الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
تحديد عدد الطلاق
فقد سبق الحديث عن شيء من الإعجاز القرآني في التشريع في مواجهة المشكلات الزوجية، وما يكون بين الزوجين من الخلافات، وقد تحتدم الأمور، وتصل إلى الطلاق، وتنتهي الحياة الزوجية إلى طريق مسدود، فما هو حكم الله في هذه الحالة؟
هذا تشريع رباني، وتنزيل إلهي، وحكم ممن خلق فسوى، والذي يعلم النفوس وما يصلحها، قال تعالى: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِسورة البقرة:229، فإن قال قائل: إننا نعرف أنه ثلاث، فكيف قال: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ؟! والجواب: إن المقصود هو الطلاق الرجعي الذي بعده رجعة؛ لأن الثالثة لا رجعة بعدها، ولذلك ذكرها بعد ذلك، فقال: فَإِن طَلَّقَهَاسورة البقرة:230 أي: الثالثة.
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ، كان الطلاق في الجاهلية، وفي أول الإسلام غير مقيد بعدد معين، فيطلق الرجل زوجته ما شاء، ثم يراجعها في العدة، ثم يعود إليها، يفعل ذلك لو أراد مائة مرة، فكان الضرر واضحاً، بيناً على الزوجات، تصبح الزوجة معلقة كلما دنت عدتها بعد الطلاق راجعها لإيذائها، وحبسها أن تفعل في نفسها ما تشاء بالمعروف، فأنزل الله هذه الآية، ورحم النساء، ومنع تلاعب الرجال بهن، وقصر الطلاق على مرتين رجعيتين، وثالثة لا رجعة بعدها، جعل بعد الثالثة بينونة وفراقاً كاملاً، فقال تعالى: الطَّلاَقُ أي: الذي فيه الرجعة، مَرَّتَانِلكل واحدة منهما عدة، هذا هو الأصل، ولم يقل طلقتان، وإنما قال: مَرَّتَانِ، إشارة إلى عدم جواز إيقاعهما دفعة واحدة، وأن الذي يقول: أنت طالق، أنت طالق، طالق، طالق، أنت طالق بالثلاث، أو بالألف، فكل ذلك بدعة محرمة، وتلاعب بأحكام الله.
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِكل مرة منفصلة عن الأخرى، لها أحكامها، ولها عدتها، فماذا يكون بعد كل مرة من المرتين؟ قال تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أي: على الزوج إذا أراد الرجعة أن يمسكها بما هو معروف في الشرع، وما تعارف عليه الناس من العشرة الطيبة الحسنة، والثالثة ليس هناك إمساك بعدها، ولذلك قال: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بترك المرأة حتى تنقضي عدتها يسرحها بِإِحْسَانٍيُحسن إليها، فيمتعها عند الفراق بشيء يجبر كسرها، ويُطيب قلبها.
قال ابن عباس : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين، فليتق الله في الثالثة -أي قبل إيقاعها-، فإما أن يمسكها إليه بمعروف، فيحسن صحبتها، أو يسرحها بإحسان، فلا يظلمها من حقها شيئاً.
هكذا إذن طلاق المحسنين، إنه بإحسان بكلام طيب، وهدية وعطية تجبر كسرها، وكسرها طلاقها، ليس التوديع بالسباب والشتائم، والطرد من البيت، وإنما هو بإحسان كما قال الله.
فانظر إلى حالات الطلاق اليوم في المجتمع كيف تحدث، وكم من الأزواج يلتزمون بهذا الحكم الشرعي: تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، فأين التسريح بإحسان؟!
حق المرأة في مالها
ثم قال: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أيها الأزواج أَن تَأْخُذُواْبغير رضا الزوجات مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ أي: أعطيتموهن، ووهبتموهن شَيْئًايعني لا قليلاً، ولا كثيراً، إِلاَّمتى يجوز له أن يأخذ منها؟ المهر مهرها، وهو لما أعطاها إياه، أو كتبه لها فإنه حق واجب عليه يجب أن يؤديه عند الطلاق، إنه مقابل ما استحل من بضعها، فهو شيء عظيم لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا.
