الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 3 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

تصورات إسلامية في وقت الحرب


عناصر المادة
الخطبة الأولى
لنتذكر أحداث يوم القيامة
نتوكل على الله ونبذل السبب
احذر الشائعات
الخطبة الثانية
فلسطين والجهاد الحقيقي
نصائح هامة
عاقبة الصبر
أخوة الدين قبل كل شيء

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71،

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لنتذكر أحداث يوم القيامة

00:01:18

أيها المسلمون: إن في هذه الأحداث التي تجري امتحان من الله لعباده لينظر كيف يعملون، فأما من اعتصم بالله ولجأ إلى ربه فإنه يكون قد نجح في هذا الامتحان، وأما من تقهقر ورجع، وتعلق بالمادة والدنيا، وظن أن النجاة من قبل البشر فإنه هالك وخائب وخاسر.

أيها المسلمون: لا بد ألا نغفل لحظة واحدة ونحن نعايش هذه الأحداث أن الله هو الذي قدرها منذ أن بدأت، وهو الذي يعلم وحده كيف تنتهي، ولا يعلم غيره كيف تنتهي هذه الأحداث، وعلى ما تستقر الأمور، ولا يعلم غير الله من الذي يموت في هذه الحرب، ومن الذي يبقى على قيد الحياة، لا الذين خططوا لها، ولا الذين اشتركوا فيها، إنه فقط الله ، لا تخفى عليه خافية: إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءسورة آل عمران:5،وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ سورة البقرة:28، وإن في بعض مشاهد هذه الأحداث ما يذكرنا وما يربطنا بالله كثيراً كثيراً، ويذكرنا باليوم الآخر وأهواله، وإن هذه الحرب مهما طالت وامتدت، ومهما اشتدت فإنها لا تقارن أبداً بأهوال يوم القيامة، وما يحدث في ذلك اليوم العظيم من الحشر والجمع، ودنو الشمس على قدر ميل من رؤوس الخلائق حتى يغرق بعضهم في عرقه.

إن هذه الأحداث لا تقارن أبداً بزلزلة الأرض زلزالها، وإن هذه الحرب لا تقارن أهوالها مطلقاً بقول الله مثلاً: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۝ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا سورة الحج:1-2.

أيها الإخوة: إنهم يتحدثون عن رج الأرض بالقنابل في هذه الحرب، ونحن نتذكر عندما نسمع هذا الخبر قول الله : إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ۝ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا سورة الواقعة:4-5، فليس رجاً في شبر، أو كيل، أو قدر من الأرض، وإنما ترج الأرض كلها.

أيها الإخوة: لعل بعضنا عندما سمع دوي هذه الانفجارات، وإطلاق هذه الصواريخ التي رأينا منها ارتجاجاً للجدران وللأبواب والبيوت، إن هذا الارتجاج ينبغي أن يذكرنا فعلاً بالرجة العظيمة يوم القيامة، ونحن لا ننكر أبداً، ولا نخفي أن هذه الرجة تسبب الخوف، ومن عاش هذه الانفجارات وهذه الصواريخ قد أحس بشيء من ذلك، وأقول لكم شيئاً عما داخَلَ نفسي: لقد كنت في بعض الأيام الماضية في مدينة الرياض، وقد دوى صوت انفجارين هائلين في الجو في يومين متواليين كان أحدهما أشد من الآخر، وفعلاً لقد رُّجت الأبواب والشبابيك، وقد كسر زجاج بعض العمارات والبيوت، وعند ذلك فعلاً ينبغي أن تتجه الأنظار إلى ما في كتاب الله لكي يعلم المسلم الأهوال الحقيقية مهما قيل عن أهوال هذه الحرب؛ فلا يجب أن يحجبنا لحظة عن أهوال ذلك اليوم العظيم.

وإن هذه الأخبار التي نسمعها يميناً وشمالاً ينبغي ألا تحجب عنا لحظة واحدة أن الله خلقنا لعبادته، وأن هناك جنة وناراً، وأن الخلق سينقسمون إلى قسمين فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ۝ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا سورة هود:105-108.

ينبغي ألا تشغلنا الأحداث عن العمل الحقيقي الذي أنيط بنا، وعن الهدف الذي خلقنا الله من أجله وهو عبادته ، إن كثيراً من الناس قد شغلتهم الأحداث والأخبار عن العبادة، وعن الصلاة، وعن ذكر الله، وعن تربية الأولاد، وعن القيام بمصالح أهل البيت كثيراً كثيراً، ولكن المسلم العاقل يعلم علم اليقين بأن هذه الأحداث محنة وفتنة من الله ، وأنه لا ينبغي أن ينسى العبادة وذكر الله أبداً بل بالعكس أيها الإخوة.

أقول لكم: إن بعض هذه الصواريخ التي انفجرت وبحمد لله لم يحصل من أضرارها إلا القليل عندنا، أقول: إن فيها عبر، وإن فيها فوائد، فمثلاً: رجوع النفس إلى الله عند حصول الهزة، وعند حدوث الانفجار الذي يرعب النفس، المسلم يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق[رواه مسلم (2709)]، المسلم يقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم[رواه الترمذي (3388)]، فينبغي أن ترجعنا هذه إلى الله؛ ولذلك هناك فرق كبير بين المسلم والكافر، فالمسلم إذا داهمه خطر لجأ إلى الله، واشتدت علاقته بالله، ولهج بذكره أكثر، وقد يكون في غفلة قبل حدوث الانفجار، وقبل حدوث الحادثة، وأما الكافر فإلى من يلجأ؟ الله مولانا ولا مولى لهم[رواه البخاري (3039)]، فرق كبير جداً، احمدوا الله على نعمة الإسلام، احمدوا الله على نعمة التوحيد أيها الإخوة، الله مولانا ولا مولى لهم، لنا مولى نلجأ إليه عند الشدائد، ولنا مولى نخاطبه وندعوه .

