الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص الحديث السادس عشر
لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه؛ عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك، حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار [رواه أبو داود: 4699، وصححه ابن حبان -رحمه الله-، وكذلك ابن القيم والذهبي، وضعفه ابن رجب -رحمه الله-، قال محققو المسند: "إسناده قوي"، وقال الهيثمي: "رجاله ثقات".
شرح الحديث السادس عشر
والله هو العدل، وهو منزه عن الظلم، والظلم محال في حق الله: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء: 40]، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46]، وقال في الحديث القدسي وقد مر معنا: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي [رواه مسلم: 2577].
وهو سبحانه الحاكم المتصرف يعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، له الخلق، وله الأمر، وله الحكم ، قال النبي ﷺ في هذا الحديث: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم [رواه أبو داود: 4699، وابن ماجه: 77، وأحمد: 21589] هنا نشير إلى أن المبتدعة في جانبين في مثل هذا، بعضهم وهو المعتزلة يردون مثل هذه الأحاديث أصلا، ولا يعترفون بها.
والأشاعرة في الجانب الآخر يقولون: يعذب بلا سبب، ولا حكمة، ولا تعليل، ولا يلزم لا وجود لا حكمة ولا تعليل، وهذا خطير أيضا القول هذا، فالله لا يمكن أن تكون أفعاله صادرة عن غير حكمة أو بلا حكمة أو يفعل أشياء عبثا أو يفعل أشياء بلا سبب، لا علة لها، ولا تعليل لها، لكن نحن قد تخفى علينا العلة، قد تخفى علينا الحكمة، لكنه لا يوجد جواز أن يفعل الله شيئا بلا حكمة، هكذا لمجرد المشيئة كما يقول الأشاعرة.
أهل السنة يقولون: لا، لا يمكن لا بد أن تكون، لا بد كل فعل لله صادر عن مشيئته وبإرادته -عز وجل-، لكن لا بد أن يكون لله فيه حكمة، ما يمكن أن يكون عبثًا أو بلا حكمة.
أما هم يقولون بمحض المشيئة المجردة، فلو قال قائل: هذا الحديث يعني لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل الأرض، طبعا لو أنه عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، معنى ذلك، يعني أنه -سبحانه- لا يعذبهم إلا لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم؛ لأن هنالك سببا في الحقيقة يستدعي التعذيب، مثل أنهم لم يشكروا نعمه، الآن لو جمعت كل أعمالنا على نعمة واحدة ما أدتها، طيب بقية النعم؟ عباداتنا فيها وفيها، فيها الرياء، وفيها العجب، وفيها التقصير، وفيها خروقات كثيرة، يعني لو عذبنا على تقصيرنا في العبادة نستحق، لو عذبنا على عدم شكر النعم حق شكرها نستحق، لكنه -سبحانه- بفضله ورحمته وكرمه ومنته يغفر ويتجاوز ويقبل التوبة -سبحانه وتعالى-، ولو شاء لعذبنا على الصغيرة والكبيرة، وعلى كل شيء، وحاسبنا على ذلك، على كل الأعمال، على كل التقصيرات.
فإذن، لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل الأرض، لو أنه عذبهم -عز وجل- لعذبهم وهو غير ظالم لهم، لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ونعم الله على العباد كثيرة، وحقوقه عليهم كثيرة، ومع ذلك، فهو يعفو ويغفر ويتجاوز، والعباد ما قاموا بحق شكره، وأعمالهم كلها لا تفي شكر نعمة واحدة، فما بالك ببقية النعم؟ فما بالك إذا كان في أعمالهم معاصي؟ فما بالك إذا فيها كبائر؟ وأيضا قيامهم بحقوقه فيه تقصير إما جهلا أو تفريطا معصية تقصيرا؟ ولذلك قال ﷺ: لن ينجي أحد منكم عمله [رواه البخاري: 6463، ومسلم: 2816].
فإذن، لو عذبنا على تقصيرنا في العبادة، أو عذبنا على تقصيرنا في شكر النعم لكنا مستحقين وإلا لا؟
خلاص هذا من معنى هذه العبارة لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، فلو عذبهم لعذبهم بحق، عذبهم لحقه عليهم من تقصيرهم في حقه؛ وهو غير ظالم لهم، لو عذبهم في هذه الحالة هم يستحقون العذاب، وما كان تعذيبهم ظلما، كيف وأعمالهم لا توازي القليل من نعمه؟ كيف وهم مقصرون في طاعته؟ فتبقى نعمه الكثيرة ما لها مقابل في الشكر، ولو وزعت طاعات كل واحد على النعم التي أتاه الله إياها ما تفي بشكر النعمة، قال الله -تعالى-: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34].
