الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ سورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا سورة الأحزاب 70-71.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخواني.. عباد الله.. نستعرض وإيّاكم في هذه الخطبة عددًا من المسائل والحاجة إلى شيء من التركيز والفهم ماسة.
صلاة الاستخارة
ونبدأ هذه الخطبة بصلاة مهمة من الصلوات، وعبادة عظيمة أهملها كثير من الناس وتركوها؛ ألا وهي صلاة الاستخارة، يتعرض المرء في حياته لكثير من الأمور الغيبية النتائج، ويقدم على أمور مجهولة العواقب، لا يدري خيرها من شرها، ولا نفعها من ضرها، أيقدم على هذا العمل أم لا، أيخطب هذه الفتاة أم لا، أيشارك هذا الرجل أم لا، أيطلق زوجته أم يبقيها عنده، أيدرس هنا أم هناك، هل يسافر أو لا يسافر، ماذا يعمل، وماذا يذر، وأين الخير، يسأل القريب والبعيد، والصغير والكبير، لعلهم ينصحونه، وقد يعيش في حالة من الصراع والتردي، والقلق النفسي، ويصيبه الهمّ، ويغشاه الغمّ، وتتعطل حركته، وينشل تفكيره، فلا يدري ماذا يفعل، ويقع أسير الخوف والتردد، فشرع الله صلاة الاستخارة علاجًا للتردد، وحلًا للمشكلة لكي ينقلب التردد ثباتًا والشك يقينًا، فيستخير العبد ربه وهو القادر على كل شيء فيصبح مطمئن النفس هادئ البال راضيًا بما قدر الله له، ولو كان شرًا في الظاهر لأنه قد استسلم لربه، وألقى إليه السلم، وتوكل عليه .
لما كان العبد ظلومًا جهولًا كما وصف الله جهولًا في الغيب، مترددًا في التصرفات، وكان الله تعالى عليمًا يعلم حقائق الأمور، ونتائجها، ونافعها، وضارها، وخيرها، وشرها، وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍسورة الأنعام59، ولما كان الله تعالى هو العليم بما يصلح العباد وهو الخبير بما ينفعهم وهو اللطيف الخبير كان لا بدّ من التوكل عليه وهو على كل شيء قدير، فإذا هم العبد بأمر، أو عزم على مسألة، أو خطرت بباله قضية، فأحب فعلها، فإنه يستخير ربه قبل البدء بالعمل فيأتي بشروط صلاة النافلة، ويصلي ركعتين بنية الاستخارة لا يتلفظ فيها بنية، وإنما النية في القلب، ويدعو بدعاء الاستخارة الدعاء المعروف، اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه وينص عليه في دعائه خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، وعاجله وآجلهوفي رواية: وعاقبة أمري أو قال عاجله وآجلهشك الراوي: فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر، ويذكر حاجته ويسميها وينص عليها شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به[رواه البخاري7390]. ويثق بالله ويتوكل عليه.
لما كان أهل الجاهلية إذا أرادوا أمرًا لجؤوا إلى زجر الطير، والاستقسام بالأزلام، والشرك، شرع الله لنا هذا الدعاء العظيم، الذي فيه أساس التوحيد، والاعتماد على الله ، والإقرار بوجوده، وصفاته، وكماله، وقدرته، وإرادته، وربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والتبري من الحول والقوة، واعتراف العبد بعجزه عن معرفة مصلحة نفسه، وأن الأمور بيد الله الذي فطره، شرع لنا صلاة الاستخارة بدلًا مما يفعله أهل الجاهلية، ما ندم من استخار الخالق، واستشار المخلوقين، وتثبت في أمره، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله.
أهمية الاستخارة
من أهمية الموضوع أن النبي ﷺ كان يعلمهم ذلك في كل شيء، كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان حريصًا على ذلك ﷺ، إذًا فهي عبادة مهمة حرص ﷺ على تعليمها لأصحابه إذا همّ أحدكم بالأمر إذا قصده إذا عزم عليه لا يدري هل فيه خير له أم لا في الحقيقة، لكنه في الظاهر يراه من مصلحته.
