الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الشباب المسلم على عتبة الزواج 1


عناصر المادة
الغاية من الزواج
فوائد الزواج ومنافعه
الحث على الزواج في الكتاب والسنة
حكم التبتل (الاختصاء)
حرص السلف على الزواج
الحرص على الزواج بذات الدين
نكاح البكر
الودود الولود
شروط غير معقولة عند طلب الزوجة
طرق البحث عن الزوجة
مسألة البحث عن زوج للأخت
الحث على السعي في التوسط في تزويج الشباب
النظر في حال أهل الزوجة
الاستعداد للزواج
التغافل عن أخطاء الزوجة
الاستشارة قبل الإقدام على الزواج
الوضوح عند الزواج
العيوب الموجودة في الزوجين
معرفة الحقوق الزوجية لكل منهما
النظر إلى المخطوبة
تحريم المواعدة السرية بين الرجل والمرأة
تحريم الخطبة على خطبة الأخ
ملاطفة الزوجة عند البناء بها
الدعاء بالبركة للزوجة عند الدخول عليها
صلاة ركعتين مع الزوجة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

الغاية من الزواج

00:00:28

فإن هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الشباب أو الناس الذين يتزوجون يحتاجون فيها إلى نوع من التوجيه والإرشاد، وبيان آداب الشريعة في هذا الأمر.

لابد أن يكون الهدف من الزواج في ذهن الشاب المسلم واضحاً.

لابد أن يكون الباعث للزواج باعثاً شرعياً، وأن تكون القناعة به قناعة شرعية.

إن المسألة في الشريعة ليست مجرد عادة أو تقليد أو أنه أمر من الأمور التي يريد الإنسان أن يفعلها قبل أن يموت، كما قال لي أحدهم مرة: هناك في الحياة ثلاثة أمور الواحد يريد أن يفعلها قبل أن يموت: يدرس أو يتوظف، ويتزوج، ويخلف أولاداً، ثم يموت.

فهي عند بعض الناس تقليد، أو مهمة من المهمات التي سيفعلها في حياته، ولكن المسألة أسمى من ذلك، والقضية: قضية عبادة؛ إنه لو نوى طاعة الله -تعالى- لأُجر أجراً عظيماً.

فوائد الزواج ومنافعه

00:01:51

انظر -أيها الأخ المسلم- إلى ما في النكاح من العفة: عفة النفس، وإعفاف الزوجة، والاستمتاع المباح الذي جعل الله فيه أجراً: وفي بضع أحدكم صدقة [رواه مسلم: 1006] لما وضعها في الحلال كان له أجر، وكذلك لو وضعه في الحرام كان عليه وزر.

لا تنظر إلى قضية الاستمتاع فقط ولكن انظر إلى قضية العفة أيضاً؛ لأن العفة مطلب شرعي.

انظر إلى مسألة تكوين الأسرة التي هي لبنة في بناء المجتمع الإسلامي.

يتحول المجتمع إلى مجتمعٍ إسلامي عندما تنشأ الأسرة المسلمة على قاعدة شرعية وتقوى من الله ورضوان.

انظر إلى مسألة الأولاد التي ندبت الشريعة إلى تحصيلهم:  وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة: 187] أي الأولاد، والنبي ﷺ سيكاثر بهذه الأمة جميع الأمم يوم القيامة ويفاخر بهم.

ولذلك كان كثرة الولد من المقاصد الشرعية، ولا شك أنها تسبب قوة في المجتمع المسلم.

والمجتمعات الغربية اليوم آخذة بالتقلص نظراً لما صار عندهم من الحد من الإنجاب أو منع النسل أو تقليل النسل، هذه الفكرة الخبيثة التي يريدون ترويجها بين المسلمين.

انظر إلى المكانة التي يجعلها الزواج لك -يا أيها المسلم- في المجتمع.

إن الناس ينظرون إلى المتزوج وصاحب الأولاد نظرة فيها احترام أكثر مما ينظرون إلى الأعزب.

ولا شك أن هذه المكانة من الأمور التي تسهل لك أموراً كثيرة في الدعوة إلى الله .

وكثير من الشباب يشتكون في مرحلة العزوبة من عدم سماع الأقرباء لهم، وعدم تقبل كلامهم في الدعوة إلى الله ، أو يقولون: أنت صغير لا تفهم الحياة! أنت تريد أن تنصحنا؟ فإذا صار زوجاً له امرأة وأولاد ورب أسرة تغيرت مكانته في المجتمع.

ولا شك أن هذا التغير يهيئ له فرصة في الدعوة إلى الله  أكثر من ذي قبل.

وما يحصل أيضاً من التقريب بين الأسر والعوائل، فإنه إذا تزوج من أناس صار بينهم علاقة صهر؛ لأن الله خلق من الماء البشر، فجعل العلاقات بينهم على قسمين: نسب وصهر.

علاقة نسب؛ مثل: الأم والأب والابن والخال والعم، ونحو ذلك.

وعلاقة صهر؛ مثلما يحدث إذا تزوج بامرأة فتكون زوجته وأمها هي من المحارم، وكذلك أبو الزوجة وأخو الزوجة تنشأ علاقات جديدة، ويدخل الإنسان بزواجه في عالم أوسع وأرحب من ذي قبل، بل كثير من الناس تتغير أوضاعهم حتى الاقتصادية والمعيشية نتيجة زواجهم.

والإنفاق على الزوجة فيه أجرٌ أيضاً، واللقمة التي تضعها في فيّ زوجتك تؤجر عليها.

والشاهد: أنه كلما كثرت النيات الحسنة في الزواج عظم الأجر عند الله -تعالى-، فليست القضية قضية استمتاع فقط، المسألة أعظم من ذلك بكثير.

الحث على الزواج في الكتاب والسنة

00:05:59

لقد حث الله -تعالى- في كتابه على الزواج والإنكاح: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: 32]،  فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ  [النساء: 3] هذه الأوامر الإلهية التي فيها توجيه الغريزة نحو المجال الشرعي وتحقيق المصالح العظيمة التي تترتب على الزواج.

وقال البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب قول النبي ﷺ: من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج  [رواه البخاري: 5066، ومسلم: 1400]، وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح؟ وساق بإسناده إلى علقمة قال: "كنت مع عبد الله فلقيه عثمان بـمنى -علقمة من أشهر تلاميذ عبد الله بن مسعود- "فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة -أي: أستأذنك على جنب في كلمة خاصة بيني وبينك- فخليا لوحدهما، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكراً تذكرك بما كنت تعهد؟

-فاستدل به أهل العلم على أن زواج البكر يجدد النشاط-.

ولذلك ذكر ابن حجر -رحمه الله تعالى- من فوائد هذه القصة: أن معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط بخلاف عكسها، فبالعكس- فيقول عثمان لابن مسعود: هل لك -يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكراً تذكرك بما كنت تعهد؟ فلما رأى عبد الله أنه ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي، فقال: يا علقمة -لأن علقمة كان بعيداً والكلام كان خاصاً- فانتهيت إليه وهو يقول: أما إن قلت ذلك، لقد قال لنا النبي ﷺ: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء  [رواه مسلم: 1400].

فالنبي ﷺ علق النكاح على الاستطاعة، على الباءة: من استطاع منكم الباءة فليتزوج .

وهذا الحديث له قصة وهي: أنه قال في الرواية: "لقد كنا مع النبي ﷺ فقال لنا -ثم ذكر هذا الحديث-:  من استطاع منكم الباءة فليتزوج .

وابن مسعود لم يرفض ذلك، لكن لما كان لا حاجة له به الآن، أو عنده أيضاً زوجة وعنده أولاد فإنه أكد على المعنى، وقال: إن النبي ﷺ قال: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فهو موافق لـعثمان فيما قال له.

وقوله: ((من استطاع منكم الباءة)) من كان مؤهلاً للزواج وعنده الاستطاعة فليتزوج.

أما ما يقوله بعض الناس اليوم: إن الزواج المبكر فيه ضرر، أو لابد أن ننتظر حتى يتم الدراسة ويعمل، ونحو ذلك، فهذا ليس عذراً مطلقاً في تأخير الزواج، بل هذا خلاف السنة.

لكن لو كان الإنسان لا يستطيع فيدرس ليتخرج ويتوظف فيجمع المهر وتكاليف الزواج؛ لأنه ليس مقتدراً، فهذا معذور.

