الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71،
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الإسلام يحل كل المشكلات
أيها المسلمون: إن فيما يستجد من الحوادث، ويجري من الأحداث لعبراً كثيرة ينبغي على المسلم أن يتمعن فيها، وأن ينظر بعين جلية على نور من ربه، وهدي من سنة نبيه محمد ﷺ.
أيها المسلمون: هاهم الناس يتجهون إلى الإسلام، وهؤلاء الأعداء لا يتركون الناس يتجهون إلى الإسلام، فلماذا يتجه الناس إلى الإسلام؟ ولماذا يحاول أعداء الإسلام منع الناس من التوجه إلى الإسلام؟ سؤالان كل منهما سؤال خطير ينبغي أن يعرف جوابه المسلم، والكثيرون يعرفون ولكن التوعية بهذه الأمور أمر مهم في ظل هذه الأحداث وهذا الوقت الذي نعيش فيه، ونسمع يميناً وشمالاً مما يحدث من حولنا.
أيها المسلمون: إن بلاد العالم الإسلامي والبشرية عموماً قد عانت كثيراً من ويلات الشرود عن الله، والابتعاد عن شرع الله، وتطبيق الأنظمة البشرية الأرضية التي لا تعرف حدود النفس البشرية، ولا ما يصلح الإنسان، لقد عانت البشرية طويلاً من أنواع الظلم ووقعت تحت وطأة كثير من الويلات الناتجة عن تطبيق غير شرع الله؛ ولهذا فقد صار عند الناس من المسلمين -كلهم تقريباً- حس أنه لا حل إلا بالرجوع إلى الإسلام، ما هو الحل للنزاعات الطائفية والحروب التي تنتج عنها فتأكل الملايين وتدمر الأموال والبلدان؟ لا الحل لذلك إلا الإسلام، وأنت ترى -أيها المسلم- ما يحدث حولك من الحروب الطائفية والنزعات القومية، خذ مثلاً ما يحدث بين الصرب والكروات في هذه الأيام مما ملأت أخباره الجرائد والمحطات والإذاعات،
كيف يمكن حل مثل هذه المشكلة التي يمكن أن تمتد إلى بلدان أخرى؟ ليس حلها والله إلا بالإسلام: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْسورة الحجرات:13، ولما جهل المسلمون هذه الحقيقة وقعت بينهم الحروب، وقامت بينهم النزاعات، فصاروا يتقاتلون على الرئاسة وحب الدنيا، ورسولهم ﷺ يقول لهم: كل المسلم على المسلم حرام[رواه مسلم (2564)]، ويقول: لا فضل...، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى[رواه أحمد (22978)]، لقد جاء الإسلام والقبائل متعاركة، لقد كانت الحروب تطحن تلك القبائل أشهراً وسنيناً، فجاء الإسلام فجمعهم بكلمته: إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًاسورة آل عمران:103ما هي النعمة؟ إنها نعمة الإسلام.
ما هو الحل للإباحية الجنسية الموجودة المتفشية في العالم، والويلات المترتبة عليها؟ ما هو الحل لها؟ ما هو الحل لأولاد الحرام الذين تزخر بهم الملاجئ ودور الرعاية في العالم؟ وما هو الحل لهذه الأمراض الجنسية السارية الفتاكة التي تعصف بأجيال من البشرية، وأعداد كبيرة وقتاً بعد وقت، وزمان بعد زمان؟ ما هو الحل لها؟ ليس الحل -أيها الناس- إلا الإسلام.
إن المصلحون في العالم مسلمون وكفاراً يتلفتون يميناً وشمالاً لإيجاد مخرج من هذه المآزق، وهذه المشكلات، لا يجدون فيما عندهم من الآراء والقيم التي وضعوها هم وغيرهم لا يجدون حلاً، فالعاقل الحصيف الذي هداه الله عرف أن الحل في الإسلام.
