الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الرجوع إلى الحق


عناصر المادة
الخطبة الأولى
شرف اتباع الحق
التفكر في الفرق بين الحق والباطل وعاقبتهما
البلاء لأهل الحق
إخلاص النية في العبادة
الخطبة الثانية
محاسبة النفس
أحوال المسلمين في كوسوفو

الخطبة الأولى

00:00:05

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب71.

أما بعد:

شرف اتباع الحق

00:00:47

فينبغي على كل مسلم أن يتفكر في نفسه، وأن يرى مواقع الخلل ليصلح من عيبه، ليسلم قلبه حتى يلاقي ربه بقلب سليم؛ لأنه لا ينفع يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم، يجب على المسلم أن يفكر في اتباع الحق، هل متبع الحق أم لا؟ إن هذه المسألة مسألة خطيرة أيها الإخوة، ينبغي أن نفكر في أنفسنا وأن نقوم لله تعالى، وأن نقوم لله متفكرين في اتباعنا للحق هل نحن نتبع الحق أم نتبع الهوى، ينبغي أن نفكر في شرف الحق، وضعة الباطل، وأن نتفكر في عظمة الله ، وأنه سبحانه اسمه الحق، وأنه يحب الحق، ويكره الباطل، وأن من اتبع الحق نال رضوان الله، فكان الله وليه في الدنيا والآخرة، يختار له الخير والأفضل والأنفع والأشرف والأرفع حتى يتوفاه راضياً مرضياً، فيرفعه إليه، ويقربه لديه، ويحله في جواره مكرماً منعماً في النعيم المقيم، والشرف الخالد، ومن أخلد إلى الباطل استحق سخط الله وغضبه وعقابه، فإذا جاء هذا المقيم على الباطل شيء من نعيم الدنيا فإنما ذلك لهوانه على الله، ليزيده بعداً عنه وليضاعف له عذاب الآخرة، الذي لا تبلغ مداه العقول، ولا تستطيع أن تتخيله.

التفكر في الفرق بين الحق والباطل وعاقبتهما

00:03:02

عباد الله: كثير منا يتبع الباطل ويترك الحق، لماذا؟ لعدم معرفته بمنزلة الحق، وحال الباطل، ولماذا؟ لأنه لا يتفكر في عذاب الذي يخالف الحق ويتبع الباطل، إننا كثيراً ما نغرق في أوحال نعيم الدنيا، لو فكرنا في نعيم الدنيا بالنسبة إلى رضوان الله ونعيم الآخرة ماذا يكون؟ ولو فكرنا في بؤس الدنيا بالنسبة إلى سخط الله وعذاب الآخرة ماذا يكون؟ قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۝ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ۝ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۝ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ ۝ وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ سورة الزخرف31-35. لولا أني كون الناس أمة واحدة لابتلى الله المؤمنين بأمور لم تجر بها العادة من الشدة الفقر والضر والخوف والحزن، ولأعطى كل كافر كل نعيم، ولجعل كل مسلم مؤمن في عذاب وشدة، لكن الله يعلم برحمته، وعلمه، وحكمته أن الناس لا يطيقون ذلك، ولربما كفروا، ولذلك جرت العادة بنعيم في الدنيا وعذاب هنا وهنا، ولكن الله يبتلي الصالحين على قدر دينهم، ولذلك ضاعف البلاء على الأنبياء، الذي يطيق ضاعف عليه ليجتبيه ويخلصه بما أصابه من آثام وأوزار وليرفع درجته، وليجعله عنده في المقام العال، ولذلك قال ﷺ: يبتلى المرء على قدر دينه، إن كان في دينه رقة خفف له في البلاء، وإن كان في دينه قوة ضوعف عليه البلاء[رواه أحمد1555، وصححه الالباني في صحيح الجامع الصغير992].

