الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الزواج السري


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أحكام النكاح
زاوج السر
زواج الهبة
الخطبة الثانية
الزنا حرام كله الظاهر منه والخفي
فوائد إعلان النكاح
كلمة جامعة في أحكام الزواج

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد:

أحكام النكاح

00:01:08

فكنا قد تكلمنا أيها الإخوة في خطبة ماضية عن أركان النكاح وشروطه في هذه الشريعة، ثم أتبعنا ذلك بخطبة أخرى في الكلام عن نوع من الزواج الذي بدأ يظهر عند بعض الناس وهو أن يتزوجها بشرط ألا يكون لها مبيت ولا نفقة، وبعضهم يتزوجها عند أهلها، وبعضهم يخفي هذا الزواج، وهو الذي يعرفه بعض الناس بزواج المسيار، وذكرنا أن هذا الزواج إذا كان مكتمل الشروط تحققت فيه شروط العقد وشروط صحة النكاح فإنه نكاح صحيح، وبهذا يفتي شيخنا أبو عبد الله نفع الله به، وكذلك عرفنا أن الشروط هذه فاسدة غير مفسدة للعقد؛ لأن للمرأة الحق في المبيت والنفقة، فإذا سكتت عن هذه المطالبة فالعقد صحيح باق على صحته، وإذا طالبت بحقها في المبيت والنفقة فلها ذلك وكان الشرط الذي اشترطها عليه في العقد باطلاً وفاسداً غير مفسد، فإذا أعطاها حقوقها فالحمد لله، وإن أبى فإنه يجبر على الطلاق، ولكن هذا النكاح قد لا يكون مرشحاً للنجاح من الناحية الاجتماعية حيث أن الزوج لا يتكلف فيه شيئاً، وربما كان مجالاً للتذوق والتنقل من امرأة إلى أخرى، وإذا لوحظ أنه يفتح باباً للفساد عند المرأة التي لا يأتيها هذا الرجل إلا مرة في الشهر أو نادراً فاتخذت ذلك ذريعة إلى ارتكاب الفواحش واستعانة على ذلك بظهورها أمام الناس أنها متزوجة فعند ذلك يصبح هذا النكاح حراماً ليس في ذاته، ولكن لما يؤدي إليه من المفاسد، فالنكاح إذا اكتملت فيه الشروط فهو صحيح، وإذا وجدت فيه شروط فاسدة غير مفسدة فهو باق على صحته، وإذا أدى إلى وقوع الفساد فإنه يحرم لا لذاته ولكن لما يؤدي إليه من الفساد.

وذكرنا أن لبعض الناس أغراضاً في مثل هذا النكاح: كأن يكون فقيراً، أو أن تكون هي موظفة لا تريد فراق وظيفتها أو أهلها، أو هو لا يريد أن يكتشف أمره وعنده زوجة أولى.. ونحو ذلك.

وسنزيد الكلام إيضاحاً إن شاء الله في هذه الخطبة في قضية حكم الزواج السري، ما حكم الإسرار بالزواج وكتمان أمره وجعله خفياً؟

زاوج السر

00:04:40

وقد ذكرنا أن بعض الناس يعمدون إلى الزواج من بعض النساء في الخارج، أو يتزوج الخادمة في بلدها ويأتي بها ويكتم هذا الأمر، فما حكم كتمان الزواج؟ وما حكم هذا النوع من النكاح؟ وما حكم نكاح الهبة التي يسميها بعض الناس كذلك أن تهب المرأة نفسها للرجل بدون ولي ولا شاهدين ولا إعلان؟

أما بالنسبة لإعلان النكاح فقد قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: "ويستحب إعلان النكاح والضرب فيه بالدف، قال أحمد: يستحب أن يظهر النكاح ويضرب فيه بالدف حتى يشتهر ويعرف، وقيل له: ما الدف؟ قال: هذا الدف، أي: المعروف، قال: لا بأس بالغزل في العرس بمثل قول النبي ﷺ للأنصار:

أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحبة السوداء ما سرت عذاريكم

ولهذا ألفاظ أخرى، قال أحمد رحمه الله: لا على ما يصنع الناس اليوم، أي: من الكلام الفاحش، والتوسع في المعازف، وابن قدامة رحمه الله يقول ذلك، فما بالهم لو شاهدوا ما يحدث في هذا اليوم.