وما هو الحل للظلم الطبقي، والتفرقة العنصرية التي ينتج عنها الاضطهاد؟ إنه الإسلام ولا شك، إنه الإسلام الذي جاء بالمساواة، وأن التقوى هي الميزان والمعيار؛ ولذلك فأنت تجد هؤلاء الذين يستغلون الأوضاع، ويضطهدون خلق الله بصور بشعة حتى ربما امتصوا دماءهم الحقيقية قبل أن يمتصوا ثرواتهم فعلاً، إن قصة الأبيض الذي أصيب بمرض الروميتزم، حتى قال له الطبيب: علاجك بوضع رجليك على لحم طري دافئ، فأتى بغلام أسود ليضع رجليه على بطنه لكي تمتص حرارة بطن الأسود البرودة في عظام الأبيض، الاستخدام استخدام كالبهائم، هذه الصور التي عرفتها البشرية في هذا القرن ما هو الحل لتلك المشكلة؟ الإسلام، الإسلام ولا شك.
مشكلة الفقر في العالم، وهؤلاء الناس الذين يموتون جوعى كل يوم، ما هو الحل لمشكلاتهم؟ الحل في النظام الإسلامي الذي لما طبق يوماً من الأيام طاف المسلمون بالزكاة في أرجاء أقطار المملكة الإسلامية فلم يجدوا فقيراً تدفع إليه الزكاة، أشبع الخليفة الناس بالإسلام، أشبعهم بتوزيع الزكاة عليهم، وأخذها من أغنياء المسلمين، وتصريفها كما أمر الله في الوجوه الشرعية، عدل؛ فأمن الناس، وطبَّق الإسلام؛ فشبع الناس، هذا هو الحل إذن.
وتأمل في حال البشرية الضالة اليوم التائهة عن الشريعة، يقول خبراء في جامعة بنسلفانيا: إن الذي يصرف على الحيوانات -الذي ينفقه الناس على الحيوانات- في الولايات المتحدة في سنة من السنوات يقدر بثمانية بلايين من الدولارات للاعتناء بالقطط والكلاب فقط، هذا ما يصرف سنوياً، وهذا الرقم أكثر من الدخل القومي لمجموعة من الدول التي تسمى نامية، وفي الوقت نفسه يموت الملايين من الجوع والأمراض الناتجة عن سوء التغذية في العالم، بل إن عندهم هم في بلادهم فقراء، كما نشر تقرير في بريطانيا أن أحد عشر مليوناً من الناس يعيشون دون مستوى الفقر، وهم كذلك لا يقلون ولعاً عن إخوانهم -إخوان الكفر- بالكلاب والقطط.
تموت الناس في الصحراء جوعاً | ولحم الضأن يرمى للكلاب |
ما هو الحل لمشكلة الإدمان والمخدرات؟ يموت خمسة وعشرون ألف شخص سنوياً في أحد البلدان الأوربية نتيجة تعاطي الكحول، وينفق الناس خمسة وثلاثين مليون جنيه إسترليني في بريطانيا وحدها يومياً على الخمور، ولكن الفاتورة السنوية التي تصرفها البلاد من جراء المشروبات تقدر بمليار وستمائة وثمانين مليون جنيه تنفق بسبب التغيب عن العمل بفعل أمراض الخمور، وكذلك ما يدفع من أجور العلاج في المستشفيات، وخسائر الأرواح والممتلكات الناتجة عن التحطيم والتكسر والحوادث بفعل الخمور والسكر، والعربدة والإدمان، مجتمع ينفق فيه أكثر من اثني عشر ملياراً من الجنيهات سنوياً، وفيه إحدى عشر مليوناً من الناس تحت مستوى الفقر، كيف يمكن أن يعيش بهناء وسعادة؟!
وهذه المخدرات التي ينتج عنها حوادث السطو والقتل، وضرب الزوجة والأولاد، وإهدار الأموال والأجور الباهضة للعلاج في المستشفيات، والنساء اللاتي يبحن أعراضهن من أجل الحصول على المخدرات، ما هو الحل القوة أم الشرطة؟ ليس حلاً، إن الحل بتمكن الدين، تمكن الإسلام، وانتشار الإسلام بين الناس.
ما هو الحل لمشكلة الربا المتفاقمة التي تئن تحتها البشرية اليوم أفراداً وجماعات ودولاً؟ والذين يعيشون تحت وطأة الربا يعلمون ذلك، والبنوك تتملك أراضيهم، ويضطرون لبيع بيوتهم، وتؤخذ مصانعهم وممتلكاتهم، وتباع محلاتهم وشركاتهم، والبنك كالمنشار صاعد نازل في تحصيل التضاعفات الربوية، وكثير من التجار والمقاولين الذين أفلسوا يعلمون تماماً هذا الواقع، ما هو الحل إذن إلا بالإسلام؟ لا حل إلا بالإسلام.
