الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

نشأة إسماعيل عليه السلام


عناصر المادة
الخطبة الأولى
قصة نشأة إسماعيل والفوائد منها
الخطبة الثانية
أحوال إخواننا في البوسنة

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قصة نشأة إسماعيل والفوائد منها

00:01:18

إخواني: لقد قص الله تعالى علينا في كتابه قصص عدد من الأنبياء، وأخبرنا أن في تلك القصص عبرة لأولي الألباب، وشرح لنا رسول الله ﷺ وهو الوحي المبلغ عن ربه تلكم السير العطرة لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، وأفضل الأنبياء بعد نبينا محمد ﷺ هو إبراهيم الخليل الذي كانت سيرته ولا تزال نبراساً يهتدي به المؤمنون، وضياء يستمد منه العالمون، سيرة إبراهيم الخليل الذي واجه الطواغيت، وحطم الأصنام، فأنجاه الله من النار، والذي بنى البيت العتيق، والذي اهتدى على يديه لوط فصار رسولاً إلى قومه، إبراهيم أبو الأنبياء الذي كان جميع الأنبياء بعده هم من نسله، وآخرهم نبينا محمد ﷺ، إبراهيم الذي تزوج سارة، وكانت عنده هاجر نجاه الله من مهالك كثيرة.

وهذه قصة من القصص التي رواها علماء الإسلام، وعلى رأسهم الإمام البخاري رحمهم الله تعالى في صحيحه[صحيح البخاري3364]:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج إبراهيم بهاجر وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، كان إسماعيل رضيعاً حتى قدم مكة فوضعهما عند البيت، في مكان البيت العتيق، ولم يكن البيت قد بني عند دوحة شجرة كبيرة فوق زمزم، فوق موضع زمزم؛ لأن زمزم لم تكن قد ظهرت بعد، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء.

فوضعها هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة هذه القربة العتيقة، فيدر لبنها على صبيها، ثم قفى إبراهيم منطلقاً، عاد بأمر الله، رجع إلى بلاد الشام، عاد منطلقاً إلى أهله، فتبعته أم إسماعيل فأدركته بكداء حتى لما بلغوا كداء وهي ثنية كداء المعروفة نادته من ورائه فقالت: إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، وفي رواية قالت: إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، فقالت له: الله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، وفي رواية: قالت: حسبي، وفي رواية: قالت: رضيت بالله.

ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، مكان البيت العتيق، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَسورة إبراهيم37فدعا الله لأهله وولده، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء ويدر لبنها على صبيها.

إن إبراهيم كان رجلاً حكيماً، لما جعل هذه المرأة في مكان والأخرى في مكان آخر لما يصيب النساء من الغيرة، وإن إبراهيم كان متوكلاً على الله، لما أنفذ أمر ربه وجعل ولده وأم الولد في مكان ليس فيه أحد من الناس، ولا زرع، ولا طعام، ولا شراب إلا ما ترك من هذا الشيء اليسير الذي يفنى بعد قليل، إن إبراهيم قد صدق ربه في توجهه إلى ربه فدعا الله ألا يضيعهم، ودعا الله أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ودعا الله أن يحفظهم ويرعاهم، والأب قد يضطر في بعض الأحيان لترك أهله وأولاده ويسافر فليس أقل يا أيها الأب من أن تستقبل البيت فتدعو ربك أن يحفظ ذريتك وعقبك من بعدك، فإن الله إذا استودع شيئاً حفظه.

إن هاجر كانت امرأة مؤمنة راضية بقضاء الله وأمره، فلما عرفت أن هذا أمر الله استسلمت لذلك فلم تعترض وقالت: حسبي رضيت بالله، علمت أن ربها لا يضيعها، ولو كانت في تلك البقعة الخالية، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، ويدر لبنها على صبيها حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو يتلبط يعني: يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحداً، قال: فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، كراهية أن تنظر إلى الولد وهو يتلبط من الجوع والعطش، يوشك على الموت، إنه حنان الأم وعطفها، إنها الرحمة التي خلقها الله فيها، إن الله جعل الرحمة مائة جزء فأنزل جزءاً واحداً إلى الأرض وأمسك تسعة وتسعين عنده، وهذه الرحمة المخلوقة غير صفة الرحمة لله فهي غير مخلوقة؛ لأنه سبحانه قد اتصف بها دائماً وأبداً، فهو الرحمن الرحيم، هذه الرحمة الواحدة أنزلها إلى الأرض تعطف الأم على ولدها والفرس ترفع رجلها عن ولدها مخافة أن تطأه، هذه الرحمة التي جعلها الله بحكمته في هذه المرأة لتقوم بشأن الولد وإلا لضاع الأولاد.

قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحداً، قال: فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ارتقت وصعدت، ثم استقبلت الوادي الذي بين الصفا والمروة تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود الذي أصابه الجهد والتعب، والوادي يومئذ عميق، رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، يعني: ما فعل الصبي هل هو حي أو ميت؟ فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع للموت، كأنه ينشغ للموت.

هل يئست هاجر؟ وهل قالت: ضيعنا الله؟ وهل شكّت في وعد الله؟ إن الإنسان عندما يرى هذه البوادر يسقط في يده ويبدأ يشك بالمسلمات، لكن الإنسان المؤمن يواصل التوكل على الله، والتصديق بوعد الله إلى اللحظة الأخيرة من عمره.

فلم تقرها نفسها فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحداً، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، كل مرة تصعد الصفا وتنزل إلى المروة ثم ترجع تتفقد الصبي ثم تعود مرة أخرى تبحث عن الفرج، تصعد الصفا وتقطع الوادي وتصعد المروة وترجع إلى الولد وهكذا، جمعت بين الأخذ بالأسباب، والبحث عن الزاد، ورعاية الولد، رحمة الله على هاجر.

قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: فذلك سعي الناس بينهمانسعى سبع مرات بين الصفا والمروة، نسعى سبع مرات السبب، قال ﷺ: فذلك سعي الناس بينهما من أجل فعل هاجر، رحمة الله عليها.

فلما أشرفت على المروة في الشوط الأخير سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها، كأنها قالت لنفسها اسكتي، ثم تسمعت فسمعت أيضاً فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، وفي رواية قالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا هي بالملك، فإذا هي بجبريل عند موضع زمزم، وفي رواية للطبري بسند حسن: "ناداها جبريل: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم" قال: فلمن وكلكما؟ قالت: إلى الله، قال: وكلكما إلى كاف يكفيكما"، حسبكم الله الله حسبنا ونعم الوكيل، وهو يكفينا .

فبحث بعقبه، وغمز عقبه على الأرض حتى ظهر الماء، فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحوضه تجعله حوضاً تفحص بيديها في الأرض، وتحف الماء من الجوانب، وتجعله مثل الحوض، فجعلت تحوضه لم تملك المرأة نفسها ودهشتها لما رأت الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، تعبئ السقاء، وهو يفور بعدما تغرف، كلما غرفت فار مرة أخرى.

قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم، أو قال: لو لم تغرف من الماء ، وفي رواية: لولا أنها عجلت لكانت زمزم عيناً معيناً[رواه البخاري2368]، يعني: ظاهراً يجري على الأرض لا يحبسه شيء، لكانت نهراً عامراً ظاهراً يجري فوق الأرض.

قال أهل العلم: كان ظهور زمزم نعمة من الله محضة بغير عمل عامل، فلما خالطها تحويطها وشابه صنع البشر قصرت الماء، وقصرت العين، وإلا لكانت عيناً معيناً.

قال: فشربت من الماء وأرضعت ولدها، ويدر لبنها على صبيها، فقال الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، فإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك هاجر وابنها، حتى مرت بهم رفقة من جرهم، قبيلة معروفة في ذلك الوقت، مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً يحوم حول الماء في الأعلى، ولا يمضي عن ذلك المكان، رأوه من بعيد، والعرب تعلم أن الطيور إذا حامت فوق شيء فقد يكون ماء، فقالوا في أنفسهم، قالوا لبعضهم: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جرياً أو جريين، رسولاً أو وكيلاً من عندهم، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم.

قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، جاءت بقية القبيلة، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم، ثم إن الله أعانه فصار أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة المبيّنة إسماعيل فصار أفصح منهم، أول من نطق بالفصحى إسماعيل، فتعلم أصل اللغة منهم، ثم إن الله جعله أفصح منهم.

وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسَهم، يعني: كثرت رغبتهم فيه، وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل، الأم لها دور عظيم ولكن الله لا يبقي أحداً، والموت عاقبة كل حي: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِسورة العنكبوت57 أدت مهمتها وقامت بالأمانة ورعت ولدها وقرت عينها به وتزوج وهي على قيد الحياة واطمأنت إليه ثم قبض الله هاجر، هاجر أم إسماعيل رحمها الله رحمة واسعة.

ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله: إني مطلع تركتي، سأذهب وأتفقد ما تركت، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فجاء فسلم فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته زوجة إسماعيل، سألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، يصيد لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، امرأة ترى رجلاً غريباً يأتي إلى البيت يسأل عن حالهم فتخبره أنهم بشر وأنهم في ضيق، وهذا غريب لا تعرف من هو، هي امرأة ليست ذات خلق حسن، قال إبراهيم للمرأة: فإذا جاء زوجك فاقرئي وقولي له يغير عتبة بابه، العتبة المدخل عند الباب تحفظ الباب وفيها صيانة لما في البيت من الداخل هي المدخل، شبه المرأة بذلك، العتبة يقصد بها المرأة، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، هذه صفته، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك ألحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى، هذا الوالد الحريص على بيت ولده، هذا الوالد الكريم الحريص على سعادة ولده، هذا الوالد الكريم الحريص على مصلحة ولده، تفقد وعرف الحال.

لما أمر بالطلاق ما أمر ظلماً كما يفعل كثير من الآباء اليوم يأمرون أولادهم بطلاق زوجاتهم لأسباب تافهة، يقول: طلق زوجتك لقد رفضت أن تحمل لي الحذاء، هؤلاء الظلمة من الآباء الذين يريدون هدم بيوت أبنائهم هل يطاعون؟

الجواب: كلا لا يطاعون، ليس من طاعة الأب الشرعية أن يطلق الولد زوجته إذا كانت الزوجة صاحبة دين وخلق، ليس من الطاعة الشرعية أن يهدم الابن بيته حتى يكون الأب مصلحاً والمرأة معيبة في دينها، أو خلقها، عند ذلك يلزم الولد أن يطيع أباه، ومن الآباء عقلاء هم حريصون على أولادهم وبيوت أولادهم، ومنهم متهورون لا يفكرون في عواقب الأمور بل يريد أن يبسط سيطرته وهيمنته على ابنه، وعلى زوجة ابنه، وعلى البيت بالقوة.

فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله: إني مطلع تركتي، قال: فأتاهم بعد وسافر مرة أخرى، فلم يجده، لم يجد الولد، فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي، يصيد لنا، فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟ هذا الفرق بين المرأة الأولى والثانية، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله ، هذا الفرق بين الأولى والثانية، قالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله ، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.

قال النبي ﷺ: بركة بدعوة إبراهيم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه، فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه معنى كلامه ﷺ: أن اللحم والماء لا يفردهما أحد فيكونان طعامه دائماً إلا أصابه السقم، لم يوافقاه لم يوافقا الجسد وكانا من مسببات المرض، إلا في مكة فإن الذي يأكل اللحم والماء لا يصيبه المرض من الجمع بين هذين والاعتماد عليهما في الطعام، بركة بدعوة إبراهيم، ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه، لكن في مكة الذي يخلو باللحم والماء بركة بدعوة إبراهيم.

أيها الإخوة: إن الدعوة من الرجل الصالح آثارها تدرك أجيالاً وأجيالاً: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَسورة الكهف82.

قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء، قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبت بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك، هذا الأب الحريص على بيت ولده وعلى ولده وعلى زوجة ولده، هذه الوصايا النافعة الخيرة.

