الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
حماية الشريعة للأعراض ووسائل ذلك
عباد الله: لقد جاءت هذه الشريعة بحفظ الضرورات، التي لا تستقيم الدنيا، ولا الآخرة إلا بحفظها، وهي: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، وعلى هذا الترتيب، رتبها العلماء من حيث الأهمية، فمدار أحكام الدين، وخلاصة هذه الشريعة، حماية هذه الضرورات الخمس، وحفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ العقل، وحفظ المال، وجعلت الشريعة لكل واحد من هذه الخمسة أحكاماً، لحمايته، وتوفيره، وإيجاده، وتكثيره، وتنميته، وفي المقابل جاءت بأحكام لمنع العدوان عليه، وإنقاصه، والعبث به.
والعرض يعرّفه العلماء بأنه: "موضع المدح والذم للإنسان"، بمعنى: أن عرضك ما يسرك لو ذكرت بخير فيما يتعلق به، ويسوؤك لو ذكرت بشر فيما يتعلق به، عرضك سمعتك، عرضك عفتك، عرضك أهلك، وزوجتك، هذا العرض سمعة الإنسان، أمر عظيم، فإن الناس يشق عليهم جداً أن يؤذوا في سمعتهم، ولذلك جاءت الشريعة بحماية العرض، بوسائل متعددة، فمن ذلك؛ تحريم الزنا، وحد الزنا حماية لعرض الإنسان، حتى لا يعتدي أحد على عرضه، وكذلك حد القذف بثمانين جلدة في الظهر، لمن يعتدي على عرض شخص، فيلوث سمعته، فيتهمه بالفجور، والفاحشة، مثلاً بلا بينة، وكذلك شرع للإنسان أن يقاتل دفاعاً عن عرضه، هذه من وسائل الحماية، من قتل دون أهله فهو شهيد[رواه أبو داود بمعناه 246].
وكذلك جعل من حماية، العرض أن يوضح الإنسان موقفه في مقابل تحريم سوء الظن أيضاً، فتحريم سوء الظن لحماية الأعراض، ودفاع الإنسان عن نفسه، وتبيين موقفه لسلامة عرضه، ولذلك قال: على رسلكما إنها صفية، لما كانت معه امرأة، وهي بحجابها، وفي الليل، لا تُعرَف، ومع أنه رسول الله ﷺ؛ إلا أن قال مبيناً من هي: إنها صفية [رواه البخاري 3281]. يعني: زوجته.
من وسائل حفظ العرض في الشريعة: تحريم الغيبة. الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره في غيبته. هذه الغيبة كم أودت بعلاقات، وكم جرّت من ويلات على الأعراض، وكم أوقعت في مآثم، وغضب الرب سبحانه.
الغيبة؛ من أفعال المنافقين، يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لاتغاتبوا المسلمين ولاتتبعوا عوراتهم[رواه أبو داود4880]. من هو الذي آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه؟ المنافق.
إذًا: من صفات المنافقين: تتبع عورات الناس، هذه الغيبة عند أكثر العلماء من الكبائر، واستدلوا بأدلة منها طريقة ورود النهي عنها في الآية: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًاسورة الحجرات12. فما حكم أكل لحم الميتة؟ حرام، أكل لحم الميتة، من الكبائر، أن يتعمد الإنسان أن يأكل لحم ميتة، قد تكون في الأصل حلالاً كلحم الغنم لكن الشاة إذا ماتت وقيذاً، أو متردية، أو نطيحة، ماتت بلا تذكية، أكلها حرام، فكيف إذا كان اللحم المأكول لحم إنسان؟ ولحم الإنسان لا يجوز أكله، لا حياً ولا ميتاً، فلا يجوز قطعة من لحم إنسان حي أو ميت، وتناول هذه القطعة هذا من الكبائر، مكروه للنفس، فكيف إذا كان هذا الإنسان أخاك في الإسلام، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًاسورة الحجرات12.فكيف إذا كان ميتاً، فكم سبب اجتمع للنفرة من هذا؟
أولاً: أنه لحم إنسان، وأكل لحم الإنسان حرام، حتى لو كان كافراً.
ثانياً: أنه أخوك المسلم.
