الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

07- حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم


عناصر المادة
نص حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم
شرح حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم
بعض الفوائد المستفادة من حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:

نص حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم

00:00:16

فحديثنا -أيها الإخوة- في "سلسلة الرقائق"، هو حديث علي : أن فاطمة –رضي الله عنها- شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي ﷺ تسأله خادمًا فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم، فقال: مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا ثلاثًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم وهذا الحديث موجود في الصحيح، قد رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ثلاثة مواضع من كتابه الصحيح أو في أربعة، وغيره[رواه البخاري: 3705، 5361، 6318، ومسلم: 7090].

شرح حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم

00:01:43

في هذه القصة التي يقول فيها علي : إن فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى، والرحى هو آلة الطحن التي كان يطحن بها، وأرته أثرًا في يدها من الرحى، واشتكت فاطمة -رضي الله عنها- مجل يدها، والمجل هو التقطيع الذي يحصل في اليد من نتيجة العمل، وهو غلظ اليد الذي يحدث عند مباشرة الأعمال، فكل من عمل عملاً بكفه تجد فيه ندبًا وتقطيعًا إذا كان يمارس العمل بكفه دائمًا، فيقول علي وهو الزوج المشفق على زوجته، ولا شك أن النبي ﷺ عرف من ينتقي لابنته، يقول علي : قلت لفاطمة لو أتيت النبي ﷺ فسألتيه خادمًا، فقد أجهدك الطحن والعمل؟
وفي رواية: أن رسول الله ﷺ لما زوجه فاطمة، قال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى اشتكيت ظهري، فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي[رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].
ومعنى: "سنوت"، يعني عملت مكان السانية، والسانية هي الناقة التي تسحب الماء من البئر، فيقول علي من الحاجة: عملت بدل السانية، عملت بدل الناقة في سحب المياه من الآبار بالدلاء، لأجل الناس بأجرة "لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، فقالت فاطمة: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي"، فهذه فاطمة -رضي الله عنها- "جرت بالرحى" وطحنت بالرحى "حتى أثرت بيدها،واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها" كما جاء في رواية [أبي داود: 5065، وأحمد: 1312، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود:  1075].
وفي رواية: "وخبزت حتى تغير وجهها"؛ لأن الخباز مع لفح نار الفرن يتغير لون وجهه، كل ذلك حصل لفاطمة -رضي الله عنها-، فاقترح عليها علي أن تذهب إلى أبيها تطلب خادمًا، حيث أن عليًا لم يكن يستطيع أن يوفر لها خادمًا، وسمعوا أن النبي ﷺ جاءه سبي، فاقترح عليها أن تطلب جارية تخدمها من أبيها، من هذا السبي الذي جاء، فقال لها: "وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي إليه، فاستخدميه"[رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"]الألف والسين والتاء تفيد الطلب "استخدميه"، يعني اطلبي خادمًا، جارية تخدمك، بلغها أنه جاءه رقيق، فذهبت فاطمة-رضي الله عنها- إلى أبيها محمد ﷺ، فلم تجده، لم تصادفه، أتته لم تجده، ووجدت جماعة يتحدثون، فاستحيت، ورجعت.
وفي رواية: "فذكرت ذلك لعائشة"[رواه البخاري: 6318]، فلما جاء أخبرته عائشة: أن ابنتك فاطمة جاءت تسأل عنك.
وفي رواية مسلم: حتى أتت منزل النبي ﷺ فلم توافقه، فذكرت ذلك له أم سلمة بعد أن رجعت فاطمة، فهذا معناه أن فاطمة -رضي الله عنها- ذهبت تبحث عنه في البيتين، ذهبت إلى حجرة عائشة، وذهبت إلى أم سلمة تبحث عن أبيها، لتسأله خادمًا.
وجاء في رواية: أنها أتت النبي ﷺ فقال: ما جاء بك أي بنية؟ فقالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت" فقلت يقول علي : "ما فعلت؟ قالت: استحييت"[رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"]، ما استطعت أن أطلب، فلعلها -رضي الله عنها- ذهبت أولا للبحث عن أبيها فلم تجده، ثم جاءت مرة ثانية فوجدته لكن استحت أن تطلب، ثم بعد ذلك تشجعت، فأتت النبي ﷺ فسألته الخادم، فقال: ألا أخبرك ما هو خير لك؟.