وعلى رأس المشكلات مشكلة الشرك الأكبر المنتشر في الأرض، وعبادة الأصنام والأهواء والأشخاص، وحتى عبادة الشيطان صار ديناً متفشياً ينتشر في عقول أبناء تلك الحضارات الزائفة.
مشكلة الشرك الأكبر الذي نتج عنه تعبيد الناس لغير الله، فاضطربت أحوالهم، وساءت معيشتهم جداً، وتمزقوا نفسياً: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًاسورة طـه:124ما هو الحل إلا بالإسلام الذي يأتي بالتوحيد لهؤلاء الناس لتستقيم حياتهم: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًاسورة الزمر:29.
وجاءت الصحوة الإسلامية
ولما عم الجهل، وعمت هذه الأوبئة الأرض جاء الله بقدر من عنده بهذه اليقظة الإسلامية التي رجع فيها عدد من الناس إلى الدين، جاءت هذه الصحوة الإسلامية في موعدها المقدور من الله ، جاءت مفاجأة ضخمة للكثير من الناس، جاءت هذه الصحوة الإسلامية اليوم التي تستمعون أخبارها، والتي تمتد جذورها، والتي نشاهد آثارها على الناس وفي الواقع، شيء لا يمكن أن ينكره حتى الكفرة، وإن سموا أفراد الحركة الإسلامية ما أسموهم، وإن عاثوا في فساداً في اتهامهم بالشر ما عاثوا، فإنهم يبقون موجودين في الأرض سائرين على منهج السلف الصالح، منهم الذين عصمهم الله من ويلات الهوى، واتباع البدع، وشرور مضلات الفتن، جاءوا ليثبتوا فشل الأنظمة الأرضية في معالجة الواقع، جاءت الصحوة الإسلامية رغماً عن أعداء الله الذين زعموا أنها لا تتناسب مع متطلبات العصر، وأن الإسلام لا يفي بحاجات الناس، لكن جاء هؤلاء الذين تمسكوا بشرع الله، جاءت الصحوة الإسلامية مفاجأة لرجال الاجتماع الذين كانوا يتمنون أن تحل الشعارات الوطنية والقومية محل طريق الهدي النبوي والدين الإسلامي، ففشلت الشعارات الوطنية، وسقطت الرايات القومية، وارتفعت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" تعلن متحدية سائر الأنظمة والملل الجاهلية التي يراد لها السيطرة والهيمنة، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، جاء الصحوة الإسلامية مخالفة لتوقعات العلمانيين الذين كانوا يرون زوال ما يسمى برجل الدين، وأن وقت رجل الدين قد انتهى، وأنه سينقرض بعد حين، ولكن جاءت هذه اليقظة الإسلامية لتبرهن من خلال الواقع على أن الدعاة والعلماء الصادقين هم الذين يلتف الناس حولهم، وهم الذين يكونون محل الثقة من قبل الناس، وأن الناس يتعاطفون مع دعاتهم وعلمائهم، وأئمتهم الإسلاميين، وجاءت الصحوة الإسلامية بالرغم من التضييق عليها الذي حصل في جميع المجلات، وبرغم الهجمات الشرسة التي تشنها جميع الوسائل في العالم شرقاً وغرباً.
العودة إلى الدين عودة إلى الأصل
أيها المسلمون: لو تعرض دين من الأديان أو ملة من الملل أو حركة من الحركات لنفس ما تعرض له الإسلام لفني منذ زمن بعيد جداً، ولكن هذا دليل من الواقع على أن الله يأبى إلا أن يتم نوره، ألا تتعجبون معي أنه بالرغم من جميع الحملات الشرسة التي تشن على الإسلام والمسلمين يومياً وعلى الدعاة منهم بالذات وعلى الصحوة الإسلامية وأجيالها الحاضرة أن الصحوة باقية، وأنها تنتشر رغماً عنهم؟ سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله العظيم! الذي فطر الناس فاجتالتهم الشياطين، فبقي من بقي على الهدى صابراً محتسباً، وهذا الكلام نرد به على الذين يقولون: إن اليقظة الإسلامية شيء عارض وإنها طفرة وأنها ملجأ مؤقت يلتجئ إليه بعض الناس من هم الحياة الحاضرة ولكنه سيزول كما زال غيره.