وقد جاء في الصحيحين من حديث كعب بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، الزرع اللين –الطري- تفيئها الرياح، تصرعها مرة وتعدلها مرة، حتى يأتي أجله، ومثل المنافق كمثل الأرزة المجدية التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة[رواه مسلم2810]. كالشجرة الصلبة القوية، شجرة الأرز التي لا تنكفئ ولا تنثني حتى يكون انقلاعها مرة واحدة.

ولكن لا يعني ذلك أنه ليس يبتلى الكفار ولا أنه لا ينعم المؤمنين، بل ينعم هؤلاء ويبتلى أولئك، ولكن البلاء في أهل الدين أكثر، كما أن التنعيم في أهل الشقاء والكفر أكثر، ليهذب المسلم، ويأنس المؤمن بالمتاعب والمصائب، ويتلقاها بالرضا والصبر والاحتساب راجياً أن تكون خيراً له عند ربه، ولا يتمنى ما للآخرين ليحسدهم، ولا يسكن إلى السلامة والنعم، بل لو جاءته يتلاقها بخوف وحذر، ويخشى أن تكون استدراجاً من الله، فترغب نفسه في تصريفها في سبيل الله، فلا يبخل ولا يركن إلى الراحة، ولا يعجب بما أوتيه ولا يستكبر ولا يغتر.

البلاء لأهل الحق

00:08:33

وقد قال ﷺ لما سئل: أين الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل[رواه أحمد1494، وصححه الالباني في صحيح الجامع992]. وقد ابتلى الله أيوب بما هو مشهور معروف في جسده، وابتلى يعقوب بمفقد ولديه، وشدد أثر ذلك على قلبه، فكان كما قصه الله في كتابه: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ سورة يوسف84. وابتلى محمداً ﷺ فكلفه أن يدعو قومه إلى ترك ما نشؤوا عليه تبعاً لآبائهم، ويصارحهم بذلك سراً وجهاراً، وليلاً ونهاراً، ويدور على نواديهم، مجتمعاتهم، استمر على ذلك ثلاث عشرة سنة وهم يؤذونه أشد الأذى، مع أنه كان قد عاش فيهم من قبل أربعين سنة لا يعرف أنه أؤذي، لقد كان من قبيلة شريفة ونسب محترم موقر، في بيت شريف نشأ على أخلاق احترمه لأجلها الناس، ووقروه، ولقبوه بالصادق الأمين، وكان في غاية الحياء، وعزة نفس، الذي يكون هذا حاله يشتد عليه أن يؤذى ولو بكلمه، وأن يقال عنه: ساحر، أو كذاب، أو مجنون، أو به جنة، أو شاعر، معلَّم علمه غيره، يشتد عليه غاية الشدة أن يؤذى، ويشق عليه غاية المشقة الإقدام على ما يعرضه للأذى، لكنه مع ذلك أقدم، مع ما لقيه من الأذى، هذا يسخر منه، وهذا يسبه، وهذا يبصق في وجهه، وهذا يضع رجليه على عنقه إذا سجد لربه، وهذا يضع سلى الجزور وأمعاءه على ظهره وهو ساجد، وهذا يأخذ بمجامع ثوبه ويخنقه، وهذا ينخس دابته حتى تلقيه، وأبو لهب عمه يتبعه ليؤذيه، ويحذر الناس منه في المجالس وهو ذاهب يدعو في مواسم الحج يقول: كذاب، مجنون، لا تصدقوه، وهؤلاء يغرون به الصبيان فيرجمونه حتى تسيل رجلاه دماً وهؤلاء يحاصرونه، وعشيرته مدة طويلة في شعب ليموتوا، وهؤلاء يعذبون أتباعه، فيضجعونهم على الرمال في شدة الرمضاء، يمنعونهم الماء، ومنهم من ألقي على أسياخ الحديد لم يطفئها إلا شحم ظهره لما سال عليها، ومنهم امرأة عذبوها لترجع عن دينها فلما يئسوا منها طعنها أحدهم بالحربة في مكان عفتها فقتلها، كل ذلك لا لشيء إلا أنهم يدعون إلى الله ، وليخرجون هؤلاء الذين يعذبونهم من الظلمات إلى النور، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن سخط الله إلى رضوانه، ومن الباطل إلى الحق، ومن عذاب الله إلى نعيمه، ومع ذلك كان هذا هو ما لقوا.

