الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

فوائد الابتلاء 1


عناصر المادة
الخطبة الأولى
حكمة ابتلاء الله للخلق بعضهم ببعض
وعد الله المؤمنين الصابرين بالنصر في الدنيا، والنعيم في الاخرة
الخطبة الثانية
الرد على شبهة: لماذا الله يبتلي المؤمنين، وهم ينصرون دينه؟

الخطبة الأولى

00:00:06

إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب71.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي؛ هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

حكمة ابتلاء الله للخلق بعضهم ببعض

00:01:10

كلامنا في هذه الخطبة أيها الإخوة: يدور على آية من كتاب الله ، فيها حكم عظيمة، وفيها فوائد جمة؛ لمن تأملها، ذلك أن ما يدور في هذه الحياة يفهم من ضوء هذه الآية يعرف أهل الإيمان ما يواجههم، ويعرفون تفسير ما في هذه الدنيا من خلال هذه الآية قال الله في كلمات قليلة موضحًا حكمة عظيمة في خلقه يقول : وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَسورة الفرقان20. ;وعند هذه الكلمات القليلة من كتاب ربنا نتوقف.

نريد أن نفهم معاني هذه الكلمات، والمسلم مطالب بفهم كتاب الله! هذه الفتنة والابتلاء من حكمة الله في خلقه فكما أنه يبلوهم بالمصائب، ويبلوهم بالنعمة؛ يبلوهم بالحسنات، والسيئات، ويبلوهم بشرعه، وقدره، فكذلك يبلوا بعضهم ببعض، وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةًوهذا عام في جميع الخلق؛ امتحن بعضهم ببعض، فامتحن الرسل بالمرسل إليهم، ودعوتهم إلى الحق، والصبر على أذاهم، وتحمل المشاق في سبيل إبلاغ الرسالة، وامتحن المرسل إليهم بالرسل؛ هل يطيعونهم؟ وهل ينصرونهم ويصدقونهم؟ أما يكفرون بهم، ويردون عليهم، ويقاتلونهم؟ وامتحن العلماء بالجهال؛ هل يعلمونهم، وينصحونهم، ويصبرون على تعليمهم، ونصحهم، وإرشادهم؟ وامتحن الجهال بالعلماء هل يطيعونهم، ويهتدون بهم؟ أم أنهم يعرضون عن أقوالهم، ويرجمونهم؟ وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك، وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء، وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالاتباع، والاتباع بالسادة، وامتحن الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين، وامتحن الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر بمن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بالذين يأمرونهم، وكذلك كان فقراء المؤمنين، وضعفائهم من أتباع الرسل فتنة لأغنياء القوم، والملأ والرؤساء الكفرة فامتنعوا من الإيمان بعد معرفتهم بصدق الرسالة لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِسورة الأحقاف11. لو كان دين الرسل حقًا ما سبقنا إليه هؤلاء الضعفاء والأراذل من القوم وقال قوم نوح: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَسورة الشعراء111.  وقال تعالى: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَاسورة الأنعام53.

فإذا رأى الشريف المسكين الذليل فاستبقه إلى الآيات، ومتابعة الرسول حمي وأنف أن يسلم فيكون مثله، ومثل من أسلم سواء لا يمكن أن يرضى بهذا، ولذلك ترضى أغلب الأغنياء والرؤساء الطغاة لا يتابعون الحق، وإنما يريدون الإصرار على باطلهم ويأنفون أن يدخلوا مع الناس في الدين لأنهم يريدون خصوصيات ومميزات عن سائر الخلق، وهذه الخصوصيات والمميزات بالمال والسلطة ولذلك استسهن كفار قريش بإسلام  الفقراء أمثال بلال وخباب وصهيب وأبي ذر وابن مسعود وعمار  ويقول كفار قريش انظر إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمد ﷺ من موالينا وأراذلنا فقال الله وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَسورة الفرقان20. فالفتنة إذًا محك الإيمان وامتحان القلوب بها يتبين الصادق من الكاذب وفتن الله أصحاب الشهوات بأصحاب الصور الجميلة وفتن الله أصحاب الشهوات بأصحاب الأشكال الحسنة  والصور الجميلة وامتحن النوع الآخر بأصحاب الشهوات فكان كل من النوعين فتنة للآخر فمن صبر منهم نجا ومن أصابته الفتنة هلك وقال ﷺ: ما تركت بعدي فتنة أضر من النساء على الرجال[رواه البخاري5096، ومسلم2740]. فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الآمرة بالسوء وشيطانه المغوي، وقرنائه المزينين من الإنس فإذا أضيف إلى ذلك ضعف الإيمان، وضعف القلب، ومرارة الصبر على الشهوات وحلاوة المعصية العاجلة في الدنيا وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا وكون العوض على الصبر مؤجل في الآخرة لا يرى الآن فإنه يكادُ يهلك إلا إذا أنقذه الله .