وقال أحمد أيضاً: يستحب ضرب الدف والصوت في الإملاك -التي يسميها الناس الملكة-، فقيل له: ما الصوت؟ قال: يتكلم ويتحدث ويظهر، والأصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال: قال رسول الله ﷺ: فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح[رواه النسائي3369] رواه النسائي، وقال أعلنوا النكاح[رواه أحمد15697]وفي لفظ:  أظهروا النكاح [رواه سعيد بن منصور635]، وكان يحب أن يضرب عليه بالدف، وهو هذا الدف المعروف المفتوح، والشرط: ألا يكون له ما يجعله بعض الناس فيه من أنواع من الحلق المعدنية التي تصدر أصواتاً عند الضرب به، فيكون دفاً مجرداً الدف المعروف للنساء في الأعراس.

وعن عائشة: أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار، وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها، قالت: فلما رجعنا قال لنا رسول الله ﷺ: ما قلتم يا عائشة؟ قالت: سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا، فقال: إن الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم [رواه ابن ماجه1900]، وفي لفظ: ولولا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم[رواه الطبراني في الأوسط3265].

وقال أحمد رحمه الله: لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل، - والمقصود التحريم، فإن أحمد رحمه الله يقول أكره ويقصد كراهية التحريم- وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى عنها النبي ﷺ، فقد جاء ذلك في الحديث الصحيح في النهي عن الكوبة وهي الطبل المشهور بين الناس مما هو مغلق الطرفين يضربون به مثل القمع الكبير وهيئته معروفة عند العامة.

فإن عقده بولي وشاهدين فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وممن كره نكاح السر عمر بن الخطاب ، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والشعبي، ونافع، وقال أبو بكر عبد العزيز: النكاح باطل؛ لأن أحمد قال: إذا تزوج بولي وشاهدين لا حتى يعلنه، وهذا مذهب مالك، فمذهب مالك وجوب إعلان النكاح.

إذن جمهور الفقهاء على أن إعلان النكاح مستحب، وذهب بعضهم إلى أنه فرض واجب، وهذا رأي الزهري رحمه الله عنده أنه إذا نكح نكاح سر وأشهد رجلين وأمرهما بالكتمان وجب التفريق بين الزوجين، ورأي مالك رحمه الله أن نكاح السر يفسخ النكاح.

وسيأتي كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله المفصل في هذه القضية بعد قليل، ونلاحظ: أن الشريعة أمرت بالإشهاد عند العقد، وأمرت بالإعلان عن النكاح؛ لقوله ﷺ: أعلنوا النكاح[رواه أحمد15697]، ولقوله: أظهروا النكاح[رواه سعيد بن منصور635]غير أنه إذا أعلنه في بلد لم يجب عليه إعلانه في بلد آخر، وهذا اختيار الشيخ عبد العزيز ابن باز نفع الله به في الأمر بإعلان النكاح وإشهاره، وأنه لو أشهره في بلد لا يلزمه أن يشهره في بلد آخر.

فإذن الإشهاد عند العقد والإعلان بعده مما جاءت به الشريعة، وأمرت بالضرب بالدف إعلاناً للنكاح، فأي وسيلة لإعلان النكاح كهذه الأنوار والزينات وبطاقات الأعراس واجتماع الناس على الوليمة، كل ذلك من وسائل الإعلام فهي مشروعة إذا لم يرتكب محرم فيها، ولولا أن في دق منبهات السيارات إزعاج للناس لقال به بعض أهل العلم كما ذكروا ذلك في فتاويهم من المعاصرين، فيسلك في إعلان النكاح كل طريق يؤدي إليه تنفيذاً لأمر الشارع، وجاء في رواية ضعيفة: جعله في المسجد، وذكر العلماء في علة ذلك إعلانه؛ لأنه إذا كان في المسجد عقد وتم العقد لم يكن خفياً فإن المصلين سيشهدون ذلك.

