الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

10- الدخان والخسوف الثلاثة


عناصر المادة
ظهور علامة الدخان وأقوال العلماء فيه
وقت خروج علامة الدخان
الخسوف من علامات الساعة
أسباب وقوع الخسف والمسخ قبل قيام الساعة
علاقة ظهور ابن صياد بعلامات الساعة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فحديثنا في هذه الحلقة من أشراط الساعة عن الدخان والخسوف الثلاثة، وكان بقي لدينا موضوع سابق يتعلق بالدجال لعلنا نأتي عليه في هذا الدرس بمشيئة الله.

ظهور علامة الدخان وأقوال العلماء فيه

00:00:34

وأما بالنسبة للدخان فإنه من أشراط الساعة التي أخبر النبي ﷺ عنها عندما ذكر لنا ﷺ أن الساعة لن تقوم حتى نرى قبلها عشر آيات فذكر الدخان.

وفي قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ[الدخان: 10- 11].

وكان هذا وعدًا من الله تعالى لنبيه ﷺ بالانتقام من المكذبين ووعيدًا للمشركين على جحدهم ولعبهم واستهزائهم بالقرآن العظيم والرسول الأمين، وهذا الدخان معه أسئلة: هل ظهر أم لا؟ وإذا كان قد تحقق فمتى كان ذلك؟ هل هو في فتح مكة، عام فتح مكة أو قبله؟ لما دعا النبي ﷺ على كفار قريش وإذا كان الدخان لم يأت بعد فمتى تأويله؟ هل هو في آخر الزمان حين يندثر نظام أشراط الساعة والدخان إحدى خرزاته؟ أم حين البعث والنشور وحشر الناس إلى عرصات القيامة؟ فهذه أقوال أربعة في الدخان نصفها أنه وقع واثنان على أنه خبر صادق سيقع.

القول الأول:

فأما القول الأول: وهو أنه وقع عام فتح مكة فقد نسبه المفسّرون إلى الأعرج عبد الرحمن بن هرمز - رحمه الله -، ففي رواية عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال: "كان يوم فتح مكة دخان وهو قول الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ[تفسير الألوسي: 13/116].

والدخان على هذا لا يتري على حقيقته أنه دخان، بل هو من تجوزات العرب.

وقال في اللسان: وربما وضعت العرب الدخان موضع الشر إذا علا، فيقولون: كان بيننا أمر ارتفع له دخان"[لسان العرب: 13/150].

وقال ابن قتيبة: ووجِّه ذلك بأن الدخان مما يُتأذى به فأُطلق على كل مؤذٍ يشبهه" [تفسير القاسمي: 8/410].

فهو كناية عما حلّ بأهل مكة في ذلك اليوم من الخوف والذل، وإن أُريد به الغبار الذي أثارت سنابك الخيل يوم فتح مكة حتى حجبت الغبرة السماء فإنه يقال: دخن الغبار دخونًا، أي سطع وارتفع، كما وقع في بيت الشعر:

إذا النقع دخن

والعدول عن الحقيقة إلى المجاز يحتاج إلى دليل ولا دليل والآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يعني ظاهر فلا مجال للقول هنا بالمجاز وقول الأعرج لو صحّ إليه لم يكن فيه حجّة لاسيما وقد عارضه ما هو مثله وأولى بالحجة منه فكيف إذا كان القول المنسوب إليه إسناده ضعيف وذلك لأنه قد رواه ابن أبي حاتم فقال: حدثنا أبي حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا يحيى بن حسان حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الرحمن بن الأعرج، وابن لهيعة ضعيف قد اختلط وجعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، وقال ابن كثير عن هذا القول: "غريب جداً بل منكر" [تفسير ابن كثير: 7/247].

إذن ما قيل إن الدخان حصل وأنه كان عام فتح مكة هذا مستبعد أن يكون هو الدخان المقصود.

القول الثاني:

القول الثاني: أن الدخان في هذه الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَقيل: إن هذا يكون يوم القيامة حينما تُقرّب جهنم من أهلها فلها دخان يغشى الناس ويعمُّهم، وأن الله توعّد المجرمين بالعذاب وأمر نبيه أن ينتظر بهم يوم القيامة، وهذه طريقة القرآن في توعد الكفار والتأني بهم والانتظار والترقُّب الوعد يوم القيامة عندما يكون الوعيد بالعذاب، وفي ذلك ترهيب لهم وتسلية للنبي ﷺ وللمؤمنين، ويؤيد هذا أن الله قال في الآية: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ[الدخان: 13]، وهذا يكون يوم القيامة حينما يطلبون الرجوع إلى الدنيا ولا رجوع، والدخان على هذا القول يُحتمل أن يُراد به الشدة والشر، لكن هذا هو القول الثالث وهو ما حصل لأهل مكة لما دعا عليهم النبي ﷺ.

إذن قلنا القول الأول: عام فتح مكة وهذا ضعيف ومستبعد، القول الثاني يوم القيامة الدخان يوم القيامة حينما ترقب جهنم قالوا سياق الآيات يدل عليه يعني  فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ۝ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ[الدخان: 10 - 13].

إذن لن تحدث عودة قالوا هذا الدخان يوم القيامة، فهذا دليل من قال إن الدخان يكون يوم القيامة.

القول الثالث:

القول الثالث: أن الدخان هو الدخان الذي حدث لما دعا النبي ﷺ على قريش وقال دعا عليهم بسبع كسبع يوسف يعني في القحط والشدة، وهذا القول الذي جاء عن ابن مسعود لما أنكر على ذلك القاص ورواها ابن مسروق - رحمه الله - بينما رجل يحدِّث في كندة، وفي لفظ لمسلم: إن قاصًا عند أبواب كندة قال: يجيء دخان يوم القيامة... الحديث" [رواه البخاري: 1007، ومسلم: 2798].

ولأن هذا القاص حدّث بذلك اجتهادًا منه واستنباطًا.

قال مسروق: جاء إلى عبد الله - يعني ابن مسعود - رجل فقال: تركت في المسجد رجلاً يفسّر القرآن برأيه يفسر هذه الآية وذكر أن ذلك الرجل يقول إنها يوم القيامة، وأنكر ابن مسعود عليه وأخبر أن الدخان إنما حصل لما دعا النبي ﷺ على كفار قريش أن يجعلها الله عليهم سنيّ كسني يوسف في القحط فجعل الرجل يرى ما بين السماء والأرض دخانًا من شدة الجهد والجوع" [رواه مسلم: 2798]، وسيأتي.

قال ابن كثير: "وقول هذا القاص إن هذه الدخان يكون يوم القيامة ليس بجيد ومن هنا تسلّط عليه ابن مسعود بالرد بل قبل يوم القيامة وجود هذا الدخان، كما يكون وجود هذه الآيات من الدابة والدجال" فقول ابن مسعود إن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، وفي رواية: بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منهم كهيأة الزكام هذا قول القاص كان ابن مسعود متكئًا فجلس وهو غضبان فقال: يا أيها الناس اتقوا الله، من علم منكم شيئًا فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم، فإن الله قال لنبيه ﷺ: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ[ص: 86]، إن رسول الله ﷺ لما رأى من الناس إدبارًا يعني من قريش قال: اللهم سبعٍ كسبع يوسف قال: فأخذتهم سنة يعني جدب وقحط حصّت يعني: استأصلت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر إلى السماء أحدهم فيرى هيأة الدخان فأتاه أبو سفيان وكان مشركًا فقال: يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادعوا الله لهم قال الله : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ۝ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ۝ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ۝ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ[الدخان: 10 - 15].

