الأحد 10 ربيع الآخر 1446 هـ :: 13 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ألهاكم التكاثر


عناصر المادة
الخطبة الأولى
اللعب واللهو
التكاثر بين المدح والذم
التكاثر متاع فان
الخطبة الثانية
أكثر من الخير
الشيشان مفخرة المسلمين

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب 70-71.

أما بعد:

اللعب واللهو

00:01:18

فإن الله قد نبهنا إلى عدم الاغترار بالحياة الدنيا وبين لنا حقيقتها فقال: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌسورة العنكبوت:64، وقال : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌسورة الحديد:20، وكثيراً ما يقرن بين اللهو واللعب في وصف الدنيا كما في هاتين الآيتين، وكما في قوله تعالى: إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌسورة محمد:36، فأما الفرق بين اللعب واللهو فمما ذكره العلماء ما قاله ابن القيم رحمه الله: اللهو للقلب واللعب للجوارح، واللعب قد يكون في أمر مباح بل قد يكون في أمر معين على الجهاد وهو من الطاعة كما كان الحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، وكذلك في ملاعبة الرجل زوجته، وقول النبي ﷺ: فهلا بكر تلاعبها وتلاعبك[رواه البخاري (5247)]، وقد تكون الملاعبة في الحرام، وتضييع الأوقات وتزجيتها في معصية الله تعالى، كما هو حال أكثر الألعاب في هذا الزمان مما يشغل عن الله وذكره، ويحوي أنواعاً من المحرمات كالميسر وغيره.

وأما اللهو -يا عباد الله- فقد كثر في عصرنا جداً، واللهو عموماً مذموم، اللهو الميل عن الجد إلى الهزل، واللهو هو الإعراض عن الحق، واللهو هو صرف الهم بما لا يحسن أن يصرف به: الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَاسورة الأعراف:51، وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًاسورة الأنعام:70 كما في آية أخرى، اللهو مما اتصف به أهل عصرنا؛ فانشغلوا عن الدين، وعن الآخرة بأنواع من الملهيات، هذا اللهو إن كان بقصد، فإن الإنسان مؤاخذ عليه ومحاسب، وإن كان بغير قصد، فإن صاحبه معذور، وهو نوع من النسيان، كما حصل للنبي ﷺ فيما أخبر به من قوله: فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي[رواه البخاري (373)، ومسلم (556)] لذلك اللباس الذي أُهدي إليه فلبسه، وله أعلام، قال: إنها ألهتني عن صلاتي، وهذا اللهو، وهو الذي يكون بقصد يفعله كثير من الناس، هذا الذي ذكرنا الله بالابتعاد عنه بقوله في تلك الصورة العظيمة:أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۝ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَسورة التكاثر:1-2، هذه المكاثرة التي تُلهي، هذه المكاثرة هذا التكاثر الذي قد يكون تنافساً بين الناس يقول كل واحد منهم لصاحبه: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًاسورة الكهف:34، فيتكلف التكثر ويتطلبه في أمور الدنيا، وهذا معنى آخر للتكاثر والتكثر من الشخص الواحد، وبين الاثنين فأكثر، هذا التكاثر المذموم الذي يشغل ويلهي، فيجمع الإنسان بين التكاثر واللهو، بل إنه تكاثر يفضي إلى اللهو، ويؤدي إليه، وهو سبب من أسبابه.

التكاثر بين المدح والذم

00:05:47

التكاثر والتفاخر في الأموال والأولاد، والخدم والأعوان، وغير ذلك، التكاثر الذي يشغل عن الله والدار الآخرة، قد يكون في أشياء مادية من الأموال والمراكب، والأثاث والرياش، وغيرها، وقد يكون في أشياء معنوية، بل قد يكون في أمور مما ظاهره العلم كمسائل الفقه، وطرق الحديث؛ ولذلك فإنه ينبغي حتى لطالب العلم أن ينتبه من قضية التكاثر هذه، ومن لطيف ما ورد في هذا المعنى ما جاء عن حمزة الكناني رحمه الله قال: خرَّجت حديثاً واحداً عن النبي ﷺ من مائتين طريق، فداخلني من ذلك من الفرح غير قليل، وأعجبت به، فرأيت ليلة من الليالي في المنام يحيى بن معين -وكان من كبار المحدثين وأعلام الأمة-، فقلت له: يا أبا زكريا، -وهي كنية يحيى بن معين-، خرجت حديثاً واحداً عن النبي ﷺ من مائتي طريق، قال: فسكت عني ساعة، ثم قال: أخشى أن يدخل هذا تحت: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُسورة التكاثر:1، وهكذا يجمع بعض الناس الكتب لا يفيد منها، ولا يحدث له إلا المضرة بالمفاخرة بكثرتها، فهذا مما يحدث لبعض الناس تحت شعار شيء من الطاعات كطلب العلم.

