أن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فإذا قال: لا أكفر بالطاغوت فليس بمؤمن بالله، وقال تعالى: وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا سورة النحل106، وقال الله عن قوم فضلوا المشركين على المسلمين: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً سورة النساء51، وعدد من المتفرنجين اليوم من أبناء المسلمين يقولون عن الكفار: هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً، إذن من قال ذلك فقد كفر.
ثم التحاكم إليهم وهم يريدون قوانين دولية أو أعراف دولية أنشؤها وقننوها وهم مستمرون في تفريعها وتقنينها وتطبيقها وتعميمها والتحاكم إليها، ما هو هذا في الإسلام؟ كفر أكبر مخرج عن الملة؛ لأن الله قال: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِسورة النساء60 فهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به كفار، والمسألة واضحة ولا مجاملة فيها إطلاقاً؛ ولذلك فالمسلم يتحاكم إلى الشرع والمحاكم الشرعية والشرع هو الذي ينصف، الشرع فقط لا غير، ولذلك ينبغي تعظيم شأن المحاكم الشرعية وقضاة الشريعة، وأن يكون دورهم قائماً في جميع الميادين، وأن يتحاكم الناس إليهم لا إلى قانون تجاري عالمي، ولا إلى قانون اجتماعي عالمي، ولا إلى غير ذلك من القوانين والمحاكم؛ لأن الله وضح المسألة وبينها: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ سورة النساء60 وكل قانون غير الشريعة فهو طاغوت.
ثالثاً: مودتهم ومحبتهم من موالاتهم، قال : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُسورة المجادلة22.
ورابعاً: الركون إليهم والاعتماد عليهم، وجعلهم سنداً وظهيراً، كذلك من موالاتهم وموالاتهم كفر، وقد قال تعالى: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُسورة هود113 فإذا أعانهم وناصرهم على المسلمين كفر، وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْسورة المائدة51، وإذا انخرط في مجتمعاتهم وانضم إلى أحزابهم وكثر سوادهم وصار في جيش الكفار ويطور أسلحتهم، فما معنى ذلك؟
كذلك من موالاتهم: إذا نقل قوانينهم وحكمها في المسلمين فهو منهم: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَسورة المائدة50.
وكذلك التولي العام لهم، واتخاذهم أعواناً وأنصاراً، وربط المصير بهم، مصادم لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ سورة المائدة51.
ومداهنتهم ومجاملتهم على حساب الحق والإسلام والدين مصادم لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ سورة النساء140 وحذر الله نبيه من هذه المؤامرات والدسائس بقوله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَسورة القلم9.
والثقة بهم واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، يطلعون على أدق الأسرار داخل في النهي الذي قال الله فيه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْسورة آل عمران118 أي: من غيركم من أعدائكم، لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاًوالخبال هو الإفساد، لا يقصرون في فساد أمركم، وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ يريدون مشقتكم، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُسورة آل عمران118 إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ لو ارتفع اقتصاد المسلمين ساء الكفار، طبق الآية على الواقع: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَاسورة آل عمران120.
وكذلك فإن عمر رفض أن يولي كفاراً على المسلمين، وقد قال الله: وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاًسورة النساء141، وقال: "ألا اتخذت حنيفاً -في هذا المكان والمنصب-؟ قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته ولي دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله" وهكذا التشبه بهم في ملبسهم وهيئتهم وكلامهم داخل في حديث: من تشبه بقوم فهو منهم[رواه أبو داود4031] وهذا يشمل المظهر واللباس والعادات.. وغير ذلك من الأمور التي هي من خصائصهم شكلاً، قالباً، ملبساً، كما أنه يحرم التشبه بهم في عقائدهم وأعيادهم.
وكذلك من اختار الإقامة عندهم بدون سبب شرعي، مفضلاً لهم على المسلمين، أو مدحهم وأشاد بهم، أو عظمهم وأطلق ألقاب التفخيم عليهم، أو بدأ بتحيتهم في المجالس: ولا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام[رواه الترمذي1602] كما قال ﷺ، وكذلك التسمي بأسمائهم المنكرة، وتفضيل تاريخهم على تاريخ المسلمين.. وغير ذلك من الأوجه من أوجه التبعية.