شرح دعاء الاستخارة
"فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، ولاحظ مناسبة سؤال الله بعلمه للقضية المطلوبة فأنت تتوسل إلى الله بعلمه إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك؛ لأن الله على كل شيء قدير، والذي يقدره هو الذي يكون ويطلب من الله القدرة، فالعبد ضعيف، أطلب منك يا الله أن تجعل لي قدرة على هذا العمل، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، إشارة إلى أن عطاء الله سبحانه فضل منه سبحانه على الآدمي يتفضل به، فإنك تقدر ولا أقدر، إشارة إلى الضعف البشري، وإلى ملكه سبحانه، وتعلم ولا أعلم فأنت العليم بكل شيء وبكل أمر ولا يعزب عنك مثقال ذرة، فناسب التوسل بقدرة الله وعلمه وسؤال الله فضله في هذا الأمر، وأنت علام الغيوب؛ لأن الاستخارة على شيء مستقبلي غيب لا يدرى هل للعبد فيه مصلحة أو خير أم لا وأنت علام الغيوب، تأمل ما في هذا الدعاء من الارتباط بالواقع والشيء المطلوب ثم هذا الثناء على الله قبل السؤال وهو من الأدب ثم يقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه خير لي في ديني ومعاشي فقدم الدين على المعاش؛ لأن الدين أهم من المعاش، الدين أهم من الدنيا، وإذا اختل الدين لا تنفع الدنيا، وعاقبة أمري أي الآخرة، وفي رواية: عاجل أمري وآجله أو شك الراوي قال: أو عاجل أمري وآجله فهو لا يجمع بينهما في الألفاظ لأن عاجل الأمر وآجله في الحقيقة هو الدنيا والآخرة المذكورة ويسمي الحاجة فاقدره لي ويسره لي اجعله مقدورًا اجعله داخل قدرتي، وليس فقط أن تقدره لي وتيسره، وإنما أسألك أن تطرح فيه البركة، ثم بارك لي فيه، فإنه قد يحصل لك الأمر المطلوب ولكن لا بركة فيه فلذلك تسأل الله أن يجعل فيه البركة، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه هل هذا تكرار؟ لا ليس تكرارًا فاصرفه عني واصرفني عنه، اصرفه عني لا تقدر وقوعه، واصرفني عنه يعني اجعل قلبي غير متعلق به اصرفه عني، واصرفني أنا عنه لأنه قد لا يقع لك، ولكن قلبك يتقطع ويتحسر لماذا لم يقع لك، ولذلك كان من الحكمة العظيمة أن تسأل الله إذا كان شرًا أن يصرفه عنك فلا يقع، ويصرف قلبك عنه فلا يتعلق قلبك به إذا لم يحصل، حتى لا تحصل الحسرة عند عدم وقوعه فتأمل عظمة هذا الدعاء.
ثم تقول على وجه العموم: واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به فإنه قد يحصل لك الخير، ولكنك لا ترضى به، فمن المهم أن يحصل الخير لك ويحصل الرضى بهذا الخير.
عباد الله.. هذا الدعاء ينطبق عليه في الاستجابة ما ينطبق على سائر الأدعية وإذا كان الكسب حرام أو كان الدعاء في إثم وظلم أو لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أو يعتدي في دعائه أو يكون غافلًا لا يقوله من قلب صادق إذا كان هذا يمنع الاستجابة في الأدعية فهذا منها.
فلذلك ينبغي أن يحقق العبد شروط الاستجابة حتى تنجح الاستخارة ويوقن العبد بالإجابة ويدعو الله مخلصًا إذا سألت فاسأل الله، ويرجو من الله الخير وهكذا يفعل فإذا أراد أن يخطب فتاة مثلًا يقول في دعائه اللهم إن كنت تعلم أن زواجي من فلانة بنت فلان خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري. الحديث، يسمي حاجته.