وكذلك تكاثر الداعية بمن حوله، وقد لقن الله المؤمنين درساً عظيماً في غزوة حنين: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْسورة التوبة:25، فكانت تلك الكثرة وبالاً في أول الأمر حتى لا يكون للصحابة تعلق بهذه القضية، وإنما يتذكرون النوع أكثر مما يتذكرون الكم.

قد يكون للتكاثر في بعض الأمور خير عظيم كما في أمور الآخرة، فيكثر الإنسان من الصدقات، ويكثر من العبادات، وهكذا، بل حتى في بعض أمور الدنيا إذا أكثر منها بقصد صحيح كان له بذلك أجر.

يا عباد الله: إن هذا التكاثر قد أورد الناس مهالك شتى، وقد يكون للتكاثر في بعض الأمور خير عظيم كما في أمور الآخرة، فيكثر الإنسان من الصدقات، ويكثر من العبادات، وهكذا، بل حتى في بعض أمور الدنيا إذا أكثر منها بقصد صحيح كان له بذلك أجر، ألم تر أن النبي ﷺ قال: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مباه بكم الأمم[رواه أبو داود (2050)]، فحثنا ﷺ على تكثير النسل؛ لأن عدد الناس في الأمة عز لها إذا كثروا، ورهبة لأعدائها، ألا ترى اليوم أنه لا يكاد يفكر أحد بغزو بلاد الصين، لماذا؟ لكثرة عددهم، فكثرة العدد رهبة للأعداء، وهذا الذي يركز أعداء الإسلام على محاربته، والحد منه، وتقليله بين المسلمين، فيشيعون قضية الحد من النسل، تارة بمنعه بالكلية، وتارة بزعم تنظيمه، وكثير من تنظيمه لا حاجة إليه في الواقع، وإنما هو دفع المسلمين إلى التقليل من نسلهم.

فحديثنا -يا عباد الله- في الأصل عن التكاثر المذموم، التكاثر الذي يكون حتى في مستوى بعض الطائعين بكثرة الأتباع، بل حتى في العلماء وطلبة العلم؛ ولذلك كان السلف يحاربون ذلك أشد المحاربة.

قال حماد بن زيد: كنت أمشي مع أيوب السختياني، فيأخذ في طرق؛ إني لأعجب له كيف يهتدي لها فراراً من الناس أن يقال: هذا أيوب، هذا أيوب.

وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: كنت أجلس يوم الجمعة، فإذا كثر الناس -أي عليه- فرحت، وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور، فقال: هذا مجلس سوء فلا تعد إليه، وهكذا كانوا يحذرون الكثرة من حولهم، أي: الكثرة التي تفضي إلى اغترار الإنسان.

التكاثر متاع فان

00:11:28

عباد الله: إن هذا التكاثر في متاع الدنيا الفاني، ولذاتها الزائلة مما أشغل الناس عن الآخرة، إنهم اليوم يكاثرون في أمور عجيبة، فترى بعضهم يكاثر في الملابس والحقائب، والحلي وسائر الكماليات، والتحف والبهارج، ولوحات الزينة الحائطية، ويكاثرون في أنواع المطاعم، فيَعرض لك على سفرة الضيافة أشكالاً وألواناً كثيرة ربما لا يكون هناك حاجة لبعضها، أو تدخل في ضمن الإسراف، لا في ضمن إكرام الضيف، ويكاثرون بالأواني، ويكاثرون بالهواتف وأرقامها، وربما يكاثرون بالسيارات والموديلات، ويكاثرون في الولائم، ويكاثرون في الحفلات، ويكاثرون في الشهادات، والأوسمة والنياشين، فترى الواحد يجمع الكأس تلو الكأس على النيشان تلو النيشان، على تلك القلادة في الرقبة تلو القلادة على تلك اللوحات الفخرية والشهادات التي نالها ليكاثر بها، ويقول عندي كذا وكذا.