فوالله لولا أن يسعد  عبده بتوفيقه -والله بالعبد أرحم- لما ثبت الإيمان يومًا بقلبه على هذه العلات والأمر أعظم ومن الفتن ما يفتن الله بعض المسلمين بالكافرين عندما يرون الكافرين في موقع القوة ويرون إخوانهم المؤمنين في موقع الضعف يرون المسلمين مقهورين مغلوبين ويرون الكفرة مستعلين أقوياء غالبين قاهرين منتصرين في الدنيا فيكون هذا فتنة لبعض المسلمين فتتحيرر عقولهم وتضطرب ألبابهم ولذلك كان لا بدّ من تبيين الحقائق التالية:

وعد الله المؤمنين الصابرين بالنصر في الدنيا، والنعيم في الاخرة

00:07:58

أيها المسلمون: إن الله سبحانه قد وعد أهل الهدى والعمل الصالح بالنعيم التام في الآخرة: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍسورة الإنفطار13. وتوعد أهل الضلال والفجور بالشقاء في الآخرة وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍسورة الإنفطار14. وقد يسمع الإنسان، ويرى ما يصيب كثيرًا من أهل الدنيا من المصائب، وما ينال كثيرًا من الكفار، والفجار الظلمة في الدنيا من الرئاسة والمال عندهم الهيمنة، وعندهم الاختراعات، وعندهم فائض المال ونحوه، حتى إنهم ربما رموا بعض محاصيلهم في البحار كي لا ترخص أسعارها فيعتقد المسلم في بادئ الأمر أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار، وأن المؤمنين حظهم من الدنيا قليل وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة في الدنيا تستقر للكفار والمنافقين والظالمين فإذا سمع قول الله : وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ سورة المنافقون8.  وقوله سبحانه: وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَسورة الصافات173.  وقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِيسورة المجادلة21. وقوله: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَسورة الأعراف128. وغيرها قال إن هذه تجعل للمؤمنين في الآخرة، وأما في الدنيا فلا سبيل للمؤمنين إليها فهي للكفار الغلبة والعلو، ويتأكد هذا الظن إذا قامت دولة الأعداء من الكفار والمنافقين الظالمين؛ فيرى بعض المسلمين أن صاحب الباطل قد على صاحب الحق، فيقول أنا على الحق وأنا مغلوب فصاحب الحق في هذا الدنيا مغلوب مقهور فإذا ذكرته بوعد الله للمتقين من حسن العاقبة قال هذا في الآخرة فقط ونحن اليوم نرى ونسمع أخبار إخواننا المسلمين في العالم اعتقالات وسجون ومحاكمات وإيذاءات وشنق وقتل وسلب وافتراءات فماذا عسانا نظن بالنسبة لهذه الناحية؟ يعتقد كثير من المسلمين أن الله لا يؤيد أصحاب الدين في الدنيا ولا ينصرهم في الدنيا وإنما كل النصر في الآخرة وكل المجازات في الآخرة وكل العوض في الآخرة، وأن الله لا يجعل العاقبة للمسلمين في الدنيا أبدًا هذا الظن يأتي الآن تحت مطارق ما يحدث من الأحداث الملمة التي فيها إذلال للمسلمين وعزة للكافرين في الظاهر بل يظنون أن صاحب الحق لا بدّ أن يعيش عمره مظلومًا مقهورًا مغلوبًا مع أنه يقوم بأمر الله ويأتمر بأمره ويترك النواهي التي نهي عنها، فلا إله إلا الله كم فسد بهذا الاغترار من الناس، وكم ضاعت تصورات صحيحة للدين بسبب ذلك؟ فالعبد إذا آمن بالآخرة يجب عليه أن يبقى طالبًا لمنفعة نفسه ودينه بالدنيا، وينبغي عليه أن يحاول دفع الضرر عن دينه ونفسه في الدنيا ويجب عليه أن يطلب العلو لدينه و نفسه في الدنيا ولذلك فإن الذين يسيطر عليهم هذا الفكر الخاطئ أن الله لا ينصر المسلمين في الدنيا، وأن كل الأجر في الآخرة لا يعملون لنصرة الدين من جهة أخذ الأسباب المادية لنصرة الدين ويقولون لا فائدة من اعتاد العدة لأن الغلبة للكفار ولأن الله لا ينصر المسلمين في الدنيا فتأتي هذه الأوهام الفاسدة بهذه النتائج