الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
نعمة التوفيق والهداية للإسلام
فمن يهد الله فلا مضل له، إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَسورة القصص: 56. وإذا أراد الله بعبد خيراً فلن يملك الإنس والجن على منعه، وقد أنزل الله علينا الكتاب، وخص هذه الأمة بختم الدين بالإسلام، فكان الإسلام الخاص بهذه الشريعة بعد الإسلام العام الذي كان دين جميع الأنبياء، و هو التوحيد، وجعل الله هذه الأمة مميزة بدينها و أخبرها بأنه لا يقبل دين غيره، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَسورة آل عمران: 85 وميزها بهذا الدين فمنعها من التشبه بأي دين آخر سواه، و أخبرها رسولها ﷺ بأنه من تشبه بقوم فهو منهم. و تعلم هذه الأمة عندما تمر أعياد الكفار أنه لا سبيل إلى المشاركة فيها، لأن مشاركتهم أعيادهم نوع محبة و مودة، وقد قال - تعالى- لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء سورة المائدة:51وتعلم أن العيد قضية دينية عقدية، و ليست مجرد عادات و تقاليد، بل إنها تميز الأمم، لكل قوم عيد و هذا عيدنا[رواه البخاري:952، ومسلم:892] كما قالﷺ، و تعلم أن الذين لا يشهدون الزور من عباد الله المؤمنين، و من الزور أعياد المشركين، و أنوارهم، و أشجارهم، و مأكولاتهم الخاصة بذلك، و أن تهنئتهم بها محرمة؛ لأنها تهنئة بشعائر الكفر الخاصة بهم، و أن ذلك عند علماء الإسلام أشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر و قتل النفس وانتهاك الفرج الحرام، كل ذلك معلوم مستقر، لكننا نريد بهذه التذكرة، أن ننظر قليلا في حال أولئك القوم من غير المسلمين، ماذا عملنا من أجلهم، أي: واجب قمنا به نحوهم، ما هي درجة الاهتمام التي أوليناهم إياها. قمنا بالمطلوب، ألسنا خير أمة أخرجت للناس، أليس علينا واجب الدعوة لهذا الدين، إذا كان ديننا هو الدين الأتم الأكمل الذي رضيه الله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِيسورة المائدة: 3، فإذا كان هذا كذلك، فهل قمنا بنقل هذا الدين الأتم الأكمل لغير المسلمين؟ إذا كانت النتائج مشجعة جدا، فما هي الجهود التي تواكب هذه النجاحات؟ إذا غير المسلمين بعضهم يهتدي للإسلام دون جهد منا على الإطلاق، بل توفيق إلهي محض، بشيء يسمعه يفتح الله به قلبه، و عينه و أذنه للحق، فكيف سيكون الحال إذا لو اجتمعت الجهود، و صارت هناك أعمال متواكبة لنشر هذا الدين و خدمته، إذا كان التكريم من الله لنا بهذا الدين واضحا جليا، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَسورة الزخرف:44 فهل قمنا بالدعوة إليه كما ينبغي؟ لأن القضية فيها مسؤولية كما قال الله في ختام الآية: وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ، عباد الله: إن المراجع لهذه المسألة العظيمة وهي الهداية إلى الإسلام، ليجد أمور عجيبة، تنطق بها قصص المؤمنين، و قوافل العائدين، و جموع المسلمين المهتدين لهذا الدين، إنها نعمة عظيمة، ربما لا يدركها الذي ولد مسلما من أبوين مسلمين، لكن الصحابة أدركوا ذلك عندما أسلموا، وقال الله لهم كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْسورة النساء: 94، وقال: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة الحجرات: 17ولما أحسوا بذلك قالوا: اللهم لولا أنت ما اهتدينا و لا تصدقنا و لا صلينا و قد اقتضت حكمة الله أن تنقسم البشرية إلى مؤمنين وكفار، وأبرار وفجار، قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَسورة الأنعام:149هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌسورة التغابن:2 وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَسورة يونس:99،
البشارة بوصول هذا الدين لكل أصقاع العالم