هذه مراعاة الإسلام لحقوق المرأة، هذا دفاع الإسلام عن حق المرأة، هذا منع الإسلام الزوج من ظلم زوجته، وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إنه لو أخذ منها ريالاً فهو حرام، لا قليلاً، ولا كثيراً، شَيْئًا ممنوع، إِلاَّ أَن يَخَافَا، في حالة واحدة يجوز أن يأخذ الرجل من المرأة، ما هي؟ إِلاَّ أَن يَخَافَايظن الزوجان، ويتوقعا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ، ما هي حدود الله؟ الحقوق، حقوق الزوج، وحقوق الزوجة، فيخاف كل منهما أن لا يعطي الآخر حقه، وأن يظلمه حقه، فتخاف الزوجة أن تعصي الله في زوجها، فلا تطيع له أمراً، وتظهر النشوز، وسوء الخلق، والكراهية للزوج، ويخاف الزوج أيضاً إن لم تطعه زوجته أن يتعدى عليها، وأن يضربها ضرباً مخالفاً للشريعة، وأن يؤذيها هذا الإيذاء المحرم، فعند ذلك فَإِنْ خِفْتُمْ،والميم للجمع،فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ سورة البقرة:229، لا جناح عليهما من الفراق بمقابل تدفعه لزوجها، وتفتدي نفسها به.
إنه عندما قال تعالى، عندما قال : إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِسورة البقرة:230، المسألة إذن في اجتهادهما، لكن عندما قال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ، والميم للجمع دخل في القرار، واشترك فيه أطراف أخرى، للجمع، فَإِنْ خِفْتُمْمن هم هؤلاء الأطراف؟ إن القضية كبيرة إذن، لقد وسع نطاق القضية ليشمل أطرافاً مجموعة، إن خشي ذلك الزوج والزوجة، وأقارب الزوج، وأقارب الزوجة، ومن تدخل للإصلاح كالحكمين والقاضي والحاكم إذا تبين لهم جميعاً عدم إمكان استمرار العلاقة، إذا تبين لهم جميعاً أن الفراق أقل مفسدة من الاستمرار، إذا تبين فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ، وتتعطل الحقوق المشتركة، ولا تكون هناك فائدة من الزواج، وبدلاً من أن يصبح مودة وسكينة ورحمة يصبح شقاقاً وعذاباً، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَالا إثم، ولا حرج في هذه الحالة، على الرجل في الأخذ، ولا على المرأة في طلب الخلع، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِسورة البقرة:229، فيما دفعته وبذلته ليرضى زوجها بمفارقتها لتفتدي منه وتفتك، كما قال النبي ﷺ لامرأة ثابت بن قيس لما أرادت الخلع من زوجها، قال: أتردين عليه حديقته؟ وكانت قد أصدقها وأمهرها بستاناً، أتردين عليه حديقته؟ لأنها هي التي لا تطيقه، هي التي لا تريده، وكانت قد قبلت به في البداية، ولما رأت دمامته، وقارنته بين الرجال نفرت منه، لم تعد تطيق النظر إلى وجهه، لا يمكن أن تقوم بحقه، وتكره كفران العشير، تكره كفران حق الزوج، تكره الكفر في الإسلام، وتخاف أن الله يعاقبها، فقال ﷺ: أتردين عليه حديقته؟ لقد خسر المهر من أجلك، وأنت الآن لا تريدينه، أتردين عليه حديقته؟ وكان قد أمهرها بستاناً، "قالت: نعم، قال ﷺ: اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة" [رواه البخاري (5273)]رواه البخاري.
أما أن تطلب الزوجة الخلع من زوجها دونما بأس فإن النبي ﷺ قال: المختلعات هن المنافقات[رواه الترمذي (1186)]، فرسالة إلى أولئك الذين يتصلون بالزوجات بهذه الرسائل والمكالمات الغرامية لتخبيب الزوجة على زوجها، وإفساد الزوجة على زوجها، ويقول لها الذئب المتربص، وهذا المتصل العابث: اطلبي منه الطلاق، وأنا سأتزوجك فوراً، فتبدأ بالتمرد والتأفف، وتبدأ بالتلميح، ثم التصريح؛ لأن العلاقة المحرمة بدأت تنتج مفعولها، طلقني، طلقني، لا أريدك.
