الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
خطورة السحر وحكمه
عباد الله: يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم تنزيله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَالبقرة:102، فهذه الآية العظيمة من هذه السورة العظيمة تبين حكم السحر، وأنه كفر، وأن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه، وأن تعلم السحر حرام، وأنه يضر ولا ينفع، وأن الساحر ليس له عند الله من خلاق، ولا حظ، ولا نصيب؛ لأنه ظالم يعتدي على الأعراض، وظالم يأكل أموال الناس بالباطل، ويدعي علم الغيب، فالسحر لا يتعلمه، ولا يفعله إلا من خلا قلبه من الإيمان، واستهوته الشياطين، فهو الخطر العظيم.
وذكر ربنا تعالى أن النتائج ليست على هوى السحرة يفعلون ما يشاءون، ويضرون عندما يشاءون، ومن يشاءون، وكيف يشاءون، ووقت ما يشاءون، بل قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِهذا السحر الذي منه ما هو عزائم ورقى يعملها السحرة، هذا السحر الذي منه ما هو عقد يقومون بعقدها، لها تأثير حقيقي، ولكن هذا التأثير لا يحدث إلا بإذن الله، وهذا يقوم على صلة بين الساحر وبين الشيطان، هذا الشيطان الذي يتوكل بالسحر، وينفذه، ويقوم على الطلاسم، والأسماء الشيطانية.
وهكذا يتعاقد شياطين الإنس مع شياطين الجن، إنها أمور لها حقيقة تؤثر في بدن المسحور، وقلبه، وعقله، ولا ينكر أن منه ما يمرض، ومنه ما يقتل، ومنه ما يمنع عن وطء الزوجة، ومنه ما يفرق بين الأحبة، أو يجمع بين المتفرقين، وهذا ما عبر عنه العلماء بقولهم: الصرف والعطف، فيصرف عمن يحبه، ويعطف على من لا يطيقه، وكان السحرة دائماً معاول هدم في المجتمع، يهدمون عقائد الناس أولاً، فدمروا البيوت، وشتتوا الأسر، ونهبوا الأموال، وصاروا مقصداً للجبناء، وهذا الساحر لا يتم له السحر إلا إذا تزلف إلى الشياطين بالشرك؛ ولذلك إذا كان السحر من نوع الأدوية، فهو يختلف عما فيه استعمال للشياطين.
ولذلك فإن استعمال الشياطين أشد وأنكى من الأدوية المؤثرة، إنه يجلب النار، وغضب الجبار، وقد انتشر السحرة في المجتمعات كثيراً، وراجت بضاعتهم، وهذا بسبب واحد إهمال الناس لأمور التوحيد، وعدم صيانة التوحيد.
استعمال الشياطين أشد وأنكى من الأدوية المؤثرة، إنه يجلب النار، وغضب الجبار، وقد انتشر السحرة في المجتمعات كثيراً، وراجت بضاعتهم، وهذا بسبب واحد إهمال الناس لأمور التوحيد، وعدم صيانة التوحيد، هذا بسبب إهمال الأمة في أمر توحيد الله تعالى، فإن أمر التوحيد يقوم على اللجوء إلى الله، وعلى تحريم السحر، وتحريم إتيان السحرة،
فكم يأتونهم اليوم من الناس، ويتصلون بهم إذا لم يقدروا على إتيانهم، وصار هؤلاء يتصلون من الخارج على أرقام الناس، ويقولون: رأيناك ورأينا اسمك في عالم الجن والجان ونحو ذلك، فيخاف هذا المسكين، ويستدرجونه لدفع الأموال، ويعيدونه: وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًاسورة النساء120.