وأشار أيضا في الآية الأخرى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل: 18] أشار إلى أنه غفور رحيم على تقصير العباد في شكره لنعمه.
قال بعدها: ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم فإذن، رحمته ليست في مقابل الأعمال، ولا ثمن عليها، ولا تبلغ أعمالهم رحمته، فرحمته خير من أعمالهم، لو واحد قال: هل يرحمنا لأن أعمالنا تستحق رحمته، توازي رحمته، تكافئ رحمته؟ نقول: لا، رحمته خير وأعظم من أعمالنا، ولو كان على أعمالنا فقط ما ندخل الجنة، لكن رحمته، وأعمالنا ليست مكافأة للجنة، حتى لو الواحد من أهل الجنة عمله لا يكافئ الجنة، ولا ثمن للجنة، لكن سبب لدخول الجنة.
وإذًا بما ندخلها؟ برحمته، إذا أعمالنا ما تكافئ الجنة، يعني ما نستاهل مهما عملنا، مهما عملنا ولا شكر نعمة، يعني مثلا نعمة التنفس يعني كل الأعمال ما تكافئ نعمة، فسيكون دخول الجنة هذا زائد؛ لأنه الآن سيقال طيب وبقية النعم فضلا عن أن نستحق الجنة يعني بأعمال، فهذه الأعمال لو وزنت وحوسبنا عليها، يعني تماما ستسهلك كلها في شكر نعمة، وما أدينا بقية النعم، فضلا عن أن نكون فعلنا ما يساوي دخول الجنة.
إذن بم ندخل؟ خلاص كذا نقول ندخل برحمته، لكن في ناس ما يدخلون المشركون الكفار لا يدخلون أبدا، وفي ناس لا يدخلون إلا بعد عذاب، وأهل الكبائر، ومن لم تستثنه المشيئة، فهناك ناس يستحقون دخول النار، ولكن مشيئة الله يعني الله يشاء ألا يدخلوها برحمته، وناس يدخلون ثم يخرجون.
فإذن، كل الذين يدخلون الجنة لا يدخلون إلا برحمة الله، وإلا فالأعمال لا تنجيهم من النار ولا تدخلهم الجنة.
إذا جئت على قضية الحساب يعني هل تساوي؟
ما تساوي، كما قال ﷺ: لن يدخل أحد عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا ، يعني حتى عبادة الأنبياء ما توازي شكر النعم التي أنعم الله بها عليهم، لو أخذت نعمة النبوة فقط: وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113]، وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء: 113]، وآتاه الله النبوة، وآتى أنبياء الملك والحكم والنبوة سليمان وداود.
إذن، حتى الأنبياء أعمالهم لا تكافئ الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة [رواه البخاري: 5673، ومسلم: 2816].
وجاء في رواية: لن ينجي أحدًا منكم عملُه [رواه البخاري: 6463، ومسلم: 2816].
فالأعمال الصالحة ليست مساوية للنجاة من النار، ولا لدخول الجنة، لكنها سبب، يعني لو واحد ما عمل، قال يعني خلاص ما في فائدة ما نعمل، نقول له: ما تعمل خلاص يدخل النار، ما عنده سبب للنجاة أصلا، يعني تدركه رحمة الله على إيش؟ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56].
فإذن، لا بد أن نحسن حتى يرحمنا ويدخلنا الجنة، لا بد أن نعبد حتى يرحمنا وينجينا من النار، لا بد أن نتوب حتى يرحمنا ويتجاوز عنا، ولو ما في توبة ولا في عمل صالح، خلاص، إذن، ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] الباء هذه باء السببية، وليست باء الثمانية، ليست ثمنا ولا مكافئا، السبب لأنه أمرنا وأعمالنا سبب نرجو بها عنده أن يدخلنا الجنة، نرجو بها عنده أن يباعد بيننا وبين النار، فدخول الجنة إذن برحمة الله وفضله، والنجاة من النار برحمة الله وفضله.