فابن مسعود اعترض على تفسير القاص، وهؤلاء القصاص الوعاظ والمذكرون كانوا كثيرًا ما يروون الأحاديث الضعيفة والموضوعة ويخوضون بآرائهم لمجرد حمل الناس على البكاء، فابن مسعود استدل على بطلان قول القاص أنه يوم القيامة بماذا؟ قال: إن قوله: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ أفيكشف العذاب في الآخرة يعني لو كان في القيامة هل يُكشف؟ لا، وما معنى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان: 16]، قال ابن مسعود: "أفيكشف عذاب الآخرة يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ، فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدخان يعني لما دعا على المشركين والبطشة يعني مضت واللزام وآية الروم" [رواه مسلم: 2798].

ما هي قضية البطشة واللزام وآية الروم؟

في رواية للبخاري قال عبد الله بن مسعود: "خمسٌ قد مضين: الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام فسوف يكون لزامًا" [رواه البخاري: 4767]، قالوا في تفسير اللزام: ما أصاب المشركين يوم بدر، وأختاره النووي - رحمه الله - [شرح النووي على مسلم: 17/143]، قال القرطبي: "فعلى هذا تكون البطشة واللزام واحد شيء واحد" [المفهم: 7/397].

وقيل: هو القحط، وقيل: اللزام الموت، فالنبي ﷺ لما استعصى عليه كفار قريش دعا عليهم، فلما أصابتهم الشدة دعا لهم لما رجعوا وجاءوا إليه فمُطروا، فلما أصابتهم الرفاهية بعد الشدة عادوا إلى ما كانوا عليه يعني من الكفر والإعراض، فأنزل الله  الآيات: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَقال ابن كثير: "وقد وافق ابن مسعود على تفسير الآية بهذا وأن الدخان مضى جماعة من السلف، كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك" [تفسير ابن كثير: 7/247].

إذن، على هذا يكون الدخان - القول الثالث - حصل لما دعا على قريش وصار عندهم جدب وجوع غشا أبصار الناس والجائع كان يرى بينه وبين السماء دخانًا من شدة الجوع.

وقد نقل البخاري عن ابن مسعود أنه فسّره بما كان لقريش من شدة الجوع بسبب القحط الذي دعا عليهم به رسول الله ﷺ فكان أحدهم يرى كأن فيما بينه وبين السماء دخانًا من شدة الجوع.

ويقال للجوع دخان ليُبس الأرض في الجدب وارتفاع الغبار فشبه غبرتها بالدخان، والمراد بالناس المشركون وأن ذلك الدخان سيكشف زمنًا قليلاً إعذارًا لهم لعلهم يؤمنون وأنهم يعودون بعد كشفه إلى ما كانوا عليه، وأما قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىفإنه عذاب آخر رأي ابن مسعود هذا ربما لم يوافقه عليه من الصحابة من يثبت ذلك عنه من الصحابة.

القول الرابع:

بقي لدينا القول الرابع وهو أن الدخان سيكون في آخر الزمان قبل قيامة الساعة وأنه أحد أشراط الساعة وأنه لم يحصل بعد بل هو أمارة من أمارتها وأنه سيظهر قبل يوم القيامة وأنه لا يصيب المؤمن منه إلا كهيئة الزكمة وأن الكافر يلتثخ منه حتى يصير رأس الواحد منهم كالرأس المشوي الحنيذ هذا القول مروي عن علي وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وهو قول الحسن وجماعة من التابعين قال ابن أبي مليكة: "غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال ما نمت الليلة حتى أصبحتُ، قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشيتُ أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحتُ" قال ابن كثير: "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس" ابن عباس" [تفسير ابن كثير: 7/229].

 كان يخبر أن هناك كوكب له ذنب أو الكوكب ذو الذنب سيطرق الأرض وأن ذلك سيكون قبل قيامة الساعة، وأنه لما سمعهم يقولون الكوكب ذو الذنب جاء ظن الدخان قد جاء فما نام ابن عباس من خشيته لله وخوفه اليوم الآخر.

إذن ابن عباس يخشى أن يكون الدخان قد طرق والدخان في آخر الزمان من أشراط الساعة، مثل لما النبي ﷺ لما عرف أن الشمس كسفت خرج يجر إزاره يظنها الساعة؛ لأن الساعة فيها يُخسف القمر وتنكسف الشمس ويذهب ضوؤهما وهكذا.

وقد جاء عن ابن عمر أيضاً: "يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيأة الزكمة ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأٍس الحنيذ" لكن فيه رجل ضعيف في إسناده.

وهذه الأحاديث فيها الإشارة إلى الدخان الذي هو من أشراط الساعة، الدخان الذي من أشراط الساعة ليس خاص بقوم معينين وإنما هو عام سيغشى الأرض شيغشى الناس، ومعنى: يَغْشَى النَّاسَ [الدخان: 11]، يعني: يشملهم ويحيط بهم، وهذا لا يمكن أن يكون مجازًا ولا شيئًا خياليًا، هذا لا بدّ أن يكون دخانًا حقيقيًا.

وذكر النبي ﷺ الدخان من الآيات العشر التي تكون قبل قيام الساعة، والدخان الذي يأخذ لأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن منه كهيأة الزكام لم يأتِ بعد، وإنما يكون قريبًا من قيام الساعة، وقد مرّ معنا حديث مسلم: بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم ومعنى  بادروا بالأعمال خاصة أحدكم [رواه مسلم: 2947].

يعني: قبل نزول الموت؛ لأنه يختص بكل واحد، أو أمر العامة ما المقصود بادروا بالأعمال أمر العامة؟ يعني اعملوا الآن الصالحات قبل أن يفجأكم أمر العامة وهو قيام الساعة، والحديث حسن وقد تقدّم، وفي حديث أبي مالك الأشعري قال: رسول الله ﷺ: إن ربكم أنذركم ثلاثًا: الدخان، يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه والثانية الدابة والثالثة الدجالقال ابن كثير: "إسناده جيد" [تفسير ابن كثير: 7/249]، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه ولم يسمع منه ولعله لذلك، قال الحافظ: إسناده ضعيف لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلاً، فثبت بهذه الأحاديث أن الدخان بين يدي الساعة وأنه يغشى الناس"،

إذن عندنا شيء واضح من الأحاديث أن هناك دخان يأتي قبل قيام الساعة وأن هذا الدخان يعم الناس في الأرض كلهم، لكن هل الدخان هذا هو الذي في الآية يحتمل ولو احتمل أن يكون دخان آخر يكون يوم القيامة، فنحن الآن سواء كان المقصود بالآية دخان قبل قيام الساعة أو في يوم القيامة، فليس هذا يعني لا ينفي الدخان الذي يكون قبل قيام الساعة؛ لأن عندنا أحاديث تدل على أنه قبل قيام الساعة، سيأتي دخان يغشى الناس وأنه دخان حقيقي من أشراط الساعة وعلاماتها، ولا يمنع أن يكون هناك دخانان، كان ابن مسعود يقول: هما دخانان كما روى عنه مجاهد قد مضى أحدهما والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة وأما الكافر فتثقب مسامعه، فتُبعث عند ذلك الريح الجنوب من اليمن فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ويبقى شرار الناس.

