الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
التوحيد سبب الخلق وإرسال الرسل
فإن الله تعالى خلق السموات والأرض بالتوحيد، وخلق العباد لأجل التوحيد، وأعظم واجب في الإسلام هو التوحيد، وحرم الله على النار من كان من أهل التوحيد، وأهل الأمن هم أهل التوحيد، فهو سر الخلق والأمر، به قامت السموات والأرض، وهو أصل الملة وأساس دعوة الرسل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَسورة النحل: 36 وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِسورة الأنبياء: 25 القرآن يدور على التوحيد: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّسورة الإسراء: 44 التوحيد حق الله على العبيد: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَسورة الزمر: 65 شرط قبول العمل الأصلي هو التوحيد، وسر هذه الحياة هو التوحيد، والمادة التي يحيا من أجلها الناس: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الأنعام: 162هو التوحيد أمرنا به: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِسورة الذاريات: 56 أي: ليوحدوني، قضاء الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُسورة الإسراء: 23.
أعظم ظلم على الإطلاق هو الشرك
لا يمكن أن يسعد مشرك في هذه الحياة، فالشرك هو الظلمة، والتوحيد أعظم معروف، والشرك أعظم منكر، التوحيد يكفر الله به الخطايا، والشرك رأس الخطايا، الأعمال الصالحة أساسها التوحيد، ومع الشرك لا يقوم أي عمل مهما كان.
وأعظم ظلم في العالم هو الشرك؛ ولذلك لا يدخل الجنة مشرك، أعظم ما تجرد لأجله السيوف للجهاد هو الشرك، ولا يغفره الله أبداً: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِسورة النساء: 48 فلا يمكن أن يسعد مشرك في هذه الحياة، فالشرك هو الظلمة، والتوحيد أعظم معروف، والشرك أعظم منكر، التوحيد يكفر الله به الخطايا، والشرك رأس الخطايا، الأعمال الصالحة أساسها التوحيد، ومع الشرك لا يقوم أي عمل مهما كان.
هذا التوحيد سبب شرح الصدر، به تغفر الذنوب، ويتحرز من الشيطان، ويرزق به العبد الشفاعة، هو أساس الأعمال الظاهرة والباطنة، وهو الذي تكفل الله لأهله بالفتح والنصر، وهو الذي ينجو به العبد يوم القيامة، هذا هو التوحيد، وهذه كلمة التوحيد، والمشركون على اختلاف أنواعهم أعداء للموحدين مهما كانوا وأينما كانوا.
حكمة الله اقتضت قسمة الخليقة إلى موحد ومشرك
عباد الله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَسورة هود: 118ولذلك لو أرادهم تعالى جميعاً من الموحدين لفعلوا، ولكن لحكمة منه انقسمت الخليقة إلى الموحدين والمشركين، والأبرار والفجار، وكذلك فإن الله لا يمتنع عليه شيء، ولا يعجزه شيء، ولو أراد أن يكون كل أهل القبلة الذين يزعمون الإسلام من الموحدين لفعل سبحانه، ولكن شاء الله تعالى لحِكَمِه العظيمة أن يكون هنالك افتراق في الأمة، وأنها ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وجميعاً في النار إلا واحدة: هي من كان على مثل ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، أراد الله أن يحدث تفرق في الأمة وهذا التفرق يبتلي به الله العباد؛ لينظر كيف يعملون، كيف تكون مواقفهم، ما هي اتجاهاتهم، على أي شيء يوالون؟ ولأجل أي شيء يعادون؟، ما أساس الحب عندهم؟ وما أساس البغض لديهم؟، فإن كان التوحيد هو الذي يوالون من أجله، ويعادون من أجله فقد فازوا، وإذا كانت القضية مختلطة عندهم لا يفرقون بين موحد ومشرك، وغبش في الرؤية، وتشتت في المواقف؛ لأنهم لا يميزون بين التوحيد والشرك تمييزاً جيداً، ولا يبنون مواقفهم على هذا الأساس، وإنما يسمون القضية مصالح، وكل ما هو ضد التوحيد مفاسد، فأين المصلحة في هذا؟
الولاء والبراء ميزان التوحيد وبوصلة الموحدين
عباد الله: تتنوع المواقف اليوم، وتختلف اتجاهات الناس، ولكن يجب أن يكون أمر المسلم واضحاً صريحاً واحداً هو موالاة الناس لأجل التوحيد، ومعاداتهم لأجل الشرك، والذي يفقد هذه البوصلة يضل الاتجاه، والذي يفقد هذا الميزان يأتي بالعجائب، سواء أطلق عليه داعية، أو غير داعية، ومن الدعاة من يدعو إلى أبواب جهنم، ومنهم من يدعو إلى الشرك، فداعية للشرك، وداعية للبدعة، وداعية لأنواع الانحراف، وداعية لإسلام جديد، يريده الأعداء، هكذا يدعو هؤلاء إلى ضلال، وإلى أبواب جهنم على اختلاف درجات انحرافهم.
