السبت 13 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 14 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

اشكروا الله


عناصر المادة
الخطبة الأولى
شكر النعمة من أعظم صفات المؤمنين
حقيقة الشكر الرضا بقضاء الله وقدره
التأمل في سير الشاكرين تعين على الشكر
الخطبة الثانية 
الغفلة تصرف الإنسان عن الشكر
كفر النعمة تهلك المجتمعات

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

شكر النعمة من أعظم صفات المؤمنين

00:00:33

فإن المسلم لا يخلو أن يكون يفعل واحداً من ثلاثة: إما أن يفعل مأموراً به، أو يصبر عن محظور، أو يصبر على مقدور، وهكذا ينبغي أن يكون حال المسلم، يتقلب في أمر الله فعلاً، وتركاً لما نهي عنه، وصبراً على ما قضى الله تعالى به وقدّر، وأن يشكر ما أنعم الله به عليه، والقلب الحي هو الذي يتأمل نعم الرب فيقوم بشكرها وهو يتقلب في نعمه صباح مساء، وإذا خرج من عبادة كصيام رمضان أتمها الله عليه -فإنها نعمة عظيمة- فهو يشكرها بمزيد من العبادة كصيام الست، وغيرها من أنواع الطاعات، وكذلك فإنه يترك المحظور والمنهي وما حرمه الله تعالى ونهاه عنه؛ تقرباً إلى ربه .

أيها المسلمون:

إن شكر النعم، والصبر على المقدورات، من أعظم صفاة المؤمنين، ولا يجوز لمسلم أن ينعم عليه ربه بالنعم في كل يوم وهو يبارزه بالمعصية صباح مساء، ولماذا لا نشكر ربنا ونحن نخشى أن يهلكنا كما أهلك من هو أشد منا قوة؟

أيها المسلمون:

تمتلئ بطوننا من رزق الله، وننام ملئ جفوننا بنعمة الله، فماذا يجب علينا؟ أن نزداد لله تعظيماً، ولأنعمه شكراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاسورة الفرقان 62. ولذلك فإن توالي الليالي والأيام ينبغي أن يحملنا على الطاعات لا على تركها، نحتاج لشكر ربنا ، الشكر صمام الأمان، وسبب بقاء النعمة وزيادتها، قال تعالى: مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ إذن الشكر يمنع العذاب مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًاسورة النساء 147.

حقيقة الشكر الرضا بقضاء الله وقدره

00:03:10

إذا علم المسلم حقيقة الشكر ومنزلته فإنه سيسعى إليه، ومما يعين على الشكر: أن يرضى بما قدره الله تعالى له، وأن يعتقد الخير فيما حصل؛ لأنك لا تدري ما الخير يا عبد الله فيما أوتيت أو منعت، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له[رواه مسلم 2999]. وربنا قد دعانا إلى أن نرضى بما آتانا، وأن نصبر على ما منعنا، وإذا نظر العبد إلى من فوقه في النعمة كان ذلك من أسباب الشكر، قال النبي ﷺ: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم[رواه مسلم 2963].رواه الإمام أحمد ومسلم، ومما يعين على الشكر: أن يمتد البصر إلى نعيم الآخرة، حيث المحط الحقيقي للرحال، والنهاية للآمال، وهناك في الجنان ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ۝ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍسورة القمر 54-55. وكيف لا تشكر يا ابن آدم! وقد سخر لك ما تركب، وهيئ لك ما تسكن، وما تأوي إليه، وأفاء ربك عليك من نعم الأموال، والأولاد، والأزواج ما تسكن إليه، وتتزين به أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ۝ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ۝ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ سورة يــس 71-73.