ثالثاً: أنه ميت، لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولا توجد أي مروءة لقضية العدوان على لحم ميت، ولذلك ذكر الله الشعور المتوقع فَكَرِهْتُمُوهُ، فما حكم أكل لحم الإنسان المسلم الميت؟ كبيرة عظيمة؛ ولذلك استدل العلماء بأن الغيبة حرام؛ لأنه شبّهها بذلك. بالإضافة إلى أنه ورد في العذاب في حديث النبي ﷺ مع جبريل، أنه ﷺ مر على قوم يخمشون وجوههم بأظفار من نحاس، من هؤلاء يا جبريل؟ خمش الوجوه بالأظفار فعل النائحة، وهذا من الكبائر أيضاً، فشبه الذين يغتابون بهذه الصورة، وجعل من عقوبتهم خمش الوجوه بأظفار من نحاس، وأظفار النحاس تقطع غائراً، ولا شك، فالشرع نفّر من الغيبة تنفيراً شنيعاً شديداً، كما هو واضح من النصوص، فالغيبة إذن من الكبائر.
ذكرك أخاك بما يكره، سواءً ذكرته بلسانك، أو ببنانك، لفظاً، أو إشارة، أو كتابة، بأي طريقة من الطرق فيها تنقص، فقد يشير الواحد إشارة فيقول: فلان، إشارة، لم يقل كلاماً، ولا لفظاً، ولكن هذه الإشارة غيبة، وحرام، ومن الكبائر، حسبك من صفية أنها كذا، كذا: يعني قصيرة، قال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته[رواه أبو داود4875]. كلمة تغلب ماء البحر، هل رأيتم هذا البحر. هل رأيتم هذا البحر بكثرة مائه، كلمة غيبة تغلب ماء البحر، لو مزجت بماء البحر لمزجته، ما هذه الشناعة؟
لماذا يقع الناس في الغيبة؟ لماذا تصبح الغيبة فاكهة المجالس؟ هل هي عداوة بين الذي يغتاب ومن يغتابه نتيجة موقف شخصي حصل، كره، بغض، نتيجة عداوة، هل هي نتيجة حسد؟ فلما حسده أراد أن يقلل منزلته، وأن ينقص قدره فاغتابه، هل هي مماشاة للجالسين وموافقة لهم على الكلام الذي يقولونه حتى لا ينفرد عنهم؟ هل هو تقرب لبعض الجالسين الذي بينه وبين الشخص المذكور عداوة؟ فمن باب التقرب إليه يقع في فلان؛ لكي يرضي الجالس، ويقول: يعني أنا معك على عدوك، فيقع فيه، هل الغيبة فيها لذة، فالذي يغتاب يشعر نفسه أنه أعلى قدراً، ولذلك يغتاب الشخص الآخر، وأنه يتحكم فيه، وأنه يقدر وضعه، وأنه يقوّم حاله، وأنه الآن في مجال النقد، ناقد، هل الغيبة هذه لها لذة كأنها فاكهة المجلس، بحد ذاتها لها لذة؟
أسباب الغيبة، وكيفية علاج ذلك
إن الدواعي، والأسباب -يا عباد الله- الدافعة للغيبة كثيرة، هذه بعضها، والغيبة هذه تعظم إذا كان الشخص الذي اغتيب صالحاً، عالماً فاضلاً، صاحب دين، لكن حتى لو كان الشخص الذي يغتاب فيه فسق، لا تجوز غيبته، إلا لسبب شرعي، فإذن غيبة المسلم حرام، لما قال: ذكرك أخاك [رواه مسلم2589]. ظاهر الحديث أن ذكر الكافر بما يكره لا يدخل، ولكن قال العلماء: "حتى لا يتعود اللسان على الغيبة، يتحاشى ذكر حتى الكافر؛ إلا للسبب شرعي، تحذيراً، وتنفيراً، وبياناً للحال"، قد يكون شخصاً مجاهراً بالمنكر، فالكلام فيه لمجاهرته بعدما فضح نفسه أمام الناس، ورضي أن يتكلم فيه بهذه المجاهرة، وصار من الواجب الشرعي التحذير منه، ومن أفكاره، ومنهجه، وسيرته، وأفعاله، حتى لا يغتر بها الآخرون، ولا يتبعوه، ولا يتشبهوا به، هنالك غرض شرعي لكلام وخصوصاً المجاهر، فإنه هتك نفسه بنفسه، أما واحد مستور ستر نفسه، مهما كان بينه وبين الله من المعاصي لا يجوز فضحه، لا يجوز فضحه، إلا في الأسباب الشرعية من النصيحة الموجبة للكلام، يتوجب عليك شرعاً أن تتكلم.