فماذا أنت فاعل يا عبد الله؟ ما موقفك من هذه الأمور؟ ما موقفك من شرك القبور والأضرحة؟ ما موقفك من صرف أنواع من العبادات لغير الله سواء كانت نذراً أو سجوداً أو استغاثة أو استعانة؟ ما موقفك من الحج للأضرحة وإتيان تلك المشاهد الشركية، والانكباب عليها وجعلها قبلة للدعاء؟ ما موقفك من الأقوال المنحرفة؟ ما موقفك من الافتراق الذي بينه النبي ﷺ بقوله: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة [رواه أبو داود: (4/197) باب شرح السنة: (4596) وحسنه الألباني]، وما موقفك من هذه الفرق؟ ما موقفك من الذين قالوا بالتعطيل وأنواع العدوان على القرآن وأسماء الله وصفاته؟ ما موقفك من المعتدين على معنى الإيمان والقضاء والقدر؟ ما موقفك من الذين مارسوا أنواعاً من صرف العبوديات لغير الله؟ هنا تزل الأقدام، هنا مربط الفرس، هنا مكمن القضية، هنا لب الموضوع.
يا عباد الله: لو أن أبا جهل ومن معه صار بينهم وبين يهود خيبر خلاف، فجرد جيشاً من أجلهم وأغار عليهم هل ترى سيحبه المسلمون وهو مشرك بالله؟ هل سيهتفون له وهو لا يوحد ربه؟ والكفار تحدث بينهم خلافات، بين المشركين وأنواع الكفار خلافات، وهذا أمر متوقع وطبيعي، فما الموقف من ذلك؟.
وبالمناسبة فإن أبا جهل كان له لحية وافرة وعمامة واضحة، وهكذا كانت طريقة العرب في لباسها مسلمهم ومشركهم، أفنبني القضية على شكل أو خديعة أو عداوة لكافر معين؟ وإذا كنا سنفرح إذا ضرب الكفار بعضهم بعضاً فهل يعني هذا أننا سنحب المشرك الذي ضرب الكافر ونوالي المشرك الذي قصف الكافر؟
عباد الله: القضية جد واضحة وبينة، وتختلف المشاريع وتضطرب في أنحاء العالم، في هذه الصادات الثلاث: صهيونية وصليبية وصفوية وغير ذلك، وقل هنالك أناس لهم مصالح صينية وغيرها، فماذا سيكون موقفك يا عبد الله مع التوحيد وأهل التوحيد فقط؟ لا تنخدعن، لا تأخذنك أنواع التهويلات، المسألة مسألة مصير، جنة ونار، المسألة مسألة افتراق واضح، توحيد وشرك، جاء النبي ﷺ بتحطيم الأصنام، وإزالة المشاهد التي تعبد من دون الله، وأرسل علياً وجريراً وخالداً ونحوهم من الصحابة لأجل إزالة المشاهد والقبور والأضرحة التي تعبد من دون الله، والأصنام والتماثيل التي تصرف لها أنواع من العبادة لغير الله أزالها ﷺ؛ لأن الله لا يريد شركاً في الأرض، ولأنه ما أرسل نبيه ﷺ إلا لمحاربة الشرك، فالقضية إذاً عند المسلم لا لبس فيها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ثم الذين كفروا بربهم يشركون، ويعدلون، الحمد لله جاعل الظلمات والنور، فالذين آمنوا ووحدوا استنارت قلوبهم بنور الله، والذين وقعوا في الشرك أظلمت قلوبهم بهذا الشرك، الذي عبدوا به من عبدوا من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله أوحده وأثني عليه، أشكره ولا أكفره، وأخلع كل من يشرك به ويكفره، لا إله إلا الله عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نحاسب، وبها ندخل الجنة، لا إله إلا الله حق الخالق علينا، لا إله إلا الله، أن نعبده ولا نشرك به شيئا، لا نبي، ولا ولي، ولا إمام، لا إله إلا الله، هي التي لأجلها خلقنا، لا إله إلا الله بها تعبدنا، لا إله إلا الله جعلها أصل سعادتنا، لا إله إلا الله بها ندخل هذه الجنة التي عرضها السموات والأرض، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، إمام الموحدين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، لا يشفع لمشرك وحُرم ذلك على الكافرين، لا يَرِد حوضه مشرك، وإنما ينالها الموحدون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد إمام الحنفاء، الشافع المشفع يوم الدين، حامل لواء الحمد، وهو لواء التوحيد، وهو صاحب المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
آيات الله بينة ثم هم يشركون
الله شديد العقاب، الله يُملي، ولكن إذا أخذ فإنما يأخذ بغتة فإذا هم مبلسون، أتاها ريح عاصف، أتاها ريح قاصف، أتاها ريح من الله، وتكون لأهل الكفر والمعصية عقوبة، ولأهل الإيمان ابتلاء..