لكن الذي عنده غنىً أو يستطيع أبوه أن يزوجه مثلاً، وقد عرض ذلك عليه، فالعجيب أن بعض الشباب إذا عرض عليهم آباؤهم الزواج يرفضون ذلك، ويقولون: الوقت مبكر، وهم يعلمون ماذا يحل بالأمة في هذا الزمان من الفتن الهوجاء، والمعاصي المترتبة على ثوران الشهوة؟ وما حدث في هذا الزمان من أفلام الفجور ومجلات الدياثة أو الخلاعة والاختلاط المحرم وإطلاق البصر وتبرج النساء؟

فالشاهد: أن الزواج في زماننا صار لابد منه.

حكم التبتل (الاختصاء)

00:11:05

قد يخطر لبعض الناس أن يتبتل، ويقول: هذا النكاح شهوة لا أريدها لأنها تقطعني عن العبادة، أو عن طلب العلم، الزواج مشكلات، الأولاد مصائب، تربيتهم مسئولية، لا أطيق ذلك، ونحو ذلك من الأمور؟

فنقول: إن التبتل ليس من طبيعة هذا الدين، وليس من عادة هذه الأمة، أبو هريرة يقول لرسول الله ﷺ: "يا رسول الله، إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء؟ فسكت عني [رواه البخاري: 5076].

وفي رواية: أنه استأذنه في الاختصاء، فقال النبي ﷺ لما كرر عليه وسكت عنه، ثم قال ذلك فسكت عنه، ثم قال ذلك، فقال النبي ﷺ: يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ، فاختص على ذلك أو ذر  [رواه البخاري: 5076] افعل ذلك أو اترك، وليس ذلك إذناً بالفعل، وإنما هو نوع من التنبيه على أن هذا الأمر ليس من السنة، وأن ذلك كله مقدر في علم الله -تعالى-، ومكتوب في اللوح المحفوظ، سواء فعل أو لم يفعل، وهو ينبهه على ألا يفعل ذلك ويلفت نظره.

والحديث الآخر الذي يرويه عثمان بن مظعون لما استأذن النبي ﷺ فلم يأذن له، فإن سعد بن أبي وقاص قال: "رد رسول الله ﷺ على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا" [رواه البخاري: 5073].

وقال قيس: قال عبد الله: "كنا نغزو مع رسول الله ﷺ وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87] [رواه البخاري: 5075].

وكل الأحاديث السابقة رواها الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.

حرص السلف على الزواج

00:13:52

كان السلف حريصين على هذا الأمر، قال طاووس: "لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج" [مصنف ابن أبي شيبة: 3/453].

وقال إبراهيم بن ميسرة: قال لي طاووس: "تزوج أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد" ماذا قال له؟ قال: "ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور" [مصنف ابن أبي شيبة: 3/453] أنت لماذا لا تتزوج؟ إما أنك عاجز أو فاجر.

ولذلك كانوا يشددون في المسألة.

وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "لو كان بشر بن الحارث تزوج لتم أمره".

وقيل لأحمد: "مات بشر، قال: مات والله وما له نظير إلا عامر بن عبد قيس، فإن عامراً مات ولم يترك شيئاً، ثم قال أحمد: لو تزوج؟".

فكان عندهم أن الشخص غير المتزوج فيه نقص.

هذا مع نظافة مجتمعهم وسلامتهم من كثير من الآفات الموجودة في مجتمعنا.

ثم إن الزوجة الصالحة لا شك أنها من السعادة؛ فإن النبي ﷺ قد أخبر عن ثلاث من السعادة وأربع من الشقاء، فمن ذلك: المرأة تراها فتعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك.

وأخبر عن أربع من الشقاء: المرأة السوء، كما أخبر عن أربع من السعادة المرأة الصالحة.

بل إن هذه الدنيا الملعونة الملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه.

هذه الدنيا التي هي المتاع خير متاعها المرأة الصالحة.

فإذاً، المرأة الصالحة مستثناة من هذه الدنيا الملعونة.

فهذا خير ما يستفيده المرء من دنياه، زوجة مؤمنة تعينه على أمر دينه ودنياه.

بل إن النكاح من أسباب الغنى، قال الله -تعالى-: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  [النور: 32].

هذا ما نصح به بعض السلف رجلاً أصابته الفاقة فأمره أن يتزوج لما في هذه الآية من الوعد، وقد تكفل الله بعون الناكح الذي يريد العفاف، إنه الغنى الذي يغنيه الله من فضله الذي يشمل غنى النفس وغنى المال.

وكذلك فبالنكاح يأتي الولد الذي إذا صار صالحاً نفعك وأنت في قبرك، كما قال النبي ﷺ: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له  [رواه مسلم: 1631].

لو بكر بالزواج فأنجبت له الولد فرباه صالحاً، لو مات يموت مطمئناً بأن له ولداً من بعده يدعو له.

بخلاف الذين يتأخرون في الزواج فيموتون وأولادهم صغار يتامى ليس لهم أب يربيهم، وهذا يمكن أن يحدث لأي أحد، لكن لا شك أنه يحدث للذي يؤخر الزواج أكثر من الذي يحدث للمتزوج.

الحرص على الزواج بذات الدين

00:17:44

وعلى الشباب إذا ابتغوا النكاح أن يركزوا جيداً في مسألة مواصفات المرأة التي يريد أن يتزوج بها، فكثير منهم إذا أراد أن يتزوج فإنه ينظر إلى الجمال، وهذه من الآفات المشهورة الموجودة في زماننا هذا، والنبي ﷺ قد أخبر عن هذا المطلب الذي يطلبه بعضهم وهو: مسألة الجمال، فقالﷺ:  تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها ولدينها وجمالها، فاظفر بذات الدين تربت يداك  [رواه البخاري: 5090، ومسلم: 1466].

فإذاً، هذا الحديث يرشد إلى أول شرط من شروط الزوجة، إذا أراد الرجل أن يبحث فإن أول ما يبحث عنه قضية الدين؛  لأن دين الزوجة هو الأساس.

إن المرأة تنكح لأسباب، ذكر في هذا الحديث أربعة أسباب رئيسية تدعو إلى نكاح النساء: المال، والحسب، والدين، والجمال.

فما هو الذي تختاره؟

اختر الدين تربت يداك.

وهذا خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته؛ لأن معنى تربت يداك، أي: التصقت يدك بالتراب من الفقر، ولكنه لا يريد به حقيقته وإنما هو نوع من التأنيس ولفت النظر إلى ما يريد.

وهؤلاء الذين يطالبون اليوم بمواصفات عجيبة من الجمال يستلهمونها من أغلفة المجلات، ومما بقي في الأذهان من النساء في المسلسلات، والذين لا يغضون أبصارهم، في النهاية يقول: أريد امرأة وصفها كذا، ونحو ذلك.

وبعضهم يتشدد في هذا تشدداً عجيباً حتى يشترط لون بؤبؤ العين!

فنقول لهؤلاء الناس: رويدكم، مهلاً، ماذا تقصدون؟ وهل تظنون أن وجود هذه المواصفات التي تركبونها من الأشكال الموجودة في مخيلاتكم أمر سهل، أو أنه يمكن أن يتأتى بيسر؟

الجواب: كلا.

والمشكلة تنبع من قضية الجاهلية التي عاشها بعض الناس مما رأوه في الأفلام أو في المسلسلات أو فتيات الغلاف، ونحو ذلك.

وقد يكون الجمال سبباً لطغيان المرأة، فعسى حسنها أن يوردها المهالك، وهذا موجود في الواقع، فإن بعض النساء إذا آنست من نفسها جمالاً صارت مغرورة، وربما طال لسانها على زوجها، وطالبته بالنفقات الكثيرة، وعابته في خلقته، وأخبرته بأنه لا يستحقها؛ بل إنه أدنى من ذلك، وأنها بالمكانة الأرفع، وتمن عليه أنها رضيت به، ولذلك قد يكون الجمال تعاسة في الحقيقة على أنه لا يمنع الشخص من أن يبتغي الجمال، فإنه لو وجد الجمال بعد الدين، فهذا خير إلى خير، فإن من الأمور الجيدة أنه إذا نظر إليها سرته.

لكن هذه المستويات من الصور الجميلة الموجودة في الأفلام والمسلسلات والمجلات هي في الحقيقة عينة نادرة في الواقع؛ لأن أكثر النساء لسن كذلك.