اللهم صل على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:27:59

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الداعي إلى سبيله ورضوانه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.

ثم لبث عنهم ما شاء الله، هكذا في رواية البخاري رحمه الله، ثم جاء بعد ذلك، جاء إبراهيم، وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريبة من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كم يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد، تقبيل اليد من يفعله اليوم من الأبناء بآبائهم؟ من الذي إذا دخل على أبيه قبل يده؟

ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك الله، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني له هاهنا بيتاً وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم الشيخ الكبير يبني، والإتيان بالحجارة أشق، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، وضعف الشيخ عن نقل الحجارة جاء بهذا الحجر فوضعه له، الابن جاء بحجر وضعه ملتصق بالكعبة من الأسفل ليقوم الأب عليه، ويبني ويرتفع، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة البقرة127، قال: فجعل يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة البقرة127.

وهكذا اكتمل بناء البيت، وانتهت هذه الرواية العظيمة في صحيح الإمام البخاري التي حكى لنا فيها النبي ﷺ هذه القصة العظيمة: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىسورة يوسف111، وأمر الله إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍسورة الحـج27 وأبلغ الله أبانا إبراهيم إلى الناس كافة، وجعلت الأفئدة تهوي إلى البيت العتيق، فأنت ترى اليوم كثيراً من المسلمين وقد يكون من الفسقة الغافلين البعيدين عن شرع الله يحبون أن يذهبوا إلى البيت ويأتوا إليه ويشاهدوه، تقول: ما الذي أخرجهم من شمال الأرض وشرقها وغربها؟ ومن الذي جعل في قلوبهم الحاجة إلى الإتيان للبيت ورؤيته؟ إنه الله ، هذه دعوة إبراهيم، أجاب الله دعوة إبراهيم جعل الأفئدة تهوي إلى البيت، حتى الفسقة من المسلمين يأتون إلى البيت مع غفلتهم لكنهم يودون في قلوبهم حاجة إلى الإتيان إلى البيت، هذه من الله.

أحوال إخواننا في البوسنة

00:32:12

أما عن آخر أخبار إخواننا المسلمين في بلاد البوسنة فإننا أيها الإخوة نأخذ العبرة مما يحصل، ومن آخر أخبارهم ما طالعتنا به الصحف اليوم في هذا التقرير عن أوضاع إخواننا، ونحن نذكر هذه الأخبار لا لنصاب بالإحباط لأننا نعلم أن الله ناصر دينه، ورافع لواء سنة نبيه، ولو كره المشركون، وإنما نذكر حالهم لندعو لهم، نذكر حالهم لنحمد الله على ما نحن فيه من النعمة، نحن لنا بيوت نأوي إليها، اسمعوا حال إخواننا، نقرأ أخبارهم لكي نعلم أن الكفر ملة واحدة، وقد سبق أن أشرنا إلى أن الكروات نصارى، والنصارى أعداء الله وأعداء دينه ووحيه وشرعه، وأعداء أتباع ملة نبيه، وأنهم متظاهرون على المسلمين، منهم من يتظاهر بالسلاح، ومنهم من يتظاهر بالسكوت، ومنهم من يتظاهر بالإمداد، ومنهم من يتظاهر بقطع المعونة عن المسلمين، كلهم أعداء كفرة، لا يخافون من الله، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، يهيم ألوف من المسلمين على وجوههم حيارى خائفين في جبال وعرة، وسط جمهورية البوسنة، بعدما طردتهم الميليشيات الكرواتية من ديارهم في بلدة بروزور، وقالت فريدة زمان وقد ابتلت ملابسها: نعيش في الغابة منذ أربعة أيام، ونبحث الآن عن الكهوف، وأضافت: نعم الكهوف أفضل، فعلى الأقل قد لا نذبح هناك، وأخذت مجموعة من النساء تضم خمسين امرأة يخضن في أوحال الطريق تحت المطر، وقد أخذ بعضهن ينتحب وهن يحتضن أطفالهن، وكان القسم الإعلامي في جيش البوسنة: أن القوات الكرواتية أزالت بروزور الواقعة على مسافة سبعين كيلو متراً شمال سراييفو من خارطة البوسنة، وبثت إذاعة سراييفو أن البلدة لم تعد موجودة، وفر السكان المسلمون البالغ عددهم ستة آلاف نسمة بعدما حاصرت قوات مجلس الدفاع الكرواتي البلدة ودمرتها بإطلاق ألف وخمسمائة قذيفة عليها من بطاريات المدفعية والدبابات يومي الجمعة والسبت الماضيين.