وعند الإشهاد في العقد يعلن بين الأقارب، وعند الوليمة والضرب بالدف ونحوه يعلن على الأباعد، فيتحقق الغرض الذي قصده الشارع في إعلان النكاح، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد سئل عن رجل تزوج امرأة مصافحة - والمصافحة اسم كانوا يطلقونه في زمن شيخ الإسلام رحمه الله على نكاح السر-، هل يصح النكاح أم لا؟

فأجاب: الحمد لله، إذا تزوجها بلا ولي ولا شهود وكتم النكاح فهذا نكاح باطل باتفاق الأئمة، بل الذي عليه العلماء أنه لا نكاح إلا بولي: وأيما امرأة تزوجت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل[رواه الترمذي1102].

زواج الهبة

00:13:46

وهنا نتوقف قليلاً قبل أن نتابع كلامه رحمه الله في قضية الإعلان لنذكر بحكم زواج الهبة الذي يسميه بعض الناس كذلك: إذا لم يوافق أبوها وأحبها وأحبته وتعلق بها وتعلقت به هرب بها أو اختلى بها وقال: زوجيني نفسك، فتقول: زوجتك نفسي، فيقول: قبلت، وقد يستدعي بعض هؤلاء الجهلة من أرباب المعصية يستدعي اثنين من أصحابه ليشهدوا على هذا العقد ليكون حلالاً بزعمه، ألا فليعلموا أن هذا النوع من العقد باطل باطل باطل، كما أخبر النبي ﷺ، فللولي الحق في تزويج المرأة ولكنه ليس مستبداً بذلك بل وضعت الشريعة له شروطاً، منها أن تكون المرأة راضية، ومنها ألا يعضل المرأة، وإلا فيخلع من الولاية وتجعل إلى غيره، فإذن الذي يزعم بأنه أحب امرأة وتعلق بها وتعلقت به، وأن أهلها لا يوافقون على الزواج، فيهرب بها أو يذهب إلى بلد يقول: أن فيه شيخاً يزوج بغير ولي، فإن ذلك باطل بنص حديث النبي ﷺ.

وأما مسألة الهبة أن تهب المرأة نفسها لرجل، فإن ذلك خاص بالنبي ﷺ: وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَسورة الأحزاب50 فهذا حكم خاص بالنبي ﷺ، وأما غيره فليس هناك شيء اسمه زواج الهبة، أن تقول: وهبتك نفسي، فيقول: قبلت ويكون عقداً شرعياً، هذا محال ولا يكون في هذه الشريعة، وبعض الناس يريدون التحايل بأي طريقة ليصل إلى فرج امرأة، فهذا إنسان فاسق متحايل على الشريعة والدين، وفعله حرام ويأثم بذلك، وبهذا تتبين قضية الزواج بامرأة دون موافقة أهلها أو الهرب بها أو الذهاب إلى بلد لا يشترطون فيه في المحكمة الولي ونحو ذلك.

ونعود إلى قضية إعلان النكاح في كلام شيخ الإسلام رحمه الله، قال: وقال غير واحد من السلف: لا نكاح إلا بشاهدين، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، ومالك يوجب إعلان النكاح، ونكاح السر، يقول رحمه الله: ونكاح السر هو من جنس نكاح البغايا، وقد قال الله تعالى:مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ سورة النساء25 فنكاح السر من جنس ذوات الأخدان، وإذا كان الناس ممن يجهل بعضهم حال بعض، مثل بعض الأحياء الآن الذي خرج منها أهلها الأصليين، وأُجرت بيوتها وعمائرها، وكثير من المستأجرين ليس من أهل البلد ولا يعرف بعضهم بعضاً، فعند ذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وإذا كان الناس ممن يجهل بعضهم حال بعض، ليسوا جماعة واحدة أو قبيلة واحدة أو حي واحد كل منهم يعرف الآخر والعوائل تعرف بعضها البعض، إذا كان الناس ممن يجهل بعضهم حال بعض، ولا يعرف من عنده هل هي امرأته أو خدينة، صديقة خليلة، التي يسمونها كلر فرند، مثل الأماكن التي يكثر فيها الناس المجاهيل، يقول شيخ الإسلام وطابق بين هذا وبين وضع بعض الأحياء لدينا بعض الأحياء السكنية، مثل الأماكن التي يكثر فيها الناس المجاهيل فهذا قد يقال يجب الإشهاد هنا، لا بد.