وإنما اليهود وأعوانهم يغوون من يغوون من النساء في المجتمعات، فينتقون صاحبات الصور الجميلة ليدخلن في هذه الأشياء.

ثم إن بعض الناس لا يفرق بين الجمال الطبيعي وجمال المكياج، فإن ما فعلته اليوم دور الأزياء وصالات الكوافيرات والتزيين لوجوه النساء هو أمر عجيب، فإن المرأة تدخل فتقعد عند المزينة بوجه، ثم تقوم من عندها بوجه آخر، حتى إن المرأة الأخرى التي تنتظرها في صالة التزيين عند الكوافيرة لا تكاد تعرفها من كثرة الأصباغ والمساحيق والألوان والأدهان التي يستخدمونها، ولذلك لو نظرت إلى صورة فرأيت فيها جمالاً فاعلم أنه قد يكون جمالاً مزيفاً، ثم أنت تطلب مثله في الواقع، وتقول: أريد امرأة هذا وصفها، وهذا لونها، وهذه عيونها، وهذا ثغرها، وهذا طولها، ونحو ذلك.

لذا لابد أن يكون الإنسان عاقلاً.

فصحيح أنه ليس مأموراً أن يتزوج دميمة أو قبيحة، لكن في نفس الوقت لا يشترط هذه الشروط، وليس ببعيد أن الذي يشترط هذه الشروط يأخذ عكس ما اشترط بالضبط، وهذا ملاحظ، فإن الذي يكون عنده يسر في انتقائه، ويشترط الدين يوفقه الله لامرأة تقر بها عينه.

وإذا كان كثير الشروط يريد أوصافاً دقيقة جداً، ويقول: لا أريدها بعدسات ولا بنظارات.

فهذا الشخص نادراً ما يصل إلى مطلوبه، هذا إذا سلمت زوجته ولم ترفع عليه صوتها أو تسيء العشرة معه في المستقبل.

إذاً، المطلوب الأول هو الدين، وهذه وصية النبي ﷺ:  فاظفر بذات الدين تربت يداك .

ومن هي ذات الدين؟

المرأة التي تقوم بالواجبات وتنتهي عن المحرمات.

فنحن لا نشترط داعية ولا طالبة علم، لكنها إذا كانت صاحبة دين دفعها دينها إلى الدعوة إلى الله وطلب العلم ما دام زوجها يدفعها إلى ذلك.

فإذاً، يكفي في البداية أن تكون المرأة صاحبة دين وتقوى وخوف من الله -عز وجل-.

وهذه المسألة تتفاوت عند النساء، فمنهن من تكون ذات تقوى عالية، وخوف من الله عظيم، ومنهن من تكون متوسطة في ذلك.

المهم أن تكون معروفة بالستر والعفاف والصيانة، قائمة بفروض الله من الصلاة والصيام والحجاب تاركةً المحرمات كسماع آلات اللهو والغناء، والتعلق بالأفلام، ونحو ذلك من الأمور.

صحيح أنه حتى مع تبسيطنا للمسألة فإنها عزيزة في الوجود نظراً لكثرة الفسق في عصرنا؛ لكن مع انتشار الصحوة والحمد لله لن يعدم الإنسان امرأة ذات دين في الواقع، ويقول: لم أجد امرأة ذات دين.

الذي يقول: كل هذا المجتمع ما وجدت فيه امرأة ذات دين، فهذا إنسان في نظرته نظر.

ولا ينبغي التساهل في هذا المطلب مطلقاً، فإن كثيراً من الأشخاص الذين تزوجوا بغير ذات الدين، وقالوا: في المستقبل يصلحها الله، في المستقبل يهديها الله، في المستقبل سأجتهد عليها حتى تلتزم بالدين.

فنقول: إن الهداية بيد الله، فربما تجتهد وتعمل وتعمل ثم لا تتدين المرأة، فتتبرج وتذهب إلى الأماكن والأعراس المختلطة، ونحو ذلك.

فماذا ستفعل وقد تورطت، وصار لك منها ولد، وصار الاستغناء عنها الآن أعسر بكثير من ذي قبل، وستعض أصابع الندم وتتمنى لو كنت من البداية قد تزوجت ذات الدين؟

ومن الأشياء الطريفة: أن أحد الشباب عرضت عليه امرأة متدينة، فقال: أنا لا أستحقها، فنقول: هذا تواضع مذموم، فاحمد الله إذا عرضت عليك امرأة ذات دين ولو كنت أنت عندك شيء من التقصير فربما تكون هدايتك على يديها. وهنا قد يقول بعض الناس: هل أنت تدعو لترك غير المتدينات فمن سيتزوجهن إذاً؟

أقول: أنا أدعو إلى ما دعا إليه النبي ﷺ:  فاظفر بذات الدين  وليحدث هذا الشعور في نفوس بعض النساء غير المتدينات.

إذا شعرت الفتاة غير المتدينة إنها غير مرغوب فيها إذا كانت غير ذات دين، وكثر في المجتمع الكلام عن ذات الدين، وأن ذات الدين مطلوبة فسيكون هذا من الدوافع لهؤلاء الفتيات أن يلتزمن بالدين.

وقد يلتزم الإنسان بالدين من باب مادي أو يظهر الالتزام بالدين ثم يقوده ذلك إلى الإخلاص لله ، كما حصل من بعض السلف الذين قالوا: طلبنا هذا العلم للدنيا فأبى الله إلا أن يكون لوجهه.

فساقهم الله للإخلاص في النهاية.

وبعض الشباب الذين تهاونوا في شرط الدين سبب لهم هذا التهاون -والعياذ بالله- انتكاسة ووقعة ورجوعاً ونكوصاً على الأعقاب بعد الزواج.

لم يصبح الأمر على ما أراد أنه سيجعلها تلتزم بالدين، وإنما الذي حصل أنها هي التي أوقعته في فتنة الدنيا، وهي التي أرجعته خطوات كثيرة إلى الوراء.

وبعض الناس يلعب ويلهو ويعصي ويفجر، ثم يقول: أريد امرأة متدينة، وهو يقول: من تجربتي في عالم الفساد إنه لا يؤتمن على البيت إلا المرأة المتدينة.

كلامه صحيح، لكن من أسباب توفيق الله للشخص من امرأة متدينة: أن يكون هو متديناً.

نعم، إن بعض الناس كانوا أصحاب فجور، فلما تزوجوا بنساء متدينات أثر ذلك فيهم، لكن إذا أراد الشخص أن يصل إلى بغيته من امرأة ذات دين، فينبغي له أن يتقي الله حتى يجعل له من أمره يسراً ويرزقه من حيث لا يحتسب، وحتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً، ويرزقه بذات الدين المطلوبة.

أما الواحد يعصي ويفجر ثم يقول: أريد ذات الدين، فربما تكون معصيته وفجوره من الأشياء التي تحول بينه وبين الوصول إلى ذات الدين.

نكاح البكر

00:30:36

كذلك من الأشياء أو الصفات التي حثت الشريعة عليها: نكاح البكر في مواصفات المرأة، قال البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب نكاح الأبكار" عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجراً لم يأكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع منها  أي: أن رسول الله ﷺ لم يتزوج بكراً غيرها [رواه البخاري: 5077].

وهذا من إدلال عائشة بنفسها؛ فإنها كانت تدلل نفسها عند النبيﷺ، وتلفت نظره إلى هذا الأمر بين فترة وأخرى، والنبي ﷺ لم ينكح بكراً غيرها. فإذاً، نكاح البكر مستحب ولا شك، وفي ذلك فوائد منها:

1- أنهن أعذب أفواهاً.

2- أنتق أرحاماً.

3- أرضى باليسير.

فهي مستعدة للحمل والإخصاب أكثر من الثيب.

وكذلك فالنتق هو الرمي والنقض والحركة.

وكذلك في العشرة أكمل.

وكذلك فإنها أرضى باليسير، لأنها ليست ذات تجارب سابقة، وتتطلع إلى الدنيا كما تتطلع أو تعرف ذلك الثيب.

