الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحمد لله الذي خلق السماوات، والأرض، الحمد لله الذي سخر لنا ما في السماوات، وما في الأرض، أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍسورة لقمان20. امتن الله على عباده بنعمه، ودعاهم إلى شكره عليها وعدم الغفلة، فقال : أَلَمْ تَرَوْاأي: تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم وقلوبكم، أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِلنعف العباد من الشمس، والقمر، والنجوم، وَمَا فِي الْأَرْضِمن الحيوانات، والأشجار، والزروع، والأنهار، والمعادن، وغيرها، هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً، وأسبغ عليكم هذه النعمة، ، منها ما هو في البر، ومنها ما هو في البحر، وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِسورة الحج65. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًاسورة الرعد3. خلق قانون الطفو لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ سورة الزخرف13. خلق لكم من الفلك والأنعام ما تركبون، الفلك: هي السفن التي تجري في البحر، والأنعام، وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَسورة النحل8. كما خلق في هذا الزمان من وسائل المواصلات، والاتصالات، وجعل الهواء قابلاً لنقل الموجات، والذبذبات التي تنقل المعلومات؛ لأن الصوت لا ينتقل في الفراغ.
قال أبو الدرداء : "من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه".
نعمة التقنيات، وتسخيرها في مرضاة الله
وإن من نعمة الله على عباده ما سخر لهم من التقنيات النافعة في كافة المجالات، طباً، ونقلاً، واتصالاً، وإعلاماً، دل البشر عليها، وعلمهم إياها، وصار الواحد يحمل في يده جهازاً في حجم الكف يختزن عدداً هائلاً من المعلومات، وقد قفز الجوال منذ ظهوره إلى يومنا هذا قفزات هائلة، كان متنقلاً في سيارة، ثم أنشأت الأبراج لتغطي المساحات، ونقل إلى أكف المستخدمين، وتلقفته الشركات، وازداد الطلب عليه، وانتشر انتشاراً واسعاً، ظهرت تقنية الجيل الأول، ثم الثاني، ثم الثالث الآن، الذي سيكون مع غيره في بيئة مندمجة تترابط أوساط البث التلفزيوني، وكذلك بث الجوال، وكذلك شبكة نسيج العنكبوت لتندمج في بيئة واحدة، إن هذا التقدم الخطير في البشر إذا استعمل في مباح وفيما شرعه الله نعمة عظيمة، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌسورة إبراهيم34.
يتصل الإنسان على البعد بقريب، أو أخ، وصديق، لقد قرب البعيد، وسهل الصعب الشاق، وهكذا نعيش في نعم الله ونتقلب، والواجب نحو المنعم شكره على هذه النعمة، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ سورة إبراهيم7. هذا وعيد ووعد، فقال: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ فهذا وعده، وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ فهذا وعيده.
لقد أمر تعالى عباده بشكره والاعتراف بفضله، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِسورة البقرة152.إن الشكر يدفع العذاب، مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا سورة النساء147. الشكر اعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع، وإضافة النعم إلى موليها، والثناء عليه بذكر إنعامه، وعكوف القلب على محبته، والجوارح على طاعته، واللسان يجري بذكره، فشكر القلب اعترافه بنعمة المنعم، وأنها منه لا من غيره، ومن شكر الله على هذا بالقلب: محبته على ما أنعم، وشكره باللسان: تعداد هذه النعم، وذكر أفضاله تعالى، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْسورة الضحى11. وأما بالجوارح: فأن تستعمل هذه النعم في طاعته، ولا تستعمل في معصيته، اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ سورة سبأ13. هذا الشكر العظيم بأن تستعمل إذاً فيما شرعه ، من إعزاز دينه ونشر هذا الإسلام الذي أنزله، وكذلك فعل ما أمر به من أعمال البر والصلة.
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِسورة النحل53.ولذلك فإن الله علم البشر كيف يخترعون، وماذا يعملون، والله خلقهم وما عملوه واخترعوه؛ ولذلك قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَسورة الصافات96. ولذلك لا يغتر العبد مهما بلغ من الغاية في الاختراع، والتقدم التقني، فإن هذا كله نعمة من الله، أما أن يتعاظم، ويستكبر في الأرض بغير الحق، ويكفر بنعمة الله، حتى وصل الأمر إلى هؤلاء الفجرة الكفرة بأن يتحدّوا ربهم بسفن اخترعوها، كما حدث في سفينتهم الكبيرة في القرن الماضي عندما تحدوا عند انطلاقها ربهم أن يغرقها، وقال قبطانهم عشية إبحارها، الآن سنتحدى الآلهة، وأن لا يقدر على أن يغرقها كما نطقت صحافتهم بذلك، فقدر الله على هذه السفينة اصطداماً بسيطاً في أحد جوانبها بطرف جبل جليد فاجأها، وهي تسير بسرعتها التي اغتروا بها، وفي أقل من ثلاث ساعات انشطرت وغرقت وغرق معها أكثر من ألف وخمسمائة إنسان.
