الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

السنة القمرية وأحكام الشتاء وعاشوراء


عناصر المادة
الخطبة الأولى
ربط الأمة بالتقويم القمري
ميزات التقويم القمري
قصة بداية التاريخ الهجري
صوم المحرم وعاشوراء
الخطبة الثانية
السنن والمحدثات في عاشوراء
أحكام فصل الشتاء

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ربط الأمة بالتقويم القمري

00:00:48

عباد الله: خلق الله الشمس والقمر وجعل لهما وظائف، ومنافع للعباد، فقال سبحانه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَسورة يونس5فبالشمس والقمر تعرف الأزمنة والأوقات، وتضبط أوقات العبادات، وآجال المعاملات، ويعرف ما مضى، وهذا التناوب والاختلاف في الليل والنهار آية للعباد، ومستودع للأعمال الصالحة.

ومن فوائد الشمس: أنها ضياء، وأنها دفء، وأنها آية النهار الذي جعل الله المعاش فيه، هذه الشمس أوقات الصلوات مرتبطة بها، فقال تعالى: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاسورة الإسراء78 فإذا زالت الشمس عن وسط السماء دخل وقت الظهر، وإذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر، وإذا غربت وغاب قرصها دخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق الأحمر وهو بقية ضوء الشمس بعد الغروب وهو الاحمرار فإن وقت العشاء يدخل، وإذا طلع نور الفجر وهو مبادئ ضوء الشمس قبل أن تشرق دخل وقت صلاة الصبح، فجعلها الله آية، وجعل أوقات الصلوات مرتبطة بها.

وأما القمر فإنه آية الليل الذي فيه السكن، وجعله الله منازل، فيبدأ هلالاً صغيراً، ثم يكبر حتى يصبح بدراً، ثم ينقص حتى يختفي؛ لماذا؟

قال في سبب هذا التدرج: وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَسورة يونس5فمعرفة عدد السنين، ومرور السنين وبداية السنة وانقضاء السنة بالقمر لا بغيره وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَسورة يونس5  فجعل التوقيت الشهري بالهلال: وموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته[رواه البخاري1909 ومسلم1080] وجعل في السنة اثني عشر شهراً، وهي الأشهر القمرية التي إذا انقضت انقضت سنة، فنعرف حساب السنين، هذا هو التوقيت المعتمد السنوي عند رب العالمين منذ أن خلق السموات والأرض، إن السنة القمرية عند الله منذ أن خلق السموات والأرض، والدليل على اعتمادها عند رب العالمين منذ ذلك الزمن البعيد، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتكور الشمس، ويخسف القمر، ويبرق البصر، الدليل على أن السنة القمرية عند الله هي المعتمدة قوله تعالى أيضاً: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌسورة التوبة36وهذه قمرية بلا شك؛ لأن التقويمات الأخرى كالسنة الشمسية ليس فيها أربعة حرم، الأربعة الحرم في السنة القمرية، قال تعالى عن هذا التقويم السنوي القمري المكون من اثني عشر شهراً، منها أربعة حرم، قال: ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُسورة التوبة36 فمن أراد الدين القويم فعليه باعتبار هذه الأشهر، والتقيد بها، والسير بناء عليها، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِسورة التوبة36يعني: في قضائه وقدره اثْنَا عَشَرَ شَهْرًاسورة التوبة36 هذه الأشهر المعروفة مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌسورة التوبة36رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، سميت محرمة لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها، وسفك الدماء بغير حق ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُسورة التوبة36والشرع المستقيم الذي ارتضاه لكم.

فأخبرنا بالتقويم المعتمد عنده لنعتمده نحن، ونجانب ما تستعمله الأمم الأخرى، ولا نتشبه بها؛ لما فيها من الانحراف والاضطراب.

قال القرطبي -رحمه الله- تعليقاً على الآية: هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام في العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعرفها العجم والروم والقبط.

وقال الشوكاني -رحمه الله-: وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف: محرم وراءه صفر، رجب وراءه شعبان، ذو القعدة وراءه ذو الحجة، ترتيب الأشهر الاثني عشر من الله.

قال: وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء.

فإذاً الأنبياء من قبل ما كانوا يعتمدون على التقويم الشمسي في السنين والشهور، وإنما القمري.

وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء، ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها، ويجعلون بعضها ثلاثين يوماً، وبعضها أكثر، وبعضها أقل (فتح القدير للشوكاني).