نتوكل على الله ونبذل السبب

00:08:50

ثم مسألة أخرى: بعض الناس حصل عندهم شرخ في التوحيد، عندما اعتقدوا أن هذه الصواريخ التي تعترض الصواريخ هي التي تحمينا من تلك الصواريخ المطلقة علينا، وظنوا بأن صاروخ الباتريوت هو الذي يحمي من دون الله، وهذا شرخ عظيم في التوحيد ينبغي أن يصحح، هذه الصواريخ المعترضة أسباب مادية ينبغي الأخذ بها، أسباب مادية للوقاية، أسباب دنيوية العاقل يأخذ بها، لكن أن يعتقد الإنسان أنها هي التي تحفظ، وهي التي تحمي ولولاها لهلكنا، هذه مصيبة كبيرة، وقد اعتقد ذلك بعض الناس مع الأسف، ويتبين ذلك من كلامهم تماماً.

هذه أسباب قد تصيب وقد تخطئ، العاقل يأخذ بها؛ لأننا مطالبون بالدفاع عن أنفسنا، لكن أن نعتقد أنها هي التي تنفع فقط، وعدم استخدامها هو الذي يضر من دون الله! هذا خطأ فاحش أيها الإخوة.

وقد تكلمنا مراراً في خطب ماضية عن مسألة الأسباب وعلاقتها بالتوكل على الله، وذكرنا بأن التوكل هو الأساس، وأن التوكل هو عمل القلب، والأخذ بالأسباب عمل الجوارح، عمل الأصابع والتوجيه والنظر، هذا عمل اليد عمل الجوارح، لكن التوكل في القلب وليس على هذه الأشياء، ليس على هذه الماديات، فينبغي أن ينتبه الناس.

ونقول لهم أيضاً: أيها الإخوة، إن هذه الأشياء المستعملة قد تصيب وقد تخطئ، وقد أخطأت، وربما لم تصب، وربما وقعت أشياء، وفي أمكنة أخرى رغم استخدام هذه الصواريخ، فإذن تلتجئون إلى من؟ وتعتصمون بمن؟ بالله فقط، هذه أسباب دنيوية تستخدم؛ لأن حكمة الله قدرت الأسباب ومسبباتها، فينبغي الأخذ بالأسباب التي تدفع لكن التعلق بالقلب، وهناك بعض الناس يقولون: لولا الله ثم هذه الصواريخ، ولا يقصدون، وقلوبهم فارغة من "لولا الله"، ومتعلقة بـ"ثم هذه الصواريخ"، مع أنهم يقولون عبارة صحيحة ومهمة، لا بد أن نقول: لولا الله ثم كذا حتى نحقق التوحيد، لكن ينبغي ألا يكون نطقاً باللسان فقط، كلمة" "ثم"، وإنما ينبغي أن يكون كلاماً مملوءاً به القلب صادراً عن جنان.

ثم لا ننسى أيها الإخوة أن هناك أسباب شرعية تدفع عن المسلمين، ما أدراك أن عدم سقوط هذا الصاروخ فوق رؤوسنا كان بسبب دعاء إنسان في المسجد، أو في بيته يدعو الله، ويقول: "اللهم احفظ المسلمين، اللهم ارفع عن المسلمين، اللهم اكشف البأس عنا وعن المسلمين"؟ ما أدراك أن الحماية، وأنه قدر لهذا أن يصيب هذا بدعاء ذلك الرجل الصالح في جوف بيته؟ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواسورة الحج:38، أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ سورة الزمر:36.

ثم لا ننسى أيضاً أن هذه الأشياء وإن قدر التحكم فيها من قبل البشر مائة بالمائة فلا يستطيعون التحكم في الشظايا، والشظايا قد تنزل وتقتل؛ ولذلك لا تنسوا أبداً الدعاء لله بأن يحفظ، والدعاء لله بأن يمنع ويرفع البلى، وأن يكشف البأس عن جميع المسلمين.

أيها الإخوة: إن صفارات الإنذار التي تخلع الأفئدة إذا انطلقت، ويخاف المسلم مما سيقع فيها فوائد، فيه خير، لا تتصور أبداً أن أي شر يحدث في الدنيا هو شر محض أبداً، وإنما لا بد أن يكون فيه جوانب من الخير، لا بد أن يكون فيه جوانب من الخير، قد يجهلها الناس، قد يعرفون بعضها ولا يعرفون بعضها، والله هو الذي يعلم السر وأخفى، هذه قد جلبت أناساً إلى المسجد ما كانوا يأتون إلى المسجد، أليس كذلك؟ وأوقظت ناساً لصلاة الفجر ما كانوا يستيقظون لصلاة الفجر، وجعلت ناساً يصلون في الليل يقوم فزعاً لكن ما عنده ما يستطيع أن يفعله، فهو الآن مختبئ في بيته يترقب وينتظر.

ثم يتذكر حديثاً سمعه وهو أنه ﷺ كان إذا حزبه أمر صلى، فيقوم ويتوضأ، ويفزع إلى الصلاة، فإذن صار فيها بعض الفوائد من لجوء بعض العبيد إلى الله ، وتيقظ بعض الغافلين ورجوعهم إلى ربهم .