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَسورة الزمر67. يقولون اليوم: نقلنا النصوص والصور والأفلام، والملفات، نقلنا الصوت والنص والصورة من مكان إلى مكان، بسرعات عالية، وصلنا المريخ، رصدنا الكواكب والأفلاك، وغصنا في قيعان المحيطات، واخترعنا الأسلحة الفتاكة.
يا رب هذا العصر ألحد عندما | سخرت يا رب له دنياك |
علمته من علمك النووي ما | علمته فإذا به عاداك |
ما كاد يطلق للعلا صاروخه | حتى أشاح بوجه وقلاك |
واغتر حتى ظن أن الكون في | يمنى بني الإنسان لا يمناك |
وما درى الإنسان أن جمعيع ما | وصلت إليه يداه من نعماك |
لو شئت يا رب هوى صاروخه | أو لو أردت لما استطاع حراك |
يا أيها الإنسان مهلاً واتئد | واشكر لربك فضل ما أولاك |
واسجد لمولاك القدير فإنما | مستحدثات العلم من مولاك |
أفإن هداك لعلمه بعجيبة | تزوَرَّ عنه وينثني عطفاك |
كل العجائب صنعة العقل الذي | هو صنعة الله الذي سواك |
والعقل ليس بمدرك شيئا إذا | ما الله لم يكتب له الإدراك |
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي | بالله جل جلاله أغراك |
ما اخترع البشر شيئاً إلا وعند الله ما يفوقه، وما أبدعوا شيئاً إلا وعند الله ما هو أكثر منه، ومهما انتهوا اليوم إلى اختراع وسائل للاتصالات، والمواصلات؛ فعند الله ما هو أكثر من ذلك، لقد أسري بالنبي ﷺ من مكة إلى بيت المقدس ثم إلى السماء، ثم عاد إلى مكة في نفس الليلة، قال ابن عباس : قال رسول الله ﷺ: لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة عرفت أن الناس مكذبي، فقعد رسول الله ﷺ معتزلاً حزيناً فمر به أبو جهل فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال: أسري بي الليلة، قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. الحديث، وهو صحيح[رواه مسلم162].
ثم عرج به ﷺ إلى السماء، والمعراج هو اسم الآلة التي يعرج ويصعد بها بمنزلة السلف، لكن الذي صعد به ﷺ شيء من الغيب، لا ندركه، ولا نعرف حقيقته ونتصورها، ولكننا نؤمن بها؛ لأنها ذكرت لنا، وها هو ﷺ عرج به إلى السماء بعد أن صلى في بيت المقدس بالأنبياء إماماً، مسيرة ما بين السماء والأرض كم؟ وسمك كل سماء كم؟ وما بين كل سماء إلى السماء التي فوقها كم؟ ثم وصل ﷺ إلى سدرة المنتهى، إلى مستوىً يسمع فيه صريف الأقلام، ثم عاد ﷺ إلى الأرض، كل هذه المسافة قطعت في تلك الليلة، فأينما عندهم مما يستطيعون أن يواكبوا به أو يقاربوا ما خلقه الله .
ولما كان لدى القوم دواباً جعل الله البراق لنبيه ﷺ، فقال في الحديث الصحيح: أوتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس، ففتحت لنا أبواب السماء.
وإذا كانوا اليوم ينقلون الصورة البعيدة، ويرونها بالعين المجردة، فإن النبي ﷺ قد أحضر له بيت المقدس يراه بين عينيه ليصفه للكفار؛ ولذلك جاء في الحديث الصحيح: لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كرباً ما كربت مثله قط، فرفعه الله أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به[رواه مسلم172].
وإذا كانوا يفتخرون اليوم بنقل الأصوات عبر المسافات البعيدة في الفضاء، فإن جبريل كان ينقل الوحي من فوق السماوات إلى النبي ﷺ في الأرض، فيأتيه في لحظه، سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، إني في ناحية البيت ما أعلم ما تقول خولة بنت ثعلبه للنبي ﷺ تشتكي إليه، تشتكي إلى الله ما فعل زوجها، والنبي ﷺ يأمرها بالتريث، فينزل الوحي مباشرةً، عائشة في ناحية البيت لا تكاد تسمع شيئاً، والوحي ينزل مباشرة.
بل كذلك -أيها الإخوة- يجعل الله من كرامات الأولياء ما يفوق مخترعات الاتصالات، فهذا عمر في الحادثة المشهورة، والقصة الصحيحة لما أرسل سارية بن زليم قائداً لإحدى السرايا في العراق، فحصر الرجل والمسلمون، فأطلع الله أمير المؤمنين عمر في رؤيا على ما أصابه، فخاطبه عمر من المنبر، فقال: "يا سارية الجبل"، أي: اصعد الجبل، ولذ به، ونحو ذلك، فاعتصم بالجبل فسلم هو ومن معه، أبلغ الله صوت عمر لسارية، وقد أبلغ من قبل صوت إبراهيم إلى أهل الأرض، من غير وسائل اتصال، وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًاسورة الحـج27. فسمعه حتى الأجنة في الأصلاب والأرحام.
