الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 11 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الحياء


عناصر المادة
الخطبة الأولى
عندما يُفقد الحياء
قصة بنت شعيب مع نبي الله موسى
الحياء من الإيمان
صور من حياء الصحابة والصحابيات
حثُّ النبي ﷺ أمته على الحياء
الخطبة الثانية
الحياء لا يأتي إلا بخير
الفرق بين الحياء والخجل
لايجوز الحياء في طلب العلم
أمور ليست من الحياء

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عندما يُفقد الحياء

00:01:23

لماذا تحسر عدد من النساء الحجاب عن وجوههن وشعورهن؟

ولماذا يلبسن الثياب الضيقة والشفافة؟

لماذا تنطلق الكلمات البذيئة من ألسنة الكثيرين، وتنهال الألفاظ التي تخدش الحياء في المجالس والأماكن العامة، وتسمع هذا البذا في قارعة الطريق والمحلات؟

لماذا يعامل بعض الذين يستلفون النقود من يستلفون منهم بصلافة ووقاحة، ويرفضون رد الدين، أو يجعلونهم يجرون وراءهم كالشحاذين، مع أنهم أصحاب الحق؟

ولماذا يقع الاختلاط بين الرجال والنساء ويمضي بشكل طبيعي حتى يحادث الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية كأنه محرم لها؟

لماذا تنتشر المعاكسات الهاتفية، وخروج المرأة مع الرجل الأجنبي في سيارة أو مكان في خلوة ونحوه؟

لماذا يحسر اللاعبون عن أفخاذهم؟ ولا يتحفظ الناس من ستر عوراتهم؟

لماذا، ولماذا، من سائر هذه المشاهد والأفعال المتكررة، السبب أيها الإخوان فقدان خلق عظيم من أخلاق الإسلام ألا وهو خلق الحياء، هذا الحياء الذي يبعث على فعل كل جميل، ويمنع من فعل كل قبيح، هذا الحياء قد زال وانعدم من نفوس الكثيرين، وقل وخف واضمحل من نفوس آخرين؛ ولذلك تجد انتشار المعاصي والإجهار بها، وخصوصاً عند من ينبغي أن تكون محتمشة متسترة، وعند البشر كلهم، فقدان الحياء أدى إلى المآسي، حتى ظهرت شواطئ العراة وأنديتهم، وصارت الأفلام الإباحية تعرض وتصور بسبب فقدان الحياء، لم يعد هناك حياء.

هذا الخلق الإسلامي الأصيل الذي نفتقده اليوم في نفوس كثير من المسلمين، فما عادوا يتورعون عن أمور كثيرة.

حياء الإنسان منه ما هو فطري، ومنه ما هو مكتسب، هذا الحياء غريزة خلقها الله في قلب الأبوين آدم وحواء؛ ولذلك لما عصياه أكلا من الشجرة، وظهر أثر المعصية بانكشاف العورة سارع إلى ستر عوراتهما بأوراق الشجر، بمجرد أن بدت لهما سوآتهما وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِسورة الأعراف22. فاستحيا آدم وزوجه لما ظهرت العورة وأرادا بسرعة أن يسترا العورة بورق الجنة، مسارعين إلى ذلك، من خلق الحياء الذي خلقه الله فيهما، وهذا هو الأصل في البشر سلامة الفطرة، كل مولود يولد على الفطرة [رواه البخاري1385]. كل مولود يولد وحياؤه معه، ولكن يفسد الولد، يفسد حياؤه من هذه التربية.

إنهم يلبسون البنات من صغرهن ملابس فاضحة، وتنشأ البنات على هذه الملابس الفاضحة، تكبر البنت وهي لا تزال تلبس هذه الملابس أمام إخوانها في البيت، وأمام الجيران والزوار، وتفقد البنت شيئاً من حيائها، أو حياءها تدريجياً، والسبب التربية الفاسدة.