وكذلك: فإن التدبر في آيات الله مما يعين على الشكر، إن هناك سورة تسمى سورة النعم، ما هي سورة النعم التي ينبغي لنا التأمل فيها؟ سورة النعم هي سورة النحل؛ مما كثر فيها من تعداد النعم، والأمر بالشكر، سميت سورة النحل بسورة النعم، فإذن تأَمُّلُ ما في هذه السورة وغيرها يؤدي إلى التحرك للشكر، ومما يعين على الشكر أيضاً: أن تتذكر أحوال الضعف التي مرت بك، وكيف صيرك الله إلى حال قوة وغنى، كنت فقيراً فأغناك الله بالمال، كنت عزباً فزوجك الله، لم يكن لديك أولاد فرزقك الله أولاداً، كنت طالباً فصرت موظفاً، كنت في بيت صغير فانتقلت إلى بيت أكبر، أو كنت مستأجراً فملكت، ونحو ذلك من الأحوال التي تتقلب فيها، والمشكلة أن الناس لا يتأملون ما مضى من حياتهم، ولا ينظرون في النقص الذي كانوا فيه من قبل، ولا يتأملون في ما كانوا فيه من الفقر، أو الضعف، أو الأحوال التي تغيرت، ومن فقه أبي هريرة ، وشكره للنعمة: أنه رُأي في الليل يكبر، فلحقه رجل ببعيره، فقال: من هذا؟ قال: أبو هريرة، قال: وما التكبير؟ قال: أشكر ربي بذكره، قال: على أيّ شيء؟ قال: كنت أجير لبسرة بنت غزوان بعقبة رجلي وطعام بطني، -كنت موظفاً في ما مضى من أمري، كنت أؤجر نفسي لهذه المرأة مقابل أن أشبع، وأن أركب فقط- وكانوا إذا ركبوا سقت بهم، -سائق- وإذا نزلوا خدمتهم، -خادم- فزوجنيها الله فهي امرأتي، ثم أصبح أميراً على مصر من الأمصار، أمّره عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، فماذا يذكر أبو هريرة إذن؟ أنه كان في ما مضى سائقاً، خادماً، فصار في ما بعد غنياً، أميراً، متزوجاً للمرأة التي كان يخدم أهلها.

التأمل في سير الشاكرين تعين على الشكر

00:08:15

والنظر في سير الشاكرين يعين على الشكر، ألم ترى أن الله مدح آل داود بقوله: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًاسورة سبأ 13. على أي شيء كانوا يفعلونه؟ لم يأت عليهم ساعة إلا وفيهم مصلٍّ، لا يخلوا البيت من صلاة، ليس ساعة إلا وفي آل داود مصلٍّ، امرأة أو رجل، ذكر أو أنثى، لا يخلوا البيت من مصلٍّ، فهل بيوتنا كذلك؟ هل يوجد أوقات تخلوا من العبادة؟ كثير والله! فأين شكر النعمة؟

إبراهيم الخليل الأمة القانت، كان شاكراً لأنعم الله شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ سورة النحل 121. وكذلك يوسف لما خرج من السجن، وتبوأ خزائن الأرض، هل نسي ما كان فيه؟ أبداً، قال بعد ما صار له الملك في الأرض: وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ سورة يوسف 100. أخرجني من السجن، كان مسجوناً ففك قيده، كان أسيراً فصار طليقاً، فهو يتذكر النعمة، نعمة ربه عليه، لبث في السجن بضع سنين وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِسورة يوسف 100. وكان أهله بعيدون عنه فصاروا قريبين منه وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ سورة يوسف 100. فهاهم أهله قد انضموا إليه فذكر النعمة، ثم قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَسورة يوسف 101. ولذلك إذا آتى الله العبد نعمة يأمره بالشكر: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ سورة الأعراف 144. قال رجل لشيخ الإسلام ابن تيمية: كيف أصبحت؟ قال: "أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي" وهذا من تواضعه رحمه الله، فيذكر ستر ربه عليه، ستر القبيح، وإظهار الجميل للناس فيودوه، بل كان الصالحون يتجاوزون بشكرهم خاصة أنفسهم، ويفرحون بنعمة الله على غيرهم، وهذا مقام عظيم: أن تفرح بنعمة الله على غيرك من إخوانك المسلمين، ولذلك جاء في ما ذكر عبدالله ابن المبارك: أن النجاشي -يرحمه الله- أرسل ذات يوم إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه من المسلمين عنده في الحبشة، فدخلوا عليه وهو في بيته، عليه خلقان -أي: ثياب بالية-، جالس على التراب، وهو ملك الحبشة، قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما رأى ما في وجوهنا من الاستغراب، قال: إني أبشركم بما يسركم، إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فاخبرني أن الله قد نصر نبيه ﷺ، وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان، وقتل فلان وفلان، بواد يقال له بدر، حتى قال له جعفر: ما بالك جالساً على التراب، ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاق البالية؟! قال: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن حقاً على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعاً إذا أحدث لهم من نعمه، فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت لله هذا التواضع، والعلم نافذة عظيمة يفتح الله بها على صاحبها أبواباً عظيمة من الشكر.

نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وتقصيرنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وينصرنا على القوم الكافرين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية 

00:13:19

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى سبيله ورضوانه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الغفلة تصرف الإنسان عن الشكر

00:13:43

عباد الله:

إن الإنسان ظلوم جهول، فيه جهل وكبر، وغفلة تصرفه عن الشكر، فالجاهل لا يعرف نعم الله ولا يشكر، وأنى له الشكر! والمتكبر ينسى فضل المنعم، ولذلك قال قارون بدلاً من شكر النعمة: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي سورة القصص 78. فتغطرس وتجبر بدلاً من أن يتواضع ويشكر المنعم قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي واغتر فرعون وقال: يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي سورة الزخرف 51. فاجتنب لي وعندي، وانسب إلى الله النعمة، والغفلة تُنسي النعم فيضل صاحبها يرمق نعمة الله على الآخرين شاعراً بأنه مبخوس، منقوص، مظلوم، محروم، ولو أنه تفكر في نفسه لوجد نعماً كثيرة، فلو كان ذا صحة فتأمل حال المرضى لعرف النعمة، ولو كان في فقر، ولو كان مريضاً، فتأمل ما لديه من الذرية لشكر النعمة أنه لم يكن عقيماً، ليس له ولد ولا ذرية، ولو كان عقيماً فتأمل نعمة المال التي عنده لحمد الله أنه لم يكن فقيراً، وهكذا لا يخلوا الإنسان من نعمة مهما كانت حاله بئيسة، لابد أن يوجد هناك نعم أنعم الله بها عليه.

يحكى أن بعض حفظة القرآن الفقراء اشتد به الفقر حتى ضاق به ذرعاً، فنام فرأى في المنام كأن قائلاً يقول له: أتود أنا أنسيناك من القرآن سورة الأنعام، وأن لك ألف دينار، قال: لا، قال: فسورة هود، قال: لا، قال: فسورة يوسف، قال: لا، فعدد عليه سوراً، ثم قال: معك قيمة مائة ألف دينار وأنت تشكو، فأصبح وقد سري عنه.

ولذلك فإن المسلم مهما كان في شدة، ومهما كان في ضائقة، لو تأمل في حاله سيجد أشياء يشكر نعمة ربه عليه، يشكر ربه على هذه النعم، وأبخل الناس من بخل بشكر الرب وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سورة الحشر 9. هذا الشيطان يريد أن ينسينا شكر النعمة قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَسورة الأعراف 16-17. ولا تجد أكثرهم شاكرين، ولهذا فإن العبد لا يزال في مكر الشيطان حتى يضعفه عن الشكر، ويقول: ماذا عندك؟ فلان أكثر، ماذا لديك؟ فلان عنده أكثر، وهكذا، حتى يجعله لا يشعر بنعم الله عليه.

أما أهل القلوب الحية فهم لا يزالون يشكرون ربهم، كان الإمام المزني رحمه الله ذا زهد وتألّه، عالم عظيم، أخذ عنه العلماء، وبه انتشر علم الشافعي، فألّف مختصراً في الفقه، امتلأت البلاد به، حتى قيل: كانت البكر العروس يكون في جهازها نسخة من مختصر المزني، هذا الإمام قال عنه الذهبي رحمه الله في شكر النعمة: كان إذا فرغ من تبييض مسألة، وأودعها مختصره، صلى لله ركعتين؛ شكراً على ما أنعم به عليه من العلم، وهذه المسألة التي سطرها.

