الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أهمية خصائص هذه الأمة
يا أمة محمد ﷺ هذه أمتكم التي أرادها الله أن تكون خاتمة للأمم، وأن تكون مخصوصة بخير الأنبياء، وبخير الكتب، وقد جعل الله تعالى لها خصائص عظيمة، فهذه أمة موصولة بالأمم من قبلها الذين خرج الأنبياء فيهم لتوحيد الله تعالى، لم يرسل نبي إلا ولب رسالته اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فجميع أنواع العبادة لله، فالتوحيد هو الأساس لجميع الأعمال، وبقية أمم الأرض ترزح في أنواع من الشرك، والكفر، فيعبدون مع الله أوثاناً وأنداداً، أصناماً وقبوراً، أمواتاً وجمادات، يصرفون لهم أنواعاً من العبادة، والمسلمون الموحدون لا يعبدون إلا الله.
خصائص هذه الأمة
وكذلك فإن لهذه الأمة خصائصها في التشريع، وخصائصها في العبادة، وبقية أمم الأرض لهم تشريعات وضعوها من عند أنفسهم، وتحاول أمم الأرض حرف هذه الأمة بأن تتبع تشريعات أرضية، ولكن حكم الله تعالى هو الملزم لهذه الأمة، وليس لها خيار غيره.
فعلى سبيل المثال: يوجد في تشريعات هذه الأمة الأذان، وليس في بقية تشريعات الأمم التي اتخذوها من عند أنفسهم نداء توحيد يرفع لله في الأرض.
لهذه الأمة أوقات صلوات تختلف عن الأوقات التي يعبد فيها الناس في الأرض آلهتهم، ولذلك نهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ لأن عبدة الكواكب يسجدون للشمس من دون الله عند طلوعها وعند غروبها، ولما سار البشر على أهوائهم عبدوا الثعابين والطواويس كما تجده مقدساً لدى ديانات أهل الهند، وهكذا عبدوا الأحبار والرهبان يشرعون لهم، والأحكام عندنا منتهية من لدن حكيم خبير .
عباد الله: إذا كانت أمم الأرض تريد التمسك بالخصوصيات، فنجد في الشرق الأقصى من الصينيين واليابانيين وغيرهم من هو حريص على ثقافته الخاصة، وعلى أن لا تتأثر شعوبهم بغيرهم، وكذلك الغرب حتى في الألعاب يقاوم بعضهم تأثير بعض على مدن الألعاب، وكذلك اليوم يتناقشون ويتجادلون في قضية بناء المساجد في أوروبا فيقولون: هذه مظاهر أسلمة نرفضها، وهذا مسجد أكبر من اللازم، وهذه مآذن أعلى من اللازم، وهكذا جدال في هذين اليومين وغيرهما في هذه القضية، لا يريدون اختراقاً، أفلا نكون نحن أمة محمد ﷺ مقاومين لاختراقات غيرنا، رافضين أن نطبع بخصوصيات غيرنا التي تنقل إلينا عبر الأفلام، والألعاب، وعبر الكتب والثقافات، وكثير من أبناء المسلمين وبناتهم إذا ذهبوا غرباً وشرقاً رجعوا بمظاهر في الثياب، والشعور، والأشكال مأخوذة من غيرنا، بل إن كثيراً من شبابنا وفتياتنا في الألبسة والعادات، وحتى الكلام، وطريقة التحية؛ يشابهون غيرنا، ومن تشبه بقوم فهو منهم[رواه أبو داود 4031 وصححه الألباني في الجامع الصغير6149]حديث خطير جداً.
عباد الله: لماذا لا نعود إلى منهجنا الذي أراده الله لنا؟الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًاالمائدة:3، صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَالبقرة:138، هذه أمة فريدة من نوعها، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِالبقرة:143، فنحن يوم القيامة سنشهد لجميع الأنبياء على جميع الأمم،كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍآل عمران:110، هكذا قال الله للصحابة، أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِآل عمران:110، فإذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ماذا سيحصل؟!
أيها الإخوة: في تشريعنا: حدود تطبق، حد القصاص في القتل، حد القطع في السرقة، حد الجلد في السكر والقذف وزنى غير المحصن، وحد الرمي بالحجارة حتى الموت للزاني المحصن، فهذه الحدود من خصوصيات تشريع هذه الأمة، وليس عند أمم الأرض مثل هذه التشريعات، فهم قد يقتلون، ويجلدون، ولكن ليس على أساس شرعي، وقد يحكمون بسجن على مجرم عظيم، وقد يقتلون من لا يستحق القتل.