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِسورة البقرة189فجعل الله هذه الأهلة هي المواقيت المعتمدة، وحاول المشركون التلاعب بها فذمهم الله ووبخهم، وقال: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُسورة التوبة37 ثم أخبر نبينا ﷺ: أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض[رواه البخاري3197 ومسلم1679] وأن ترتيب هذه الشهور كما هي عند رب العالمين؛ لما تكلم النبيﷺ بالحديث أنه مضبوط، كما هو إلى الآن.

فإذاً في معرفة السنين القمر، وفي معرفة الأشهر القمر: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِسورة البقرة189وكذلك العبادات ترتبط بها، فالحج كما قال: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّسورة البقرة189لا يصح الإحرام به إلا في أشهر الحج المعلومة الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّسورة البقرة197وهي شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، كما بينت ذلك السنة.

وهذا الصيام المفروض علينا مرتبط بماذا؟ فبراير؟ يناير؟!

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۝ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة184كيف تبدأ؟ صوموا لرؤيتهكيف تنتهي؟أفطروا لرؤيته[رواه البخاري1909 ومسلم1080]رؤية ماذا؟ رؤية القمر الذي جعله الله مواقيت لهذه العبادات، وجعل الأحكام مرتبطة به أيضاً، فكفارة الظهار مثلاً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِسورة المجادلة4  يعني: من الأشهر القمرية، عدة الوفاة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًاسورة البقرة234الأشهر القمرية، عدة الآيسة المطلقة: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍسورة الطلاق4الأشهر القمرية.

وهكذا معاملاتنا، الزكاة، الحول على اثني عشر شهراً قمرياً، والذين يحسبون الزكاة على السنة الشمسية يأكلون على الفقراء إحدى عشر يوماً، وبعد ثلاثة وثلاثين سنة يكونون قد أكلوا سنة كاملة بزكاته على مستحقيها وضيعوها.

ميزات التقويم القمري

00:10:32

التقويم القمري تقويم رباني، طبيعي، غير متكلف، تقسيم الأشهر في السنة القمرية غير مصطنع، هناك هلال دليل، واختفاؤه كذلك، وظهور الهلال الذي بعده دليل على بدء الشهر الذي بعده، يراه الكبير والصغير، والعامي والعالم، والمثقف والجاهل، الأمي والقارئ، الذكر والأنثى، آية في السماء، لكن لو قلت لمن يعتمد التقويم الشمسي: ما هو دليلك على توالي شهرين في عامكم الشمسي كل واحد منهما واحد وثلاثين؟ لماذا يتوالى عندكم شهران واحد وثلاثين وواحد ثلاثين؟ لا دليل عنده؛ لماذا؟ هذا ثلاثين والذي بعده واحد وثلاثين، لا دليل عنده؛ لماذا فبراير ثمانية وعشرين؟ لا دليل عنده؛ لماذا؟ لأنه تقويم مصطنع، تقسيم الأشهر متلاعب فيه، من وضع البشر، خضع لأهوائهم، وهكذا لما أراد يوليوس قيصر أن يجعل شهره يوليو واحداً وثلاثين، جعله واحداً وثلاثين، وساروا على هذا، ما عندهم إلا أن هذه السنة الشمسية طولها بدورة الشمس والأرض فقط، طول السنة، لكن تقسيم الأشهر ما عندهم أي دليل عليه، التقويم القمري تُحدده دورة القمر حول الأرض، ظاهرة واضحة، التقويم القمري محسوس يُرى بالعين المجردة.

من ميزات الأشهر القمرية: أنه يمكن متابعتها في جميع بقاع الأرض، حتى في المناطق القطبية التي تغيب عنها الشمس أحياناً ستة أشهر، فالقمر لا يكون محجوباً بأي حال من الأحوال حتى في تلك الأماكن القطبية، التقويم القمري غير فصلي؛ ولذلك فإن العبادات تتنوع وتتقلب، ونحن نصوم في الحر، ونصوم في الشتاء البارد، ونصوم في الربيع المعتدل، فأنت ترى أن العبادات تأتي في الحر والبرد والربيع والخريف، في الحج، وفي رمضان، فيكتمل معنى التعبد، في جميع الأوضاع، وجميع الأحوال، وجميع الأجواء، وجميع درجات الحرارة.