إنها الهداية العظيمة و التوفيق الكبير من الله ، قد دعا الناس إلى ذلك فقال تعالى لنبيه ﷺ: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍسورة يونس:108لما رأى أعداء الإسلام هذا الدين بعظمته أجمعوا كيدهم و أتوا صفا، وظنوا أنهم قد استعلوا يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون سورة التوبة:32، إن لله إرادة عظيمة هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَسورة التوبة:33فقاموا بمكر الليل والنهار يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ فهل أطفأوا نور الشمس؟ ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار، و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام و ذلا يذل به الكفر[رواه أحمد:16957]، المدر بيوت الحجر و الحواضر و المدن، و الوبر بيوت البوادي و الشعر، وقد وصل ملك المسلمين في الفتوحات إلى أماكن نائية للغاية، إنه دين دخل الناس فيه أفواجا، وقد أصبح في بلدان الكفرة و عواصم الكفر من أعداد المسلمين كثير، أيها الأخوة لماذا أسلم هؤلاء؟ الذين شرح الله صدورهم لهذا الدين؟ أسلموا لأسباب متعددة، و بأسباب متعددة، شاء الله لهم أن يهتدوا، أسلم بعضهم؛ لأنه لما درس الإسلام لم ير فوضى، وإنما رأى نظاما عقديا، ونظام صلة بين العبد والرب، ونظام عبادة، ونظام اقتصاد، ونظام سياسة، ونظام اجتماع، ونظام بناء، إنها أنظمة تكفل السعادة للبشرية، إنها تحل المشكلات، وتزيل الخلافات، تروي العطش الذي يحل بنفوس الشاربين عن هذا الدين، إنها تأتي بالسكينة والسعادة للشقاء الذي يعيش فيه المعرضون، ولذلك قالوا: إن الإسلام هو أفضل دين للبشرية على الإطلاق؛ لأنه يتغلغل في حياة المسلم بكل تفاصيلها، و إن العقل ليحتار كيف تأتي هذه الآيات بهذه الشرائع العظيمة؟ والأحكام التي تضبط الأمور؟ لقد اعتنق بعضهم هذا الدين؛ لأنه وجد أنظمة دقيقة جاء بها نبي ظهر في العرب، وهم أمة أمية لا يقرؤون ولا يكتبون، فكيف يأتي من أمة الجهل مثل هذا النظام البديع؟ إذاً هذا شيء رباني، وقال أحد قائليهم: أننا نحن النصارى نزعم أن الإسلام انتشر بحد السيف، فقلت لنفسي: فلماذا تقبل الناس الإسلام اليوم، والإسلام الذي يحارب بالسيف اليوم؟ ولماذا ما زالوا يعتنقونه في كل ركن من أركان العالم؟ ولماذا والهجمة الشرسة الآن عليه و يدخل فيه يوميا من أصقاع الأرض أناس دون إكراه ولا إجبار، وإنما باختيار تام، والدين تحت الضغوط والهجمات.
عندما دخل بعضهم في هذا الدين، وربما دخل فيه من باب التجربة، وقال قائلهم: بعد الدراسة سأعتنق الإسلام وأجرب كيف ستكون حياتي؟ فرأوا انقلابا جذريا وسعادة وسكينة ثبتت قلوبهم على الحق، وكانت دراسات مستفيضة شغلت أوقات وتفكير الكثير منهم ليتوصلوا بعد ذلك إلى عظمة هذا الدين وصدق هذا النبي الأمين، لقد كان سبب إسلام بعضهم أنه وجد في القرآن آيات فيها خطاب شديد للنبي ﷺ، كمثل قوله - تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىسورة عبس:1ـ3 وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ سورة الأحزاب:37 وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًاسورة الإسراء:74ـ75 فهل يأتي بالنقد لنفسه، و بالشدة عليها؟ إذا ليس هو القائل، و إنما الله الذي أوحى بذلك إليه، لقد أسلم بعضهم؛ لأنه رأى نظام الصلاة في الإسلام، قائد يقود و جموع تتبعه، لا يتخلفون عنه، الحركات واحدة، الأوقات واحدة، ثم يسمع قراءة ولو لم يفهم معناها لكن السكينة والخشوع من الإمام المخلص تمس شغاف القلب، لقد أسلم بعضهم؛ لأنه لما جاء لبلد المسلمين ليعمل رأى يغشون دور عبادة في البلد يصلون فيها، وفي أماكن أخرى إذا حضرتهم الصلاة صلوا، رآهم يصلون في حديقة مرة، وعلى طريق السفر مرة أخرى، وفي مكان في المستشفى مرة ثالثة، لماذا شد انتباهه هذا التنوع في أماكن العبادة؟ يعني أنه في كل وقت وحين، ولو لم يوجد مسجد فإنهم يصلون، سواء كانت أماكن مخصصة، أو إذا حضرتهم الصلاة في أماكن أخرى بعيدة عن المساجد، ما هذا؟ هل لكم ملك تعبدونه؟ قالوا: نعبد ملك الملوك، فأسلم، لقد أسلم بعضهم من جراء سماع الأذان، ما هذا الأذان؟ ما معناه؟ لماذا يعلن به؟ لماذا هذه الأوقات؟ لماذا يستجيب الناس لهذا الصوت؟ فكان ذلك سبب الإسلام.