أيها المسلمون: إننا نؤكد اليوم على حقيقة مهمة جداً، حقيقة ينبغي أن تفتح لها الأسماع، حقيقة ينبغي أن تستقر في القلوب، فرق كبير بيننا وبين غيرنا في نظرتنا للأمور وعقيدتنا واعتقادنا فيها، هم يقولون: إن هذه اليقظة الإسلامية اليوم شيء مؤقت، وإنه نظراً لفشل الأنظمة والنظريات الأخرى فإن الناس اضطروا إلى اللجوء إلى الإسلام، ونحن نقول: كلا، إن الله فطر الناس على الإسلام، فطر البشرية كلها على الإسلام، وإن شياطين الإنس والجن قد اجتالوا الناس عن الإسلام، وألهوهم عن الإسلام، وإن مكائد أعداء الإسلام قد توالت عبر القرون الماضية لجعل الناس ينحرفون عن الشريعة، وهاهو الانحراف يعود، وهاهم الناس يرجعون إلى الأصل.
الذي يحصل الآن أيها الإخوة ليس حلاً مؤقتاً كما يقولون، ليس شيئاً وقتياً، هذا عوده إلى الأصل، الناس ضاعوا في خضم الملذات والشهوات، والأهواء ومضلات الفتن والنظريات، والافتتان بالحضارة الكافرة، وهاهم الناس الآن يرجعون إلى الأصل، هذه مسألة مهمة جداً، الناس الآن يرجعون إلى الأصل، الناس الآن يرجعون إلى الدين، الناس الآن يعودون إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
محاولات التغريب في القرون المتأخرة الماضية مكثفة جداً، فترك الناس دينهم، الآن جاء الوقت والأوان لعودة الناس إلى الدين، عودة هذه النفوس التائهة إلى المسار القويم، عودة هؤلاء الذين تخبطوا كثيراً جداً إلى الحياة الأساسية، والحياة السعيدة حقاً في الدنيا والآخرة، فليست العودة إذن عودة مؤقتة، والدليل على ذلك:
أنهم يعودون بالرغم من الهجمات الشرسة لأعداء الإسلام، أنهم يعودون بالرغم من حملات المطاردة والتعذيب، والتشويه والتجويع، يعودون مع ذلك في الإسلام فماذا يعني هذا؟ يعودون بالرغم من أن الطرق تسد أمامهم، وهم يعودون، ماذا يعني ذلك؟! يعني أن الشيء الذي يجذبهم شيء أصلي، وجذوره ضاربة في الأرض، لو أن المجال مهيأ في بلدان العالم الإسلامي لعودة المسلمين إلى الدين بكل يسر وسهولة ربما قلنا نعم، لكن عندما توضع كل العراقيل من أعداء الله أمام المسلمين، ثم يعودون إلى الإسلام! هذا يعني أن تلك النظرة التي يزعمونها نظرة خاطئة، فعودت الناس إلى الإسلام إذن هي عودة إلى الفطرة، وعودة إلى الأصل.
وكذلك فإن هذه اليقظة الإسلامية جاءت لتثبت قدرة الدين على إفشال سائر الحركات العلمانية والأحزاب الجاهلية المعادية للدين، جاءت الصحوة الإسلامية بالرغم من الحرب النفسية على اللحى والجلابيب والحجاب، ثم إنهم الآن يقولون: إن هذه الحركة ظهرت لأجل الانحطاط الاقتصادي، والتدهور المعيشي، والمستوى الثقافي المتدني للأفلام والمجلات، ردة فعل سرعان ما تزول، نقول: كلا والله، كذبوا ورب الكعبة، إنها العودة إلى الفطرة وإلى الأصل، ويقول علماء الاجتماع: إن الشباب بعضهم يلجأ إلى الهجرة إلى الخارج من بلدان العالم الإسلامي هرباً من الضغط الاقتصادي، ومحاولة لتوفير ظروف معيشية أفضل، وبعضهم يلجأ إلى الاتجار بالمخدرات أو التهريب، وبعضهم يلجأ إلى الجرائم التقليدية، وغير التقليدية، كسرقة المساكن والسيارات، والمحلات التجارية، والنصب والاحتيال والاغتصاب، والاعتداء على الممتلكات، وبعضهم يلجأ إلى الإدمان كنتيجة لهذا الواقع السيئ الذي يعيش فيه، حل انسحابي وهرب من الواقع، ولكن هذه الحلول كلها هي الحلول المؤقتة وهي الحلول الفاشلة؛ ولذلك اتجه كثير من الشباب إلى الدين، لماذا؟ لأنه ليس هناك مكان آخر يلتجئون إليه، هو الحل الوحيد.