قصة بنت شعيب مع نبي الله موسى

00:06:30

لقد ذكر الله في كتابه قصة المرأة التي تربت تربية صالحة هي وأختها كانتا ترعيان الغنم؛ لأن أباهما لا يستطيع العمل، فالمرأة لا تخرج للعمل إلا للحاجة، هذا هو الأصل، الأصل وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ سورة الأحزاب33. أما الخروج للعمل للحاجة يبينه قوله تعالى: لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌسورة القصص23. لا يستطيع العمل، فلذلك اضطررنا وخرجنا، لما سقى موسى ورجعت المرأتان أخبرتا الأب، أراد أن يكافئه، لا يستطيع المجيء إليه، أرسل البنت، فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءسورة القصص25. هكذا قال الله، قال السلف: ليس بسلفعٍ من النساء خراجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياءً، هكذا، وضعت كم درعها على وجهها استحياءً تغطيه، بل إن تغطية الوجه من الجاهلية، بعض نساء الجاهلية كما كانت امرأة النعمان الرجل الجاهلي، هذه المرأة الجاهلية كانت تمشي ساترة وجهها، فوقع هذا الغطاء دون تقصد، وكانت بحضرة رجال، فقال النابغة من فورة وتوه:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه .........................

لما سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

......................... بادرته واتقنا باليد

فغطت وجهها بيد وسارعت لأخذ الخمار باليد الأخرى، الله فطر النساء على الحياء، لكن الوضع الحالي للنساء أفسد الكثيرات؛ ولذلك تخرج، خراجة ولاجة لا حياء ولا حشمة، ولا حجاب، تقارع الرجال في الأسواق، وتنازل الباعة في الأسعار، وهكذا، وتضحك ملأ شذقيها أمام الأجانب، وهذه أسواقنا شاهدة على قلة الحياء في هذا الزمان، وقد بلغ من تقدير الإسلام لخلق الحياء أنه بنيت عليه أحكام فمن ذلك: ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: سألت رسول الله ﷺ عن الجارية ينكحها أهلها، أتستأمر أم لا؟ البنت إذا أرادت أن تزوج، إذا أريد تزويجها أتستأذن أم لا؟ يؤخذ رأيها أم لا؟ فقال لها: نعم تستأمر قلت له: إنها تستحي، إذا سألها القاضي أو المأذون أنت موافقة، البكر تستحي، هذا هو الأصل، فقال النبي ﷺ: فذلك إذنها – إذاً – إذا هي سكتت، إذنها صماتها[رواه مسلم بمعناه1420]. هكذا يعرف إذن البكر إذا استئذنت بصمتها، فإذا صمتت يعني أنها موافقة.

الحياء من الإيمان

00:10:06

وقال النبي ﷺ: الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر[رواه البخاري في الادب المفرد1313، وصححه الالباني صحيح الجامع الصغير1603]. هذا شأن الحياء وهو شعبة من الإيمان، والله حيي ستير، كما قال النبي ﷺ: إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر[رواه أحمد17970، وابو داود4012 وصححه الالباني في صحيح الجامع1751]. رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح.

وقال النبي ﷺ: إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين[رواه الترمذي3556، وصححه الالباني في صحيح الجامع1757]. والعبد عليه أن يتشبه بتلك الأفعال التي أمر الله العباد بأخذها، فعليه أن يستحي، هذا الحياء من الأشياء التي بقيت من النبوة الأولى، قال النبي ﷺ: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت[رواه البخاري3483]. النبوات السابقة حصل لها تحريف وتغيير وتبديل، لكن بقيت هناك عبارة صحيحة، وصلت إلى هذه الأمة بدون تغيير ولا تبديل ولا تحريف، وهي: إذا لم تستح فاصنع ما شئت والمقصود تهديد ووعيد للذي لا يستحي فليفعل ما يشاء فالله سيجازيه، كما قال الله: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْسورة فصلت40. ستجدون هذه الأعمال يوم القيامة، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ۝ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وكذلك هذا تهديد أيضاً من جهة أنه قال له: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، فإنه إذا سقط الحياء فالنتيجة أنه يفعل ما يشاء ويعاقبه الله بعد ذلك.

إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء

أنبياء الله كانوا يستحيون، يستحون غاية الحياء، وهذا موسى ﷺ كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيء استحياءً منه، لا يرى من جلده شيء، يستر جلده استحياءً، والنبي ﷺ كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، هل تعرفون العذراء إذا كانت في جوف البيت التي ليس لها سابق عهد بالرجال ولا تختلط بالأجانب، ولم يسبق لها زواج كيف يكون حياؤها، لو دخل عليها رجل أجنبي في مخدعها كيف يكون حياؤها؟ كان النبي ﷺ أشد حياءً من العذراء في خدرها لو دخل عليها أجنبي، وتجلى هذا في مواقف منه ﷺ، فإنه لما صعد إلى ربه في حادثة المعراج المعروفة والمشهورة، فرض الله عليه خمسين صلاة، والنبي ﷺ، والنبي ﷺ يتردد بين موسى وبين ربه سائلاً التخفيف، حتى وصلت إلى خمس صلوات، فقال موسى للنبي ﷺ: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فقال النبي ﷺ: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم[رواه البخاري349، ومسلم162]. النبي ﷺ كان من حيائه أنه لا يصرح بالألفاظ التي فيها بشاعة أو شناعة أو تخدش الحياء أو تكرهها النفوس وتنفر منها، فكان يستخدم الكناية، وكان يعرض في كلامه بل إنه ﷺ في أحيان كثيرة كان لا يتكلم بكلمه، ولكن يعرف في وجهه من حيائه ﷺ، ولذلك يقول الصحابي أبو سعيد : فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه، وجهه يبدي ذلك، صفحة وجهه تنبؤ عما يكرهه ﷺ؛ ولذلك لما جاءت امرأة تريد منه أن يعلمها كيف تغتسل، فقال النبي ﷺ، علمها، ثم قال: تأخذ فرصة من مسك فتطهر بها، قطعة من القطن ونحو ذلك فيها طيب من المسك وغيره تنظف بها مكان خروج الحيض لأجل الزوج، وإزالة الرائحة، فقالت المرأة: كيف أتطهر بها؟ لم تفهم المقصود، قال: تطهري بها، سبحان الله[رواه مسلم332]. واستتر بيده على وجهه، هنا تدخلت عائشة أم المؤمنين، قالت: واجتذبتها وعرَّفت مراد النبي ﷺ، فقلت: تتبعي بها أثر الدم، أثر الدم الموجود والباقي تتبعيه، فأزيليه بهذه الفرصة الممسكة. هذا هو نبينا ﷺ، هذا هو نبينا الذي لما تزوج وجاء الناس إلى بيته فطعموا طعام الوليمة، لما جاؤوا إلى بيته ﷺ أراد ﷺ بعد ذلك أن يخلو بأهله، لكن هؤلاء لم يخرجوا فخرج النبي ﷺ، ثم عاد إلى البيت رجاء أن يكونوا قد خرجوا، من حيائه ما قال لهم: اخرجوا، فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون، وكان النبي ﷺ شديد الحياء، فخرج منطلقاً نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أو أخبر أن القوم خرجوا، فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة وأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب، فاستحى ﷺ أن يطرهم أو يقول لهم: اخرجوا، هكذا كان ﷺ.

هذا هو النبي وهذا هو الدين، قال النبي ﷺ: إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء[رواه ابن حبان4181، وحسنه الالباني في صحيح الجامع2149]. وبنته ﷺ، تربيته هكذا كانت، عن أنس : أن رسول الله ﷺ أتى فاطمة بعبد قد وهب لها، وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب، إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي ﷺ ما تلقى قال: إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك [رواه أبو داود4106، وصححه الباني في إرواء الغليل1799].

صور من حياء الصحابة والصحابيات

00:18:39

وهكذا كانت الصحابيات رضوان الله تعالى عنهن، لما عرض النبي ﷺ البيعة بيعة النساء تلا الآية عليهن، وفيهن فاطمة بنت عتبة، فأخذ عليها العهد أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا كما في الآية، وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَسورة الممتحنة12. لما بلغ وَلَا يَزْنِينَ، وضعت يدها على رأسها حياءً، وفي رواية قالت: أوتزني الحرة؟ عجيب، أوتزني الحرة، هذا الزنا معروف عند الإماء، أوتزني الحرة؟ فنهرتها عائشة وطلبت منها أن تبايع، وقالت: هكذا بايعنا، بايعي على ما بايعنا عليه.

وعثمان رضي الله تعالى عنه أشد الأمة حياءً بعد النبي ﷺ، ولذلك قال: الحياء من الإيمان، وأحيى أمتي عثمان[رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق7853، وصححه الالباني في صحيح الجامع3198]. أشدها حياءً عثمان رضي الله تعالى عنه، أمير البررة، وقتيل الفجرة، ذو النورين عثمان ، قال ﷺ: ألا أستحي من رجل إن الملائكة لتستحي منه[رواه مسلم2401]والله إن الملائكة لتستحي منه[رواه إسحاق ابن راهوية1018، وصححه الالباني في السلسة الصحيحة1018]. من عثمان.