أيها الإخوة: لا بد أن تكون تصرفات المسلم حكيمة، ولا بد ألا يغفل المسلم عن استعمال عقله الذي وهبه الله له في اتخاذ الأسباب الشرعية، وأن يسأل المسلم ربه أن يلهمه رشده، اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا؛ ولذلك فأنت تقول أحياناً: إنني جئت من هذا الطريق اتخذت سبباً، فتكتشف أنه ليس بسبب، وأنه لم ينفع، وقد تتخذ أسباب وهمية ولا تنفع، أو تتخذ أسباب حقيقية، ولا يقدر الله نفعها، فينبغي عدم الغفلة عن الله أبداً، واستخدام العقول، وأقول لكم بعض الأمثلة مما يفعله بعض العوام من الأشياء التي تنافي الحكمة، وتنافي العقل.

في اليوم التالي لحدوث انفجار في الجو من جراء ارتطام صاروخ بصاروخ قال لي أحد العاملين في المستشفى: لقد جاءنا عدد من الناس الذين أصيبوا بانهيارات عصبية، انهيار عصبي، قلبه ضعيف لا يحتمل هذا الموقف، ولا يقوي القلوب مثل ذكر الله ، فأحيوا قلوبكم بذكر ربكم أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُسورة الرعد:28، وذكر الله يمنع من الانهيارات العصبية، والأزمات النفسية التي تصيب ولا بد في مثل هذه الأمور بعض الناس.

وقال أيضاً: لقد جاء إلينا بعض الناس اثنان قد وضع كل واحد منهم بطانية على رأسه مرشوشة بالماء، مبلولة بالماء، أو منقوعة بالماء، وهي تتقاطر على الأرض؛ لأنه سمع مرة أن الغازات استعمل لها منشفة مبلولة، فوضع بطانية مغرقة بالماء في وقت ليس فيه حاجة إلى هذا الفعل، ثم قال: جئنا إليكم لنحتمي بكم في المستشفى، ونريد أن ننام عندكم في هذا، حتى لو حصل لنا شيء يكون العلاج قريب، في مثل هذه الحالة أيها الإخوة، إن هذا التصرف لا يدل على حكمة، ولا يدل على تعقل أبداً، بل إننا قد نجد في أماكن بعيدة عن الأحداث تماماً، وفي مدن سلمها الله من جميع المشكلات تجد بعض الناس قد عملوا هذه الاحتياطات التي لم ولا يتصور أن تخدمهم في وقت من الأوقات.

المسلم يتحسب؟ نعم، ويأخذ بالاحتياطات اللازمة؟ نعم، لكنه يكون على هدى مستبصر ومتعقل في استخدامه لهذه الأمور، أو رجل يقول: مجرد سمعت الانفجار لبست أولادي وزوجتي الكمامات كلهم من الصغير إلى الكبير ثم لبست الكمام، ثم لم أعد احتمل الانتظار فصعدت إلى سطح البيت لأرى ماذا يدور فوق، طيب هل جاء الوقت؟ هل سمعت إعلاناً من الجهات المسؤولة عن لبس الكمامات؟ فلماذا تجعل هذا الكتم على أنفاس أولادك بهذه الأشياء؟ والحمد لله إن كثيراً من الناس قد توعوا الآن في استخدام الأشياء في وقتها المناسب، ووقتها الصحيح، والمسلم لا بد أن يكون حكيماً، ولا بد أن يلتفت لمثل هذه الأسباب الشرعية في وقتها المناسب.

ونحن الآن -أيها الإخوة- لا ندري ماذا سيدور، وماذا سيتم في المستقبل، هل تتصعد الحرب أم تهدأ؟ هل تستخدم فيها أسلحة أشد فتكاً أو لا تستخدم؟ الله أعلم، ولكن عندنا الأسباب، ونتخذ الأسباب في وقتها الصحيح مع اللجوء إلى الله ، الناس الآن متخوفين يقولون: نخشى أن تُستخدم أسلحة كيماوية، نخشى أن يحصل كذا وكذا، نعم ممكن، ممكن يحصل أي شيء، لا ندري ماذا سيكون في المستقبل، فلا يعلم الغيب إلا الله، حتى أهل الحرب أنفسهم لا يعلمون جميع الأشياء المستقبلية، فلا يعلمها إلا الله، وهذا يدل الإخوان الذين قد أصيبوا بنوع من التبلد بعد حدوث الأحداث، وقالوا: خلاص صار في أمن الآن، قلت الصواريخ، فرجع بعضهم إلى اللعب، هل تصدقون أيها الإخوة أن بعض الشباب المتسكعين رجعوا إلى المغازلة في الشارع، في شارع من شوارع الأسواق في اليومين الماضيين، ولم يمض على حصول الأحداث فوق رؤوسنا إلى أيام قليلة؟! نرجع إلى المعاصي بهذه السهولة، مجرد أن هدأت بعض الأوضاع نسي الناس ربهم، ورجعوا إلى معاصيهم، كيف؟! هل يستقيم هذا في حس المسلم الجاد أنه يذكر ربه أحياناً، ثم يغفل عنه في أحيان كثيرة أخرى؟ ما مضى شيء، بل ربما نتوقع أشياء نسأل الله أن يسلم، وهؤلاء لا يزالون يرجعون إلى المعاصي بسرعة فائقة وشديدة، اللهم اهد من كان ضالاً من المسلمين، وزد في هدى الهداة المهتدين.