لكن الإنسان لا يعني هذا أنه لو وجد ثيباً ذات دين ووجد المصلحة في نكاحها فإنه لا يفعل، بل إن النبي ﷺ قد أقر جابراً لما عدل عن البكر إلى الثيب لمصلحة، وهي: أن عنده أخوات صغيرات، لم يشأ أن يأتي لهن بواحدة مثلهن في السن، وإنما رأى المصلحة أن يتزوج ثيباً تقوم بأمرهن فأقره النبي ﷺ على هذا، مع أنه دعاه إلى هذا فقال: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك أو تضاحكها وتضاحكك؟ [رواه البخاري: 5367، ومسلم: 715].

وكذلك لو أن الإنسان تزوج بكراً وتزوج ثيباً ضمها إليه؛ لأجل الإحسان إليها، أو لأنها أرملة مثلاً، أو ليتم أولادها، أو نحو ذلك، فهذا إنسان على خير عظيم.

وهذا من الحلول التي تكون لكثرة الطلاق أو النساء الأرامل أو المطلقات الموجودات في المجتمع، فإن حث الشريعة على الزواج بالبكر ليس معناه إهمال الجانب الآخر وإنما ما هو الأفضل؟ هذا هو الأفضل.

الودود الولود

00:33:28

كذلك فإن من الصفات التي دعا النبي ﷺ إلى مراعاتها: الودود الولود.

فقد يقول قائل: إذا كانت بكراً كيف نعرف أنها ولوداً؟

فالجواب: يعرف ذلك بأمور؛ منها: النظر في حال أمها وجدتها وخالاتها وعماتها، فإذا كان النسل عندهن كثيراً عرف أن هذه في الغالب ستكون على منوالهن، فإذا كانت قريباتها من أصحاب الأولاد الكثر فإنها كذلك في الغالب.

ولنعلم أن الاختيار أمر مهم، ليست المسألة تسلية، أو مثل السيارة تشترى وتباع، والتخلص منها سهل.

والذين يتساهلون في مسألة التخلص من الزوجة أو يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق، ويقول: أجرب، نقول: هذا الشخص يرتكب عدة سلبيات بفعله ذلك، فليست المسألة بهذه السهولة.

وحسن الاختيار ينبني عليه التوفيق في الحياة، فالذي يتزوج امرأة لعزها ربما لا يزداد إلا ذلاً، والذي يتزوجها لمالها ربما لا يزداد إلا فقراً، والذي يتزوجها لحسبها ربما لا يزداد إلا دناءة.

وأما الذي يتزوج ليحصن فرجه ويغض بصره ويصل رحمه، فإن الله  يبارك له فيها.

والمسألة مسألة نية، فإذا صدق الشاب مع الله وفقه لاختيار الصواب؛ لأن هذه المسألة صحيح فيها بحث وبذل أسباب وسؤال وتحري، لكن قد يخدع الإنسان، قد يتخذ قراراً غير سليم، قد يعمل بناءً على غلبة الظن ثم يكتشف أن ظنه في غير محله.

فإذاً، المسألة مسألة توفيق من الله –سبحانه-، لابد أن يكون فيها نية طيبة.

شروط غير معقولة عند طلب الزوجة

00:36:07

ولنعلم أن هذا المجتمع فيه ثغرات كثيرة، فمثلاً: المجتمع لم يلغِ الفوارق، ولا يعين على تجاوزها، ولذلك تحدث كثير من المشكلات في قضية الزواج، فيرفض الشخص لأنه ليس من قبيلة معروفة، أو لأنه ليس من طبقة معينة، ونحو ذلك.

ولذلك نقول: إن الشخص لا يطرق الأبواب التي يتوقع منها الرفض فيلج بيت رجل من علية القوم يعرف أن عنده غنىً وبطراً، ثم يقول: زوجني ابنتك، وهو فقير صعلوك ويتوقع الاستهزاء به وطرده.

فهذا ليس مدخلاً كريماً يدخله فيوفق فيه.

لكن لو كان أبوها صالحاً لطبق الحديث:  ترضون دينه وخلقه [رواه الترمذي: 1084، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 3090] فزوج البنت لهذا الشاب كائناً من كان ما دام تنطبق عليه المواصفات.

ولذلك نقول: على الإنسان أن يبحث عن المرأة التي تناسبه في بيئته وطبيعته ومستواه الاجتماعي والمادي، حتى لا يحدث نتيجة التفاوت مشكلات في المستقبل.

نعم، إن التفاوت أمر ليس من الشرعية، لا تراعيه الشريعة وتجعله مقياساً وأساساً، لكن مراعاة هذا التفاوت من الحكمة التي أمرت بها الشريعة، ولذلك الإنسان يحرص أن يأخذ من هي قريبة منه في مستواه وطبقته، فهذا أحرى أن يؤدم بينهما.

وبعض الناس قد يشترط شروطاً، فيقول: أريدها طالبة علم وجميلة، ومن بيت معين، ويشترط شروطاً كثيرة لا تجتمع إلا في النادر، ويقول: أنا مستعد أن أنتظر سنة وسنتين وأكثر من ذلك، ليس مهماً عندي، فنقول: كيف هذا؟ كيف تمكث هذه الفترة الطويلة من حياتك في عالم الفتن، وتضيف شرطاً إلى شرط، وتعقد المسألة، وكلما أتيح لك مجال تقول: ناقص شرط، باقي واحد لم يتوفر؟

فنقول: هذا من قلة العقل.

وبعضهم يقول: أريد فتاة تعرف الطبخ حتى تبيض وجهي مع ضيوفي.

فنقول: خذها ولو كانت لا تحسنه فإن الطبخ من شيم النساء، وهي مفطورة على سرعة تعلمه، والقيام بالبيت، فستتعلم إن شاء الله.

يندر أن نسمع أن امرأة بقيت عشرين سنة لا تحسن الطبخ، بل إنها في الغالب ستتقنه ولو بعد حين.

وبعض الشباب قد لا يبالي بالزواج من المرأة التي تكون في البيئة المترفة، ثم يحصل له انتكاسة وصدمة، فإن الفتيات اللاتي يعشن في البيئات المترفة في الغالب لا تعرف كيف تطبخ ولا كيف تنظف ولا كيف تكوي الملابس، ونحو ذلك.

وربما إذا أرادت أن تتزوج أتت معها بخادمة أمها؛ لأنها كانت مترفة في تلك البيئة، فهي لا تصلح أن تكون ربة منزل ولا أن تدبر شئونه.

ولكن المسألة وسط.

فالإنسان هو الذي يبحث عن امرأة جادة ليست من بيئة مترفة أو عندها استعداد للتغيير ولو كانت في بيئة مترفة.

المهم أن تكون صاحبة دين.

ثم ينبغي أن يصبر عليها ريثما تتعلم شؤون منزله، وتتعلم الطبخ والغسل والتنظيف، ونحو ذلك، فإنها قد تكون ذات أم، أو عندهن خدم في البيت يقومون بكل شيء، فلذلك لا تنشأ متعلمة لهذه الأشياء، لكن على الشاب ألا يتوقع أن تكون الزوجة هذه تعطيه خدمة فندقية من فئة خمسة نجوم، فإن بعض الناس يريد ذلك ويتوقعه، يريد زوجة تعطيه من البداية خدمة ممتازة.

فنقول: حلمك وصبرك فإذا كان عندك رفق فسيأتي المطلوب بإذن الله -تعالى-.

طرق البحث عن الزوجة

00:41:23

كيف يبحث الشخص عن الزوجة؟

إنه قد عرف المواصفات، فكيف يبحث عن الزوجة؟ ومن أين له أن يعثر عليها؟

إن المسألة بطبيعة الحال شاقة.

نعم، بعض الناس لا يتعبون؛ لأنه قد يكون عنده إحدى قريباته بنت عم أو بنت خال معدة أو من زمن يتكلمون أنها لفلان، فببساطة إذا كانت بنت خاله أو بنت خالته مثلاً صاحبة دين، فتاة متدينة، أمه كلمت أختها أو أخاها وصارت المسألة سهلة وخُطبت الفتاة، ووافقوا والمسألة عائلية، وانتهت القضية.

لكن ليس كل الناس يتوفر لهم هذا ويجدون في أقربائهم من تكون فيها المواصفات الطيبة، أو يريدون الابتعاد، يقولون مثلاً: أخشى إن تزوجت بإحدى قريباتي أنه نتيجة الخلافات التي قد تحدث مستقبلاً يصل الأمر إلى قطع الرحم، فلو اختلفت معها ذهبت إلى أمها التي هي خالتي وشكت لها ما يحدث، فخالتي غضبت وكلمت أمي، فأمي انتصرت لابنها، فقامت المشكلات بين أمي وخالتي، وبيني وبين خالتي، أو بيني وبين خالي، أو بيني وبين عمي، فأنا أريد أن أختصر المسألة من البداية وأبتعد وأتزوج من نساء بعيدين؟

وليس هذا عيباً ولا خطأ في النظرة.