ابتلى الله نبيه ﷺ بأن قبض أبويه صغيراً ثم جده، ثم عمه الذي كان يحامي عنه، ثم امرأته التي كانت تؤنسه وتخفف عنه، ولم يزل البلاء يتعاهده ﷺ فتدبر يا عبد الله، يا أخي المسلم، تدبر كل هذا بماذا تخرج، وأي شيء تستنتج، نخرج بأن ما نتنافس عليه من نعيم الدنيا ونتهالك فيه ليس بشيء إذا ما قورن برضوان الله، والنعيم الدائم في جواره؛ لأن معنى ذلك لما حرمه الله ناساً من الدنيا، وابتلاهم فيها، وهم أولياؤه وأصفياؤه، يعني أن هذا الابتلاء ليس بشيء بجانب ما أعد لهم فوق، ونخرج أيضاً بأن ما نفر به من بؤس الدنيا ومكارهها ليس بشيء بجانب سخط الله وعذابه في الآخرة، وأن الفقر والدين والمرض والوجع والألم وابتلاء الناس، وإيذائهم، ليس بشيء بجانب عذاب الله في الآخرة؛ ولذلك قال ﷺ: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة – واحدة – ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط، هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، غمسه واحدة في النار أنسته كل نعيم في الدنيا مر عليه، وكل حلاوة ذاقها، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط، هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط[رواه مسلم2807]. إن غمسة واحدة في النعيم قد أنسته كل ما مر به في سني حياته في الدنيا من أنواع البلاء.

وعلى العبد أن يفكر في أعماله من الطاعة والمعصية، فالمؤمن يأتي الطاعة راغباً نشيطاً لا يريد إلا وجه الله والدار الآخرة، فإذا عرضت له رغبة في الدنيا فإلى الله تعالى فيما يرجو معونته على السعي للآخرة، فإن كان ولا بد أن يخرج بشيء من الدنيا كان ذلك بما لا يشغله عن الدار الآخرة، يباشر الطاعة خاشعاً خاضعاً، مستحضراً أن الله يراه؛ ولذلك فهو يأتي بها على الوجه الذي شرعه الله، وقد قال الله: يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ سورة المؤمنون60. فإذا تصدق صدقة خاف على نفس من الرياء، وإذا قام الليل خاف على نفسه من العجب، وإذا فعل الطاعات تعلم ودعا خاف على نفسه من الرياء، وأن يكون ذلك لأجل الخلق، فينقي نيته ويصحح قصده باستمرار، هذا حال المؤمن، يصحح قصده باستمرار، ينقي نيته دائماً، لا يزال ينقي نيته؛ لأنه يعلم أن الله لا يقبل العمل بلا نية صالحة، وإذا أخذ من نعيم الدنيا شيئاً فإنما هو لكسر شهوة لا بد من كسرها، كشهوة الجوع وشهوة النكاح، يكسرها بالمباح، وكذلك تتقوى نفسه على العبادة، يصحح النية في العبادة، يصحح النية لكي لا تكون لأجل الناس، ولا يأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يعينه على استمرار للدار الآخرة، يجاهد نفسه ضد الشبهات والوساوس، مستعيناً بطاعة الله، واقفاً عند حدوده، مبتهلاً إلى الله أن يثبت قلبه ويقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

إخلاص النية في العبادة

00:16:57

والعبد يحذر أن تكون عبادته عادة، يحاذر ويسعى أن لا تنقلب العبادة إلى عادة، وبعض الناس يصوم ليصح، ويصلي التراويح لينهضم طعامه، ويصلي عادةً وليس عبادةً، فيكون كالذي اعتاد العبث بلحيته، يجد نفسه تنازعه إلى ذلك، حتى لو كف عن ذلك منع منه وشق عليه، وبعض الناس يقومون للصلاة لكن عن عادة تعودها، لا احتساباً للأجر ولا ازدياداً في الخضوع، كالذي يأتي الجمعة ليتفرج على الناس ويلقى أصحابه ويقف على أخبارهم، دون أن يكون له حظ في زيادة إيمان أو احتساب للأجر فيمن خرج ومشى وبكَّر وابتكر، ولم يؤذ، واقترب.

