الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

إلى المتزوجين الجدد


عناصر المادة
الخطبة الأولى
نعمة الزواج
كيفية اختيار الزوجة
منكرات الأعراس
خطورة تصدع الأسر
الخطبة الثانية
هدي النبي ﷺ

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

نعمة الزواج

00:00:32

الحمد لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها, وقدر أن يكون بين الزوجين إذا اجتمعا مودة ورحمة, رعاها من رعاها من الناس, وأفسدها من أفسدها من شياطين الإنس والجن.

وجعل الله النكاح طمأنينة لنفس الزوجين وهدوءً وسكناً, سكن يسكن إليها في حال اضطراب نفسه وثوران شهوته, يسكن إليها في هذا العش الذي يؤيه معها, ويسكن إليها في هذه الأسرة التي يكونها وإياها, ويسكن إليها وتقر عينه بهؤلاء الأطفال الذين يقدر الله إنجابهم منهما, ويسكن إليها من كل فتنة تحدث له, هذا إذا كانت تؤمن بالله واليوم الآخر, امرأة صالحة كما أوصى النبي ﷺ الرجل إذا أراد أن يبحث عن سكن وزوجة صالحة تقر بها عينه إذا نظر إليها سرته, وإذا غاب عنها حفظته في عرضها وماله.

وهذه من النعم العظيمة التي ينبغي شكرها وعدم إفسادها, ولما كان هذا الموسم من مواسم الزواج يكثر فيه وتتعدد حفلاته ومناسبات زفافه فإن الوصية بتقوى الله تعالى أمر في غاية الأهمية, وبيان بعض الأمور الشرعية ينبغي أن يؤكد عليه في غمرة ضياع الحقوق الذي نعيش فيه.

نحن في عصر تضييع الحقوق, تضييع حقوق الأبوين, تضييع حقوق الأولاد, تضييع حقوق الزوج, تضييع حقوق الزوجة, وهكذا من سائر الحقوق التي سنسأل عنها يوم القيامة.

والله جعل حقوقاً على ابن آدم له , وجعل حقوقاً على الناس تجاه بعضهم البعض, فلو قام الناس بهذه الحقوق التي أوجبها الله لكان في ذلك سعادة للبشر, ولكن التضييع هو الذي يسبب المصائب, وتكثر به الشرور والمفاسد.

كيفية اختيار الزوجة

00:03:59

عباد الله: إذا أراد الإنسان أن يتزوج فما الذي ينبغي أن يبحث عنه؟

ينبغي أن يبحث عن ذات الدين؛ لأن النبي ﷺ أوصى فقال: فاظفر بذات الدين؛ لأن الشارع حكيم يعلم أنه على المدى البعيد والقريب لن يجعل البيت مستقراً إلا الدين والخلق, ولذلك أوصى بهما, فلا يغرنك يا عبد الله الشكل, والجمال, والحسب, والمال, وإنما انتق فاظفر بذات الدين تربت يداك[رواه البخاري5090].

وكذلك ولي المرأة عليه مسؤولية عظيمة؛ لأن قراره سيعتمد عليه أمور كثيرة في المستقبل؛ ولذلك قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه[رواه البخاري1085].

عقد الزواج صانته الشريعة, وأوصت بحفظه, والقيام بحقوقه, على لسان النبي ﷺ في أكبر محفل شهده تاريخه عندما اجتمع بنحو من مائة وأربعة وعشرين ألفاً من الناس في حجة الوداع

إن مما يحبط عقد الزواج الذي صانته الشريعة, وأوصت بحفظه, والقيام بحقوقه, على لسان النبي ﷺ في أكبر محفل شهده تاريخه عندما اجتمع بنحو من مائة وأربعة وعشرين ألفاً من الناس في حجة الوداع, لم يكن لينفق تلك اللحظات والدقائق النفيسة جداً في هذا الجمع في هذا الموسم المبارك, في ذلك المكان المبارك, لم يكن لينفق تلك اللحظات إلا بوصايا عظيمة هي من أعظم الوصايا التي قالها في حياته على الإطلاق, وعندما تكلم في ذلك الموقف أوصى الأزواج وأوصى الزوجات, أوصى الأزواج بالنساء خيراً, وأوصى الزوجات بالقيام بحقوق الزوج؛ ذلك ليعلموا أن نفاسة تلك المناسبة دالة على أهمية ما قاله فيها.