لكن لا عيب أن يتزوج الإنسان من إحدى قريباته، فقد تزوج النبي ﷺ زينب بنت جحش.

وما هي قرابتها منه؟

بنت عمته.

فإذاً، دعك من الكلام الذي يقوله بعض الناس: "ابتعد عن الأقارب"، و "الأقارب عقارب"، وأنها "الأمراض الوراثية"، ونحو ذلك.

فالزواج من الأقارب معروف من عهد الصحابة والسلف.

لكن لو أراد الإنسان أن يبتعد، رأى مثلاً هناك مرضاً وراثياً في العائلة فخشي إن تزوج أن يكون ذلك في أولاده، فلا حرج عليه مطلقاً أن يبعد ويتزوج من الأباعد.

وفيها فوائد، مثل: تقريب الأسر البعيدة، فهذه الأسرة ليس بينه وبينها قرابة من قبل، فتتقارب الأسر البعيدة بالزواج من الأباعد، ويكون أبعد عن قطيعة الرحم، لو صارت مشكلات بينه وبين زوجته.

إذاً، غير البحث في الأقارب كيف يبحث الشخص؟

البحث في الغالب يكون عن طريق النساء؛ لأنه من الذي يعرف أن هذا البيت عندهم بنات؟

المسألة سيكون فيها وسائط من النساء، ولذلك فهو سيتجه للبحث عن طريق محارمه مثلاً من النساء، وفلانة تكلم فلانة، وما أحسن النساء في هذا المجال؛ فانتشار الأخبار عندهن سريع.

وكذلك بعض الأمهات يصطحبن بناتهن إلى الأعراس من أجل أن ترى فتخطب مثلاً.

فلذلك البحث عن طريق النساء من الوسائل المهمة جداً.

لكن قد لا تتفهم المرأة التي ستطلب منها البحث لك مسألة التدين، فلذلك شرحها باستفاضة، وتعريف ذات الدين، ومن هي الفتاة المطلوبة.

وفي بداية انتشار الصحوة في المجتمع كانت هناك مشكلات كثيرة من هذا النوع، لكن الآن -ولله الحمد- بعد انتشار التدين قد عرفت غير الملتزمة تعريف الملتزمة، ففي المدارس والكليات، وعلى مستوى الأسر والعوائل معروفة الآن من هي المرأة المتدينة.

إذا قلت لهم: من هي المرأة المتدينة؟

قالوا: التي لا ترى التلفزيون، ولا تسمع الأغاني، وتلبس قفازات.

باختصار: مسألة صفات المتدينة في الغالب معروفة.

نعم، هي لا تعرف قضية العلم، ولا تستطيع أن تختبر العلم الشرعي، لكن -كما قلنا-: يكفي المتدينة التي تقوم بالواجبات، وتمتنع عن المحرمات.

وبالمناسبة فإن طريق النساء حتى الخطابات قال بعض العلماء: يدفع لها أجرة الدلالة لو طلبت.

لو كان في المجتمع من يخطب أو تدل دلالة تدل العوائل أو تدل فلاناً على زوجة، ثم طلبت الأجرة تعطى، ولا حرج شرعاً في هذا.

وكذلك يمكن البحث عن طريق الأخت لو كانت في مدرسة ثانوية أو كانت في كلية، ونحو ذلك.

وكذلك عن طريق الإخوة في الله.

مسألة البحث عن زوج للأخت

00:46:57

وهنا مسألة ينبغي التأكيد عليها، وهي: أن كثيراً من الأمور يمكن أن تحل لو أن كل شخص بحث لأخته عن زوج متدين.

لو كل واحد ينشط في البحث لأخته عن زوج متدين فتأتي المسألة بالعكس تأتي المسألة من الجهة الأخرى، ولكن هذا وللأسف ليس منتشراً كثيراً عند الناس؛ بل بعضهم يعده عيباً وعاراً، ويقول: بناتنا لسنا للعرض، ومن قال لك: أخرجهن لي حتى أراهن في البيت إذا أردت أن أتقدم أو في الشارع؟

المسألة مسألة البحث عن الكفء لها، ألم يأتك نبأ عمر بن الخطاب لما تأيمت حفصة فمات زوجها خنيس بن حذافة السهمي بـالمدينة، فقال عمر بن الخطاب : "أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئاً، وكنت أوجد عليه مني على عثمان" صحيح أن الإنسان قد يُصدم عندما يرفض منه الطرف الآخر، وتكون المسألة كأنها فشيلة كما يقول بعض الناس، أعرض عليه أختي أو بنتي ثم يرفض.

فنقول: لا حرج في ذلك إذا رفض، أنت عملت جهداً مشكوراً ومأجوراً عليه -إن شاء الله- للبحث لأختك عن زوج متدين أو لابنتك عن شخص متدين، ثم خطبها رسول الله ﷺ فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ فقال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني كنت علمت أن رسول الله ﷺ قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله ﷺ، ولو تركها رسول الله ﷺلقبلتها" [رواه البخاري: 5122].

الحث على السعي في التوسط في تزويج الشباب

00:49:38

كذلك من الأمور المهمة: أن الشخص صاحب الدين يتوسط لمن يريد الزواج، أو صاحب العلم، أو صاحب الفضل، أو الشخص المشهور، أو السيد في قومه، يتوسط، هذه من وسائل التقريب بين الشاب والفتاة أن يوجد هناك من يتوسط، من يبذل جاهه في سبيل الله، يبذل مكانته في المجتمع في سبيل الله فيبحث، يشغل زوجته في البحث.

وقد وجد من المشاريع الطيبة في الدلالة في الزواج ما جعل الله فيه خيراً عظيماً، بحيث يمكن أن يستغل ويأتي بنتائج كبيرة للغاية، فهذا من الطرق أيضاً.

النبي ﷺ كان أحياناً يأمر عائلة أن يزوجوا فلاناً، يعرض عليهم كما توسط لـجليبيب ولم يكن رجلاً سيداً ولا رجلاً مشهوراً ولا رجلاً نسيباً ولا حسيباً، جليبيب رجل متواضع فقير ليس ذا حسب، أرسل لأناس أن يزوجوه فكأن الأم امتنعت، فالبنت كانت مطيعة، ولفتت نظر أهلها كيف تخالفون مشورة النبي ﷺ؟! كيف ترفضون طلب النبي ﷺ؟ فاقتنعوا وزوجوه.

وكذلك توسط ﷺ لأبي هند عند بني بياضة، وقال: يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه وكان حجاماً، روى الحديث أبو داود رحمه الله -تعالى- وهو حديث صحيح [رواه أبو داود: 2102، وقال الألباني:" إسناده حسن: كما في صحيح أبي داود: 1832].

النظر في حال أهل الزوجة

00:51:36

ومن الأمور المهمة أيضاً: أن ينظر الشخص في حال أهل زوجته، ويحاول أن يختار المرأة من المنبت الحسن، يقول النبي ﷺ: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم والحديث صحيح بطرقه [رواه ابن ماجه: 1968] أي: اطلبوا لها أطيب المناكح وأزكاها.

وقال عروة بن الزبير: "ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق، ولا وضع نفسه له بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء".

وقال بعض الشعراء:

وأول خبث الماء خبث ترابه وأول خبث القوم خبث المناكح

 ولا شك أن هذه المرأة سيكون أبوها جداً لأولادك، وأمها جدة لأولادك، وأخوها خال لأولادك، وأختها خالةٌ لأولادك؛ فلذلك ينبغي الاعتناء بالأسرة قدر الإمكان.

إن الحالة التي نحن فيها الآن في هذا الزمان وهي حالة انتشار الفسق والفجور في المجتمع تجعل التوصل إلى امرأة متدينة من بيت متدين أمراً صعباً، ولذلك فلو أن الإنسان لم يجد إلا امرأة متدينة وأهلها غير متدينين فلا مانع أن يخطبها فينكحها.

فنقول: إن البحث عن منبت حسن للزوجة هو من الأمور المهمة.

