الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي هذه الأمة نبي العالمين محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وحيا الله الجميع.
نسأل الله أن يجعله اجتماع رحمة وبركة، وأن يجعله خيراً علينا جميعاً، وأن يجعلنا من المتجالسين فيه، والمتحابين فيه، والمتذاكرين في كتابه وسنة نبيه ﷺ، ونسأله أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قرب قيام الساعة
هذه الفتن التي تطل برؤوسها ونحن على مقربة من قيام الساعة.
ولا شك -يا عباد الله- أننا في آخر الزمان، وقد انفرطت سبحة الأشراط ببعثة محمد بن عبد الله ﷺ فهو أولها، اقتربت الساعة، نزلت على محمد ﷺ، قال الله له: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ[القمر: 1]، ونحن بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة لقد اقتربت أكثر وأكثر.
وهذه أشراطها قد جاءت؛ كما قال الله: فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا[محمد: 18] ظهرت العلامات، وكثرت الدلائل.
وقال محمد ﷺ: بعثت والساعة كهاتين [رواه البخاري: 4936، ومسلم: 2950].
فوائد معرفة أشراط الساعة
ومن فوائد هذا بالنسبة لنا كما قال الإمام القرطبي: من علم اقتراب الساعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، فكأنما كان لم يكن إذا ذهب، وكل آت قريب، والموت لا محالة آت، وموت كل إنسان قيام ساعته. والقيامة أيضاً قريبة، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى.
الناس كثير منهم غافلون لاهون مع اقتراب الساعة، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ[الأنبياء: 1]، ولذلك كان حقاً على أهل العلم أن يشيعوا نبأ أشراطها، وأن يتحدثوا عن أخبارها الواردة في كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ، لعل النفوس تفيق، ولعل القلوب تلين.
أقسام أشراط الساعة من حيث الكبر
وأقسام أشراط الساعة: صغرى وكبرى، كما قال أهل العلم.
فأشراط الساعة الصغرى هي التي تتقدم قيامها بأزمان، وتكون على النحو المعتاد، كقبض العلم، وظهور الجهل، وشرب الخمر، والتطاول في البنيان.
وقد يحصل بعض أشراط الساعة الصغرى مقارنة لبعض الكبرى.
إذًا، لا يشترط أن تنتهي آخر أشراط الساعة الصغرى حتى تبدأ أول أشراط الكبرى، فقد تتأخر بعض الصغرى لترافق بعض الكبرى.
أما أشراط الساعة الكبرى، فهي الأمور العظام التي تظهر قرب قيام الساعة، وتكون على نحو غير معتاد، كظهور الدجال، ونزول عيسى من السماء، وخروج يأجوج ومأجوج، وإفسادهم في الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، ونحو ذلك.
وأشراط الساعة الصغرى منها ما وقع، ومنها ما لم يقع.
أقسام أشراط الساعة من حيث الوقوع وعدمه
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: أشراط الساعة منها ما وقع وانتهى؛ مثل اقتتال الفئتين العظيمتين، وظهور نار الحجاز، وانشقاق القمر، وبعثة محمد ﷺ، ونحو ذلك.
ثانياً: ما وقعت مباديه ولم يستحكم، يعني: بدأت لكن ما استحكمت وانتشرت انتشاراً عظيم؛ ككثرة الزلازل، وكثرة الهرج، وهذان أيضاً من أشراط الساعة الصغرى.
النوع الثالث: لم يقع منه شيء، ولكنه سيقع؛ كنزول عيسى ، وخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وخراب المدينة، ونحو ذلك.
وهذا القسم الذي لم يقع بعد، فيه من أشراط الساعة الكبرى، وفيه من أشراط الساعة الصغرى، يعني مثلاً من أشراط الساعة الصغرى التي لم تقع بعد مع أن أكثرها قد وقعت، تقريباً أشراط الساعة الصغرى وقعت ما عدا القليل، مثل أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، مثل أن تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً مثلاً.
فوائد معرفة أشراط الساعة
وهناك -أيها الإخوة- فوائد، وهذا لب الموضوع، فوائد نستفيدها من أشراط الساعة:
سعة رحمة الله -تعالى-
أولها: سعة رحمة الله -تعالى-، وأنه لم يفاجئ عباده بقيام الساعة، كان يمكن أن يفاجئهم دون تقدم أي شرط من الأشراط، ولكنه رأفة بهم، ورحمة بهم، وتذكيراً لهم، وحتى يقبلوا عليه ويتوبوا إليه، ويستعدوا جعل هناك أشراطاً تحدث قبل قيامها، وفي هذا تنبيه للناس من رقدتهم، وليأخذوا بالاحتياط لأمرهم.
الاستعداد للرحيل والدار الآخرة
ولذلك لما نستعرض موضوع أشراط الساعة الهدف الأكبر في الموضوع: دفع نفوسنا إلى الاستعداد للرحيل والدار الآخرة، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "والحكمة في تقدم الأشراط -أشراط الساعة- "إيقاظ الغافلين، وحثهم على التوبة والاستعداد" [فتح الباري: 11/350].
وقد أخفى الله أمر الساعة كما قال الألوسي -رحمه الله-؛ لأنه "أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية" [روح المعاني: 5/125].
فيجب أن تستشعر النفوس هول ما ستطلع عليه، وقرب لقاء جبار السموات والأرض، فلا تغتر بزخرف الدنيا الزائل، والجاهز الزائف، إنما هي أحلام نائم، ولا بد من يقظة، فإما إلى جنة وإما إلى نار.
كل ما وقع شرط من الأشراط اقتربنا أكثر، كل ما وقع شرط من الأشراط استيقظت النفوس بدرجة أكبر.
والله لو عاش الفتى في دهره | ألفاً من الأعوام مالك أمره |
متنعماً فيها بكل نفيسة | أبداً ولا ترد الهموم بباله |
ما كان هذا كله في أن يف | بمبيت أول ليلة في قبره |
امتحان النفوس بالإيمان بالغيب
من الفوائد التربوية لأشراط الساعة: امتحان النفوس في الإيمان بالغيب، وهذا واضح فوقت الساعة خفي: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ[الأعراف: 187]، فالله امتحن المؤمنين بالإيمان بالغيب، فسقط المنافقون والكفرة وبقي أهل الإيمان مصدقون بما قال الرحمن، وما أخبر به نبيه محمد ﷺ.
تثبيت الإيمان في القلب
من فوائد الإخبار بأشراط الساعة: تثبيت الإيمان في القلب؛ لأن كل شرط إذا تحقق قال المؤمنون: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب: 22].
وهكذا تتوالى علينا الأشراط: تطاول الناس في البنيان حفاة، كانوا حفاة فقراء تطاولوا في البنيان، حصل في هذا الزمان.
وكذلك إذا تأمل الإنسان حديث النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع[رواه الترمذي: 2209، وهو حديث صحيح]، فيتولى عليهم في كثير من الأحيان أحقرهم وأذلهم. اللكع هو اللئيم.
فيزداد الإنسان إيماناً بما أخبر به النبي ﷺ.
ثم الأشراط إذا جاءت النفوس تتجهز: بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة[رواه مسلم: 2947] كلما زادت الأشراط وقوعاً كلما كان الاستعداد أوجب.
وهكذا تكون الآيات أمارات على القرب، فكل شرط يقع، يقول لك: اقتربت أكثر، اقتربت أكثر، واقتربت أكثر، واقتربت أكثر.
ثم هذا يقوي الإيمان بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً[رواه مسلم: 118]، فيقول لك: انتبه، هناك أناس يتزلزل إيمانهم، هنالك أناس يضطربون، ينتكسون، يرتدون، يغيرون ويبدلون، فلا تغير، اثبت لا تبدل، على الحق ابق راسخاً، لا تتراجع مهما رأيت من الناكصين، ومهما رأيت من المنتكسين، ومهما رأيت من المغيرين المبدلين، ولو رأيتهم بسرعة يتقلبون يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا[رواه مسلم: 118] من شدة الفتن، لعظم الفتن يحدث الانقلاب، لماذا يحدث التقلب؟ من شدة الفتن.