وكذلك كان إذا اغتسل ، يكون في البيت، والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يغتسل بثوبه، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه.

وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم تجاذب وحنى ظهره حتى يأخذ ثوبه، يمشي منحني الظهر حتى يأخذ ثوبه، مع أنه ليس حوله أحد، ولا ينتصب قائماً حياءً.

وعن أنس كان أبو موسى الأشعري إذا نام لبس ثياباً عند النوم، مخافة أن تنكشف عورته. هكذا كان الصحابة.

جاء أحدهم إلى مجلس ممتلئ، واحد وجد فرجة والثاني هذا جلس خلفهم استحيا فاستحيا الله منه.

حثُّ النبي ﷺ أمته على الحياء

00:20:58

وعلمنا النبي ﷺ معنى الحياء، فقال ﷺ: استحيوا من الله تعالى حق الحياء، من استحيا من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، ماذا يوجد في الرأس يا عباد الله؟ اللسان، الفم، العينين، والأذنين، احفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى يعني: احفظ بطنك من المال الحرام، الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى من هذه الأعضاء المجاورة له، والواقعة فيه، واحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء[رواه البيهقي836، وحسنه الالباني في صحيح الجامع930]. حديث حسن، هكذا علمنا ﷺ، وقرب لنا الفكرة، كيف نستحي من الله؟ فقال ﷺ لرجل استوصاه، قال له وصية، أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك[رواه الطبراني في المعجم الكبير5539، وصححه الالباني في صحيح الجامع2541]. هذا للتقريب، كيف تستحي من الرجل الصالح من قومك؟ ينبغي أن تستحي من الله أكثر من هذا.

فنسأل الله أن يرزقنا الحياء، وأن يباعد بيننا وبين الفحش والبذاء، وأن يرزقنا التقوى والتقى، والعفاف والغنى، إنه سميع مجيب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

00:22:48

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشكره وأحمده، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد النبي الأمي، البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه أجمعين.

الحياء لا يأتي إلا بخير

00:23:11

أيها المسلمون: الحياء لا يأتي إلا بخير، الحياء لا يأتي إلا بخير[رواه البخاري6117، ومسلم37]. هذه العبارة التي قالها النبي ﷺ لتوضح ماذا ينطوي عليه هذا الخلق، وماذا يتأتى منه، لقد قالها رجل من الصحابة راوياً هذا الحديث عن النبي ﷺ، فقال واحد من السامعين، وهو بُشير بن كعب: مكتوب في الحكمة: إن منه وقاراً ومنه سكينة. يقول الرجل هذا: وجدنا في بعض الصحف عن الأديان السابقة أن منه وقاراً ومنه سكينة، كأنه يقال: من الحياء ما هو وقار، ومنه ما هو ضعف ومهانة وذل، فقال عمران غاضباً: أحدثك عن رسول الله ﷺ وتحدثني عن صحفك، يعني تباً لك على هذا الخلق وعلى هذا القول، أقول لك: قال رسول الله ﷺ: الحياء لا يأتي إلا بخير[رواه البخاري6117، ومسلم37]. وأنت تقول: الحياء قسمان، والحياء منه كذا، ومنه كذا، لا أحدثك سائر اليوم، حتى تشفع له الناس، فرضي بأن يحدثه.

وقد مر النبي ﷺ على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنك لتستحي حتى كأنه يقول: قد أضر بك، واحد يعاتب أخاه يقول: أنت دائماً تستحي، هذا الحياء منعك من أخذ حقوقك، هذا الحياء ألحق الضرر بك، هذا الحياء، وجعل كأنه يقرعه على استحيائه الدائم والشديد، فقال النبي ﷺ لما مر بهما، قال: دعه، فإن الحياء من الإيمان[رواه البخاري24]. فلا تثريب عليه أنه يستحي، وليس عيباً أنه يستحي، الحياء لا يأتي إلا بخير [رواه البخاري6117، ومسلم37]. هذا هو الحياء.