ثم قال في اشتراط الولي: ولهذا قالت عائشة: لا تزوج المرأة نفسها فإن البغي هي التي تزوج نفسها، لكن لا يكتفى بالولي حتى يعلن النكاح، فإذن المرأة التي تزوج نفسها على قول عائشة بغي من البغايا.

ثم قال رحمه الله: فالذي لا ريب فيه أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان أما مع الكتمان والإشهاد فهذا مما ينظر فيه، أي: أنه نكاح مشكوك فيه، إشهاد بغير إعلان وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا الذي لا نزاع في صحته، وإن خلا عن الإشهاد والإعلان فهو باطل عند العامة، يعني: عامة العلماء.

إذن بدون إشهاد وبدون إعلان باطل وزنا، وبإشهاد وإعلان نكاح صحيح عند جميع العلماء، وإشهاد بغير إعلان نكاح مختلف فيه بين أهل العلم، وهو الذي حرمه مالك رحمه الله والزهري وغيرهما.

ثم قال رحمه الله: فإن قدر فيه خلاف وكتم ذلك فهذا مثل الذي يتخذ صديقة ليس بينهما فرق ظاهر معروف عند الناس يتميز به عن هذا.

إذن الذي يتزوج امرأة ولا يعلن ذلك أمام الناس ما الفرق بينه وبين الزاني؟ الذي يدخل عنده امرأة قد تزوجها سراً أمام الناس ما الفرق بينه وبين الزاني؟ لا شيء، والإسلام يمنع كل ما يجلب ريبة إلى المسلم ويريد أن يكون أمر المسلم واضحاً للناس، وألا يتلبس بشيء يسيء إلى عرضه ويجعل الناس يتكلمون فيه.

قال: فهذا مثل الذي يتخذ صديقة ليس بينهما فرق ظاهر معروف عند الناس يتميز به عن هذا، فلا يشاء من يزني بامرأة صديقة له إلا قال تزوجتها، ولكن إذا أعلن يقول الناس: فعلاً تزوجها، وإذا لم يعلن يستريب الناس في أمره هل هو كاذب أو لا.

ولا يشاء أحد أن يقول لمن تزوج في السر: إنه يزني بها إلا قال ذلك؛ لأنه ليس عنده دليل ولا سمع ولا أعلن النكاح فيتهمه، فلا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق مبين، والفرق المبين هو الذي يعني به رحمه الله تعالى إعلان النكاح؛ ولذلك قال: فقيل: الواجب الإعلان فقط سواء أشهد أو لم يشهد كقول مالك، وكثير من فقهاء الحديث وأهل الظاهر وأحمد في رواية، والأحسن والأفضل وخروجاً من جميع الإشكالات كما تقدم يشهد عند العقد ويعلن النكاح بعده، فإذا أشهد عند العقد وأعلن النكاح بعده فإن ذلك يكون صحيحاً عند جميع العلماء، ولا شك ولا ريبة في هذا النكاح، وهذا الذي ينبغي أن يكون.

فنسأل الله أن يجعلنا بدينه مستمسكين وبسنة نبيه عاملين، وأن يرزقنا العفة والعفاف، وأن يباعد بيننا وبين الحرام.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:23:04

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الذي خلق فسوى وقدر فهدى ، يحكم ما يشاء ولا معقب لحكمه وهو الحكيم الخبير، يفعل ما يشاء ويحكم ما يشاء ، أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالعدل، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