إذن: أيها الإخوة: إقامة الحواجز التي يريدون نسفها، وتدعيم هذه الحواجز بعقيدة الولاء والبراء هو الطريق الأساس في مواجهة العولمة وكف خطرها الداهم الذي يحدق بالمسلمين.
أفكار العولمة
ثم ننظر في أفكارهم التي يريدون ترويجها: قضية وحدة الأديان، وإزالة الفروق بين الأديان، ليعيش العالم في سلام ووئام كما يزعمون، وهذا لا يحدث أبداً، وهم رءوس الشر والظلمة في العالم، فكيف يمكن أن يقيموا فيه عدلاً؟ ولذلك فلا بد من الإكثار من الحديث عن قضية وحدة الأديان وزيفها وأنها كفر؛ لأن الله قال: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ سورة الكافرون6 فإذا قال لنا: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِسورة الكافرون6 معناها: لا يمكن أن نلتقي، لا يمكن أن يكون هناك بيننا دين مشترك نجتمع عليه، نجتمع على ماذا؟ على شرك وكفر، هناك تناقض واضح جداً بين شريعة الإسلام، وشرائع الكفر المختلفة، فكيف يمكن أن توحد الأديان؟ كيف يتقارب مِن مَن؟ إذا تقربوا إلينا هذا خير لهم، ولكن أن نتقارب نحن نتقارب منهم فهذا كفر فينا؛ ولذلك لا بد من مقاومة هذه الأفكار الخطيرة التي يشيعونها بالكلام عن الكفر في مسألة وحدة الأديان والتقريب بين الأديان.
هناك تناقض واضح جداً بين شريعة الإسلام، وشرائع الكفر المختلفة، فكيف يمكن أن توحد الأديان؟ كيف يتقارب مِن مَن؟ إذا تقربوا إلينا هذا خير لهم، ولكن أن نتقارب نحن نتقارب منهم فهذا كفر فينا.
وكذلك أيها الإخوة عندما ينضم بعض المسلمين عبر شبكة الإنترنت وغيرها إلى جمعيات في الخارج، ويكونون أعضاء فيها، ومن هذه الجمعيات ما يكون كفراً، وزندقة، وانحلالاً، فإن هذا الانضمام إلى تلك الجمعيات المشبوهة ومراسلاتها والتلقي منها، وهذه قضية تحدث أن ينضم المسلم إلى جمعيات مشبوهة عبر هذه الشبكة ليست معلومات طبية وتبادل أشياء مفيدة في الهندسة والمعمار، ولكن في خراب البيوت والديار، وخراب القلوب، فإن هذا الدخول في هذه الجمعيات المشبوهة هو من موالاة الكفار وحرام يؤدي في النهاية إلى الكفر؛ ولذلك يجب أن نعمق في الرد على العولمة جانب الانتماء إلى الإسلام والانتماء إلى الله ورسوله، وأن نعرف ما هي هويتنا، ما هي هويتك أيها المسلم؟ إلى من تنتسب؟ إلى من تنتمي؟ إلى الإسلام.
أبي الإسلام لا أب لي سواه، ولسنا إلى غيره ننتمي، فلا ننتمي إلا إلى الإسلام، ولذلك توضيح مفهوم الانتماء، الانتماء من الأمور المهمة جداً عقدياً للتصدي للأفكار التي ستأتي بها هذه العولمة.