قال ﷺ: المختلعات، والمنتزعات هن المنافقات[رواه أحمد (9094)]، وذلك لأن النفاق أمر شديد، فكان وصفهن بالنفاق دليلاً على سوء هذه الفعلة، تشريد أسرة، وتحطيم كيان مستقر، والتلاعب باستقرار الزوج، ووضع الأولاد في مهب الريح، وعواصف التشتت النفسي، والاضطراب العاطفي، فلذلك لا يجوز طلب الخلع دونما بأس، ودونما عذر شرعي، فحرام عليها إن فعلت ذلك، وقد قال ﷺ: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة[رواه أحمد (21874)]رواه أحمد، وهو حديث صحيح.
ثم قال تعالى: تِلْكَهذه الأحكام المذكورة حُدُودُ اللّهِ، وما حده وشرعه لعباده، فهنالك حدود حدها تعالى لا يجوز تعديها وتخطيها، وهنالك حدود أخرى حدها تعالى لا يجوز اقتحامها، ولا الدخول فيها، فهناك حدود للداخل، وحدود للخارج، كلها حدود الله، حدود الله أحكامه وشرعه: فَلاَ تَعْتَدُوهَالا تتجاوزوها للمخالفة إلى ما نهاكم عنه، وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة البقرة:229، الذي يتجاوز أحكامه متعرض لسخط الرب كما قال النبي ﷺ: إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها[رواه الحاكم في المستدرك (7114)].
من فوائد الآية
نرى في هذه الآية رحمة الله بالزوجة، حيث حد لزوجها ثلاث طلقات لا يستطيع بعدها أن يمكث معها، ولا يجوز أن يُمسكها مع الإضرار، وأن عليه أن يجبر قلب المطلقة إما بردها إذا كانت الطلقة رجعية، أو بالإحسان إليها إذا كان لا يريدها، وانتهت عدتها، الإحسان عند إنهاء العلاقة الزوجية، إنه دال على كرم الأخلاق عند الفراق، وهذه الإباحة للمرأة بطلب الخلع عند عدم تمكنها من إيفاء حقوق الزوج رحمة بالمرأة أيضاً، يجوز لها أن تطلب الخلع، فلا حاجة إذن إلى سن القوانين الجاهلية الكافرة بجعل الطلاق للمرأة كما هو للرجل.
وهذه رسالة من هذه الآية إلى أصحاب الخزعبلات والأوهام الذين يتبعون الغرب وناعقيه، وهم جنوده، وأزلامه، وأذنابه بأن يتأملوا في حقوق المرأة في الإسلام، ليست حقوق المرأة أن تتخلى عن الحجاب، وأن تسافر بغير محرم، وأن تتزوج بغير ولي، وأن تحضر المؤتمرات العالمية مخالطة للرجال، وأن تمثل بلادها في الأولمبياد الرياضية، ليست هذه حقوق، بل هذه بهيمية وتخلف، هذا افتراس للمرأة ووحشية، يريدونه اليوم، ينعقون به، يرفعون الرايات، ظلمتم المرأة، ظلمتم المرأة، جعلتم شهادتها على نصف شهادة الرجل، وإرثها على نصف إرث الرجل.
ويقولون: نريد رفع هذا الظلم، وهذا كفر واضح؛ لأن من اتهم شرع الله بأنه ظلم فهو كافر كفراً صريحاً، والشرع جعل لها ولياً عند النكاح، والنبي ﷺ: لا تزوج المرأة نفسها؛ فإن الزانية هي التي تزوج نفسها [رواه ابن ماجه (1882)]، فإذا أرادوا من باب تحرير المرأة اليوم أن يرفعوا هذه الأحكام الشرعية، ويتعدوا حدود الله، فإن الله وصفهم بالظلم، وإنهم من الكافرين لا يرضون بحكم الله.
