الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص الحديث الثامن
إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه [رواه مسلم: 179].
شرح الحديث الثامن
هذا الحديث العظيم دال على عظمة الله -تعالى- وقيوميته على خلقه، فمن عظمته: أنه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، ولا يليق به أن ينام؛ لأنه حي، له الحياة الكاملة، والنوم يتنافى مع الحياة الكاملة، والنوم موتة صغرى، والله لا يموت ولا ينام، والجن والإنس يموتون وينامون، والقيوم القائم بذاته لا يحتاج إلى أحد سواه، لا يقيمه أحد وهو يقيم كل أحد، به قامت السماوات والأرض، وقام الخلق، ولولاه ما قام أحد، وهو سبحانه يقوم بأمور السماوات والأرض ومن فيهن، ويدبر أمور السماوات والأرض وسكانها.
قامت به سبحانه فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها، وهو الذي يزودها بما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها فهو غني عن كل أحد ولا أحد يستغني عنه، افتقرت إليه الموجودات.
الحي له الحياة الكاملة، غير مسبوق بعدم ولا يلحقه فناء -سبحانه-، وله السمع والبصر والقدرة والعلم والحكمة -سبحانه-.
من تمام حياته وقيوميته أنه لا ينام، قال -تعالى- في كتابه العزيز: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ [البقرة: 255] السنة النعاس، لا ينعس ولا ينام، والنوم أخو الموت، لا تعتريه سنة مقدمات النوم، ولا النوم نفسه، وهذا نقص لا يليق بالله، ولذلك فإن ربنا منزه عنه سبحانه، والنائم يغيب عما حوله، والله لا يغيب عنه شيء: وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ [يونس: 61]، والنوم غفلة والله لا يغفل عن شيء -سبحانه-، والنوم راحة من التعب، والله ما يمسه لغوب، اللغوب: التعب، ولا الإعياء، فله الحياة الكاملة والقيومية، يدبر أمور العالم العلوي والسفلي، ويحيي ويميت، ويرزق ويخلق، ويفني يغني يفقر، يرفع أقواما يضع آخرين، يعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقيل العثرات، ويفرج الكربات، وينفذ أقداره في خلقه، ويرسل ملائكته كما يريد عز وجل بما يريد فكيف ينام؟
لا يمكن.
وقوله ﷺ في الحديث: يخفض القسط ويرفعه [رواه مسلم: 179] ما معنى يخفض القسط ويرفعه ؟
القسط هو العدل والميزان، وسمي الميزان قسطا؛ لأن القسط يقوم بالميزان، ويعرف بالميزان، وبالميزان يقع العدل.
والمراد بالميزان الشيء الموزون، فالله يخفض القسط ويرفعه، يعني يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن فيه من أرزاق العباد النازلة، وأعمالهم الصاعدة، فيخفض الميزان تارة فيضيق رزقا لحكمة، ويرفعه تارة فيوسع لحكمة، ويوفق لطاعة، ويخذل بمعصية، عدلا منه وحكمة، قال -: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ [الحجر: 21] هذا شرح العبارة كما في "المفهم" للقرطبي و"شرح النووي على صحيح مسلم" و "مرقاة المفاتيح".
والله -تعالى- يحكم في خلقه بميزان العدل فمن عمل ما يستحق الرفع رفعه، ومن عمل ما يستحق الخفض خفضه، ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة: عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع [رواه البخاري: 7411].
وعن النبي ﷺ في قول الله -تعالى-: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29] قال: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويخفض آخرين [رواه ابن ماجه: 202، وحسنه الألباني].
وقال بعض الشراح: القسط هو الرزق، والمعنى يخفض الرفع بتضييقه ويرفعه بتوسيعه فيضيق ويوسع كما يشاء لحكمة وهو الحكيم -سبحانه-، والرزق هو قسط كل مخلوق، يعني لماذا سمي الرزق قسطا؟
لأنه نصيب قسط كل مخلوق، الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، ويقدر له، يبسط عكس يقدر، يقدر يعني يضيق: وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ [الأنبياء: 87] يعني لن نضيق.