عباد الله: عندما يحاربوننا في الحدود، وإقامة الحدود، فلنعلم بأن هذه الحدود لا يمكن التنازل عنها، ولا يمكن التخلي عنها؛ وإن وصفوها بالوحشية، أو التخلف؛ لأن ما ينزل من عند الله لا يمكن أن يكون وحشياً، ولا متخلفاً، بل هو سبب التقدم والأمن، وقد قال الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًاالمائدة:3، فالحدود من التمام والكمال، وإذا تمسكنا بالتشريع الذي أنزله الله فإننا سنكون في حال عظيمة من العزة، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَالمنافقون:8، وإذا جادلونا قلنا لهم: لكم دينكم ولنا دين، فلا لقاء في منتصف الطريق؛ لأننا إذا أردنا أن نتنازل عن شيء من ديننا فقد جئنا بالمحظور العظيم: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَالقلم:9، فعندما أراد كفار قريش أن يستميلوا النبي ﷺ، فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَهود:12، أي: لئلا يقولوا كذا وكذا، ومن أجل الحرب الكلامية الإعلامية التي يشنونها.
عباد الله: إن لهذه الأمة خصوصيتها في العقيدة، في توحيد الله، فكل العبادات لله، الحلق، الذبح، النذر، الطواف، الدعاء، السؤال، فلا يسأل إلا الله، ولا يعبد إلا الله، تفرد الله بعلم الغيب فلا يعلم الغيب إلا الله، وكذلك النبوات هي اصطفاء واختيار، وليست رياضة وتدريب، وهي مقام عظيم لا يمكن الوصول إليه إلا باختيار الله واصطفاءه، وكذلك هذه أمة الوسط والاعتدال، انظروا إليها في عبادتها وتشريعها، وموازنتها بين الدنيا والآخرة، وموافقتها للعقل السليم، فلا يمكن أن تجد تشريعاً يخالف العقل السليم، فإذا قال واحد وجدت فنقول: عقلك غير سليم؛ لأن هذه شريعة من الله، انظروا إليها في جعل الأخوة بين المؤمنين والترابط، انظروا إليها في هذه السهولة واليسر جُعلت لي الأرض مسجداً وطهورا[رواه البخاري335 ومسلم 521]فلو لم نجد ماء نتيمم، ولا نترك الصلاة، ونجمع الصلاتين عند الحرج.
عباد الله: تميزت هذه الأمة بخصوصيات حتى في التعاملات المالية، ولذلك فإننا من بين أمم الأرض نعتقد بتحريم الربا، وأنه سبب الخراب، وأمم الأرض والغون فيه، وكذلك الزنا وغير ذلك من المحرمات التي حرمها الله علينا، وخصوصيتنا حتى في نساءنا في حجابهن، والحجاب صار الآن مما يحارب من أجله، فيحاربونه شرقاً وغرباً، يقولون: هذا من مظاهر الأسلمة، هذا يدل على شخصية وهوية دينية، فنقول: نعم، ونفتخر بذلك، وينبغي أن نزرع في نساءنا الافتخار بالحجاب، والتمسك بالحجاب، أينما ذهبنا، وأينما رحلنا، وأينما حللنا، حجاب بمعنى الحجاب، يحجب فلا هو قصير، ولا هو شفاف، ولا هو ضيق، ولا هو مزركش، ولا مطرز، ولا ملون، ولا تخرج به متبخرة متطيبة، ولا يشبه لباس الكافرات كالراهبات، ولا يشبه لباس الرجال؛ لأن تمييز الجنسين مما جاءت به الشريعة حتى لعنت المتشبهين من الرجال بالنساء، والنساء بالرجال.
حتى قضية العادات هل عند أمم الأرض اليوم، من يأكل باليمين ويسمي الله قبل الأكل، ويحمد الله بعد الأكل، وإذا شرب يشرب في ثلاثة أنفاس، وإلى آخره، حتى مراعاة أحاسيس ومشاعر الآخرين فيأكل مما يليه.
عباد الله: أعيادنا من خصوصياتنا، لنا عيد في هذا الأسبوع وهو الجمعة، هدانا الله إليه، وأضل الأمم الأخرى عنه، فتراهم يجتمعون في السبت لعبادات في البيع، ويجتمعون الأحد لعبادات في الكنائس، ولكن يوم الجمعة جعله الله خالصاً لنا، هدانا إليه، سيد الأيام، خلق الله فيه آدم، وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه تيب عليه، وفيه تكون القيامة والنفخة والصعقة.