احذر الشائعات

00:19:30

أيها الإخوة: وينبغي أن يميز المسلم في الأخبار، وقد تكلمنا في موضوع الأخبار كثيراً، ولكن كثيراً من الناس لا يزالون ينقلون الشائعات، وكثير من الناس لا يزالون يعتمدون على الأخبار الوهمية، ويصدقون كل ما يقال، والذي لا يعرف ماذا يدور سيعتمد على مصادر الأخبار، ومع الأسف إن اليهود يسيطرون على كثير منها؛ ولذلك فلا بد أن يتلمس المسلم طريقه الصحيح في وسط هذا الخضم من الأخبار المتشابكة، وأقول لكم مثلاً من الأخبار المضحكة، هل تصدقون أنه في أحد الأخبار جاء خبر يقول: إن الصواريخ قد ضربت المكان الفلاني، ثم عادت إلى قواعدها سالمة، صواريخ تضرب ثم ترجع إلى قواعدها، فأين عقول هؤلاء الناس؟

أيها الإخوة: إن كثيراً من الثوابت في القرآن والسنة قد زالت عن الأذهان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُواسورة الحجرات:6 قد زال عن كثير من الأذهان، وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُسورة النساء:83 غاب عن الأذهان، إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا سورة النساء:101غاب عن الأذهان، وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء سورة النساء:89 غاب عن الأذهان، لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءسورة الممتحنة:1 غاب عن الأذهان، أشياء كثيرة غابت عن الأذهان، ينبغي أن تعود هذه الثوابت وهذه القيم القرآنية والنبوية.

وأقول لكم أيضاً من ضمن ما أقول: إن بعض الكتب ككتاب روِّج له عن الدجال فيه ذكر لبعض الأشياء التي تحدث الآن مرتبطة بنصوص من التوراة والإنجيل، قد شاع هذا الكتاب وانتشر بين كثير من الناس، وصاروا يعتمدون عليه، ويقولون: حقاً إن في الكتب المقدسة السابقة أشياء من الأمور التي تقع الآن، مع أن هذه الأمور عبارة عن تطبيقات طبقت بعضها فوق بعضها، وليست من كتاب الله الذي نزل على موسى، ولا من كتاب الله الذي نزل على عيسى، وأحسن أحوالها إذا جاءت من عند أهل الكتاب ألا نصدق ولا نكذب، أما أن نأخذ ونعتمد ونقرر أن هذه الأشياء هي التي تحصل الآن، كتاب ينقل من الكتب السابقة المحرفة، ومن شروحها التي هي أشد تحريفاً، وبعض الناس يقرأ ويقول: نعم، واعجبي! إنما هو مكتوب الآن يحصل بالتفصيل! نعم إنهم يعلمون ما في الغيب، ثم تتسلى الأشياء إلى النفس خطيرة جداً؛ ولذلك أقول لهؤلاء الإخوان: لا تصدقوا هراء اليهود والنصارى، ولا تثقوا بهذه النقولات المنقولة في بعض الكتب عن كتبهم المقدسة مثلاً -أو المحرفة بعبارة أخرى- التي تؤكد أو تشير إلى شيء مما يحدث الآن، وإذا أردت شيئاً عن أشراط الساعة، أو عن فتنة الدجال فهناك كتب موثوقة بدلاً من أن ترجع إلى كتب لا تعتمد الأحاديث الصحيحة، وتعتمد النقل من أهل الكتاب، ومن تفسيراتهم للكتب التي جاءت بعد ذلك بقرون متطاولة، وإذا أردت مثالاً على ذلك: فخذ كتاب القيامة الصغرى للشيخ عمر الأشقر، أو كتاب أشراط الساعة للشيخ يوسف الوابل، فستغنيك مثلاً عن بعض الكتب التي ليس فيها أمور صحيحة.

وأقول لكم شيء آخر من الأشياء التي وجدتها في سفري، يقول هذا الكلام: "الرجوع إلى الله هو السبيل، عليكم بالأذكار التالية: يا لطيف، أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعون مرة، لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌسورة النجم:58 ألف ومائة وإحدى عشر مرة، بسم الله الرحمن الرحيم خمسة وخمسين مرة، إن هذا مجرب مائة في المائة لرفع البلاء، وقد جرب في الحروب والمصائب.." إلى آخر الكلام، "تتوضأ وتصلي ركعتين ثم تقول هذا"، وتوزع مع كل ورقة مسبحة لضبط العدد.

هل وصل الحال بنا أن تروج هذه البدعة بيننا؟ هذه أوقات شدة وخوف، والناس يعتمدون على أي شيء؟ أيها المسلمون، لا بد أن يكون عندكم موازين صحيحة وثوابت تعتمدون عليها، بدع لا نريد، خرافات لا نريد، ليس لها مجال عندنا، نحن المسلمون نعرف الأذكار الشرعية، ونعرف الأدعية الصحيحة، وإذا أردنا أن نذكر ربنا نعرف كيف نذكره، نعرف كيف نناجيه ونناديه، أليس من قلة الأدب أن تقول: يا لطيف يا لطيف، يا لطيف يا لطيف، يا لطيف يا لطيف، ثم تنتهي وتسكت؟ ما هو المقصود؟ ما هو المعنى إذن؟ لو قلت لفلان من الناس: يا سعيد يا سعيد، يا سعيد يا سعيد، يا سعيد يا سعيد، يا سعيد يا سعيد يا سعيد، وهو يقول: نعم نعم نعم، ماذا تريد؟ ثم تسكت، وهذه هي الأذكار الصوفية المنحرفة التي تشيع بين بعض الناس في هذه الأيام، يا لطيف يا لطيف، تقول: يا لطيف اللطف بي، يا لطيف احفظني، ممكن، لكن يا لطيف يا لطيف، هذا الذكر المجرد بهذا الاسم فقط ليس من أذكار أهل السنة أبداً، ولا قاله رسول الله، ولا تلفظ بهذه الأعداد مطلقاً، ولا سبح بمسبحة أبداً، وكان يعقد التسبيح بيمينه، فانتبهوا رحمكم الله لما قد يشيع وينتشر من الأمور التي تخالف الكتاب والسنة.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يكشف البلاء عنا وعن جميع المسلمين، وأن يحفظنا ويحفظ أهل السنة من الناس، اللهم إنا لجأنا إليك، وتوكلنا عليك في حفظ أنفسنا فاحفظها، وتوكلنا عليك في حفظ أولادنا وأموالنا ودورنا وأوطاننا فاحفظها يا رب العالمين، وقنا شر أنفسنا إنك على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