ونحن اليوم نشهد انهيارات متتابعة لهذه الحقوق, وفشلاً ذريعاً يتمثل في حال الشقاق, والخلاف, والطلاق, والفسخ, وغير ذلك من أنواع المصائب التي ابتلينا بها.

منكرات الأعراس

00:06:59

واعلموا -أيها الإخوة- أن المصيبة كثيراً ما تكون عقوبة نتيجة للمعاصي, فانظروا ماذا يفعل الناس في ابتداء زواجهم, وفي حفلات زفافهم, من أنواع المنكرات, بدلاً من أن يؤسسوا هذا العقد العظيم عقد النكاح, على تقوى من الله ورضوان, ويبدؤونه بطاعة لله, وذكر, وشكر للنعمة, إذا بهم يستهلونه بالمعاصي وكفران النعم, فها أنت تراهم يقيمون حفلات فيها اختلاط, ولو من الزوج الذي يدخل على النساء من أي عقل جئتم به, وبأي شرع استندتم عليه في دخول الزوج على النساء في العرس ليقطع نوعاً من الحلوى, قطع الله تلك العادة, يبدأنها بمعصية, وهكذا يقاوم بعض الأقارب رغبة زوج متدين, أو زوجة متدينة في هذه القضية, ويعم التصوير, وتنتشر الصور, ويجد الأخ صورة أخته عند بعض الناس فيما بعد, بأي شرع, وبأي عقل يتم هذا التصوير وهذا النشر, وتستخدم الموسيقى الصاخبة, والأنوار المتنقلة, وجميع أنواع المخترعات الحديثة التي تجعل الإنسان الذي يمشي في ذلك المكان يهيأ له بأنه يرقص أو يطير, وأنه يقفز قفزاً, يأتيان ويأتون بما في دور البغاء والرقص من أنواع الاستعدادات التي يسمونها فنية, لكي يقلبوا الحفل بزعمهم شيئاً آخر ويتحدث الناس به, ويأتون بالمغنين والمغنيات, وعندما تسمع عن بعض السفهاء الذين يجلبون بمائة ألف, ومائة وخمسين ألفاً لا يرعون لله حقاً, ولا لرسوله شأناً, ولا للدين قيمة, ولا لأحكام الشريعة منزلة, ضاربين بكل ذلك عرض الحائط, ليأتوا بخبيث, وقد يكون نصرانياً, أو نصرانية ليعطونه من أموال المسلمين ما يعطونه, ويبثوا في المجتمع عادة سيئة, فعليهم وزرها ووزر من عمل بها من بعدهم من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئاً, فلا جزاهم الله خيراً عما فعلوا, وقطع الله تلك الأموال عن هؤلاء الفسقة, والمفسدين, والسفهاء الذين يريدون إقامة صرح للفاحشة في المجتمع, وعادة تبذير وإنفاق أموال في المحرمات سيئة, ليستن الناس بها, إن الطلاق كثيراً ما يكون عاقبة تلك الحفلات المشهورة المشهودة من كثير من الفسقة والفاسقات, وهذا ما حصل فعلاً في بعض هذه الزواجات التي صار لها شهرة, انتهى بعضها بالطلاق, وكأن القوم لم يريدوا في الحقيقة زواجاً وإنما أرادوا حفلة يتسامع بها الناس, وويل لهؤلاء المرائين يوم القيامة, والنبي ﷺ نهى عن أكل طعام المتباريين، هؤلاء الذين يتنافسون لجلب السمعة بين الخلق, وأن يتحدث الناس بحفلتهم.

نسأل الله أن ينتقم من هؤلاء انتقاماً شديداً, ويجعلهم عبرة للناس؛ لأن في إبقاء هذه النماذج في المجتمع خطورة بالغة أيها الإخوة.

ثم إن هذه الملابس التي يخرج بها البنات والنساء أمام رب الأسرة وولي أمرها من العاري, والمشقوق, والفتحة الطويلة إلى منتصف الفخذ, وهذا الشيفون الذي يكون شفافاً لا يستر شيئاً, لا يجوز لبسه حتى أمام المرأة, ولا أمام المحارم, يجعلونه في ثيابهم فيتساءل العاقل أين القائم على هذه البنت، وهذه المرأة, وكيف أجاز لنفسه ولها أن تخرج بهذا الشكل, هل نريد أن نحول المجتمع إلى مجتمع عارٍ, وأن تكون الحفلة عارية, أو شبه عارية, ويصاب اللذين في قلوبهم إيمان, وفي نفوسهم غيرة بالغثيان, وتكاد المتدينة أن تتقيأ عندما ترى هذه المناظر في حفلة العرس.