من خصوصيات هذه الأمة: اللغة العربية التي أنزل الله بها القرآن، وجعلها أفضل اللغات، وأكمل اللغات، وبها أنزل خاتم الرسالات، وخاتم الكتب، هذه اللغة التي يريدون اليوم طمسها والقضاء عليها، وأن نتكلم بألسن الآخرين، فيكون كالذي نسي مشيته، ولم يتقن مشية القوم، وهكذا تصبح المشية عرجاء.
عباد الله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّايوسف:2، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍالشعراء:195، حكماً عربياً، وبعض من انهزم نفسياً اليوم من المسلمين يتشدق بلغة القوم بدون حاجة، ولو كان بحاجة لقلنا: نعم، فالنبي ﷺ أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لسان يهود لغة أخرى للحاجة، لكن بين المسلمين ولغير حاجة، لماذا؟ والشعارات، والكتابات، والأسماء، والمحلات، فينبغي أن نعتز بلغتنا لغة القرآن، وأن ندرب أولادنا عليها، أما أن يكونون في الإملاء في غاية السوء، وفي الخط في غاية السوء، وفي الإعراب في غاية السوء، فهذا يدل على تقصير، ويدل على إهمال.
عباد الله: من خصوصياتنا: التاريخ، هذا التقويم القمري، وليس الشمسي، ولا الميلادي، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌالتوبة:36، رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم متوالية، ومعنى الأشهر القمرية أن لنا دليل على بداية الشهر، ولنا دليل على نهايته وبدأ الذي بعده بهذا الهلال الذي جعله الله في السماء، لكن ما هي أدلتهم على بداية شهورهم؟ ما هي الأدلة على الثلاثين، والواحد والثلاثين، والثمانية والعشرين في فبراير، ما هي الأدلة على هذا؟ لا شيء، ثم نترك تاريخنا إلى تاريخ غيرنا، هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَيونس:5، هذا شيء فلكي كوني هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُيونس:5، يعني: قدر القمر، مَنَازِلَيونس:5، يولد صغيراً، ثم يكبر، فيصير بدراً، وهلالاً، ثم يعود ليكون في آخر الشهر يختفي، وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَيونس:5، ليولد من جديد، وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَيونس:5، احسبوا به، عدوا السنين به، أرخوا به، اجعلوا عليه الرواتب والميزانيات وغيرها، استعملوه، وقد يضطر بعض المحاسبين لاستعمال التاريخ الآخر، لكن لا يصح أن ننسى تاريخنا الأصلي، وفي بعض بلدان المسلمين لو قلت له متى يأتي رمضان؟ يقول: لا أدري؛ لأنه لا يحسب إلا بالتاريخ الآخر.
الخصوصيات العظيمة لهذه الأمة هي هويتها، وإذا فرطنا فيها فرطنا في هويتنا.
اللهم إن نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، والاستمساك بدينك وحبلك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من أهل سنة سيد المرسلين، اجعلنا ممن يحبها، ويحيا عليها، ويموت عليها، أحينا مؤمنين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا، ولا متفونين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله خالق السموات والأرضين، الحمد لله رب الأولين والآخرين، أشهد أن لا إله إلا الله، الواحد القهار، الكبير المتعال، مكور النهار على الليل، ومكور الليل على النهار، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأكبره تكبيرا، وأشهد أن محمداً رسول الله حببينا، وإمامنا، وقدوتنا، وسيدنا، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه، وخلفاءه إلى يوم الدين.
أشهد أنه رسول الله الداعي إلى الله حقاً، والقائل صدقاً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وعلمنا قيمة أمتنا، وبين لنا وهو قائد هذه الأمة فضائل هذه الأمة لنعتز بها في عصر الانهزام والذل، تبقى رؤوس الموحدين من المسلمين مرفوعة؛ لأنهم يعلمون أنهم خير، وأنهم من هذه الأمة التي هي خير ما أخرجت للناس، وضع الله عنها الإصر والحرج،وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍالحج:78، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَالبقرة:185، خفف علينا سبحانه، فهذا رمضان فيه صيام، لكن كم فيه من التخفيفات؟ على الحامل، وعلى المرضع، وعلى المريض، وعلى المسافر، وعلى العاجز، وعلى الكبير في السن، سبحان الله!
هذه الشريعة؛ شريعة تعزيز، وتكريم للمرأة، كان اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، يعني: لا يجلس معها حتى تحت سقف واحد، لا يجتمعان في بيت، وهذه الأمة المرأة معززة أمهات المؤمنين لهن المنزلة الكبيرة، فالمرأة هي التي ينفق عليها، ولا تكلف للخروج وتدفع للابتذال، والامتهان، والاختلاط، الرجل هو الذي ينفق.