الفرق بين الحياء والخجل

00:25:34

وينبغي هنا أن نعلم الفرق بين الخجل والحياء، الحياء خلق جميل يبعث على فعل المحمود وترك المذموم، فهو خير كله، لكن إذا كان شيء يؤدي إلى ترك تعلم الدين والأحكام الفقهية التي يحتاج إليها الإنسان، أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا مر به الإنسان فهذا لا يسمى حياءً، هذا خجل مذموم، ولذلك قال العلماء: على هذا يحمل عبارة من قال: لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر. فليس هذا موضع الحياء، أن تحتاج إلى معرفة جواب في مسألة شرعية فتستحي، هذا ليس حياءً شرعياً.

لايجوز الحياء في طلب العلم

00:26:30

عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى قال لعائشة: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي منك، فقالت: سل ولا تستحي، فإنما أنا أمك؛ لأنها أم المؤمنين، فسألها عن رجل يغشى ولا ينزل، الرجل يجامع أهله ويطأ لكن من غير إنزال، يعني هل عليه غسل أم لا؟ فقالت: عن النبي ﷺ: إذا أصاب الختان الختان فقد وجب الغسل[رواه أحمد24656]. إذاً إذا أولج ووطئ ومس الختان الختان فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل، فبينت له.

وقالت عائشة رضي الله عنها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"، لكن الإنسان أحياناً لا يستطيع المواجهة؛ لظرف وسبب، فلا يسكت على جهله وإنما يوكل غيره بالسؤال، كما فعل علي ، قال: كنت رجلاً مذاءً - يعني كثير المذي - فأمرت المقداد أن يسأل النبي ﷺ، كان يغتسل ، من المذي يغتسل، حتى تشقق ظهره؛ من شدة البرد وهو يغتسل، فقال ﷺ لما سأله المقداد، المقداد سأل لعلي، بالنيابة، فقال: فيه الوضوء[رواه البخاري132]. المذي فيه الوضوء، يغسل ذكره وأنثييه، ويزيل ما أصاب الثياب منه، ويتوضأ، هذا هو حكمه في المذي.

لماذا استحيا علي من السؤال المباشر؟ قال علي في الرواية: "كنت رجلاً مذاءً فأمرت رجلاً أن يسأل النبي ﷺ؛ لمكان ابنته مني؛ لأن بنت العالم تحته، عنده فاطمة، يستحي أن يقول: إنني امرؤ مذاءً، من عنده؟ بنت النبي ﷺ؛ لذلك استحيا أن يسأل، لكن هل سكت على جهل؟ كلا، وإنما طلب من غيره أن يسأل له، وهكذا وقع وأخذ الجواب.

وكذلك -أيها الإخوة-: في النهي عن المنكر، إذا رأيت منكر أمامك، كثير من الناس لا ينكر المنكر، ويقول: استحييت، ما استطعت أن أتكلم، هذا ليس بحياء، هذا خجل مذموم، هذا ذل ومهانة، هذا ضعف وعجز، هذا يلام عليه، ويؤاخذ به، الله أحق أن يستحيا منه، ينبغي إذاً أن تجهر بالإنكار وتعلن الإنكار وهكذا كان الأئمة وأهل العلم.

قال ابن مهدي رحمه الله عن سفيان الثوري: "ما كنت أقدر أن أنظر إلى سفيان استحياءً وهيبة منه، ومع ذلك فكان في مواقع الحمية والغضب لدين الله لا يعرف الاستحياء من الحق، حتى قال يحيى: ما رأيت رجلاً قط أصفق وجهاً في الله من سفيان الثوري، يعني إذا صار الجد والإنكار أصفق وجه، أسمك وجه أمام أهل المنكر؛ ولذلك أنكر على المهدي أموراً جساماً حتى قال وزير المهدي: شططت، يقول لسفيان ينهره، تتكلم على أمير المؤمنين وأنت بحضرته بمثل هذا الكلام؟ فقال سفيان: اسكت، ما أهلك فرعون إلا هامان. قال: يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أضرب عنقه؟ قال له: اسكت - الخليفة - ما بقي على وجه الأرض من يستحيا منه غير هذا.

أمور ليست من الحياء

00:30:24

وبعض الناس يرتكبون الحرام باسم الحياء، كيف ذلك؟

يقول رجل: مدت المرأة الأجنبية يدها، لاحظ معي، استقبال عائلي ونحو ذلك، اجتماعي، مدت المرأة الأجنبية يدها للمصافحة، قال: استحييت وصافحت، فما شاء الله على هذا الاستحياء، وأخذ الله مثل هذه الأفعال، استح من الله، هذا حياء هذا؟ أو قلة حياء؟ ألم يقل النبي ﷺ: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له[رواه الطبراني في الكبير486، وصححه الالباني في صحيح الجامع5045]. كيف تقول: مدت يدها فاستحييت وصافحت. أين الحياء؟ الحياء أن لا تصافح، ولا تمد يدك، بل تنكر هذا المنكر.

