الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
كثرة المؤامرات على الدين
فإن الله قد ندبنا إلى طاعته ومرضاته، وأمرنا أن نستسلم لأمره سبحانه: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاسورة النساء65ولا تثبت قدم الإسلام إلا على طريق التسليم، فالتسليم لأوامر الله ركن عظيم من أركان الإيمان لا يتم الإيمان إلا بهذا التسليم، التسليم لحكم الله وعدم الاعتراض على شرع الله.
عباد الله: وإن الله قد حكم في كتابه العزيز بأحكام كثيرة متعددة، والله حكيم، والله يحكم بما يشاء، وله الحكم سبحانه: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِسورة الأنعام57، وأرسل إلينا نبيه ﷺ فعلمنا من أحكام الله وما ترك خيراً إلا دلنا عليه، وحذرنا من المحدثات فقال: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار[رواه النسائي1578]، وحذرنا من الفتن، ومن ذلك هذه الفتن التي تكون فيما يلقى من الشبهات، وما يثار لتغيير الدين، وتحريف كلام الله، وكلام رسوله ﷺ، وتغيير أحكام الشريعة.
وفي هذا الزمان كثرة السهام على دين الإسلام، وأراد أعداؤه تخريب هذا الدين، وتخريب أتباعه المسلمين، فأطلقوا الحريات بزعمهم، ولإفساد المجتمع الإسلامي كان لا بد من إطلاق الحريات في أمور المرأة لتخرج كما تشاء، وتلبس بلا ضوابط وتختلط، وهكذا تثور الشهوات، ويعم الانحلال المجتمع، وعند ذلك يحصل الانفلات الذي يصعب جداً أن يلم شعث الأمور بعده، ويحصل اضطراب الأمن في المجتمع.
عباد الله: إن أمن الإسلام أهم وأغلى وأعلى، فيجب علينا أن نحفظ هذا الدين، وأن نحافظ عليه، وأن نقاوم جميع الدعوات التي تخرج لتخريبه، ونقاوم جميع البدع والمحدثات فإن أمرها خطير.
بدعة إقامة صلاة جمعة تؤمها امرأة
ومما خرج علينا في هذه الأيام المتأخرة من الدعوات المضحكة المؤلمة الإعلان عن إقامة صلاة جمعة تؤمها امرأة دكتورة في الدراسات الإسلامية بزعمهم في جامعة فرجينيا كمونولث لتؤم المسلمين في صلاة مشتركة بين الرجال والنساء في هذه الجمعة، أي: اليوم، وأن هنالك منظمات سترعى هذا الموضوع، وأن هذا الأمر هو سلسلة في حلقات حرية المرأة والمطالبة بدور رائد لها، ولما حارب المسلمون هناك هذا الأمر في مساجدهم لجأ هؤلاء إلى إقامة الصلاة في إحدى الصالات الفنية في مدينة نيويورك، فستقام اليوم بزعمهم صلاة جمعة تؤمها امرأة، والمنافقون من بني جلدتنا قد طاروا بهذا الخبر، وطيروا به ونشروه، وقام دعاة المساواة بين الجنسين يقولون: ما بالكم تنكرونه؟ لماذا لا تخطب المرأة؟ ولماذا لا تكون إمامة؟ لماذا هذا الاحتكار أيها الرجال؟ أين العدل؟ وصفق كثير من الجهلة لهذا، ولكن جمهور المسلمين -والحمد لله- مستنكرون لهذا الأمر أشد الاستنكار، يستسخفون هذا الرأي وهذه القضية، ولولا أن الإعلان عن هذه المسألة تم بشكل منظم ومدروس وكان له انتشار وشيوع لما ساغ الكلام في هذه المسألة.