إذن لا يلزم من تفسير آية الدخان بما وقع لكفار قريش، الآن هب أن تفسير الآية لا دخان الذي قبل قيام الساعة ولا الدخان الذي يكون يوم القيام دخان جهنم، وإنما ما فسّره به ابن مسعود من أنه الدخان الذي صار يراه الكفار لما دعا عليهم بالجدب، فصاروا يرون ما بين السماء والأرض دخانًا، هل إذا فسرنا الآية بهذا ينفي أن يكون هناك دخان آخر قبل قيام الساعة؟ الجواب: لا ينفي، إذن الدخان الذي قبل قيام الساعة ثابت وفيه أحاديث صحيحة وأنه دخان حقيقي، وقد جاء أيضاً في رواية عن حذيفة: "أول الآيات الدجال ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر، إذن هذا الحديث لما قال أول الآيات الدجال ونزول عيسى ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، والدخان قالوا: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ۝ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان: 10- 11]، يمكث أربعين يومًا وليلة أما المؤمن فيصيب منه كهيأة الزكام وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأُذنيه ودُبره)) [تفسير الطبري: 16/397].

هذا الحديث لو ثبت إذن يحكم في تفسير الآية، لكن الحديث فيه علّة من قبل رجل يقال له: رواد بن الجرّاح، ولذلك لا يمكن أن نجزم بأن الدخان الذي في آخر الزمان هو الذي في الآية، ولكننا نجزم أنه من أشراط الساعة وأنه سيكون قبل قيام الساعة.

وقت خروج علامة الدخان

00:22:46

متى سيكون وقت خروج هذا الدخان ذكر بعض العلماء أنه سيكون بعد يأجوج ومأجوج وأنه يمكث ثلاثًا وأنه يأتي قبل الريح، إذن الدخان حقيقي يغشى الناس يعم الأرض كلها، يأخذ المؤمن كهيأة الزكمة وأما الكافر فيكون له تعذيبًا ثم تأتي الريح، وظيفة الريح أنها تقبض أرواح المؤمنين ويبقى الكفار عليهم تقوم الساعة.

إذن معنى ذلك أن الدخان سيكون بعد الدجال وبعد يأجوج ومأجوج وعيسى والمهدي وبعد هذا وأنه سيكون آية عظيمة؛ لأن الأرض كلها تغطى بالدخان، وأنه سيكون للمؤمنين وقعه خفيفًا عليهم كالزكمة، وأما الكفار سينتفخ رأس الواحد منهم وسيكون عذابًا وستأتي بعده الريح التي تقبض أرواح المؤمنين ويبقى الكفار عليهم تقوم الساعة يتهارجون كتهارج الحمر عليهم تقوم الساعة[رواه مسلم: 2936]، هذا إذن بالنسبة للدخان.

وهناك نزاع الآن في قضية تفسير الآية هل هو دخان كان في فتح مكة وإلا دخان يوم القيامة بعد قيام الساعة؟ أو دخان لما دعا عليهم النبي ﷺ بالجوع أو الدخان الذي هو من أشراط الساعة، وقلنا لن نجزم بتفسير الآية بشيء ولكننا نجزم بأنه من أشراط الساعة قبل أن تقوم الدخان وأنه لم يقع بعد، وكونه حصل دخان في ظرف معين لقريش لا ينفي وقوع الدخان العام الذي يغطي الأرض كلها قبل قيام الساعة، هذه هي الخلاصة في موضوع الدخان.

الخسوف من علامات الساعة

00:24:56

وننتقل الآن إلى الخسوف؛ لقد أخبرنا النبي ﷺ عن ثلاثة خسوف تكون في آخر الزمان قال: وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب [رواه مسلم: 2901].

ورواية الطبراني قال ﷺ: سيكون بعد خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب قيل: يُخسف بالأرض وفيها الصالحون؟ قال: نعم إذا أكثر أهلها الخبث قال الهيثمي: "في الصحيح بعضُه وفيه حكيم بن نافع وثقه ابن معين وضعّفه غيره وبقية رجاله ثقات". [مجمع الزوائد: 8/11].

ومعنى الخسف: الخسف ذهاب الشيء وغيابه ومنه خسف القمر إذا ذهب بعضه أو كله فيكون خسوفًا كليًا، وكذلك الشمس إذا خسفت كليًا ذهبت عن الأنظار وجزئيًا ذهب بعضها. [لسان العرب: 9/67].

ويقال في اللغة: خسف المكان يعني ذهب في الأرض انشقت الأرض ذهب فيها وخسف الله بفلان الأرض غيبه فيها ومنه قوله تعالى عن قارون: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ[القصص: 81]، يعني هو والدار كلها راحت في باطن الأرض اختفت في باطن الأرض كان النبي ﷺ يستعيذ من الخسف؛ لأنه عذاب، وذلك في قوله: اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي قال وكيع: "يعني الخسف" معنى أغتال من تحتي يعني الخسف. [رواه أبو داود: 5074، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1274].

فهذا هو المقصود بالاغتيال من الجهة التحتانية وبالذات الأسفل يكون أشنع، قد تأتي الآفة من فوق ومن يمين ومن شمال ومن أمام ومن وراء ولكنها من أسفل تكون أشنع، وقد توعّد الله بالخسف الكفار قال: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُون [النحل: 45]، لكن الله حليم بالعصاة وعلى الكفرة وإلا لكان خسف بهم الأرض وقال: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا [الإسراء: 68]، أفحسبتم بخروجكم إلى البر بعد أن كفرتم، لما كنتم في البحر واشتدت بكم الريح والأمواج آمنتم لما نجاكم إلى البر كفرتم أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ [الإسراء: 68]، وقال تعالى عن عذاباته التي أوقعها على المشركين في الأرض: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا[العنكبوت: 40]، إذن الخسف عقوبة وعذاب أوقعه الله على ناس من الكافرين بالله تعالى، وأوقعه على قارون كما مرّ في الآية، وقال تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ[سبأ: 9]، أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك: 16].

وقد أخبرنا النبي ﷺ أنه سيقع خسف في هذه الأمة نتيجة انتشار المعاصي وكثرتها فقال: يكون في آخر الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذف قالت: قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا ظهر الخبث [رواه الترمذي: 2185، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 8156]

إذا كثُر وانتشر وشاع، والخسف هو ذهاب الشيء في الأرض والمسخ هو تغيير الخلقة والقذف هو الرمي  بالحجارة، فإذن سيكون في هذه الأمة ناس تتغير خلقتهم إلى قردة وخنازير وسيكون هناك رمي بالحجارة من السماء وسيكون هناك ذهاب لبعض الأرض خسف بها، ومعنى: إذا ظهر الخبث فسّره جمهور العلماء بالفسوق والفجور وقيل المراد الزنا خاصة وقيل: أولاد الزنا وقيل: المعاصي مطلقًا يعني إذا انتشرت وكثرت وشاعت معنى الحديث أن الخبث هذا إذا كثر فقد يحصل هلاك عام قد يكون في الذين يهلكون صالحين لكن ليس من المصلحين؛ لأن المصلحين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ينجّيهم الله تعالى، أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ [الأعراف: 165]، وقد ذكر النبيﷺ لنا عقوبة الخسف حصلت لأشخاص مثل قوله: بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة[رواه البخاري: 3485].

وفي رواية للبخاري ومسلم: بينما رجل زاد مسلم: ممن كان قبلكم يمشي في حُلّته تعجبه نفسه - يعني من الخيلاء يتباهي - مرجِّلٌ جمّته - يعني شعره - إذا خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة[رواه البخاري: 5789، ومسلم: 2088]، وفي رواية: يتبختر في حُلّة  [رواه مسلم: 2].

وفي رواية: يمشي في حُلّة ثوبان أحدهما فوق الآخر تعجبه نفسه فأعجبته جمته وبرداه[رواه مسلم: 2088 ].