نجد في هذه الأمة، أن الله يسر لها أمورها، جُعلت لي الأرض مسجداً وطهورا[رواه البخاري335 ومسلم 521]، فالتراب موجود في كل مكان للتيمم.
نجد في هذه الأمة، أن الله تجاوز لها عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، وتجاوز لها عن حديث النفس والخواطر إذا لم تتحول إلى عزم وتصميم وعمل.
وهذه الأمة محفوظة من الاستئصال، فالله قد أعطى محمداً ﷺ الأمان لهذه الأمة أنه لا يمكن القضاء عليها بحيث لا يكون منها أحد، بل سيبقى منها على الحق طائفة منصورة إلى قيام الساعة.
هذه الأمة معصومة أن تجتمع على ضلالة، فلا يمكن أن يجتمع كل المسلمين في العالم على ضلالة، قد يضل بعضهم وينحرف، وبعضهم يشرك، وبعضهم يصبح من أهل البدع والخرافات، ولكن لا يمكن أن يجتمع كل المسلمين في العالم في أي عصر من العصور على الباطل.
هذه الأمة معصومة أن تجتمع على ضلالة، فلا يمكن أن يجتمع كل المسلمين في العالم على ضلالة، قد يضل بعضهم وينحرف، وبعضهم يشرك، وبعضهم يصبح من أهل البدع والخرافات، ولكن لا يمكن أن يجتمع كل المسلمين في العالم في أي عصر من العصور على الباطل.
هذه الأمة جعلها الله يوم القيامة هي الشهيدة، شهداء على الناس.
صفوفنا في الصلاة كصفوف الملائكة في السماء.
هذه الأمة أمة السلام، (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، هذه التحية العظيمة.
هذه الأمة أمة التأمين آمين، فاليهود حسدونا عليها، لما فيها إشاعة السلام بين المؤمنين الأخوة، إشاعة المحبة، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم[رواه مسلم 54]، وهذا التأمين في الصلاة نؤمن على الدعاء العظيم، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَالفاتحة:6، ونستثني صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَالفاتحة:7، وهم الذين نخالفهم إلى قيام الساعة وغيرهم من المشركين.
هذه الأمة جعل الله فيها طائفة على الحق دائماً من أهل العلم والهدى من أهل السنة الذين يتمسكون بالقرآن وبحديث النبي العدنان ﷺ، يميزون صحيحه من سقيمه، يحرصون عليه، يتبعون سنته، والسنة كسفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق، يتبعون ولا يبتدعون، يقاومون البدع، والخرافات، وينقون دين الله من كل ما علق به من الشوائب، وهذه المحدثات.
عباد الله: هذه الأمة جعلها الله يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، في بياض ونور في مواضع الوضوء، فعندما تتوضأ -يا عبد الله- تذكر أن هذا الوضوء يكون لك نوراً يوم القيامة.
هذه الأمة أول من يجتاز على الصراط.
هذه الأمة أول من يدخل الجنة.
هذه الأمة أكثر أهل الجنة، ثلثا أهل الجنة من أمة محمد ﷺ.
هذه الأمة يدخل منها سبعون ألفاً الجنة بلا حساب ولا عذاب، ومع كل ألف سبعون ألفاً، وثلاث حثيات من حثيات ربي.
فضائل شهر شعبان
عباد الله: لنا شهورنا؛ رجب محرم، وهذا شعبان قد جاءنا، والنبي ﷺ كان يكثر الصيام في شعبان، وكان يصوم شعبان إلا قليلاً، والسبب لأنه شهر يغفل فيه الناس؛ لأن بعض الناس ينشط في رجب لدرجة أنه يأتي ببدع، حتى ألف الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي "تبيين العجب فيما ورد في رجب"، يعني: من البدع والمحدثات، فينشطون في رجب، وفي رمضان بطبيعة الحال الصيام والقيام، أما في شعبان فيهدءون، ويغفلون، وينسون، ولذلك قال: شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان،[رواه النسائي2357 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب1022]، رجب شهر محرم عظيم عند الله، وتعظيمه بترك المعصية فيه، فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْالتوبة:36، فلا ارتكاب للبدع فيه، بل لترك المعاصي فيه، وليعبد الله وحده لا شريك له فيه، عظموه فلا تريقوا فيه الدماء بالباطل، عظموه فهذه أشهر حرم، وأما شعبان مع أنه ليس من الأشهر الحرم؛ لكن له عند الله مكانة عظيمة، ترفع فيه الأعمال إلى الله، وعندنا رفع يومي، تقارير من الملائكة لرب العالمين عنا صباحاً ومساءً، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، هذا الرفع اليومي، ورفع أسبوعي ترفع الأعمال إلى الله كل اثنين وخميس، ولذلك كان يحب أن يصوم الاثنين والخميس، ويرفع عمله وهو صائم؛ لأن الأعمال إذا رفعت والإنسان صائم فتكون أحرى بالإجابة، وأجدر بالقبول بحسن الثواب من الله تعالى، والرفع السنوي الثالث هو في شعبان ترفع الأعمال إلى الله في هذا الشهر، أعمال السنة كلها، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم[رواه النسائي2357 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب1022]، فيكثر الصيام في شعبان، وهناك الرفع النهائي والختامي عندما يموت الإنسان، تطوى صحيفته، ترفع إلى الله، اللهم أحسن خاتمتنا.