إذن، يقدر يعني يضيق، وليس معناه يستطيع هنا، قال الله: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت: 62].
وقيل: القسط هو العدل نفسه.
إذن، قيل القسط هو الميزان، والمقصود الموزون.
وقيل: القسط هو الرزق.
وقيل: القسط هو العدل نفسه، ويراد به الشرائع والأحكام؛ كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25].
فإذن، أنزلنا النصفة في الأحكام، والعدل المأمور به؛ كما قال تعالى في الآية الأخرى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل: 90]، لِيَقُومَ النَّاسُ بالشرائع التي أنزلها الله.
إذن، تارة يرفعه بمعنى يغلبه ويظهره.
إذا كان معنى القسط الشرائع، إذا كان معنى القسط الشرائع والأحكام فما معنى يخفض القسط ويرفعه في هذه الحالة؟
نقول: يغلب دينه بوجود الأنبياء وأتباعهم العاملين به، ويخفضه تارة إذا ذهبت النبوة من الأرض ذهب أتباع الأنبياء أو قلوا جدا؛ كالمدة التي كانت قبل بعثة نبينا ﷺ مباشرة، إيش كان الوضع في الأرض؟
إن الله نظر إلى أهل الأرض في ذلك الوقت قبل بعثة محمد ﷺ فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب [رواه مسلم: 2865].
فإذن، قد يشاء سبحانه أن الشرائع تنحصر بغياب النبوة، غياب أتباع الأنبياء يقلون جدا، يصير مثلا الجاهلية طاغية في الأرض، يصبح أهل الحق قلة، ويوسع فيجعلهم يغلبون وينتشرون ويفتحون البلدان ويهيمنون، هذا من شأنه -سبحانه-، ولذلك لو الواحد قال: المسلمون الآن في هزائم وفي ضعف، والكفار متسلطون ويتحكمون في العالم، والمسلمون ما لهم حول ولا قوة ولا طول؟
نقول: هذا من شأنه -سبحانه- يخفض ويرفع حتى في الشرائع، لكن لما بعث محمدا ﷺ أذن -سبحانه- ببقاء طائفة منصورة، لا تفنى ولا تنتهي، ظاهرين، وأذن -سبحانه- بأن الإسلام سيعم الأرض حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين.
ولذلك من الأشياء التي تذهل أعداء الدين: أنه برغم من كل الضربات المتتابعة القوية، البطش الذي يفعلونه، لكن الإسلام ينتشر، هذا شيء عجيب! هذا غريب جدا! هم الآن في حيرة، إيش في شيء من حرب الدين ما سووه إيش فيه؟! إيش في شيء ما سووه في المسلمين في البلاد والعباد من مذابح تشريد تهجير تدمير احتلال النهب سلب غزو عقدي غزو أخلاقي في الأخلاق في كذا إيش تدمير الإعلام والتعليم؟
ومع ذلك العجيب مع ذلك أن إحصاءاتهم تقول: أن عدد المسلمين يزداد أكثر من أي دين آخر في العالم، وأنه ما بقي كثير ما بقي الكثير حتى يصير المسلمون في العالم أكثرية، عندهم تقديراتهم 2070، و 2070 ما بقي له خمسين سنة؟ خلاص هم يقولون عما قليل 2030 ربع 2050 الثلث 2070 فوق النصف، خلاص، فهذا مدهش، هذا محير.
وهذا يفسر أحيانا الحنق على الدين، يعني ليش للدرجة؟ لماذا يعني يفعلون كل هذا؟
كل هذا المكر والتقتيل والتشريد؛ لأنه واحد حاقد يضرب يضرب يضرب، والمضروب ينتشر، إيش هذا؟ إيش الحل؟ ما عندهم حل.
قوله ﷺ: يخفض القسط ويرفعه مناسب لقوله: ولا ينبغي له أن ينام طبعا فالذي يخفض ويرفع ويقدر بميزان، والانتشار والانحسار، وكل شيء بقدر عنده كيف ينام؟
ما يمكن أن ينام وهو يقدر هذه الأشياء -سبحانه-، والله -تعالى- يخفض من يشاء، ويرفع من يشاء، ويوسع الرزق لمن يشاء، ويضيق على من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير -سبحانه-.