تهيئة النفوس لمواجهة الفتن
وأيضاً تتهيأ النفوس؛ كما قال ﷺ: لا تظهر الساعة حتى ... تظهر الفتن[رواه البخاري: 1036].
فإذً، نستعد لمواجهة الفتن بالأخبار هذه، ومعرفة الأشراط تتهيأ النفوس لمواجهة الفتن، والفتن حدثت من أيام الصحابة، كما صار في مقتل عثمان، والقتال الذي بين المسلمين كان، ثم فتنة القول بخلق القرآن، وبعد ذلك البدع التي حصلت، ولا تزال الفتن تقع في الأمة، لا تزال هذه الفتن تعتورها: إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم[رواه أبو داود: 4259، وابن ماجه: 3961، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 5399] كل فتنة كقطعة من الليل في شدتها وظلمتها، وعدم تبين أمرها.
يحدث التقلب، تتردد أحوالهم، وتتذبذب أقوالهم، من عهد ونقض وأمانة وخيانة ومعروف ومنكر وسنة وبدعة وإيمان وكفر، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً[رواه مسلم: 118]، جاء في الحديث: القاعد فيها يعني في هذه الفتن خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، والماشي فيها خير من الساعي[رواه البخاري: 3601، ومسلم: 2886]، فكسروا قسيكم جمع قوس وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة يعني حتى تنكسر أو تذهب حدتها، فإن دخل على أحدكم بيته، فليكن كخير ابني آدم[رواه أبو داود: 4259، وابن ماجه: 3961، وأحمد: 19730، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"] يعني كهابيل، ولا يكون كقابيل. وهذا الحديث يرشد المسلم إلى طريق النجاة من الفتن، وأن فتنة القتل إذا نزلت، إذا لم يكن الحق واضحاً، فيعتزل الإنسان ولا يرفع سلاحاً، هذا عند الالتباس وعدم معرفة الحق.
أما إذا ظهر له الحق وتبين الظالم من المظلوم، والمبطل من المحق، فيجب أن يكون مع المحق، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال: "لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل" [مصنف ابن أبي شيبة: 7/468].
وقال الطبري: "لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل، وكسر السيوف، لما أقيم حد، ولما أبطل باطل، ولوجد أهل الفسوق سبيلاً إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال، وسفك الدماء، وسبي الحريم، بأن يحاربوهم، ويكفوا المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة، وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء" [فتح الباري: 5/34].
إذًا: متى محل الكف، ولزوم البيت، ويتخذ سيفاً من خشب؟
إذا لم يتبين له الحق من الباطل، فإنه في هذه الحالة يعتزل، وقد اعتزل كبار؛ كابن عمر وابن عباس.
تربية النفوس على الاستعفاف
من الفوائد العظيمة لأشراط الساعة: تربية النفوس على الاستعفاف، وترك ما يكون سبباً للاقتتال عليه من حطام الدنيا مهما بلغ من القيمة: يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، هذا حديثه ﷺ [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894]، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً، قال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم من هؤلاء المائة لعلي أكون أنا الذي أنجو[رواه مسلم: 2894]. قال بعض الرواة: قال أبي: إن رأيته فلا تقربنه.
وظاهر هذا الحديث: أنه الذهب المعروف، وليس ما يقال: الذهب الأسود؛ لأن بعض الناس إذا جاء يتكلم في أشراط الساعة خبط بجهل، وأسرف، وتكلم بغير علم، وأتى بالعجائب، قال: يحسر الفرات عن جبل البترول في باطن الأرض جبل؟ قال: من ذهب، والذهب أصفر أحمر معروف، وهذا أسود، وكونهم يسمون البترول ذهباً، أو يسمونه الذهب الأسود، أو يسمون القطن الذهب الأبيض، فهذه التسمية ليست تشتبه بالذهب المعروف، وألفاظ القرآن والسنة جاءت باللغة العربية بألفاظها المعروفة.
ثم قال: إذا حضره فلا يأخذ منه شيئاً، وهذا الذهب الأسود يؤخذ فينفع البلاد والعباد.
فالشاهد: أن بعض الناس يفسرون أشراط الساعة تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا عبث وجهل، والشاهد من الحديث: فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً.
إذًا، كأنه يقول: استعف -يا عبد الله، وكل ما يؤدي إلى الفتنة والاقتتال عليه ابتعد عنه، اتركه لا تدخل في هذه المعمعة، اقتتال على الدنيا، وإراقة دماء من أجل الدنيا، لا من أجل الدين، فلا تأخذ منه شيئاً.
الحذر من التشبه بالكفار
أشراط الساعة تحذرنا من التشبه بالكفار، وأن نستقل بديننا وعقيدتنا ومظهرنا وعزتنا وأحكامنا وعباداتنا، قال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك [البخاري: 7319].
معنى ذلك: أن فارس ستبقى في آخر الزمان، وسيكون لهم صولة وجولة وسلطان، وسيكون من المسلمين من يتشبه بهم، قال: كفارس والروم؟ واضح الحديث.
وكذلك جاء في رواية أخرى: لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن[رواه البخاري: 3456] يعني فمن الناس إلا أولئك، فمن أعني إلا هؤلاء.
وهذا الضب الدويبة المعروفة وقع التشبيه بجحر الضب؛ لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك يقتفون الأثر ويدخلون الجحر، حتى لو دخلوا جحراً رديئاً ضيقاً كجحر الضب لدخلتموه مثلاً بمثل سواء بسواء، وهذا كما قال النووي -رحمه الله-: من شدة الموافقة مثلهم حتى في الآثام والمعاصي، فلا بد من تربية الأمة على الاستعلاء بدينها والأنفة والعزة، وخلع ربقة التقليد من العنق، وما في العنق إلا البيعة لكتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ.
ترك المنكرات والبعد عن المعاصي
أشراط الساعة تربينا على ترك المنكرات، والبعد عن الكبائر والمعاصي، أليس منها ظهور الخسف والمسخ والقذف، قذف من السماء، ومسخ بتغيير الصورة، وخسف بذهاب الأرض بعضها تحت بعض، قالت عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله ﷺ: يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا ظهر الخبث[رواه الترمذي: 2185، وهو حديث صحيح].
إذًا، رمي بالحجارة من السماء سيكون، وتغيير خلقة بعض الناس ليكونوا كهيئة القردة والخنازير سيكون، وذهاب شيء من الأرض فيها سيكون، متى؟ قال: إذا ظهر الخبث ، فسره الشراح بالفسوق والفجور، وقيل: المراد الزنا خاصة.
والظاهر أنه المعاصي مطلقاً كما قال النووي.
هذا الخسف من جملة العقوبات والشدائد، إذا ابتعد الناس عن دين الله -تعالى-، وقد جاء هذا الوعيد لأهل المعازف والغناء الذين يشربون الخمور، قال ﷺ: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم ما معنى هذا العلم؟ الجبل العالي، يروح عليهم بسارحة لهممن الذي يروح عليهم؟ الراعي، ما هي السارحة؟ الماشية، ما هو الرواح؟ الغدو في أول النهار، الغدو والرواح، الغدو في أول النهار، والرواح العودة في آخر النهار، فهذه راعيها يغدو بها ويروح عليهم، يرجع عشياً بها إلى مألفها، يأتيهم الفقير، يأتيهم لحاجةيعني الفقير، فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله يعني يهلكهم ليلاً، والبيات هو هجوم العدو بالليل، ويضع العلم يعني يوقع الجبل عليهم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة[رواه البخاري: 5590].