عباد الله: هذا سرعة جبريل العظيمة، وسرعة الملائكة البالغة، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاًسورة الإسراء85. بل إن سرعة الجن عجب، عجب، يأتيه به قبل أن يقوم من مقامه، والذي عنده علم من الكتاب سأل باسم الله الأعظم فأخرج العرش من اليمن من القصر مخترقاً الجدران والأبواب حتى جيء به إلى سليمان في الشام، فوضع بين يديه في أقل من طرف العين، أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَسورة النمل40.إن حركة الطرف من ثلاث تتكون: إغلاقه، وسكونه لحظة يسيرة جداً ثم ارتداده لينفتح مرة أخرى، هذا يأخذ جزءاً من الثانية، إن هذا الطرف وما يحدث من انطباق رموش العين وانفتاحها مرة أخرى أقل من الثانية، أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، وهؤلاء لم يفعلوا ذلك إلا في أفلام الخيال وعالم الأحلام.
كان سليمان بأمر الله مع الجن والإنس والطير والجنود المجموعة، تحمله الريح من مكان إلى مكان، مجاهداً بأمر الله .
عباد الله: تقدم البشر تقنياً فاخترعوا هذا الهاتف المحمول، ليكون حاسوباً، وتلفزيوناً، وجريدة، ومكتبة، ومفكرة شخصية، وبطاقات ائتمانية، ونحو ذلك؛ ليجمع العالم فيه كما يقولون.
صار الجوال اليوم منتشراً انتشاراً عظيماً، وصار في هذا الزمن من خلق الله الذي رأيناه وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ سورة النحل8. هذا الجوال وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًاسورة النحل78. هو من نعمة الله وتعليمه، وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَسورة النحل78. ولذلك لا يجوز للبشرية أن تتكبر على الله، ولا أن تستعمله في معصيته.
تقنية الجيل الثالث، وإمكانيتها في الإفساد
كان في البداية أسلوباً تناظرياً بتكلفة عالية، وخدمات محدودة، ثم ظهر جيله الثاني بالنظام الرقمي، بالخدمات البيانية البسيطة كإرسال الرسائل القصية، بالإضافة إلى المكالمات الصوتية، ثم أدخلت تحسينات واستوجب تصنيع أجهزة متقدمة لتتمكن من التقاط الصور وتصفح المواقع واستقبال ملفات تقنية البلوتوث، ثم ظهر الجيل الثالث، شبكة جديدة تدعم السرعات العالية جداً، 384 ألف كيلو بت في الثانية، أدخلت خدمة البث الفضائي، تقنية النبضات العالية التي ستصل إلى 2 مليون نبضة في الثانية، وهو ثلاثة ونصف (جي)، الجيل الثالث، حزمة التلقي عالية السرعة، الذي سيتضمن المكالمات المرئية، والبث التلفزيوني المباشر من القنوات الفضائية، والتصفح عالي السرعة لشبكة نسيج العنكبوت، بالإضافة إلى خدمة الرسائل المتعددة، والنقاوة العالية، وأكثر أماناً، وأقل فشلاً في عدد مرات الاتصال، ويستخدم الموجات الترددية العالية، والسهولة، والمرونة، كما يقولون في دعايته.
طرح في عام 2000، وللتشغيل في اليابان، وأوروبا بعد ذلك في 2002، حتى بلغ عدد المشتركين في هذا النظام الجيل الثالث 222 مليون مستخدم من أصل 2 مليار يستعملون الهاتف الجوال عموماً، وكذلك ميزة الألعاب التفاعلية فيه، هذه التقنية الجديدة اليوم، التي تقدم خدمات مبتكرة في عالم الاتصالات، وتلبي احتياجات في مجالات الخدمات المتطورة حتى خيار الاتصال اللاسلكي وتطبيقاته، وعرض النطاقات السريعة، والاتصالات ذات الوسائل المتعددة، إنها تقنية متطورة عما قبلها، فما الذي سيكون في استعمال هذا الجيل الثالث؟
وأهم ما يميز ويتحدث عنه الناس الاتصالات المرئية، ربما يوفر أموراً من الفوائد، في رعاية الأطفال عند غياب أمهاتهم، والتحقق من الحوادث في أماكنها، والتعليم عن بعد، والقيام بكثير من الأعمال المكتبية، حتى أنهم قد خرجوا بأن 52% من أعمال الشركات ستتحول إلى المنازل مع شبكة نسيج العنكبوت، وبالإضافة إلى ذلك ستتطور عمليات البيع، والشراء، والصفقات في هذه الجوالات الجديدة، ويمكن بث المحاضرات العلمية المختلفة بسهولة ويسر، ونقل الأصوات عالية الجودة، والتبادل الفوري للملفات العلمية بدون الحاجة لاشتراك في خدمات الإنترنت، وأيضاً الحصول على الخرائط عالية الجودة، والمحادثات الآنية، واستعماله في العمليات المالية عالية السرعة، التي ستتخذ من بصمة الإنسان في أصبعه أو بصمة عينه طريقة للتعرف على هويته، بالإضافة إلى استعراض المكتبات العالمية، وخدمات التنبيه، والتحذير من أحوال الطقس، وزحام الطرقات، وكذلك يفيد في أنواع من استدلال الأطباء الاستشاريين في حالات معينة للتشخيص والعلاج ومتابعة بعض الأعمال، ويفيد في الإبلاغ عن الجرائم، وضبطها، وإرسالها مصورة إلى مراكز الشرطة، والأمن، وكذلك ضبط المنكرات آنياً، وإرسال صورها إلى مراكز رجال الحسبة، لكي تكون معرفة هوية المجرم متيسرة عن ذي قبل.