كفر النعمة تهلك المجتمعات

00:18:19

أيها المسلمون:

إن الله يعاقب مجتمعات بأكملها على عدم شكر النعمة لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ۝ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ۝ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ سورة سبأ 15-17. وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَسورة النحل 112. فهكذا يذهب الحرام بالشكر فيمحوه فلا يأتي بعد ذلك من الله إلا العقوبة.

أيها المسلمون:

عندما نجد هذه الأحداث العجيبة، التي يقدم عليها بعض الناس من الجرائم الكثيرة، التي تنبأ فعلاً عن حرمان الله تعالى بعض الناس من الأمن بسبب كفرهم وطغيانهم، وهذه القضية ارتكاب المحرمات، مسلسل يقود بعضه إلى بعض، وربما عم شره حتى بعض الصالحين الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فاجعلوا ألسنتكم تلهج بشكر الله تعالى على ما أنعم به عليكم، وأعظم نعمة أنعمها الله تعالى علينا أيها الإخوة! نعمة التوحيد، أنه عرفنا أنه لا إله إلا هو، وفي الأرض كفار ومشركون، وأنه جعلنا في خير أمة أخرجت للناس، خير أمة، مسلمون، نحن مسلمون وغيرنا كفار، وجعلنا كذلك نقوم بعبادته، ومكننا بحوله وقوته من الصيام، مكننا من العبادة، فهذه نعمة عظيمة تستوجب الشكر، وكذلك أنه وفقنا لحضور الجمعة، وغيرها من العبادات، هذه نعم، وهكذا، إذا تأملت تجد النعم متوالية، ولكن كثير من الناس يظن أن كلمة نعمة هي: الخبز، واللحم، والمال، واللبس، ولا يفكر في نعمة الدين، والتوحيد، والعقيدة الصحيحة، والعبادة، والتمكين من العبادة، هذا الشيء الذي حرم منه عدد من المرضى والمساكين الذين لا يطيقون العبادة لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْسورة إبراهيم 7. فاشكروه يزدكم ، وإننا نسأل الله تعالى المزيد من فضله، ونحن نعتقد أن من نعمه علينا ما حصل من إيقاظ المسلمين لحرب اليهود، والقيام له والتصدي، وإن هذه العمليات التي يقوم بها هؤلاء المجاهدون المسلمون ضد اليهود، بالسلام الأبيض تارة يدخلون على بعض اليهود فيطعنونهم، وبالرشاشات والمسدسات تارة، فيتصدون لهم ويطلقون عليهم النار، وباالتفجير من بعد تارة بما علمهم الله تعالى، وهكذا، إنها نعمة عظيمة، كانت الأمة في رقود تتجه نحو الاستسلام لليهود، فأنعم الله بأحداث جعلت روح الجهاد تسري في جديد في هذا الجسد، جسد الأمة المسلمة، فنسأل الله المزيد من فضله، نسأل الله مزيداً من الإيقاظ.

اللهم أيقظ في قلوب المسلمين الحمية لجهاد اليهود، واجمع كلمتهم على قتال اليهود، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلي كلمة الدين، اللهم إنا نسألك نصراً عاجلاً لهذه الأمة يا رب العالمين، عليك باليهود والنصارى والمشركين، اللهم من أراد صرف المسلمين عن دينهم فأشغله بنفسه، ومن أراد إشغال المسلمين بالمنكرات عن عبادتك فاجعل كيده في نحره، اللهم اهتك ستره، وانشر سره، واجعله عبرة لمن اعتبر، اللهم إنا نسألك لبلدنا هذا الأمن والإيمان، ولسائر بلاد المسلمين يا رحمن.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه مسلم 2999.
2 - رواه مسلم 2963.