ونرى في هذه الآية محافظة الشريعة على الأسرة، ولا يجوز طلب الخُلع مع استقامة الحال، ونهدي رسالة أخرى أيضاً إلى هؤلاء الأدعياء، فنقول لهم: انظروا كيف أباحت الشريعة للمرأة أن تتصرف في مالها؛ لأن الله قال: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِسورة البقرة:229، فهي تدفع من مالها، إذن هي حرة في التصرف بمالها، إذن هي تفتدي نفسها من زوجها بمالها، فلها أن تتصرف بالمال إذن، فتبيع وتشتري وتؤجر، ولا يشترط لتصرفات المرأة المالية ولي كما للنكاح، يمكن أن تجعل لها وكيلاً، أما ولي يمنعها من النكاح إلا بإذنه؛ لأن نظر الرجل أَسَد في اختيار الأصلح للمرأة، وهي التي لا تستطيع أن تخالط الرجال لتعرف من هو المناسب من غير المناسب إلا على مذهب ستار أكاديمي، فإنها تخالطه، وتزني معه، وتجرب كل شيء، وفي النهاية يتفرقون.
عباد الله، تصرف المرأة في مالها بالمعروف، والخلع لا بد أن يكون برضا الزوجة إذا كانت الفدية منها، والأعدل أن لا يأخذ الزوج إلا ما أعطاه، أتردين عليه حديقته؟[رواه البخاري (5273)] قالت: نعم، وهذا الأخذ بشرط عدم المضارة من الزوج.
والخلع لا يحق للزوج بعده أن يراجع المرأة في عدتها، للخلع عدة؟ نعم، لكن لا يستطيع الرجل أن يراجع المرأة في عدة الخلع مثل عدة الطلاق، فإنه يجوز أن يراجعها في عدة الطلاق الرجعي، وإن لم ترض، أما عدة الخلع لا يستطيع أن يراجعها في عدة الخلع، وإلا ما بقي للخلع فائدة؛ لأنها إنما اختلعت، ودفعت لتفتك لا لترجع، فلا ترجع إلا بعقد جديد برضاها.
وقال بعض العلماء: إن عدة الخلع ثلاث حيضات، وقال بعضهم: إنه حيضة، وقد ثبت في الترمذي عن امرأة ثابت بن قيس لما اختلعت من زوجها على عهد النبي ﷺ، فأمرها النبي ﷺ أن تعتد بحيضة.
وكذلك جاء في قصة الرُّبيع بنت معوذ أنها أمرت أن تعتد بحيضة، وهذا الذي قضى به عثمان بن عفان تبعاً لقضاء رسول الله ﷺ.
فإن اعتدت بثلاث كان أحوط لها خروجاً من الخلاف بين أهل العلم.
حكم المحلِّل والمحلَّل له
عباد الله: إن هذه الأحكام تنزيل من حكيم خبير يعلم النفوس ، إذا كانت طلقتان عرفنا ماذا يحدث، واستدل بعض العلماء على أن الخلع ليس بطلاق؛ لأنه جاء بين الطلقتين والثالثة؛ لأن الله قال بعد الخلع: فَإِن طَلَّقَهَاأي: الثالثة، فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، بعد الثالثة لا رجوع، وهذا فيه دفع للتفكير والنظر، والإمعان والاستشارة، والاتزان عند اتخاذ القرار، فإنه سيقال له: يا أيها الرجل، إذا طلقت الثالثة فلا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك، فهنا يتردد ويفكر، ويتوقف وينظر، هل من المصلحة أن يطلقها هذه الطلقة الثالثة، ثم يعلم أنها لا تعود إليه إلا بعد زوج، وقد لا يطلقها هذا الزوج فتمضي معه بقية حياتها.