عباد الله: هذه الغيبة إغضاب لله، وانتهاك لحرمة المسلمين، وجالبة للعذاب في الآخرة، وكذلك في الدنيا؛ لأن الحديث يقول: لا تتبعوا عورات المسلمين فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبّع الله عورته فيفضحه ولو في جوف بيته[رواه الترمذي بمعناه 2033]. معنى ذلك أن الغيبة لها عقوبة معجلة في الدنيا، وهي أن يفضح الله الذي يغتاب.
أيها المسلمون: إن منع النفس من الغيبة أسهل بكثير من معالجة الوضع بعد وقوع الغيبة؛ لأنه سيقال، إذا اغتبت إنساناً تحلل منه، من كان له عند أخيه مظلمة، سواءً كانت في نفسه في ماله في عرضه فليتحلله قبل أن يكون يوم لا دينار ولا درهم ولكن بالحسنات والسيئات[رواه البخاري بمعناه2449]. والتحلل صعب يا عباد الله، إحراج، أنت تذهب إلى الشخص وتقول: سامحني؟ اغتبتك، حللني؟ تكلمت فيك، وربما يستقصي، ولا يتنازل، ويقول: لا بد أن تخبرني ماذا قلت؟ ولا أسامحك؛ حتى تبين ما هي الكلمات التي ذكرتها عني، ولا بد أن أعرف أمام من ومن؟ حتى أذهب وأبيّن وأدافع عن نفسي، ولا بد أن أعرف التُّهم، ولا تستطيع أن تقول له، لا يحق لك ذلك، ولذلك منع النفس من الغيبة أصلاً هو الحل، ولذلك قال بعض السلف: "ما اغتبت أحداً منذ علمت أن الله حرم الغيبة" والبخاري رحمه الله قال: "ما اغتبت أحداً، وأرجو أن ألقى الله، وليس في عنقي شيء لمسلم، حق لمسلم".
لما تكلّم العلماء في قضية الخلاص، ويأتي الموقف المحرج كيف ستستسمح منه؟ وذكروا في قضية التحلل: أنه يشترط أن لا يؤدي التحلل إلى فتنة أكبر، وأن هذا الرجل لا يسامحك حتى يعرف، وإذا عرف ستزيد الأمور سوءاً، ولذلك قالوا: "يدعو له، ويذكره بالخير في المجالس التي اغتابه فيها. ويدافع عنه إذا اغتابه أحد".
لما قالوا: يذكره بخير" ويدعو له، ما هو الهدف؟ أنه عندما يأتي القصاص يوم القيامة، ويؤتى بأهل الحقوق، يا فلان، ويا فلان، ويا فلان، يا فلان، لهذا حق عندك، لقد اغتبته، خذ من حسناته، لعله إذا وجده قد دعا له بأمور كثيرة، من الخير يتنازل، لعله، لعل الله يعوض هذا المغتاب الذي اغتيب المظلوم خيراً من عنده ، فيسامح، لكن كل هذه أيضاً مواضع صعبة، وإذا ما تنازل؟
وخلاصة ما ذكره العلماء: أن يحاول التحلل منه، فإذا لم يستطع، وكانت القضية ستؤدي إلى فتنة، أن يدعو له بخير، ويستغفر له، لعل هذا يتنازل يوم القيامة، وأن يذكره، بخير في المجالس التي اغتابه فيها، وأن يدافع عنه إذا اغتابه أحد، وهذه إجراءات، كل هذا كفّارة لكلمة، فما بالكم بمن يقول كلمات، فما بالكم عندما تكون الغيبة جماعية، وخصوصاً بين النساء فينبغي أن نحرّص بناتنا، وزوجاتنا، وأخواتنا، وأهلينا، لعدم الوقوع في هذه الآفة، قد تجتمع نسوة، فتذكر كل واحدة خادمتها، فيها كذا، فيها كذا، خادمتي فيها كذا، فيها كذا، لو قالت: كسولة، ولو قالت: تنام متأخرة، وما تقوم إلا متأخرة، ولو قالت، كله غيبة، ذكرك أخاك بما يكره.