وفي رواية: إعجاب المرء بنفسه احتقار الله له، مرجّل جمته مجتمع الشعر إذا تدلّى من الرأس إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل إلى يوم القيامة [رواه النسائي في الكبرى: 9599، بلفظ: "معجبة بها نفسه" وأحمد: 9065، بلفظ: "معجبًا بنفسه"، ولفظ: "قد أعجبته نفسه"، والطبراني في الأوسط: 7720، بلفظ: معجب بنفسه: وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 2875].

والتجلجل حركة مع صوت، فهذا ذهب انشقت الأرض وابتلعته خسف به وصار يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، الحركة مع الصوت وينتقل من مكان إلى مكان في باطن الأرض، يتدهده ويتدحرج من مكان إلى مكان في باطن الأرض وهذا يصلح قالوا في الألغاز العلمية تطرح لتنشيط العقول والدعوة للتفكير: كافر لا تأكل الأرض جسده من هو؟ نحن نعرف أن العادة أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء قالوا هذا هو الذي أخبرنا عنه النبي ﷺ الكافر الذي يتدحرج في الأرض خسف الله به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، يعني هو باق يتلجلجل إلى يوم القيامة، فمعنى ذلك أن جسده باقٍ، هذا يصلح في المسابقات.

أسباب وقوع الخسف والمسخ قبل قيام الساعة

00:32:19

كذلك أخبر النبي ﷺ أن من أسباب الخسف ظهور المعازف والقينات المغنيات واستحلال  الخمور وشرب الخمور فقال ﷺ: سيكون في آخر هذا الزمان خسف وقذف ومسخ، إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلّت الخمور [رواه الطبراني في الكبير: 5810، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3665].

 وهذا جاء في حديث أبي مالك الأشعري أيضاً: ليشربنّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمعنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازيز رواه ابن ماجه وأبو دواد مرفوعًا وصححه الألباني. [رواه ابن ماجة: 4020، وأبو داود: 3688، وصححه الألباني في المشكاة: 4292].

الآن هذا حصل في عصرنا ظهور المعاصي حصل وظهور المعازف حصل وظهور المغنيات النساء حصل شربت الخمور حصل سميت الخمور بغير اسمها حصل باقي أن ننتظر حصول الخسف والقذف والمسخ.

كذلك قال ﷺ: يكون في هذه الأمة أو في أمتي خسف أو مسخ أو قذف في أهل القَدرحديث حسن رواه الترمذي. [رواه الترمذي: 2152، وحسّنه الألباني في وحسّنه الألباني في المشكاة: 116].

إذن الذين يكذبون بالقدر أو يقولون الله ما قدر الأشياء أو ما كتب الأشياء أو ما علم بالأشياء قبل حصولها المكذبون بالقدر سيكون أيضًا فيهم خسف قال بعضهم: إنما كانوا منتشرين بالبصرة المكذبون بالقدر وفي بعض الأحاديث أن البصرة سيصيبها الخسف هذا قالوا في ارتباط بين انتشار المكذبين بالقدر في البصرة والخسف الذي سيصيبها، وهذا كان فترة ماضية هل سيعودون فيها أو يكونون فيها أو تكون في أماكن أخرى الله أعلم إنما قطعًا سيكون هناك خسف ومسخ أو مسخ أو قذف في المكذبين بالقدر.

سيكون هناك خسف بالجيش الذي يغز الكعبة لكي يفتك برجل عاذ بالبيت العتيق وقد سبق أن ذكرنا الحديث وهو أنه ﷺ قال: يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعثٌ فإذا كانوا ببيداء من الأرض خُسف بهم فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارهًا؟ قال: يُخسف به معهم ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيته [رواه مسلم: 2882]، وقال ﷺ أيضاً: إن ناسًا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء[رواه مسلم: 2884]، والمقصود البيداء الصحراء التي أمام ذي الحليفة أمام ميقات المدينة، فهي الصحراء قرب المدينة، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم إذن هناك قطعًا الصحراء أمام المدينة سيكون فيها خسف بجيش سيغزو مكة ليفتك برجل عاذ بالبيت فينجيه الله ويخسف بالجيش، فقلنا: يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس؟ يعني هذا طريق مسافرين قال: نعم فيه المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكًا واحدًا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم [رواه مسلم: 2884]، المستبصر العارف القاصد العامد المجبور المكره ابن السبيل ما له دخل بالجيش واحد ماشي في الطريق من المسافرين لكن الكل يهلك إذا صار الخسف في ذلك المكان الكل يموت لكن يُبعثون يوم القيامة على نياتهم هذا مسافر وهذا معتدي على البيت وهذا مجبور مكره، يعني على نياتهم، لكن العلماء أخذوا من الحديث أهمية التباعد عن أهل الظلم، يعني الواحد قد تقع عليه المصيبة لكن لا يعذّب يوم القيامة مثل الذين كانوا سببًا لها إنما يموت معهم قالوا فعلى الإنسان أن يتباعد عن أهل الظلم وأن يحذر من مجالستهم ومن مجالسة البُغاة المبطلين؛ لئلا ينالهم ما يعاقبون به وفيه أن من كثّر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا.

إذن لو واحد قال أنا بس مجرد مرافق أنا جمعني وإياهم المركب والسفينة والطائرة وجمعني وإياهم الحافلة نقول إذا استطعت أن تفارقهم افعل لأنه لو أراد الله أن يبطش بهم ربما أن ينالك مصيبة الموت معهم لكن يوم القيامة كل واحد يبعث على نيته، وفي رواية أيضاًً قال ﷺ: إذا سمعتم بجيش قد خُسف به قريبًا فقد أظلت الساعة[رواه أحمد: 27129، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1355].

قال الحافظ: إسناده صحيح وقد رواه أحمد قريبًا كان يتكلم في المدينة يعني قريب من المدينة والمقصود بيداء المدينة وهي الشَّرف الذي قدام ذي الحليفة من جهة مكة.

هل هذا الخسف هو المقصود بقوله في جزيرة العرب؛ لأنه قال: ثلاثة خسوف تكون قبل قيام الساعة؛ خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب؟ هل هذا هو؟

الجواب: يُحتمل ويُحتمل وغيره، ليس كل خسف في العالم هو واحد من الثلاثة هذه العالم صار فيه خسوفات كثيرة، يعني انخسفت الأرض بأعداد من الناس ومدن وأماكن مختلفة وأوقات مختلفة، والبصرة سيصيبها خسف ومسخ كما قال ﷺ: يا أنس إن الناس يمصرون أمصارًا يعني: يبنون مدنًا وإن مصرًا منها يقال له البصرة أو البصيرة فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازيررواه أبو داود وصححه الألباني. [رواه أبو داود: 4307، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود: 4307].