مر التقويم الشمسي بمراحل من الأخطاء الفلكية والحسابية، وتعرض لأهواء البشر، وزادوا فيه، ونقصوا وأجلوا، ورحلوا، ويقولون: إنهم لا يزالون لمراعاة الاعتدال للربيع يحتاجون بعد مدة إلى أن يحدث كما حدث في سنة من السنوات عند باباواتهم أن نام الناس اليوم الخامس واستيقظوا اليوم الخامس عشر في اليوم التالي، احتاجوا لعشرة أيام لتعديل الوضع.

عباد الله: التقويم القمري من هوية الأمة، مثل اللغة العربية، هنالك شخصية للأمة بأمور تكون وليس مجرد عادات، لا، وقضية التقويم القمري قضية كبيرة، ترتبط بها عبادات، معتمد من رب العالمين، تضييع التقويم القمري هذا يعتبر من الإخلال بالدين، وعدم معرفة كثير من أبناء المسلمين وبناتهم في العالم بالتقويم القمري إلا في رمضان والحج أحياناً يدل على جهل، وعجز، وتفريط، وعلى ولع بالغالب وتقليد له من قبل المغلوب، وعلى هزيمة أمام الأعداء الذين سيطروا على العالم، فأرغمونا على اتباع التقويم الشمسي الميلادي في البورصات، ورحلات الطيران، وتواريخ المناسبات المختلفة للأمم المتحدة وغير ذلك، فهو فرض من الغالب على المغلوب، ولو كنا نحن الغالبين لفرضنا على العالم التقويم الرباني، كما فرضه أجدادنا الفاتحين على تلك الأمصار والبلاد التي فتحوها.

عباد الله: إن في الدعوة للتخلي عن التقويم القمري أضرار، منها:

شيء من سلخ الأمة عن هويتها، وإلهاء الأجيال الحاضرة والقادمة عن الأحداث الإسلامية الكبيرة، وصهر الأمة في حضارة الغرب والشرق، وقطع الأمة عن حياتها وتاريخها، وإخفاء الأوقات الفاضلة للطاعات والعبادات كعشر ذي الحجة وعاشوراء وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأيام البيض سميت بالبيض؛ لماذا؟ إنه نور القمر.

ولذلك فإن أتاتورك لما أسقط دولة الخلافة اعتمد إلغاء التقويم القمري، ولما احتاج العثمانيون إلى الغرب في شيء من العتاد اشترطوا عليهم في المقابل إلغاء التقويم القمري، وكذلك حصل من الخديوي لما احتاج إلى شيء من الغرب اشترطوا ستة شروط منها: إلغاء التقويم القمري، وهذا يقتضي تذويب المسلمين، ونزع هوية الأمة، وشخصية الأمة، وتعرية الأمة من خصائصها.

هناك خصائص للأمة في العبادات، وفي المعاملات، وفي اللغة، وفي الكتاب والسنة، وفي الدستور، وفي التاريخ، هذا من علامات وميزات وخصائص هذه الأمة.

قصة بداية التاريخ الهجري

00:16:26

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًاسورة التوبة36أولها الذي أجمع عليه الصحابة في الترتيب هو هذا الشهر الذي نحن فيه، وقد دخلنا في المحرم؛ لأن العرب كانوا يؤرخون من قديم بلا عدد، فيقولون: عام الفيل مثلاً لحدث عظيم فيه، والمسلمون في العهد المكي كانوا يؤرخون بالتاريخ القمري، ولكن بدون تعداد للسنين، ما كانوا يقولون: هذه سنة واحد، أو خمسة أو سبعة، وإنما عام الحزن، عام كذا وكذا؛ ولما توفي النبي ﷺ وجاءت خلافة الصديق، ثم الفاروق، وكتب إلى أبي موسى بكتاب فرد عليه أبو موسى يقول: تأتينا كتب منك لا ندري متى كتبت، تنازع بعضهم عند القضاة، أقرضته إلى شعبان، فقال: هذا شعبان الآتي، قال المقرض: شعبان الماضي، فدعت الحاجة إلى بدء معين بعام واحد، عام اثنين، وعام ثلاثة وهكذا، والشهور كما هي قمرية، فمن أين يبدؤون؟ ما هي نقطة البدء؟ ما هو العام الأول؟

قال بعضهم: أرخوا بالبعثة، قال بعضهم: أرخوا بالمولد، قال بعضهم: أرخوا بالهجرة، فعمر - قال: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، يعني: كانت الهجرة أبرز حدث كان له أثر ضخم جداً في قيام الإسلام ليس مثل المولد، ولا مثل البعثة، ولا مثل الغزوات، الهجرة هي الانتقال إلى إقامة المجتمع الإسلامي، الدولة الإسلامية، الهجرة التي عز بها الإسلام والمسلمون، وصار لهم كيان ودولة وجيش وحكم، وكانوا من قبل مستضعفين.