أهمية إنكار مثل هذه البدع
فإنه من البدهيات المعلومة أن الصلاة والخطبة في الجمعة لا تكون إلا للرجال، ولكن صار الكلام اليوم في الأشياء البدهية، وليس في الأمور الخلافية فقط؛ ولذلك فإن هذه المسألة ليست خلافاً فقهياً، ولكنها جزء من مخطط مدروس لإفساد المرأة المسلمة، والمناداة بالمساواة من جميع الجهات، يريدون مساواة تامة بين الرجال والنساء مشياً على خطا الغرب، ومتابعة لسنن اليهود والنصارى الذين حذرنا النبي ﷺ من الاقتداء بهم، والتشبه بهم، وهذه حلقة أيضاً من حلقات الإفساد فتصور في مساجد المسلمين تقوم نساء بخطبة الجمعة أمام الرجال، أي هزء هذا، وأي أضحوكة ومسرحية هزلية يريدون أن يحولوا إليها مساجد المسلمين ودور العبادة والمعاقل الأخيرة والحصون لهذا الدين، أفسدوا البيوت والمجتمعات، وبقي إفساد المساجد، وهكذا تقوم الشوشرة حول الأمور الفقهية وأحكام الدين، ومن أهم الواجبات الإسلامية الدفاع عن دين الإسلام، وأن نتحرك لمقاومة المحدثات والمنكرات، فإننا في سفينة مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فقال النبي ﷺ: فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً[رواه البخاري2493]، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍسورة التوبة71، من رأى منكم منكراً فليغيره[رواه مسلم49]، والعالم بعد ثورة الاتصالات أصبح كالقرية الواحدة وما يحدث هناك يؤثر هنا وهكذا.
ولذلك ليس الكلام في المسألة عن حدث في مكان بعيد لا يهمنا كلا، بل إن الكتابات تتناوله بين المسلمين، بل وظهر من بعض من يتسنم الفتوى في بعض مجتمعات المسلمين من يجيز هذا ويقول: المسألة خلافية ولها في ذلك سعة، وتأملوا يا عباد الله منابر المساجد يستنمها ما يسمى بالجنس اللطيف، وإن مقاومة الإحداثات في خطبة الجمعة من سنة الصحابة رضوان الله عليهم، بل الخطب عموماً، وخطبة العيد وهي أقل من خطبة الجمعة في المنزلة قاوم الصحابة التغيير فيها فجاء في الحديث الصحيح: "أول من بدء بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه -أدى واجب الإنكار- سمعت رسول الله ﷺيقول: من رأى منكم منكراً فليغيره..[رواه مسلم49]الحديث، فلا يجوز لنا السكوت على هذا.
عباد الله: إن هذه الخطوات التي يقولون عنها جريئة هي اليوم لإفساد أعظم الأركان العملية وإدخال المحدثات فيها وهي الصلاة، وقد قال النبي ﷺ: لينقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة[رواه أحمد21656]، والآن هذا أمر يراد به نقض عروة من عرى الدين وعروة من عرى الصلاة أيضاً، والذين زعموا جواز هذا جاؤوا بأدلة بزعمهم؛ ولذلك لا بد من الكلام بالأدلة، وإذا كان عندهم حجج فلنقارع الحجة بالحجة.
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواسورة الحشر7 ما قولكم يا عباد الله في قرون الإسلام الماضية والعلماء الذين مضوا منذ عهد محمد ﷺ، وحتى هذا التاريخ تصوروا جيداً أن مساجد المسلمين منذ أن بنيت من عهد النبي ﷺ وحتى هذا اليوم الجمعة تاريخ اليوم لم يقم على منابرها امرأة ولا صلت إمامة في المساجد بالرجال، هذا اليوم أول اختراق بدعي في تاريخ الإسلام في خطبة الجمعة وإمامة الناس تقوم به امرأة من هؤلاء المغفلات الجاهلات مهما بلغت في الدرجة الأكاديمية فتخالف إجماع المسلمين العملي منذ عهد النبي ﷺ إلى الآن يؤزها شياطين الغرب، ودعاة تحرير المرأة المزعومين الذين يريدون فتح الباب لها إلى جهنم.
