فإن ربك هو القوي المتعال: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَالزمر: 67.
هو الله الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، ويرزق من في السماوات والأرض، ويملك السمع والأبصار والأفئدة، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويدبر الأمر: بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِالمؤمنون: 88 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا الفرقان: 2. عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، وسبحت بحمده الأرض والسماوات، وجميع الموجودات، فهو بارئ البريات، وعالم الخفيات، والمطلع على الضمائر والنيات، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًاالطلاق: 12 ووسع كل شيء رحمة وحلما، وقهر كل مخلوق عزة وحكما يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًاطه: 110،لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُالأنعام: 103. ولا تغيره الأعصار: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ الرعد: 8. وهو الملك لا شريك له، والفرد فلا ند له: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُالقصص: 88. لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يجيب المضطر، ويكشف الضر، فسبحانه وبحمده، وهو التواب الرحيم، ذو الفضل العظيم، العزيز الحكيم، وهو الملك لا شريك له، والفرد فلا ند له: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يجيب المضطر، ويكشف الضر، فسبحانه وبحمده، وهو التواب الرحيم، ذو الفضل العظيم، العزيز الحكيم، ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا، فوهبه على الكبر يحيى هاديا مهديا، وحنانا من لدنه وكان تقيا، وأزال الكرب عن أيوب، والان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع إليه عيسى، وشق القمر لمحمد ﷺ، نجا هوداً وأهلك قومه، ونجا صالحاً من القوم الظالمين، فأصبح قومه في ديارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاما على إبراهيم، وفدى ولده إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين، ونجا لوطاً من القرية التي كانت تعمل الخبائث، ونجا شعيباً برحمته، وأغرق فرعون وقومه، وخسف بقارون داره، ونجا يوسف من غيابة الجب، وجعله على خزائن الأرض، ونصر نوح من قبل على القوم الكافرين، ونجاه وأهله من الكرب العظيم، أرغم أنوف الطغاة، وخفض رؤوس الظلمة، ومزق شمل الجبابرة، ودمر سد مأرب، وأهلك النمرود وجنوده، وهزم أبرهة بطير أبابيل: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَالمدثر: 31. فلله الجنود جنود السماوات والأرض: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَالمدثر: 31 أي لا يعلم عددهم وكثرتهم إلا الله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِالفتح: 4. جنوده من المؤمنين، ومن حزبه المفلحين، وجنوده من الملائكة الذين ملأوا السماوات العلى، يقاتلون مع المؤمنين، ويثبتونهم في حروبهم.
الملائكة من جند الله
00:04:34
نريد أن نعرف شيئاً عن جنود الله ، هؤلاء من الملائكة ومن غيرهم، جنود الله في السماوات والأرض: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَالأنفال: 9. وقال تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَآل عمران:124-125.
قال ﷺ في يوم بدر: هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب.
وظيفة الملائكة تثبيت المؤمنين، وضرب الكافرين: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍالأنفال:12.
وهكذا سمع أحد المقاتلين المسلمين صوت ضربة ملك، ضرب بها أحد الكفار، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقياَ، فنظر إله فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري، فحدث بذلك رسول الله ﷺ، وعن هذا السوط، وهذا الفرس الذي اسمه حيزوم، وهذا الصوت الذي يقول: أقدم حيزوم، فقال النبي ﷺ صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة.
جنود الله ، وفي غزوة الخندق لما تكالب الأحزاب، قال الله -تعالى-: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَاالأحزاب: 9.
وهكذا قال ﷺ لما كان بعد الخندق، وقد وضع سلاحه واغتسل، جاءه جبريل فقال: وضعت السلاح، والله ما وضعناه، أخرج إليهم -إلى اليهود-، فقال رسول الله ﷺ: فأين؟فأشار إلى بني قريظة.
وفي صحيح البخاري عن أنس قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله ﷺ إلى بني قريظة.
فهكذا مواكب، وفرسان، وسياط، وأصوات، وهكذا تقمع الملائكة أعداء الله، ولله جنود لا يراها الناس، والله عزيز ذو انتقام، لا يغلبه غالب، ولا يمتنع عليه طاغية ولا جيش كفار، فإذا أراد الله نصرة المؤمنين الذين صدقوا معه، وثبتوا على دينه، ووحدوه، وأخلصوا له، وانقطعت أسباب الأرض بهم فاتجهوا إلى أسباب السماء فإن الله لا يخذل لا يخذل من انتصر به .
الريح من جند الله
00:08:54
عباد الله: إن لله جنوداً عظيمة، فمن تلك الجنود التي لله مخلوقات، وظواهر يسميها الناس طبيعية، قال : فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًاالأحزاب: 9.