عباد الله: آياتٌ له في الأرض ، فهذا إعصار، وهذا زلزال، وتلك فتن، قوة الله تعالى تتجلى في هذه الرياح التي يرسلها في هذه الريح لتدل على قوته سبحانه، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىسورة هود: 102، قال عن أخذه؟ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ، إعصار تفوق سرعته مائتي كيلو متر في الساعة، يهب هبة واحدة ليترك أكثر من ثلاثين ألف قتيل قد أحصوا حتى الآن، والعدد مرشح للزيادة إلى مائة ألف!، سبحانه هو القوي، سبحانه مهما تجبر الناس فالله هو الجبار فوقهم فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَاسورة العنكبوت: 40، وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةًسورة الأنفال: 25 ونحن نعتبر، وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِسورة الحج: 47، ولكن الله شديد العقاب، الله يُملي، ولكن إذا أخذ فإنما يأخذ بغتة فإذا هم مبلسون، أتاها ريح عاصف، أتاها ريح قاصف، أتاها ريح من الله، وتكون لأهل الكفر والمعصية عقوبة، ولأهل الإيمان ابتلاء فيكون النازل واحداً، ولكن باعتبار كل حالٍ مصيرٌ مختلفٌ، ولقد كثرت الذنوب في الأرض، فأنت ترى أنواع الفواحش، أنواع الربا، أنواع الظلم قد حصلت، والله يُري عباده أنواع بطشه وقوته، وهؤلاء الماديون لا ينظرون إلى القضية إلا على أنها ظاهرة طبيعية، -سبحان الله- هذه ظاهرة طبيعية، وقتلى أكثر من تسونامي، ثم يقولون ظاهرة طبيعية، ما لكم قلوب تعقلون بها! ما لكم أعين تبصرون بها! ما لكم آذان تسمعون بها! ظاهرة طبيعية! إذا كان الله قد أنذرنا، وخوفنا، وما أصاب غيرنا يمكن أن يصيبنا، فلسنا بمعصومين من العذاب، وليس بيننا وبين الله نسب، ولذلك يجب علينا أن نخاف من الله، وأن نخشى عذاب الله، وعندما يزلزلها ربنا في الصين خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ سورة العنكبوت: 40، وعندما يحدث ما يحدث من هذا الزلزال الكبير الذي أُعلن عن أكثر من خمسين ألف قتيل حتى الآن من جرائه، هذا شيء طبيعي! هذا شيء عادي! أن يكون التلاميذ تحت حطام المدارس هذا شيء عادي! هذه ظاهرة طبيعية! عندما نزل قول الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْسورة الأنعام: 65، قال نبينا ﷺ: أعوذ بوجهك، وهذه ريح إعصار أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، قال ﷺ: أعوذ بوجهك[رواه البخاري: (4/1694) برقم: (4352)]، وهذا من تحت زلزال، قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ، قال مجاهد: الصيحة والحجارة والريح، ورأيناها والله ريح عاتية في بورما مينمار.. الكاميرات والإعلام تنقل لكن أين الذين يتعظون؟! القضية ليست قضية تسابق في نقل الأخبار فقط، وليست قضية شاشات تتنافس في عرض المآسي، أين العظة؟ قال مجاهد: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ، أي: الصيحة والحجارة والريح، أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال مجاهد: الرجفة والخسف، وقد رأيناها في زلزال الصين، فجاء من فوق، وجاء من تحت، ومن أسفل في مدة متقاربة؛ عظة للعباد، تخويفاً لأهل الأرض، آية بينة في غمرة هذه المعاصي والشرك والكفر والظلم الذي عم الأرض، فما بالهم لا يتعظون؟! ما بالهم لا يرعوون؟! ما بالهم يصرون على أن القضية ظواهر طبيعية، وينسبونها أحياناً إلى غضبة الطبيعة، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَسورة الأعراف: 96-97، فقد جاء قوماً البأسُ بياتاً واللهِ وهم نائمون، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَسورة الأعراف: 98، فقد جاء والله البأسُ للقوم ضحى وهم يلعبون، في النوم واللعب أتى عذاب الله، أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَسورة الأعراف: 99.