المخيفة فيتركون العمل بالنصرة أسباب الدين الظاهرة في الدنيا ويتولون عن ذلك ويتقاعسون ولا يقومون بحق نصرة دينهم في الدنيا، ولا يأخذون بأسباب القوة والعزة وهذا انحراف عظيم فانتبهوا يا معشر المسلمين والذي يعتقد أن الله لا ينصر المؤمنين في الدنيا وأن الغلبة للكفار دائمًا فهذا من جهله بوعد الله ووعيده والله سبحانه ضمن نصر دينه وحفظه وأولياءه القائمين بدينه علمًا وعملًا وحالًا قال سبحانه: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُسورة غافر51. وقال تعالى: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَسورة الصف14.  وهذا حصل في الدنيا والله قد وعد ووعده نافذ أنه سينصر المؤمنين في الدنيا والآخرة فهذه الآية: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ تدل على أنها هناك نصرًا  للمسلمين في الدنيا، وقال الله: وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَسورة المائدة56.  وقال: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِيسورة المجادلة21. وقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِسورة الصف9.  وقال: وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌسورة الصف13. وقال: وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًاسورة الفتح22. وحتى لا يظن واحد أن هذه في معركة من معارك النبي ﷺ فقط  قال الله بعد هذه الآية مباشرة: سُنَّةَ اللَّهِسورة الفتح23. معناها تتكرر وتحدث وقال الله للمسيح ابن مريم: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِسورة آل عمران55.  فلما كان للنصارى نصيب من اتباع عيسى نصيب ما ولو قليل جدًا من اتباع عيسى كانوا فوق اليهود إلى يوم القيامة، ولذلك لا يمكن أن يأتي لليهود على النصارى نصر عامًا، وستبقى القوة في الغالب للنصارى على اليهود، ولما كنا نحن المسلمون أولى بعيسى من النصارى، ونحن الذين اتبعوا عيسى كما جاء بالضبط ولما بشر بأحمد ﷺ اتبعنا أحمد ﷺ  اتبعناه وكنا وراءه ومعه فنحن لأننا أولى بعيسى من النصارى فلا بدّ أن تكون لنا الغلبة عليهم، وأنت الناس الذين تحت مطارق الواقع هذه الآن هذه السنين الآن التي نعيشها لا يشعرون بمعاني مثل هذه الآيات نقول له: انظروا إلى التاريخ واقرؤوا فيه منذ بعثة النبي ﷺ إلى الآن الفترات التي قهر فيها المسلمون أهل الأرض من المشركين أكثر أم العكس؟ ستجد باستقراء التاريخ أن المسلمين كان لهم العلو العسكري، والغلبة المادية في الأرض أكثر، وكل الحملات الصليبية على بلاد المسلمين انتهت بالفشل الذريع ولا بدّ أن تنتهي الحملات الحالية بالفشل الذريع ونحن نقرأ في الأحاديث والآثار أن قتالًا بيننا سيكون وبين بني الأصفر وسيكون لنا الغلبة عليهم بإذن الله فإذًا لا يغرنكم يا أيها المسلمون هذه الانتصارات البسيطة والغلبة المحدودة في الزمن الآن للكفرة فإن الله ناصر دينه ومعز كلمته ومظهر هذا الإسلام على أهل الأرض ولكن من الذين ينصرهم الله؟ ومن الذين تكون لهم العلو والغلبة في الأرض؟ ينصر أهل الإيمان علمًا وعملًا وحالًا كما قال ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين وقال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين فبحسب الإيمان يكون العلو لنا وبحسب إيماننا تكون العزة لنا وقال: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواسورة الحج38.  فبحسب إيماننا يدافع الله عنا، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَسورة الأنفال64.  يكفيك ويكفي المؤمنين فبحسب إيماننا تكون كفاية الله لنا وقال:  وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَسورة آل عمران68. فبحسب، ولياتنا لله تكون، ولاية الله لنا.