فالريح من جند الله -تعالى- سلطها على الأحزاب ففرق شملهم، وشتت جمعهم، فهبت تلك الريح العظيمة على معسكرهم، فصارت الخيام تطير في الهواء، وانكفأت قدور القوم بأطعمتهم على التراب، فلم يجدوا بداً من الهزيمة والانصراف: نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور.
أنواع من الرياح، الدبور هذه الريح العقيم التي أهلك الله بها قوم عاد، فجعلهم كأعجاز نخل خاوية، تحمل الرجل العظيم، وكان قوم عاد يقولون: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًفصلت: 15.
فجعل الله لهم قوة عظيمة في أبدانهم، وربما خرقوا الصخر، جابوا الصخر، قطعوه من شدة قوتهم، كانوا أقوى أهل الأرض، أصحاب الأجساد العظيمة، والعضلات المفتولة، اغتروا فقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً.
فأرسل الله عليهم ريحاً هي أشد منهم قوة؛ لأن الله أشد قوة من الجميع، فصارت تصعد بأحدهم إلى الأعلى، فتضرب برأسه الأرض، فتشدخ رأسه فيصبح قائماً كالنخلة بلا رأس، وهكذا جعلهم الله عبرة للمعتبرين على مر العصور، وكر الدهور.
وهكذا، فإن لله جنود عظيمة، كما قال أيضاً عن الصيحة التي أهلك بها قوم ثمود، فقطعت قلوبهم في أجسادهم، قطعت نياط القلب، عروق القلب تقطعت في الأجساد، من قوة تلك الصيحة التي أرسلها عليهم: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَالنمل: 52.
جنود أرسلهم الله على فرعون وقومه
00:11:29
وكذلك: قال الله عن قوم فرعون: فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ الأعراف: 133 - 135.
فهذا هو الطوفان الماء الذي غرق الله به قوم فرعون، كما غرق به قوم نوح من قبل، فعلا الماء الأرض، وصار محاذيا لقمم الجبال، ثم طغى عليها، فصار فوق الجبال حتى غرق قوم نوح الكفار، ولم ينفعهم الالتجاء إلى الجبال، لا عاصم من أمر الله إلا من رحم.
وهكذا أرسل الله الطوفان على قوم فرعون، كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار، والجراد المعروف المشهور لا يبقي ولا يذر من جند الله الأعظم، سلطه الله عليهم على زروعهم وثمارهم فأكلتها، والقمل، السوس والدواب السود الصغار، البراغيث كما قال المفسرون، وهكذا كانت القمل من الجنود التي سلطها الله -تعالى- عليهم، وكذلك الدم، وهو الرعاف، قيل: إنه أصابهم فصار يخرج من أنوفهم، وأفواههم، وآذانهم، وكذلك قيل: أن مياههم انقلبت دماً عبيطا، لا يفتح أحدهم إناء إلا يجده دما عبيطا، قال محمد ابن اسحاق -رحمة الله-: فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مغلولا، وأبى إلا الإقامة على الكفر، فتابع الله عليه الآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، آيات مفصلات، فأرسل الطوفان، وهو الماء ففاض على وجه الأرض، ثم ركد لا يقدرون على أن يحرثوا، ولا يعملوا شيئا حتى جهدوا جوعا، فلما بلغهم ذلك: قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَالأعراف: 134.
فدعا موسى ربه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر فيما بلغني حتى إنه كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم و مساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القمل، فذكر لي أن موسى أصر أن يمشى إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فضربه فانهال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعوا النوم والقرارة، فلما جهزهم قالوا له مثلما قالوا له، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه، فلما جهدهم ذلك قالوا له مثلما قالوا، فسأل ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا عاد دما عبيطاً، إنها آيات الله تتوالى، وهكذا يرسلها الله على من يشاء من عباده .
هكذا كانت الحجارة قد أرسلت على عدد من الأقوام، ومن أشهرهم: قوم لوط الذين فعلوا الفواحش، وركبوا الذكران من العالمين، واستغنوا عما خلق الله لهم من النساء، فلما استغنى رجالهم برجالهم، ونساؤهم بنسائهم، وعمت الفاحشة، بالإضافة إلى ما كانوا فيه من الشرك الذي هو أكبر من الفاحشة، وغير ذلك من المنكرات، سلط الله عليهم من جنوده الصيحة، وكذلك قلع القرية، فجعل عاليها سافلها، وكذلك سلط عليهم الحجارة تضربهم، ضربهم بحجارة من سجيل متوالية، وهكذا كان بعد عمي القوم فأخذ أبصارهم، صاروا عميانا، قلعت قريتهم، ضربت بالأرض، أتبعوا بالحجارة، وأخذتهم الصيحة، وهكذا صار مكانهم بحيرة منتنة ليس فيها حياة، هكذا الحجارة قد سلطها الله أيضاً -وهي من جنوده- مع جنود آخرين يحملونها على أبرهة الكافر الذي جاء يريد تخريب البيت العتيق، فأرسل الله جنود من عنده، إنهم طير، مع كل طائر حجارة يرمي بها، وهكذا حصل طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍالفيل: 3 - 5.