اللهم إنا نسألك أن تعفّ ألسنتنا، وأن تهدي قلوبنا، وأن تسلل سخائم صدورنا، اللهم بيض وجوهنا يوم نلقاك، وطيب نفوسنا، يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك قلوباً تقية، وألسناً صادقة، نسألك التوبة النصوح.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة، ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبد الله دعا إلى الله، ولم يشرك به أحداً، فصلوات الله، وسلامه عليه، وعلى آله، وصحبه أبداً.
اللهم صل وسلم، وبارك على عبدك، ونبيك محمد، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، أوردنا حوضه، واجعلنا من أهل شفاعته، واجعلنا من أتباعه، واجعلنا معه، يا رب العالمين.
عباد الله: اللسان اللسان، لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه[رواه أحمد13047]. رواه الإمام أحمد، عن محمد ﷺ، وهو حديث حسن، حتى يستقيم اللسان، يا رسول الله أو إنا مؤاخذون بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم[رواه أحمد22016]. هذه حصائد اللسان، وفي بعض روايات عذاب القبر إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي في الناس بالغيبة[رواه أبو داود20]. فورد ببعض الروايات الغيبة من أسباب عذاب القبر.
المحافظة على سمعة المسلمين مهم جداً، بعض الكفرة ما عندهم قضية السمعة وقضية، يعني يجاهرون، عندهم جرائد، ومجلات خاصة بالفضائح، أما نحن المسلمين لا، لا نرضى بالفضيحة والله، لا نرضى بالفضيحة، ونستر العورات، ونحمي الأعراض، وندافع عن إخواننا وأخواتنا، الإسلام يأمرنا بهذا، وبعض الناس يؤتى في الغيبة من نقص العلم، وسوء التصور، فيقول: إذا وعظ، أنت تغتاب، فيقول: أنا مستعد أن أقولها في وجهه، وربما يتجرأ ويفعل ذلك، ويظن أن هذا يخرجه من العهدة، وهذا باطل، فإن الذي يغتاب شخصاً، ويذكره بسوء، وهو غائب ثم يذهب إليه ويقول: اسمع أنا قلت عنك في المجلس كذا، وكذا، هذا ماذا فعل؟ اقترف معصيتين: الغيبة، والشتيمة، فإن كونه مستعد أن يقولها في وجهه، لا يعفيه من الغيبة، ولا من إثم الغيبة، ولا من كونه قد اغتاب، وإذا ذهب وأخبره بذلك السوء، ماذا فعل؟ غيبة، وشتيمة، يا عباد الله.
مواطن تجوز فيها الغيبة
عندما نقول: هناك مواطن استثنائية، فمعنى ذلك أنها ليست هي الأكثر، معنى ذلك أنها نادرة، عندما نقول: يجوز في موضع الاستفتاء، الشكوى عند القضاء، أو من يزيد المظلمة، أو النصيحة في موضوع زواج، أو مشاركة في تجارة، أن تبين الحال، فمعنى ذلك أنها باستثناءات، وليست أصلاً، وأنها عارضة ونادرة.
ثانياً: لا بد أن تكون فعلاً لحاجة، وليست مغلفة؛ لأن العلماء ذكروا في صور الغيبة أن يغلفها بنوع من التدين، كأن يقول: فلان نسأل الله العافية، فلان الله يهدينا، ويصلحنا، فلان الله يستر علينا، هذه غيبة؛ لأنه ما هو المفهوم؟ أن فلان هذا ما هو مهتدي، وفلان هذا فيه ما فيه، ولذلك قد تغلف الغيبة بغلاف شيطاني من نوع الدين، غلاف ديني؛ لكن وهمي، ليس من الدين في الحقيقة، مصادم للدين، أنت تبين الحال متى؟ عندما تدعو الضرورة، أو الحاجة الماسة إلى ذلك، لو ما بيّنت أنه مدمن، وزوجوه مصيبة عليهم، وعلى ابنتهم، لو ما بينت أنت عنده أنواع من الخداع، وأكل المال لتضرر الشريك الذي سيدخل معه، لكن يجب أن يكون الدافع للكلام النصيحة لله، وليس العداوة الشخصية، بمعنى أنه قد يبين حال فلان لعداوة بينه وبينه، ولو شخص آخر تقدم لنفس العائلة للزواج، وفيه مثل الأول ما يتكلم، طيب إذا كان قصدك الدين النصيحة، لماذا تكلمت في الأول، وما تكلمت في الثاني؟ فمعنى ذلك القضية شخصية، إذن جرّد نفسك عند الكلام، أن يكون القصد النصيحة لله ورسوله، وأئمة المسلمين، وعامتهم.