هذا هو، هذه إجابات سريعة: لماذا عاد الناس إلى الدين في هذا الزمان؟ ولماذا يعودون باستمرار؟ صحيح أن الأكثرية لا تزال في جهل وكفر، وابتعاد عن الشريعة، لكن العودة كبيرة، وهذا يبشر بمستقبل عظيم، فلماذا إذن يعادي أعداء الإسلام الإسلام؟ لأنهم أعداؤه طبعاً، يعادونه من أجل أمور جذرية: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْسورة البقرة:120، وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْسورة البقرة:217هذه المبادئ يجب ألا ننساها، هذه مبادئ تفسر لنا الآن لماذا يريدون الحيلولة بين وصول الإسلام إلى الناس؟.
نظرية الحقد الصليبي اليهودي الذي يقول قائلهم وأحد محلليهم في آراء استشراقية مدروسة ومعتمدة عندهم يقول: صحيح أن الأمة الإسلامية نائمة، ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ، وإذا سارت الروح النضالية للإسلام ضد السيطرة الغربية حتى لو نامت نومة أهل الكهف، فإنه يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولي للإسلام، ثم يختم المستشرق قوله بقوله: وأرجو ألا يتحقق ذلك، ولكن نحن نقول: مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْسورة آل عمران:119، ونقول: إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَسورة التوبة:64، فإذن عداؤهم لنا عداء أصلي، عداء عقدي، عداء تاريخي، وليس عداء اقتصادي كما يتصور البعض، ولكن الله سيتم نوره.
اللهم عجل بفرجك، اللهم عجل بنصرك، اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الهدى، وألف بين قلوبهم، واجعل دائرة السوء على أعدائهم، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، ، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على النبي الأمي محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.
المساهمة في البنوك الربوية
أيها المسلمون: ولا بد من النصيحة في جميع الأمور، ومع تعالي الدعوة إلى المساهمة في البنوك الربوية نزلت الفتاوى من علمائنا الثقات -الذين نحسبهم من أولي العلم والبصيرة في هذه الأمور- ترد على أسئلة الناس المتعلقة بشراء أسهم البنوك الربوية، وهذه فتوى من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخوانه المسلمين، إلى من يرى هذا الخطاب وهذه الفتوى:
"سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد كثرت الدعايات للمساهمة في البنوك الربوية في الصحف المحلية والأجنبية، وإغراء الناس بإيداع أموالهم فيها مقابل فوائد ربوية صريحة معلنة، كما تقوم بعض الصحف بنشر فتاوى لبعض الناس تجيز التعامل مع البنوك الربوية بفوائد محددة، وهذا أمر خطير؛ لأن فيه معصية لله ولرسوله ﷺ ومخالفة لأمره، والله يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة النور:63، ومن المعلوم بالأدلة من الدين بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الفوائد المعينة التي يأخذها أرباب الأموال مقابل مساهمتهم أو إيداعهم في البنوك الربوية حرام سحت، وهي من الربا الذي حرمه الله ورسوله، ومن كبائر الذنوب، ومما يمحق البركة، ويغضب الرب ، ويسبب عدم قبول العمل".