التكاثر في متاع الدنيا الفاني، ولذاتها الزائلة مما أشغل الناس عن الآخرة، إنهم اليوم يكاثرون في أمور عجيبة، فترى بعضهم يكاثر في الملابس والحقائب، والحلي وسائر الكماليات، والتحف والبهارج، ولوحات الزينة الحائطية، ويكاثرون في أنواع المطاعم...

عباد الله: إنه أمر جلل قد حذرنا الله منه بقوله: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُسورة التكاثر:1 إنه خطاب تقريع وتوبيخ، أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ سورة التكاثر:1 إن هذا التكاثر الذي يسبب الغفلة، والانشغال عن العبادة وعن الدار الآخرة، فتأملوا رحمكم الله ماذا أحدث هذا التكاثر فينا؟ وماذا غير في حياتنا،؟ هذه الكثرة التي لا داعي لها، حتى أنني سمعت أن بعض هؤلاء السفهاء يدخل محل خياطة فيفصل ثلاثمائة وخمسة وستين ثوباً في مرة واحدة للسنة، ثم يعود إليها، وربما يكون بعض من حوله لا يجد إلا علبة تونة يضعها فوق الرز لأولاده من الإدام؛ لأنهم لا يجدون ما يأتدمون به مما يأتدم به الناس، وهذا من ألوان الجنون، فلا تقل لي: إن كثيراً من الرجال رجال حقاً، بل إن الكثير منهم لا عقول لهم، فكيف إذا تسلطت النساء على الرجال من الناقصات العقل أصلاً بالخلقة، فصرن يباهين، ويكاثرن بهذه الأشياء، وامتلأت البيوت بأنواع الكماليات الداخلة في قوله: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُسورة التكاثر:1 حتى حل وقت الندم حيث لا ينفع الندم، فجاء الموت، وهذا معنى قول الله: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۝ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ سورة التكاثر:1-2 أي: أنكم التهيتم بهذه الكثرة حتى جاءكم الموت، ألهتكم المكاثرة حتى قطعكم الموت عن الاستمتاع بها، ورحلتم إلى الدار الآخرة، وأقبلتم على الله، وانقطعتم عن الدنيا، فلا فائدة من كثرة تلك الأشياء التي جمعتموها، وهذه الأموال التي كاثرتم بها، وهذه الأشجار والزراعات، وغيرها من أنواع الدنيا التي لا يقصد بها الكثير من جمعها -حتى في جمع الطوابع والعملات وغيرها-، لا يقصدون الله ولا الدار الآخرة، ولا تكاد تجد قصداً صحيحاً في مثل هذه الأشياء إلا المباهاة والتفاخر، وأن يقول: أنا عندي مائة، وعندي ألف، ونحو ذلك من الأشياء.

فالله الله يا عباد الله، أن تشغلكم الدنيا والتكاثر بها عن الدار الآخرة، وأن ننقطع عن الأمر الحقيقي بهذا الشيء الزائل الدنيوي.

الخطبة الثانية

00:17:01

أكثر من الخير

00:17:33

عباد الله: ينبغي علينا أن نكثر من الخير، أن نكثر من الصلاة، وأن نكثر من الصيام، وأن نكثر من الصدقة، وأن نكثر من قراءة القرآن، وأن نكثر من الدعوة إلى الله، وأن نكثر من حفظ العلم، وأن نكثر من العمل به، فإن هذه الكثرة إذا قارنها الإخلاص ورافقها وكانت بناء على السنة صارت هي النجاة يوم الدين، فأكثروا من أعمال الآخرة، وتقللوا من الدنيا، وابتعدوا عن المكاثرة بها حتى تكون النجاة يوم القيامة.