وقوله ﷺ: يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل [رواه مسلم: 179].
وفي رواية: ويرفع إليه عمل النهار بالليل، وعمل الليل بالنهار [رواه مسلم: 179] فالمعنى يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده، هذا المعنى، معنى الرواية الثانية يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعدهن ويرفع إليه عمل الليل في أول النهار الذي بعده، فإن الملائكة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه، متى يصعدون بأعمال الليل إلى الله؟
لما يطلع الفجر يعني في أول النهار.
ومتى يرفعون أعمال النهار؟
إذا غربت الشمس وانتهى النهار، يعني يصعدون بها بعد المغرب، يعني في أول الليل؛ كما جاء في حديث النبي ﷺ: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون [رواه البخاري: 555، ومسلم: 632].
طبعا رفع الأعمال إلى الله فيها إشارة إلى علو الله على خلقه؛ لأن الرفع إلى فوق؛ كما قال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10].
لماذا؟
لأن الرحمن على العرش استوى فوق سماواته على عرشه، وقال: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ [الملك: 16]، وقال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1].
مواقيت رفع أعمال العباد
وقد دلت النصوص على أن رفع الأعمال إلى الله على ثلاثة أنواع: الرفع اليومي، والرفع الأسبوعي، والرفع السنوي.
أما الرفع اليومي كل يوم مرتين ترفع الأعمال بالليل وبالنهار كما دلت عليه حديث الملائكة التي تصعد بالأعمال.
النوع الثاني: العرض الأسبوعي يومي الاثنين والخميس مرتين كما جاء في حديث تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين، يعني في كل أسبوع، وسمي الأسبوع جمعة بأعظم يوم فيه، فيقال: جمعة وجمعتان وثلاث جمع، والمقصود أسبوع وأسبوعان وثلاث أسابيع، قالت: تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: يوم الاثنين ويوم الخميس؛ فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا يعني يتراجعا ويصطلحا [رواه مسلم: 36].
كان إبراهيم النخعي -رحمه الله- من السلف يبكي إلى زوجته، وتبكي إليه يوم الخميس، فيقول: "اليوم تعرض أعمالنا على الله ".
النوع الثالث: العرض السنوي ترفع أعمال العام كله جملة واحدة في شهر شعبان؛ كما دل عليه حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم [رواه النسائي: 2357، وهو حديث حسن].
طيب رفع عمل الإنسان كله متى يكون؟
إذا مات تطوى صحيفته ترفع إلى الله.
ويستحب للمسلم الازدياد من الطاعات في أوقات الرفع والعرض، أوقات رفع الأعمال إلى الله وعرض الأعمال على الله، ولذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم: صيام الاثنين والخميس، والإكثار من الصيام في شعبان، والتزود من الأعمال الصالحة في الليل والنهار.
وقد خصت الشريعة صلاتي الفجر والعصر بمكانة عظيمة، أن أعظم الصلوات الفجر والعصر، هذا المعنى فيها وقت صعود الأعمال إلى الله.
عظمة الله
جملة في الحديث دالة على عظمة الله قوله: حجابه النور النور نوعان بالنسبة لله -تعالى-: نور هو صفته، ونور هو خلقه، نور الصفة غير مخلوق، نور ذاتي، النور الذي خلقه منه الحجاب الذي احتجب به عن خلقه، هذا النور الحجاب هذا مخلوق، ونور السماوات والأرض والأنوار الأخرى نور الهداية، النور الذي يقذفه في قلب عبده المؤمن.
إذن، في نور هو صفته سبحانه، هذا غير مخلوق من صفاته، وفي نور خلقه، وهو أنواع كثيرة، النور الذي خلقه أنواع كثيرة، قال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النــور: 35] يعني ينور السماوات والأرض ومن فيهن، وبنوره يهتدي أهل السماوات والأرض، وبنوره أنار العرش والكرسي، والشمس والقمر، والنور الذي استنارت به الجنة والنور، هذا أشار إليه ابن القيم -رحمه الله- في "النونية" فقال:
نور السماوات العلى من نوره | والأرض كيف النجوم والقمران |
من نور وجه الرب جل جلاله | وكذا حكاه الحافظ الطبراني |
فبه استنار العرش والكرسي مع | سبع الطباق وسائر الأكوان |
وكتابه نور كذلك شرعه | نور كذا المبعوث بالفرقان |
يعني محمد ﷺ نور أيضًا.