هكذا كانت النهاية لحملة الصليب والكفرة الذين جاؤوا يغزون الكعبة، فسلط الله عليهم الطير المتتابعة، أفواج أفواج من الطيور تتابع، عجيب أمرها، ومعها تلك الحجارة لا تصيب أحدا إلا أهلكته، وصرعته عن دابته.
إن الذي يرمي هو الله : وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىالأنفال: 17.
لما غشي الكفار رسول الله ﷺ نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل بها وجوه الكفار، فقال: شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله ، وكان ذلك في حنين، كما روى الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه.
الزلازل من جند الله
00:19:18
وكذلك فإن الزلازل من جند الله يحرك صفائح الأرض وغيرها، فتثمر عن تلك الرجفة العظيمة، إنها الزلزلة التي أهلك الله بها من أنواع عذاب سلطها على قوم شعيب: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَالأعراف:78.
أصحاب الأيكة أهلكهم الله، فأخذتهم الرجفة -قوم شعيب-، فأصبحوا في دارهم جاثمين، ماهي الرجفة؟
إنها الزلزلة الشديدة، وهكذا أهلك ناس كانوا مع موسى بالرجفة، ويهلك من شاء بالزلازل ، ويسلط الله الخسف والمسخ على أناس من هذه الأمة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، فروى ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: يكون في آخر أمتي خسف ومسخ وقذف.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً: يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف.
فهكذا إذا يكون الخسف سيحدث ولابد، والقذف يقذفون من السماء بأي شيء؟
الله أعلم بها؟
وقد أخبرنا ﷺ عن قوم يستحلون الزنى والحرير والخمر والمعازف الأغاني، وأنهم ينزلون بجانب جبل، وأن سارحتهم الغنم، تذهب لتسرح، فيبيتهم الله، وهم على غناء، وعلى ظلم لأنفسهم، ويضع الجبل فوقهم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.
وهذا ثابت إذاً، أنه سيحدث مسخ وقذف في هذه الأمة.
إن الله -تعالى- قادر على سلب الأشياء خصائصها، فهذه النار تحرق، والله قادر على منعها من الإحراق، فلما رموا وليه إبراهيم، ونبيه العظيم: قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَالأنبياء:69.
لو قال: بردا، لربما هلك وأوذي من بردها، فقال: سلاما! سبحان الله! كيف تنقلب النار المحرقة بردا؟! برداً شديدا، يحتاج إلى سلامة منه: قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَالأنبياء: 69، 70.
الأوبئة والأمراض من جند الله:
عباد الله: إذا كان الله له القوة جميعا، وهو يرسل ما يشاء على من يشاء: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الفتح: 4. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَالمدثر: 31.
أشياء كثيرة، صغيرة وكبيرة، فلما لا نلجأ إلى الله؟ ولما لا نتوكل عليه ولا نعتمد عليه؟
أشياء صغيرة وكبيرة، هذه الأوبئة العجيبة، قال النبي ﷺ: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن أول شيء قال: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذي مضوا.
إذا أمراض جديدة تنشأ كما جاء في هذا الحديث، يسلطها الله على أهل الفاحشة إذا عملوا بها.
وهكذا الطاعون أيضاً سلطه الله على بني إسرائيل من قبل، فقال النبي ﷺ: الطاعون رجس، أرسل على طائفة من بني إسرائيل.
وبالنسبة لهذه الأمة فهم شهداء إذا قضوا فيه، فهو عذاب على الكفرة والفسقة أصحاب الفواحش، ورحمة بالمؤمنين، فلو قال قائل: هذا الإيدز، فنقول: إذا أصاب مجرما فهو عقوبة، وإذا أصاب بريئا بنقل دما أو غيره فهو رحمة وشهادة، وهكذا لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها نوادي العراة حتى يعلنوا بها أندية الشواذ حتى يعلنوا بها تشريع القوانين لإقامة الأسر على الشواذ، والمثليين، الجنسيين حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
وهكذا قال ﷺ فيما رواه بريدة عند الحاكم بسند جيد، كما قال الحافظ: ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت.