وفي رواية: قال علي لزوجته: أن تنطلق معه، فانطلقت معه، فسألاه، فقال: ألا أدلكما.
وجاء في هذا الحديث الذي قرأناه أنه ﷺ هو الذي جاءهما وقد أخذا مضاجعهما، دخل عليهما، فقلت: بأبي يا رسول الله "والله قد سنوت حتى اشتكيت صدري؟" وقالت فاطمة: "لقد طحنت حتى مجلت يداي" اشتكيا الزوج زوج البنت والبنت "وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا؟ أعطنا خادمًا من هذا السبي؟ فقال ﷺ: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم[رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"]، يقول: كيف أعطيكِ وهذا السبي الذي جاءنا نبيعه، ونأخذ ثمنه، وننفقه على أهل الصفة الفقراء الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي ﷺ أهل الصفة؟ ليس عندهم أهل ولا مال ولا بيوت، وإنما كانوا يأتون إلى النبي ﷺ يلازمونه على شبع بطونهم، فقط الطعام على الطعام، فقال: كيف أعطيك الخادم والسبي نبيعه وننفق ثمنه على أهل الصفة؟
جاء في رواية قالت: "فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولاً"، يقول علي : "إذا لبسناها طولاً خرجت منها جنوبنا، وإذا لبسناها عرضًا خرجت منها رؤوسنا وأقدامنا"[رواه ابن حبان في صحيحه: 6922 ، وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"]، فدخل عليهما رسول الله ﷺ وقد دخلا في قطيفة لهما، إذا غطيا رؤوسها تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، لما دخل ﷺ قالت: "فذهبت أقوم" [البخاري: 6318]، أو في رواية: "فذهبنا نقوم"، كلاهما، فقال ﷺ: مكانك [البخاري: 6318] أو مكانكما[البخاري: 6318: 3113، ومسلم: 7090]أي الزما مكانكما، لا تقومان، فجلس بيننا ﷺ، جلس بين علي وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فقال: إني أخبرت أنك جئت تطلبين، فما حاجتك؟ قالت: بلغني أنه قدم عليك خدم فأحببت أن تعطيني خادمًا يكفيني الخبز والعجن، فإنه قد شق عليّ، قال: فما جئت تطلبين أحب إليك أو ما هو خير منه؟قال علي: فغمزتها، فقلت قولي: ما هو خير منه أحب إليّ؟ حتى نعرف ما هو خير من الخادم هذا، والحرص على الخير، قال: فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما عليه، ثم ذكر التسبيح.
وفي رواية: أنه لما دخل عليها أدخلت رأسها في اللفاع، حياءً من أبيها، ويحمل هذا على أنها فعلت ذلك أولاً فلما تآنست به رفعت وجهها إليه وكلمته.
وفي بعض الروايات قال: ما كان حاجتك أمس؟ فسكتت مرتين، فقلت يقول علي: أنا والله أحدثك يا رسول الله، فذكرته له، فهذا يحمل على أنه سأل فاستحييت أولاً، فكلمه علي، ثم لما زال الخجل تكلمت هي، وأنشطها للكلام زوجها، فتكلمت وطلبت.
في رواية أنه ﷺ أتياه، فقال: ما أتى بكما؟ قال علي: شق علينا العمل، فقال: ألا أدلكما؟ وذكر الحديث.
وفي رواية قال: ما جاء بك يا بنية؟ قالت: جئت أسلم عليك واستحيت، حتى إذا كانت القابلة قال: ائت أباك، وذكر مثله، حتى إذا كانت الليلة الثالثة قال لها علي : امش، فخرجا معا، فهذه الأحاديث وهذه الروايات تدل على أنه ربما حصل ذلك بإتيانهما ثم بإتيانه إليهما.