قنوات السحر وكونها مصادمة للتوحيد
ولما جاء عصر الفضائيات؛ أمِّر أمرهم، وتعاظم خطرهم، وتطاير شررهم، واستفحل شرهم، فكم من بيوت قد هدمت، ووقع الناس في حبائلهم، ولذلك فهم فساد على الأمة، وفساد على الناس، ولو ظهروا بمظاهر المصلحين، وربما يقول: الساحر يضر وأنا أنفع، الساحر يفسد وأنا أصلح، ونحو ذلك، وعندما قام سوق الفضائيات الذي دخل معه كل شر على الأمة، وكان للفضائيات أنواع تقوم على نشر الفساد، وانحلال الأخلاق، ومنها ما يقوم على تمجيد الغرب، وقوته، والتشبه به، والدعوة إلى الارتماء في أحضانه، والهيمنة الغربية التي تعرض على عقول المراهقين صباح مساء، ومن هذه القنوات قنوات الأغاني التي تخدر الناس بالألحان، وتنشر الفساد عبر الكلمات، وأنواع المصورات التي تكون أثناء عرض الأغنية، ثم جاءت قنوات الدجل جاءت قنوات الشعوذة، جاءت قنوات السحر لكي لا يبقى كفر في الأرض إلا ويعرض عبر هذه القنوات التي تدخل البيوت، والتي يجتمع حولها الناس من مشاهد ومتفرج، ما بين مصدق ومكذب ومتشكك، ما بين من يريد التجربة، وما بين من يعرف الحقيقة، ولكن كثيراً من الناس يجهلون ما انطوت عليه من أنواع الإلحاد، والكفر، والزندقة، والانحلال، وما ينشر عبرها مما يصادم التوحيد الذي لأجله قامت السموات والأرض، ولأجله خلق الله البشر، ولأجله انقسمت الخليقة إلى الأبرار والفجار، وحقت كلمة الله على العباد، لأجله جردت السيوف للجهاد، ولأجله قام النبي ﷺ على قومه، وصار بينه وبينهم من المواجهات، كل ذلك ليقولوا لا إله إلا الله، ويلجئوا إلى الله، ويستعينوا بالله، ويتوكلوا على الله، ولا يعبدوا غير الله، ولا يصرفوا نوعاً من العبادة لغير الله، لكي يعتقدوا أن الله هو الذي يضر وينفع، وليعتقدوا أنه لا يعلم الغيب إلا الله.
وجاءت الآيات عظيمة في الدعوة إلى التوحيد، لا إله إلا الله هذه دعوة الرسل، ولكن هل أبقت هذه الفضائيات من التوحيد شيئاً؟ هل أبقت هذه الفضائيات حماية للعقيدة، بل أغارت عليها، وجاءت هذه المقابلات، والهواتف المفتوحة للمشعوذين، تنشر الشر والفساد، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنكِ مريضة، وأنك لا تنجب، وأنه غير سعيد، وأن الأخبار كذا وكذا، وأن قدرها عنده نكد، يتصل المساكين، يتصل الذين يئسوا من علاج دنيوي، أو رقية شرعية بزعمهم، يتصل أهل المعاناة، يتصل الذين يعايشون أنواعاً من المصائب، وقد ابتلى الله تعالى من عباده من شاء ببلايا كثيرة، فبدلاً من أن يعودوا إليه، ويوحدوه، ويقبلوا عليه إذا بهم يرتمون في أحضان هذه الفضائيات، وفيها من الدجالين، والمشعوذين، والكهنة، والسحرة الذين يتصدون بزعمهم لمكالمات الناس، يتصلون بهم، والأرقام تعمل، والخطوط مشغولة لا تتوقف من جميع الأنحاء، هذا يدل على ماذا؟ خواء القلوب من أساس التوحيد الذي جعله الله قياماً للناس، فيعرض هذا المدعي للغيب ما يعرض، ألم يقل ربنا وتعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُسورة النمل65ألم يقل ربنا وتعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِسورة الرعد9 ؟ ألم يقل ربنا تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍسورة الجن26-27.