فيؤيد أن الذين لا يهلكون بوقوع الجبل عليهم يمسخون ما جاء في الرواية الأخرى: ويمسخ منهم آخرين، أو من قوم آخرين غير هؤلاء الذين بيتوا، قال ابن العربي: يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة، ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم، قال الحافظ: والأول أليق بالسياق، يعني الحقيقة يعني يجعلون قردة وخنازير في الصورة فعلاً.
وقد أخبرنا ﷺ: بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة [رواه البخاري: 3485] يتحرك وينزل مضطرباً، قيل: من هذه الأمة، فهذا سيقع، وقيل: إخبار عما وقع من الأمم من قبلنا في قارون مثلاً.
فإذًا من الأشراط أن أناساً سيخسف بهم.
وعندما تعرض القيامة وترى الأشراط تتجلى عظمة الله أمام عينيك، ويبدو ضعف البشر أمام ناظريك، وأنت تقرأ قوله : لا تقوم الساعة حتى ... وتكثر الزلازل [رواه البخاري: 1036]، فهذا جبروته، وهذا غضبه، وماذا يمكن للجبابرة في الأرض أن يفعلوا تجاه الزلازل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ[الحـج: 1]، وقد وقع كثير من الزلازل التي تكون بين يدي الساعة، ولكن ما سيأتي أكثر.
تربية النفوس والأهل والأقارب على طاعة الله -تعالى-
أشراط الساعة تدفعنا للاهتمام بالزوجة والأولاد والأقارب والنفوس، وتربية الإخوة والأخوات على طاعة الله -تعالى-، لماذا؟ قال ﷺ: إن من أشراط الساعة ... ويظهر الزنا[رواه البخاري: 80، ومسلم: 2671].
هذا الفساد الذي ظهر اليوم نتيجة لدعاوى حرية المرأة، الرقي، التقدم، التمدن، التحرر، الصحة الجنسية، الجنس الآمن، وغير ذلك، وهذه تجارة ما يسمى بالرقيق الأبيض، ودور الدعارة، وتصدير المومسات عبر العالم، في تجارة ضخمة جداً، عصابات لهذه الدعارات، فشو الزنا، فماذا ستفعل نحو أهلك ونساء بيتك -يا عبد الله- وأنت ترى أسباب الزنا قائمة من شيوع الاختلاط، وتبرج النساء، ووقوع الخلوة؟
وهكذا انتشرت القنوات الخليعة، والمواقع الإباحية، وما ينزل على الجوال وفيه، والترويج للسياحة في البلاد الموبوءة، وعرض النموذج الغربي للمرأة، والدعوة للانحلال من القيود والأخلاق الفاضلة، هي أخلاق فاضلة قالوا عنها: قيوداً، يريدون التحرر منها.
الله يريده حجاباً وطهراً، وهم يريدونه سفوراً ودعوة للشهوات.
والله يريد الفضيلة والعفة للمسلمين، وهؤلاء يريدون عكس مراد الله، فيريدونه اختلاطاً وسفوراً وتبرجاً، يعرضون المرأة في الإعلانات كالسلعة، ويروجون لها في الصور في الصحافة: وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا[النساء: 27].
ألم يقل في أشراط الساعة: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر يعني الزنا؟ [رواه البخاري: 5590].
أليست الأمم الكافرة تسير في طريق الخلان والخليلات؟
أليست الدراسات قد جاءتنا من الغرب بأن الإحصاءات قالت: أن خمسين بالمائة من الرجال، وخمسة وعشرين في المائة من النساء في أمريكا يزاولون ويمارسون الفاحشة بعد الزواج، غير إحصاءات ما قبل الزواج، فما معنى ذلك؟ هل نريد أن نسير على منوال القوم؟ وأن نقع في القاذورات التي وقعوا فيها؟
وهذه أشراط الساعة تخبرنا بأمر خطير: لا تقوم الساعة حتى يتسافد في الطريق تسافد الحمر يعني: أن يأتيها في عرض الطريق: والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط[رواه أبو يعلى: 6183، وإسناده قوي].
احترام العلماء والالتفاف حولهم
أشراط الساعة تربينا على احترام العلماء والالتفاف حول العلماء، وتصدير العلماء، وسؤال العلماء، واستفتاء العلماء، توقير أهل العلم في صدروهم آيات بينات وأحاديث محمد ﷺ، الفقه بها والأحكام، العلم بها والمواعظ والإيمان، فحق لهم أن يكونوا تيجان الرؤوس، وأن نجعلهم في المقدمة؛ لأنه قد قال لنا: إن من أشراط الساعة ثلاثة: إحداهن أن يلتمس العلم عند الأصاغر[رواه الطبراني: 908 وإسناده جيد، كما في السلسلة الصحيحة: 695] ليس المراد صغار السن، بل صغار القدر، ضحال العلم، ضاعت تقواهم، وباعوا الفتوى، قال إبراهيم الحربي -رحمه الله-: الصغير إذا أخذ بقول رسول الله ﷺ والصحابة والتابعين فهو كبير، والشيخ الكبير إن ترك السنن فهو صغير، وقيل لابن المبارك: من الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم، يعني اعتماد على الكتاب والسنة، برأيهم يقدمون العقل على النقل، برأيهم يصادمون النصوص، حصل وإلا لا؟ أليس الآن قد قام أمر هؤلاء وسوقهم؟ أليس الذين يقولون برأيهم اليوم، ويخالفون النصوص الشرعية قد انتشر أمرهم؟ أليست مقولاتهم تطبق الآفاق؟
ألم يقل نبينا: إن من أشراط الساعة: أن يلتمس العلم عند هؤلاء الأصاغر، أن يأتيهم الناس، أن يسألوهم، ولذلك تدفعك هذه الأشراط دفعاً إلى ترك هؤلاء الذين يقدمون العقل على النص بآرائهم العفنة، بزبالات الأذهان، تترك نصوص القرآن، وسنة النبي العدنان؟ فوا عجباً والله لهؤلاء، كتاب يتكلمون في مسائل الحلال والحرام بلا علم، بالهوى، وناس يتصدرون في الفضائيات، يخبطون خبط عشواء، ثم يقول لك بعض من سمع: لكنني سمعت في قناة فضائية أن أحداً يقول: كذا وكذا، فما قيمة قوله؟، لأنه قال في قناة فضائية صار لكلامه وزن وله قيمة، سبحان الله كيف ينافي هذا النوع من الإعلام دين الإسلام؟
يا عباد الله: هذه الأحاديث وهذه النصوص تدفعنا لترك هؤلاء، والإعراض عنهم، ونبذ هؤلاء واتباع أهل العلم، قال ابن مسعود: "لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب رسول الله ﷺومن أكابرهم، فإذا جاءهم العلم من قبل أصاغرهم فذلك حين هلكوا" [رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1060].
ثم قال: "قال بعض أهل العلم إن الصغير المذكور إنما يراد به الذي يستفتى ولا علم عنده، وأن الكبير هو العالم في أي سن كان".
وقالوا: الجاهل صغير وإن كان شيخاً، والعالم كبير وإن كان حدثاً.
وإن معاذ بن جبل وعتاب كانا يفتيان وهما صغيرا السن، ولاهما رسول الله ﷺ الولايات مع صغر أسنانهما، ومثل هذا في العلماء الكثير [جامع بيان العلم وفضله: 1/617].
الآن ليس فقط يستفتى أهل الجهل، بل يستفتى أهل البدعة أيضاً، وتنشر البدع، وقريباً استعلنوا بأبيات شركية من البردة في الصفحة الأولى، دعوة إلى الاحتفال بالمولد، الاحتفال البدعي مع دعوة للشرك الأكبر الموجود في أبيات هذه القصيدة.