بطلان إمامة المرأة للرجال وأدلة ذلك
عباد الله: أمر لم تفعله أمهات الصحابيات أمهات المؤمنين، عائشة عالمة أم لا؟ وخطيبة مفوهة أم لا؟ وجريئة شجاعة أم لا؟ فلماذا لم تتول الخطابة والإمامة في عهد النبي ﷺ وبعده بعد أن مات لم تقم في مسجد ولا على منبر تخطب، أفهذه المرأة التي ستخطب اليوم ومن بعدها من النساء خير وأفضل أم عائشة وأمهات المؤمنين والعالمات الصالحات اللاتي مضين؟ ما معنى خرق الإجماع العملي للمسلمين؟ ما معنى شق هذا الإجماع العملي الذي حصل؟ الإمامة من الأمور العبادية المحضة، إمامة الصلاة إنها قضية شرعية وحكم إسلامي وفيها أدلة ولها شروط.
ثم فرصة عظيمة لتفنيد قول دعاة المساواة، الإسلام لم يأت بالمساواة بين الجنسين، والذي يقول هذا جاهل، أو كذاب، فإن الله فرق بينهما وقال سبحانه: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَىسورة آل عمران36 والدليل على عدم المساواة بين الجنسين نقولها للمنافقين من بني جلدتنا قبل أن نقولها للكفار؛ لم يأت في شرع الله المساواة بين الجنسين بل قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَىسورة آل عمران36، وقال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءسورة النساء34، وقال تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌسورة البقرة228، فكيف يستوون؟ لا يستوون عند الله، إنما كانت النساء شقائق الرجال فالنساء مثل الرجال في الأحكام إلا ما دل الدليل على التفريق، ومن الفروق: هذه القضية وهي قضية الإمامة والخطابة، وقال النبي ﷺ مفسراً قوله: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلنا: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلنا: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها[رواه البخاري304]، وهذا النقص جبلي خلقي لا تحاسب المرأة عليه وتؤثم، وإنما هو شيء فطري خلقي؛ ولذلك جعل الله الفروق بين الجنسين، وجعل عقل الرجل في الجملة والعموم أقوى، وأناط به أشياء لم ينطها بالمرأة، وجعلها أقدر من الرجل على الأمومة والحضانة والحمل والرضاع لها؛ ولذلك لا يمكن أن يحمل الرجل، ولا أن يرضع، وقدمت الشريعة المرأة في الحضانة لأنها أصبر على الولد وأعلم بشأنه وأرفق به؛ ولذلك فإن الله حكيم جعل في النساء من الخصائص المناسبة للأمومة وليس للإمامة، وهؤلاء اليوم يريدون للمرأة الإمامة الكبرى ويقولون: ما المانع أن تكون هي الخليفة والرئيسة والإمامة للمسلمين؟
وهكذا يريدون تحطيم الأسرة، وإزالة عاطفة الأمومة بإخراج المرأة، جعلوها تختلط بالرجال، إلقاؤها في كل مكان تخالطهم في الشوارع والمصانع وتنزل معهم إلى الميدان كما يقولون، اجتماعات مختلطة وهذه سكرتيرة وخلوة محرمة تغوص في الشحوم، وتسوق الشاحنات الثقيلة، تفتح المعارض الفنية لتمشي برفقة الرجال، تستعرض لوحاتها، ثم تسابق في الراليات، وفي السيارات والطائرات، وتدخل في الممرات الضيقة مضيفة بين الرجال، ويحدث هذا الاحتكاك، وتقبل مضيفة مضيِّفة بزينتها ليس بين رأسها ورأس الرجل شيء يذكر من المسافة.