الشيشان مفخرة المسلمين

00:18:17

وإننا لنتذكر في حال مكاثرتنا بالدنيا التي نعيش فيها في حياتنا نتذكر حال المجاهدين المسلمين في بلاد الشيشان الذين لم يعد لهم من حطام الدنيا إلا أمور قليلة، وقد فعل الكفار ما فعلوا من أنواع التخريب والتدمير في بلادهم، ولقد كان انحياز المجاهدين من عاصمتهم جروزني انتصاراً عظيماً بالمقاييس العسكرية التي يعرفها أعداء الإسلام، لقد صمد أولئك القلة في نحو ثلاثة آلاف داخل المدينة أمام مائة ألف من الروس الذين لم يستطيعوا دخول المدينة طيلة هذه الشهور الثلاثة، وهم يحاصرونها، ويدكونها، ويقصفونها براً وجواً، ويحاولون التقدم في شوارعها، ولكن لم ينالوا شيئاً، وقد تمرد الجنود على قادتهم، ولسان حالهم يقول: لن ندخلها أبداً ما داموا فيها، ثم لما حصلت النكاية في الروس، وأرسل المجاهدون نحواً من ألفين وسبعمائة جيفة من الروس، وأكثر من خمسة آلاف جريح مع تمريغ أنوف الروس بالتراب أمام العالم كله كيف لم يستطيعوا أن يدخلوا المدينة بمائة ألف أمام هذه الألوف القليلة، وهؤلاء المساكين من المدنيين العزل المحاصرين داخلها.

لما حصلت النكاية في الروس، وحصل تمريغ أنوفهم أمام العالم لم يدخل الروس المدينة هزيمة للمجاهدين، لم يقاتلوهم في شوارعها وأحيائها، فيقتلوهم، ويأخذوا البلدة منهم، وإنما ما دخلوها إلا بعد أن انسحب المجاهدون منها، وهذه آية عظيمة من آيات الله ، لم تستطع تلك الكثرة بما لديها الدخول إلا بعد أن انحاز وانسحب المجاهدون، وكانت الفضيحة أيضاً على المستوى العالمي عندما أعلن الشيشانيون إخلاء بلدتهم، والروس ينفون ذلك، أعلنوا انسحابهم، والروس لا يدرون عن ذلك، ونفوا الانسحاب ثم تبين للعالم كله أن الروس كذبة، وأنهم لا يدرون عن شيء، وهكذا الآن يفاخرون بركز أعلامهم فيها، ولم يكن دخولهم عن شجاعة، ولا عن التحام، ولا عن طرد للمجاهدين، وإنما لما رأى المسلمون أن المدنيين العزل لم يستطيعوا أن يصبروا أكثر مما صبروا، فإن الذي يموت في الأقبية لا يستطيعون دفنه، وليس عندهم من الطعام والشراب ما يكفيهم، ولعله قد بدأت مجاعة مميتة، فعند ذلك كان قرار الانسحاب في هذا الوقت، وهذا فيه شيء عظيم من الحكمة، ونحن نتذكر بهذا الانحياز انحياز خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه بثلاثة آلاف من المسلمين أمام مائتي ألف من الروم، فانحاز بهم، وسلم بقية جيش المسلمين، وكان ذلك فتحاً عظيماً من الله.

عباد الله: لعل بعض المسلمين يحزن لدخول الروس تلك العاصمة، ولكن لكل أجل كتاب، والله غالب على أمره، ولعله يكون هناك من الخير العظيم للمسلمين، والشر العظيم على الكفرة الروس في هذا الانحياز؛ ولذلك فإن هذا الانحياز:

أولاً: تم بتخطيط، ولم يكن عن انهزام؛ ولذلك استمر أسبوعاً كاملاً ينحاز المسلمون، وينسحبون من المدينة، ومجموعات تقوم بالتغطية.