وفي حديث عائشة مرفوعا: لاتزال أمتي بخير مالم يفش فيهم ولد الزنى، فإذا فشا فيهم ولد الزنى، أوشك أن يعمهم الله بعقابقال ابن حجر: "سنده حسن"
أيها الإخوة: هذه الطواعين المسببة بهذه الجسيمات الصغيرة التي لا تكاد ترى، أوبئة تنتشر، وأمراض عجيبة، وهكذا لا يعلم جنود ربك إلا هو، يسلطها -سبحانه- فيحار فيها هؤلاء، ويقفون عاجزين بقوتهم العلمية، وتقدمهم التقني، فيصيب خمسين مليون إنسان هذا المرض، إتش آي في HIV"" هذا أحد الأمراض، وتقول الإحصاءات: البنات مصابات أكثر، وهو في الشباب أكثر، ينتشر في الغالب في هؤلاء الذين يمارسون الجنس المحرم، كما قالت إحصاءاتهم، غالبية المصابون به لا يعرفون أنهم مصابون، وهكذا أشياء عجيبة تحدث وتقع في الواقع، ونسمع عنها، تثير الرعب في النفوس، من الذي خلقها؟ ومن الذي أوجدها؟ ومن الذي جعل لها هذا المفعول؟
إنه الله .
الحشرات من جند الله
00:26:16
وعندما يأتي مأجوج ومأجوج في آخر الزمان يفسدون في الأرض، ماذا يبعث الله عليهم؟
ليس لله عباد يستطيعون قتالهم لا عيسى، ولا المؤمنون الذين معه، ولذلك يقول الله لعيسى إذا انتشر يأجوج ومأجوج في الأرض: إني أخرجت عبادا لي لا يدان لا قدرته، ولا استطاعته: لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور فيذهب عيسى ومن معه من المسلمين إلى الطور فيتحصنون هناك.
أما يأجوج ومأجوج منتشرون في الأرض، شربوا بحيرة "طبرية" وغيرها، وأفسدوا، أكلوا ما في الأرض من الزروع والثمار، واعتدوا وبغوا وطغوا، ثم قال النبي ﷺ: يستقون المياه، ويفر الناس منهم، فيرمون بسهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء فتنة لهم، فيقولون -يأجوج ومأجوج-: قهرنا من في الأرض، وعلونا من في السماء قسوة وعلوا ماذا يهلكهم؟ ليس جيش مسلم، ماذا يهلكهم؟ فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم يبعث الله عليهم ماذا؟ نغفا في أقفائهم فيهلكون، قال ﷺ: فو الذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض تسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم.
النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، جمع نغفة.
في أقفائهم القفا: وراء العنق، فهو يأكلهم من هنا من الخلف، دود يبعثه الله على هؤلاء الملايين المملينة الذين ملؤا الأرض، دود يأكلهم في رقابهم من الخلف، فيقعون هلكى، حتى أن الدود في الأرض ليسمن، ويبطر من أجساد يأجوج ومأجوج، حتى تمتلئ الأرض نتنا من جيفهم، فيبعث الله طيورا، من أين؟
الله أعلم، فيأخذهم فيلقيهم في البحر.
أيها الإخوة: إنها جنود الله : وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَالمدثر: 31.
وهذه ذكرى للبشر لمن شاء أن يتذكر.
اللهم إنا نسألك أن ترسل جنودك على أعدائك يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين، اللهم انصر المسلمين، واكتب الفوز للمجاهدين يا رب العالمين.
اللهم أعل راية الدين، وأهلك المشركين، ودمر أعداءنا يا ربنا، إنك على كل شيء قدير.
أقول قول هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن الله ولي الصالحين، لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا رسول الله الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين الطاهرين، وأزواجه الطيبات، ومن سار على هديهم إلى يوم الدين.
عباد الله: إن التمعن في هذا الموضوع في هذا الوقت جدير جدا باهتمامنا.
إن معرفة أن الله قوي عزيز، وأن له جنود لا يعلمها إلا هو، إنه ينبغي ألا يبطر البشر قوتهم، وأن لا يغتروا بما لديهم، فإن الله أقوى، وعنده من السلاح ما لا يعلمه إلا هو.
أن الله قوي عزيز، وأن له جنود لا يعلمها إلا هو، إنه ينبغي ألا يبطر البشر قوتهم، وأن لا يغتروا بما لديهم، فإن الله أقوى، وعنده من السلاح ما لا يعلمه إلا هو.