وبعض الناس يفعلون العبادات مراءاة لينالوا المدح والثناء، وليعظم جاههم عند الخلق، وبعضهن ربما خرجت للصلاة لتلفت أنظار الرجال، كمن تخرج متزينة متعطرة ليراها الرجال، وكبعض الذين يدعون صلاحاً ليعظمهم الخلق ويشتهر ذكرهم، وكالرئيس الذي يريد أن يتطاول الناس إلى رؤيته، ويتزاحموا وترتفع أصواتهم بمدحه وغير ذلك.

والمؤمن وإن خلصت نيته في نفس الأمر لا يستطيع إلا أن يكمل المشوار عامداً إلى طاعة الله ، ثم يخاف أن لا تقبل الطاعة، يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌسورة المؤمنون60.يخشى أن الله لا يقبل منه، ويجتهد في تصحيح العمل، فيعلم أن للصلاة مثلاً شروطاً وأركاناً وواجبات، فيراعي أن يأتي بها على الوجه المطلوب، ويعلم أن روح الصلاة في الخشوع فيحضر نفسه، ويكون حاضر القلب والذهن وهو يقرأ آيات الله في الصلاة، ويتلو الأذكار التي كان النبي ﷺ يأتي بها، هذه حال المؤمن في الطاعات، فما عسى أن تكون حاله في المعاصي، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَان هؤلاء المتقون لكن يقعون في الخطأ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فوراً تذكروافَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ۝ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ سورة الأعراف201-202. فالمؤمن يتصارع إيمانه وهواه، قد يرتبط به الشيطان فيغفله عن قوة إيمانه، فلا تصفو له لذة، ثم لا يكاد جنبه يقع على الأرض حتى يتذكر، فيستعيد قوة إيمانه، فيثب يعض أنامله أسفاً وحزناً على غفلته التي أعان بها عدوه على نفسه، وكيف سمح للشيطان أن يجري ولو بفكره وراء وساوس الشيطان.

أما إخوان الشياطين فتمدهم الشياطين في الغي فيمتدون منه، ويمنون أنفسهم الأماني من الغرور الذي غرهم فتجد العاصي يقول: الله كتب المعصية علي، ولو شاء لما فعل، فيجعل الله، يتهم الله بأنه هو الذي أوقعه في المعصية راضياً عنها، والله قد كتب الطاعات والمعاصي ولا شك، ولكن الله لا يرضى من عباده الكفر، لا يرضى لهم الكفر، وأعطاهم الإرادة وأعذر وأنذر وأنزل الكتب وأرسل الرسل، وبعض العصاة يقول: هذه المسألة اختلف فيها العلماء، هناك من يحللها، وقد يكون كلامه صحيحاً. وبعض العصاة يقول: لقد اختلف في كونها كبيرة، لعلها صغيرة، والصغيرة أمرها هين، والجمعة إلى الجمعة كفارة، ورمضان إلى رمضان كفارة، وسنحج في آخر الأمر.