وكذلك عندما يريدون اجتياح اقتصاد العالم، وأن يصدروا إلينا كل شيء لتموت صناعات المسلمين فلا بد أن يكون لدينا وعي في هذه القضية، وأن نفضل ما أمكن صناعات المسلمين التي تفي بالغرض على صناعات الكفار، بل ربما تصل القضية إلى أبعد من ذلك في مقاطعة صناعات الكفار التي لها بديل لدينا، وهذه هي المقاومة الحقيقية للعولمة الاقتصادية التي يريدونها، وخصوصاً المصنوعات أو المنتوجات التي هي من علامات شخصيتهم، لقد رفض الفرنسيون فتح مطعم ماكدونالز في برج إيفل لأنهم يرونه معلماً فرنسياً خالصاً، لا يجوز لأي ثقافة أخرى أن تقترب منه أو أن تخدش هذه الخصوصية، وكذلك قاموا في عدد من البلدان الكفار يدافعون عن شخصياتهم ضد العولمة، فالمسلمون أولى، فإذا كان هذا الهمبرجر وهذا الجنز وهذه المشروبات وغيرها معلماً عليهم في شخصياتهم أو منهجهم فالمسلم يبتعد عن ذلك.
وعندما يتكلمون عن قضية العولمة في المرأة والأسرة ماذا يجب علينا؟ عندما نعلم أنهم يقولون بجواز إقامة الأسر المكونة من رجلين، أو امرأتين، أو امرأة ورجل أجنبي عنها صديقة، وإباحة العلاقات الجنسية، وألا يكون هناك عقوبة على من يمارس أي علاقة جنسية، هذا يقولونه عالمياً اليوم، كما سمعتم ذلك في مؤتمراتهم ماذا يجب علينا نحن المسلمين؟ أن نبين قدسية الزواج، وحكم الله في إقامة علاقات خارج نطاق الزواج، علاقات جنسية خارج نطاق الزواج، وأن نبين حد الله في اللواط أنه القتل، وأن نبين حد الله في الزنا، وأن نقيمه تأكيداً عليه ومهاجمة لتلك الأفكار ودرءاً لها، وأن إقامة أسرة من رجلين أو امرأتين مناقض للفطرة والدين، وكيف يرزقان بالأولاد؟ تبنياً.
وعندما نرى ونرى أيها الإخوة من سائر الأمور التي فيها هيمنة لهم وانهزام لغيرهم يجب أن نحيي مفهوم العزة بالإسلام، أننا مسلمون نعتز بإسلامنا نفخر به ننتمي إليه ندافع عنه، شخصيتنا شخصيات إسلامية، مظاهرنا مظاهر إسلامية، أعيادنا أعياد إسلامية، أخلاقنا أخلاق إسلامية، معاملاتنا معاملات إسلامية، نرجع إلى الشريعة بيعاً وشراء وإجارة ورهناً وكفالة وضماناً.. وغير ذلك من أنواع التعامل، أن نبين شخصيتنا في التعامل، الشخصية الإسلامية ونعتز بهذا الدين فنقاوم العولمة فيما تريد أن تنشره بيننا من تعظيمهم هم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخبار إخواننا في بلاد الشيشان
عباد الله: لا زالت أخبار إخواننا في بلاد الشيشان تطرق مسامع العالم عزة للإسلام وأهله ورفعة لرؤوس المسلمين في عالم الهزيمة والذل الذي أطبق على أكثرهم، ولا شك أن هذا من رحمة الله تعالى أنه يحيي الفرائض الميتة كالجهاد في سبيل الله بأولئكم النفر البواسل الذين نذروا نفوسهم لله ورسوله، نسأل الله أن ينصرهم بالدين، وأن يجمع كلمتهم على التوحيد، وأن يعلي راية الإسلام في سائر الأرض.
لا زالت أخبار تلك الانفجارات التي حصلت في مقرات قوات الأمون الروسية أثناء تبديل الكتائب، وكذلك ما وقع من الانهيارات في مباني كاملة من شدة الانفجار وسقوط الجنود الروس قتلى حتى من فوق أبراج الحراسة التي تبعد مئات الأمتار عن مواقع الانفجار، وكذلك ما حصل من تقدم أولئك المسلمين بهذه العمليات بين الكفار وإمعانهم في القتل فيهم حتى وصلوا إلى برك السباحة التي يسبح فيها الروس، فأدوا فيها عمليات ناجحة، ولا تزال آثار تلك العمليات مستمرة تقلع الطائرات العمودية لنقل القتلى والجرحى إلى داخل الحدود الروسية ويستمر القصف المدفعي ليلاً ونهاراً والفوضى تعم صفوف كثير من كتائبهم خوفاً وذعراً من أن يكون المسلمون يتربصون بهم، ولذلك فقد تداعوا على أعلى مستوياتهم للنظر في هذه الكوارث التي حلت بهم، وكانت هذه الأمثلة من البطولات مثاراً لإعجاب العالم وحديثاً عن أصحاب الحق، وأنهم ما استبسلوا فيه إلا لأنهم محقون.