التعلم والتعليم
إذًا، أشراط الساعة تدفعنا إلى قضية التعلم والتعليم، لئلا تظهر فينا الأشراط، قال ﷺ: إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويثبت الجهل [رواه البخاري: 80، ومسلم: 2671]، وقال: إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم[رواه البخاري: 7062].
قبض العلم كيف يكون؟
بذهاب أهله، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، والآن يتخذون رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا[رواه البخاري: 100، ومسلم: 2673]، ضلوا وأضلوا بجهالاتهم، ولذلك نحتاج إلى إعداد لأهل العلم من الصغر، حفظ القرآن، حفظ السنة، حفظ المتون العلمية، الدورات، التشجيع على اللحوق بمن بقي من أهل العلم، وثني الركب عندهم، والرجوع إليهم في الإجابة على الاستشكالات والأسئلة، وهكذا تربية صف ثانٍ وثالث ورابع من العلماء؛ لأننا لا نريد أن نكون نحن الجيل الذي يظهر فينا قبض العلم بحيث لا يبقى عالم، ويتخذ الناس رؤوساً جهالاً.
ولا يزال العلم ينقص، والجهل يكثر، وهذا واضح جداً الآن في هذه الأمة.
والاهتمام بالسلالات العلمية النقية، أنفاس محمد ﷺ كانت في أصحابه، وأنفاس أصحابه في التابعين، وأنفاس التابعين في أتباع التابعين، ومن بعدهم جيلاً بعد جيل يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، يتعلمون ويفقهون، وينفون عن دين الله تحريفات وتأويلات واعتداءات للجاهلين والمغرضين والمبطلين.
ونحن -والله- أحوج ما يكون إلى حفظ السلالات العلمية لتبقى هذه الأنفاس المباركة في طبقات الأمة في أنفسنا وأولادنا.
الاهتمام بشعائر الإسلام وآداب الشريعة
من الفوائد العظيمة لقضية أشراط الساعة أيضاً: ما يكون من الاهتمام بشعائر الإسلام وآداب الشريعة المباركة، إفشاء السلام، صلة الرحم، وحسن الجوار، لماذا؟ وما علاقة هذا بأشراط الساعة؟
لأنه قد جاء في الحديث: إن من أشراط الساعة: أن يسلم الرجل على الرجل، لا يسلم عليه إلا للمعرفة[رواه أحمد: 3848، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 648].
لذلك كان من شعائر الإسلام أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف.
ومن شعائر الإسلام: إفشاء السلام في كل مكان، الآن تسلم على واحد، يقول لك: أعرفك من أول؟ تقول: لا، يقول: ليش سلمت علي؟
قال ﷺ: إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة[رواه أحمد: 3870] خلاص لا يسلم الرجل إلا على من يعرف، هذه من أشراط الساعة، مع أنه علمنا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم[رواه مسلم: 54] هذا الذي يرفع التقاطع والتهاجر والشحناء، ويزيل الحالقة التي تفسد الدين، وذات البين.
ثم قال أيضاً في الحديث الآخر: إن بين يدي الساعة.... وقطع الأرحام [رواه أحمد: 3870، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].
لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة[رواه أحمد: 6514، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].
إذًا ظهر الفحش في القول والعمل وفي القليل والكثير وفي الكلام المبثوث في الشبكات والمواقع والمنتديات، وفي الفضائيات ظهر الفحش، ظهر الفحش والتفحش، ظهر في الصور، ظهر في العبارات، ظهر حتى فيما يسمى بالنكت والطرائف، ظهور الفحش والتفحش في المجالس، يتباهون أيهم أفحش لفظاً ليلقيه ويتضاحكون منه، فحري بنا ونحن نرى أن هذه من أشراط الساعة أن لا نقربها، ولا نريد أن يتحقق هذا الشرط فينا.
تحري الأمانة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب
ثم أشراط الساعة ترشد إلى تحري الأمانة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ لأنه قال لنا عليه الصلاة والسلام: بينما يحدث وقد جاء أعرابي يقول: متى الساعة؟ مضى ﷺ يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة [رواه البخاري: ].
وهذا واضح جداً في أحوال كثير من الناس اليوم، ضياع الأمانة، وضع الخائن والسارق والمعتدي واللص، وهكذا يظهر فيما يسمى بهذا الفضاء الإعلامي نجوم وأبطال وناجحون وهم في الحقيقة فاشلون أراذل مختلون يقدمون للأمة على أنهم قدوات، وما فيهم من القدوة في الخير شيء.
إذًا ينبغي أن نركز على قضية تربية النشء على الأمانة، وأن يكون أهل الأمانة هم في أماكن المسؤولية.
حمل الأهل على العفة
وحملك لأهلك على العفة الآن أكثر من أي وقت مضى، حملك لزوجتك وبنتك على الحجاب الآن أكثر من أي وقت مضى؛ لأنه يوجد في أشراط الساعة حديث: نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها -والعياذ بالله- ليش كاسيات عاريات؟ تستر بعض بدنها، تلبس ضيقاً، تلبس شفافاً، وهكذا مع عطورات ومكياجات وتسريحات، موضات قصات، كأنه عرض أزياء، هذا وضع الأسواق، هذا وضع كثير من الطرقات، فإذن ماذا يجب أن نعمل؟ نقوم على أهلينا ونساءنا وبناتنا وبالأسلوب الطيب، وبالكلام الحسن، وبالنصيحة المباركة، وبالأدلة الشرعية، وبضرب الأمثال، وببيان العلة، وبالإقناع العقلي، نبين، تريدين أن تحرمي من رائحة الجنة؟ وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ، عليك بلبس هذا، صارت العباءة فستاناً أسود مطرزاً مزركشاً، ما صارت عباءة ولا جلباباً شرعياً، ولا يمكن أن يكون هذا هو الحجاب الذي شرعه الله، أكثر العباءات التي تباع في المحلات اليوم ليست قطعاً هو الحجاب الذي شرعه الله وأمر به، لبسه لا يطبق أبداً قول الله: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ[الأحزاب (59]، ولا يطبق ولا يحقق قول الله: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ[النور: 31] أبداً لا يحقق أبداً.
محاربة الربا
بين يدي الساعة يظهر الربا، إذن نحتاج إلى محاربة الربا، نشر المصرفية الإسلامية، ومحاربة الصور المائعة والخداع، وأشياء مما يجعل على أنه مصرفية إسلامية وهو كذب في الحقيقة، بعض ما يقال عنه: تورق، هو ربا مغطى أو مزين بمكياج كي لا تظهر الحقيقة، أنواع من الحرام تغزو الناس، إن بين يدي الساعة فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وهذا بحد ذاته ليس مذموماً، ليست كل أشراط الساعة -يا عباد الله- مذمومة، يعني ظهور القلم، وفشو التجارة، ليس مذموماً بحد ذاته، لكن المذموم ماذا تطبع المطابع؟ وماذا تكتب الأقلام؟ وبأي مجال هذه التجارات؟ كيف تدار التجارات؟ وكيف تقوم المعاملات؟ وماذا يعمل في الأسواق؟ ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام[رواه البخاري: 2083].
ولذلك قال عمر : "لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين، لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا أكل الربا" هذا كلام أمير المؤمنين.
قال علي أمير المؤمنين الآخر: "من اتجر قبل أن يتفقه ارتطم في الربا، ثم ارتطم، ثم ارتطم" يعني وقع وارتبك ونشب، أيش يعني ارتطم؟ وقع وارتبك ونشب، فيكتسب التاجر أموالاً كثيرة من حرام، بعضها يدري أنه حرام، وبعضها لا يدري إنه حرام وهو حرام، جهل لا يعرف ما هو الحكم؟ ما هو كلام أهل العلم في هذا؟ لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت النار أولى به.
الحذر من المتصدرين المخالفين لكلام أهل العلم
ومن الأمور أيضاً التي تأتينا بها أشراط الساعة بالتحذير: قضية الحذر من كلام بعض الناس الذين يتصدرون ويخالفون المعروف من كلام أهل العلم.