عباد الله: إن قضية علم الغيب مما تفرد الله به، ولا يعلم البشر الغيب، يخرصون، يتوقعون، يستنتجون، وللمستقبل يستقرئون، ويقولون: التنبؤ بالمستقبل، واكتشاف المستقبل، وقراءة المستقبل، ونحو ذلك، وهنالك أمور متوقعة، فأنت إذا رأيت الغيمة في السماء توقعت نزول المطر، ثم قد ينزل وقد لا ينزل، وهنالك أمور مفاجئة لم يدر في خلد إنسان أنها ستحصل وحصلت، فيقوم الخراصون بناء على بعض المقدمات باستنتاج أشياء يمكن أن يستنتجها أي ذكي، أو متفرس، فيظن العامة أنه يعلم الغيب، أو يكون الأمر دائراً بين احتمالين إما أن يقع كذا أو لا يقع، فيجزم هذا العراف أنه سيقع على أحد الاحتمالين، فإذا وقع الاحتمال قال الناس: من أين عرف هذا؟ وبعضهم لهم اتصال بالشياطين الذين يسترقون الخبر من السماء فيرجمهم الله بالشهب فيحترق من يحترق، وربما تصل الكلمة من السماء إلى الأرض وربما لا تصل، وربما يصل جزء منها كما وصل إلى ابن صياد الدخ جزء من كلمة الدخان، وقد اختبره النبي ﷺ هل يدري ما خبأ له؟ فقال: الدخ، فقال: اخسأ فلن تعدو قدرك[رواه البخاري1355 ومسلم2924].
إنه عراف من العرافين، ودجال من الدجالين، لم يستطع الحصول إلا على نصف الكلمة، ثم إذا جاءت هذه الكلمة المسترقة مما نجد به بعض هؤلاء المستمعين المسترقين للغيب إذا حازوها فيخلطون معها مائة كذبة، ويتحدث الكاهن والعراف بكذا وكذا، ويخلط معه الكذب الكثير، فإذا حصل هذا الشيء الذي أخبر عنه واحد بالمائة قال الناس: حصل ما أخبر به، وينسون تسعة وتسعين كذبة قد خلطها معها.
صارت الفضائيات عبر إظهار المشعوذين طريقة سهلة لابتزاز السذج، والجهلة، والمساكين، وبعض الناس يتعلقون بقشة، إنه مصاب، مبتلى، واقع في مصيبة، جرَّب علاجات وأطباء، وربما استخدم الرقية الشرعية أو لم يستخدمها، فإذا رأى هؤلاء قال: فلأجرب حظي أريد الخلاص، أريد النجاة، أريد الفكاك، أريد حل هذا الأمر، أريد أن تنتهي معاناتي، وأن تنتهي مأساتي فيتصل على هؤلاء.
علامات معرفة الساحر
يسألونه عن اسمه وعن اسم أمه، وهذا ولا شك من علاماتهم، فإذا أردت معرفة علامات هؤلاء، فالدجال الكاهن، والساحر المشعوذ من علاماته: أن يسأل عن اسم الأم.
ومن علاماته: الوصية باستعمال البخور.
ومن علامة الساحر: أن يأخذ أثراً من أثر المريض المزعوم من ثوب أو شعر ونحوه.
ومن علاماتهم: طلب ذبح حيوان بصفة معينة ولا يذكر اسم الله عليه، وأن يلطخ بدمه أماكن الألم أو جدران البيت أو السيارة، ونحو ذلك.
ومن علاماتهم: كتابة الطلاسم ومنها مربعات بداخلها حروف وأرقام.
ومن علاماتهم: كلمات غير معروفة أو فيها استغاثة بالشياطين: يا بدوح يا بدوح، ونحو ذلك من أسماء الشياطين.
وربما طلبوا من المصاب أن يعتزل الناس فترة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسمونها بالحجبة، أو ألا يمس الماء مدة معينة، وربما تكون أربعين يوماً، أو يوصون بدفن أشياء في الأرض، أو الدخول في قذارة، أو نجاسة، أو طلب كتابة آيات بدم الحيض والعياذ بالله، وربما يطلبون كتابتها بنجاسة أخرى ونحو ذلك، وهؤلاء لا يتورعون عن اقتراف الرذيلة واقتراف الفاحشة، وكم من النساء ذهبن إليهم فكانت النتيجة ضياع العرض وفقد الكرامة على يد هذا الساحر أو المشعوذ والكاهن، وهم يقولون للناس عبر الفضائيات: ابحثوا عنا وستجدوننا، من سأل عنا لن يخطئنا، ونحو ذلك، لن نقول أرقام هواتفنا الشخصية، أو اتصل بعد البرنامج لإعطاء الرقم الخاص، وهم ينهبون الناس عبر الرقم العام، والرقم الخاص.