وذكر حفظه الله في فتواه الصادرة من رئاسات إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بتاريخ ثمانية وعشرين خمسة ألف وأربعمائة واثنا عشر للهجرة الأدلة على تحريم الربا من الكتاب والسنة، وهي معروفة لديكم، ثم يقول: "فنصيحتي لكل مسلم يريد الله والدار الآخرة أن يتقي الله سبحانه في نفسه وماله، وأن يكتفي بما أباحه الله ورسوله، وأن يكف عما حرمه الله ورسوله، ففيما أباح الله كفاية وغنى عما حرم، وعلى المسلم الناصح لنفسه الذي يريد لها الخير والنجاة من عذاب الله، والفوز برضاه وبرحمته أن يبتعد عن الاشتراك في البنوك الربوية، أو الإيداع فيها بفوائد، أو الاقتراض منها بفوائد" بعض الناس يظنون الإيداع بالربا حرام، والأخذ بالربا ليس حرام! "والاقتراض بالربا منها بفوائد حرام؛ لأن المساهمة فيها، أو الإيداع فيها بفوائد، أو الاقتراض منها بفوائد، كل ذلك من المعاملات الربوية"، ثم يقول: "وعلى أصحاب الصحوة في البلد الإسلامية أن يطهروا صحافتهم من نشر كل ما يخالف شرع الله في أي مجالات من مجالات الحياة، كما أوصي الجهات المسئولة بالتأكيد على رؤوساء الصحف بألا ينشروا شيئاً فيه مخالفة لدين الله وشرعه، ولا شك أن هذا أمر واجب عليهم، وسيسألون عنه أمام الله .
وكذلك صدرت الفتوى من الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين بشأن المساهمة في البنوك الربوية، فتوى وخطبة جمعة أيضاً بتاريخ ستة سبعة ألف وأربعمائة واثنا عشر للهجرة، يقول: "أيها الإخوة المسلمون، نشر في جريدة كذا منذ يومين دعوة في المساهمة إلى بنك من البنوك، ونحن نعلم جميعاً أن مبنى البنك على الربا، وما كان كذلك فإنه لا يحل لمسلم أن يساهم فيه؛ لأن المساهمة فيه موجبة للعنة الله ، ولعنة الله هي الطرد والإبعاد عن رحمته، ولأن الربا حرب لله ولرسوله، ونحن نحذر إخواننا المسلمين من المساهمة في البنوك، ونقول لهم: اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في مجتمعكم، وإن في ظني أن الربا من الأسباب التي أوجبت تأخر المسلمين وتسلط أعدائهم عليهم.." إلى آخر تلك الفتوى الطويلة التي فيها إشارة إلى تحريم المساهمة في البنوك الربوية، وإلى تحريم التعامل بالتأمين المنتشر والمشهور.
وختاماً فتوى مستعجلة وسريعة ومختصرة لسماحة الشيخ أيضاً رداً على سؤال حول أخوين اختلفا في المساهمة في البنك.
الجواب: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا تجوز المساهمة في هذا البنك ولا غيره من البنوك الربوية، ولا المساعدة في ذلك بإعطاء الأسماء؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك في قوله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة:2، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه لعن آكل الربا ومؤكله، وكاتبه وشاهديه، فالشاهد والخلاصة:
أولاً: شراء أسهم البنوك حرام؛ لأن المساهم شريك في الإثم والعدوان.
ثانياً: إيداع الأموال في البنوك بالربا حرام، وبغير الربا للضرورة جائز.
ثالثاً: الاقتراض من البنوك بالفائدة بالربا حرام ولو لبناء بيت، ولو للزواج، ولو للحاجة الملجئة لا يجوز.
رابعاً: لا تجوز المعاونة معاونة الغير بإعطائه إثباتات شخصية يشتري بها أسهم، أو توكيل شرعي يشتري أسهماً ولو كان له، ولا يدخل من جيبك شيء واحد، فكيف إذا بعت هذه الأشياء عليه، بعت عليه الأسماء.
خامساً: لا تجوز المساهمة ولو بغير أخذ الأرباح.
بعض الناس يقولون: نحن نساهم في البنك نشتري الأسهم بعد أيام ترتفع نبيع الأسهم ما نأخذ أرباح، والله ما نأخذ أرباح من البنوك، نقول: وهذا الفرق بين السهم سعر السهم الذي اشتريتموه، والسعر الذي بعتوه به ما هو؟ قالوا: طيب نفك فيه ديون الناس، نعطيه لفقراء، أخي علي ديون.
أقول: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً[رواه مسلم (1015)] تريد عن طريق المساهمة في البنك أن تعمل أعمال خيرية، ماذا يقبل الله من هذا؟ ماذا يقبل الله من هذا؟ إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
وأسأل الله أن يهدينا جميعاً إلى الحق، وأن يجمع كلمتنا عليه، وأن يغفر لنا أجمعين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.