الاستعداد للزواج

00:54:08

كذلك فإن الاستعداد للزواج أمر مهم، فإن بعض الشباب لا يقدرون للأمر قدره، ولا يعدون له عدته، يأتيك شخص متحمس يقول: أريد الزواج والشريعة حثت على الزواج، وأنا لا بد أن أتزوج، ويسعى في الأمر سعياً شديداً، لكنه ما أعد العدة من جهة الشعور بالمسؤولية، من جهة العلم بالحقوق الشرعية للزوجين، من جهة البحث عن مصدر للمعيشة.

وبعض الأشخاص إذا تزوج ليس مستعداً أن يذهب ليشتري طعاماً، ولا أن يأتي بمن يكمل بيته؛ لأنه ليس عنده شعور بالمسؤولية، ولذلك كثير من هذه الزواجات تفشل لهذا السبب.

وإعداد الشاب نفسه للمسئولية مستقبلاً أمرٌ مهم.

وقلنا: الإعداد يكون إعداداً علمياً، ويكون إعداداً نفسياً، وأن يقدر المسألة قدرها، وأن هذه أسرة ستنشأ، وأولاد سيتحمل مسؤوليتهم، سيأتي لهم بطعامهم ولباسهم، ويذهب بهم إلى الطبيب.

فبعض الكسالى يقولون: نريد زواجاً بغير مسؤوليات، كيف تريد زواجاً بغير مسؤولية؟!

ولذلك يقع لهم في بداية أمرهم أشياء محرجة للغاية حتى يعاب من قبل أهل زوجته، يقولون: زوجنا شخصاً غير ناضج، إذا انتهى الغاز من البيت لا يأتي بالغاز، وإذا انتهى اللحم لا يأتي بلحم، وإذا انتهى الخبز من البيت ليس مستعداً أن يذهب إلى البقالة ليأتي به فهو كسلان.

وهذه قضايا مهمة، ومسائل واقعية.

ولذلك من أسباب فشل الزواجات: عدم الاستعداد النفسي لتحمل المسؤولية في المستقبل.

تريد أن تقدم على خطوة كهذه، الله يعينك نعم لا شك في ذلك؛ لكن إذا لم تبذل الأسباب ولم تعرف قدر القضية فلن تنجح.

التغافل عن أخطاء الزوجة

00:56:43

بعضهم يريد زوجة طائعة من أول الأمر، فإذا خالفته في شيء حلف عليها بالطلاق، يقول: كيف تعصيني؟

ما يدخل إلى الزواج من بوابة واقعية الأمر.

المرأة ليست ملكاً لا يخطئ، إنها تخطئ وقد تعصي وفيها اعوجاج، بل أخبر النبي ﷺ:  إنها خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه [رواه البخاري: 3331، ومسلم: 1468].

ولذلك فلابد أن يدخل الشخص إلى عالم الزواج وهو مروض نفسه أنه سيكون واقعياً.

وليس هذا معناه الرضا بالمنكرات كطبيعة الحال، لكن معناه تحمل أخطاء، مسامحة وصبر، يوطن نفسه على مقاومة ما يكون في نفسه من المشاعر الرديئة: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن ساءه منها خلق رضي آخر [رواه مسلم: 1469].

ربما لا يعجبك طبخها لكن ينفعك دينها وصلاحها، ربما يسوءك شكلها لكن يأتيك منها ولد يساوي الدنيا، ولد صالح يكون مفخرة لك.

بعض الناس يقول: هذه زوجتي لو ما جاءني منها إلا هذا الولد لكفى، من كثرة ما يراه من نجابة الولد وصلاحه، يقول: يكفي أنها أنجبت لي هذا الولد.

وكذلك بعضهم قد يتزوج امرأة غير متعلمة فيصاب بنوع من الحرج، وخصوصاً إذا أراد أن يستقبل ضيوفاً أو أصحاباً له، لهم نساء متعلمات، فيقول: هذه زوجتي إذا جلست معهن فلا تحسن الكلام، ولا تفتح موضوعات، ولا تعرف تناقش، ونحو ذلك؟

فنقول: علمها.

والتعليم بالمناسبة ليس كل شيء؛ لأن بعض النساء قد درسن في مدرسة الحياة، وعندهن من الفطنة والذكاء ولو لم تكن جامعية ولا لديها مؤهل ثانوي لكن عندها فطنة وذكاء وأدب، درست في مدرسة الحياة.

وقد تكون الجامعية وبالاً على زوجها.

فالمسألة إذاً في القضية هذه مسألة وسط.

لا للجاهلية الأمية التي يحرج زوجها، لا يشترط أنه يوافق عليها، ابحث عن امرأة فيها شيء من التعلم، وفيها شيء الوعي، وهذا ينفع ولا شك، حتى الوعي بالأشياء الطبية والإسعافات الأولية تنفع المرأة.

الاستشارة قبل الإقدام على الزواج

00:59:47

وكذلك ينبغي على الشاب في هذا الموضوع أن يكثر من الاستشارة، وألا يفاجئ أصحابه بزواج وهو لم يتأكد من وضع قدمه في المكان المناسب والصحيح.

قد يشير عليه بعض أصحابه برأي سديد.

قد يكون بعضهم على علم أو سمعوا أخباراً عن هذه الفتاة التي تقدم إليها.

قد يعرفون من طبيعته أشياء ينبهونه بها إلى أمور تنفعه.

قد يكون عنده طبيعة حارة أو عصبي المزاج، والمرأة كذلك، فمثلاً: سمعوا أنها متدينة وتصلي ومتحجبة لكنها عنيدة وعصبية، وهو عصبي وعنيد.

إذاً، وجود هذين الأمرين معاً سيؤدي إلى مشكلات كثيرة، فربما وجد نصيحة من بعض أصحابه لا تقدر بثمن.

ثم إن بعض القصور في المعلومات عن تدين المرأة التي سيتقدم إليها ربما تأتيه بها زوجة أحد أصحابه عن طريق صاحبه وأخيه المسلم.

الوضوح عند الزواج

01:01:19

ومن الأمور المهمة للشاب على عتبة الزواج: الوضوح، فلابد أن تكون الأمور واضحة.

مسألة أن تكمل البنت دراستها أم لا؟ أن تتوظف أم لا تتوظف؟ الراتب من حق من؟

هذه قضية مهمة.

ولذلك كانت الشروط بين المسلمين محترمة، ((المسلمون على شروطهم)).

وبعض الناس يغضبون لو شُرِط عليه شيء، أو يغضب منه لو شَرَط هو شيئاً.

لكن العامة يقولون: "الذي أوله شرط آخره نور" وهذا صحيح.

نحن لا نقول: عقد المسألة من البداية، وضع شروطاً صعبة، أو هم يضعون عليك شروطاً صعبة، لكن الأشياء الأساسية التي لها تأثير في الواقع كقضية عمل المرأة بعد التخرج، هذه قضية سيترتب عليها أشياء في حياتك العملية، في تربية الأولاد، في رجوعك إلى البيت، واستقرار البيت.

ولذلك لابد أن تكون واضحة من البداية.

وكثير من حالات الطلاق ناتجة عن الاختلاف على راتب الزوجة، وعلى عمل الزوجة، وعلى إكمال الزوجة للدراسة، ونحو ذلك.

فالوضوح إذاً أمرٌ مهم لكن لا للشروط المعقدة.

العيوب الموجودة في الزوجين

01:03:08

وكذلك من الأشياء التي ينبغي الاعتناء بها: قضية العيوب الموجودة في الطرفين، وهذه المسألة ذكرها الفقهاء في كتاب النكاح من كتب الفقه.

قد يكون هناك عيب يمنع من الاستمتاع كما أن يكون أحد الطرفين مصاباً بمرض الصرع أو انفصام الشخصية مثلاً.

أو قد يكون بالمرأة عيب يمنع من الاستمتاع بها.

العيوب المانعة من الاستمتاع من الأشياء التي يحق بها للطرف الآخر فسخ النكاح.

وبعض الناس عندهم خديعة ومكر، فيريدون أن يزوجوا ابنتهم ولو كان ما بها من العيوب دون أن يبينوا للزوج؛ كبرص مثلاً ونحوه، وهذا حرام.