المهم أنه ﷺ قال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم خير مما سألتماه، قالا: بلى، فقال: كلمات علمنيهن جبريل إذا آويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما من الليل تسبحان[رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"]،فذكر لهما التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والحمد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير أربعًا وثلاثين، كم عددها؟ مائة.
في راوية فقال: فتلك مائة باللسان وألف في الميزان[رواه أبو داود: 5067، والترمذي: 3410، والنسائي: 1348، وابن ماجه: 926، وأحمد: 1249، وقال محققو المسند: "صحيح وهذا إسناد حسن"]، يعني الأجر عند الله الحسنة بعشر أمثالها.
وفي رواية: فأمرنا عند منامنا بثلاث وثلاثين، وثلاث وثلاثين، وأربع وثلاثين، من تسبيح وتحميد وتكبير"[رواه أحمد: 996، وقال محققو المسند: "إسناده قوي"].
فإذًا، سبحان الله ثلاثًا وثلاثين قبل النوم، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربع وثلاثين، مرة يقول ذلك.
الآن هذه الوصية، يعني أن الذكر هذا أنفع من الخادم، وأفضل من الخادم، علي  حافظ عليه، فلم يترك هذا الذكر أبداً، جاء في رواية: أن عليا قال: "فما تركتها بعد"، فقالوا له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين" [رواه البخاري: 5362، وأحمد: 5362].
وهذا الرجل الذي قال له ذلك جاء في رواية: أنه ابن الكواء.
ابن الكواء يقول لعلي : ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم ولا ليلة صفين" [رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].
عبد الله بن الكواء من أصحاب علي لكنه كان متعنتًا في السؤال، وقد ابتلي علي بأشخاص ما شفوا غليله، ولا صبروا معه، ولا حققوا ما يريد، وكان يريد أن يقر الأمر، وتستقر الخلافة، ولكنهم ما شفوا غليله، كثير منهم، ولذلك قال في نهاية حياته قال: "اللهم مللتهم وملوني، فاقبضني إليك"[الآحاد والمثاني: 1/184]، فلم يكن مع علي من الرجال مثلما كان مع أبي بكر وعمر، ولذلك لم يكن الأمر مستتبًا له، فكان هذا ابن الكواء نموذج ممن كان مع علي ، كان معه أفاضل وعلماء وصحابة لا شك، لكن ابتلي أيضاً بأشخاص فيهم ما فيهم، منهم عبد الله بن الكواء، لما حدثهم علي بالقصة قال: ما تركتها بعد، فجاء عبد الله بن الكواء يقول: ولا ليلة صفين؟ ما تركت هذه الأذكار؟ يقول: ولا ليلة صفين، ويحك ما أكثر ما تعنتني، لقد أدركتها من السحر.
وفي رواية: "فإني ذكرتها من آخر الليل فقلتها".
وفي رواية: "إلا ليلة صفين فإني أنسيتها حتى ذكرتها من آخر الليل فقلتها" [رواه أبو داود: 5066،وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود: 1076].
فهذا يدل على لزومه للذكر ، وأنه حتى ليلة صفين، وهي المعركة التي جرت بين علي وأهل الشام، حتى أنهم اقتتلوا مقتلة عظيمة، وأقاموا بصفين عدة أشهر، وكانت المعركة عبارة عن وقعات كثيرة، ولكنهم ما قاتلوا في الليل إلا مرة واحدة وهي ليلة الهرير، سميت بذلك لكثرة ما الفرسان يهرون فيها، وقتل من الفريقين تلك الليلة عدة آلاف، وقد أوشك علي على النصر، حتى رفع أهل الشام المصاحف، وطالبوا بتحكيم للقرآن، وحدث بعد ذلك توقف المعركة، وكانت سنة سبع وثلاثين، وخرج الخوارج عقب التحكيم، في أول سنة ثمان وثلاثين، وقتلهم علي بالنهروان [ينظر: فتح الباري: 11/123]خرجوا، وقفوا عن القتال، وحاول علي أن يحسم الأمر، لكن لم يتهيأ له ذلك، ولم يكتب الله له ذلك، بعدما توقفوا كانوا هم السبب في عدم حسم الأمر انقلبوا عليه مرة أخرى الخوارج هؤلاء، قالوا: حكم الرأي في كتاب الله؟ وأرسل علي لهم ابن عباس فناقشهم وناظرهم، ورجع من الاثنا عشر ألف رجع ثمانية آلاف[ينظر: السنن الكبرى للنسائي: 7/480، ومسند أبي يعلى: 1/367، ومستدرك الحاكم: 2/164]، وهؤلاء عندهم كان سرعة في الرجوع، وسرعة في الرد، وهؤلاء الذين قاتلهم علي في سنة ثمان وثلاثين للهجرة بالنهروان، كان منهم ذو الثدية الرجل الذي كان مقطوع اليد، في عضده مثل حلمة ثدي المرأة أسود، فأخبر النبي ﷺ عليًا أنه سيقاتل الخوارج، وأنه سيقتلهم، وأن آيتهم ذا الثدية هذا، ولذلك فإن عليا بعد المعركة طلب البحث عن ذي الثدية، فلم يوجد، فأمر بالبحث، فلم يوجد، ثم حلف أنه يوجد، وأن النبي ﷺ ما كذبه، فبحثوا عنه بين القتلى حتى وجدوه، فخر علي ساجدًا لله شكرًا [ينظر: السنن الكبرى للنسائي: 7/476، ومصنف عبد الرزاق : 3/358].