الزنا حرام كله الظاهر منه والخفي

00:23:38

يقول رحمه الله في تكملة كلامه في مسألة إعلان النكاح: وقد روي عن ابن عباس: محصنات أي: عفائف غير زوان، ولا متخذات أخدان  يعني: أخلاء، كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي، فالزنا إذا خفي فليس بعيب وإذا صار علناً فهو عيب، فقال الله: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ سورة النساء25 فالمسافحات المعلنات بالزنا، والمتخذات أخدان المسرات بالزنا، فقال ابن عباس : المسافحات المعلنات بالزنا والمتخذات أخدان ذوات الخليل الواحد، قال بعض المفسرين: كانت المرأة، يعني: في الجاهلية تتخذ صديقاً تزني معه ولا تزني مع غيره، ويعتبرون ذلك أمراً لا شيء فيه، فالله قال في الكتاب العزيز مبيناً حكم الزنا بجميع أنواعه ما صار منه علناً وما كان منه سراً: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ سورة النساء25 لا معلنات ولا غير معلنات، لا بغي زانية مع الجميع ولا مع شخص واحد، كله حرام، وكثير من الزناة في هذا الزمان لم تقع آذانهم على هذه الآية البتة ولا عرفوا معناها، وبعضهم كذلك يرتبط بالحرام بامرأة بغي يقول: إنها لا تزني مع غيره، وهل إذا كانت لا تزني مع غيره يكون أمراً مباحاً؟

 غير مسافحات ذكروا بهذا كل من يقع في الفاحشة، مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍسورة النساء25 لا البغايا المعلنات المتعددات والمعددات ولا ذوات الخليل الواحد، وذكروا: أن الزنا في الجاهلية كان نوعين: نوعاً مشتركاً ونوعاً مختصاً، والمشترك ما يظهر في العادة بخلاف المختص فإنه مستتر في العادة، ولما حرم الله المختصة وهو شبيه بالنكاح: متخذات أخدانالخلائل متخذات الأخلاء ومتخذي الخليلات، ولما حرم الله المختص الزنا المختص الذي لا يزني إلا بواحدة وهو شبيه بالنكاح فإن النكاح تختص فيه المرأة بالرجل، لما شابه هذا هذا، يقول شيخ الإسلام من فقهه: لما شابه الزنا المختص بامرأة معينة ورجل معين، لما شابه النكاح الذي تختص فيه المرأة برجل واحد وجب الفرق بين النكاح الحلال والحرام من اتخاذ الأخدان، وجب الفرق وما هو الفرق؟ فصل ما بين الحلال والحرام، الحلال النكاح والحرام الزنا الضرب بالدف إعلان النكاح، فذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى وجوب الإعلان، وقال: فلهذا كان عمر بن الخطاب يضرب على نكاح السر، إذا سمع بنكاح سري ضرب عليه، فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان شبيه به لا سيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود.

فوائد إعلان النكاح

00:30:21

إذن إعلان النكاح أمر لا بد منه، وله فوائد غير قضية دفع الريبة، ووقاية العرض، وعدم إشاعة الفاحشة في المجتمع.

ومن الفوائد: أنه إذا كانت المرأة ذات زوج سابق تظهر المسألة، وإذا كان بينهما رضاع جاءت المرضعة فقالت: قد أرضعتهما، لكن إذا كان خفياً لم يعلن فإن مثل هذه الأمور تفوت.

ومن الأمور المهمة كذلك في إعلانه: حفظ حقوق الزوجة والأولاد الجدد، وخصوصاً الزوجة الثانية في الميراث، فإنه إذا تزوجها، وهذه حالة معروفة، إذا تزوج سراً ثم مات غضب أولاده وقالوا: ظهر لنا إخوة لا نعلم عنهم شيئاً، وتقول زوجته: ظهرت لي ضرة لم أكن أعلم عنها شيئاً، وإذا كانت هذه المرأة ظالمة والأولاد ظلمة سيحرمون الزوجة الثانية وأولادها من الميراث ويقولون: ما عندنا إثبات رسمي.