حكم إتيان العرافين والسحرة
ألم يعلم هؤلاء الذين يتصلون ويسألون أن النبي ﷺ قال: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً[رواه مسلم2230]أفيضحي الإنسان بدينه، وإيمانه، وتوحيده، وأجر صلاته، ويعرض عمله للحبوط لأجل أن يتصل على هذا العراف؟! ألم يقل النبي ﷺ: من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد[رواه أبو داود9252]ألم يقل ﷺ محذراً: ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له[رواه الطبراني355 وصححه الألباني في صحيح الجامع5435]وهؤلاء يطلبون أسحاراً، وفك أسحار، ويستعينون بفتاوى شاذة تجيز الذهاب إلى السحرة، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "في هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين وأمثالهم، وسؤالهم، وتصديقهم، والوعيد على ذلك، والواجب من من له قدرة وسلطان إنكار إتيان هؤلاء، ومنع تعاطي هؤلاء، والإنكار عليهم، وعلى من يجيء إليهم، وعدم الاغترار بما يقولون" لا يجوز سؤالهم، لا يجوز حتى قراءة ما يكتبونه للتسلية، وكيف يتسلى المسلم بالحرام؟ لا يجوز قراءة الأبراج التي تدعي معرفة أيام السعد وأيام النحس، والأشياء الممنوعة لمن ولد في البرج الفلاني، والمسموحة، إنها ادعاء علم الغيب، إنها حرام، والتسلية بها حرام، وقراءتها حرام، ونشرها حرام.
لا يجوز قراءة الأبراج التي تدعي معرفة أيام السعد وأيام النحس، والأشياء الممنوعة لمن ولد في البرج الفلاني، والمسموحة، إنها ادعاء علم الغيب، إنها حرام، والتسلية بها حرام، وقراءتها حرام، ونشرها حرام، برجك وما أدراك ما برجك، واعتقاد تأثير النجوم والكواكب على حياة الناس، هؤلاء المنجمون الذي يظهرون يسأل عن برجه، وأمامه كرة الكريستال ويقول له: مد يدك، مد كفك، أرني كفك، وهذا المغفل يمد كفه في بيته، وليس عنده كاميرا تنقل الصورة إلى هذا المشعوذ والعراف،
وهكذا في قضية هل سيتزوج أو لا يتزوج، وهل سيكون الزواج سعيداً أو لا يكون سعيداً، وهل سيقع فراق، وهذه تخشى الطلاق، وأخرى ما عندها أولاد، وهذه تعيش في مشكلات عائلية، ونحو ذلك، هل سيحصل على وظيفة، وأي الوظيفتين يقدم.
وهذه البنت الخرساء هل ستنطق، وهذه وهذه، ومن العجيب أنهم يسألون: هل قرأتم عليها القرآن؟ هل ذهبتم إلى راق؟ فإذا قالوا: نعم، قالوا: هذه هي المصيبة، هذه المشكلة، خطأ خطأ، رقيته خطأ، ونحو ذلك، إذن صرف الناس عن القرآن.
وبعض هؤلاء المحترفين للشعوذة والكهانة والعرافة والسحر في الفضائيات يقولون: لا يعلم الغيب إلا الله، نحن لا نعلم الغيب، ثم يرجمون بالغيب، ويخبرون عن المستقبل، فيا أيها الكذاب الدجال تقول: لا يعلم الغيب إلا الله ثم تتكلم في المستقبل.