ثم فهم بعضهم أيضاً من قول الله تعالى: لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِسورة التوبة108ما هو المسجد الذي أسس على التقوى؟ مسجد قباء، متى أسس؟ أول الهجرة، في العام الأول في بدء الهجرة، لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍسورة التوبة108فرأى عمر أن تكون سنة الهجرة هي العام الأول، من أين تبدأ؟

قال بعضهم: من شهر رمضان، قال بعضهم من شهر كذا، قال بعضهم: محرم، رأى عمر أن هذا أنسب الشهور للبدء؛ لماذا؟ لأن الناس يعودون بعد الحج، وبعد الاجتماع العالمي الكبير للمسلمين والانشغال الكبير بالحج يعودون بعد ذلك للأمصار والبلدان، وتعود دورة الحياة الاجتماعية والمهنية والتشغيلية، ومناسب أن تبدأ السنة بعد رجوع المسلمين إلى بلدانهم، وتبدأ المشاريع والفتوحات والجيوش ونحو ذلك من الأمور التي تنطلق في أول السنة، فاختار عمر مع الصحابة، وصار الأمر إجماعاً أن يبدأ العام القمري الهجري بمحرم، فصارت سنة الهجرة هي سنة واحد، تبدأ بالمحرم، الأشهر قمرية معينة من رب العالمين.

هذا الشهر الذي نحن فيه شهر الله المحرم، قال ﷺ: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان[رواه البخاري3197 ومسلم1679].

خص الله تعالى هذه الأشهر الأربعة الحرم بالذكر.

صوم المحرم وعاشوراء

00:21:05

ونحن الآن في شهر المحرم، نهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وتحريماً لسفك الدماء بغير حق، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن الله افتتح السنة بشهر حرام، وختمها بشهر حرام، أولها المحرم، وآخرها ذو الحجة، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم". وكان يسمى شهر الله الأصم؛ من شدة تحريمه.

ومن السنة: الإكثار من الصيام فيه، فقال النبي ﷺ: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل[رواه مسلم1163] ومما يعين عليه أنه جاءنا الآن في الشتاء نهار قصير، وجو بارد.

وفي هذا الشهر يوم عاشوراء الذي نجى الله فيه موسى من الغرق، وأهلك فرعون، والنبي ﷺ لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوماً -يعني عاشوراء- فقالوا: هذا يوم عظيم وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكراً لله، فقال: أنا أولى بموسى منهم فصامه، وأمر بصيامه.[رواه البخاري3397]وعن ابن عباس قال: "ما رأيت النبي ﷺ يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني: شهر رمضان"[رواه البخاري2006]رواه البخاري، يتحرى أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

وقال ﷺ: وصيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله [رواه الترمذي749] وهذا التكفير للذنوب فضل عظيم من رب العالمين.

ويستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع[رواه مسلم1134]رواه مسلم.

والغرض من هذه المقارنة أو الاقتران بين تاسوعاء وعاشوراء في الصيام مخالفة اليهود الذين كانوا يصومون العاشر فقط، كما قال ﷺ: صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود[رواه الترمذي موقوفا عن ابن عباس755 ]والمراد كذلك زيادة الفضل والأجر، والاحتياط في صوم العاشر.

وفي هذه السنة، أو في هذا العام بناء على رؤية هلال ذي الحجة، وإتمامه ثلاثين يوماً، وأيدت ذلك الرؤية -رؤية هلال محرم-، تاسوعاء يوم الخميس القادم، وعاشوراء الجمعة، فمن أراد الجمع بينهما في الصيام وهو الأفضل فليصم الخميس والجمعة.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم اجعلنا سلماً لمن سالمت، حرباً لمن حاربت يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من القانتين المفلحين، وأن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:24:23

الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر.

أشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم، أشهد أن لا إله إلا الله مالك الملك، قيوم السموات والأرضين، مالك يوم الدين، خلق فسوى، وهدى النجدين، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب ليقيم الحجة على العباد، ففريق في الجنة، وفريق في السعير.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، نبيه وخليله، وصفيه الشافع المشفع يوم الدين، إمامنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا، صلى الله عليه وعلى آله وذريته وأصحابه وخلفائه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

السنن والمحدثات في عاشوراء

00:25:25

عباد الله: كان المسلمون يربون أطفالهم على الدين منذ نعومة أظفارهم، عن الربيع بنت معوذ قالت: "أرسل النبي ﷺ غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار - قبل أن يفرض رمضان-  من أصبح مفطراً فليتم بقيت يومه، ومن أصبح صائماً فليصم قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام -يعني: من الجوع- أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار"[رواه البخاري1960 ومسلم1136]متفق عليه.

وهذا اليوم العظيم الذي نجا الله فيه موسى فشكر موسى ربه بصيام، فأحيا النبي ﷺ هذا الشكر بعبادة شرعها الله لنا في ديننا، وجعل لنا فيها ميزة عظيمة بتكفير ذنوب سنة كاملة، ومن منا ليس له ذنوب.

ولذلك فإن التمسك بالدين والسنة فيه أن يعبد الله فيه بما شرع لا بالبدع؛ لأن كثيراً من الناس قد ضلوا في هذا اليوم فابتدعوا فيه، ومن الابتداعات أن يتخذوه عيداً، ونحن لا نحتفل بعاشوراء، ولا نتخذ يوم عاشوراء عيداً، فمنهم من يصنع أطعمة خاصة فيه، وكانوا في بعض القرون الماضية يجعلون له اغتسالاً، واكتحالاً، وصلاة خاصة به، وطوافاً بالبخور ونحو ذلك، قابلهم في الطرف الآخر من الضُلال من يلطموا، ويظهروا السواد، وسب الصحابة، ولعنهم في هذا اليوم، وكلاهما في ضلال مبين، عاشوراء يوم من أيام الله، نجى الله فيه موسى، وشرع لنا صيامه.

أحكام فصل الشتاء

00:27:32

أيها المسلمون: يأتينا في هذا الوقت فصل الشتاء، والغنيمة الباردة الصوم في الشتاء، ثواب كثير بلا تعب يذكر؛ لأن الصائم لا تناله حرارة العطش، وصيام يوم وإفطار يوم من السنة أيضاً، في هذا الشتاء نتذكر فضل إسباغ الوضوء على المكاره، إسباغ الوضوء في السبرات، والسبرات شدة البرد، إن إتمام الوضوء يدل على قوة الإيمان، إن مقاومة هوى النفس بإسباغ الوضوء بالرغم من البرد يدل على الاهتمام بالدين إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة[رواه مسلم251]هذه تمحو الخطايا، وترفع الدرجات.

كذلك فإن شدة البرد تذكرنا بزمهرير جهنم؛ لأن من عذابها البرد الشديد بالإضافة إلى الحر الشديد، وأغلب عذاب النار الحر الشديد والسعير، وفيها مع ذلك برد شديد، فيجتمع عليهم النقيضان.

عباد الله: لا يمنع الأجر أن يسخن الماء، ولا أن تستعمل المناشف، وإذا كان سيحدث للشخص ضرر واضح بيّن كأن كان في برية، وليس عنده ماء مسخن، وأصابته جنابة في مثل هذا الفصل، فلا حرج عليه أن يتيمم، وقد جاءت الشريعة برخص تدل على فضل الله ورحمته وتوسعته على عباده، ومن ذلك المسح على الخفين والجوربين، هذا الذي يستر القدم، ولا حرج أن يكون مثقوباً، أو فيه شيء من الشفافية ما دام لا زال يسمى جورباً ثابت على القدم، وحدود القدم من العظمين الناتئين في آخر الساق إلى أطراف أصابع القدم، للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن يمسح مرة واحدة، يبدأ من أطراف الأصابع إلى مفصل القدم من الساق، حتى أول الساق يمسح ظاهر القدم وليس باطنها، وإذا مسح اليمنى باليمنى، أو اليمنى باليسرى، أو اليسرى باليمنى أو اليسرى باليسرى صح ذلك كله، أربعة وعشرين ساعة للمقيم تبدأ من أول مسح بعد الحدث، اثنان وسبعون ساعة للمسافر، ثلاثة أيام بلياليها تبدأ كذلك من أول مسح بعد الحدث، إذا انتهت مدة المسح ولم يحدث فهو لا زال على طهارته، لكنه لا يستطيع أن يمسح إذا أحدث إلا بعد خلع الجورب؛ لأن المدة قد انتهت، إذا انتهت المدة وهو على طهارة فله أن يصلي إلى أن يحدث، وخلع الجورب على الراجح لا ينقض الوضوء بحد ذاته، فليس من نواقض الوضوء في الإسلام خلع الجوربين إلا أن يأتي حدث آخر من ريح أو نوم مستغرق ونحو ذلك.