عباد الله: إن هذا الانحلال كارثة عظيمة ستصيب المجتمعات، وسيعلم هؤلاء ما ستجنيه أيديهم، ويدغدغون مشاعرها ويقولون: سننتصر لك، ونطلق حرياتك، ونساويك بالرجال، أفلا التفتم إلى مصيبة البطالة عند الرجال فحللتموها بدلاً من الزج بالنساء في المعمعة، وإشغالهن في الوظائف الأساسية التي أناطتها الشريعة بهن؟ ما معنى إخلاء حصون المسلمين من معاني الأمومة، ومن معاني الحفظ، والصيانة، والرعاية لهذا العش الزوجي؟
عباد الله: جعل الله النبوة للرجال، وجعل الجهاد على الرجال، وقال النبي ﷺ: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[رواه البخاري4425]، ويقول هؤلاء اليوم: إن هذا حديث خاص بالفرس الذين كانوا على عهد النبي ﷺ، النبي ﷺ يقول تشريعاً وحكماً خاص بالكفار دولة كفار كانت في عهده الحكم خاص بها، نبينا نحن أولى به يا عباد الله، وكلامه لنا قبل أن يكون لغيرنا، ولكن الشرع المحمدي عام لجميع من كان في عهد النبي ﷺ يخاطب به المؤمن والكافر، وهؤلاء يقولون: حديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[رواه البخاري4425]جاء على مناسبة خاصة، سبحان الله! إذاً هذا حكم شرعي خاص بكفار معينين أما نحن المسلمين فلا يتناولنا كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ سورة الكهف5نحن مخاطبون بهذا الحكم الشرعي؛ ولذلك نص الفقهاء أن الولايات العامة كالقضاء، والإمارة، وقيادة الجيش، وكذلك رئاسة الدولة لا تكون للنساء.
وجعل الله شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وكذا ميراث المرأة في كثير من أحواله، وجعل الطلاق بيد الرجل، وأباح للرجل أن يجمع بين أربع نسوة، والمرأة لا تجمع أبداً بين رجلين، ولا أكثر من ذلك في وقت واحد، وقد جاءت الشريعة أيضاً بأن دية المرأة على النصف من دية الرجل، وجعل التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء.
وهذا أحد الأدلة على بطلان كونها إمامة للرجال، فيقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرض أن تتكلم المرأة في الصلاة في صلاة الجماعة وهي خلف الرجال لا تتكلم إذا أخطأ الإمام ولا تقول: سبحان الله، أرأيتم سبحان الله لا تقولها المرأة في صلاة الجماعة وراء الرجال إذا أخطأ الإمام وإنما تصفق بيديها تنبيهاً للإمام على الخطأ إذا لم ينبهه الرجال فقال: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء[رواه البخاري1203]رواه البخاري، فإذا كان لم يشرع لها أن تقول: سبحان الله عند الحاجة تنبيهاً للإمام وهي خلف الرجال أفتظنون أنه يسمح لها أن تكون إمامة للرجال وتعتلي منابر الجمعة لتخطب بهم فأين عقول أولئك القوم؟ تباً لعقولهم، ولعقول من شايعهم وأيدهم وجعل لهم من الكلام المعسول ما يبرر فعلهم، قلة فقه، وقلة علم، وقلة دين، وقلة ورع جعلت بعض هؤلاء المفسين يؤيد تلك الفعلة.
ثم قال ﷺ: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها[رواه مسلم440] يعني: شر صفوف النساء أقرب صف إلى الرجال من الخلف، فما بالك إذا صارت المرأة أمام الصف الأول من الرجال إمامة؟ شر على شر، ومصيبة على مصيبة.
ثم إن النبي ﷺ جعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من الرجل، أفضل لها من الإتيان إلى المسجد، والرجل في المسجد أفضل من صلاته في بيته، هذا من الفروق، ولم توجب الشريعة الجمعة على المرأة، وهذا من الفروق، وأوجبتها على الرجل، وفي العقيقة شاتان للذكر وواحدة للأنثى، هذا من الفروق.