وتحسين الأوضاع المالية والمعيشية، والحظ، وجلب السعادة، وفك السحر، وفيك عين، وفيك جن، وفيك صرع، وفيك سحر، وسنقوم بفكه، وأعطنا الفرصة، وانتظر كذا يوم سيزداد تعبك ثم ينحسر، ونحو ذلك، ويتصيدون الأغنياء، ويتيحون المجال للمتصلين من الدول الغنية، والمجتمعات النفطية، ونحو ذلك، لهاث وراء هذه الأرقام.
وقضية الجمال، ومدح المتصلة، وأن فيها كذا وأشياء مزرية كما أخبرنا من عاين ذلك، كما كتب في التحقيقات عن هذه القنوات.
وكذلك فإن من هؤلاء من يقول زيادة في التلبيس: اقرأ آية كذا مائة مرة، ومن آية كذا إلى آية كذا مائتي مرة، وآية كذا أربعمائة مرة، ومئات من المرات، وكأن أمامه جدول كل ما اتصل واحد أعطاه من الآيات والأعداد التي ما أنزل الله بها من سلطان، وقضية طلب قراءة الآيات ما هي إلا لخداع الناس، وذر الرماد في العيون.
سبحان الله! مدعوا علم الغيب غزوا الفضائيات، صارت لهم برامج خاصة، طعناً في التوحيد واعتداء على خصوصيات رب العالمين.
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِسورة سبأ14لقد بقي الجن في عهد سليمان يعملون بما أمرهم به حتى بعد موته، لم يكونوا يعلمون موته، وكان قائماً مستنداً على عصا يظنونه يصلي، فلما أكلت دودة الأرض عصا سليمان التي كان متكئاً عليها خر ميتاً، وكان قد مات من قبل، فتبينت الجن عند ذلك أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، الذي سخرهم من أجله سليمان بما سلط الله تعالى على هؤلاء الجن من وجوب طاعة سليمان، والانقياد له، وما سخر الله الشياطين من أجله.
عباد الله: أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَسورة الطور41 يقولون: البرج الفلاني والنجم الفلاني.
خبرا عني المنجم أني | كافر بالذي قضته الكواكب |
عالماً أنما يكون وما | كان قضاء من المهيمن واجب |
شاهد أن من تكهن | أو نجم زارٍ على المقادير كاذب |
عباد الله: هذا المنجم أو الرمال الذي يخط في الرمل، أو الذي يضرب بالحصى والودع، أو الذي يقرأ الفنجان أو يقرأ الكف، برامج لقراءة الكف، برامج لقراءة الفنجان، هذا الحاسب أو الذي يدعي الكشف، هذا العراف الذي يدعي علم الغيب، هذا الذي يستخدم الشياطين أو يكذب من عنده، هذا الذي يزجر طيراً، أو يضرب في الأرض، هذا الذي يستقسم بالأزلام، أو يقرأ أبا جاد أبجد هوز للاستدلال بها على الغيب، يقول شيخ الإسلام رحمه الله عنها، عن من يعتقد أن الكواكب لها تأثير في الوجود، أو يقول إن له نجماً في السماء يسعد بسعادته، ويشقى بعكسه، وعن قول هذا المفتري الكاذب، إن النبي ﷺ كان نجمه بالعقرب أو المريخ ونحو ذلك، أجاب شيخ الإسلام: "الحمد لله النجوم من آيات الله الدالة عليه المسبحة له الساجدة له، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، بأمر الله جعل لها وظائف هداية للمسافر في البر والبحر، ورجوماً للشياطين تسبح وتسجد، يقول: والمنجمون يدعون علم الغيب والخرافات والأكاذيب، خاطبتهم وبينت فساد صناعتهم، فقال رئيس منهم: إنا والله لنكذب مائة كذبة حتى نصدق في كلمة واحدة، واعتقاد المعتقد أن نجماً من النجوم السبعة هو المتولي لسعده ونفسه اعتقاد فاسد، واعتقاد أن النجم يدبر، من اعتقد ذلك فهو كافر بالله، ثم إن الأوائل من هؤلاء المنجمين المشركين الصابئين عباد النجوم والكواكب الذين إذا ولد المولود أخذوا طالع المولود من النجم ومن الاسم، ويتكلمون في اختيارات السفر ومتى يكون السفر فيه فلاح لهم، فيه فلاح أو شقاء.