الانسحاب ثانياً: تم رغم الحصار، وهذا انتصار عظيم بحد ذاته، فإن الروس قد طوقوا العاصمة بثلاثة أطواق وجعلوا حقول الألغام، وقال قائلهم: إن ذبابة واحدة لا يمكن أن تنفذ من هذا الحصار، وكان الروس يتمنون أن يموت المجاهدون في المدينة؛ لأن انفلاتهم منها سيجعل على الروس حرب عصابات طويلة لا يطيقونها، فلما انحاز المجاهدون من المدينة كان ذلك قلقاً عظيماً على الروس، وخيبة أمل كبيرة، كيف لم يستطيعوا بالرغم من هذا الحصار منع المجاهدين من الخروج الذين خرجوا إلى خان قلعة يستريحون فيها، ثم تابعوا المسير إلى الجبال، والتقت جموع المجاهدين في الجبال، وأثبت الشعب الشيشاني المسلم أنه أشجع الشعوب الإسلامية على الإطلاق إن لم يكن هو أشجع شعوب العالم؛ إذ أننا لا نعلم في هذا العصر الحديث ظروفاً مشابهة على الإطلاق، وهذا باعتراف عدد من الكفار أنفسهم، وصار الروس يعيشون الآن هاجس قلق كبير بسبب خروج الشيشان؛ وذلك لأن الشيشانيين قد أثبتوا من قبل أنهم قد انسحبوا من عاصمتهم إلى الجبال، ثم نظموا حرباً على الروس عظيمة، ثم أعادوا دخول العاصمة، وهزموا الروس مرة من قبل، هذه الهزيمة التي لم يمض عليها أربع سنين يتذكرها الروس الآن جيداً؛ لأن المسلسل أمامهم يعيد نفسه، ويعود كالمرة الأولى؛ ولذلك فإننا نتفاءل بهذا الانحياز تفاؤلاً عظيماً فيما يمكن أن يحدثه المجاهدون من الإثخان في الروس، والحرب الطويلة الأمد التي لا يطيقها أعداء الإسلام، ونحن نقول: إن أولئك المجاهدين قد أدوا ما عليهم، وصبروا في عاصمتهم حتى مرغوا أنوف الكفرة، وقتلوا منهم أعداداً ضخمة، وأثبتوا فشلهم أمام العالم كله، وبعثوا آمالاً كبيرة في المسلمين في المجاورين منهم، والبعيدين، ورفعوا رؤوس المسلمين عالية، ولم يكن الانسحاب عن هزيمة، أو مواجهة داخل المدن، وقتالاً وجهاً لوجه، وإنما كان عن تخطيط حتى لم يعلم به أعداء الله .

عباد الله: إذا كان أولئك المسلمين قد أدوا ما عليهم، بل فعلوا أكثر مما يطيقون، وضحى المدنيون تضحية عظيمة، وكان الروس يدخلون الأقبية والمخابئ تحت الأرض، ويقتلون المدنيين العزل داخلها، المدنيين الذين كانوا يحتمون من القصف، فما حالنا نحن القاعدين الذين انشغلنا بألوان الدنيا ومتاعها؟ فلا أقل من أن نكون من العابدين الداعين لأولئك المجاهدين، إذا كنا قد قعدنا وانشغلنا بالدنيا، فلا أقل من أن نكون من العابدين الملتزمين بشرع الله، الداعين لإخوانهم، الممدين لهم، فإن المسلمين جسد واحد، ولذلك فإننا على خجل عظيم، واستحياء شديد من حالنا، وتقصيرنا إذا ما قارناه بما فعله إخواننا هناك.

نسأل الله بأسمائه الحسنى، وهو العزيز القدير الجبار أن يلحق الهزيمة العاجلة بالروس، وسائر اليهود والصليبيين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم، وانصر المسلمين عليهم.

اللهم قاتل الروس واليهود، والصليبيين والمشركين، اللهم اجعل الروس أحاديث، ومزقهم كل ممزق، اللهم عاجلهم بنقمتك، اللهم عجل نصر المسلمين، وعجل فرجنا يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك أن ترد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم اهد المسلمين في بلاد الشيشان وسائر البلدان إلى السنة والحق والتوحيد، اللهم أحينا على الإسلام، وأمتنا على الإيمان، واجعل خروجنا من هذه الدنيا على ما تحب وترضى، اللهم آمنا في أوطاننا.

1 - رواه البخاري (5247)
2 - رواه البخاري (373)، ومسلم (556) 
3 - رواه أبو داود (2050)