أيها المسلمون: إن المال إذا لم يوجه في الطاعة يصير نقمة على صاحبه, وهكذا كان وحصل, ليست الدنيا نعيماً على أهلها, إن من العجائب أنك حينما تقرأ هذه الإحصاءات العجيبة في أمور الطلاق, وترى أنه في طبقة المثقفين تكون نسبة الطلاق نحواً من أربعين في المائة, وفي الفلاحين, وأهل الريف لا تتعدى خمسة في المائة, ما هو السبب؟ إن هذه المدنية وهذه الثقافة لم تجلب لهم خيراً, وقد قال بعض المحللين وهو يحلل تلك الإحصاءات: والسبب أن المتعلمات يرفعن لواء المساواة بين الجنسين, وأما الريفيات فإنهن يرفعن لواء سيادة الرجل, وخضوع المرأة للزوج, وهذا لواء الشريعة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْسورة النساء34, وتتوالى مؤتمرات المرأة في بكين وغيرها لتحطم هذه القوامة, وتثبت للمرأة مساواة, لقد سئمنا من كثرة الكلام في المساواة والحرية التي يريدونها؛ لأن ذلك أيها الإخوة هدم لصرح الإسلام, وشرخ في جداره, وأحكام دين الله وشريعته التي أنزلها, هل الله أنزل المساواة في كتابه, هل قال الله بالمساواة بين الجنسين, أم أن الله أثبت الفروق بين الرجل الذي خلقه والأنثى التي خلقها وهو أعلم بها من أهل المؤتمرات العالمية وغيرهم من دعاة الحرية والفساد قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُسورة البقرة140.

ثم يأتي الجهل بأحكام الشريعة واتباع الهوى عاملاً آخر في إظهار شذوذات عجيبة في المجتمع, زواج الهبة! ما هو زواج الهبة؟ قالوا: إنها تهب نفسها للرجل, أين ذلك؟ أحسنهم الذي يستدل بحادثة الواهبة، الواهبة نفسها أيها المسلمون, فيأتي هؤلاء الجهلة أو أصحاب الأهواء بعبارة أدق ليقولوا: زواج الهبة, زواج من غير ولي زواج من غير شهود, أين إعلان النكاح الذي أمرت به الشريعة, إن هو إلا الزنا والله.

ثم عندما تراجع في أسباب فشل هذه الأنكحة المعقودة في المحكمة, والمحلولة في المحكمة أيضاً بصك طلاق وراء صك نكاح لتجد الشكوى الزوجة غير مناسبة, الآن تقولها! وقد أقدمت وكنت قبل في حرية وسعة في الانتقاء؟ القضية قضية تسلية؟

هناك عدة حوادث حدثت تدل على أن بعض الشباب يتصفون باللامبالاة المطلقة, وكأنهم لا يريدون من العقد إلا التسلية فيعقد عليها ستة أشهر ثم يفتعل مشكلة مطالباً بالفسخ قائلاً: إذا أردتم ابنتكم فضعوا المهر في حسابي رقم كذا, بنات الناس تسلية؟! النكاح الذي قدس في هذا الدين تسلية عابرة لعب، تظن فعلاً أنه أحياناً عند هؤلاء لعب, قضية عابرة.

ثم إن هذه المعاصي التي تسبب إسقاط الزواج من سفر الرجل إلى أماكن المعصية وتضييع أهله الذي سيسأل عنه يوم القيامة, إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته أحفظ ذلك أم ضيع[رواه النسائي9129]. وإذا كانت ليست بذات دين قابلت المعصية بمعصية, وقالت: إذا كان يتمتع بالحرام فأنا كذلك, وسأبادله واحدة بواحدة, وهكذا تقيم العلاقات بالهاتف وغيره, السبب أيها الإخوة عدم الخوف من الله, لا وازع, ولا واعظ, فمن أين تحترم حدود الله .