ولما أراد علي أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم فقال: يا أمير المؤمنين! لا تسافر فإن القمر في العقرب، يعني: في برج العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك، فقال له علي : بل أسافر ثقة بالله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك وإرغاماً لأنفك، فسافر علي بجيشه فبورك له في ذلك السفر، ونصره الله على الخوارج، وقتلهم شر قتلة رضي الله تعالى عنه.
عباد الله: استدراج المتصلين وخداع الناس، هذه الآيات، والسؤال عن الأسماء والأقارب، واستعمال القرين من الجن الذي يخبر عن أشياء ينبغي معرفة حيل هؤلاء الدجالين، والتحذير منهم، وأن نحذر أقاربنا وأصحابنا وعموم المسلمين من هذه الطوام العظيمة التي خرجت.
اللهم إنا نسألك أن تقينا الشر وأهله، والكفر وأهله، والسحر وأهله يا رب العالمين، اللهم اجعلنا لك موحدين لك ذاكرين، لك شاكرين، عليك متوكلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن الله لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه، وصفيه، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد كما صليت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
حكم مشاهدة قنوات السحر
عباد الله: لا يجوز المشاهدة، ولا السؤال، ولا التصديق، ولا التجربة، ولا أن يقول: لعلهم يفعلون لي شيئاً، ومنهم من يقول: أنا أعرف أنهم دجالون ولكن لعلهم يفيدون، فكيف يلتمس الشفاء من أصحاب العطب؟
إن كشف حيل هؤلاء واجب شرعي، وإن الاحتساب في بيان باطلهم واجب لا بد منه، دفاعاً عن العقيدة، ودفاعاً عن التوحيد، ودفاعاً عن الإسلام، إذا كان النبي ﷺ نهى عن حلوان الكاهن، ونهى عن إيتاء الكاهن مالاً، وهو الأجرة التي تدفع إلى هؤلاء، بين أنها حرام، فالأجرة التي تعطى للساحر أو المشعوذ أو العراف أو الكاهن حرام بنص الحديث، فكيف يتصل هؤلاء برقم سبعمائة أو غيره من الأرقام لكي تؤخذ أجرة الكاهن، وتستقطع من قيمة المكالمة، أليست قيمة المكالمة من حلوان الكاهن الذي نهى عنه النبي ﷺ؟ أليس في ذلك دعماً وتشجيعاً لهؤلاء؟ أليس الاتصال على هؤلاء من المشاركة في الإثم والعدوان؟
الواجب على الإنسان إذا أصيب بمصيبة
عباد الله: مهما بلغت معاناة الإنسان من مرض مستعص، أو سحر مؤلم، أو عين مفسدة، ونحو ذلك من أنواع الشقاء النفسي، أو الخلافات الأسرية والاجتماعية، أو الأمراض النفسية، فمن الذي يلجأ إليه؟ أليس اللجوء إلى الله؟ أليس ربنا سبحانه هو القادر على الشفاء؟ ألا يجب علينا أن نحقق التوحيد: أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِسورة الزمر22؟ ألا يجب علينا الإيمان والاعتصام بالله لأجل الحياة الطيبة إذا عملنا صالحاً أيضاً: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًسورة النحل97؟ أليس المضطر يجيب الله دعوته؟ فأين دعاء المضطرين؟ أين اعتقاد أن الله مع المؤمنين، وأنه يدافع عن الذين آمنوا، وأنه يكشف الضر؟ من الذي يكشف الضر؟ من الذي ينفع؟ من الذي بيده الأمر؟ من الذي يجير ولا يجار عليه؟ من الذي لا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا يعلمه؟ من هو الشافي؟ من هو الذي يذهب الأسقام؟ أليس من أسمائه تعالى الشافي؟ ألم يقل النبي ﷺ: لا شافي إلا أنت[رواه البخاري5742]من الذي قال: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَاسورة الحديد22أين الإيمان بقضاء الله وقدره؟ أين الدعاء؟ أين الإلحاح؟ أين التضرع؟ إذا كانت مصيبة ألم يدعنا للتضرع: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْسورة الأنعام43أم قست القلوب واتجهت إلى الذين ينهبون الجيوب ويذهبون بالعقيدة والتوحيد بعيداً عن علام الغيوب؟