وشهر شعبان يستحب الإكثار من الصيام فيه، ولكن نهينا أن نسبق رمضان بيوم أو يومين، أو أن نصوم يوم الشك الذي هو الثلاثون من شعبان، وإذا صار الغيم أكملنا العدة، فعندنا قاعدة، قال: فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين[رواه البخاري1909]، ما قال فاحسبوا، بل قال: فأكملوا عدة شعبان، هذه قاعدة سواء كان هناك تقدم تكنولوجي، أو ليس هناك تقدم تكنولوجي، سواء كان المسلمون في ناطحات سحاب، أو كانوا في البادية، فالقاعدة واحدة، والأمة كلها واحدة، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان، ولذلك لا يصام يوم الشك، وكذلك تسد ذريعة وسبيل الزيادة في العبادة؛ لأن رمضان محدد فلا يجوز أن يزاد فيه، كما أنه لا يجوز الزيادة في عدد الركعات، فانظر إلى احتياط الشريعة في العبادة، ولذلك نهي عن وصل الصلاة بصلاة بعد السلام من الفريضة، فلا تقوم مباشرة للنافلة، فعندك تسبيح، وعندك أذكار، قال العلماء: يفصل بكلام، ولو مع آدمي، أو يقوم من مكانه فيغيره، لحديث نهى أن توصل صلاة الفريضة بغيرها؛ لئلا يزاد في العبادة، عبادات بلا زيادة ولا اختراعات، عبادات لله على الدليل، وعلى السنة، مثل ما فعل محمد بن عبد الله ﷺ نفعل، ولذلك أي عمل وعبادة تريد أن تفعله فابحث وسأل هل فعله محمد ﷺ أم لا؟ فإذا فعله افعله، اقتفي أثره، اتبع سنته، أما الزيادة في بدعة فلا خير فيها، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌالغاشية:2، ذليلة يوم القيامة، لكنها: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌالغاشية:3، أتعبوا أنفسهم، لكن تَصْلَى نَارًا حَامِيَةًالغاشية:4، لماذا؟ كان اجتهادهم في غير السنة.
وكذلك فإن هذا الشهر العظيم يغفل فيه الناس، والعبادة في أوقات الغفلة مثل قيام الليل فالناس في غفلة، في نوم، في سهر، في لعب، وهذا يحي ليله، وكذلك ذكر الله في السوق بمكان غفلة له عند الله شأن عظيم، وإحياء أوقات الغفلة بالعبادة يقرب إلى الله أكثر، مثل العبادة في الهرج، في الفتن، واختلاط الأمور كهجرة إلي.
اللهم إن نسألك أن تحييى قلوبنا بالإيمان، اللهم اغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء فاجعل كيده في نحره، اللهم من أراد أمن هذه البلاد بشر فاقطع يده، ورد كيده في نحره، الله اقطع دابره، اللهم من أراد أن يفرق المسلمين في هذه البلاد وأن يأتي على أمنهم بشر فكده وخذه يا رب العالمين، اللهم من أراد بلاد المسلمين بسوء فإنا نسألك أن تجعل أمره في تباب يا رب العالمين، اللهم من أراد المسلمين بشر فأنت الواحد القهار لا يعجزك فابطش به، اللهم إنا نسألك أن تجعل رحمتك وأمنك على هذه البلاد وبلاد المسلمين كافة يا رب العالمين، عُمها بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، اللهم إن نسألك أن تجعلنا مطمئنين بذكرك، اجعل قلوبنا مطمئنة بذكرك يا رب العالمين، آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم اقض عنا الدين، اللهم أغننا من الفقر، اللهم اقض ديوننا، واغفر ذنوبنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، واستر عيوبنا، واهد ضالنا، وآمن روعاتنا، واستر عوراتنا، نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، نسألك العفو والعافية في ديننا وديانا، وأهلينا وأموالنا، احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي مشكور، يا رحيم، يا كريم، يا ودود، يا غفور.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.