وتعاطي الخمور والمخدرات, الخمرة التي لعن رسول الله فيها عشرة من أنواع الناس, والتي حرمها الله بقوله: فَاجْتَنِبُوهُسورة المائدة90, صارت أمراً عادياً عند البعض, وكيف تطيق المرأة سكيراً, يعربد في منزلها وبيتها, ويضرب ويخبط يميناً وشمالاً, وفي أحسن أحواله يكون فضيحة عليها وعلى بيتها بين الناس, زوجها لا يفيق, هكذا يقولون: زوجها لا يفيق.

وهذه المخدرات, فعندما نقول: لماذا ارتفعت نسبة الطلاق وبلغت الثلث, لماذا صارت ثلاثين بالمائة؟ فلا نستغرب أيها الإخوة ما دامت المعصية هي السبب, وإذا كانت أيضاً في عدم إنفاقه عليها, وبخله، امرأة تستلم راتباً على تدريسها, فقال لها: نريد أن نبني بيتاً هاتِ الراتب, أخذ الراتب, تستجديه تتوسل إليه, لا يعطيها شيئاً, فتضطر أن تأخذ من جيبه خفية ريالات قليلة تشتري بها من مقصف المدرسة, تسرق من أي شيء من راتبها هي, ريالات معدودة؛ لأنه استولى عليه, ثم لا يعطيها مصروفاً يومياً يحفظ لها كرامتها, ويقابل ذلك هؤلاء المبذرات المسرفات اللاتي لا يطبقن حديث النبي ﷺ تحفظه في عرضها وماله, فهي لا تحفظه في ماله, هي تقول له: إذا لم يكن عندك سيوله فعليك ببطاقة الفيزا, أليس عندك بطاقة اشتر على الراتب, اشتر بالبطاقة, يعني دفع الزوج إلى الربا, الوقوع في الحرام.

خطورة تصدع الأسر

00:21:20

أيها المسلمون: تصدع الأسر من داخلها داء خطير ومصيبة كبيرة, كانت أسرنا في القديم تستمر بالرغم من حدوث الخلافات فيها, بل كانوا يعيشون في بيت واحد تحدث مشكلات لكنها تمر بسلام في النهاية, أما اليوم فمع انفصال كل شخص بزوجته في شقة، أو بيت مستقل، إلا أن الشرور تصلهما ولو على البعد, من هذه التدخلات والمنغصات, ألم يقل النبي ﷺ: ليس منا خبب امرأة على زوجها[رواه أبو داود2175], لعن الله من خبب امرأة أي أفسدها على زوجها, فأمها تقول من جهة: اطلبي الطلاق, أنت في البداية، الآن أحسن، وإخوانها يقولون بالنخوة العربية: نقف بجانبك, لست بدار هوان ولا مضيعة, نأتي ونأخذك نحن, تصرف أب مفسد, وأم الزوج تأزه كذلك على الفراق, لماذا تزوج إذن أصلاً؟ لماذا خطبت له يأيتها الأم ليستمر, أو لتصرفيه عن زوجته بعد قليل؟ أين تقوى الله, من الظواهر طول فترة النكد عند المشكلات, تطول فترة النكد بين الزوجين, تحدث المشكلة فيستمر الهجران والفراق والقطيعة يوماً ويومين وأسبوعاً وأسبوعين, وشهراً وشهرين, هذا إسلام, هل هذا في الدين أن يستمر النكد وتستمر القطيعة على مشكلة قد تكون تافهة هذه الفترة, لا فراش, ولا معاشرة, ولا كلام, كل منهما يولي ظهره للآخر, أين لا تحاسدوا لا تباغضوا لا تقاطعوا لا تدابروا[رواه مسلم2563]أين لا تدابروا إذا أوصى بها عموم المسلمين فما بالك بزوجين في بيت واحد؟ لا تدابرا, لا تقاطعا, أين ما جمعت به الشريعة بينهما. أين الرباط المقدس, أين الحقوق المشتركة, أين الإحسان من الزوج, وأين الذي قال فيه النبي ﷺ للزوجة بأنه لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه[رواه البخاري12614]؟ أين هذا الكلام؟

أيها الإخوة: كأن القضية أحاديث تسمع في الإذاعة, وفي الخطب, وتقرأ في الكتب, ثم أين التطبيق العملي, أين الإيمان الذي يدفع للتطبيق؟

ثم إن المشكلات إذا كانت بين الزوجين على حقوق ضيعت من هذا الطرف أو الآخر فأين التحلل؟ إذا اعتدى على حقها, أو اعتدت على حقه, فأين طلب المسامحة, أين التطبيق العملي لحديث النبي ﷺ: فليتحلله اليوم قبل أن يكون يوم لا دينار ولا درهم ولكن بالحسنات والسيئات[رواه البخاري2449], أين طلب المسامحة والتحلل.