أو يكون في الزوج عيب، مثل: مرض الصرع مثلاً لا يبينه، أو مرض انفصام الشخصية، هذا مرض خطير بطبيعة الحال، لابد أن يبين، فقال النبي ﷺ: المكر والخداع في النار [رواه ابن حبان في صحيحه: 5559  والطبراني في الكبير: 10234، وقال الألباني: "حسن صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 1768].

بعض الشباب يقول: لو أخبرتهم بما عندي ما وافقوا؟

يعني: لا تخبرهم؟ تخفي عنهم ذلك؟

إذا كانت الأمراض تعالج فلتعالج قبل الزواج.

هل يجوز للشخص أن يدخل بامرأة وفيه مرض معدٍ ينتقل إليها؟

هذه قضية حساسة وخطيرة.

نعم، نحن لسنا مع الذين يعقدون الأمور، ويقولون: يجب الفحص الطبي قبل الزواج، هذا لا يجب في الشريعة، شيء ما هو معلوم لو كان معلوماً وجب ذكره.

لكن لو قال شخص: هل يجب الفحص الطبي قبل الزواج؟

الجواب: لا يجب ذلك.

لكن من أراد أن يفحص فليفحص، لكن أن نوجبه ونؤثم من لا يقوم به؟

الجواب: لا.

معرفة الحقوق الزوجية لكل منهما

01:05:37

ومن الأمور كذلك: معرفة الحقوق الشرعية لكل منهما، فإن بعض الناس يدخل في الزواج وليس عنده علم بالحقوق الشرعية لزوجته.

وبعض النساء تدخل في الزواج وما عندها علم بالحقوق الشرعية لزوجها.

فلا يعرف كل واحد منهما ما حق الآخر عليه؛ ولذلك يحصل الخصام والنكد والمشاجرات التي لو كانت الحقوق الشرعية واضحة لما حصلت.

وكذلك فإنه لو علمت الحقوق الشرعية لما حصل بين الزوج وزوجته كثير من المشكلات، عن عبد الله بن عمرو قال: "زوجني أبي امرأة من قريش" -بالمناسبة نساء قريش هن أصلح النساء بنص حديث النبي ﷺ أحناهن على ولد في صغره، وأرعاهن لما في ذات يد الزوج، خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش- "فلما دخلت عليَّ جعلت لا أنحاش لها" -أنحاش: مأخوذ من التجمع والجمع، أي: لا أقربها- "مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كنته" -الكنة هي زوجة الابن- "حتى دخل عليها" -وهذا فيه فائدة تفقد أبو الزوج لزوجة ولده بعد الدخول؛ لأنه قد يكون هناك خلل يستطيع أن يساعدها في حله- "فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرجال أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفاً -ما كشف ستراً ولا جانباً هذا تلميح دقيق ناتج من فطنة عظيمة، قالت: خير الرجال ولدك، هذا أحسن الرجال لكنه لا يفتش لنا كنفاً- ولم يعرف لنا فراشاً، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص: فأقبل عليَّ -أي: أبي- فعاتبني وعضني بلسانه -أي: عنفني ووبخني- فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب وفعلت وفعلت -فعلت ببنت الناس وتركتها بغير حق الفراش- ثم انطلق إلى النبي ﷺ فشكاني، فأرسل إليَّ النبي ﷺ فأتيته، فقال: أتصوم النهار؟  قلت: نعم. قال:  وتقوم الليل؟ قلت: نعم. قال: لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام  وهو ﷺ يعاشر النساء- ثم قال لي: فمن رغب عن سنتي فليس مني  قال:  اقرأ القرآن في كل عشرة أيام  قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال:  فاقرأه في كل ثلاثة أيام  ثم قال: صم في كل شهر ثلاثة أيام  قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((فلم يزل يرفعني حتى قال: صم يوماً وأفطر يوماً فإنه أفضل الصيام وهو صيام أخي داود، وقال له: إن لكل عمل شرة أي: نشاط وقوة- ولكل شرة فترة  -أي: هبوط وانحدار، فإما إلى سنة وإما إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك .

قال مجاهد: كان عبد الله بن عمرو حين ضعف وكبر يصوم الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك ثم يفطر بعدد تلك الأيام، أي: يصوم سبعة متوالية ثم يفطر سبعة.

وكان يقول: "لئن أكون قبلت رخصة رسول الله ﷺ أحب إليّ" [رواه أحمد: 6477، وقال محققو المنسد: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].

فالشاهد من القصة: كيف أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان من اجتهاده في العبادة لا يعطي زوجته حقها حتى حصل ذلك التنبيه.

وكذلك قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء لما رأى أم الدرداء متبذلة وشكت له زوجها، قال:  إن لأهلك عليك حقاً  [رواه البخاري: 1968] وأقره النبي ﷺ.

النظر إلى المخطوبة

01:10:44

ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن نتحدث عنها في هذا المقام قضية النظر إلى المخطوبة فهي مما يهم الشاب على عتبة الزواج، قال النبي ﷺ: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعو إلى نكاحها فليفعل ، قال جابر: فخطبت جارية من بني سلمة، فكنت أختبئ لها تحت الكربِ وأصول السعف، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها)) [رواه أبو داود: 2082، وأحمد: 14586، وقال محققو المنسد: "حسن"].

وكذلك أخرج أحمد -رحمه الله- وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة قال: "رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك ببصره يريد أن ينظر إليها، فقلت: تنظر إليها وأنت من أصحاب محمد ﷺ؟ -أي: هذه امرأة أجنبية وأنت صحابي- فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا ألقى الله -عز وجل- في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها [رواه ابن ماجه: 1864، وأحمد: 16028، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه].

وقال المغيرة بن شعبة: "أتيت النبي ﷺ فذكرت له امرأة أخطبها، فقال:  اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما ، قال: فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول النبي ﷺ، فكأنهما كرها ذلك، قالت: فسمعت المرأة وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله ﷺ أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإني أنشدك -كأنها عظمت ذلك عليه- قال: "فنظرت إليها، فتزوجتها، فذكر من موافقتها" أي: من طاعتها لزوجها بعد ذلك.

وقال صاحب الزوائد: "إسناده صحيح؛ لأن الحديث قد رواه ابن ماجه رحمه الله -تعالى-" [رواه ابن ماجه: 1866، وأحمد: 18137، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"].

وقال النبي ﷺ:  إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبتها غير متلاعب، وإن كانت لا تعلم ذلك .

هذا الحديث دليل على جواز النظر إلى المخطوبة وإن كانت لا تدري ولا تحس ما دام الشخص جاداً غير متلاعب، فإنه يجوز له أن ينظر إليها من وراء ستار ونحوه وإن كانت لا تدري.

وقال أبو هريرة فيما رواه مسلم -رحمه الله-: "خطب رجل امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله ﷺ  هل نظرت إليها؟  قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً  [رواه مسلم: 1424] أي: من الصغر أنها كانت أعينهم صغيرة، فإذا رآها فإنه يعلم حقيقة الأمر.

وبهذه المناسبة أقول: إنه لا بد من مراعاة نفسية المرأة عند التقدم إليها والنظر.

وكذلك لابد أن يكون النظر شرعياً.

فما هي الأشياء التي ذكرها العلماء فيما يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة؟

لقد اختلفت أقوال العلماء في ذلك، فبعضهم قال: ينظر إليها كما هو حجابها في الصلاة.

وبعضهم قال: يراها كما تظهر عند محارمها.

وبعضهم قال: يرى منها الوجه والعنق والكفين والقدمين.

المهم أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها.

ولا شك أن الوجه أهم الأشياء، فإن المرأة لا تعرف بجمال أو بقبح في الغالب إلا من وجهها فهو عنوان الجمال، فلذلك النظر إلى الوجه هو أهم الأشياء.

ولكن الشاب يقدم من أهله من يأتي له بصورة مقربة عنها حتى يقرر الرؤية من عدمها منعاً للإحراج.

ولو أنه كان لديها صورة فجاء أحد محارمها هي فأراها لهذا الشاب الذي يريد التقدم إليها فنظر إليها ولم يحتفظ بها بطبيعة الحال، وإنما ينظر ثم تتلف فإنه لا بأس بذلك، كما أفتى بعض أهل العلم المعاصرين.

وإذا ذهب للنظر يجوز له أن يكلمها، ويكون النظر بقدر الحاجة، فلو كان يكفيه خمس دقائق فلا يجوز أن ينظر أكثر، ونحو ذلك.