وقال رجل: لا يعرف أحد عدد الأشخاص الذين قتلوا، كل ما نعرفه أنه ليس هناك مسلم حي في بروزور، ولا يعرف أحد منا مكان عائلته، وسارت مجموعات من النساء وهن يرتجفن من البرد وقد تحولت ملابسهن إلى أسمال بالية، وكان بعضهن حافيات، وبعضهن لا زلن يرتدين الملابس المنزلية، ويتحركن كمن يشعر بالدوار عبر طريق موحل أغرقته الأمطار، ويتوارى الرجال إلى الغابات، ويتسللون من قرية من مسلمة فقيرة إلى أخرى بعد حلول الظلام، كي يتجنبوا الذبح، ووجد حوالي خمسمائة مسلم مأوى لهم في أعلى الجبال في قرية موحلة تتألف من خمسة وعشرين منزلاً في نهاية طريق قذر يكاد يكون من المتعذر استخدامه، وقد افترشوا الأرض على قش رطب، وقالوا: إنهم فروا من بروزور في نزوح جماعي.

وقالت امرأة: كنت في المنزل عندما بدأ القصف، وأصابت القذيفة الأولى منزلنا وأجهشت بالبكاء، احتمينا بالقبو في بادئ الأمر وزوجي عامل في المستشفى ولم أره ولم أر أطفالي الثلاثة منذ بدأ الهجوم.

وذكر آخرون أن المقاتلين الكروات اجتاحوا البلدة وراحوا يصرخون في مكبرات الصوت قائلين: هيا لنمسك بهؤلاء المسلمين الأقذار، وذكر نازحون أنهم شاهدوا شاحنات تجمع جثث الضحايا، وقوات الدفاع الكرواتي تسوق أمامها مجموعات من المدنيين إلى خارج البلد.

وقال مواطن مسلم اسمه حارس كان يهيم على وجهه يائس من قرية إلى أخرى يبحث عن زوجته وابنه: إن الجنود قادوا المواطنين في ثلاثة أو أربعة طوابير هم في الغابات الآن يبحثون عن الطعام.

تأمل أيها المسلم لو هدم بيتك وأخرجت من ديارك وتشتت الأسرة ليس لك درهم واحد ولا فلس ولا تعلم أين المرأة ولا الأولاد ماذا يكون الحال؟

إلى الله المشتكى والله المستعان، أين يجد أهل البوسنة أين يجدوها من خذلان المسلمين، أو من تخطيط النصارى الكفرة، أو من القذائف التي تنزل على رؤوسهم، ما هو ذنبهم ماذا فعلوا؟وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِسورة البروج8لا يريدون دولة إسلامية في أوروبا، هم يعرفون ما معنى الإسلام.

ونحن ندعو الله ونقول: اللهم مجري السحاب ومنزل الكتاب وهازم الأحزاب اللهم اهزم الكفرة من النصارى واليهود، اللهم أنزل بهم بأسك وسطوتك ونقمتك واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم فرق شملهم وشتت شملهم وجمعهم، اللهم انصر عبادك الموحدين واهد ضال المسلمين، اللهم ارفع لواء سنة نبيك في العالمين، اللهم ردنا إلى الإسلام واجعلنا من جنده، اللهم اجعلنا من أوليائك وحزبك المفلحين، اللهم ارحم المستضعفين، اللهم ارحم المستضعفين، اللهم ارحم المستضعفين، اللهم أطعم جائعهم واكس عاريهم، اللهم إنا نسألك أن تعينهم فأنت المستعان وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك إنك أنت العلي العظيم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - صحيح البخاري3364
2 - رواه البخاري2368