ومن هنا كان لا بد للعاقل مثل الذي يتزوج خادمة ويأتي بها من مراعاة القوانين التي تكون موجودة في البلد لأجل مثل هذه القضية وهي حفظ حقوق المرأة الجديدة وحقوق أولادها، حتى إذا مات ورثوه وأخذوا حقهم ونصيبهم وإلا ضاع، فوجب عليه أن يحتاط لأجل ذلك، وأن يراعي هذه المسألة أشد المراعاة، فإن حقوق العباد لا يتسامح فيها.

فإذن يجب على الإنسان أن يكون حصيفاً حكيماً في إقدامه على زواج في مكان خفي أو لا يعلنه يحسب حساب المستقبل، المرأة في المستقبل ما وضعها، أولاده في المستقبل من هذه المرأة الجديدة ما وضعهم، كل ذلك من حكمة المسلم التي ينبغي عليه أن يتفطن لها.

يجب على الإنسان أن يكون حصيفاً حكيماً في إقدامه على زواج في مكان خفي أو لا يعلنه يحسب حساب المستقبل، المرأة في المستقبل ما وضعها، أولاده في المستقبل من هذه المرأة الجديدة ما وضعهم، كل ذلك من حكمة المسلم التي ينبغي عليه أن يتفطن لها.

كلمة جامعة في أحكام الزواج

00:30:23

وبقيت قضايا أخرى متعلقة بالموضوع مثل زواج المغتربين والزواج بنية الطلاق، لعلنا نأتي عليه في خطبة قادمة إن شاء الله، ولكن لا بد أن نقول: إن أي زواج وإن كان مباحاً إذا كان يؤدي إلى ضياع الأولاد عند النصارى، أو ارتداد المسلمات، فإنه يحرم لا لذاته ولكن لما يؤدي إليه من المفاسد، ونقول عموماً في زواج الغربة وفي زواج المسيار وفي الزواج الذي لم يعلن وغير ذلك: لا بد أن يراعى الحال، وأن ينظر فيما يؤدي إليه هذا النكاح من المفاسد، فإذا كانت المفاسد متحققة، النصارى يأخذون أولاده بالقانون الألماني، والفرنسي، والأمريكي، والبريطاني، وغيره ويجعلون نصارى، أو المرأة ترتد لما ترى من أمره ونحو ذلك فإنه يحرم عليه أن يقدم على مثل هذه الفعلة، وقد ذكر العلماء في الزواج في بلاد الحرب أموراً مهمة ينبغي الرجوع إليها.

فإذن النكاح وإن كان مباحاً يجب التفطن لما بعده ولما وراءه، وما هو المستقبل بحسب التجربة وما أرانا الله إياه من واقع الناس وحال مثل هذه الزواجات، وكذلك في الجانب الآخر لا يجوز الإنكار على من تزوج زواجاً شرعياً قد تحققت فيه الشروط، ولا اتهامه بالزنا، إذا علمت أنه قد تزوج زواجاً شرعياً فلا يحل مطلقاً قذفه، وهو ما يتساهل فيه بعض الناس.

والحاجة إلى الفقه ماسة أيها الإخوة، الحاجة إلى الفقه في الدين ماسة خصوصاً في هذه القضايا الحياتية الحساسة والخطيرة.

نسأل الله أن يفقهنا في دينه، وأن يرزقنا العفاف، وأن يباعد بيننا وبين الحرام، اللهم طهر قلوبنا وحصن فروجنا، اللهم اجعل بيننا وبين الحرام برزخاً وحجراً محجوراً، اللهم أعز دينك، اللهم أعز دينك، اللهم أعز عبادك والمجاهدين في سبيلك، اللهم ارفع لواء الدين واخذل الكفرة والمشركين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، من أراد ببلدنا هذا سوءاً فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

اللهم انشر رحمتك على العباد، وارفع لواء الجهاد، واغفر لنا وتجاوز عنا في يوم المعاد، إنك أنت البصير بالعباد.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه النسائي3369 
2 - رواه أحمد15697
3 - رواه سعيد بن منصور635
4 - رواه ابن ماجه1900
5 - رواه الطبراني في الأوسط3265
6 - رواه أحمد15697
7 - رواه سعيد بن منصور635
8 - رواه الترمذي1102