إذن هناك فروق فطرية، خلقية، جسدية، نفسية، وهناك فروق شرعية، وهؤلاء يريدون خلط الأمور، ثم فرصة للتشويش على المسلمين، كأن المسلمين ينقصهم الآن جدل، كأن المسلمين ينقصهم قضايا جديدة تثور فيها النقاشات، وينقل فيها الكلام؛ ولذلك سياسة الإشغال سياسة معتمدة عند الغرب، وعند أعداء الدين، سياسة إشغال المسلمين بالجدل، هذه قضية مسلمة تاريخية لا يعرف لها خرق في تاريخ الإسلام منذ أن بنيت مساجد الله في هذا الدين حتى هذا اليوم لم يخرق هذا العمل لتأتي هذه المبادرة المشئومة ويشغل المسلمين بقضية: ما حكم خطابة المرأة؟ إنه شيء جديد، عجباً ما هي القضية؟ الناس يتناقلون، ووكالات الأنباء، ومواقع الإنترنت والأخبار، إمامة امرأة شيء جديد، وهكذا يتسابق الناس إلى ذكره ونقله.
عباد الله: هذه مصيبة بالإضافة إلى المصائب الكثيرة التي تعاني منها الأمة، ومن أهم الواجبات الإسلامية أن ندافع عن شرع الله، من أهم الواجبات الإسلامية يا عباد الله أن نعرف ما هي أحكام هذه الشريعة حتى نتبناها وندافع عنها، نحن نعتقد جزماً بأن القرآن والسنة حق من الله تعالى، وأنه وحي وصدق، ونسلم لذلك، ونوقن بأن الشريعة صالحة للتطبيق في كل زمان، ومكان، وأن أحكام الخطبة في الصلاة، والجمعة، والإمامة الكبرى، والإمامة الصغرى، إمامة المسلمين عموماً، وإمامة الصلاة كل ذلك أحكام شرعية إن أمانتها على عواتقنا، وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَسورة المائدة49.
ثم إن الله خلق النساء وهو أعلم بهن: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُسورة الملك14وخلق الرجال وهو أعلم بهم ، وجعل هذه الفروق في الأحكام، ما معنى منازعة الله في أحكامه؟ لماذا الخروج عن شرع الله؟ هذه الموضة الجديدة التي يركبها المنافقون اليوم.
أيها المسلمون: إن ما يحصل في هذه القضية وفي غيرها دليل على ضعف المسلمين، وكثرة الاختراقات التي تحصل كأنه ليس لهم رهبة في صدور أعدائهم، ولا لهم وزن ولا قيمة؛ ولذلك تكثر الاختراقات.
عندما دعت مليكة جدة أنس رسول الله ﷺ لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصل لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله ﷺ وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، وراء الصبيان، فصلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين"[رواه البخاري380] لم تقم وهي عجوز بجانب الصبيان وأنس من محارمها، فتريد المرأة اليوم أن تقوم أمام الرجال جميعاً إمامة في الصلاة تؤم الرجال إمامة.
ثم ماذا قال العلماء في هذه القضية؟ عندما علق صاحب المنتقى في شرح الموطأ للإمام مالك على حديث: لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة[رواه أحمد19961] قال القاضي أبو الوليد: ويكفي في ذلك عندي عمل المسلمين من عهد النبي ﷺ لا نعلم أنه قدم لذلك في عصر من الأعصار ولا بلد من البلاد امرأة.
أما الاحتجاج ببلقيس فإنها كانت ملكة كافرة، كانت على الكفر لما تولت عليهم، وأما الاحتجاج بشجرة الدر فإنها عصت ربها إذا كانت تولت على المسلمين، فهل نحتج بامرأة عصت وصارت هناك ظروف معينة جعلتها كذلك إذا ثبتت القصة، فهل نحتج بفعل امرأة خالفت الأدلة، وكم استمر حكمها؟ وما هي سيرتها فيه؟ كلما جئت تناقش هؤلاء المنافقين قالوا: شجرة الدر، كأنها نبية وفعلها حجة.
قال القاضي أبو الوليد: لا نعلم أنه قدم لذلك في عصر من الأعصار، ولا بلد من البلاد امرأة كما لم يقدم للإمامة امرأة، فهذا القاضي أبو الوليد من المالكية يقول: لا نعلم أنه قدم في عصر من الأعصار، ولا بلد من البلاد امرأة في الإمامة الكبرى،ثم قال: كما لم يقدم للإمامة امرأة.