في العذاب الدنيوي تذكير بالتوبة
وتجد هنالك في الشواطئ الأخرى في الغرب أعاصير ورياح مدمرة، وتجد تصحراً وتجد جفافاً وتجد جدباً وقحطاً، وتجد من التذكير الذي هو من الدرجة الأخف ما ينبئ الله به عباده يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِسورة الزمر: 16، قال ابن القيم رحمه الله: "وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم، كما قال بعض السلف: وقد زلزلت الأرض إن ربكم يستعتبكم"[مفتاح دار السعادة: (1/221)]، يعني: لتتوبوا، لترجعوا وتؤوبوا، لتطيعوا، فما هو الواجب إذاً؟ الاتعاظ بما أصاب غيرنا لئلا يصبنا، فمن الذي يتعظ؟! التوبة إلى الله مما كسبت أيدينا فمالنا حصانة من عذاب الله، وما عندنا والله شيء يمنع عنا هذا العذاب إلا طاعة الله وتوحيده، والنبي ﷺ إذا كان أرشدنا في الكسوف إلى التوبة والاستغفار وقال: فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعاءه واستغفاره[رواه البخاري: (1/360) باب الذكر في الكسوف: برقم: (1010)]، وهذه ظاهرة ليس فيها عذاب بحد ذاته، وإنما هي تذكير بيوم القيامة، فما بالك بالظواهر التي فيها عذاب، إذا كان النبي ﷺ يبقى قلقاً مضطرباً خائفاً فزعاً إذا رأى غيماً في السماء ويقول: ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب[رواه البخاري: (4/1827) برقم: (4551) ومسلم: (2/616) برقم: (899)]، فما بالك بما إذا كان فيه عذاب فعلاً وقد نزل، كان ﷺ إذا رأى غيماً عُرف ذلك في وجهه، أقبل وأدبر، اضطرب، خاف من الله تعالى، "فإذا أمطرت سُري عنه" [رواه مسلم: (2/616) برقم: (899)]، ولكن يبقى يتذكر، القوم الذين لما رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍسورة الأحقاف: 24-25، ريح تدمر كل شيء، أرأيت منازلهم في بورما مينمار! أرأيت سقوفهم! أرأيت عماراتهم! أرأيت مزارعهم! أرأيت شوارعهم! أرأيت الجسور كيف تتهاوى! أرأيت السدود الآن في الصين فيها مشاكل حقيقية نتيجة الزلزال، مهما تقدم الناس في البنيان، ومهما صاروا في الصنعة والتقنية والتطور المادي والدنيوي والمهارات المختلفة، فهل يغلبون الله؟، زلزال واحد، إعصار واحد يأتيهم من حيث لا يحتسبون ولا يستطيعون له صرفا، ولا يستطيعون له رداً، فإذا نزل أمر الله فلا مرد له، هو القابض لما بسط، هو القابض إذا شاء، والباسط إذا شاء، فلا قابض لما بسط، ولا باسط لما قبض، ولا مباعد لما قرب، ولا مقرب لما باعد، هو الذي يهدي من يشاء فلا مضل له، ويضل من يشاء فلا هادي له، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، يرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، وإليه تُقلبون.
اللهم اغفر لنا أجمعين، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم اجعلها عامرة بتوحيدك وذكرك وشكرك وعبادتك، اللهم إنا نسألك أن تحينا مسلمين وأن تتوفانا مؤمنين، وأن تلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم اجعلنا ممن يعتبر ولا تجعلنا مما يُعتبر به، اللهم إنا نسألك عيشاً رغيدا، نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وفتنة الغلاء وشماتة الأعداء، اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا، أغثنا يا أرحم الراحمين، أغثنا يا رب العالمين، أغثنا إنك على كل شيء قدير، يا غني نحن الفقراء إليك، يا قوي نحن الضعفاء بين يديك، يا راحم الخلق محتاجون إلى رحمتك بين يديك في هذه الساعة فلا تخيب رجاءنا واغفر لنا ذنوبنا ولا تطردنا عن بابك اجعلنا من أهل رجاءك، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، من أراد بلدنا هذا بسوء فابطش به، من أرد أن يفرق أمرنا على التوحيد فاجعل كيده في نحره، من أراد أن يعبث بأمننا وأمن المسلمين فأشغله بنفسه، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تعتق رقابنا من النار، وتدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الصافات: 180-182.