وكذلك -أيها المسلمون- ينبغي أن لا نستحي من الحق فلو أن إنسان استدان منك مالاً فأردت أن تثبته أثبته، قال الله: إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُسورة البقرة282. فلا تقل: استحييت، قل له: إن هذه حياة وموت، وإن هذا أدعى لضبط الحقوق وقد أمر الله به، أود وأريد وأرغب منك أن نكتبه، لا حرج مطلقاً.

الحياء إذاً فعل محمود وترك مذموم، الحياء عكس البذاء، كما قال النبي ﷺ: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار[رواه أحمد10512، وصححه الالباني في صحيح الجامع3199]. هذا هو البذاء، الكلمات النابية، الجافية، ونحو ذلك.

وكذلك من جوانبه: أن يستتر الإنسان، كما قال النبي ﷺ للصحابي معاوية بن حيدة لما سأله، قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا ترينها أحداً، قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً، ما حوله أحد أبداً، يتجرد؟ قال النبي ﷺ: الله أحق أن يستحيا منه من الناس[رواه ابن ماجه1920، وصححه الالباني في غاية المرام70].  فهذا ندب إلى ستر العورة، حتى لو كان الإنسان خالياً، حتى لو كان خالياً، نعم إنه يحتاج إلى كشفها عند إتيان أهله أو غسله أو نحو ذلك، لكن إذا زالت الحاجة ستر العورة، وقد تقدم فعل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بعضهم عند غسلهم وعند نومهم، قارنوا بين هذا الخلق الآن -أيها الإخوة- وبين ما يحدث في المجتمع من السفور والانحطاط الأخلاقي، والجرأة على الرجال، وانطلاق النساء في الكلام، واستخدام الألفاظ البذيئة في المجالس العامة، وهذه المسرحيات والتمثيليات التي يعرض فيها الاختلاط، تخرج المرأة سافرة أمام آلاف المتفرجين في القاعة، شيء عجيب لو فكر فيه الإنسان فعلاً يصاب بصدمة من زوال الحياء من المرأة التي ينبغي أن تستحي أكثر من الرجل.

فنسأل الله أن يرزقنا الحياء، ونسأله أن يباعد بيننا وبين الحرام، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك يا رب العالمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين. اللهم إن اليهود قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فعاجلهم بنقمة من عندك، وأنزل عليهم سخطك وعذابك الذي لا يرد عن القوم الكافرين.

1 - رواه البخاري1385
2 - رواه مسلم بمعناه1420
3 - رواه البخاري في الادب المفرد1313، وصححه الالباني صحيح الجامع الصغير1603
4 - رواه أحمد17970، وابو داود4012 وصححه الالباني في صحيح الجامع1751
5 - رواه الترمذي3556، وصححه الالباني في صحيح الجامع1757
6 - رواه البخاري3483
7 - رواه البخاري349، ومسلم162
8 - رواه مسلم332
9 - رواه ابن حبان4181، وحسنه الالباني في صحيح الجامع2149
10 - رواه أبو داود4106، وصححه الباني في إرواء الغليل1799
11 - رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق7853، وصححه الالباني في صحيح الجامع3198
12 - رواه مسلم2401
13 - رواه إسحاق ابن راهوية1018، وصححه الالباني في السلسة الصحيحة1018
14 - رواه البيهقي836، وحسنه الالباني في صحيح الجامع930
15 - رواه الطبراني في المعجم الكبير5539، وصححه الالباني في صحيح الجامع2541
16 - رواه البخاري6117، ومسلم37
17 - رواه البخاري6117، ومسلم37
18 - رواه البخاري24
19 - رواه البخاري6117، ومسلم37
20 - رواه أحمد24656
21 - رواه البخاري132
22 - رواه الطبراني في الكبير486، وصححه الالباني في صحيح الجامع5045
23 - رواه أحمد10512، وصححه الالباني في صحيح الجامع3199
24 - رواه ابن ماجه1920، وصححه الالباني في غاية المرام70