وكان هؤلاء قد أفسدوا في الأرض، وخرجوا على علي وعلى المسلمين، يكفرون مرتكب الكبيرة، حتى كفروا عليًا ومعاوية وعمرو بن العاص، وغيرهم من الصحابة، حتى أنهم اجتمع ثلاثة منهم قبل عام أربعين للهجرة، اجتمعوا في موسم الحج، قالوا: ما هي سبب مشكلات المسلمين؟ فخرجوا بنتيجة الاجتماع: أن سبب مشكلات المسلمين ثلاثة: علي ومعاوية وعمرو بن العاص، ما هو الحل؟ قالوا: نقتلهم ونريح المسلمين من شرهم، فتفرقوا في البلدان على أساس واحد يغتال علياً، وواحد يغتال معاوية وواحد يغتال عمرو بن العاص.
فأما معاوية طلع عليه فطعنه، فاكتوى منها فبرأ، وعمرو لم يصل فيهم تلك الصلاة إمامًا، صلى غيره فطعن غيره.
وأما علي فإنه خرج عليه عبد الرحمن بن ملجم هذا، بسيف جلس يسقيه السم شهرًا، فخرج عليه في الظلام، اختبأ له فخرج عليه فضربه على جبهته، بهذا السيف المسمم، فلما ضربه على جبهته، وسال الدم من جبهته على لحيته، تذكر، وكان يذكر لهم حديث النبي ﷺ في أشقى الناس عاقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه، حتى يبل منها هذه، يعني لحيته رضي الله تعالى عنه.
وقتل هذا أشقى الناس قتل خير الناس في ذلك الوقت وهو علي .
وبعد ذلك حمل علي ثم توفي فيما نحسبه شهادة له ، وذهب إلى ربه.
وهذا عبد الرحمن بن ملجم من ضلاله -من ضلال الخوارج-: أنهم لما أخذوه فربطوه وقطعوا يديه، لم يتكلم، ولم ينبس ببنت شفه، ورجليه، فلما أرادوا أن يقطعوا لسانه، كما جاء في بعض الروايات صرخ فقالوا: مالك؟ قال: لساني أذكر به الله [ينظر: البداية والنهاية: 8/14].
وهذا الذي قتل خير الناس في ذلك الوقت وهو علي ، فهؤلاء خرجوا على المسلمين فكفروهم، كل من ليس معهم فهو كافر، وقتلوا خير المسلمين، وذهبوا إلى أحد المسلمين، كان معتزل الفتنة، معه مصحف يقرأ به، وعنده وليدة حامل، فأخذوه وأخذوا المصحف منه وقتلوه وذبحوه، وأراقوا دمه في النهر، وأخذوا الوليدة وبقروا بطنها وأخذوا الجنين الذي في بطنها، قتلوها وقتلوه [ينظر: البداية والنهاية: 7/318]، ثم مشوا فجاؤوا إلى بستان كتابي نصراني، فأراد بعضهم أن يأخذ منهم ثمرًا، فقال بعضهم لبعض: لا، هؤلاء أهل كتاب أوصانا بهم النبي ﷺ خيرًا، كيف تأخذ الثمر؟ ما يجوز تأخذه إلا بحقه؟ فاوضوه، فجاؤوا إلى صاحب البستان يفاوضونه فقال: واعجبًا تقتلون فلان هذا صاحبكم المسلم أخوكم ثم تأتون تفاوضونني على الثمر؟ حتى هو هذا استعجب من صنيعهم.
فهؤلاء بقية الخوارج الذي كان أحدهم قتل  عليا، وكان علي قد قتل معظمهم، وأراح المسلمين من شرهم، ولكن هؤلاء بقيت فيهم بقية ثم بعد ذلك تفرقوا في البلدان، تسعة منهم عبد الله بن إباض الذي تنسب إليه الفرقة الإباضية، ويقول هؤلاء بتكفير مرتكب الكبيرة، وتطور مذهبهم بعد ذلك فأنكروا رؤية الله -تعالى- في الجنة، وقالوا: إن القرآن مخلوق، أخذوا من المعتزلة قضية خلق القرآن، وهكذا عندهم بدع في الدين، ولا زالوا هكذا إلى الآن، هؤلاء بقايا أولئك السابقين.
المهم أن عليًا مع شدة وأهوال المعركة ما نسي هذا الذكر في المعركة تلك الليلة، مع أن المعركة تنسي كل شيء، لكنه ما نسي أن يقوله وتذكره قبل الفجر، في الليل في السحر وقاله.