إذن، معنى الحديث: لو عذبهم لعذبهم وهم يستحقون كل أهل السماوات والأرض ولم يكن لهم ظالما، ولو رحمهم فهذا مجرد تفضل منه وكرم، لا لأن أعمالهم يستحقون بها الرحمة والجنة والنجاة من النار، لكن لو عذبهم لعذبهم لاستحقاقهم، ولو رحمهم لكان ذلك فضل منه وكرم، لا بأعمالهم، فرحمته خير من أعمالهم، فجميع العباد تحت عفو الله ورحمة الله وفضل الله، والذي ينجو منهم ينجو بفضل الله، وعفو الله، ما فاز أحد إلا برحمة الله، ما يفوز أحد بالجنة إلا برحمة منه وفضل.
وإذا كان هذا حال العباد فإذن، عليهم أن يشكروه، وأن يعلموا عظمته وقوته -سبحانه- وانتقامه وعذابه وتقصيرهم في حقه.
قوله ﷺ في الحديث: ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر
هذا يبين أن الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان وأصول الإيمان، وأن الإنسان لن ينجو إلا بهذا الإيمان، وأن الله قدر كل المقادير.
والحديث هذا له قصة: أن ابن عمر أتي فقيل له: "إنه قد ظهر قبلنا -أناس عندنا في جهتنا، السائل يقول- يقرؤون القرآن، ويتقفرون العلم -يعني: يطلبون ويجمعون- وذكر من شأنهم -أي أنهم يعني مجتهدين- لكن يزعمون أنه لا قدر، وأن الأمر أنف" يعني مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله، وأنهم لا يعلمه إلا بعد وقوعه، تعالى الله عن قولهم.
طبعا القدرية هؤلاء مجرمون في حق الله، لكن يزعمون أنهم يريدون تنزيهه، لما؟ يقولون ذلك يقولون يعني كيف نقول إنه علم بالمعصية قبل وقوعها، لما ما منعها؟، لو كان علمها كان منعها، سبحان الله! وهو سبحانه لا يبتلي؟ ولما خلق الشيطان؟ ولما خلق الشر؟
فإذن، الله علمه وشاءه وأراد خلقه، لكن لا يحبه، لماذا خلقه؟ لماذا أوجده؟ ابتلاء للعباد، يبتليهم من يطيع الشيطان ممن يطيع الرحمن.
فهؤلاء القدرية جاؤوا وقالوا: ما يعلم، ما يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، لو قلنا: يعلم قبل وقوعه معناه كيف علم وما منعه؟ سبحان الله! أنتم تتحكمون فيه، تتحكمون في أفعاله، هو يفعل ما يشاء، حكمته اقتضت وشاء أن يخلق الشيطان، وأن يخلق الشر، وأن يقدر وقوع هذه الأشياء، حتى أصلا لو ما وقعت أهل النار يستحقون دخول النار على أيش؟ لو ما وقعت كيف تقوم حجته على خلقه؟
فهؤلاء مساكين أرادوا النجاة من شيء فوقعوا فيما هو أسوأ وأطم، أيش هو؟ أنهم اتهموا الله بالجهل، إنه يفاجئ بالأشياء عند حدوثها -تعالى الله عن قولهم- أيش المصيبة هذه؟
شف قارن بما فروا منه تجد كارثة كبرى، قولهم هذا سبة في حق الله، وأي سبة ونقص، قال ابن عمر: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني -لا أنا منهم ولا هم مني-، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحد مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر" [رواه مسلم: 8] بدون إيمان الأعمال البر هذه ذاهبة، "لو كان له مثل أحد ذهبا وأنفقه ما قبله الله منه" حتى يكون يؤمن بالإيمان وأركانه، ومنها: أن يؤمن بأن الله كتب المقادير وعلمها وشاءها وخلقها وأوجدها، وما حصلت إلا بعلم منه ، وأنه شاءها لحكمة، وابتلاء للعباد، و لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الأنفال: 37]، وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ [آل عمران: 141]، ويظهر أصحاب النار في الواقع المستحقون لها، وتقوم عليهم الحجة.
ثم روى ابن عمر عن أبيه عمر حديث جبريل المشهور في أركان الإيمان الستة، فتبرأ عبد الله بن عمر من هؤلاء، وأخبر أن هؤلاء القدرية لا تقبل منهم أعمال بدون الإيمان بالقدر.