إنها ستساهم في نقل ما يحدث لإخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من أنواع المآسي، وكذلك القضايا التي تهم الأمة، وستزداد الحاجة إلى خبراء الصوت، والصورة في مجال التحقيقات لمعرفة الحقيقي من المزور، لكن في أي شيء سيستعملها كثير من الناس؟ وبالذات قطاع الشباب والفتيات؟ إنه استخدام سريع للوصول إلى المحتويات الإباحية، وتبادل الأفلام الشيطانية، وهؤلاء المشتركون في هذه الشبكات إنهم يقومون وسيقومون بأمور كثيرة من التخاطب، ونقل المحرمات، وزيادة إضاعة الأوقات والأموال عن طريق الرغبة في محادثة الجنس الآخر كما يقولون محادثات مصورة.
لقد بلغ مجموع فواتير مكالمات شخص واحد مع فتاة أجنبية في الجيل السابق، في فترة من الفترات 140 ألف ريال، فما بالكم بما سيكون المجموع عندما ينتشر هذا الهاتف في جيله الثالث، يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌسورة البلد6-7.
إمكانية التجسس على العورات، ونقل صور النساء الغافلات المؤمنات، واستقبال دعايات الأفلام الإباحية، والنغمات، والمقاطع الموسيقية وتبادلها، وإرسالها، وما سينتج عن أمور كثيرة من الإفساد بين الأزواج، والزوجات، وانهيار الأسر، وكذلك الانشغال بهذه النغمات، والأغاني التي ترى الناس بها سكارى، يهيمون على وجوههم في الشوارع، والطرقات، يستمعون الموسيقى، والأغاني، وانشغال بالألعاب، وإهدار للأوقات، وصد عن ذكر الله، وسيتمكن المشتركون من تحميلها من الشبكة، ثم اللعب بها عبر هذه الجوالات.
وبث الحفلات المختلطة، وأنواع المحرمات، واختراق خصوصيات الناس، ويتمكن الجشعين، والاستغلاليون من بيع معلومات عن الناس مخترقين خصوصيتهم إلى الشركات.
وكذلك ستزداد سيطرة شركات الاتصالات، والبرمجيات على حياة الناس الذين سيعيشون ضغوطاً كبيرة، نفسية ومالية، فما بالك ببيت فاتورة جوال الزوج، والزوج، والأولاد تبلغ كذا وكذا، فستزيد عبر مجيء هذا الجيل الثالث.
قرناء السوء، يكون الواحد جالساً مع بعضهم فيرونه أنواع من المكالمات المصورة التي يمارسونها، وهكذا تكون الدعوة إلى البغاء، وإلى الفساد، والشر الذي حرمه الله ، وإذا كان مراهق يقتحم مدرسة بنات ليصور في الماضي، فهو سينقلها مباشرة في بث حي الآن.
وهكذا تصوير مجالس النساء، ستعم البلوى وتزداد أكثر، وشر جوال الكاميرا لم ينته بعد، فإذا به بث حي مباشر الآن، ليتهم استعملوه في بث المحاضرات الشرعية، والدروس الإسلامية، وكذلك المحاضرات العلمية النافعة، سواءً كانت في مجالات طبية، أو هندسية، أو لغوية، ونحو ذلك، ليتهم إذاً استعملوه في إدارة منازلهم ومصانعهم، ومكاتبهم عندما يراقب رب العمل، أو رب البيت ذلك من بعد عبر الجوال الذي يحمله، ليت ذلك كان مقتصراً على تسديد المعاملات المالية، وإجرائها، وتسهيلها، ليت ذلك مقتصراً على ما يتعلق بسلامة المرور، والإسعاف المتحرك في الحالات الطارئة في الطرقات، ليت ذلك اقتصر إذاً على ضبط الجرائم، ونقلها كما قلنا، ولكن المسألة ستتعدى إلى أشياء كثيرة.