الإسلام دين يتفق مع الفطرة البشرية السليمة
لقد أسلم بعضهم عندما رأى دينا سهلا، يدخل المسجد صاحبه بهدوء وطمأنينة، وقد رأى من قبل ما في الكنيسة من الموسيقى والطبول، والتماثيل، والزخارف، والنقوش، والتحف، فعلم أن هذا الدين الميسر السهل، أن هذا الدين البعيد عن التكلف في أداء العبادة، إنه دين الحق، لقد أسلمت خادمة؛ لأنها أحست أنها شاذة في المنزل، الجميع يصومون، فلماذا لا تصوم هي؟ لقد أسلمت أخرى؛ لأن بنتا صغيرة في المنزل لم يعجبها أن هذه الخادمة لا تصلي، والجميع يصلي، فقالت: لازم تصلين معنا، وألحت وأصرت، حتى أسلمت تلك الخادمة، لقد أسلم بعضهم عندما ناقشة داعية من دعاة الإسلام، ما تقول في عيسى؟ ابن الله، وماذا؟ قتل وصلب فداء للبشرية، كيف لو أن لك زوجة وأبناء؟ قال: نعم لي، قال: لو أخذت سكينا لأقتل ابنك به وأضربه أمامك ماذا ستفعل؟ قال: أنتزع السكين منك وأغمدها في صدرك، وأدافع عن ابني، قال: فكيف تقول: أنه سمح لابنه أن يقتل ويصلب ويبصق عليه ويهان ويبقى مشدودا على الخشبة، هذه الأيام يسكب على رأسه الخل، وهو ينظر ولا يحرك ساكنا، فاقتنع بالحق وأسلم، وآخر لما خدم في الكنيسة اثنين وعشرين من الأعوام والسنين، وكان يساعد القس في جمع الأموال، ويرى هذا الأسقف كيف يأكل أكثرها ويأخذه في جيبه، وعندما حضر لبلاد المسلمين، ورآهم كيف يجمعون زكاة الفطر لتنقل وتوزع على الفقراء، شعر أن هنا في الدين صدق لا يوجد مثله في غيره، وقد يريد الله الخير بشخص فيريه مناما عجيبا، فيكون ذلك سبب هدايته، كما أن إحدى الخادمات، لما جيء بها إلى مركز دعوة الجاليات فسمعت درسا، ثم ذهبت إلى منزلها فنامت، فرأت في المنام رعدا وبرقا وأمطارا، وفي الخوف جعلت تقول: لا إله إلا الله في المنام، فاستيقظت وهي تقولها، فأتت المكتب تسأل ماذا تعني هذه الكلمات، فلما شرحوا لها أسلمت في الحال، كانت المدرسة الإنجليزية ذات الثماني والعشرين ربيعا، تعيش في بلد مسلم، كانت تشاهد المسلمين وهم يصلون، وتقرأ ما يصل إليها من ترجمات القرآن الكريم، قالت: فأحسست بالغيرة لماذا لا أنتمي إلى هؤلاء القوم؟ لماذا هم على الدين ولست منهم؟ فقد كانت غيرة امرأة سبب في إسلامها، وآخر لما كان في المستشفى، وجاء زوجان بصحبة امرأة مسنة، وهما بغاية القلق، وسائر أنواع الاهتمام، لهذه الكبيرة في السن، من هي؟ قالت: أم زوجي، ولماذا هذا الاهتمام الكبير؟ قالت: هكذا أوصانا الإسلام، ما شأنها و شأن أم زوجها؟ ولماذا تتعب هذه الشابة نفسها من أجل هذه الكبيرة؟ وهي الطبيبة غير المسلمة تقول: إن أمي قد ألقيت إليها زجاجة عطر في عيد الأم عندما قدمت إليها في المرة السنوية في الملجأ، فلماذا هذه زوجة ابنها تتعب وتسهر معها في المستشفى، وتنام مرافقة لها؟ تقول: هكذا أوصانا الإسلام، فكان ذلك سبب إسلامها، كتاب عن حقوق الوالدين.