مسائل في الاستخارة
ما معنى الاستخارة؟
الاستخارة طلب الإرشاد إلى الخير، الطلب من الرب أن يختار لك الخير، استخار الرجل الله تعالى أي طلب منه الإشارة والهداية إلى الخير هذه العبادة العظيمة التي فيها تحقيق التوحيد والتوكل على الله سبحانه والأدب إنها تزيد الإيمان هذا من فوائدها، الأجر بالقيام بها هذا من فوائدها، فإن قال إنسان ما هي الأمور التي نستخير الله فيها؟
فالجواب: أن الأمور التي تعرض على العبد تدور على الأحكام الخمسة الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحرم.
والواجب والمستحب والمكروه والمحرم من ناحية الأصل لا يستخار الله فيها ليست مجالًا للاستخارة لأن الشرع جاء بحكمها فإذا كان واجبًا فيجب عليك أن تفعله فلا تستخير في شيء واجب، وكذلك المستحب يندب لك أن تفعله فلماذا تستخير فيه؟
لكن المباحات كالأعمال الدنيوية المجهولة النتائج من الزواج، والشركة، والسفر، ونحو ذلك هذه مجال الاستخارة، وذكر العلماء: إذا ازدحم واجبان لا يدري أيهما يقدم كالحج والزواج في بعض الأحيان يكون هناك مجال الاستخارة أو تعارض مستحبان ولا بدّ من تقديم واحد منهما فقط ولا يمكن أن تقوم بالأمرين معًا فهذا مجال للاستخارة فتقدم أحد الأمرين وتسميه في دعائك وتستخير عليه وهل تكون الاستخارة في الأمور المعروفة النتائج؟
الجواب: نعم حتى لو كانت الأمور معروفة النتائج فكم من أمر ظن صاحبه أن فيه خيرًا عظيمًا يكون فيه شر وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ سورة البقرة216 فإذًا حتى لو كانت النتيجة متوقعة لا تنس الاستخارة هذه الاستخارة أيها الإخوة تحقق الإيمان بالله ، وتفويض الأمر إليه ، ولا شك أنها تجعل العبد راضيًا آمنا مطمئنًا، فإن قال قائل: كيف أعرف نتيجة الاستخارة؟ لقد صليت ودعوت كيف أعرف نتيجة الاستخارة؟
الجواب: إن الإنسان إذا قام بالاستخارة وعزم على الأمر فإنه يفعله بلا تردد ما دام قد عرف من خلال الاستشارة ودراسة الموضوع أن هذا الأمر لا يتعارض مع الشرع، وأن فيه مصلحة له، فهو يدرس الموضوع، ويستشير فيه أهل الخبرة والأمانة، ثم يستخير الله تعالى، ويقدم على الأمر مباشرة، لا ينتظر رؤية ولا منامًا ولا شعورًا معينًا في صدره، وإنما إذا همّ أحدكم بالأمر يعني أراد أن يفعله فإنه يقوم بالاستخارة، ثم يفعل هذا الأمر لا ينتظر شيئًا لا ينتظر حدوث شيء، وكثير من الناس يظنون أنه لا بدّ أن يرى منامًا، وأنه لا بدّ أن ينام بعد الاستخارة مباشرة، وأن هناك برقية ستأتيه في المنام، وهذا غلط، ولم يأتِ في الاستخارة الشرعية شيء من ذلك، قد يرى رؤية، وقد لا يرى، قد يحس بانشراح صدر، وقد لا يحس بشيء البتة كأنه لم يتغير شيء، لكن في الحقيقة عند الله تعالى تغيرت أشياء باستخارته، فإذًا قد يكون هناك رؤية سارة، وقد لا يكون.
فإذا قال إنسان: فإنني ترددت في الأمر ولم تطمئن نفسي فهل يجوز أن أكرر الاستخارة.