الموقف الشرعي من هذه التنقية الجديدة
ما هو الموقف من هذه التقنية الجديدة؟
لقد انقسم الناظرون فيها وفي أمثالها مما مضى إلى أقسام فمنهم من يقول: إنه رجس نجس من عمل الشيطان فلا تقربوه، ومنه من يقول: فرجت، كنا نعاكس بالصوت، ونريد أن نرى الصورة فقد جاءت. ومنهم من يقول: سددوه رشدوه واستفيدوا منه، امنعوا شروره أو قلصوها، انشروا الخير عبره، ولا شك أن مقتضى الشرع، والعقل، والحكمة؛ أن لا تحارب التقنية الحديثة لمجرد أنها تقنية حديثة يمكن أن تستعمل في الشر، ولكن أن تحارب الشر الذي في التقنية، وهذه قضية دقيقة، فلسنا نكره التقنية، بل نعتقد أنها من أسباب القوة التي أمر الله الأمة أن تأخذ بها، وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍسورة الأنفال60. فالأمة مطالبة أن تأخذ بتقنيات الليزر، وتقنيات الاتصالات المتقدمة، وهي تواجه أعداءها في معارك مصيرية، يخشى فيها على دين الأمة، وعلى عقيدتها، وعلى خيراتها، وطاقاتها البشرية، ومساحاتها الجغرافية، وموانئها البحرية، وغلافها الجوي.
عباد الله: إن من الأشياء ما يغلب شره على خيره فيحرم كالخمر، والميسر فإن فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَاسورة البقرة219. ومن الأشياء ما يغلب الخير الذي يستعمل به على شره، كالسكين مثلاً فيباح بيعه واقتناؤه، والأشياء تستعمل في الخير والشر حكمها يتبع ما تستعمل فيه، فاستعمال السلاح في إزهاق الأرواح المعصومة، وترويع الآمنين، وتفجير اقتصاد، ومنشآت المسلمين، ومصادر أرزاقهم؛ حرام ومنكر عظيم، وفساد في الأرض، واستعماله في قتال أعداء الله، ورد الظالمين المعتدين، وإظهار قدرة الأمة في الدفاع عن نفسها وأرضها، وإزاحة من يقف أمام دعوة الإسلام، ونشر التوحيد جهاد في سبيل الله، وأمر مشروع أمر الله به.
إذاً يتفاوت الشيء المستعمل في الخير والشر حكماً بتفاوت حال مستعمله، وما يستعمله فيه، وتقنية الاتصال من هذا الباب، فقد يغلب على بعض الناس استعماله في الشر، فنقول له: يحرم عليك اقتناء الجهاز واستعمال الخدمة، ويستعمل آخرون، يستعملونه في الخير، وربما انزلق به في شيء من الشر، فنقول: امنع نفسك من هذا وتب إلى الله من عمل الشر، واستعمله في الخير.
فبعض الناس إذاً من الطائشين، والسفهاء سيستعملون هذه التقنية في الوصول إلى الفاحشة، ونشرها وإيذاء عباد الله، وهتك الأستار، والترويع، وفضح المستورين بستر الله، فإذا صار هذا حالهم فمثل هؤلاء يحرم عليهم استعماله، ويكون إعطاؤهم هذا الجوال أو شراؤه لهم، أو إعانتهم على اقتنائه جريمة وذنب وحرام؛ لأنه مكَّن شخصاً من أن يقترف ما حرم الله ، وهكذا وجد بالدراسات في عدد من الفتيات اللاتي يغلب عليهن هذا النوع من الطيش أنهن يرفضن استقبال الملفات الدعوية، والأكثرية الساحقة منهن تستعمله في نقل الصور المحرمة، وأنواع النغمات، ونحو ذلك مما يسمونه بالمعاكسات.
عباد الله: ما هو الموقف الشرعي إذاً من هذا الجيل الثالث وغيره؟ وربما تأتي أجيال رابعة وخامسة، والله يخلق ما يشاء ويبتلي عباده بما يشاء؟
أولاً: لا بد من صيانة حرمات المسلمين الخاصة، وغض البصر عن العورات، وعدم انتهاك حدود الله ، وعدم التجسس على المسلمين، وهذا النوع من التقنية في جيله الثالث، فيه استعمال كثير في أنواع التجسس المحرم، وقد قال الله: وَلَا تَجَسَّسُواسورة الحجرات12. والذين سيستعملونه في هتك عورات المسلمين مهددون بقول النبي ﷺ لما صعد المنبر فنادى بصوت رفيع: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحلهرواه الترمذي وهو حديث صحيح[رواه الترمذي 2032].