معجزة القرآن الخالدة
وآخر من كبار باحثيهم، درس القرآن دراسة متأنية، ومما لفت نظره أمور، مثل: أن القرآن الكريم فيه سورة باسم مريم، وليست في نظره من المنتسبين إلى هذا الدين، بل إنها محسوبة على دين النصارى، وليس في القرآن سور باسم خديجة أو فاطمة أو عائشة، من نساء هذا الدين فلماذا؟ ثم مر بقوله - تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ سورة الأنبياء:30 فرأى أن هذا الخطاب للكفار أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواالذين اكتشفوا نظرية أن السموات والأرض كانتا كتلة واحدة ثم تم الانفصال، وهذا عين ما في القرآن أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا متصلتين فَفَتَقْنَاهُمَا فصلناهما وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ سورة الأنبياء30، وهم يعرفون ذلك، كيف اهتدى إلى هذا رجل أمي عاش قبل ألف وأربعمائة سنة؟ إلا أن يكون هذا شيء جاء من الله، وهزه قوله - تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاسورة محمد:24 وقام القائل فيهم ليقول للمسلمين في أحد المؤتمرات: يا أيها المسلمون لو أدركتم فضل ما عندكم إلى ما عند غيركم لسجدتم لله شكرا أن أنبتكم من أصلاب مسلمة، ورباكم في محاضن مسلمة، ومن عليكم بهذا الدين، لو نظرتم إلى مدلول الإلوهية، والرسالة، والنبوة، والبعث، والحساب، والجنة والنار، عندكم بالمقارنة بما عند غيركم لسجدتم لله شكرا أن جعلكم مسلمين؛ لأن هذه الأشياء عند أصحاب الديانات الأخرى لا يرتضيها عقل سوي و لا فطرة سليمة و لا منطق صحيح، لو نظرتم إلى مدلول الإلوهية، والرسالة، والنبوة، والبعث، والحساب، والجنة والنار، عندكم بالمقارنة بما عند غيركم لسجدتم لله شكرا أن جعلكم مسلمين؛ لأن هذه الأشياء عند أصحاب الديانات الأخرى لا يرتضيها عقل سوي ولا فطرة سليمة و لا منطق صحيح، كلف أحد الشباب من قبل الكنيسة النصرانية بدراسة القرآن الكريم بعد أن رقوه مراتب لديهم، وأغدقوا عليه من أنواع المنصب والجاه و المال، السبب المهمة المكلف بها، محاولة استخراج الأخطاء من القرآن الكريم، والمتعارضات والأوهام الموجودة فيه، وبعد بحث طويل تبين له أن القرآن مليء بالمزايا والحسنات، وأنه لا يوجد فيه أخطاء بل يوجد فيه تحدي في قوله - تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًاسورة النساء:82 ووجد التحدي في قوله - تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًاسورة الإسراء:88، والتحدي في قوله - تعالى: فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهسورة هود:13 فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِالبقرة:23، ولم يستطع أحد على مر العصور ومر الدهور أن يأتي بمثل هذا القرآن، وهكذا هدى الله أناسا إلى كتابه، وكان من الذين يدخلون في الدين يشعر الواحد منهم بالسعادة عندما يمارس العبادات والشعائر في هذا الدين، ولما أسلم أحدهم فسئل عن سبب إسلامه، وعنده ملايين، ولديه موظف هندي مسلم لا يستلم إلا مالاً قليلاً، ولكنه مبتسم سعيد دائما، فلفت نظره هذا وهو صاحب الثروة الكبيرة في حياة شقاء ونكد، فسأل ذلك المسلم الهندي مرة لماذا أنت سعيد ومبتسم؟ قال: لأني مسلم، قال: ألا تمر بك مشكلات وصعوبات، ألا تحصل لك مصائب؟ قال: بلى، ولكن عندنا حديث من نبينا محمد ﷺ: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له[رواه مسلم: 299]، قال: وكيف تدخلون في هذا الدين؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمد رسول الله، فكان ذلك سبب الإسلام، و كذلك أحس بعضهم براحة نفسية كبيرة وهو يردد سورة الفاتحة، وطلب أن يتعلم ما هذا الذي تقرؤون في صلاتكم؟ فلما علمه وقرأ عليه، فقرأه خلف من ردده عليه، كان ذلك سبب إسلامه، اللهم إنا نسألك أن تفتح للحق قلوبنا، وأن تهدينا لما تحب وترضى، اللهم وفقنا لليسرى وجنبنا العسرى.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد القهار، مكور الليل على النهار، أشهد أن لا إله إلا هو العزيز الغفار، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله الذين جاءنا بالحق والهدى من عند ربنا، ونشر الله به الأنوار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ما تعاقب الليل والنهار، اللهم صل وسلم على نبيك وعبدك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أشهد أنه رسول الله حقا، والداعي إلى سبيله صدقا.