قال بعض العلماء: نعم لا بأس أن يكرر الاستخارة وهذا قول الجمهور أحمد، والشافعي، ومالك، وغيرهم مثل صلاة الاستسقاء تكرر، وكذلك صلاة الاستخارة لا بأس من تكرارها إذا كان عنده تردد ولا يزال عنده شيء في نفسه فإنه يستخير مرة أخرى، وثالثة، ولا بأس بذلك.
هل للاستخارة وقت معين؟
ليس لها وقت معين ولا مخصوص ويتحرى الإنسان بها أوقات الاستجابة مثل: الوقت ما بين الأذان والإقامة، عند نزول الغيث، الثلث الأخير من الليل، الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، ليلة القدر، ونحو ذلك يستخير في هذه الأزمنة المباركة رجاء إجابة الدعاء.
وهي من ذوات الأسباب بمعنى أن فعلها في وقت النهي لا يضر، نعم لو تلافى أوقات النهي فهو أحسن، لو ما صلاها بعد الصبح أو وقت زوال الشمس، أو حين تصفر الشمس، أفضل، ولكنه لو احتاج للصلاة في وقت نهي فلا بأس في ذلك فقد تقدمت تحريها في ساعة الاستجابة يوم الجمعة، ولا يوجد زمن محدد قبل الأمر المستخار له فإذا شرع في مقصوده ثم تذكر الاستخارة فإنه يستحب له أن يقوم بها حتى لو شرع في مقصوده قبله بوقت طويل، أو قبله لا بأس، من فعل ذلك، ولكن الحديث نصه: إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين[رواه البخاري7390] قبل الإقدام على الأمر مباشرة، فإن قال قائل: هل لصلاة الاستخارة قراءة معينة؟
فالجواب: لم يرد شيء معين في سور معينة تقرأ في صلاة الاستخارة فيقرأ ما شاء الله له أن يقرأ وهل يكون الدعاء قبل السلام أو بعد السلام؟
كلاهما قولان لأهل العلم: أنت مخير إن شئت قبله وإن شئت بعده وإن كان الحديث فيه ثم ليقل وهي تفيد التعقيب مع التراخي، فلو جعله بعد السلام لعله يكون أرجح والله أعلم.
وإن جعله قبل السلام فهو في مكان دعاء وهو التشهد الأخير وكذلك فإنه يخصص ركعتين لأجل الاستخارة، وقوله: من غير الفريضة، يدل على أنه لا يقوم بهذا الدعاء بعد صلاة الفريضة وإنما ينشئ ركعتين لأجل الاستخارة ولو نواها مع تحية المسجد أو ركعتي الوضوء فلا بأس بذلك هو قال في الحديث من غير الفريضة، لكنه ينوي الاستخارة إذا صلى أن هاتين ركعتي الاستخارة فإذا صلى صلاة نافلة لم ينو أنها للاستخارة فالأحسن أن يأتي بركعتين لأجل الاستخارة، ثم يدعو بعدهما، وكذلك فإنه إذا كان في مكان لا يتمكن فيه من الصلاة قد يحتاج أن يقرر شيئاً في مستشفى، في دائرة حكومية، في الدور أمام الموظف يقرر شيئًا الآن، ولا يتمكن من الصلاة، فإنه لا بأس أن يأتي بالدعاء فقط، وهذا الذي يمكنه أتى به والحمد لله، ولا بأس أن يقرأ الدعاء من كتاب، أو أن يكون هناك من يلقنه ككبار السن الذين قد لا يستطيعون الحفظ فبعد الصلاة يلقنه شخص أو يقرأ هو من كتاب إن كان لم يحفظ دعاء الاستخارة.
هذه الصلاة سنة مستحبة وإذا دعا بعد الصلاة فإنه يرفع يديه كغيرها من الأدعية يرفع يديه بعد الصلاة ويدعو الله وإذا أثنى عليه وصلى على النبي ﷺ فلا بأس بذلك وهل يستخير لأمرين في صلاة واحدة؟ إن كان الأمران مرتبطين متعلق كل واحد بالآخر فإنه لا بأس بذلك كأن يستخير على الزواج من فلانة بمهر كذا، أو يستخير على مشاركة فلان بمبلغ كذا وإذا كان الأمران مختلفين فإنه يجعل لكل واحد منهما صلاة استخارة مستقلة هذا هو الأحسن.