بعض الفوائد المستفادة من حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم

00:21:43

فهذا الذكر العظيم يدل على أن ذكر الله يقوي البدن؛ كما ذكر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- وتلميذه أن رسول الله ﷺ لما علمه فاطمة وقال: إنه خير من خادم، معناها أن ذكر الله يقوي الأبدان.
وكذلك فإنه ﷺ قد اختار لابنته أن تبقى على حالها ولم يعطها ذاك الخادم، وأعطاها بديلاً هذا الذكر العظيم.
وكذلك فإنه اختار لابنته ما أحب لنفسه من إيثار التحمل والصبر على الشدة والقلة، الصبر على القلة تعظيمًا لأجرها، وإلا كان ممكن يعطيها من الذهب ما شاء، ولكنه اختار لها ما اختار لنفسه، واختار لها ما هو أكثر نفعًا لها في الآخرة، وآثر أهل الصفة؛ لأنهم فقراء قد وهبوا أنفسهم لسماع العلم، وضبط السنة على شبع بطونهم، منهم أبو هريرة ، أبو هريرة من زهران، يرجع نسبه إليهم، هذا الذي وقف نفسه على العلم على شبع بطنه بس، ومع ذلك كان لا يجد في كثير من الأحيان ما يشبع به بطنه، هؤلاء أهل الصفة وقفوا أنفسهم للعلم والجهاد، يخرجون في جيوش المسلمين، لا هم لهم إلا العلم والجهاد، اشتروا أنفسهم من الله بالقوت.
أخذ العلم من الحديث: تقديم النفقة على طلبة العلم على غيرهم؛ لأنه أنفق عليهم.
وكذلك فيه ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش، وقلة الشيء، وشدة الحال، وأن الله حماهم من الدنيا مع إمكان أن تحصل لهم الدنيا، صيانة لهم من تبعاتها؛ لأن يوم القيامة في وقوف للسؤال عن كل درهم: من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ ولذلك فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، ويوقفون للحساب، فيقولون: على أي شيء نحاسب وإنما كانت سيوفنا على عواتقنا في سبيل الله؟ نحاسب على أيش؟ ما كان عندنا شيء، كل الذي كان عندنا هو سيوفنا على عواتقنا نجاهد في سبيل الله، ولذلك يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة عام[انظر الحديث في مسند أحمد: 7933، وقال محققو المسند: "صحيح وهذا إسناد حسن"] وأصحاب الجد -الغنى- محبوسون [رواه البخاري: 6547، ومسلم: 7113]، ولكن هذا الحبس لا يشترط أن يكون عذابا، فإذا كان أهل الغنى قد أنفقوا في سبيل الله وصرفوه فيما يرضي الله، فإنه يكون لهم زيادة في الحسنات، وبعضهم قد ترتفع مراتبهم في الجنة فوق الفقراء، بعدما يدخلون، لكن الدخول أول للفقراء، ثم أهل الغنى إذا كانوا بذلوه في طاعة الله يدخلون متأخرين، لكن ربما تكون مرتبة بعضهم فوق مرتبة الفقراء، من أجل الحسنات، أو الصدقات التي تصدقوا بها.
وفي هذا الحديث كذلك: أن الإنسان يحمل أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا، إذا كانت لهم قدرة على ذلك؛ لأن بعض النساء قد لا تكون لها قدرة، فربما لو أنه أراد أن يمحلها على شيء من الشدة طلبت الطلاق، وخرجت من البيت، وتركت له البيت والأولاد، وكثير من النساء بفعل ما في المجتمع من الانحرافات والترف، ترسخ فيهن قضية البحث عن الماديات، وطلب الخدم، وأنها ربما ما تعمل شيئًا، وتلقي بكل شيء على الخدم، وتتفرغ هي لذهابها خارج البيت ومشاويرها وسهراتها.
-وطبعًا- النبي ﷺ لما أوصى بذات الدين لأجل أنها تحرص على الدين، وتقيم له الوزن العظيم، ولذلك فإن الإنسان يجب أن يكون حكيمًا قد يجد أحيانًا في نفسه شيئا من الزهد، لكن أهله لا يطيقون، لكن إذا كانوا يطيقون حملهم على الزهد.