فهو يوصيه يقول إذا جئت البصرة فاحذر سباخها وهي الأرض التي تعلوها الملوحة لا تنبت من الشجر إلا قليلاً هذه السبخة معروفة، ويوجد بالبصرة يعني حولها أو فيها في أراضي من هذا النوع وكلائها يعني موضع السوق وهذا الحديث من أعلام النبوة؛ لأنه لما قاله ما كانت العراق فتحت ولا كانت البصرة بُنيت النبيﷺ 39 دقيقة عمل إلى السبت، قاله بالمدينة يقول لأنس: هل كانت العراق فتحت؟ هل كانت البصرة بنيت؟ هذه من أعلام النبوة لأنه أخبر أنسًا بشيء ببناء مدينة وبنيت بعد مدة وحصل ما أخبر به ﷺ من بنائها، قال: وسوقها لأنه مكان الغفلة واللغو والفساد احذر هذا، قال: وباب أمرائها أي لكثرة الظلم الواقع منهم، قال: وعليك بضواحيها وهي الناحية البارزة للشمس، وقيل المراد: جبالها، وقيل: المراد العزلة يعني اعتزل البلد نفسها واذهب في مكان أبعد أو خارج البلد، فإنه يكون بها خسف قلنا ذهاب في الأرض وغيبوبة فيها أن الأرض تغيب ما على الأرض في هذا المكان يُغيّب داخلها، قال: وقذفٌ يُمطر أهلها بالحجارة ورجفٌ الزلزلة الشديدة وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير هذا المسخ الذي أخبر عنه هذه الأحاديث تدل على أن الخسف سيحدث في أماكن مختلفة في خسف في بيداء المدينة وفي خسف بالبصرة، هل الخسف الذي بالبصرة هو الخسف الذي بالمشرق؟ محتمل لكنه ليس مقطوعًا به، قد يكون خسفًا آخر قد تكون هذه خسوفات أصغر والخسوفات المذكورة في الحديث خسوفات أكبر وقد حدثت خسوفات على مر التاريخ.

قال القرطبي في حديث حذيفة في الآيات العشر: "وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجوزي من وقوعها بعراق العجم والمغرب وهلك بسببها خلق كثير، قال القرطبي: "وقد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعناه من بعض مشايخنا قال ابن الجوزي: قيل إنها وقعت في سنة 434 في شعبان وقت زلزلة بغرناطة وخسف بعدة أماكن وانهدم بعض ذلك، وفي خلافة المطيع في سنة 336 يعني للهجرة وقعت بالري ونواحيها زلازل عظيمة وخسف ببلد طالقان الري هذه من بلد خراسان وطالقان في شمال أفغانستان، قال ابن الجوزي: ولم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين نفسًا" فقط والباقي هلكوا، قال: "وخُسف بمائة وخمسين قرية من قرى الري واتصل الأمر إلى حلوان فخسف بأكثرها وقذفت الأرض عظام الموتى وتفجرت فيها المياه وتقطع بالري جبل"، جبل كامل تقطع تفتت نتيجة الخسف، قال: "وانخرقت الأرض خروقًا عظيمًا وخرج منها مياه منتنة ودخان عظيم" نقله البرزوجي في الإشاعة في أشراط الساعة. [الإشاعة لأشراط الساعة: 105].

الذي يظهر - والله أعلم - أن هذه الخسوف التي حصلت ليست هي الخسوف العظمى الثلاثة المذكورة في الحديث وممكن تقع خسوفات أخرى وممكن نسمع خسوفات أخرى، ولكن هذه مقدمة للخسوفات الكبرى التي ستكون في آخر الزمان، وقد أخبر النبي ﷺ أن من أشراط الساعة كثرة الزلازل وحصلت أشياء هي مقدمات ولكن الزلازل تكثر عما كانت عليه من قبل وستتكامل الزلازل والخسوف بالثلاث العظام الكبار التي ستكون عند قيام الساعة ومن أدلة أنها لم تقع بعد أن النبي ﷺ ذكرها مع طلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج والدابة وأن هذه العلامات مثل الخرزات في سلك إذا انقطع توالت، وبما أن الخسوفات التي صار من قبل لم يحدث بعدها يأجوج ومأجوج ولا الدجال ولا طلوع الشمس ولا الدابة، إذن ليست هي الخسوفات المقصودة في الحديث ولكن ستكون هناك خسوفات كبيرة ضخمة وليست مجرد خسف موضعي أو بلد معين محدد مثلاً صغير، لكنه خسفٌ كبير جداً سيكون واحد ضخم جداً في المشرق وواحد ضخم في المغرب وواحد في جزيرة العرب، وقد قال ﷺ: رأس الكفر نحو المشرق[رواه البخاري: 3301، ومسلم: 52].

إذن هي من جهة المشرق مشرق المدينة نحن الآن هنا في مشرق المدينة، كما أن نجد مشرق المدينة، فهو قال جهة المشرق والمشرق يشمل هذا كله والعراق وما بعده هذا كله مشرق.

قال النووي: "يختص المشرق بمزيد من تسلُّط الشيطان ومن الكفر كما في الحديث رأس الكفر نحو المشرق، وكان ذلك في عهد ﷺ ويكون حين يخرج الدجال من المشرق وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الكفرة التُّرك - يقصد التتار - ومثار الكفرة التُّرك الغاشمة العاتية الشديدة البأس" [شرح النووي على مسلم: 2/34]، ولأن الترك جاءوا هؤلاء التتر الذين اجتاحوا بغداد والعالم الإسلامي جاءوا من جهة المشرق، فهناك كفر في جهة المشرق أكثر من الكفر في جهة المغرب، والذي يتأمل التاريخ الإسلامي يجد أن الفتن التي مرت من جهة المشرق يعني من جهة العراق وخراسان وإيران وما بعدها وما وراءها أكثر من الذي جاء من جهة مصر وليبيا والمغرب ومن هذه الجهة إذن رأس الكفر جهة المشرق، وسيكون في المشرق خسف كبير وكذلك سيكون في المغرب، الدجال سيخرج من جهة المشرق من خراسان من أصبهان، وهناك خسف سيكون في جزيرة العرب قد يكون هو الذي بقرب المدينة وقد يكون غيره، الخسف الذي في المشرق قد يكون يشمل البصرة وقد يكون غيره، هذا بالنسبة إذن للخسف الثلاثة التي ستكون قبل  قيام الساعة.

علاقة ظهور ابن صياد بعلامات الساعة

00:46:43

بالنسبة لتتمة الكلام عن الدجال في قصة ابن صياد فنختم هذا الدرس بذكر قصة ابن صياد وهي تتمة لما تقدم تتعلق بالدجال، فأما بالنسبة لابن صياد هذه شخصية غامضة غريبة بعض العلماء لم يصل إلى نتيجة في هذا الشخص وبعضهم رجح فيه أشياء أول شيء ابن صياد هذا اسمه صافي وقيل: عبد الله وقيل: إنه كان اسمه صافي لما كان يهوديًا ولما أسلم أول أظهر الإسلام ما ندري تسمى بعبد الله صافي هذا كان صبيًا صغيرًا لما جاء النبي ﷺ إلى المدينة، ذكر ابن كثير أنه أسلم أو أظهر الإسلام الله أعلم، أبوه كان يهوديًا ولد له ولد أعور مختون وأسلم بعد وفاة النبي ﷺ فإذا عاملناه بالظاهر أن إسلامه صحيح يكون تابعيًا وترجم له الحافظ ابن حجر في الإصابة، ثم قال: "وفي الجملة لا معنى لذكر ابن صياد في الصحابة؛ لأنه إن كان الدجال فليس بصحابي قطعًا؛ لأنه يموت كافرًا ومن شروط تعريف الصحابي أنه يموت مسلمًا، وإن كان غيره فهو حال لقيه للنبي ﷺ لم يكن مسلمًا" [الإصابة: 5/149].