وإذا أجازت الشريعة فقأ عين المتجسس على قوم بغير رضاهم، فما بالك؟ قال ﷺ: لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح. رواه البخاري[رواه البخاري6888].
ثانياً: زيادة التحرز، والمبالغة في الحشمة، ومتابعة أهل البيت في ذلك، صارت القضية الآن موجبة للحجاب أكثر بكثير من ذي قبل، والحشمة، والانتباه، إن هنالك عدسات بأيدي ماكرة، وأجهزة ترصد وتنقل، وبعد ذلك مساومات بذيئة، وضغوط على المسكينات، ستنتهي بهتك أعراض ووقوع جرائم، ولذلك فإن عصر شيوع الفاحشة يقتضي اقتراباً من الأسرة، ومزيداً من رعاية الأولاد، والمحافظة على موعظتهم، والاستمرار في تربيتهم، وتخويفهم بالله ، إن المسألة تقتضي اليوم زيادة جرعات التربية من الأب والأم، من الإمام والمدرس، من الداعية وكل مسؤول، الكبير في العائلة وغيره من أصحاب الخبرة والتجربة، تحتاج إلى تعاون ضخم جداً من أهل التقنية مع أهل الشرع مع أهل السلطان؛ لتكتمل بذلك السياجات أمام هذه التوقعات المبنية على ما سبق من الجرائم الحاصلة.
ثالثاً: عدم التساهل بترك هذه الأجهزة في أيدي الطائشين أو إعطائهم إياها أو شرائها لهم. إن أهل الجاهلية مع شركهم وكفرهم وضلالهم لما خشوا من قضية الاعتداء على أعراض بناتهم، والفضيحة بذلك وخشية العار قتلوا النفس، ووأدوا النبات وهن أحياء، خشية العار والفضيحة، قابلهم أهل الجاهلية في عصرنا، بنشر العورات وهتك الأعراض وتسويق الفواحش، وتجارة الرقيق الأبيض وغير الأبيض، وأربعمائة ألف مومس الآن في ألمانيا في كأس العالم، تسويق الدعارة مع الكرة، كرة دعارة، وهكذا ملاهي ليلية تعمل نهاراً أيضاً مع كونها ليلية بجانب الملاعب الكبرى في ألمانيا، تستقطب هؤلاء الزائرين في حمى الفواحش الكثيرة، وبما أنه أمر مرخص فيقولون: فحصنا الملاهي والعلاقات فوجدنا كل شيء قانونياً؛ لأن البغاء عندهم أمر قانوني، هذه الجاهلية الحديثة.
ونحن المسلمين لا نئد البنات وهن أحياء، ولا نرضخ لهذا الحرام المنتشر، وإنما نربي البنات على المكارم، وعلى الفضائل، وعلى الخوف من الله .
ورابعاً: نقيم الوسائل الشرعية للحماية من الوقوع في الفاحشة.
أولاً:تقبيح الزناة والزواني، وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاًسورة الإسراء32. الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً سورة النور3.
وثانياً: الحد على مرتكب الزنا تطهيراً له وللمجتمع المسلم، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ سورة النور2 .قال ﷺ: خذوا عني: قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة ثم نفي سنةرواه مسلم[رواه مسلم1690].
ثالثاً: تحريم القذف وإقامة الحد على صاحبه، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ سورة النور4.هؤلاء لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم.
شرع الإسلام الاستئذان حفظاً للعورات، شرع غض البصر حفظاً للعورات، شرع الحجاب للنساء صيانة لهن وحفظاً للعورات، أمر المرأة بالقرار في البيت وأن تخرج لحاجتها بالشروط الشرعية حفظاً للأعراض، حرم الخلوة بها حفظاً للأعراض، حذر من الدخول على النساء والاختلاط بهن،وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّسورة الأحزاب53.حرم عليها أن تسافر إلا مع ذي محرم صيانة لها، شرع النكاح للطرفين وأمر بتسهيله، وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْسورة النور32.هكذا إذاً صيانة للأعراض ومصدر التناسل للبشرية عبر هذا النكاح الصحيح المشروع، وشرع الاستعفاف وأمر به لمن لا يستطيع النكاح، وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ سورة النور32.
عباد الله: إن القضية جد خطيرة، وإن جرائم التقنية تزداد بتطور التقنية كما نرى، والواجب أن نكون حكماء، أن نكون من أصحاب البصيرة، أن نكون مصطحبين بالعلم الشرعي، والقوة الإيمانية؛ ما نواجه به الفساد، وأن نزاحم بالحكمة، والعزيمة، والهمة، أن نزاحم بالخير في استعمال هذه الوسائل المتطورة لتنشر الخير، وتدل عليه ليكون التأثير العالمي لهذا الدين.