يا إخوان: أهل العلم كلامهم معروف، كلام الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، وغيرهم ممن جاء أيضاً من أهل العلم، ومن أهل العلم المعاصرين الذين لقوا الله، كبار، جهابذة، أئمة، قدوات، كلام أهل العلم معروف، إذا رجعت لكتبهم وجدته، معروف قول جمهور أهل العلم، ومعروف اتفاق أهل العلم، ومعروف إجماع أهل العلم، معروف موجود، قال عليه الصلاة والسلام: سيكون في آخر أمتي أناس انتبه معي -يا أخي- لأن هذا الآن واقع، سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباءكم يحدثونكم أحكام جديدة، قال: ما لم تسمعوا أنتم ولا آباءكمأحكام جديدة، ما هو الموقف؟ قال: فإياكم وإياهم هذا رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
الآن يتصدر في قنوات في مجلات في مواقع في.. إلى آخره من وسائل النشر، سمعية بصرية، يأتوننا بأشياء وأحكام و كلام ما سمعناه من علمائنا، ولا هو موجود في كلام علمائنا، وخلاف كلام علمائنا.
بعض الناس يقول: خلاص ما دام قالها واحد، ما دام هذا عليه البشت، ما دام هذا شكله، ما دام هذا يقال عنه: شيخ، أنا ما لي علاقة، ضع بيني وبين النار شيخاً، يا أخي هو يقول: فإياكم وإياهم يعني أنت معذور لو أخذت بقوله، لا والله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ[البقرة: 166] يوم القيامة لا يغنون عنهم من الله شيئاً، ولذلك سمعنا الآن الكلام الذي هو عبارة عن تحقق لأشراط الساعة، يأتيك شرط من أشراط الساعة يتحقق بين ناظريك، كلام والله ما كنا نعلمه من علمائنا الذين سبقوا، ولا من الثقات الباقين، ليس هذا كلامهم، ولا هذه فتواهم، ولا هذه الأحكام التي ينقلونها، ولكن هؤلاء الحجاب ليس بفرض، الاختلاط من ضرورات العصر، الربا ضرورة اقتصادية، المرأة تؤم الرجال، فرعون يدخل الجنة، الرضاعة من ثدي الموظفات، الدفن واقفاً توفيراً لمساحة الأرض، الأضحية بالدجاج إذا ارتفعت أسعار الغنم، كلام وكلام ساقط، كلام سخيف، ثم يقال: سمعت شيخاً في قناة، سمعت واحداً، يقول: أنا ما لي علاقة.
هذا لا تعذر به -يا أخي- والله يجب أن تبحث عن الثقات من أهل العلم، وأن تسألهم، أن تقلدهم.
والآن يعني أمور الديانة لا يصح أن تجعل ثانوية أو هامشية، أو ما تعطى الأولوية، أو إنها لا يحصل بها الاهتمام، كلا -أيها الإخوة-.
تعظيم أمر الدماء
أشراط الساعة تجعلنا: نعظم أمر الدماء، لاحظ الآن الواقع أنت الآن تقرأ الحديث تقارن بالواقع تجد عجباً، أنت الآن تقرأ الحديث تسمع الأخبار تجد عجباً، قال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج قيل: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل[رواه مسلم: 157]. القتل القتل سفك الدماء.
إذًا قبض العلم، ونزول الجهل، وتصدير الجهلة والفسقة، واختلاط المفاهيم، إراقة الدماء، بلا مسوغات شرعية، وهكذا.. قال: والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قتلفقيل: كيف يكون ذلك؟ يعني الناس ما لهم عقول؟ قال: الهرج القاتل والمقتول في النار[رواه مسلم: ].
فإذًا إذا صارت العقول مثل الهباءة، إذا صار الناس في طيش، إذا وقعت السفاهة سفكت الدماء، واستبيحت حرمة النفوس المعصومة.
الحديث يدل على ارتكاب جرائم القتل لأتفه الأسباب، افتح الآن بعض المواقع الإخبارية كل يوم، اختصام على كذا، على ماشية وقتله، طالب يطلق النار على مدرس ويرديه قتيلاً، يعني قتل للنفوس لأتفه الأسباب، ما عاد صار للدماء قيمة، وهكذا..
الحذر من الظلم وإعانة الظالمين
وأشراط الساعة تعلمنا الحذر من الظلم، وعدم إعانة الظالمين، ولذلك قال في الحديث: سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط اللهيعني في أول النهار رايح في غضب، وآخر النهار راجع في سخط، غضب في سخط، وحدثهم النبي ﷺ عمن معهم أسياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه [رواه أحمد: وهو حديث صحيح].
قال النووي: فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة، يعني هذا وقع على عهد النووي -رحمه الله-، فبعد ذلك يأتي.. ويأتي.. ويأتي.
عدم التشاغل بالزخارف وبهارج الدنيا
أشراط الساعة تعلمنا قضية عدم التشاغل بالزخارف، وبهارج الدنيا، وعدم التباهي بالأموال والأبنية، قال ﷺ: وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها يعني تفاخروا في تطويل البنيان.
قال الحافظ ابن حجر: معنى التطاول في البنيان أن كلاً ممن كان يبني بيتاً يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر.
ويحتمل أن يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة.
يعني إما أن يكون التباهي، إنه يعني التطاول فيه حساً، يعني أعلى أرفع، أكثر ارتفاعاً، يبني لك مائتين متر، يقوم واحد يقول: بنينا خمسمائة، يقوم واحد يقول: نحن بنينا ألفاً، ويأتي آخر ويقول: أنا عندي برج الميل، يا لله يتطاولون في البنيان.
ويحتمل أن يكون أيضاً التطاول معنوياً، بمعنى هذا أجمل وأحسن، هذا يعني أنا المبنى الذي عندي أكثر زخرفة، تفاخر، وهكذا..
لم تحرم الشريعة البنيان -يا عباد الله-، البنيان يحتاجه الناس، والمباني الرأسية حل لضيق رقعة الأراضي، والناس يحتاجون مساكن ومكاتب، فالارتفاع الرأسي حل من الحلول، لكن يجب أن لا يكون على سبيل التباهي والتفاخر والانشغال بالدنيا عن الآخرة.
الاهتمام بالعبادة في أوقات الفتنة
وأشراط الساعة تجعلنا نهتم بالعبادة في أوقات الفتنة والهرج، ألم يقل: العبادة في الهرج كهجرة إلي، وهذا حديث عظيم جداً جداً، وربما الآن صار تطبيقه أكثر من أوقات كثيرة مضت؛ لأن الهرج هنا الفتنة واختلاط الأمور على الناس، والهرج يعني الفتنة تشغل العقل والقلب، وتجعل الإنسان مشوشاً، والبال مشغولاً، فما يصير عنده خشوع، ولا فقه للعبادة، وهموم وأحزان، وتوالي مآسي، وحروب طاحنة، ومجاعات رهيبة، فتصبح الأشياء أخبار مزعجة محبطة، تجلب الاكتئاب، تصنع الصدمات، العبادة في الهرج كهجرة إلي، الآن الآن وقته والله العظيم، والله الآن وقته.
إذًا الآن تفريغ القلب والنفس للعبادة حتى لو اضطربت الأمور، حتى لو صار ما حصل من أنواع الاختلالات، أنت تعبد الله في هذه الظروف.
وقيام الساعة ما يمنع الإنسان من العمل، لو قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة النخلة الصغيرة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها إذن هكذا تكون أيضاً.