كذلك استدلوا بالحديث على جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها بغير استئذان، لكن هذا فيه نظر؛ لأنه قد جاء في بعض طرق الحديث أنه استأذن.
وكذلك في هذا الحديث أنه ﷺ معصوم، فلا يقاس على غيره من غير المعصومين، كما إذا جاء ودخل وجلس بينهما.
ثم إن هذا الحديث فيه إظهار الشفقة على البنت والصهر، فإنه قال: ألا أعلمكما أتاهما في بيتهما، وجلس بينهما، وقال: ألا أعلمكما فيؤخذ منه أن الإنسان عليه أن يبر بصهره، يعني لو واحد قال: زوج البنت هذا ليس من الأرحام؟ صحيح؛ لأن الرحم قرابة الرجل من جهة أبيه وأمه، لكن كونه ليس من الرحم، لا يعني أنه لا يبر ولا يحسن إليه، فإن الأصهار لهم أيضاً معاملة في الإسلام حسنة، فمن ذلك هذا الحديث.
ومن ذلك أنه ﷺ جاء مرة المسجد فوجد عليًا مضطجعًا على تراب، فجعل ينفض عنه التراب، ويقول: قم أبا تراب[رواه البخاري: 441]يداعبه، فصار علي لا يحب إلا هذه الكنية؛ لأن النبي ﷺ كناه بها، لما لاصق التراب، وكان قد خرج من البيت حصل بينه وبين فاطمة -رضي الله عنهما- شيء، فخرج من البيت للمسجد، فجاء النبي ﷺ إليه ليطيب خاطره.
وكذلك فإن مواقف النبي -عليه الصلاة والسلام- مع علي وفاطمة متعددة تدل على أنه كان يبر بصهره كما يبر بابنته ﷺ، وعلى أن الإنسان إذا كان عنده زوج بنت، أو زوج أخت: أن عليه أن يصلح من شأنهما، وألا يقول: ما لي دخل فيهما، ولا في حياتهما، بل إنه كل ما استطاع أن يحسن العلاقة، وأن يدخل السرور، وأن يسعى في دوام الألفة، ويزيل سوء التفاهم، أن عليه أن يفعل ذلك، أن من الواجبات أن يفعل ذلك.
وكذلك في هذا الحديث: أن من واظب على هذا الذكر قبل النوم لم يصبه الإعياء؛ لأن فاطمة شكت التعب، فأحالها النبي ﷺ على هذا، أفاد هذا شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- أن من واظب على هذا الذكر قبل النوم لا يصيبه الإعياء، وهذا يدل على أن الذكر له أثر في تقوية البدن، كما تقدم.
فإذًا، من فوائد الذكر: أنه يقوي البدن كما أنه يقوي القلب، فهو يزيد النفس ثباتًا، والقلب طمأنينة، والإنسان رباطة جأش، كما أنه يقوي الجسد، هذا دليل على ذلك.
وكذلك فإن النبي ﷺ كان يعتني بزيارة بنته في بيتها، ولا يقطعها بعد زواجها، كما يفعل بعض الناس إذا تزوجت ابنته كأنما هو شر ألقاه عن عاتقه، ولم يعد يسأل عنها، ولا عن بيتها، ولا عن حالها، فهذا تفقد منه ﷺ.
وكذلك في هذا الحديث أن الإنسان يعطي الأوكد فالأوكد، والأكثر استحقاقًا، وبعض الناس الآن إذا جاء يعطي الزكاة، ربما حابى بها قريبًا أو أعطى شخصًا ليس بذاك الفقر، مع وجود شخص مستحق، وأشد حاجة وأفقر، لكن للمحاباة يترك الأفقر والأحوج، ويريد أن يعطي الأقرب، ويعطي الذي هو من له علاقة به، ونحو ذلك.
الحديث مع أنها ابنته، وزوج ابنته، لكن قدم الأوكد، الأفقر، الأحوج، مع أنهم أبعد، هذه ابنته وزوجها، لكن ما أعطاهما على حساب الأحوج، وإنما قدم الأحوج.