عباد الله: إن الله لا يحب الفساد، ولا شك أن مما حصل للناس اليوم ظهور المنكرات بهذه الوسائل، لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِسورة النساء148.إن هذه المنكرات إذا تفشت خطرها عظيم، قال ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه[رواه ابن ماجة4005].والمجاهر الذي يظهر المعصية ويكشف ما ستره الله ويحدث به، هذا ليس بمعافى، لا يعافيه الله، محروم من العافية، واليوم يوثقون جرائمهم وفواحشهم بالجوال، والجوال المصور، فإذا انتقل إلى بث حي فماذا سيكون الحال، الذي يستره الله في الدنيا ثم يظهر المعصية ويجاهر بها عبر توثيقها وتصويرها بهذا، ماذا سيكون أمره يا عباد الله؟
مجلبة السيئات، واكتساب المآثم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌسورة النور21 .ينبغي أن نحارب مفاسد التقنية وليست التقنية نفسها، التقنية ترشد، الضوابط توضع، القوانين تسن، هنالك أمور كثيرة لا بد من عملها، عندما يقول الناس: هذه صور النساء الآن، الصور العارية، وصور الفواحش رجالاً ونساءً، ذكوراً وإناثاً تنتشر، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ سورة النور19.وهذه التقنية تشيع وتذيع وتنقل نقلاً مصوراً وحياً ومخزناً ويستدعى وبالبحث، وهكذا ينشر، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا سورة النساء27.
يا أيها المسلمون: إذا كان نبينا ﷺ قال: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها[رواه البخاري5240]. لا تباشر فتخالط أو تلامس المرأة فتنعت نعومتها أو تنعت صفتها لزوجها؛ لأن ذلك مما يثير الشهوات، وإن هذا الوصف مما يؤدي إلى المحرمات، ولذلك نهى عن نقل الوصف، فما بالكم بنقل الصورة، ما بالكم بنقل الصوت والصورة، ما بالكم بنقلها إذا كانت متحركة ومقاطع فيديو كما سيفعلون في جوال الجيل الثالث، نقل المقاطع والبث الحي، والوسائل لها حكم المقاصد.
قال بعض أهل العلم في الحديث المتقدم في مسألة تحريم الوصف: "تالله لقد صدق رسول الله ﷺ فيما ذكر؛ لأن الرجل الأجنبي إذا سمع وصف امرأة أجنبية تشكلت في قلبه وانطبعت في مرآة نفسه، ويوحي الشيطان لعنه الله له عند ذلك كلاماً من غروره وأمانيه، ويحول بينه وبين تقوى الله ومرضاته، وتخطر له هنالك خواطر قبيحة وهواجس ذميمة، فتارة بالزنا، وتارة بالفحشاء"، كما قال الشيخ علي بن الحسن الحموي الشافعي رحمه الله تعالى.
ثم الاستطالة على الحرمات والأعراض، وانتشار المشكلات، انهيار الأسر حدوث المخالفات، والشقاق بين الزوجين، وبين أطراف الأسرة المختلفة، من الآباء والأمهات، وكذلك الأبناء والبنات، أسر مهددة بالدمار والفضيحة، كما رأينا في حوادث معينة بجوال الكاميرا، فما بالكم عند ظهور هذه الجيل الثالث ونصف ثم ما بعده!
عندما يكون هناك إيذاء للمسلمين، والمسلمات، وأشياء تختلس، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًاسورة الأحزاب58.ويقوم أصحاب النفوس المريضة باستغلال كل وسيلة لإفساد البيوت ونشر الصور، إن هنالك انحرافات ومشكلات عظيمة، وقضايا قتل قد حدثت بسبب هذه الصور، ناهيك عن حوادث الطلاق، والضرب، والهجر، والقذف، واللعن، والجرائم التي يطول الحديث عنها.
قال ﷺ: يا مشعر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. حديث صحيح[رواه الترمذي2032].