التربية على المتابعة الواعية
من الفوائد: التربية على المتابعة الواعية، وليس التقليد الأعمى، يعني لما تقرأ حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- مثلاً: إن ناساً من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش، قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهمفقلنا: يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم[رواه مسلم: 2884] يعني فيهم المستبصر المستبين العامد القاصد، وفيهم المجبور المكره، وفيهم ابن السبيل الذي سلك الطريق وليس منهم لكن عنده حاجة، -طيب- ما هو مصيرهم؟ يعني إذا خسف بالطريق هؤلاء كلهم يموتون، قال: يهلكون مهلكاً واحداً، يقع الهلاك على الجميع، ويصدرون يوم القيامة مصادر شتىولذلك عدم مخالطة أهل البغي مهم؛ لأنه وإن اقترب منهم لو خسف بهم يهلك معهم، نعم له نيته التي يبعثه الله عليها، ولكن عدم قرب أهل البغي، الابتعاد عنهم، التباعد من الظلمة، والتحذير من مجالستهم، ترك البغاة لئلا يناله ما يعاقبون به، ومن كثر سواد قوم فهو منهم، ولو ما كان مثلهم في المعتقد أو العمل.
ترقب الفرج وعدم اليأس
أشراط الساعة هذه تربينا على ترقب الفرج، وعدم اليأس من رحمة الله، يعني لما قال: لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً[رواه أحمد في مسنده: 11313، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"] من عترته من ذريته ومن آله، ومن عقبه، ومن صلبه عليه الصلاة والسلام، من ولد فاطمة -رضي الله عنها- معناها في فرج، يعني ولو امتلأت الأرض ظلماً وعدواناً، امتلأت.. امتلأت، سيأتي فرج، بشارة عظيمة، هذا فيه تفريح نفوس المؤمنين، فيه إزالة غم، مهما طال الظلم، ومهما عم وطم وشمل، فالله رحيم، الله كريم، الله يفرج: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد: 7].
التواضع
ثم نتعلم من أشراط الساعة التواضع، حتى لو ظهر هذا عبد الله المهدي الذي يؤم المسلمين لصلاة الفجر، وينزل عيسى، ويتراجع المهدي ليؤم عيسى، فعيسى يأمره أن يتقدم، ويقول ﷺ: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ [رواه البخاري: 3449، ومسلم: 155].
لا تغيير في العداوات الدينية
والأشراط تعلمنا أنه لا تغيير في العداوات الدينية، يعني المبادئ الضالة تقول: ما في عداوة ثابتة وصداقة ثابتة، هي مصالح.
نحن نقول: العداوات ثابتة في الشرع، والصداقات أو الولاءات ثابتة، فالعداوة للكفار والمشركين، والولاء والمحبة للمؤمنين والمسلمين، هذه ثوابت عندنا ،الآن لما يقول: اعدد ستاً بين يدي الساعة... ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، ثم.. ثم.. وقال: فيغدرون بكم، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً[رواه البخاري: 3176].
هؤلاء أهل الصليب على ما هم عليه من العداوة للمسلمين وأهل غدر بالمسلمين، وسيأتوننا بمليون؛ لأنه اثنا عشر راية تحت كل راية يعني أو ثمانين راية تحت كل واحدة اثنا عشر ألفاً يعني تسعمائة وستين ألف، يعني ألف ألف كما قال بعضهم: المقصود ألف ألف.
فإذًا العداوة ثابتة يعني عداوة أهل الكتاب لنا هذه قضية من الثوابت، ما في نقاش، وواضحة إلى قيام الساعة، آخر يعني قتال لما يقاتل المسيح اليهود بقيادة الدجال، ويحمل كل النصارى في الأرض على الإسلام ومن لم يسلم يقتل، ويكسر الصليب، فنهاية اليهود ونهاية النصارى على يد عيسى ، ولا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابقموضعان بالشام قرب مدينة حلب، فيخرج إليهم جيش من المدينة قيل: المدينة، مدينة دمشق، وقيل: المدينة، المدينة النبوية، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا[رواه مسلم: 2897]، وقضية ولاء المؤمنين للمؤمنين واضحة، وقضية ما يكون من تمايز المسلمين عن المشركين واضحة.
وإذًا هكذا تحدث الهزيمة المنكرة، ونصر الله للمسلمين على أهل الشرك، وهذه عداوة ثابتة باقية إلى قيام الساعة.
على أية حال: الاهتمام بتربية النفس، أو الاستعداد للأمور العظام، كخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، والدابة، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، تستعد نفوس المؤمنين لمواجهة أي طارئ، وأي حدث عظيم مهما كان.
التوكل على الله والثقة به
هذه أشراط الساعة -أيها الإخوة والأخوات- تعلمنا أن يتوكل الإنسان على الله، وأن لا يثق بنفسه، وإنما يثق بالله؛ لأنه ﷺ لما قال لنا: من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات[رواه أبو داود: 4319، وأحمد: 19875، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
فإذًا المواجهة لمن كان يعلم الحقائق ويقدر على المواجهة، مثل الشاب من أهل المدينة الذي يخرج إلى الدجال، ويفعل به الدجال ما يفعل، فيقول الشاب له: والله ما ازددت بك إلا بصيرة، أنت الدجال الذي حدثنا عنه رسول الله ﷺ، أنت الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله ﷺ.
إذًا، الذي آتاه الله العلم والقوة يواجه الفتن، ومن ليس عنده هذا فليترك وليهرب من الفتنة، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب إنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات، ولذلك من سمع بالدجال فلينأ عنه.
والله يرحم المؤمنين في زمن الغربة والكربة، الآن قبل الدجال ثلاث سنوات الفتن قامت: فتنة الاحلاس، وفتنة الدهيماء، وفتنة السراء.
والفتن التي لا تدع أحداً من العرب إلا لطمته لطمة كلما انفضت تمادت.
الفتن لا تدع بيتاً إلا دخلته.
ثلاث سنوات، السنة الأولى ثلث نبات الأرض، وثلث مطر السماء محبوس، والسنة الثانية الثلثان، والسنة الثالثة ما يعيش الناس؟ قال: التسبيح والتحميد والتهليل[رواه ابن ماجه: 4077، وهو في قصة المسيح للألباني: 26]، هذا يجزئ عنه مجزأة الطعام، هذا من إعانة الله للمسلمين في المجاعات.
يظهر الدجال بالفتنة العظيمة معه جنة ومعه نار، وأمام الناس كأنه يحيي الموتى، والشياطين تعاونه، وتتجسد كهيئة الميت، وتقوم وتكلم على أن هذا أبوه وهذا أمه، ويأمرانه باتباع الدجال، وتتبعه كنوز الأرض، ويترك المكذبين به ممحلين، والمصدقين به يتركهم في كنوز، وخيرات كثيرة، ومعه جبال من الخبز واللحم، يعني أشياء مبهرة، الدجال شيء ما خلق الله فتنة منذ أن قامت السموات والأرض مثل الدجال، هذه الفتنة العظيمة التي يمكث فيها في الأرض أربعين سنة، الفتنة العظيمة هذه يرحم الله العباد إذا نزلت وحصلت، ما هي هذه نهاية، ليست كل شيء، فيخرج الله عيسى ابن مريم للقضاء على الدجال، فيخرج عيسى ويقتله، فيأتي الفرج بعد الشدة، وتأتي الرحمة بعد الكربة.
فإذًا -أيها الإخوة- هذه أشراط الساعة تعلمنا: أن النصر مع الصبر، وأن المعونة تنزل على قدر المؤونة، والفرج يأتي بعد الشدة.
من لا طاقة بمواجهته يبتعد عنه
هذه أشراط الساعة تعلمنا: أن من لا طاقة بمواجهته ينأى عنه: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، لا استطاعة، يأجوج ومأجوج، ما هو الموقف الشرعي؟ فحرز عبادي إلى الطور[رواه مسلم: 2937]، وهكذا يفعل عيسى في مواجهة العدو الذي لا قبل للمسلمين به.