عباد الله: أين انتظار الفرج وحسن الظن بالله؟ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًاسورة الشرح5-6 أين الرضا بما قسم الله؟ أين اتخاذ الأسباب الشرعية لدفع المصائب النازلة؟ أين العلاجات؟ أين الذهاب للأطباء والمستشفيات؟ أين الرقية: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءسورة الإسراء82؟ أليس هذا الكتاب العزيز شفاء؟ ألم يجعله الله رحمة للمؤمنين، وشفاء لما في الصدور، وشفاء لأمراض البدن للأمراض النفسية، والقلبية، والجسدية، والمستعصية، والعادية؟ أين احتساب الأجر فيما يحصل من المصيبة؟ أين إنزال هذه المصيبة تنزلها لرب رحيم يعلم حاجتك، فتدخل، وتلجأ، وتتذلل، وتنكسر، وتلح، وترجو؟ أين الاستغفار؟ أين الصلاة؟ أين الصبر: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِسورة البقرة45أين التوكل على الله: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُسورة الطلاق3؟ أين تفويض الأمور إلى الله؟ أين البراءة من الحول والقوة؟ أليست لدينا تحصينات شرعية تقي من السحر قبل وقوعه، تقي من شر الحاسد إذا حسد، تقي من شر النفاثات في العقد، تقي من شر الناس والوسواس الخناس؟ أين تقوى الله: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًاسورة الطلاق2؟ أين بذل الصدقات؟ أين المحافظة على أذكار الصباح والمساء؟ أين إخراج ما يدخل الشيطان إلى البيت؟ أين استعمال ما ورد من العلاجات النبوية: من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر[رواه مسلم2047]ونحو ذلك مما ورد مما في علاج؟ أين اللجوء إلى الله بالتعويذات الشرعية: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم[رواه أبو داود5088]، أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق[رواه أبو داود3898]أين الدعاء بالشفاء: اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً[رواه البخاري5742]أين المعوذتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما قط؟ ألم يجعل الله من ماء زمزم بركة وشفاء؟
أيها المسلمون: لا يصح لا للرجال ولا للنساء لا للصغار ولا للكبار التعامل مع هؤلاء، لا الذهاب، ولا الاتصال، ولا فتح القنوات، هؤلاء الذين يدعون الأعمال الخارقة، هؤلاء الذين يطمئنون الناس أن عندهم الحل، هؤلاء الذين يطلبون كتابة الأحجبة.
عباد الله: يجب أن نحتسب لبيان الحق في هذه المسألة؛ لأننا لو فرطنا فيها لضاع من التوحيد شيء كثير، والكلمة الواحدة خطيرة: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم[رواه البخاري6478].
اللهم احفظنا بحفظك، اللهم ادرأ عنا الوباء والبلاء، اللهم اصرف عنا الشقاء، اللهم عافنا واعف عنا، عافنا في ديننا، وأجسادنا، وأولادنا، وأموالنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تحفظنا من شر كل ذي شر وأن تنعم علينا بالعافية، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، اللهم اشف المرضى من المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تذهب البلاء عن من ابتلوا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الموحدين، اجعلنا بك موقنين، وعليك متوكلين، ولك ذاكرين شاكرين تائبين، اللهم إنا نسألك الأمن في أوطاننا، وبلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك من خيرك، وبركتك، ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نسألك أن تغيث قلوبنا بالقرآن وأن تحيي نفوسنا بذكرك يا أرحم الراحمين.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.