ثالثاً: أن يكون بالقدر الذي يحتاج إليه بلا تجاوز، فلو أن رجلاً يريد أن يتزوج من قوم، فما هي المطاعن التي تجعل هذا الزواج يفشل، أو يتضرر أولئك القوم أو تضرر الفتاة، أمور معينة، فيقتصر في الكلام عليها، ولا يتعدى إلى أمور أخرى، قد تكون صحيحة موجودة في الرجل، لكن ما لها علاقة بالزواج، ولذاك ما يتكلم فيها، ولو كانت موجودة، والنبي ﷺ لما سأله الصحابة: أرأيت يا رسول الله إن كان فيه ما أقول، أنا ما افتريت عليه، أنا قلت ما فيه، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته[رواه البخاري2589]، والبهتان أشدّ، فإذن لا بد أن نتقيد بالضوابط الشرعية، وما نزيد، نبين، أحياناً، يقول بعض الناس: السيرة فيها فائدة، إذن أبهم ولا تبين من هو الشخص، قل: أنا أضرب لكم مثلاً بواحد، ولا تذكر اسمه، ويشترط في كلامك أن لا يفهم ولا واحد من الحاضرين من هو هذا؛ لأنك لا تذكر اسمه لكن السيرة تعرف.
عباد الله: قضية الأعراض في الإسلام، قضية محترمة، وقضية شائكة، وقضية خطيرة، فيها أحكام كثيرة، وفيها وعيد، وفيها عقوبات كبيرة، ونحن من الفقه أن ننظر الأشياء التي ركزت عليها الشريعة فنبينها.
نسأل الله أن يحيينا مؤمنين، وأن يتوفانا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين، غير خزايا، ولا مفتونين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وسدد ألسنتنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخائم صدورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وثبتنا حتى الممات يا ربنا، حتى نلقاك على شهادة أن لا إله إلا الله، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، أخرجنا من ذنوبنا، كيوم ولدتنا أمهاتنا، واجعلنا في الفردوس الأعلى يا ربنا، اللهم إنا نسألك أن تجعل حسابنا يسيراً، وسعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في الشام، وبورما، وسائر الأرض، يا رب العالمين، اللهم أطعم جائعهم، واحمل حافيهم، وآو شريدهم، اللهم إنا نسألك أن ترحم ميتهم، وأن ترفع شهيدهم، وأن تبرئ جريحهم، وأن تداوي مرضاهم، اللهم وحد صفهم، وسدد رميهم، اللهم إنا نسألك الفرج العاجل لإخواننا، اللهم إنا نسألك الفرج العاجل لإخواننا، اللهم إن هؤلاء المجرمين قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، اللهم صبوا على رؤوس إخواننا براميل المتفجرات، فصب عليهم سوط عذاب، اللهم صب عليهم سوط عذاب، اللهم كما صبوا الحمم على إخواننا، اللهم صب عليهم العذاب صباً، وعاجلهم بنقمتك، وائتهم من حيث لا يحتسبون، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، اللهم خذهم أخذاً وبيلاً، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم إنا نسألك يا مجري السحاب، ويا منزل الكتاب، ويا هازم الأحزاب، أن تهزمهم، اللهم اجعل نصر المسلمين عليهم عاجلاً عاجلاً يا رب العالمين.
اللهم آمنا في الأوطان، والدور، وأصلح الأئمة، وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين، من أرادنا، وأراد بلدنا بسوء، فاجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واغفر لآبائنا، وأمهاتنا، اغفر للمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب، لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور يا رحيم يا ودود يا غفور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.