وهنالك اختلاسات للنظر، واختلاسات بعدسة الجوال، وهذا يكلم، يفتح جواله يلتفت يميناً والكاميرا شغالة، فتنقل صورة ابنته أو أخته وشمالاً فتنتقل صورة زوجته وهكذا، وناس لا يعرفون التقنية، واستعمالات التقنية فيغرهم المخادعون بضغط الزر على الكاميرا، وهو لا يدري كيف يرسل رسالة جوال أصلاً، ولكن المظهرية الجوفاء التي صارت اليوم تهزنا هزناً، وتستدعي إنفاق الأموال، وأناس لا حاجة لهم بالتقنية أصلاً، كما قال بعض الباحثين الذين يدرسون في الغرب لمسلم في بلاد العرب: ما لكم ولجوال الجيل الثالث؟ أنتم لستم بلاد أبحاث، فبماذا ستستعملونه؟ سترسلون أبحاث أو ماذا سترسلون؟
عباد الله: لكن عندما يقول الشاب للآخر: جوالك ما فيه كاميرا، جوالك أسود وأبيض، جوال شغالات. سينتقل لجوال الكاميرا، وعندما يقول عن جوال الكاميرا ما تقدم، سينتقل لجوال الجيل الثالث، وهكذا يقلد الناس بعضهم بعضاً، وكل واحد يريد أن يظهر بالمظهر، مظهر الجوال الجديد، الجوال الحديث، الجوال المطور، و90% من استعمالاته لا يعرفها أصلاً، أما شياطين الإنس فيستعملونها فيما حرم الله، وتسهيل الفواحش، والاتصال على الفضائيات، والمواقع الإباحية، فصارت المسألة الآن عندك دش ولا ما عندك دش، والرسيفر مشفر أو غير مشفر، أولادك، بناتك، أبناؤك، بجوال الجيل الثالث يرون القنوات، والتنافس بين الشركات، الشركات والشركات الأجنبية للمعلومية ستخترق أسواق الاتصالات في البلاد العربية والإسلامية، من فودا فون إلى غيرها، ليحدث التنافس بعد ذلك في عدد القنوات الفضائية التي تنقلها الشركة الفلانية، والشركة الفلانية، لتصبح أنت مخترقاً داخل بيت مهما كانت احتياطاتك في السابق، هذا الخطر هنا، الذي في الحقيقة معالجته في غاية الصعوبة، يقف المسلم متحيراً، ورب الأسرة مفكراً، ماذا سيفعل؟ وماذا لو اقتنى ولده هذا من ورائه، أو جاءه هدية أو عيديه أو، أو، إلى آخره من الاحتمالات، كيف سيسيطر الآن؟ لقد كان يقول له: هذه قناة إسلامية فقط، أو يمنعهم من بعض القنوات، القنوات التي يمكن أن تأتي الآن في المستقبل باستار أكاديمي أو غيره، أو المتبرجات، والفاسقات، والمغنيات، والراقصات، وهؤلاء اللاتي يفعلن ما يفعلن في الفيديو كليب، قنوات أغاني، وقنوات أفلام، وكثير من القنوات التي تبث أفلام وهي لا تصنف أنها قنوات إباحية، فيها لقطات تسمى عندهم جنسية، لقطات من الحرام يظهر فيها كل شيء إلا عورة الرجل بزعمهم، كما حدثنا، فإذا كان هذا موجوداً في قنوات ستأتي على الجوال بدون طبق لاقط، وبدون تشفير، وبدون تحكم، إذاً أنت ماذا ستفعل.
تسهيل الفاحشة، القضية الآن إذاً: إثارة الغرائز والشهوات، هكذا يريد أعداؤنا، للعالم جميعاً؛ ليسهل اقتياده، اعلم أن الله معك حيثما كنت فهو مطلع عليك، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة المجادلة7.
تربية الأولاد أن الله مطلع علينا، ناظر إلينا، إحياء واعظ الله في القلوب، إن الله بكل شيء محيط، إنه مهيمن، شهيد، يشهد كل شيء، بصير يبصر كل شيء، سميع يسمع كل شيء، لا تخفى عليه خافيه، لا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، هذا الأمر لا بد أن يكون مستقراً في النفوس؛ لأن الضمانات في حال انتشار التقنية هذه ستكون صعبة جداً، وإن أنواع الاختراقات وما يتمكن به بعض حتى الصغار من فعله من فتح المستغلقات أو المغلقات أمر معروف ومشاهد، وما سنحتاجه من تثبيت الفتيات والبنات بالذات على مقاومة الذئاب البشرية، وسيقول لها: افتحي زر الكاميرا، أعطينا الصورة، الصورة، الصورة، اضغط الزر، اضغط الزر أرينا الصورة، إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء سورة آل عمران5.
وهكذا انتحرت فتيات بسبب التهديد بالفضيحة بعد الحصول على الصورة، وستكون الصورة الآن أكثر تداولاً، وما حال الأعراس، وحفلات النساء، واجتماعات النساء، وما يمكن أن يحدث من دخول هذه الجوالات التي تبث مباشرة، فإذا كان في الماضي جوال الكاميرا لو عثر عليه حطمنه في الحفلة، فإنه الآن يرسله مباشرة قبل تحطيمه، إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ سورة النور23. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًاسورة الأحزاب58 الإثم المبين، الإثم العظيم، والآن نشر الكذب، نشر الإشاعات، نشر الفضائح بهذه التقنية الجديدة، ولذلك جاء في عذاب القبر، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، من هذا؟ قال: الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. رواه البخاري[رواه البخاري7047].
جوال الجيل الثالث وما بعده وما قبله ينقل، وهذا النقل يزداد، ثم الرسوم، النفقات، التكاليف، الإكسسوارات، المستجدات، النغمات، هكذا سيتابع الناس وينشغلون زيادة، وزيادة، وفخر، وتباهي، وكسر قلوب الفقراء، وهكذا استهزاء بمن عنده جوال قديم، والمجتمع