وكذلك ثبت في السنة المسح على العمامة، ويشبهه بعض أنواع أغطية الرأس عند المرأة، فهذا يشق خلعه فيجوز المسح عليه "كان رسول الله ﷺ إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة" والريح الباردة الشديدة العاتية عذر في ترك الجماعة، ومع ذلك فإن مصلحة الجماعة الكبيرة جعلت في الشريعة رخصة الجمع بين الصلاتين في المطر، فإذا كان المطر نازلاً يبل الأرض والثياب، مستمراً من انتهاء الصلاة الأولى إلى الشروع في الثانية، صح الجمع بين الظهرين أو العشائين، الظهران: الظهر والعصر، والعشاءان: المغرب والعشاء، وذهب العلماء إلى عدم الجمع بين الجمعة والعصر، قالوا: لأن الجمع ورد بين الظهر والعصر، والجمعة ليست ظهراً، لا في عدد الركعات ولا في وجوب الخطبة، ولا في السر والجهر إلى غير ذلك من الفروق، فالأحوط ألا يجمع لا في المطر ولا في السفر بين الجمعة والعصر إذا صلى المسافر الجمعة، ويجوز لبس القفازين والسجود بهما، ولا حرج في ذلك، وإذا صار ما حوله ماء وطين لا يمكن السجود فيه يجوز الإيماء.

ونهى النبي ﷺ عن ترك النار في البيت، وهي النار الموقدة، وقال: أطفئوها عنكم[رواه البخاري6294] فأما هذه الدفايات التي هي بالزيت والماء فليس لها حكم النار الموقدة، وكذلك التي بالكهرباء، فأما إذا صارت ناراً تتوهج فلا يصل المصلي خلفها حتى لا يشابه المجوس، وأما غير ذلك فلا حرج.

أيها المسلمون: إذا هطلت الأمطار فإن هنالك سنن قولية: فيقول: اللهم صيباً نافعاً[رواه البخاري1032]اللهم صيباً هنيئاً[رواه أبو داود5099]  مطرنا بفضل الله ورحمته[رواه البخاري846]وإذا خشي الضرر قال: اللهم حوالينا ولا علينا[رواه البخاري933]ويدعو لأن الدعاء عند نزول المطر مستجاب.

وسنن فعلية: فقد حسر النبي ﷺ ثوبه حتى أصابه من المطر، وقال: إنه حديث عهد بربه[رواه مسلم898] فإذا ما كان يضره ويؤذيه فيحسر عن رأسه أو بعض بدنه ليصيبه المطر، وكذلك رفع اليدين في الدعاء، والله يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، وينزل به من السماء ماء طهوراً.

وطين الشوارع والماء الموجود في هذه الطرقات الأصل فيه الطهارة، فلا حاجة للوسوسة.

اللهم اجعلنا بخير وعافية يا رب العالمين، اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا، اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا، اللهم اقض ديوننا، نعوذ بك من الغلاء والبلاء والوباء يا سميع الدعاء، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا يا رب العالمين.

1 - رواه البخاري1909 ومسلم1080
2 - رواه البخاري3197 ومسلم1679 
3 - رواه البخاري1909 ومسلم1080
4 - رواه البخاري3197 ومسلم1679
5 - رواه مسلم1163 
6 - رواه البخاري3397
7 - رواه البخاري2006
8 - رواه الترمذي749 
9 - رواه مسلم1134
10 - رواه الترمذي موقوفا عن ابن عباس755
11 - رواه البخاري1960 ومسلم1136
12 - رواه مسلم251
13 - رواه البخاري6294 
14 - رواه البخاري1032
15 - رواه أبو داود5099  
16 - رواه البخاري846
17 - رواه البخاري933
18 - رواه مسلم898