00:25:38

الحمد لله رب العالمين، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وخلق السماوات والأرض، ورفع السماء بغير عمد، وبث في الأرض دوابا، وخلق فيها جبالاً رواسياً أن تميد بكم، وسخر لكم ما في الأرض جميعاً منه فضلاً وتكرماً ومنة ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد البشير النذير الذي دعا إلى الله ، وبين لنا ما نُزِّل إلينا من ربنا، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

فلسطين والجهاد الحقيقي

00:25:57

أيها الإخوة: إن من الأمور التي ابتلت بها جماهير هذه الأمة، وفي هذا الزمان بالذات: أنها جماهير عاطفية تحركها العاطفة، ولا تعتمد على الأدلة من الكتاب والسنة؛ ولذلك فإنه يُضحك عليها بكل سهولة، وكل من تمسح بالإسلام يصدق من كثير من المسلمين في هذا الزمان.

أيها الإخوة: إن كثيراً من الخداع والتضليل يمارس بشتى الوسائل على مسامع أفراد هذه الأمة التي ضل فيها كثير من الناس.

أيها المسلمون: نحن نعلم من الذي ينتصر بإذن الله ، ونعلم معنى الجهاد الحقيقي، ونعلم راية الإسلام إذا رُفعت أن هذه راية الإسلام، ونعلم أن القائد الذي يقود الأمة إلى النصر في الجهاد نعلم صفاته ونعلم أحواله، إننا لا يصح أن نكون مغفلين، وكل من قام ينادي بالإسلام اتبعناه قبل أن يتخلى عن أفكاره الضالة، أو يتوب منها.

أيها الإخوة: لقد كثر الكلام عن تحرير فلسطين، ولا بد أن يكون لدينا خلفية شرعية واضحة عن هذا الأمر، وهذه قضية طويلة، لكننا نجتزئ ونختصر منها.

أيها المسلمون: إن تحرير فلسطين واجب شرعي؛ لأنها أرض إسلامية، فيها من مساجدنا ومقدساتنا ومواطن نزول النبوات من قبلنا، وحياة أنبياء عظام، وجدوا من قبل في الخليقة قبل نبينا محمد ﷺ، أُسري به إلى ذلك المكان، فأمهم وصلى بهم، ولا بد أن تكون الجذوة المحترقة في النفس المتولدة لتحرير ذلك المكان من اليهود في نفس كل مسلم.

لكن أيها الناس، أيها المسلمون: من الذي سيحرر ذلك المكان؟ وما هي صفات القائد الذي سيفتح تلك البلاد؟ وما هي صفات الجيش الذي سيحارب اليهود؟ هذه القضية المهمة التي جهل فحواها كثير من المسلمين، من الذي فتح القدس عبر التاريخ؟ قل لي وسائل كتب التاريخ لتأتيك الأسطر من بين الصحائف، وتقول: إن الذي فتحها في العهد الإسلامي الأول عمر وأبو عبيدة، قاد الجيش أبو عبيدة ليفتح البلد فاشترط عليه القساوسة حضور الخليفة، فجاء عمر بثوب مرقع يركب دابة، يخوض في الوحل متواضعاً لرب العالمين، فتم الفتح على يديه، ثم احتلت مرة أخرى عبر التاريخ، فجاء صلاح الدين الأيوبي الرجل المسلم الذي وهب نفسه لله، وباع حياته في سبيل الله، فجيش الجيوش، ونظف المنطقة من الباطنية والكفرة، وألَّف بين قلوب الأمة وبين الدول المجتمعة، فصهرها في جيش واحد، فقام معه العلماء -علماء أهل السنة-، فجاهد النصارى، وفتح بيت المقدس، إنه جيش إسلامي بقائد إسلامي؛ لأنه لم يعد ينفع شيء ليحرك الناس إلا الإسلام، وهذا يثبت مدى تغلغل هذا الدين في قلوب الناس، نسأل الله المزيد من فضله، وأن يكشف ويبين لنا هؤلاء الناس المزيفين الذين يحاولون الوصول إلى مآربهم الخاصة، ويضيعون الأمة باسم الدين، وباسم الإسلام.