الجهاد من وسائل مقاومة العولمة
لا شك أن ذلك أيضاً أيها الإخوة مما يقاوم العولمة إحياء الجهاد في سبيل الله، والله قد ذكر لنا الأمر به: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاسورة النساء74، الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ، وأمر بقتال أولياء الطاغوت فقال: فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًاسورة النساء76، وأمر عباده بالنفرة فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِسورة التوبة38، وعتب على أولئك القاعدين فقال : لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً سورة النساء95، وصبّر عباده المؤمنين الذين يكلمون في سبيل الله ويجرحون، وقال لهم: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَما هو الفرق إذن؟ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًاسورة النساء104 وأمر بأخذ العدة لمقاومتهم والاستعداد لمقاتلهم:وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُسورة الأنفال60 يرهبون أيضاً بهذا الاستعداد.
وكذلك بشر الذين يصابون في سبيل الله بالأجر العظيم، فقال : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ سورة التوبة120 فهنيئاً لمن أغاظ الكافرين ووطئ في سبيل الله بقدميه موطئاً يعلي كلمة الله ويرغم أنوف الملحدين: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه سورة الأنفال39 فهذا هو الهدف من القتال في الإسلام إعلاء راية التوحيد ليس راية الشرك والكفر والبدعة، وإنما راية التوحيد لا غير.
وكذلك فإن الله يدفع بهذا القتال عن الضعفاء وعن المسلمين المستضعفين: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍلولا دفع الله الكافرين بالجنود المسلمين لفسدت الأرض، لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًاسورة الحـج40، ويرغم الله أنوف الكفرة ويعاقبهم بأيدي المؤمنين، وهذا من تعجيل العقوبة لهم في الدنيا، قال : قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ سورة التوبة14، ممن تعرضوا للاغتصاب والاضطهاد، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءسورة التوبة15 ولذلك أمر بأن يشد المسلمون على رقاب الكفار: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ سورة محمد4 وأمر بقصد أئمة الكفر بالذات لقتالهم: فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْسورة التوبة12 فهو عزة للمسلمين حتى يعطي الكفرة الجزية عن يد وهم صاغرون، وكذلك ليجدوا فينا غلظة كما أمر الله .
إذن: أيها الإخوة: هذه الفريضة العظيمة قصر فيها المسلمون فذلوا، ولو أنهم قاموا بها لعزوا ولكن ليس فيهم قدرة اليوم على الجهاد العام والنفير الشامل، إلا إذا رجعوا إلى الدين ودانوا بهذه العقيدة وأخذوا بأسباب القوة واستعدوا، تركوا الترف تركوا الميوعة تركوا الانغماس في الدنيا، تركوا الاشتغال الكلي بالمال، تركوا السياحات التي تضيع الأموال وتذهب الدين والأخلاق وأقبلوا على هذا الإسلام يتعلمونه فيربون أبناءهم على عزته، لو أن هذا الجيل لو لم يكن قادراً على الجهاد العام فلماذا لا يكون في أبنائنا أو في أحفادنا؟ فأين التربية التي تؤدي إلى ذلك؟
اللهم اجعلنا في بلادنا هذه آمنين مطمئنين يا رب العالمين، وأمّن المسلمين في أوطانهم أجمعين، اللهم رد عنا كيد الكفار والمجرمين، اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين في الشيشان والفلبين وفي سائر الأرض وفلسطين، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.