هل يوفق المستخير يقينًا؟
لا شك أنه دعاء، وقد يمنع من استجابته أشياء ، ولكن العبد يعزم ويأتي بشروط الدعاء وآدابه ويسأل الله والله هو الذي يجيب وقد لا يتمكن الإنسان كما قلنا من معرفة نتائج الاستخارة فلا يرى شيئًا في منامه ولا يحصل له شعور معين في نفسه ولكنه قد قام بما علمه إيّاه نبيه ﷺ وأنت في الظاهر قد لا تحس بشيء ويكون الله قد منع من حصول أشياء وقدر أشياء وأنت لا تشعر يكون الله قد منع أشياء عنك وقدر أشياء وأنت لا تشعر وقد لا يحصل لك شيء مرغوب فتحزن ولكن الله ما أمسكه عنك إلا رحمة لك، لعلمه أن ذلك ليس من مصلحتك وإن كنت تراه أنت في مصلحتك فأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين أرحم بعباده من أنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم وإذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيرًا لهم فهو الذي يقوم بمصالحهم ومتى عرف العبد ذلك عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ فإنه لا يحزن إذا لم يقع المطلوب الذي استخار عليه، والاستشارة قبل الاستخارة، الاستشارة قبل الاستخارة، وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِسورة آل عمران159.
الاستخارات البدعية
عباد الله: لنحذر من الاستخارات البدعية بعض الناس يستخيرون بفتح المصحف فإذا وقع على آية عذاب امتنع، وإذا وقع على آية رحمة فعل، ومنهم الصوفية والمتأثرون بهم يذهبون إلى شيخ ليبيت لهم الاستخارة، الرسول ﷺ يقول: إذا هم أحدكم بالأمرهو الذي صاحب الشأن الذي يستخير صاحب الشأن هو الذي يستخير، ولكن لو كان الشأن متعلقًا بأكثر من شخص استشار الجميع كما تستخير الفتاة، ويستخير أبوها، وتستخير أمها، كلهم يتعلقون لهم تعلق بهذا الشأن، ويستخير الشريكان كل واحد منهما، ولكن الأصل أن صاحب الشأن هو الذي يستخير، ولا يذهب لشيخ يقول استخر لي وذلك الشيخ يزعم أنه سيستخير له، وأنه رأى له رؤية ونحن ذلك من الكلام، وفي النهاية ربما يأخذ على ذلك مالًا، لا استخارة بالمسبحة، ولا بالألوان، ولا الأصوات، ولا الأزمنة، ولا الأرقام، ولا بإتيان الكهان، وبعض الناس يأتون الكهان للاستخارة والعرافين، ونحو ذلك أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُسورة الشورى21.
هذه طائفة من المسائل المتعلقة بهذه العبادة العظيمة.