وفي هذا الحديث كذلك: أنه إذا حصل ازدحام في الحقوق، فإنه يؤثر صاحب الحق الأقوى.
وفيه: جواز أن تشتكي البنت لأبيها ما تلقاه من الشدة، ولم ينكر عليها أنها اشتكت، فلو اشتكت مثلاً تعب العمل في البيت، واشتكت من أذى أطفالها، وأنها تلقى شدة في تربيتهم، أو أنهم يتمردون عليها، أو يعاندون، ونحو ذلك، فإن لها أن تشتكي إلى أبيها، وأن الأب عليه أن يقوم بدور الناصح الموجه، وأن مسؤوليته عن ابنته لم تنته بتزويجها، وإنما مستمرة في التسديد والإصلاح والنصيحة، وتخفيف ما يصيب البنت من نتيجة أعباء الزواج؛ لأن البنت في بيت أبيها قد تكون مدللة، وقد تكون عندها من يخدمها، فإذا انتقلت إلى بيت رجل آخر، صار حمل البيت عليها كله، كانت مخدومة في بيت أمها وربما يكون عندها خدم في البيت، فإذا انتقلت إلى بيت زوجها صارت مسؤولة عن بيت كامل، وأيضاً إذا انضاف إلى ذلك أعباء الزوج، وخدمة الزوج الجديد، وما يضاف من الحمل والوحام، وما يصيب من الإرهاق والتعب، ثم الوضع والرضاع، مع الخدمة، البنت تختلف يختلف عليها الجو جداً، فعلى الأب أن يكون حكيمًا في نصح ابنته في مواجهة الواقع الجديد، بعد الزواج، هذه مسألة مهمة، وكثير من البيوت تنجح بسبب مواصلة الأب عمله، الأب ما انتهى عمله بتزويج البنت، يقول: خلاص أنا انتقيت لها الكفء وانتهت مسؤوليتي، لا، يجب أن يواصل القيام بالمسؤولية، أن يواصل الاعتناء بالبنت  حتى بعد زواجها، وكثير من الآباء من خيرهم ومن برهم: أنهم لا زالوا يشرفون على بناتهم، ويعتنون بهن، حتى بعد الزواج لسنوات طويلة، وربما يكون هناك من أشرف على ابنته، وجلب الطعام إليها في بيت زوجها، وخدمتها، والاعتناء بأولادها، وهكذا لا تزال الرعاية مستمرة.
الحديث فيه منقبة لعلي من جهة منزلته من النبي ﷺ، وأنه دخل عنده، وصار بينه وبين زوجته، وأنه اختار له أمر الآخرة على أمر الدنيا، وآثر ذلك له.
وكذلك في هذا الحديث أن هذه الكلمات المائة تقال مائة مرة قبل النوم، يشبهها كذلك ما يقال بعد الصلوات، فقد روى في بعض كيفيات الأذكار التي بعد الصلوات مثل أذكار قبل النوم هذه: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين، هذه وردت كيفية صحيحة من كيفيات الأذكار بعد الصلاة، وكذلك وردت قبل النوم.


وبعد الصلاة أيضاً الكيفية المشهورة: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
فهذه نبذه من شرح هذا الحديث المبارك، وفيه ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الشدة، وأنهم احتملوا ذلك، وخرجوا من الدنيا في نظافة، وأنهم لم يتقذروا بما فيها.
وفيه أيضاً: تسلية لكل من اشتدت حاله أن من هو أفضل منك لاقى ما هو أشد، فلعله يكون فيه درس له أيضاً على الصبر.
نسأل الله أن يجعلنا من الذين يسيرون على خطاهم، ويتأثرون بسيرتهم، ويعملون بها.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.