إذن: لا الإمامة الكبرى ولا الإمامة الصغرى؛ ولذلك تجد النصوص عند الفقهاء شعراً ونثراً أن من شروط الإمام: أن يكون ذكراً.
شرط الإمام ذكر مكلف | آت بالأركان وحكماً يعرف |
قالوا: يشترط لإمامة الرجال أن يكون الإمام ذكراً فلا تصح إمامة المرأة للرجال، وهذا متفق عليه بين الفقهاء، قال الشافعي في كتابه الأم: وإذا صلت المرأة برجال، ونساء، وصبيان ذكور، فصلاة النساء مجزئة، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة. فاليوم الذين سيصلون في نيويورك وراء الدكتورة عليهم إعادة الصلاة، فإذا عرفتم منهم أحداً فأخبروه بأن عليه بالإضافة إلى التوبة أن يعيدها ظهراً؛ لأن الجمعة ستكون قد فاتته.
قال الشافعي رحمه الله: لأن الله جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهن عن أن يكن أولياء. فلا تتولى المرأة، قال الشافعي: ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبداً. فإن قلت: الزوجة تؤم زوجها لا.
قال ابن حزم في المحلى: ولا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا الرجال، وهذا ما لا خلاف فيه، وأيضاً فإن النص قد جاء بأن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا مرت أمامه فكيف إذا كانت إمامه؟ قال: وحكمه بأن تكون وراء الرجل ولا بد في الصلاة، وأن الإمام يقف أمام المأمومين لا بد أو مع المأموم في صف واحد، ومن هذه النصوص يثبت بطلان إمامة المرأة للرجل وللرجال يقيناً. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله.
قال النووي في المجموع: واتفق أصحابنا -يعني الشافعية- على أنه لا تجوز صلاة رجل بالغ ولا صبي خلف امرأة، قال: وسواء في منع إمامة المرأة للرجال صلاة الفرض والتراويح وسائر النوافل، هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف رحمهم الله، وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة -فقهاء المدينة التابعين-، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وسفيان، وأحمد، وداود.
فالمسألة هكذا عند السلف والخلف، فإن قال قائل: ألا يوجد من أباح إمامة النساء في النافلة؟
فنقول: هناك قول شاذ في أن المرأة تؤم في صلاة النافلة كالتراويح، لكن الأقوال الشاذة هل يعتمد عليها؟ هل يلتفت إليها؟ هل يستند عليها؟ الأقوال الشاذة شاذ، ثم الذين قالوا ذلك شرطوا له شروطاً فاسمع شروطهم، قالوا: أن يكونوا أميين وهي قارئة، ثانياً: أن تقف خلفهم، ثالثاً: أن يكون إمامهم رجل فتقتدي به وهي أثناء القراءة تقرأ فقط، هذا القول الشاذ، أن تكون خلفهم وتقرأ فقط وإمامهم منهم إذا كانوا لا يحسنون القراءة، فانظر في القيود والشروط في هذا القول الضعيف والشاذ.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا تصح صلاته خلفها لأدلة كثيرة، وعلى الذين صلى خلفها أن يعيد صلاته. قال في الفواكه الدواني في شروط الإمامة ثلاثة عشر: أولها: الذكورة المحققة، فلا تصح إمامة المرأة، ولا الخنثى المشكل. فإذا لم تكن الذكورة كاملة، وكان الإمام خنثى لا تصح الصلاة.
