الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 11 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

استشعار معية الله من خلال أسباب النزول


عناصر المادة
الخطبة الأولى
معية الله لخلقه وأنواعها
متى يكون الله معنا؟
أمثلة لمعية الله لأوليائه
فوائد المعية العامة والخاصة
الخطبة الثانية
فضيلة شهر شعبان
بعض أحكام شهر شبعان
الخسوف والكسوف وبيان بعض أحكامهما
حال أهل الغفلة عند الكسوف والخسوف

الخطبة الأولى

00:00:06

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

معية الله لخلقه وأنواعها

00:00:31

أما بعد: فإن ربنا معنا بعلمه أينما كنا قال تعالى:يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌسورة الحديد:4 رقيب علينا، شهيد على أعمالنا أينما كنا في بر، أو بحر، أو جو، أو ليل، أو نهار، أو حضر، أو سفر، أو بيت، أو قفر، يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْسورة الأنعام:3، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُسورة غافر:19سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِسورة الرعد:10 هذه معية الله العامة.

أما معيته الخاصة فهو مع المؤمنين بنصره وتأييده كما قال لموسى وهارون:إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىسورة طه:46، وهو مع المتقين، ومع المحسنين، ومع الصابرين، فمن يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، قال بعض السلف لأخيه: "إن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو؟"، وهذه هي المعية التي يدافع الله بها عن المؤمنين، وهي المعية التي كان الله بها مع نبيه ﷺ وأبي بكر في الغار: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما[ رواه البخاري (3653) ومسلم (2381) ]، لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَسورة التوبة:40، وهي معية النصرة والتأييد، مؤنسة مطمئنة، مذهبة للخوف، والوجل، والرعب.

متى يكون الله معنا؟

00:02:35

لكن متى يكون الله معنا؟

إذا أطعناه، وتركنا معصيته، وأقبلنا عليه، وناشدناه، واستغثنا به، وتوكلنا عليه: ولن يضيعني الله أبداً[ رواه البخاري (3182) ومسلم (1785) ]، والنبي ﷺ كان مع ربه فكان الله معه، وكذلك قال موسى: إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِسورة الشعراء:62.

أمثلة لمعية الله لأوليائه

00:03:04

وهذه المعية لها أمثلة كثيرة، ومن ذلك ما يراه المطالع لأسباب نزول آيات القرآن:

- فإنه لما اتهم المنافقون عائشة رضي الله عنها البريئة الطاهرة قالت: "فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وقد بكيت ليلتين ويوماً حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، والنبي ﷺ يمكث شهراً لا يوحى إليه ويقول:  فإن كنت بريئة فسيبرئك الله [ رواه البخاري (2661) ومسلم (2770) ]وهكذا تستعين بقول الله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَسورة يوسف:18 لكن ما كان الله ليترك الصديقة على ما هي عليه من الحزن والكآبة؛ لأن معيته لهذه المؤمنة تقتضي أن ينصرها ولو بعد حين، فأنزل الله تعالى قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة النور:11، فرفعها الله بهذه الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة، شاهدة على براءة الصديقة بنت الصديق، وأن الله كان معها

حصان رزان ما تُزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس ديناً ومنصباً نبي الهدى والمكرمات الفواضل
مهذبة قد طيَّب الله خيمها وطهَّرها من كل سوء وباطل

- وقد كان الله مع الصبي زيد بن أرقم حين سمع عبد الله بن أبي يقول: "لئن رجعنا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، وبلغ الكلمة للنبي ﷺ؛ لأن مثل هذه الكلمة الخطيرة لا بد أن تُنقل، لكن لم يكن معه من يشهد له، وظن قومه أنه غفل ونقل ما لم يحصل؛ فلم يصدقوه، فخفق برأسه من الهم ما ذكره بقوله: "فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قط" فأنزل الله : هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِسورة المنافقون:7 إلى قوله: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَسورة المنافقون:8، فأرسل إليَّ رسول الله ﷺ فقرأها عليَّ ثم قال: إن الله قد صدقك يا زيد[ رواه البخاري (4900) ]، فكان الله مع الصبي الذي كان حريصاً على مصلحة أهل الإسلام.