يعني يريد ابن حجر أن يقول ابن صياد لا يمكن يدخل في الصحابة أبداً؛ لأنه لما لقي النبي ﷺ ما كان مسلمًا وإذا كان هو الدجال سيموت كافرًا، فلا يمكن ينطبق عليه تعريف الصحابي لا من هذه الجهة ولا من هذه الجهة؛ لأن تعريف الصحابي: كل من لقي النبي ﷺ مؤمنًا ومات على ذلك، وبالمناسبة هذا الرجل الذي هو عبد الله بن صياد أو صافي له ولد اسمه عمارة بن عبد الله بن صياد، عمارة هذا كان من أصحاب سعيد بن المسيِّب وهو من خيار المسلمين، يعني وإن كان أصله يهودي لكن خلاص هذا عمارة بن عبد الله بن صياد هذا من أصحاب سعيد بن المسيب ووصفه الذهبي بأنه من سادات التابعين يعني لو كان ابن صياد هو الدجال أو دجال أو كافر لا غرابة؛ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام: 95]، لقد حصل تردد عظيم هل ابن صياد هو الدجال الأكبر أم لا، حتى النبي ﷺ في فترة من الفترات ممكن يكون غير متأكد من ابن صياد هذا، حتى أن النبي ﷺ ذهب إليه مرارًا ليختبره وترصد واختبأ لابن صياد لعله يطلع على علامة تبين حاله يعني النبي ﷺ ذهب في جوالات استكشافية من أجل ابن صياد واختبأ من أجل أن ينظر منه يقع اقترب من بيته من مكانه لعله يسقط على دليل أو على بينة تبين حاله؛ لأن النبي ﷺ كان يخشى أن ابن صياد هذا هو الدجال، فكان يحاول معرفة أمره وتبيُّن حقيقته.

قال النووي - رحمه الله -: "قال العلماء وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة" [شرح النووي على مسلم: 18/46].

 إذن النووي يقول لا شك أنه دجال - ابن صياد - لكن هل هو الدجال الأكبر أم لا هذا محل التوقف، قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي ﷺ لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال أو غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، إذن النبي ﷺ أوحي إليه بصفات الدجال وبعض صفات الدجال كانت موجودة في ابن صياد، فكان يخشى أنه هو لكن لم يجزم هل هو أو لا.

وهذه بعض الأحاديث الواردة في ابن صياد: أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله ﷺ في رهطٍ قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أُطُم بني مغالة معنى: أطم يعني حصن، بني مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم - يعني في السن قارب الحلم - فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ﷺ ظهره بيده، فاجأه النبي ﷺ من الخلف ضرب ظهره بيده ثم قال رسول الله ﷺ لابن صياد: أتشهد أني رسول اللهفنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين" هذا جوابه، والأميون هم العرب، ثم قال ابن صياد لرسول الله ﷺ أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله ﷺ يعني تركه يأسًا منهم وقال: آمنت بالله ورسله، ثم قال له رسول الله ﷺ: ماذا ترى؟ لأن عادة الذين لهم علاقة بالجن والشياطين يرون أشياء ماذا ترى قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذبوفي رواية لأحمد: أرى حقًا وباطلاً قال العلماء في شرحه يعني: أُخبر بأشياء فتحقق فتكون صدقًا في الواقع، وأُخبر بأشياء فلا تتحقق فتكون كذباً، وهذه من صفات الكهَّان والذين تلقي إليهم الشياطين الأخبار وفيها تخليط صدق وكذب، هذه مما يبين أن لهذا الشخص صلة بالشياطين، قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال له رسول الله ﷺ: خُلِّط عليك الأمر ثم قال له رسول الله ﷺ: إني قد خبأت لك خبيئًا والخبيء هو كل غائب مستور ومعناها أني أخفيت لك شيئًا، كأنه يقول هات هذا أنا خبّأت لك شيء ما هو؟ يمتحنه، فقال ابن صياد: هو الدخ فقال رسول اللهﷺ: اخسأ فلن تعدو قدرك [رواه البخاري: 1354، ومسلم: 2924].

كان النبي ﷺ قد خبّأ له سورة الدخان وخبّأ له:  يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ[الدخان: 10] لكن ابن صياد ما عرفها كلها عرف جزء منها ما عرف الدخان وإنما الذي وصل إليه من شيطانه حرفين: الدخ ولم تصل إليه بقية الكلمة ومعلوم أن الشياطين لما يسترقوا الخبر من السماء ممكن الشيطان يسمع الكلمة من السماء يلقيها وممكن يحترق وما يلقيها وممكن يلقي بعضها ويحترق إذن الذي وصل إلى ابن صياد حرفين الدخ ولذلك النبي ﷺ قال: اخسأ فلن تعدو قدرك يعني أنا ما يأتيك به شيطانك لن يرفعك وإنك إن عثرت على معلومات أو حصلت شيئًا فإنك لن تحصلها إلا بقدر من الله ومهما حصلت فلن تعدو قدرك مهما كان عندك من شياطين ومصادر من هؤلاء لن تعدو قدرك أن تكون دجالاً مهما علوت فإن حقيقتك أنك دجال اخسأ فلن تعدو قدرك وأنك من أتباع الشياطين والمتصلين بالشياطين بينما الأنبياء يأتيهم الوحي من الرحمن فأين أنت منهم؟ وكان ابن صياد يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فاختبره واتضحت المسألة الآن على أن له صلة بالشياطين وأنه لا يمكن أن يكون نبيًا اخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله أضرب عقنه، فقال له رسول الله ﷺ: إن يكن هو فلن تُسلّط عليه يعني لو كان ابن صياد هذا هو الدجال وأنه إذا كبر سيذهب ويخرج من المشرق ومعه اليهود فلن تستطيع يا عمر على قتله؛ لأن الله إذا كان قدر أن هذا هو الدجال فأنه سيبقى لن يموت قال: وإن لم يكن هو ولو ما كان هذا هو الدجال فلا خير لك في قتله، والعلماء أجابوا عن مسألة لماذا لم يقتل النبي ﷺ ابن صياد قالوا أولاً: لأنه كان غير بالغ ليس ببالغ.

ثانيًا: لأنه كان من أهل العهد ألم يكن يهوديًا وبين النبي ﷺ واليهود في معاهدات والمعاهدة من ضمن بنود المعاهدة أنه لن يقتلهم إلا إذا قاتلوه، فكان معاهدًا وكان صغيرًا ولذلك ما قتله، ثم قال عبد الله بن عمر: انطلق بعد ذلك رسول الله ﷺ وأُبي بن كعب الأنصار إلى النخل التي فيها ابن صياد يعني من الاهتمام بالموضوع النبي ﷺ ذهب عدة مرات الآن؛ لأنه إذا كان الدجال هذه مصيبة عظيمة وكبيرة ولا بدّ من احتياطات هذه قصية ضخمة لو كان هذا هو الدجال؛ لأن النبي ﷺ يعرف فتنة الدجال ويريد أن يعرف هل هذا هو الدجال أم لا، الشفقة على الأمة الوضع يتطلب، وفي هذا درس عظيم في أن على أهل الحسبة وأهل العلم استبيان حال المتخفين بالدجل والشعوذة والكهانة لفضح أمرهم فإذا كانوا من هؤلاء العلاج معهم غير إذا كان مثلاً راقي، الآن افترض قد يختلط علينا هل هو راقي يقرأ القرآن فقط وإلا هو عارف وإلا ساحر أو كاهن، فهذا حديث ابن صياد دليل على الاختباء لاستكشاف أمر المشتبه أمرُه؛ لتحقق خبرهم ومعرفة حقيقة حالهم، مرة أخرى انطلق النبي ﷺ مع أبي بن كعب الأنصاري إلى النخلة التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله ﷺ النخلة طفق يتقي بجذوع النخل يعني يختبئ وراءها وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئًا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله ﷺ وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة، إذن النبي ﷺ اقترب من ابن صياد حتى وجده على فراش له صوت خفيٌ لا يُكاد يفهم - الزمزمة - وهو يختل يحاول يستغفل يختبأ حتى لا يشعر به ابن صياد لكي يسمع ماذا يقول؛ لأنه إذا سمع تبين أمره فرآه رسول الله ﷺ مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله ﷺ اكتشفت مكانه وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد لولدها: يا صافي هذا محمد، فثار ابن صياد، قام، فقال رسول الله ﷺ لو ((تركته بيّن)) لو ما نبهته كان تبين لنا حقيقة حاله وكان تمادى فيما يتكلم وسمعنا منه أشياء تدل على حقيقته واستكشف النبي ﷺ أمره ليبين لأصحابه تمويهه؛ لئلا يلتبس عليهم، أو على من لم يتمكن من الإسلام؛ لأن في المدينة ناس حدثاء العهد بالدين وهؤلاء يمكن يروج عليهم أمر ابن صياد.