وقد سلط الله -تعالى- على الأقوام الباغين المتجبرين فيما مضى أنواعا من العذاب، وأهلكهم بقدرته ، وهو الذي يسلط البرق والرعد والمطر على من يشاء، فيكون عذابا أو رحمة، قال سبحانه: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ.
وكذلك يرسل البرد: فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِالرعد: 13.
وكذلك ينزل جبال من برد، فيصيب بها من يشاء .
وقد جاء في السنة ببيان حادثة عجيبة عظيمة رواها أنس : أن رسول الله ﷺ بعث رجلا مرة إلى رجل من فراعنة العرب، أي كفارهم ومشركيهم وعتاتهم وطواغيتهم، قال: فاذهب فادعه لي قال: فذهب إليه، فقال: يدعوك رسول الله ﷺ، فقال له ذلك الفرعوني العربي: من رسول الله؟ وما الله؟ أمن ذهب هو؟ أمن فضة هو؟ أمن نحاس هو؟ قال: فرجع إلى رسول الله ﷺ فأخبره، فقال: يا رسول الله قد خبرتك أنه أعتى من ذلك، قال لي كذا وكذا، فقال: ارجع إليه، فادعه فذهب، فقال: له مثلها، فرجع إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، قال: فارجع إليه، فادعوه، فرجع إليه الثالثة، فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينما هو يكلمه إذ بعث الله سحابة حيال رأسه، فرعدت، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله : وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِالرعد: 13. أمن حديد هو؟ أمن نحاس هو؟ أمن ذهب هو؟ أمن فضة هو؟ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِالرعد: 13.
شديد القوة ، لا يغالب، لا يمانع، لا يرد أمره، العزيز الذي غلب كل شيء وقهره.
فسبحان من أذل الناس بالموت، وقهرهم به، فلا يستطيعون أن يقوموا حياله .
وهكذا الرعد، وهكذا البرق، وهكذا الصواعق، وهكذا المطر، يصيب الله به من يشاء من عباده.
الرعب من جند الله
00:33:27
ولله جند، ولله خلق عجيب، لكنه معنوي يكون في النفوس، ما هو؟
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ آل عمران: 151.
ما هو؟
إنه سلاح الرعب، الرعب الذي يزلزل النفوس، ويجعلها مضطربة، فأي سلاح يثبت في يد حامله إذا ألقي الرعب في قلبه؟
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًاآل عمران: 151.
وقال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الأنفال: 12.
وهكذا يرعبهم ، ويقذف في قلوبهم الوهن، فيخاف الواحد من ظله، فلا يستطيع ثباتا، ولا أن يستعمل سلاحا، ولا أن يواجه عدوا، بل إن قدميه لا تحملانه، رعب، قال ﷺ: نصرت بالرعب مسيرة شهر.
وقال العلماء: لأمته نصيب من هذا، وليس خاصا به ﷺ، وإنما له الحظ الأوفر منه، ولكن لأمته نصيب منه أيضا، فيسلط الله الرعب على أعداء المسلمين إذا ثبت المسلمون، وعند ذلك لا ينفع سلاح.
أيها المسلمون: إن لله جنود، وله القوة .
فالواجب ما هو إذا؟
اللجوء إليه، والتوكل عليه، واستمداد القوة منه، ودعاءه سبحانه، والتوكل عليه:الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ آل عمران:173-174.
أيها الإخوة: إذا كانت هذه القوة كلها لله؛ فإذا يجب أن لا يغشى بصر أحدنا أي قوة للبشر أبدا؛ لأن الله هو القوي العزيز.
اللهم إنا نسألك أن تجعل بلادنا آمنة وبلاد المسلمين، آمنا في أوطاننا يا رب العالمين.
اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، ومن أراد سائر بلاد المسلمين بشر فأردد كيده عليه، ودمره تدميرا، اللهم احفظ بلاد المسلمين من كل شر يا رب العالمين، نسألك النصر على الأعداء، والثبات عند اللقاء يا سميع الدعاء، اللهم نسألك عيشة هنية، وميتة سوية، وشهادة في سبيلك يا رب العالمين، اجعلنا من المنافحين عن دينك، اللهم اجعلنا من الثابتين في البأساء، وإنا نسألك ونضرع إليك في مقامنا هذا وفي ساعتنا هذه وفي يومك العظيم هذا أن تنصر الإسلام والمسلمين، اللهم اخذل أعداء الدين، اللهم اهزم اليهود والصليبيين والهندوس والكفرة والمشركين، اللهم عليك بهم شتت شملهم، اللهم فرق جمعهم، وانزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم إنا نسألك النصر على الأعداء، يا سميع الدعاء، عجل فرج المسلمين، عجل عجل يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الصافات:180-182.