- وهذا الصحابي هلال بن أمية الذي رجع من أرضه عشاءً، وكان يعمل في الزرع فوجد عند امرأته رجلاً أجنبياً، كارثة كبيرة، ومصيبة عظيمة، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، وكان قد نزل قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَسورة النور:4، فلو تكلم الآن تكلم بأمر عظيم سيجلد عليه، ولو سكت سيسكت على غيظ وحنق وشدة، فذهب وتكلم، وكره النبي ﷺ ذلك واشتد عليه، واجتمعت الأنصار وقالوا: الآن يضرب رسول الله ﷺ هلال بن أمية، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً، والله يعلم إني لصادق، ووالله إن رسول الله ﷺ يريد أن يأمر بضربه حد القذف؛ لأنه اتهم المرأة وليس عنده بينة، وهو صادق عند نفسه؛ فجاء المخرج من الله؛ لأن الله مع الصادقين، وأنزل الله:

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَسورة النور:6  الآيات، [ رواه أحمد (2132), وأصله في البخاري (4747) ]فجاء المخرج، وصارت هذه القضية، وعرف حكم الملاعنة، ولم يكن الله ليتخلى عن أوليائه الصادقين في الأزمات الشداد.

- ومن ذلك المرأة الضعيفة خولة بنت ثعلبة التي نطق زوجها بالظهار، وصارت معلقة لا زوجة، ولا مطلقة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الرجل إذا قال لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي حرمت عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت فأتت امرأته خولة بنت ثعلبة رسول الله ﷺ تشتكي وتقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل الفرج من السماء من السميع البصير، وجاء قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌسورة المجادلة:1 إلى قوله: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍسورة المجادلة:3 الآيات، قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة إلى النبي ﷺ وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها فكان يخفى عليَّ بعض كلامها، فما برحت حتى أنزل الله هذه الآيات. رواه ابن ماجه (2063). [ وصححه الألباني في الإرواء (7/175) ]

فالله مع المؤمنين لا يتخلى عنهم، وهذه المرأة في الأزمة النفسية، والحالة الصعبة تشكو إلى الله:أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة المجادلة:7.

- وهذا الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، الذي كان ضريراً، ابتلاه الله بفقد البصر لما نزل قول الله تعالى: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِسورة النساء:95  فجاء ابن أم مكتوم الأعمى، ورسول الله ﷺ يمليها على زيد بن ثابت وهو من كتبة الوحي، وسمع الآية، فقال: يا رسول الله فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر، ولو أستطيع الجهاد لجاهدت، وفي رواية: إني أحب الجهاد في سبيل الله، لكن بي من الزمانة - أي: المرض المزمن والعاهة المستديمة - ما ترى، ذهب بصري، فنزلت كلمتان: غير أولي الضرر وأضيفت في الآية، فأصبحت: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِسورة النساء:95. [ رواه البخاري (2832) ومسلم (1898) ]

- ولما اشتدت المحنة على كعب بن مالك، وقوطع خمسين يوماً، وتركته زوجته بأمر النبي ﷺ حين تخلف عن الجهاد دون عذر، لكن الله مع المؤمنين، وهذا الرجل كان صادقاً، واعترف، وصارت العقوبة بهذه المقاطعة الشديدة الوقع على نفسه، لم يكن الله ليتخلى عن هذا الرجل وصاحبيه: وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أي: اعتقدوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة التوبة:118، نزل الفرج،وقال النبي ﷺ لكعب: أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك[ رواه البخاري (4418) ومسلم (2769) ].

فوائد المعية العامة والخاصة

00:12:21

عباد الله: إن المعية العامة تجعلنا نخاف فلا نعصي، وبها يكشف الله أستار المنافقين، وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِسورة النساء:10

والمعية الخاصة هي التي يطمئن بها المؤمنون، ويزدادون عملاً بأن الله لا يتخلى عنهم، فكم فكت من أسير للهوى قد ضاع، وأيقظت من غافل قد التحف بلحاف الشهوة فماع، وكم من عاق لوالديه ردته عن معصيته، وكم من عابد لله بكى لما استشعر معيته، وكم من مسافر رافقته، وكم من الناس الذين هم مع ربهم والله معهم.