وفي رواية لأحمد من حديث جابر بن عبد الله وفيها زيادات على ما تقدم أنه قال: "إن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلامًا ممسوحة عينُه طالعةٌ ناتئةٌ، فأشفق رسول الله ﷺ أن يكون الدجال، فوجده تحت قطيفة يهمهم فآذنته أمه - يعني أخبرته - ونبهته فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء فاخرج إليه فخرج من القطيفة فقال رسول الله ﷺ: ما لها قاتلها الله لو تركته بيَّن والله لو تركته لبين، ثم قال:  يا ابن صائد ما ترى؟ قال: أرى حقًا وأرى باطلاً وأرى عرشًا على الماء، ومعلوم أن إبليس ينصب عرشه على الماء، قال: فلُبِس عليه، فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله ﷺ: آمنت بالله ورسله ثم خرج وتركه ثم أتاه مرة أخرى فوجده في نخل له يهمهم فآذنته أمه فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء فقال رسول الله ﷺ ما لها قاتلها الله لو تركته لبين فكان رسول الله ﷺ يطمع أن يسمع من كلامه شيئًا فيعلم هو هو أم لا، قال: يا ابن صائد ما ترى، قال: أرى حقًا وأرى باطلاً وأرى عرشًا على الماء، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال هو: أتشهد أني رسول الله فقال رسول الله ﷺ: آمنت بالله وبرسله، فلُبس عليه ثم خرج فتركه ثم جاء في الثالثة أو الرابعة ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه الراوي الآن جابر، فبادر رسول الله ﷺ بين أيدينا تقدم ورجا أن يسمع من كلامه شيئًا، فسبقته أمه وذكر الحديث... وفي آخره أنه قال ﷺ لعمر لما استأذنه في قتله إن يكن هو فلست صاحبه؛ لأن الذي سيقتله عيسى، فلست يا عمر صاحبه الذي سيقتله إنما صاحبه عيسى بن مريم ﷺ وإلا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل العهد أهل العهد؛ لأن بينه وبين اليهود في المدينة عهود فلم يزل رسول الله ﷺ مشفقًا أنه الدجال" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. [رواه أحمد: 14955، وصححه الألباني في وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم]. 

ومن الروايات الواردة فيه عن عبد الله بن مسعود قال: "كنا مع رسول الله ﷺ فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد، ففرّ الصبيان وجلس ابن صياد فكأن رسول الله ﷺ كره ذلك، فقال له النبيﷺ: تربت يداك أتشهد أني رسول الله فقال: لا بل تشهد أني رسول الله؟ فقال عمر: ذرني يا رسول الله حتى أقتله، فقال رسول الله ﷺ: إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله [رواه مسلم: 2924]، وفي رواية أنه قال: أرى عرشًا على الماء، فقال رسول الله ﷺ: ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟ قال: أرى صادقَين وكاذبًا أو كاذبين وصادقًا، فقال رسول الله ﷺ: لُبس عليه دعوهوروى أحمد عن أبي ذر كان رسول الله ﷺ بعثني إلى أمه يعني بعث أبا ذر إلى أم ابن صياد قال: سلها كم حملت به كم شهر؟ قال: فأتيتها فسألتها فقالت: حملت له اثني عشر شهرًا، إذن فيه غرابة أكثر من المعتاد، قال: ثم أرسلني إليها فقال: سلها عن صيحتها حين وقعلما خرج من بطنها فرجعت إليها فسألتها فقالت: صاح صيحة الصبي ابن شهر، ما صاح صيحة ابن لحظة صاح صيحة ابن شهر ثم قال له رسول الله ﷺ: إني قد خبّأت لك خِبًأ فأراد أن يقول الدخان فلم يستطع فقال: الدُّخ الدُّخ فقال رسول الله ﷺ:اخسأ فإنك لن تعدو قدرك[رواه أحمد: 21319، وقال  محققه الأرنؤوط: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحارث بن حصيرة].

النبي ﷺ حاول أن يستبين خبر هذا الولد ما استطاع أن يجزم بشيء فيه ما استطاع، ماذا حصل لابن صياد بعد موت النبي ﷺ؟ بلغ وكبر وماذا حصل بعدها؟

روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا حجاجًا أو عمارًا ومعنا ابن صائد قال: فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو يقول أبو سعيد: بقيتُ أنا وابن صياد فاستوحشتُ منه وحشة - يعني شديدة لما يعلم من أخباره السابقة - فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي خلط عفشي بعفشه فقلت إن الحر شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة، أخِّر متاعك عني ففعل، قال: فرفعت لنا غنم فانطلق فجاء بعُس وهو القدح الكبير فقال: اشرب أبا سعيد فقلت: إن الحرّ شديد واللبن حار، قال: ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده يعني كان ممكن كان يشرب لكن من يد هذا فقال: يا أبا سعيد لقد هممتُ أن آخذ حبلاً فأعلقه بشجرة ثم أختنق يعني أنتحر مما يقول لي الناس، يعني حاول ابن صياد أن يظهر بمظهر البريء المسكين الذي يشيع عنه الناس إشاعات وهو بريء وأنه من كثرة الإشاعات كاد أن ينتحر بحبل، فآخذ حبلاً فأعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله ﷺ ما خفي عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله ﷺ؟ أليس قد قال رسول الله ﷺ هو كافر وأنا مسلم؟ الآن هذا ابن صياد يدافع  عنن نفسه، يقول النبيﷺ قال عن الدجال إنه كافر وأنا مسلم الآن آت معك في العمرة أذهب إلى الحج؟ أوليس قد قال رسول الله ﷺ هو عقيم لا يولد له وقد تركت ولدي بالمدينة وأنا عندي أولاد؟ أوليس قد قال رسول الله ﷺ لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة الآن قال أبو سعيد حتى كدت أن أعذره يعني حجج قوية ثم قال فجأة ابن صياد قال: أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، فقلت له: تبًا لك سائر اليوم نحن ما كدنا نتوصل فيك إلى دافعت عن نفسك وفجأة تغير الكلام، قال أبو سعيد: "فلبسني" يعني: جعلني ألتبس في أمره. [رواه مسلم: 2927].

وفي رواية للترمذي أن أبا سعيد قال: فو الله ما زال يجيء بهذا - يعني من الحجج أنه برئ - حتى قلت: فلعله مكذوب عليه ثم قال: يا أبا سعيد والله أخبرنك خبرًا حقًا، والله أني لأعرفه وأعرف والده واعرف أين هو الساعة من الأرض فقلت: "تبًا لك سائر اليوم" [رواه الترمذي: 2246، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي].