وكذلك الإيمان في قلب الفتى | نور على نور مع القرآن |
وكذلك الإيمان في قلب عبده المؤمن، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ.. الآية.
وحجابه نور فلو كشف الحجاب | لأحرقت سبحاته الأكوان. |
وإذا أتى للفصل يشرق نوره | في الأرض يوم قيامة الأبدان |
وإذا أتى للفصل، يعني يوم القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء، ماذا قال الله في كتابه بشأن النور في ذلك المقام عند مجيء الله؟
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ [الزمر: 69].
وكذاك دار الرب جنات العلى | نور تلألأ ليس ذا بطلان |
[الكافية الشافية].
الله احتجب عن خلقه بالنور، والنور هذا له شعاع عظيم فلا تخترقه العيون.
فإذن، حجابه النور، هذا الحجاب الذي هو النور -كما قلنا- المخلوق، وهو الذي رآه النبي ﷺ ليلة المعراج، لما قال: رأيت نورا ، فأي نور الذي رآه؟ قالوا: نور الحجاب.
قال: رأيت نورا [رواه مسلم: 292].
أما نور وجهه وذاته -سبحانه- فهو من أوصافه، وهذا غير مخلوق، هذا من صفات الله كعلمه وحكمته ونوره -سبحانه-، قال: لو كشفه يعني الحجاب هذا الذي احتجب به عن خلقه حجاب النور لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه [رواه أحمد: 19632، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"] السبحات الجلال والبهاء، والله بصره محيط بكل المخلوقات، لا يفوته شيء فلا يحتجب عنه شيء من مخلوقاته، وهو محتجب عن مخلوقاته، فلا يحجبه، لا يحجب المخلوقات، لا يمكن أن تحتجب عن الله، لكن الله احتجب عن مخلوقاته بحجاب النور، وبصره محيط بجميع المخلوقات لا يفوته شيء.
وقوله: ما انتهى إليه بصره من خلقه يعني كل الخلق ما في شيء ما ينتهي إليه بصر الله، ما في شيء يخفى على الله، ما في شيء لا يدركه بصر ربنا، بصر ربنا يدرك كل شيء.
فإذن، بصره محيط بجميع مخلوقاته، لا يفوته شيء منهم، ولا يستره ساتر ولا يحول دونه حائل.
فالمراد ما انتهى إليه بصره من خلقه، يعني كل المخلوقات، لو كشف الله الحجاب هذا المانع من رؤيته -تعالى-، فتجلى لخلقه لأحرقهم جميعا، لأحرق نور وجهه كل الخلق، ولذلك لما تجلى للجبل شيء يسير من الرب ساخ الجبل في الأرض وتدكدك، وَخَرَّ موسَى صَعِقًا [الأعراف: 143]، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا، قاعا صفصفا.
إذن، من رحمته حجاب النور، هذا لولا حجاب النور كنا احترقنا، ومن يقوى؟ ما يمكن، قال ابن القيم -رحمه-: "فإذا كانت سبحات وجهه الأعلى لا يقوم لها شيء من خلقه، ولو كشف حجاب النور عن تلك السبحات لاحترق العالم العلوي والسفلي، فما الظن بجلال ذلك الوجه الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله؟" لما يقوي أبصار المؤمنين في الجنة حتى يروه فأي شيء سيرون لا يخطر بالبال؟
الآن لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه العالم العلوي والسفلي فما بالك بالمؤمنين عندما ينظرون إلى جلال وبهاء وجمال وجه في الجنة؟
نسأل الله أن يجعلنا من أهل ذلك.
إذن، هذا هو حديث عظيم في عظمة الله، الحديث هذا من الأحاديث العظيمة في عظمة الله.