الإسلام نظام صلة بين الخالق المخلوق
عباد الله: إن هؤلاء عندما يرو الصلة بيننا و بين خالقنا مباشرة، إذا أردنا شيئا سألناه، وإذا خفنا شيئا استعذنا به، عندما يروا التوبة تطلب من الله، والاستغفار لله، عندما يرون هذا العبادات مباشرة من العبد إلى الرب يتساءلون ولماذا يتحتم علينا أن نذهب إلى الكهان؟ وأن يتوسطوا بيننا وبين الخالق؟ أليسوا مخاليق مثلنا؟ وبعض هؤلاء قد حاول أن يندس بين المسلمين ليجمع عنهم التقارير ويكتب عنهم الأبحاث، ورأى من لوازم ذلك أن يلبس مثلهم، ويأكل مثلهم، ويتعلم لهجتهم، ويؤدي الصلاة معهم، ولكن بعد هذه التمثيلية اقتنع أن يقلبها إلى حقيقة، وأنه فعلا قد فر وانشرح صدره بهذه التمثيلية التي أرادها في البداية تمثيلا لتنقلب بعد ذلك إلى حقيقة، عندما قام طالب شاب يعيش في الغرب بالاقتراب مباشرة والإسراع لأخذ كيس قمامة كبير من عجوز تخرج من بيتها لتلقيه، فيأخذه منها ليمشي به إلى مكان القمامة لإلقائه، استغربت هذه المرأة ما الذي دفع هذا الشاب لهذا العمل مجانا؟ و هي تجد نفسها مهملة في مجتمع ينظر إليها على أنها غير منتجة، وعالة عليه، لا مكانة لها، ولذلك يقدم الكثيرون منهم على الانتحار؛ لأنهم لا يجدون مكانا لهم في المجتمع، بل يجدون إهمالا من أقرب الناس إليهم، أفلا يكون ذلك السبب الوجيه في إسلامها، عندما استأجر مسلم ملحقا عند عائلة تؤجر الملحقات لتأتي زوجة صاحب المكان الكافرة يوما لتقول له: إنني أتعجب حقيقة من نظافة الحمام لديك، إنه لم يمر علينا مستأجر قط كان حمامه نظيفا بهذه الدرجة، هلا أخبرتني لماذا؟ لماذا لا تخلف شعرة واحدة في حمامك، قال: لأن ديننا دين النظافة، و دين الطهارة، ودين إزالة النجاسة، ودين الإحسان إلى الجار، ودين الائتمان على المستأجر، وأنا أعتني به وأنظفه وأطهره، حدثني عن هذا الدين ما هو؟ من هو صاحبه؟ من هو الذي اخترعه؟ حدثني عن تعليماته؟ فكان نظافة الحمام سببا في إسلامها مع زوجها.