نصائح هامة

00:30:20

وأقول أيضاً نقطتين أخيرتين ولو أنني قد أطلت عليكم في الكلام ولكن هناك مسألة مهمة وهي حفظ الأمن، واجب إسلامي، في كل بلد مسلم ينبغي أن يُحفظ الأمن؛ لأنه إذا اختل الأمن -أيها الإخوة- فمن المتضرر؟ أنت وأنا وهو، بيتي وبيتك وبيته، أهلي وأهلك وأهله، بناتنا وأولادنا وأموالنا، فإذن لا بد أن نحافظ على الأمن، هو مطلب شرعي، وأن نحارب كل اختلال يحدث فيه في أي مكان، وأن ندعو بحفظ أمن المسلمين في كل بلد للإسلام، وفي كل مكان فيه مسلمون، فالكل سواء، ولا تمييز لأحد على أحد، ولا قيمة لروح مسلم على آخر، كلكم لآدم، وآدم من تراب[رواه الترمذي (3956)]؛ ولذلك فإن المسلم مكلف الآن باليقظة والبصيرة أكثر من أي وقت مضى، ولعل خلو بعض البيوت من أهلها قد يشجع لصوصاً أو مجرمين أو أو، ونحو ذلك من أصحاب المآرب الخبيثة، فينبغي أن تنتبهوا رحمكم الله لبيوتكم، وبيوت جيرانكم، وأهليكم وشوارعكم، وأن تساهموا في حفظ الأمن لأنه شيء ينفع الإسلام، وينفع الدعوة، وليس من مصلحة أي مسلم وأي داعية حدوث الاختلال في الأمن، ليس من مصلحة أي أحد مسلم صادق حدوث الاختلال في الأمن، هذا شيء واضح جداً، ولذلك نؤكد عليه من منطلق شرعي، لله نقول هذا الكلام.

ثانياً: إن بعض أهالي الناس الذين سافروا كبعض أهالي العسكريين الذين يحتاجون إلى رعاية، هؤلاء الأهالي ربما لا يجد بعضهم من يشتري لهم أغراضاً، أو يقوم بشئونهم، أو يرعاهم، فهنا يكون حق الجار، وحق المسلم على المسلم، ومن الحقوق أن ندعو لإخواننا المسلمين أن يحفظهم الله، والله -أيها الإخوة- إن قلوبنا تتفطر من أي أذى يلحق بواحد من أهل السنة في العالم كله، إذا لحق بأذى بواحد من أهل السنة من المسلمين الموحدين أذى فإنه يضايقنا جميعاً؛ ولذلك نرفع أيدينا، وندعو الله في قنوتنا، في صلواتنا، في سجودنا أن يحفظ الله المسلمين.

خطبة أخرى:

عاقبة الصبر

00:32:53

أيها المسلمون: إن في هذه الأحداث العظام عبراً، وإن فيما يدور من الأمور تمحيص للمؤمنين وزيادة في إيمان الطائعين المخبتين، وزيادة في يقين المستبصرين الذين يعرفون سبيل الله المستقيم.

إن هذه الأمة أمة مرحومة جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وفتنة، ونحن من أواخر الأمة، وهذا من الابتلاءات والفتن التي أخبرنا ﷺ أنها ستقع في هذه الأمة، وقال: ويل للعرب من شر قد اقترب [رواه البخاري (3346)، ومسلم (2880)]، وقال: تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم[رواه الترمذي (2197)]، وأخبر ﷺ عن أمور تقع تجعل الحليم حيراناً، وهذا ما وقع فيه الكثيرون من الغبش في الرؤية، وعدم الوضوح في الأدلة والبصيرة، وفقدان البصيرة التي يجب أن تكون حاضرة عند المسلم في وقت الفتن، هناك أمور نحتاج إلى استحضارها من الكتاب والسنة إذا تلاطمت أمواج الفتن وعمت، وإذا اضطربت الأمور وادلهمت، هذه المعايير والثوابت والموازين المأخوذة من القرآن والسنة غابت عن عقول الكثيرين في هذه الأحداث.

أيها المسلمون: ألم يقل رسولكم ﷺ: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه [رواه الموطأ (1661)]، فلماذا نذهب بعيداً في القراءات الخارجية عن القرآن والسنة، والأخبار والتحليلات، وكلام الكفرة والمنافقين، وننسى الكتاب والسنة، وننسى الأصول الأصيلة التي هي الثقلان من تمسك بهما لن يضل أبداً الكتاب والسنة.

أيها المسلمون: ألم يقل ربنا في محكم تنزيله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَسورة البقرة:153؟ ألم يقل الله: اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَسورة الأعراف:128؟

أيها الإخوة: إن كثيراً من المسلمين لما رأوا هذه الأحداث والفتن يئسوا من انتصار الإسلام، وقالوا في أنفسهم: لن تقوم قائمة الدين أبداً، وهذا التفرق الداخلي يعبث في صفوف الأمة، وهذه الكثرة الكاثرة المتكاثرة من أعداء الدين التي تسعى للتخريب ظنوا أنه لن تقوم قائمة للإسلام أبداً، ونحن نقول أيها المسلمون: عندنا أحاديث صحيحة، ونصوص متينة مكينة لا يتطرق إليها الشك لا في قائلها، ولا في خبرها، فما هو أثرها النفسي علينا نحن المسلمين الذين نكتوي بنار هذه الفتنة، ونضطرم في أوراها؟ قال ﷺ مبشراً: بشر هذه الأمة بالسناء والدين، والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا رياءً لم يكن له في الآخرة من نصيب[رواه أحمد (20716)]، بشر هذه الأمة بالسناء والدين، والرفعة والنصر والتمكين، فهذه بشارته ﷺ حق على الحقيقة، وأمر ثابت لا مجال للطعن فيه، إنه يعبر عن قول الله : وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَسورة الصف:8.