نسأل الله أن يختار لنا الخير دائمًا وأبدًا، وأن يوفقنا لمرضاته وأن لا يجعلنا من النادمين أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وأعلم العالمين ، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
فضل شهر شعبان
عباد الله: نحن في شهر عظيم وهو شهر شعبان سمي بذلك لتشعب العرب وتفرقهم طلبًا للمياه، أو للغارات، وهو قد شعب بين رجب ورمضان، قال عنه النبي ﷺ في الحديث الصحيح: شعبان بين رجب وشهر رمضان يغفل الناس عنه ترفع فيه أعمال العباد فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم[رواه النسائي2357]، وفي رواية عن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم[رواه النسائي2357] إذًا شهر عظيم ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين كان النبي ﷺ يصوم فيه ويكثر من الصيام، وتقول عائشة: "يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان"، فإذًا صيامه ﷺ تطوعًا في شعبان أكثر من غيره أكثر من رجب الذي بعض الناس يصومونه ويتركون صيام شعبان، أو الصيام في شعبان، فالإكثار من الصيام في شعبان سنة مستحبة تجبر نقص الفريضة، وهو مثل السنة القبلية للصلاة، وستة شوال مثل السنة البعدية، للصلاة نوافل تجبر نقص الفرائض، وهو كذلك تمرين وتهيأة للنفوس لتقبل على رمضان وقد استعدت وتمرنت على الصيام فلا تفاجأ به، وقد أمرنا النبي ﷺ بإحصاء هلال شعبان لرمضان لأجل رمضان نحصي هلال شعبان، وفي هذا الشهر العظيم ليلة هي ليلة النصف منه، قد وردت في بعض الأحاديث التي حسنها بعض أهل العلم أن الله يطلع فيها إلى خلقه فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد في حقدهم حتى يدعوه، وأنه يغفر إلا لمشرك أو مشاحن، فإلى أصحاب الشحناء والعداوة والبغضاء الذين لم يدخل بعضهم بيوت بعض، وهجر بعضهم بعضًا إن الله تعالى يدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه يعني حتى يتركوا الحقد، فعند ذلك يقبل الله عليهم فاصطلحوا، يا أيها المتشاحنون يا أصحاب القطيعة والعداوات قبل أن تأتي هذه الليلة، وليس لهذه الليلة فضيلة معينة في قيامها، ولا لنهارها فضيلة معينة في صيامه، ومن اعتقد ذلك أو فعله وقع في البدعة، ونحن نصوم الخامس عشر من شعبان من أيام البيض ولا نخص هذا اليوم بصيام، ولا ليله بقيام، وإنما نقوم فيها كما نقوم بغيرها من الليالي، واعلموا رحمكم الله أن النبي ﷺ كان يقضي النوافل التي فاتته في شعبان، وهذا من سبب كثرة صيامه فيه، وأن عائشة كانت تقضي ما فاتها من الفريضة بسبب الحيض أو غيره في شعبان قبل رمضان لشغلها بالنبي ﷺ فحثوا أهاليكم رحمكم الله على قضاء ما فات من رمضان الماضي قبل أن يدخل رمضان الجديد حثوهم على ذلك ومروهم به.
أيها الأخوة: إن العاقل لا يفوت الفاضل ويشتغل بالمفضول، وبعض الناس يفعلون ذلك، ويغفلون عن هذا الشهر العظيم، ولذلك كان بعض السلف يحيون أوقات الغفلة كما بين المغرب والعشاء، وأن الذي يعبد في أوقات الغفلة فإن أجر عبادته يتضاعف.
مضى رجب وما أحسنت فيه | وهذا شهر شعبان المبارك |
فيا من ضيع الأوقات جهلًا | برحمتها أفق واحذر بوارك |
فسوف تفارق اللذات قهرًا | ويخلي الموت كرهًا منك دارك |
تتدارك ما استطعت من الخطايا | بتوبة مخلص واجعل مدارك |
على طلب السلامة من جحيم | فخير ذوي الجرائم من تدارك |
حرمة مشاركة المشركين في أعيادهم
أيها الإخوة: وقفة أخرى، نفقها مع قرب أعياد المشركين الكريسمس وبداية السنة نقول: انتبهوا واحذروا من الوقوع في التهنئة بأعياد المشركين لا يجوز أن نشاركهم في أعيادهم، ولا أن نهنئهم بها مطلقًا، وهذه عندنا قضية عقيدة وليست قضية عادات وتقاليد، لا يجوز أن نشاركهم في أعيادهم لعدة أسباب:
أولًا: لأنه من التشبه والوعيد خطير من تشبه بقوم فهو منهم. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: "من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم وهو من أعياد الفرس الوثنيين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة".
ثانيًا: أن مشاركتهم نوع من مودتهم ومحبتهم والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء سورة المائدة51، لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ سورة الممتحنة1ومن المودة المباركات بالأعياد، وإرسال البطاقات، وتلقي التهاني، تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّسورة الممتحنة1.