كتب أحد السياح في مذكراته فقال: بعد الوصول إلى الهند ذهبت إلى القصاب لشراء اللحم، وكان كلما أراد أن يزن اللحم لأحد فتح كيساً عنده ونظر فيه، ثم وزن اللحم وباعه للزبون، فلما جاء دوري فعل كما فعل مع من قبلي، فسألته: لماذا تنظر في الكيس قبل أن تزن لكل زبون؟ قال: إنني أنظر إلى ربي الموجود في الكيس؛ لأن هذا الهندي وثني يعبد الأصنام، فربه المزعوم معه في الكيس، قال: أنا أنظر في الكيس حتى لا أنسى ربي، وأغش في الميزان.

فإذا كان الوثني عنده هذا المعنى في صنم باطل يعبده فأولى بأهل الحق أن يستشعروا دائماً أن الله معهم فلا يعصون ربهم، ويقومون بالحق وبه يعدلون، ويشهدون، ويقيمون الشهادة لله تعالى.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الآمنين، وأن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن تكون معنا لا علينا يا رب العالمين، انصرنا ولا تنصر علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وكن معنا ولا تكن علينا.

الخطبة الثانية

00:14:39

الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم لا يموت، والجن والإنس يموتون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، وخليله، وحبيبه، وصفيه، ومصطفاه، وأمينه على وحيه، أرسله بالهدى ودين الحق، رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى أصحابه الأطهار، وآله الأبرار، وزوجاته، وخلفائه الميامين ما تعاقب الليل والنهار، اللهم ارض عنهم، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فضيلة شهر شعبان

00:15:28

عباد الله: شهركم شعبان؛ شهر عظيم، يغفل فيه الناس كما قال النبي ﷺ، وكانت العرب تعظم شهر رجب فهو من الأشهر الحرم، وهو شهر عظيم، وشهر رمضان معلوم فضله، وشعبان بينهما، فيغفل فيه الناس، والعبادة في أوقات الغفلة عظيمة، ولذلك كان شعبان شهر القراء، وكان النبي ﷺ يكثر الصيام فيه، وأخبر أن هناك رفع سنوي للأعمال يكون في شعبان، فإن أعمال العباد الصاعدة إلى الله على أنواع منها ما يُرفع كل يوم مرتين وهذا هو الرفع اليومي، فيرفع عمل الليل إذا انتهت الليلة في أول النهار، ويرفع عمل النهار في أول الليل إذا ارتفع النهار، ورفع أسبوعي كل اثنين وخميس، ورفع سنوي في شعبان قال ﷺ في هذا الشأن: شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم[ رواه النسائي (2357) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3711) ] .

والرفع الختامي يكون عند موت الإنسان، فترفع الصحيفة إلى الله تعالى، وعندما يوقن العبد بأن أعماله معروضة على الله يومياً، وأسبوعاً، وسنوياً؛ يصحح العمل؛ لأنه سيفكر هذا المرفوع إلى رب العالمين ماذا يوجد فيه؟ ويحاسب نفسه.

بعض أحكام شهر شبعان

00:17:04
وقد كان النبي ﷺ يصوم شعبان إلا قليلاً، وعلى هذا فإن الصوم في شعبان بالنسبة لرمضان هو كالسُنَّة القبلية بالنسبة لصلاة الفريضة

وقد كان النبي ﷺ يصوم شعبان إلا قليلاً، وعلى هذا فإن الصوم في شعبان بالنسبة لرمضان هو كالسُنَّة القبلية بالنسبة لصلاة الفريضة، وصوم ست من شوال بعد رمضان كالسنة البعدية بالنسبة لصلاة الفريضة، وللمسلم أن يصوم من شعبان ما شاء حتى في النصف الثاني إذا كان له عادة من اثنين وخميس، ونحو ذلك، أو كان عليه صوم نذر، أو كفارة، أو قضاء وخصوصاً النساء، ولا بد من تذكيرهن إذا كان قد بقي عليهن شيء من رمضان الماضي فلا يجوز تأخيره حتى يدخل رمضان الجديد، بل لا بد من القضاء قبله.