وفي رواية لمسلم أن ابن صياد قال: أما والله أني لأعلم الآن حيث هو وأعرف أباه وأمه، وقيل له، الآن قيل لابن صياد أيسرُّك أنك ذاك الرجل؟ أنت تقول لست الدجال فهل يسرك أنك الدجال؟ قال: لو عُرض عليّ ما كرهت" [رواه مسلم: 2927]، وروى مسلم عن ابن عمر قال: لقيت ابن صائد مرتين، فأما مرة فلقيته ومعه بعض أصحابه فقلت لبعضهم نشدتكم بالله إني سألتكم عن شيء لتصدقني؟ قالوا: نعم، قال: قلت أتحدثوني أنه هو قالوا لا قلت كذبتم والله لقد حدثني بعضكم وهو يومئذ أقلكم مالاً وولدًا أنه لا يموت حتى يكون أكثركم مالاً وولدًا وهو اليوم كذلك، قال: فحدّثنا ثم فارقته ثم لقيته مرة أخرى وقد تغيرت عينه هو ابن صياد" [رواه مسلم: 2932].

وفي رواية مسلم: "وقد نفرت عينه" [رواه مسلم: 2932]، يعني: نتأت خرجت، فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ متى حصل يا ابن صياد متى حصل لك النتوء هذا في عينك؟ قال: لا أدري، قلت: ما تدري وهي في رأسك فقال: ما تريد مني يا ابن عمر إن شاء الله تعالى أن يخلقه من عصاك هذه خلقه ونخر كأشد نخير حمار سمعته قط"، يقول ابن عمر سمعت من ابن صياد صوتًا أشد نخير حمار سمعته قط فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت، وأما أنا فو الله ما شعرت، فدخل على أخته حفصة - ابن عمر - فأخبرهما بما حصل مع ابن صياد، فقالت: ما تريد منه؟ أما علمتَ أنه قال - يعني النبيﷺ إن أول خروجه على الناس من غضبة يغضبها، يعني ماذا تريد يا أخي يا ابن عمر من هذا تضربه يمكن يغضب غضبة الآن يكون فيها خروجه.

وفي رواية لمسلم عن نافع قال: لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ ابن صياد انتفخ حتى ملأ السكة، انتفخ حتى صار ملأ الطريق، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له: رحمك الله ما أردتَ من ابن صائد؟ أما علمت أن رسول اللهﷺ قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها[رواه مسلم: 2932]، الآن هذا رجل ماذا حصل لهُ؟ روي أنه مات بالمدينة، والصحيح أنه فُقد يوم الحرّة ولم يُدرَ عنه.

وقد جاء عند أبي داود في الحديث الصحيح عن جابر قال: "فقدنا ابن صياد يوم الحرة" [رواه أبو داود: 4332، وصححه الألباني في المشكاة: 5502]، معركة صارت في المدينة، فإذن آخر خبره أنه مفقود لا يدرى أين هو فالآن اختلف العلماء في ابن صياد هذا، فقال بعضهم: إنه الدجال الأكبر وصرّح بهذا القرطبي، لكن المشكلة في هذا القول أن تميم الداري قد حدّث أن الدجال مربوط في جزيرة في البحر وابن صياد هذا صبي في المدينة، فكيف يتفق هذا مع هذا؟ هذه مشكلة القول أن ابن صياد هو الدجال لكن حاول بعضهم الإجابة عن هذا كيف: ممكن يكون في المدينة ويكون في الجزيرة في نفس الوقت؟ هذا الإشكال الذي يرد على القول أن ابن صياد هو الدجال الأكبر، قال الشوكاني: "اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا شديدًا وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول، وظاهر الحديث المذكور أن النبي ﷺ كان مترددًا في كونه الدجال أم لا؟ وهذا التردد قبل أن يُعلمه الله بأنه هو الدجال على قول من قال إنه يرى بأنه هو الدجال، الذين قالوا: إنه هو الدجال قالوا أن عمر حلف عند النبي ﷺ أن ابن صياد هو الدجال ولم ينكر النبي ﷺ قوله، فيما روى البخاري ومسلم عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال فقلت: أتحلف بالله قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي ﷺ فلم ينكره النبي ﷺ [رواه البخاري: 7355، ومسلم: 2929]

وروى أحمد عن أبي ذر قال: لئن أحلف عشر مرار أن ابن صائد هو الدجال أحب إليّ من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس هو" وهذا قال عنه الشيخ حمود التويجري - رحمه الله - إسناده صحيح.

إذن هناك صحابة كانوا يحلفون أنه هو الدجال، ما هي العلامات؟ يهودي والدجال يهودي، أعور وكانت له عين ناتئة، حصل هذا قول أول، القول الثاني: أن ابن صياد دجال من الدجاجلة لكنه ليس هو الدجال الأكبر ومن الكلام الذي قيل قصة تميم أن تميمًا رآه في جزيرة في البحر فلا يمكن أن يكون هذا هو الذي في المدينة وأن الذي رآه تميم في البحر وصفه بأنه رجل وفي رواية شيخ وهذا صبي، وماذا تقولون الذين قالوا بأنه ليس هو الدجال الأكبر عن حلف عمر وغيره قالوا: إن النبي ﷺ سكت على حلف عمر؛ لأنه لم يكن أوحي إليه بحقيقة أمر ابن صياد ولذلك سكت يعني كيف ينكر على عمر شيئًا قد يكون صحيحًا وكيف يثبت له شيئًا قد لا يكون صحيحًا فهذا سكوت النبي ﷺ، وبالخلاصة فإن ابن صياد على الراجح أنه دجال من الدجاجلة وأنه ليس الدجال الأكبر والذين قالوا أنه الدجال الأكبر، لماذا قلنا بأنه دحال من الدجاجلة؛ لأن له أحوال شيطانية يعني يأتيه صادق وكاذب ويرى عرشًا على البحر وخبأت لك قال: هو الدُّخ وانتفخ حتى ملأ الطريق ونخر كأشد حمار قط يعني فيه أمارات تدل على أنه دجال لكن ليس هو الدجال الأكبر على الراجح الذين قالوا هو الدجال حاولوا أن يقولوا إنه اختفى ليظهر بعد ذلك من أصبهان ويأتهم.

وقال الحافظ ابن حجر رأيًا قد يكون فيه شيء من الاستغراب وأقرب ما يجمع بينه وبين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقًا، وأما ابن صياد شيطان تبدّى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدّر الله تعالى خروجه فيها" [فتح الباري لابن حجر: 13/328]، الله أعلم، هو يرى أن ابن صياد قرين الدجال الشيطان الذي يكون معه الدجال وأنه تشكل بصورة ابن صياد، قال الشيخ حمود: وفي هذا الجمع نظر لا يخفى، فإن ابن صياد قد ولد في المدينة وكان أبوه وأمه من اليهود وأسلم، وولِد له ابنان من خيار التابعين، فكيف يكون شيطان وقد ولد أولاد والأحسن من هذا أن يقال إن ابن صياد دجال من الدجاجلة وليس بالدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان كما قرر ذلك الحافظ ابن كثير وغيره من المحققين والله أعلم.

هذه نبذة عن ابن صياد وارتباطه بقصة الدجال التي مرت معنا ويحتمل أن يكون الدرس القادم هو آخر درس في هذه السلسلة، الذي سيتضمن بمشيئة الله طلوع الشمس من مغربها والدابة والنار التي تخرج من قعر عدن لتسوق الناس إلى محشرهم، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.