ثالثًا: إن العيد قضية عقيدة وهي مسألة تمييز للأمم؛ لأن النبي ﷺ قال: لكل قوم عيد وهذا عيدنا[رواه البيهقي في الآداب256] أهل الإسلام، هذا عيدنا، وعيدهم يدل على عقيدة فاسدة شركية وكفرية ويفعلون فيه من الموبقات ما الله به عليم.
رابعًا: أن المفسرين قد فسروا قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ سورة الفرقان72 يعني أعياد المشركين وبناء على ذلك لا يجوز إهداءهم بطاقات الأعياد ولا بيعها لهم ولا يجوز بيعهم أي شيء من لوازم أعيادهم من الأنوار، أو الأشجار، أو المأكولات، لا الديك الرومي ولا غيره في هذه المناسبة، ولا الحلويات التي تصنع على هيئة العكاز مما يستعملونه أو غيره.
وقفة عتاب لبعض الشباب التائهين
ووقفة أخيرة في هذه الخطبة.
وقفة عتاب لبعض الشباب التائهين، لماذا يصر جمع من الشباب التائهين على تحويل أفراحهم الكروية إلى مناسبة للظلم والبغي والاعتداء؟ وإيذاء المؤمنين والمؤمنات، فيعتدون على ممتلكات الناس، يكسرون ويخربون، ويوقفون السيارات، ويروعون من فيها، ويسوقون في الشوارع كالمجانين، ويصيحون، ويزعقون، ويزعجون عباد الله تعالى، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا سورة الأحزاب58، وهؤلاء عقولهم فارغة كالكرة التي يجرون وراءها ولذلك تراهم بعينك يفعلون الأفاعيل، ويزيدون هموم رجال الشرطة، ويزيدون المهمات الملقاة على عواتق رجال الشرطة وهم لا يحتاجون إلى مزيد عناء، وتعب، فيكلفون رجال الأمن أشياء عجيبة، ولا شك أن هذه معصية، وما يفعل من التفحيط، أو غيره من إتلاف النعمة كفر بالنعمة، ولا شك أن فيه تعريضًا لأرواح الأبرياء للخطر حتى صار الذي ليس عنده أدنى اهتمام بهذه الرياضات يضطر معرفة جداول المباريات ليعرف متى ينزل إلى الشارع، وأي طريق يسلك حتى لا يتعرض للأذى، فنسأل الله تعالى أن يهدي هؤلاء الشباب، وأن يباعد بينهم وبين الضلال.
الحذر من كفران النعمة
عباد الله: إيّاكم وكفر النعمة وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ سورة النحل112. الجوع بنقص الطعام، والخوف بالحروب وغيرها، ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله، ربا على الودائع، أو تقرض بالزيادة، أو تدخل مشروعًا بالربا، أو تحول بيع الأقساط بالربا إلى غير البائع، يدخل بينك وبين البائع شركة تقسيط تمول العملية بزيادة، أو شرط جزائي في الفيزا، أو تبيع الذهب بالذهب مع الزيادة، أو تشترط على من تقرضه منفعة كل ذلك من أسباب انتقام الله تعالى، وانتقام الله عظيم وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌسورة هود102. والله تعالى ينتقم بالوباء، وبالغلاء، وبالخسف، والزلازل، والحروب، والفتن، والعذاب، والطوفان، وغير ذلك، فلا بدّ من العودة إلى الله، لا بدّ من العودة إلى الله.
أرى خلل الرماد وميض جمر | وأخشى أن يكون لها ضرام |
فإن النار بالعودين تذكى | وإن الحرب مبدأها كلام |
لا نحارب الله حتى لا يحاربنا
اللهم إنا نعوذ بك من ويلات الحروب، اللهم إنا نعوذ بك من شر الحروب، اللهم إنا نعوذ بك من الزنا، والربا، والوبا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ومن المأثم والمغرم، نعوذ بك من عذاب النار، وعذاب القبر، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ونعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر.
اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، والدين وقهر الرجال، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة الفقر، وفتنة الغنى، ومن فتنة المسيح الدجال، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.