أيها المسلمون: إن إتمام النور، وإعلاء الدين أمر تكفل الله به، ووعد بحدوثه، وأنه لا بد منه؛ ولذلك فإن خيوط الأمل وأنوار الأمل في أنفسنا لا زالت قائمة بحمد الله من جراء تتبع هذه النصوص ومعرفتها، ولو كان الواقع مؤلماً، ولو كان الواقع سيئاً، ولو كان الواقع ينبئ ويخبر ويظهر التفرق الشنيع في صفوف هذه الأمة أفراداً وشعوباً ودولاً، ولكننا نقول: إن هناك مبشرات تخبر أيضاً بأن هناك طائفة من هذه الأمة لا تزال ظاهرة على الدين، كما قال ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق[رواه مسلم (1920)]، وفي رواية: قوامة على أمر الله[رواه ابن ماجه (7)]، وفي رواية: منصورين[رواه الترمذي (2192)]، وفي رواية: يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة[رواه مسلم (1923)] لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك[رواه البخاري (3641)]، وفي رواية: وهم ظاهرون على الناس[رواه مسلم (1037)]، وقال ﷺ: لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين مجموعة حتى تقوم الساعة [رواه أحمد (20426)]، إذن لا يزال الدين قائماً فلا يمكن أن ينطفئ نور هذا الدين مهما حصل، مهما حصل من التفرق الداخلي، ومهما حصل من التكالب الخارجي لا يمكن أن ينطفئ نور الدين أبداً، ولا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة بأمر الله تعرف الحق، وتبطل الباطل، وترد كيد أهل الكفر والنفاق، ظاهرين بالحجة دائماً، وبالسلاح أحياناً على أعداء الله، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال، فإذا كان رسولك يقول لك: لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة، فلماذا إذن مشاعر الإحباط واليأس التي تدخل النفوس؟

أيها الإخوة: يقول الناس: إننا لم نر فتنة ولم نسمع بفتنة مرت بالمسلمين كالتي حصلت الآن، وهذا لا يستبعد أن يكون أمراً صحيحاً، لا يستعبد أن يكون ما يحصل الآن هو أسوأ فتنة مرت بالمسلمين، ولكن لا بد أن نتذكر الوقائع التاريخية السابقة التي حصلت في هذه الأمة، وننظر هل ضاع الدين فيها وبعدها أم لا؟ من قيام رسول الله ﷺ في مكة، قاموا عليه، حاربوه، اضطهدوه، وقتلوا بعض أتباعه، وسجنوا بعضهم، وحاصروهم حتى جاعوا وأكلوا أوراق الشجر، فهل مات الدين؟.

قُتل عمار، قُتل ياسر وزوجه ومجموعة من المستضعفين، هل مات الدين؟ كلا، انتقل ﷺإلى المدينة، قُوتل المسلمون في أحد وانهزموا، ومات من خيارهم سبعون رجلاً أسد الله، وأسد رسوله حمزة، والداعية المجاهد مصعب وغيرهم، فهل انطفأ نور الدين؟ كلا.

وتجمع الأحزاب حول المدينة من كل قبيلة من المشركين جاءوا وحاصروا رسول الله ﷺ والمسلمين، فهل انطفأ الدين؟ ولما خان اليهود من الخلف بنو قريظة لم ينطفئ الدين، وبعد وفاته ﷺارتد أكثر العرب، ولم يبق من ديار المسلمين إلا مكة والمدينة وأحياء قليلة متبعثرة، فهل انطفأ نور الدين؟ كلا، رجع الدين قوياً، وفتح المسلمون بلاداً جديداً، وقامت الفتنة بين خيار هذه الأمة، فهل انطفأ الدين؟ كلا، رجع مرة أخرى وانتشر.

مرت فتنة بالمسلمين من قيام دولة الرفض الدولة الفاطمية التي هيمنت على أجزاء من العالم الإسلامي، وقُتِّل علماء أهل السنة كثيراً كثيراً، وشيدت القباب والأضرحة لإضلال الأمة، ونشر الشرك فيها في الدولة الفاطمية في السابق، وعُملت بدعة المولد، ونشرت فيها، هل انطفأ الدين؟ كلا، لقد زالت دولة أهل الكفر والخيانة، ورجع الإسلام مرة أخرى.

قاد هولاكو وغيره من التتر السفاحين السفاكين الحملات على بلاد المسلمين، وقتل من المسلمين ملايين، ذبحاً وطعناً وتشريداً في الأرض، وقتل منهم من الجوع والخوف والتيه ناس كثيرون، وذكر أهل التاريخ في ذلك الوقت أنه لم يمر بالمسلمين فتنة أكبر منها، القتلى بالملايين، بالملايين بدون مبالغة، فهل انطفأ نور الدين؟ كلا، عاد الدين مرة أخرى، وحصل للمسلمين في بلاد الأندلس من مجازر محاكم التفتيش التي كانت تبحث عن كل شيء يُدين شخصاً بالإسلام لكي يمحوه، ويزيلوه عن ظاهر الأرض، وآلات الطحن والعجن في الأجساد قامت، مجازر في بلاد الأندلس لكن ما أن ضعف الدين في ذلك المكان إلا وانتشر في الشرق ضعف شيئاً في الغرب في الأندلس فامتد في الشرق بفتح الهند على يد السلطان محمود الغزنوي رحمة الله عليه، كما قال ﷺ، وأخبر عن عصابتين من أمته من أخير هذه الأمة: عصابة تغزو الهند، وعصابة تقاتل الدجال مع المسيح بن مريم، وانتشر المسلمون، وعمَّر الإسلام الهند قروناً مديدة، وأزماناً عديدة، ولم ينطفئ نور الدين.

وفي هذا العصر قامت مجازر للمسلمين في الفلبين وكشمير وغيرها، وقتل أكثر من مليون مسلم في الجزائر يقاومون استعمار الكفار، وقرابة مليوني مسلم في أفغانستان، وأحرق العلماء في الصومال... إلى آخره من المجازر الكثيرة، فهل انطفأ نور الدين؟ كلا، ولا يزال المسلمون والإسلام باقون على الأرض؛ لأن الله أنزل هذا الدين ليبقى ولم ينزله ليضمحل، والله الذي لا إله إلا هو لو أن ديناً غير هذا الدين تعرض لمثل ما تعرض له هذا الدين من المحاربة لزال منذ زمن قديم جداً.