وقد نُهينا عن سبق رمضان بيوم أو يومين؛ لأن صوم الاحتياط بدعة، ولا يجوز الزيادة على رمضان بشيء يلصق فيه إلا من كان له عادة من صيام اثنين وخميس مثلاً، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً فيمضي على عادته.

أما ليلة النصف من شعبان فليس لها أي ميزة على غيرها من الليالي كما نصَّ على ذلك العلماء، ونزول الله يكون في كل ليلة، ولا يجوز أن تُخَصّ هذه الليلة بقيام، ولا أن يخص يومها بصيام دون بقية أيام السنة إلا أن يصام يومها على أنه أحد أيام البيض ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، أما جعل صلوات معينة فيها فلم يرد به دليل صحيح، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الخسوف والكسوف وبيان بعض أحكامهما

00:18:41

عباد الله: إن الخسوف آية من آيات الله تعالى، وهو متوقع بالأبحاث والدراسات، لكن الله يخوف عباده بهذه الآية؛ لأن يوم القيامة يكون فيه ذهاب ضوء الشمس ونور القمر: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْسورة التكوير:1، وَخَسَفَ الْقَمَرُسورة القيامة:8، وبالخسوف والكسوف يذكرنا الله ما سيكون يوم القيامة من الأهوال، ولذلك لما حصل الكسوف على عهد النبي ﷺ قام فزعاً يجر رداءه،وأخطأ،وأخذ درع زوجته بدلاً من الرداء ثم أدركه إنسان بردائه من الفزع يظنها الساعة؛ لحياة قلبه،وشدة خشيته من ربه ﷺ.

حال أهل الغفلة عند الكسوف والخسوف

00:19:30

أما أهل الغفلة فماذا يفعلون؟ يأخذون المناظير،والنظارات،ويقيمون الاحتفالات، ويستمتعون بمنظر الكسوف،والخسوف، أتستمتع ونبيك ﷺ يقول: آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده[ رواه البخاري (1048) ومسلم (901) ]ويذكرهم اليوم الآخر، لكن استيلاء الغفلة هو الذي يجعل الناس يتصرفون تصرفات على خلاف الشرع،ولذلك ينبغي الفزع إلى الصلاة وهي: ركعتان، في كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان، فهي صلاة غير معتادة، طويلة حتى ينجلي، وإذا انتهت الصلاة قبل أن ينجلي؛ فيظل في التوبة، والاستغفار، والذكر حتى ينجلي، وقد أوصانا بالصدقة، والاستعاذة من عذاب القبر، والتوبة إلى الله، والإكثار من الذكر والاستغفار، فهكذا يتعامل المسلم مع الخسوف والكسوف، وليس كما يفعل أهل الغفلة.

وكون هذه الآية لها سبب طبيعي من تغطية الظل للنور والضوء الآخر، وأن يقع هذا في المخروط، ونحو ذلك؛ لا ينافي أن تكون آية يخوف الله بهما عباده، كما أن الرياح تهب إعصاراً، والأمواج كذلك، وأشياء في الطبيعة، لكن فيها أحياناً ابتلاء من الله، وعقوبة، وغضب، مع كونها ظواهر طبيعية، فلا تنافي بين كون الشيء في الطبيعة، وبين أن يكون تخويفاً وعقوبة من الله تعالى.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء فامكر به، واجعل كيده في نحره، أتم علينا الأمن والإيمان في بلدنا هذا يا رحمن، وفي سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم نعوذ بك من الوباء، والغلاء، اللهم إنا نسألك أن ترحمنا برحمتك أجمعين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، أصلح نياتنا وذرياتنا، وتب علينا، هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً، أصلح شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، برحمتك نستغيث، برحمتك نستغيث، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري (3653) ومسلم (2381)
2 - رواه البخاري (3182) ومسلم (1785)
3 - رواه البخاري (2661) ومسلم (2770)
4 - رواه البخاري (4900)
5 - رواه أحمد (2132), وأصله في البخاري (4747)
6 - رواه ابن ماجه (2063). وصححه الألباني في الإرواء (7/175)
7 - رواه البخاري (2832) ومسلم (1898)
8 - رواه البخاري (4418) ومسلم (2769)
9 - رواه النسائي (2357) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3711)
10 - رواه البخاري (1048) ومسلم (901)