أو يقول العاصي: لي حسنات كثيرة تغمر هذا الذنب، ألست أصلي؟ ألست أزكي؟ ألست أصوم؟ ألم  أتصدق؟ ألست أبر الوالدين؟ وهكذا، ثم يقول أيضاً: لعل الله يغفر لي، أليس واسع المغفرة، أليس رحيماً بعباده، لعله تنالني شفاعة، أليسوا يقولون: إن شفاعة النبي ﷺعظيمة، أو يقول: غداً أتوب، وإذا تقدم بي العمر سأحج تلك الحجة التي تمحو جميع ما علي، ثم أقبل على حالي ونفسي وأصلح ما أفسدت، وهذه فترة شهوة وقوة، وغلبة نفس. وأحسنهم من يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، ويرى أنه قد تاب وقبلت توبته، ومحي ذنبه. قال الله تعالى: وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ۝ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ۝ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ۝ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ۝ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ سورة النساء119-123. قال عدد من العلماء والسلف: "أن هذه أخوف آية في كتاب الله"مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، خذ هذه مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًاسورة النساء123-124.

ولذلك قال ابن مسعود : "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به: هكذا".

كذبابة وقعت على أنفه فحرك يده وهش الذبابة فطارت وانتهى كل شيء، هذا الفرق بين الإحساس بالمعصية من جهة المؤمن، ومن جهة الفاسق.

نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يهلمنا رشدنا، وأن يعيذنا من الشيطان وشِرِكِه وشَرَكِِهِ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وافسحوا لإخوانكم يفسح الله لكم.

الخطبة الثانية

00:25:28

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

محاسبة النفس

00:25:49

عباد الله: ينبغي أن نفكر في حال أنفسنا مع الهوى، إلى أي شيء نميل، هل صار ميلنا إلى طاعة الله أم إلى معصية الله، إذا كان الميل إلى المعاصي يعني أن النفس بحاجة إلى إصلاح، نفكر في حال أنفسنا مع الهوى من جهة الميل عندما نتدخل لفض نزاع أو حكم بين اثنين، لو جاء إليك اثنان يختصمان، أحدهما قريب والآخر بعيد، فإلى من تميل؟ إلى القريب أم إلى صاحب الحق، لو جاءك اثنان أحدهما تحبه والآخر لا تعرفه، أو بينك وبينه نفرة بسبب دنيوي، فهل تميل مع من تحب، أو تميل مع من معه الحق؟ لو أن شخصاً سب النبي ﷺ وآخر سب داود وآخر سب عمر وآخر سبك وسب أباك، فمن الذي تعادي أكثر، وكيف ترتبهم في العداوة؟ بعض الناس يثور إذا سبه أحد، ولو سمع أن أحداً سب النبي ﷺأو أن كاتباً قد اتهم الدين أو سب الدين، أو سب الرب، أو سب النبي ﷺ، أو سب أولياء الله الصالحين ربما لا يتحرك فيه شيء أبداً، لكن لو أن أحداً سبه هو شخصياً لثارت منه كل ثائرة، لو سمعت قول عالمين في مسألة أحدهما يقول: هي حلال، والآخر يقول: هي حرام، هل تميل نفسك إلى من يحللها أو تميل نفسك إلى اتباع الحق والدليل مع أي واحد منهما كان؟

إذا سألت عالماً، أو اطلعت على فتوى بتحريم شيء هل ترضخ أو أنك تقول: لا بد أن أسأل شخصاً آخر، وتجلس تتبع المفتين لتصل إلى بغيتك، إلى شخص يقول: إنها حلال، ما هو الموقف؟ ما هو الموقف لو وقفنا مع أنفسنا حقاً ما هو الموقف؟ هنا يتبين أيها الإخوة من الذي يتبع الحق ممن يتبع الهوى، وهل يرضى عاقل لنفسه أن يشتري لذة اتباع هواه بفوات رضا رب العالمين، والحرمان من الزلفى عنده والقرب منه والنعيم العظيم في جواره، إذا كان كلٌ منا يتجرد لله تعالى فلا يتبع الهوى فليبشر برضوان الله، وإن كان يميل إلى المعاصي والهوى فليصحح نفسه قبل أن يبغته الموت فيقول: رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍقليل أريد ساعة فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَسورة المنافقون10ولكن هيهات هيهات إذا نزل الموت، إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُسورة نوح4. وكما قال الرجل الصالح لنفسه: تصوري أن الموت نزل بك الآن ماذا كنت تتمنين؟ فقالت: كنت أتمنى أن أؤخر، وأن أمهل، قال: فأنت الآن في المهلة فاعملي.