إذًا أيها المسلمون: هذه الأيام والسنوات العصيبة التي نمر بها الآن هذه فترة طارئة  لا بدّ أن تنته، ولا يظنن أحد أن أمر الكفار قائم إلى قيام الساعة أبدًا وإنما سيأتي الله بموعيده للمؤمنين ويكون النصر لهم نقول هذه الكلمات المهمة وهي مأخوذة من كلام العلامة ابن القيم رحمه الله الذي رأى بنافذ بصيرته هذا الشعور الاستسلامي في نفوس المسلمين فساق إلينا هذه الكلمات لكي ننعش الأمل في أنفسنا أن الغلبة للإسلام ولكي لا نغتر بغلبة الكفار وسيطرتهم ولكي لانترك الاعتداد لنصرة الدين نسأل الله أن يجعلنا ممن ينصر دينه وأن يجعلنا ممن يعلي بهم شريعته وأن يجعلنا ممن يجاهدون في سبيله.

أقول قولي هذ، واستغفر الله لي ولكم، وأرجو من إخواني أن يتقاربوا؛ ليدخل إخوانهم الواقفون في الخارج.

الخطبة الثانية

00:17:52

الحمد لله الذي لا إله إلا هو، وحده ، لا شريك له، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير إنه على كل شيء قدير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد السراج المنير، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة؛ فجاهد في الله حق جهاد، فصلوات الله عليه، وعلى آله، ومن تبعه إلى يوم الدين.