الحذر من تطبيق أشراط الساعة بشكل خاطئ
أشراط الساعة ينبغي الحذر من أن تطبق بشكل خاطئ؛ لأن بعض الناس إذا حدث حدث كبير في العالم مباشرة اتجه لحديث، أو شرط من أشراطها، وقال: هذا هو، فيطبقه تطبيقاً خاطئاً، يعني ينزل النص على الواقع تنزيلاً خاطئاً، وهذا طبعاً مصيبة وجهل.
ولما حدثت بعض الحروب الماضية قام بعض الناس واستخرجوا أحاديث في آخر الزمان، قالوا: هذه هي، ولم تكن لها بها علاقة البتة.
ونلاحظ كلما صار في الأرض أحداث كبيرة قام بعضهم وأتى بأحاديث وقال: هذه هي، ولذلك كثير مما ينقل في الإيميلات ورسائل الجوال والبريد الإلكتروني، وغيره، يفتقد إلى المصداقية، يفتقد إلى الفقه في النص، وأحياناً يفتقد إلى ثبوت النص؛ لأنهم يستشهدون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة.
وكذلك نجد من التطبيقات الخاطئة أو الانحرافات في مسألة أشراط الساعة: الزعم والادعاء لشخصية من الشخصيات المذكورة كمثل المهدي مثلاً، فيخرج ببساطة واحد يدعي أنه هو، ويخرج من الناس من يصدقه بذلك، لذلك لما سئل بعض السلف عن المهدي، قال للسائل: بأن لا يتبعه مهما سمع عنه حتى يظهر.
فإذًا هذه قضية ادعاء المهدوية قام بها في طول بلاد المسلمين وعرضها في التاريخ القديم والحديث الكثير، تطبيق خاطئ لأشراط الساعة، وفهم خاطئ لأشراط الساعة، نحن ابتلينا بقضية التطبيقات الخاطئة لأشراط الساعة نتيجة الجهل طبعاً عدم معرفة كلام العلماء في النص، أو عدم صحة النص الذي يستدل به، وقضية التنزيل على الواقع.
يا إخوان: هذا التنزيل على الواقع والله قضية خطيرة؛ لأن يعني بعض الناس يقدم على تنزيل الحديث على الواقع، أو يقدم تنزيل النص على الواقع بدون مؤهلات شرعية، ولذلك يجب الرجوع إلى أهل العلم.
يا شيخ يا أيها العالم: هل هذا شرط من أشراط؟ هل هذا الشرط ينطبق يدخل في هذا الحدث؟ هذا الحدث المعين يدخل في هذا الشرط؟
هذا مهم الرجوع إلى أهل العلم فيه؛ لأن بعض الناس يعني يظن إنه في موافقات وتشابه، فيقول: هذه هي هذه، وليست كذلك.
وأحياناً تحدث مواقف مضحكة نتيجة لهذا..
ولذلك الوصية بقضية: صحة النص، وفهم النص، والرجوع إلى أهل العلم في تنزيله على الواقع.
ثلاثة أمور مهمة -يا إخواني-: صحة النص، وفهم النص، والرجوع إلى أهل العلم في تنزيله على الواقع.
وأيضاً فإن بعض أشراط الساعة لا تحدث إلا إذا صار الجهل بها مطبقاً، فلا يظهر الدجال مثلاً إلا إذا ترك ذكره على المنابر، فإذا صار التذكير به للناس مستمراً قائماً، هذا من أسباب دفعه وعدم خروجه، هي أصلاً في وقتك أنت يا عبد الله.
ثم من الأشياء التي ينبغي الانتباه لها كما حدث على عهد ابن مسعود لما هاجت ريح حمراء بالكوفة، هاجت ريح حمراء، فقام رجل من الناس مباشرة يقول: الساعة الساعة، يا ابن مسعود، يا أبا عبد الرحمن الساعة الساعة.
هذه القضية التي حدثت كيف تصدى لها ابن مسعود وهو من أهل العلم العظماء من أصحاب محمد ﷺ؟
الجواب -يا إخوان- أنه تصدى لها عندما قال لذلك الرجل: "إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام، عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم" [رواه مسلم: 2899].
إذًا لاحظوا معي الحديث الذي رواه مسلم فيه هاجت ريح حمراء بالكوفة.
-طبعاً- ريح حمراء هذه يعني شيء عجيب، ومنظر غريب، الرجل هذا يقول: يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة؟ فكان ابن مسعود متكئاً فقعد، هذا شأن أهل العلم، هو ابن مسعود يعرف أن قبل قيام الساعة أشياء ما جاءت، فقال لهم: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة [ينظر: صحيح مسلم: 2899].
المهم العمل وليس النسب
ثم كذلك أشراط الساعة تعلمنا: أن المهم العمل وليس النسب، ألم يقل عليه الصلاة والسلام عن فتنة من الفتن دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون [رواه أبو داود: 4242، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 5403].
من الذي يحمينا؟
قراءة القرآن وتدبره، مثلاً: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال[رواه مسلم: 809]، إذًا هذا سبيل.
العلم أصلاً في العصمة، العلم مثل ما يتصدى ذلك الشاب من أهل المدينة الذي ذكرنا قصته.
كذلك نحن نعلم أن أعداء الله اليهود لا يزالون إلى آخر الساعة عاملين على إفساد الناس واتباع المفسدين، ولذلك يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة [رواه مسلم: 2944].
فإذًا هؤلاء باقون في الإفساد إلى آخر الزمان.
واعلموا -يا إخواني- أن التشبث بأحكام الشريعة المحمدية زمن الفتنة ظاهراً وباطناً هو السبيل، ولذلك عيسى يهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام.
وأيضاً فإن أشراط الساعة تطبيق أحاديث أشراط الساعة، ينبغي أن يكون -كما قلنا- فيه الحذر الشديد، أنا أقول هذا خصوصاً في هذه الأيام التي إلى الآن صارت فيها أحداث كبار واضحة جداً، خلت من بين أيدينا ومن خلفنا وفي بلاد متعددة.
-طيب- هذه البلاد التي تحدث فيها فتن اليوم نحن لما نسمع الأخبار الآن وما يحدث لا شك نتذكر أشراط الساعة، فنقول: نحن في آخر الزمان؟
نعم نحن في آخر الزمان.
وظهرت الأشراط؟
قلنا: ظهرت الأشراط، قلنا: بعثة نبينا ﷺ، وفتح بيت المقدس، وطاعون عمواس، واستفاضة المال، وظهور الفتن من المشرق، واتباع سنن الأمم الماضية، وظهور مدعي النبوة، وظهور نار الحجاز، وقتال الترك، وقتال العجم، وضياع الأمانة، وقبض العلم، وظهور الجهل، وانتشار الزنا، وانتشار الربا، وظهور المعازف، وكثرة شرب الخمر، وزخرفة المساجد والتباهي بها، والتطاول في البنيان، وأن تلد الأمة ربتها، وكثرة القتل، وتقارب الزمان، وذهاب البركة من الوقت، وتقارب الأسواق بين كل سوقين يوجد سوق، وأيضاً صارت الأسواق في الإنترنت أن تشتري وتبيع الأسواق في أقاصي الأرض، ويعني قريبة وبعيدة تشتري وتبيع، وظهور الفحش، وقطيعة الرحم، وسوء الجوار، وتشبب المشيخة، وكثرة الشح، وكثرة التجارة، وكثرة الزلازل، والمسخ والخسف، وبعض هذا سيكون، ذهاب الصالحين، ارتفاع الأسافل، السلام للمعرفة، التماس العلم عند الأصاغر، أن تصدق رؤيا المؤمن، انتفاخ الأهلة، وظهور الكاسيات العاريات، وكثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأخبار، من عذاب القبر واحد يعذب لأنه يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، ممكن من زمان واحد صعب يتخيل كيف الكذبة تبلغ الآفاق، الآن في عصر رسائل الجوال والإيميل والقنوات الفضائية تقع الكذبة الآن تبلغ الآفاق بعد ثوان، وكثرة شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وسيأتي كثرة النساء، وقلة الرجال، وكثرة موت الفجأة، ووقوع التناكر بين القلوب، وأن تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، وكثرة المطر، وقلة النبات، يعني يصير مطراً كثيراً، ولكن الأرض تنبت قليلاً، المطر ليس غيثاً، مطر ولكنه ليس بغيث، وحسر الفرات عن جبل من ذهب، وأن تكلم السباع الإنسان، وتمني الموت من شدة البلاء، وكثرة الروم، وقلة العرب، تقوم الساعة والروم أكثر الناس[رواه مسلم: 2898].