لا يوجد أمة امتحنت مثل أمة الإسلام، ونكبت وتعرضت لأنواع الصدمات مثل أمة الإسلام، وهذه صدمة، وهذه فتنة كبيرة قد تكون أكبر من الفتن الماضية، ولكن الإسلام أقوى، والدين أعز من أن يزول، والله غالب على أمره، والله يقدر الأحداث، ويسير الأمور، ويصرفها بحكمته لأمور يريدها ، فما هو موقفنا نحن المسلمين؟ ماذا فعلنا أيها الإخوة لكي نبقى من هذه الطائفة المنصورة التي تقاتل لأجل هذا الدين؟ هذه مسألة ينبغي أن تستقر في أذهاننا تماماً.

أيها المسلمون: طال ليلنا، ونرقب الفجر، فجر نصر الإسلام، ولكن متى ينتصر الإسلام؟ عندما تتغير نفوس هذه الأمة، هذه الأمة ابتعثها الله لتقود البشرية: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِسورة آل عمران:110، نحن خير أمم أهل الأرض ولا شك في ذلك، ونحن المرشحون والمهيأون لقيادة البشرية كما قدناها في السابق قروناً طويلة جداً بفضل هذا المنهج وهذا الدين الذي أنعم الله به علينا، نحن المفروض أن نكون القادة، نحن نقود الناس، نقود العالم، لكن هل يمكن أن نقود البشرية وصفوفنا متقطعة متناحرة متخالفة من داخلها؟ هل يمكن أن نقود الأمة ولا زال هناك ألوان من الشرك موجودة فينا؟ هل يمكن أن نقود الأمة ومعالم مهمة من معالم العقيدة كعقيدة الولاء والبراء -الولاء للإسلام وأهله والبراء من الشرك وأهله- لا تزال مثل هذه المعالم مفقودة؟ لا يمكن أن نقود ونحن بهذه الحالة، فلا بد أن يحدث التغيير فينا في أنفسنا حتى نعود إلى الصراط السوي فنستلم القيادة، ولا شك أن هذا اليوم سيأتي ولا بد، ولا بد أن يأتي أيها الإخوة، فسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، من الذي قاله؟ محمد ﷺ، في الحديث الصحيح فلا بد أن يحدث، وإنا لمنتظرون: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍسورة ص:88.

أخوة الدين قبل كل شيء

00:50:10

أيها الإخوة: نحن مسلمون متآخون بأمر الله ، وهذه القضية الثانية المهمة التي ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا في هذا الوقت العصيب، نحن أمة واحدة، نحن أبناء دين واحد، نحن الذين قال الله فيهم: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًاسورة آل عمران:103 المفروض أن نكون مثل هؤلاء، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌسورة الحجرات:10؛ ولذلك فإن التآخي الأخوة الإسلامية هي التي تقطع على الأعداء السبيل لتفريق هذه الأمة وأكلها جزءاً جزءاً، ونحن اليوم نشهد تناحراً وتفرقاً كبيراً جداً ما مر مثله بين المسلمين، فماذا فعلنا لإزالة هذه العداوة والبغضاء من جسد هذه الأمة الواحد؟

أيها المسلمون: ألم يقل رسولنا ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً[رواه البخاري (481)]؟ ألم يقل رسولكم ﷺ: المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر [رواه مسلم (2586)]، وفي رواية: إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله[رواه أحمد (17926)]؟ ألم يقل رسولنا ﷺ: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولو بكلمة ولا يسلمه إلا عدو، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله[رواه مسلم (2580)]؟

أرونا إذن هذه الأخوة وحقوقها وواجباتها التي أمر الله بها، أرونا هي، ودعوا التفرق جانباً، ودعوا التنابذ والحسد والحقد والبغض، دعوا الغل، دعوا كل شيء يفرق صفوفكم.

أيها المسلمون: مهما اختلفت ألسنتنا، واختلفت شعوبنا، واختلفت قبائلنا، وتناءت بلداننا وديارنا فنحن أمة واحدة، هذه حقيقة ضاعت الآن، وغفل عنها جمهور عظيم من المسلمين، وصارت الاختلافات الحادثة في العالم الإسلامي تنعكس على رجل الشارع، وصار المسلم يشتم أخاه المسلم، وصار المسلم يعادي أخاه المسلم.

أيها المسلمون: لئن سعى الطغاة وكان السبب في تفريقهم طغاة عملوا هذا التفريق لكن نحن الناس لا ننخدع بهذا، ولا يصح أن تنتقل الخلافات إلينا نحن المسلمين، ونرى انعكاس الخلاف على رجل الشارع، وفي السوق والمدرسة، كلا كلا، رحمكم الله أنتم المسلمون أمة واحدة، لا يظلم مسلم م

1 - رواه مسلم (2709)
2 - رواه الترمذي (3388)
3 - رواه البخاري (3039)
4 - رواه الترمذي (3956)
5 - رواه البخاري (3346)، ومسلم (2880)
6 - رواه الترمذي (2197)
7 - رواه الموطأ (1661)
8 - رواه أحمد (20716)
9 - رواه مسلم (1920)
10 - رواه ابن ماجه (7)
11 - رواه الترمذي (2192)
12 - رواه مسلم (1923) 
13 - رواه البخاري (3641)
14 - رواه مسلم (1037)
15 - رواه أحمد (20426)
16 - رواه البخاري (481)
17 - رواه مسلم (2586)
18 - رواه أحمد (17926)
19 - رواه مسلم (2580)