اللهم إنا نسألك عيشة سوية وحياة هنية وزوجات رضيات, ونسألك أن تجعلنا أزواجاً صالحين وترزقنا الذرية الطيبة والاستقرار المعيشي البيتي, نسألك أن ترزقنا سكناً صالحاً, اللهم إنا نسألك عيش السعداء وميتة الشهداء.

أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:25:37

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى وخلق الذكر والأنثى, أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له, وأشهد أن نبيه محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

هدي النبي ﷺ

00:25:55

عباد الله: لقد كان نبيكم ﷺ حسن العشرة في أهله, كان يسمر مع أهله, كان يمشي بجانب زوجته في السفر, كان يسابقها, كان يمكنها من النظر إلى لعبة الحرب, كان ﷺ يداعب, أين هدي نبينا ﷺ فينا؟ أين اقتداؤنا به؟

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌسورة الأحزاب21, أين الكلمة الطيبة؟ أين الهدية التي تسبب المحبة؟ أين المعروف الذي أوصى به الشرع, وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِسورة النساء19.

اليوم لا سمر, ولا حوار, ولا كلام طيب إلا في هذه الطبقة التي تتابع محمداً ﷺ, وعندها من حسن الخلق ما يجعل هذا التبادل والتواصل بين الزوجين قائماً في البيت, وفي خارج البيت, أما أن يتحول البيت إلى فندق يأتي ويذهب ويطعم وينصرف, لا يجلس مع أهله ولا مع أولاده.

ثم إذا حصل شقاق فإن طريق الشرع معروف فَعِظُوهُنَّسورة النساء34 أين الوعظ؟ كم واحد من الأزواج إذا قصرت زوجته وعظها؟ وبأي شيء يعظها, وماذا يعرف يا ترى من الآيات والأحاديث وأمور اليوم الآخر التي يعظها بها, أين الوعظ؟ تسبق يمينه موعظته, وأين التدخل الحكيم من أهل الزوجين؟

إن النصرة في غير الحق أيها الإخوة ضرب لها النبي ﷺ مثلاً سيئاً فقال: من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه[رواه أبو داود5117]. هكذا إذن صفة الذي يعين قومه على غير الحق, سواءً أعانوا ابنهم أو أعانوا ابنتهم على غير الحق, وعندما تكون الزوجة متدينة والزوج ليس متديناً أو العكس فإنه نكد عظيم وعيشة منغصة والله, هي تقول له: لا تسافر, لا تعبر الجسر, لا تذهب للمشكلات, لكنه يضرب بكلامها عرض الحائط ويذهب بل ويقول: إذا لم تخرجي جواز السفر فأنت طالق, هي خبأته المسكينة من أجل أن لا ينطلق يعيث في الأرض فساداً, لكنه بهذا الجبروت والعنف يقول: إذا لم تخرجي جواز السفر فأنت طالق, وإذا كانت ليست بمتدينة طالبته بأدوات اللهو والحرام في بيته, حجاب سيء, وذهاب إلى أماكن سيئة, وتأثير في الشر, وربما خربت بيوتاً متعددة هي. وكثير من المشكلات من وراء بعض النسوة وكيدهن عظيم, والله قد حذر من ذلك.

وينبغي أن تكون قوامة الرجل بالحق لا بالباطل, وأن يقوم على أهله بالحق, أن يقوم فيهم بطاعة الله تعالى, أن يشكر الله على نعمة النكاح بأن يطبق الشرع في بيته, إخراج المنكرات, إحلال المعروف، الرفقة الطيبة, إذا وضعتها مع نساء صالحات, وذهبت بها إلى مراكز تحفيظ القرآن الكريم وغيرها, أنت شجعتها على بيئة صالحة, سترى ثمراتها أنت بنفسك بعد ذلك, أما الوقوف في طريق الخير الذي تريده هي كما يفعل بعض الأزواج فليس فيه مصلحة لا له ولا لها, الذين يلعبون بالطلاق ويهددون على الطالع والنازل والصاعد والهابط بالطلاق, أنتِ طالق إن فعلت, أنتِ طالق إن لم تفعلي, عليه الطلاق ثلاثاً إن فعل, وعليه الطلاق ثلاثاً إن لم يفعل, وهكذا, ونبيك ثلاث جدهن جدهن وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة[رواه الترمذي1184], إذن ليعلم كل هازل بالطلاق أن الطلاق واقع ولو كان يمزح, ولا داعي لئن يعرض الأسرة والعلاقة الزوجية للخطر العظيم على عزيمة أو قضية تافهة.