وكانت هذه النبتة الخبيثة طلعت في عهد الصحابة، يعني لو واحد قال: أول الفرق ظهورا الخوارج والقدرية.
أول الفرق ظهورا في عصر الصحابة الخوارج والقدرية، والخوارج أبوهم ظهر في عهد النبي ﷺ: ذو الخويصرة، الذي جاء يعترض على النبي ﷺ يقول: "اتق الله، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله" [رواه البخاري: 3150، ومسلم: 1062].
فإذن، أول الفرق ظهورا في الأمة هؤلاء الخوارج والقدرية، الصحابة وقفوا منها موقفا حاسمًا، يعني عمر بن الخطاب لما خرج هذا صبيغ بن عسل يسأل عن المتشابهات؛ يأتي يجلس إلى الناس حديث عهد بالإيمان، أو من العامة، ما عندهم علم، ويجي يسأل في المتشابهات، يعني يجي يقول: والمرسلات والعاصفات، إيش هذا؟ والذاريات يعني الأشياء المحتملة؟ فلما بلغ عمر شأن هذا صبيغ استدعاه، تعال، فلما جاء جلس قال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال: "وأنا عبد الله عمر"، وكان عمر قد أعد له عراجين النخل، وأخذ العرجون يضرب به على رأسه، حتى سال الدم، قال: "حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب والله الذي في رأسي" خلاص، ثم نفاه ومنعه من الكلام ومقاطعة كاملة، وغربه عن بلده، وأبعده عن أهله، وحكم عليه بأن يهجر، فما كان أحد في عهد عمر يتجرأ أنه يطلع بدعة.
بعد عمر يكسر الباب، كما في حديث حذيفة كسر الباب بمقتل عمر ، ودخلت الفتن على المسلمين، خرجت نابتة القدرية، ونابتة الخوارج، لكن الصحابة كانوا لها بالمرصاد، يعني مثلا عبد الله بن عمر موقفه من القدرية واضح جدا، يعني صارم، صارم، "أني بريء منهم، وأنهم برآء مني"، ما في علاقة.
عبادة بن الصامت صحابي آخر كان له موقف حاسم من أهل البدع في القدر، فإنه قال لابنه: "يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك" ثم قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، ثم قال: يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: من مات على غير هذا فليس مني، من مات على غير هذا فليس مني [رواه أبو داود: 4700، وصححه ابن حجر، من المعاصرين الألباني، ومحققو المسند].
في رواية الترمذي: "يا بني اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، فإن مت على غير هذا دخلت النار" [رواه الترمذي: 2155، وهو حديث صحيح].
مضى معنا في الإيمان بالقدر أن له أربع مراتب: علم الله، وكتابته، ومشيئته، وخلقه وإيجاده للأحداث والأقدار: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يــس: 12]، وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ [الأعراف: 145]، في الذكر، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105].
ما المقصود بالذكر؟ اللوح المحفوظ، هنا في هذه الآية، والإمام المبين: اللوح المحفوظ، وكذلك الكتاب المبين، الله أجرى القلم على اللوح المحفوظ بكتابة ما هو كائن، وكل ما يجري في هذا الكون صادر عن إرادته ومشيئته الدائرة بين رحمته وحكمته، كل ما يقع في هذا الكون صادر عن إرادته ومشيئته الدائرة بين رحمته وحكمته، وكل ما يقع في الكون مطابق لما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، لا يخرج عنه، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن إرادته شيء، وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ [البقرة: 253]، وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ [الأنعام: 107]، وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253]، ومشيئة العباد داخلة في مشيئة الله: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 29]، كل ما يجري من خير أو شر أو كفر أو نفاق أو طاعة أو معصية كله شاءه الله قدره حكم عظيمة: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 2]، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر: 62].
ما يخرج العباد عن هذا؛ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، لو مت على غير هذه العقيدة قال: لدخلت النار، فهذا جزم بأن منكر القدر في النار، من أنكر القدر فهو كافر؛ لأنه مكذب بالقرآن الله يقول: كتبنا، وهذا يقول: ما كتب، ولا شاء، ولا علم، هذا في النار.
إذن، من عظمة الله: أنه قادر على تعذيب كل أهل السماوات والأرض، ولو عذبهم وهو غير ظالم لهم.