الرد على شبهة: لماذا الله يبتلي المؤمنين، وهم ينصرون دينه؟

00:18:25

أيها المسلمون: بعد هذه المقدمة بأن وعد الله للمؤمنين بالنصر إذا تمسكوا بدينه نافذ، ولا بدّ في الدنيا قبل الآخرة، تأتي هنا بعض الشبهات لبعض الناس فيقولون: فلماذا إذًا يحصل الابتلاء، والامتحان، ولماذا إذًا قدر الله على بعض المؤمنين بالابتلاء، والأذى، وهم ينصرون دينه، ويسعون لإعلاء كلمته، وما بالنا إذًا قد ينتقل الإنسان إلى ما هو أبسط من ذلك فيقول: ولماذا صرت أنا فقير؟ ولماذا صرت مبتلى؟ وهكذا  وأنا مسلم أما عوام الموحدين إذا أوردت عليهم هذا الإيراد قالوا: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَسورة الأنبياء23. وهذا صحيح ولا شك، ولكننا نريد أن نفهم جذور هذا الابتلاء وما هي المعاني التي تتضمنه وشيئًا من الحكم التي قد نراها ونحس بها من ابتلاء الله لعباده المؤمنين قال الله : وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًاسورة غافر7.  فوسع رحمة الله كل شيء، وأحاط بكل شيء علمًا، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وسعت رحمة ربنا كل شيء، وأحاط بكل شيء علمًا، وهو أعلم بمصالح عباده منهم والعبد لجهله بمصالح نفسه يظلمها ويضرها لأنه ظلوم جهول، والرحمة هي إيصال النفع والمصالح وإن كرهتها النفس هذه هي الرحمة الحقيقية ومن رحمة الأب بولده أنه يكره الولد أحيانًا على التأدب والتعلم والعمل الطيب ولو بالضرب أحيانًا والعقوبة ويمنعه من الشهوات والملذات المحرمة، التي تعود عليه بالضرر ولو بالقوة أحيانًا من رحمته بولده، وإذا أهمل ذلك كان غير رحيمًا حقيقة بولده وإن كان في الظاهر يقول الناس: فلان تارك أولاده يفعلون كما يشاءون لم يضربهم أبدًا ولم يعاقبهم مطلقًا إنه رحيم وهذا غير رحيم فإن الرحيم هو من يحمل أولاده على الطاعة ولو استخدم القوة بحكمة أحيانًا هذا هو الرحيم ولذلك يظهر الفرق بين رحمة الأب ورحمة الأم، فإن رحمة الأم أحيانًا في إعطاء الولد ما يريد، والضغط على الأب بعدم إكراه الولد أو معاقبته ربما أراد الولد المراهق سيارة يفعل بها المنكرات، ويلح والأب يقف ويقول: لا والأم تتوسل إلى الأب أن يسمح، ويعطيه السيارة، هذه رحمة مقرونة بجهل! ولذلك كانت الرحمة الحقيقة: هي إيصال النفع في الظاهر، إيصال النفع للمسلم، ومنع الضرر عنه، ولو باستخدام الأشياء المؤلمة أحيانًا، ولهذا أنت تعلم الآن من هذه النقطة كان من تمام أرحم الراحمين بعباده تسليط أنواع البلاء على العبد فإنه أعلم بمصلحة عبده في ابتلائه، وامتحانه، ومنعه من كثير من أغراضه.