أيها الإخوة: ندور, ونعود, ونمضي, ونذهب, ونجيء, ونروح, ونعود إلى الشرع لنجد أن كل المصائب في مخالفة الشرع, يقول: زوجتي تشتكي كثيراً, نعم, أليس النبي ﷺ قد بين للنساء أن من أسباب كثرة دخولهن النار أنهن يكثرن الشكاية, ويكثرن اللعن, ويكفرن العشير.

وليعلم في المقابل الزوج الجبار في بيته, ليعلم الزوج الطاغية في بيته أن الله يذله يوم القيامة إذا تجبر عليها.

تقول: ليست هذه أول مرة أتغيب فيها عن مدرستي, وأهمل طالباتي, اقترنت بزوج يده تسبق لسانه, زوجي سريع الثوران بطيء الخمود غضبه يعميه, كنت أعد الشاي في ذات الوقت أحضر لصغيري رضعة فسهوت فزدت في كمية السكر, فلما أتيته به فذاقه برشفة, بلمح البصر انقلب إلى عبوس غضوب احمر وجهه ورفس إبريق الشاي ثم رمى بكوب الشاي في وجهي, فأحدث هذه الكدمة الزرقاء تحت العين, والله سلَّم وإلا لكانت العين قد ذهبت. حينما يغضب زوجي لا تكفي قواميس كلمات الاعتذار والتأسف للخروج من هذا الغضب, إنه لا يسكن, في ذات يوم كان مدعواً إلى وليمة, ولما أتممت كي الشماغ أخذه ولما ارتداه وقف أمام المرآة ليكمل لوازم الأناقة, وبدأ يدقق في الشماغ فاكتشف ميلاً بسيطاً في إحدى حوافيه, وهذا في طبيعة ثني القماش مع كثرة الغسيل تعرفه الزوجات والكثيرات, ماذا حدث؟ أرعد وأزبد وبدأ يقذف الحمم, ورمى الشماغ بقوة, ثم سحب العقال وانهال علي ضرباً؛ لأنه اكتشف ثنية في الشماغ, هكذا.

أيها الإخوة: الظلم ظلمات يوم القيامة[رواه البخاري2447]. احفظوا الله في بيوتكم, احفظوا الله في نسائكم, احفظوا الله في حفلات زفافكم, احفظ الله يحفظك, ولا تأت وليمة فيها منكر, ومن عمل منكراً في وليمة أسقط حقه بوجوب إتيان وليمته, إن النبي ﷺ: ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله[رواه مسلم1432], مبيناً أهمية حضور الدعوة إذا دعيت إلى زفاف أخيك المسلم. إن في ذلك مشاركة للفرحة, وفي الفرحة, ولكن إذا عمل ما يسقط وجوب إجابة دعوته فهو الذي جنى على نفسه. احفظوا الله في أول الزواج يحفظ لك آخره. وآخره بالفراق بين الزوجين بالموت في الدنيا ثم يستمر بعد ذلك في الجنة إن كانا صالحين.

اللهم أصلح لنا أزواجنا وذرياتنا, واجعل من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين, واجعلنا للمتقين إماماً, أصلح بيوتنا, اللهم إنا نسألك أن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, وأن ترزقنا اتباع شريعتك, وإقامة دينك في واقعنا يا رب العالمين, انصر المجاهدين واحم حوزة الدين, واحفظ بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري5090
2 - رواه البخاري1085
3 - رواه النسائي9129
4 - رواه أبو داود2175
5 - رواه مسلم2563
6 - رواه البخاري12614
7 - رواه البخاري2449
8 - رواه أبو داود5117
9 - رواه الترمذي1184
10 - رواه البخاري2447
11 - رواه مسلم1432