إذن الرجعة صعبة، صعبة الآن، صارت أبعد من ذي قبل، فهو يفكر جيداً بعد الطلقة الثالثة، والله شرعه جد ليس بهزل، فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُسورة البقرة:230 نكاحاً يطؤها فيه، نكاح رغبة، وليس نكاح تحليل، نكاحاً يريد منه الاستمرار -أي: الزوج الثاني-، نكاحاً راغب، يكون راغباً فيه بالمرأة، ولذلك دع عنك المبادرات الرحيمة التي يسميها البعض، عندما يرى امرأة طلقها زوجها ثلاثاً، فيقول: أنا أنتدب نفسي لأتزوجها، ثم أطلقها لتحل لزوجها الأول، إنه ندم على طلاقها، وهي ندمت، والأولاد قد تشردوا، فأنا الآن سأنتدب لنفسي لهذه المهمة، فليعلم بأنه حرام، وأن زواجه منها لا يبيحها لزوجها الأول، حتى ولو لم يتفق معه؟ حتى ولو لم يتفق معه؟ حتى ولو لم يتفق معه؛ لأن نكاح الثاني، هذا ليس نكاح رغبة، وإنما هو نكاح ينوي أن يطلقها بعده ليبيحها للأول، ويحللها له، فكيف إذا اتفقا، فكيف إذا قال الزوج الأول: يا صديقي العزيز: أنا في ورطة، ما هي؟ قال: طلقت زوجتي الطلقة الثالثة، ندمت، بكيت، وهي كذلك، والأولاد الآن، الأولاد في شقاء، أرجوك اعمل لي معروفاً، ما هو؟ تزوجها، واقض معها بعض الوقت، ثم طلقها حتى أستطيع أن أرجع إليها، ماذا يسمى هذا؟ نكاح التحليل، ما حكمه؟ اللعن، لعنة الله على من فعله، ولذلك فإن النبي ﷺ قال: لُعن المحلِّل، والمحلَّل له[رواه أحمد (4296)]رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وتنفيراً من هذه الفعلة الشنيعة وصفه النبي ﷺ بالتيس المستعار، مثل ذلك الراعي أو المزارع الذي يستعير تيساً يلقح به الشاة، ثم يرد التيس إلى صاحبه، التيس المستعار، والتيس المستعار عار.
ولما سئل ابن عمر في رجل أراد أن يتطوع بالزواج من مطلقة أخيه ثلاثاً، يعني: حتى يحله له بعد ذلك، فقال: "كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله ﷺ" حديث صحيح [رواه الحاكم في المستدرك (2806)].
إذًا: الشروط ذكرها الله: فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُسورة البقرة:230 أي: الثالثة، لقد قال من قبل: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ سورة البقرة:229، ثم قال بعدها: فَإِن طَلَّقَهَايعني الثالثة، فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُسورة البقرة:230، إذن متى يصح أن يرجع الأول؟ بشروط، إذا طلقها ثلاثاً متى يحل أن يرجع إليها؟
بشروط:
1- أن تنقضي عدتها من الأول.
2- أن تتزوج الثاني زواجاً صحيحاً شرعاً، بأن يكون نكاحه لها نكاح رغبة يقصد فيه استدامة العشرة.
3- وأن يطأها وطئاً مباحاً في هذا النكاح.
4- ثم إذا طلقها بعارض، لخلاف لمشكلات، وانقضت عدتها من الثاني جاز أن ترجع إلى الأول بعقد جديد.
5- وكذلك لو فارقها الثاني لموت، أو خلع، أو فسخ بعد وطئها جاز للأول أن يعود إليها بعد انتهاء عدتها.
إذًا: الشريعة تسد باب الحيل، تسد باب التلاعب، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا، الزوج الأول والزوجة، متى، هل انتهت الشروط؟ كلا، قال: إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِسورة البقرة:230، التراجع إذن بغير هذا الشرط يكون إثماً وشقاء، ونكداً وخسارة مالية، وفي هذا تعظيم شأن النكاح، كل هذه الأحكام والدقائق، والتفصيلات والشروط تبين ماذا؟ كيف أن عقد النكاح في الإسلام مقدس، كيف أن القضية ليست مجالاً للتلاعب على الإطلاق، كيف أن هذا الزواج الذي يريده الله تعالى له قدر عظيم، ولذلك فهو الحل، لا زنا، ولا العلاقات المحرمة، ولا غير ذلك من أنواع الحرام الذي يريده هؤلاء اليوم.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك ويتقيك في الغيب والشهادة يا رب العالمين، اللهم ارزقنا فقه أحكام شريعتك.