عندما يحكم من قبل المحكمة الشرعية لعامل مسكين على صاحب العمل القوي، يكون ذلك سببا في إسلام هذا الكافر؛ لأنه رأى العدل في شريعة الإسلام، عندما يرى بعض الكفار المسجد الذي هو في بلدهم الكافر، فيه الأسود والأبيض، والمخلط، والكبير، والصغير معا سواء، وهم أصحاب التمييز العنصري الذي يضطهدون أصحاب البشرة السوداء، إن ذلك يلفت نظرهم جدا ليتساءلوا: ما هذا الدين الذي يساوي بين الناس؟ كان شيخ كبير في السن من المسلمين طاعن، دائما إذا رأى شخصا يقول له: يا ولدي كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم، هذا ديدنه، فلما دخل المستشفى مغمى عليه و فتح عينيه على السرير وجد أمامه رجلا صدارا أبيض، قال: يا ولدي قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، فسأل ذلك الطبيب الهندوسي من حوله: ماذا يقول هذا الشيخ ترجموا لي أول ما فتح عينيه خاطبني بهذه الكلمات. فترجموا له ذلك ليكون سبب إسلامه.
صور من تأثر الكفار بالمسلمين
عندما يأتي فاسق ببغي إلى غرفة معه فيها صديق مسلم أسمه صالح، ثم يخرج هاربا؛ لأنه لم يعطها أجرت الفاحشة، فيقول هذا المسلم: أخرجي من غرفتي، قالت: ليس لي مأوى، وهذا الرجل خدعني، أين أذهب؟ وأنا ليس مال، قال: إذا امكثي أنت وأنا سأخرج، وألقى إليها ببعض المال، فاستغربت لماذا، لماذا يخرج هو لماذا؟ وعندما سألت وعرفت وذهبت إلى المركز الإسلامي ولبست الحجاب أحست بذلك الشعور العظيم الذي تحس به المسلمة إذا دخلت هذا الدين، عندما يرى النصارى التناقض يقول بعضهم: يقرأ إذا لم تأكل جسد المسيح و تشرب دمه فلن تنجو من عذاب جهنم الأبدي، ولدت في الخطيئة وعليك السخط والغضب حتى تؤمن بصلب المسيح، فيرفض ببقية فطرته أنه ولد في الخطيئة و لماذا؟ وما ذنبه أن يولد في الخطيئة؟ و أن تلاحقه خطيئة آدم التي يزعمون، وأنه لا بد أن يأكل من جسد المسيح و يشرب من دمه، ما هذا الهراء؟ و ما هذه السخافات؟ وما هذه الترهات؟ وعندما يصبر الدعاة على الأذى، يدخل المسجد ليلقي المحاضرة ويرى وجوها غريبة فلا يبالي لهؤلاء الأشرار الذي يتعمدون إلقاء الأقذار على المصلين، وربما نثروا الزجاج المكسور على السجاد ليجرحوا جباههم، فيلقي تلك الآيات بأسلوب العقل الطيب لتنتهي المحاضرة، فيقوم الزعيم ليقول لأصحابه من كان منكم يريد أن يرجم المسلمين بالحجارة فليرجمني معهم فإني مسلم، فألقوا الحجارة و أعلنوا إسلامهم، فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءسورة الأنعام: 125 ويؤلف المسلم منهم كتابا في في عنوانه مدلول عظيم، ربحت محمدا ولم أخسر المسيح، ونحن نؤمن بموسى وعيسى ومحمد ﷺ وسائر الأنبياء والمرسلين، وهكذا يسير المشوار مشوار المهتدين تعطرت لكن بعطر المدينة: وأطلقت روحا بجسمي سجينة وغادرت جسمي الكثيف و طينه ثناء صفاء نقاء سكينة هكذا يعبرون بعد الدخول في الدين عن حالتهم النفسية، فماذا علينا يا عباد الله من المسؤولية الضخمة الكبيرة تجاه العالمين، و نحن أصحاب هذه الرسالة الذين كلفنا بنقلها إلى الناس وأن ندعو إلى سبيل الله.
إن القضية ضخمة وعلينا مسؤولية، ولا بد من سلوك السبل المختلفة بجميع الإمكانات التكنولوجية والتقنية وغيرها لأن هذا الدين العظيم لا بد له من طرق عظيمة لنشره.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في سبيلك دعاة عاملين، و بسنة نبيك مستمسكين اللهم إنا نسألك أن تفتح القلوب لدعاة المسلمين يا رب العالمين وأن تكلل جهودهم بالنجاح يا أرحم الرحمين اللهم انشر رحمتك على العباد اللهم إنا نسألك أن توفقنا لما تحب و ترضى و أن تجعلنا من المستمسكين بالعروة الوثقى اغفر ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار وآمنا في دورنا يا رب العالمين واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين اللهم اختم بالصالحات أعمالنا.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.