وفتح القسطنطينية، والذي يظهر أنه فتح آخر غير هذا الذي حصل؛ لأنه فتح تسقط به المدينة بالتكبير، ومعلوم أن فتح محمد الفاتح ما كان بذلك، إنما كان بالقوة العسكرية والحصار والسفن والمدافع والسلاح.
وكذلك خروج الرجل من قحطان الذي يسوق الناس بعصاه، وقتال اليهود، واستحلال البيت الحرام، وهدم الكعبة، ورفع المصحف من الأرض، واستخراج كنز الكعبة.
الأشراط كثيرة، قلنا: إن أكثرها حصل، لكن نحن نحتاج إلى رفق، وتثبت، وعدم عجلة، وعدم طيش، نقول هذا الكلام الآن بمناسبة الأحداث التي تقع.
أحلم الناس عند فتنة، هذا هو المطلوب.
ثم نحن إذا انطبق الشرط ما نكذب نقول: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وهذا يزيدنا إيماناً وتسليماً.
ولكننا لا يجب علينا أن نسعى لتحقيق الشرط يعني أن يقع، والله مثلاً إذا كان من أشراط الساعة مثلاً خروج الدجال يعني نذهب حتى نخرجه، يعني نبحث عنه في جزر البحر حتى نحرره، ما هو شغلنا.
فيه أشياء سيئة في أشراط الساعة يجب أن ندافعها، يعني نحاول ما تحصل فينا.
ثم ننتبه إلى النسبة الزمانية عند الكلام على اقتراب الساعة، يعني الله قال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ[القمر: 1] ثم راح ألف وأربعمائة سنة وما قامت، لماذا؟ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [الحـج: 47] هم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا[المعارج: 6 - 7].
لا ننسى مسألة النسبية الزمانية لما نتكلم في موضوع أشراط الساعة، وإسقاط النصوص على الأحداث.
قلنا: ما هي الشروط فيه؟
عدم التعجل، والرجوع لمصادر التلقي المشروعة، وأننا نرجع إلى أهل العلم.
الآن بعض الناس يقرأ في أشراط الساعة وفي الأحاديث الملاحم الكبرى، وفيها خيول وفوارس، وعلقوا سيوفهم بالزيتون، ويقتله بحربة بيده، ويأجوج ومأجوج يرفعون سلاحهم، ونشابهم وقسيهم إلى السماء، وبالسهام، فيقول: طيب الآن يعني كلها إلكترونية الحرب إلكترونية؟
يا أخي: الله قادر على إذهاب هذه الحضارة كلها أنت لماذا تستغرب؟ لماذا تستبعد؟
في واحد من الظرفاء الغربيين سألوه قالوا له يعني: أنت ما توقعاتك في الحرب العالمية هذه؟ ما نوع الأسلحة التي سيكون فيها؟
فقال: هو الحرب العالمية الثالثة التي ستأتي يعني على حد قوله أكيد راح تكون بالأسلحة النووية والذرية والهيدروجينية، بس ترى الحرب العالمية الرابعة أكيد إنها بالسيف والسكين؛ لأنه خلاص يعني إن هذه خلاص تذهب بهذا.
على أية حال: لا يعلم الغيب إلا الله، كيف سيتم الانتقال من مرحلة هذه الأسلحة الفتاكة الحديثة إلى الأسلحة البدائية؟
هذا علمه عند ربي، وقد تستغرب كيف يكون ذلك، ولكن لا تستنكر ولا تكذب، وإنما تقول: آمنا بما جاء عن الله على مراد الله، وما جاء عن رسول الله ﷺ على مراد رسول الله ﷺ.
وما نعبث بأشراط الساعة، بمعنى لا للتأويل الفاسد، مثلاً بعضهم قال: الدجال هو الحضارة الغربية.
يا أخي كيف الدجال هو الحضارة الغربية؟ بالله عليك، يعني هذه الأحاديث التي جاءت فيه كيف؟
فيأتي ببعض أوجه التشابه ليقنعك إن الدجال هو الحضارة الغربية.
الدجال بشر من البشر، ما هو شيء معنوي، شيء حسي من البشر.
ولذلك يخبط خبط عشواء في أشراط الساعة.
وأناس يريدون تنزيلها وتطبيقها على الواقع بلا علم من الكتاب والسنة، أو فقه الأدلة، أو الرجوع إلى أهل العلم، أو المعرفة بلسان العرب.
ولا للمجازفات.
وأخيراً -أيها الإخوة والأخوات- المهم عندنا الآن ما هو؟
الاعتبار.
وعندما نشاهد الأحداث التي تقوم الآن على الأرض لا بد أن يكون لنا ارتباط بالكتاب والسنة، ونحن نسمع ونرى ما يحدث في العالم، كيف الله يعاقب على انتشار الفساد؟ كيف الله يكره الظلم ولا يرضاه لعباده؟ ما هو مصير أهل الطغيان والظلم؟
كما قال ذلك العالم الواعظ من أسلافنا: "كم من ظالم تعدى وجار فما راع الأهل ولا الجار، بينا هو يعقد عقد الإصرار، حل به الموت فحل من حلته الأزرار، ما صحبه سوى الكفن إلى بيت البلى والعفن، لو رأيته وقد حلت به المحن، وشين ذلك الوجه الحسن، فلا تسأل كيف صار؟ سال في اللحد صديده، وبلي في القبر جديده، وهجره نسيبه ووديده، وتفرق حشمه وعبيده والأنصار، أين مجالسه العالية؟ أين عيشته الصافية؟ أين لذاته الحالية؟ كم .. كم تسفي على قبره سافية؟ ذهبت العين، وأخفيت الآثار، تقطعت به جميع الأسباب، وهجره القرناء والأحباب، وصار فراشه الجندلة والتراب، وربما فتح له في اللحد باب النار، خلا والله بما كان صنع، واحتوشه الندم وما نفع، وتمنى الخلاص وهيهات قد وقع، وخلاه الخليل المصافي وانقطع، واشتغل الأهل بما كان جمع، وتملك الضد المال والدار، فاعتبروا يا أولي الأبصار" [التبصرة، لابن الجوزي: 1/279].
باتوا على قلل الجبال تحرسهم | غلب الرجال فلم تنفعهم القلل |
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم | واسكنوا حفراً يا بئس ما سكنوا |
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا | أين الأسرة والتيجان والحلل؟ |
أين الوجوه التي كانت محجبة | من دونها تضرب الأستار والكلل |
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم | تلك الوجوه عليها الدود يقتتل |
قد طال ما أكلوا فيها وما شربوا | فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا |
وطالما كنزوا الأموال وادخروا | فخلفوها على الأعداء وارتحلوا |
وطالما شيدوا دوراً لتحصنهم | ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا |
أضحت مساكنهم وحشاً معطلة | وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا |
أين الكنوز التي كانت مفاتحها | تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا |
أين العبيد التي أرصدتهم عدداً | أين الحديد وأين البيض والأسل |
أين الفوارس والغلمان ما صنعوا | أين الصوارم والخطية الذبل |
هيهات ما كشفوا ضيماً ولا دفعوا | عنك المنية إذ وافى بك الأجل |
نسأل الله أن يصلحنا أجمعين، وأن يتوب علينا إنه هو أرحم الراحمين.