اللهم إنا نسألك أن تعيننا على أنفسنا، وأن تقينا شر أنفسنا، اللهم اجعلنا ممن يخافك، ويتقيك يا رب العالمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم انصر الإسلام وأهله يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المجاهدين، اللهم ارفع الضر عن المسلمين، اللهم إن في إخواننا المسلمين من البلاء ما لا يعلمه إلا أنت فاكشف عنهم الضر يا رب العالمين، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم عراة فاكسهم، وإنهم حفاة فاحملهم.

أحوال المسلمين في كوسوفو

00:30:35

أنتم تسمعون أيها الإخوة ماذا يحل بإخواننا في كوسوفو، تعلمون وتسمعون، وتأتي الأخبار بما يلاقيه إخواننا هناك، عشرات الآلاف قد شردوا من بلدانهم، وزرعت الحدود مع ألبانيا بالألغام، حتى تنفجر بالنساء والأطفال وهم يعبرونها هاربين شاردين، لا يلوون على شيء، يؤخذ الرجال للقتل، والنساء للاغتصاب، والأطفال ليمثل بهم، أوراخفتسا آخر الضحايا في الأيام الأربعة القادمة، تلك البلدة المسلمة، سكانها عشرون ألفاً، 80% من بيوتها قد هدمت دكاً بالمدافع الصربية، ومئات القتلى في الشوارع، ورائحة النتن تنبعث من الجثث، ويقول شهود العيان: إنها رفعت بالجرافات، بالجرافات ترفع الجثث، جثث المسلمين، وهاجر العشرون ألفاً إلى قرية مجاورة تبعد عشرة أميال لينبطحوا هناك على الأرض لا طعام، ولا شراب، مياه للشرب غير متوفرة، رعاية صحية لا توجد، ضمادات للجروح غير موجودة ومفقودة، لا منازل ولا مأوى ولا مسكن، الآن هؤلاء الآن على الأرض مشردين، مرشدين الآن في هذه اللحظات ونحن نقف الآن في المكيفات، نقعد تحت الظل، وأولئك يقعدون في العراء، أخذ الرجال من البيوت وقتلوا في الشوارع إعداماً رمياً بالرصاص، وخطفت حافلتان من حافلات اللاجئين قبل ساعات أعدم من فيها، وآخرون أخذوا إلى جهات مجهولة، واشتركت عصابات النمور الصربية التي كانت تعمل المذابح في البوسنة في إخواننا الآن في كوسوفو، مصممين على إنهاء الوجود الإسلامي، وإذا لم يكن أخذوا نصف ديارهم فضموها إلى صربيا، وتركوهم محاصرين في النصف الثاني.

اللهم إنا نسألك أن تنجي المستضعفين من المؤمنين، أللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم طريدون فآوهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، اللهم إنهم مقهورون فأعزهم، إنك أنت العزيز الحكيم، اللهم أنت الجبار ملك السماوات والأرض، أنت على كل شيء قدير، أنزل بالصرب والنصارى واليهود بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، واجعل بأسهم بينهم، واجعل دائرة السوء عليهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم تضرعنا إليك، واستغثنا بك، ورجوناك ودعوناك، اللهم فلا تخيب رجاءنا، وانصر في هذا الموقف إخواننا، ورد في هذا المقام كيد أعدائنا، اللهم رد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، واجمع كلمتهم على التقوى والتوحيد، اللهم ألف بين قلوبهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أيقظ في قلوب المسلمين الحمية لقتال اليهود والنصارى، واجعل في قلوبهم الحمية لإخراج أولئك مما أخرجونا يا رب العالمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه أحمد1555، وصححه الالباني في صحيح الجامع الصغير992
2 - رواه مسلم2810
3 - رواه أحمد1494، وصححه الالباني في صحيح الجامع992
4 - رواه مسلم2807