وبعض الناس يقول: استحيت، وما نظرت جيداً وأنا الآن متورط، فهل أرجع إليهم وأقول لهم: أروني البنت مرة ثانية.  فنقول من أولها: لابد أن تذهب وأنت تعلم ماذا تريد وتقرر.

وليست القضية سهلة بأن يعاد النظر مرات، المسألة من الآن أن تذهب لتنظر فتذهب لتنظر.

وبعضهم يقول: عندما دخلت علمت مكان رأسها من دخولها عند الباب، حتى إذا ذهبت عرفت فيما بعد طولها.  فنقول: اعمل ما شئت علم الباب ولا تخرج إلا وقد قررت وعزمت، أو نظرت إلى ما يدعوك إلى نكاحها.

هل تجوز الخلوة؟

الجواب: لا.

هل يجوز لها أن تصافحه؟

الجواب: لا.

وكذلك لا يجوز لها أن تتطيب إنما تأتي بمنظرها الطبيعي.

وينبغي أن يكون هناك في المجلس من يزيل الخلوة؛ لأنها لا زالت امرأة أجنبية، والنظر هنا للضرورة، ونحن لا زلنا الآن في حدود الضرورة.

وينبغي على الأولاد أو الشباب المتدينين في البيت إقناع الآباء المتعجرفين الذين يرفضون تطبيق السنة في قضية النظر إلى المخطوبة.

تحريم المواعدة السرية بين الرجل والمرأة

01:18:03

ومن الأمور المهمة: تحريم المواعدة السرية، قال الله -تعالى-: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً  [البقرة: 235].

فإذاً، المواعدة السرية أو ما يحدث الآن من قضايا الخطبة عبر الهاتف، ويقول: أجرب، وما يسمى بتجربة الحب قبل الزواج، كل ذلك من الأمور المحرمة التي غالباً ما تكون معصية.

فإذا دخل الشخص الزواج من باب المعصية فزواجه في الغالب سيكون فاشلاً.

وبعض المترفين والذين درسوا في الخارج أو تأثروا بثقافة الغربيين يؤمنون بذلك، ويقولون: لابد من تجربة قبل الزواج.

نقول: إن هذه العلاقات الهاتفية لم تأتِ بنتائج طيبة مطلقاً في الزواج، وإن أغلب التجارب التي عاشها أولئك الفجرة مع الفاجرات تجارب فاشلة، وأن خروج المرأة مع الرجل قبل العقد الشرعي حرام، وأدى إلى مصائب.

بل إن بعض الذين ألفوا في أهمية التجربة قبل الزواج من الغربيين أو ممن حذا حذوهم من هؤلاء الذين يعيشون في الشرق لكن عقولهم وقلوبهم في الغرب اعترفوا بأن هذا أمراً سلبياً، ولذلك يقول بعضهم: إن غالب الذين أتوا للعقد كن حوامل. وكثيراً ما تنفسخ الخطبة بعدما يقضي الذئب وطره، وتقع الكارثة عند ذلك، وهذا نتيجة المعصية ولا شك.

ثم كيف يعقد عليها وهي حامل؟ والولد ليس ولده شرعاً؛ لأنه سوف ينسب إلى أمه؛ لأنه ولد زنا.

ولذلك فكل هذا الكلام الذي يقولونه من أهمية التعارف وإقامة العلاقات لكي يفهم كل من الطرفين الآخر قبل العقد الشرعي هذا كله حرام.

في شرعنا يكفي أن ينظر الإنسان إلى المرأة عند الخطبة، ويسأل عنها، ويدقق في البحث، ولا يجعل القضية سائبة، ومن أول كلمة تأتيه يوافق، فإذا كان ذلك كذلك يكفي إن شاء الله، وسيبارك له فيها.

وقبل أن ندخل في قضية العقد والزواج ننبه إلى مسألة، وهي: أن بعض الشباب يصابون بنكسة إذا رده أولياء أمور بعض النساء، وتحطمت نفسيته، وقال: كيف يردوني؟

وأعرف واحداً قال لي من سوء ظنه بالله وهذه قضية خطيرة جداً قال: لو أن الله يريد أن أتزوج لوفقني، لكن لا يريد.  ويقول: تقدمت إلى سبعين فتاة فرفضوا كلهم.

صحيح أن الإنسان قد تضيق عليه نفسه، ويصاب بخيبة أمل، وبكربة إذا تقدم ورفض، وتقدم ورفض، وتقدم ورفض.

ولكن ومدمن القرع للأبواب أن يلج

وهذا الأمر لابد فيه من الصبر والتحمل.

ولا ينبغي أن يعيب الناس بعضهم على بعض في هذه المسألة؛ لأنهم قد يرون من المناسب أن يزوجوه، إذا كانوا قد رفضوه لسبب شرعي.

تحريم الخطبة على خطبة الأخ

01:22:20

كذلك من الأمور المهمة ألا يدخل على خطبة أخيه فيخطب على خطبته، فإذا عرفت أن هذه الفتاة قد تقدم إليها شخص لا يجوز لك أن تتقدم إليها مطلقاً حتى يرفضوه هو، أو تمضي فترة طويلة تدل على أنهم لا رغبة لهم به، أو تستأذن منه، وتقول: أنت ما شاء الله عليك يمكن أن تجد غيرها كثير، لكني مسكين وما عندي إلا هذه الفرصة، فلو سمحت لي أن أتقدم أنا وتأذن لي، فإن أذن له جاز ذلك.

لو تقدم إلى فتاة وهو لا يدري أن رجلاً قد خطبها فلا يأثم ما دام لا يعلم.

أما إذا كان يعلم وتقدم فهو آثم.

فإذا انتهت رغبتهم بالخاطب الأول فعند ذلك يتقدم هو.

ولا شك أن خطبة الرجل على خطبة أخيه من أسباب إيقاع الوحشة والعداوة بين المسلمين.

ملاطفة الزوجة عند البناء بها

01:23:31

ومن الأمور المهمة التي ينبغي ملاحظتها ورعايتها عند بداية الزواج:

أولاً: ملاطفة الزوجة عند البناء بها كما جاء في حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: "إني قيمت عائشة لرسول الله ﷺ ثم جئته فدعوته لجلوتها" -أي: النظر إليها مكشوفة- "فجاء فجلس إلى جنبها، فأتي بعس لبن" -أي: بقدح كبير- "فشرب ثم ناولها النبي ﷺ فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي ﷺ، قالت: فأخذت فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي ﷺ: اعط تربتك، صديقتك، قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله، بل خذه واشرب منه، ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ثم وضعت على ركبتي، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي [رواه أحمد: 27591 ، وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف"] لكي تصيب بركة النبي ﷺ".

الدعاء بالبركة للزوجة عند الدخول عليها

01:24:59

وكذلك إذا دخل عليها يضع يده على رأسها ويدعو؛ كما قال النبي ﷺ:  إذا تزوج أحدكم امرأة فليأخذ بناصيتها وليسمِ الله وليدع بالبركة، ويقول: بسم الله، اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه  [رواه أبو داود: 2160، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود: 1876]؛ لأن الأشياء المجبولة عليها المرأة هي التي تكون من عوامل النجاح أو الشقاء في الحياة الزوجية.

صلاة ركعتين مع الزوجة

01:25:33

ويستحب للزوجين أن يصليا ركعتين معاً؛ كما جاء في حديث أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: "تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفراً من أصحاب النبي ﷺ فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة -أجابوه وهم من كبار الصحابة مع أنه مملوك لأن إجابة الدعوة واجبة- قال: وأقيمت الصلاة، فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك، قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم -أي: من الأولى أن يتقدم؟ صاحب البيت- قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلموني، فقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصلِّ ركعتين ثم اسأل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك)) وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني، وقال: "سنده صحيح إلى أبي سعيد وهو مستور، سِوى أن الحافظ أورده في الإصابة ، ثم رأيته في الثقات لـابن حبان" [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 3/560، وهو في "آداب الزفاف في السنة المطهرة، للألباني، ص: 94].

وعند الشيخ قاعدة في تصحيح حديث التابعي الذي يروي عن جماعة من الصحابة ولو كان مستوراً.

والكلام في هذا الموضوع يطول، ونكتفي بما تقدم مع ما حصل من الطول، ونعتذر إليكم.

والله -تعالى- أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.