وشهواته من رحمته بعبده ولكن العبد لجهله، وظلمه يتهم ربه أنه يبتليه، وأنه يكرهه، ولا ينظر إلى جانب الإحسان الإلهي في هذا الابتلاء والله يحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه، أصناف الطعام المشهية تمنعها أنت عن مريضك إذا كانت الحمية هي العلاج وهي شهية جدًا، وتمنعه منها والله يحمي عباده المؤمنين المخلصين من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه كما ورد في الحديث، فمن رحمته بعباده أنه يبتليهم لا بخلًا يمنع عنهم الأموال كلا أو يفقر بعضهم بخلًا فإنه جواد كريم ماجد غني كريم فمن رحمته أنه ينغص عليهم الدنيا ويكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا بها ولكي يرغبوا إلى النعيم المقيم في الدار الآخرة، فيسوقهم إلى الجنة بسياط الابتلاء والامتحان، فيمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم انظروا أيها الإخوة يجب أن نتمعن في حكمة الله في خلقه منعهم في الدنيا من بعض الأشياء ليعطيهم في الآخرة عباده المؤمنين وابتلاهم في الدنيا ليعافيهم يوم القيامة، وأماتهم ليحييهم ومن كون بعض الناس لبعضهم فتنة كما أوردنا في أول الخطبة علاقة لها بهذه النقطة يقول بعض الفقراء لما لم أكن غنيًا ويقول الضعيف: هلا كنت مثل القوي، ويقول المبتلى هلا كنت مثل المعافى ويجهلون حكمة الله في هذا الابتلاء وقد حصل من جراء الجهل بهذه المسائل أمور عديدة من ظلم البشر لخالقهم، وبلغ الجهل ببعضهم، وهو الجهم بن صفون -عليه من الله ما يستحق- الملحد الزنديق أنه كان يخرج بأصحابه إلى الجذماء وأهل البلاء ويقول: انظروا أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟ ليحملهم على الإلحاد، وهو ينكر رحمة الله كما ينكر حكمته وقال ملحد آخر: ما على الخلق أضر من الخالق! وبعض العوام اليوم إذا أصيب بابتلاء قال: يا رب ماذا أذنبت حتى فعلت بي كل هذا؟ وإذا ما قاله بلسان المقال فهو يقوله بلسان الحال، وقال ابن القيم رحمه الله: "قال لي غير واحد إذا تبتُ إلى الله -انتبهوا أيها الإخوة يقول قال لي غير واحد إذا تبت إلى الله وأنبت وعملت صالحًا ضيق عليّ رزقي ونكد عليّ معيشتي وإذا رجعت إلى المعصية وأعطيت نفسي هواها جاءني الرزق والعون والمساعدة وهذا في بعض الحالات يكون صحيحًا نعم، ولكن ما هي الحكمة ما هي الفكرة ؟ التي ينبغي أن يفكر بها  العبد في هذا؟ قال فقلت له يقول ابن القيم فقلت له: هذا امتحان منه ليرى صدقك وصبرك هل أنت صادق في مجيئك إليه؟ وإقبالك عليه؟ فتصبر على بلائه فتكون لك العاقبة أما أنت كافر به فترجع على عقبك، وهذه فعلًا من الأشياء التي يواجهها بعض الذين يدخلون في التمسك  بهذا الدين يقولون: فقدت الوظيفة بسبب التمسك الدين فقدت مميزات ماليه بسبب التمسك بالدين، فقدت منصبًا بسبب لحيتي فقدت منصبًا ووظيفة وعملًا لأني أنا استقمت عوقبت بحرمان الوظيفة والأموال فيقال له: إن هذا من الله لينظر هل أنت ثابت هل مجيئك إليه حقيقي صحيح عن يقين وإيمان أما أنك عند أول هزة ترجع على عقبك ليت الناس يفهمون هذا لو فهم الناس هذا لكفينا شرًا كثيرًا وهذه الأوهام أيها الإخوة تنشأ من حسن الظن العبد بنفسه أن إيمانه كامل فلماذا يعاقب؟ فلا إله إلا الله كم فسد بهذا الاغترار من الخلق؟.

وعندما نأتي إلى المسألة الأخرى: وهي لماذا يبتلي الله أولياءه الدعاة إلى الله بالسجون، والمعتقلات، والأكاذيب، والافتراءات، والقتل، والمطاردة، في الأرض؟ ليكون لهذا معاني عظيمة، وحكم لله كبيرًا، ونظرًا لكثرة هذا النوع من الابتلاء في هذه الأيام يجب التركيز عليه، وإعلام الناس به، ولعله يكون لهذا خطبة قادمة إن شاء الله في حكمة ابتلاء الله لعباده الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر المجاهدين العاملين لماذا يبتليهم ويسلط عليهم من هؤلاء الخلق حتى يأتي وعد الله بالنصر ونحن قد بينا أن وعد الله سيأتي لكن حتى يأتي لماذا تحدث هذه الابتلاءات هذا ما سيكون له مقام آخر في تبيينه وتفصيله إن شاء الله.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى أن تجعلنا لدينك عاملين، وفي سبيلك مجاهدين، اللهم ارحمنا يا أرحم الراحمين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم انشر رحمتك، وأنزل سكينتك يا ربنا، اللهم وسع لنا في رزقنا وفي دورنا وبارك لنا في أهلينا وأموالنا اللهم باعد بيننا وبين الأذى وباعد بيننا وبين السوء اللهم لا نسألك البلاء اللهم ادفعه عنا ولكن يا ربنا ثبتنا إذا ما أنزلته علينا اللهم ادفع البلاء عنا وعن المسلمين وآمنا في أوطاننا وبلداننا وسائر المسلمين واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ، وقوموا الى صلاتكم.

1 - رواه البخاري5096، ومسلم2740