قال: وتبطل صلاة المأموم دون الأنثى التي صلت إماماً. ولذلك فإن الدكتورة التي ستصلي اليوم نبشرها أن صلاتها صحيحة لنفسها، وعليها وزر هذه البدعة، فإن من ابتدع بدعة في الدين فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
اللهم إنا نسألك الفقه في الدين، والسلامة والثبات على الإسلام يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الكتاب والسنة، وقد قال النبي ﷺ: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي[رواه الحاكم319]، والأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة، لكن منهم من يفتتح باب ضلالة، ولا شك أن هؤلاء الذين يقولون بإمامة المرأة للرجال وخطابتها فيهم أنهم مفتتحو باب ضلالة، وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىسورة النساء115فإذا انعقد إجماع الأمة في المشارق والمغارب عملياً على أنه لا مدخل للنساء في خطبة الجمعة ولا في إمامة الصلاة للرجال، ولم يسطر في كتب المسلمين في هذه القرون المتعاقبة قولاً يجيز للمرأة أن تخطب الجمعة للرجال، حتى في المذاهب البدعية، فيقوم هؤلاء يخرجون عن اليوم بالمساواة، والديمقراطية، وتخطب المرأة، ولماذا لا تخطب، هل هي أقل من الرجل شأناً؟ هكذا يقولون.
ولم يثبت أن امرأة واحدة عبر التاريخ الإسلامي قد أقدمت على هذا الفعل، أو طالبت به على مدى العصور المتعاقبة من عمر أمة الإسلام لا في عصر النبوة، ولا عصر الخلفاء الراشدين، ولا عصر التابعين، ولو كان أحد أولى بذلك فعائشة أم المؤمنين، وقد كان في تاريخ الإسلام شيخات كثيرات، وعالمات شرعيات، فلم تتبوأ منهن امرأة واحدة هذه القضية وهي منبر الجمعة، فكانت عالمة، وفقيهة، وعابدة، ومشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لم تكن خطيبة، ولا إمامة أبداً، بل إن العامية صاحبة الفطرة السليمة لما حضرت درساً لشيخ يفسر قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَسورة آل عمران43 قالت: خرجت إمامة المرأة، العامية وهي تتعلم في الدرس لما سمعت الآية: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَوهي مريم أفضل أهل زمانها قالت العامية: خرجت إمامة المرأة.
أيها المسلمون: تخيلوا إذن أن تقوم هذه المرأة، ولا بد من السنة أن ينظر الرجال إلى الخطيب، أليس قد ثبت في السنة: أن الصحابة كانوا يستديرون إلى النبي ﷺ وينظرون إلى وجهه وهو يخطب ووصفوه قالوا: "كان إذا خطب احمر وجهه، وعلا صوته، كأنه منذر جيش" فإذا قامت الدكتورة أو غير الدكتورة بالخطابة والرجال سينظرون إلى الخطيب وهذه هي السنة فما بالكم؟
ثم يقولون: حديث أم ورقة، فما قصة حديث أم ورقة؟ إن في هذا الحديث: "أن النبي ﷺ أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها" [رواه أبو داود591]رواه أبو داود الدارقطني، فهل رأيتم في هذا الحديث أنها تؤم الرجال؟ فهي تصلي في دارها وتؤم أهل دارها من النساء، والإماء، والفتيات، هذا على فرض صحته.
أيها المسلمون: إن هذه الفتن المتكاثرة التي تخرج علينا اليوم، والتي تصيح في المسلمين، وتنذر بالخطر على العقيدة، وعلى الأسس، المناقشات اليوم صارت في الأسس، يا عباد الله! بين الأمومة والإمامة فرق كبير، خطيبة الجمعة إنه عنوان مثير، وحيث أنها ستظهر أمام الناس كاشفة الوجه، وهذا قول جمهور العلماء في نظر الخاطب فإنني أقترح بناء على هذا أن تسمى بخطيبة فعلية لا من باب اسم الفاعل، بل من باب اسم المفعول يعني المخطوبة، وإذا سميناها خطِّيبة الجمعة كما يقول العامة فلها وجه فهي ستنظر إلى كل الرجال في المسجد فلعلها تخطب أحدهم، وإذا كان الصحابة في عهد النبي ﷺ ينظرون إلى الخطيب فهي الآن ستقول: إنها خطيبة، فانظروا إليَّ.
وقد يقال: إنها من القواعد، ومن النساء ليست بمغرية، والجواب: لكل ساقطة لاقطة، ثم إن هذا المكان أصلاً لا يجوز للنساء مهما كان درجة جمالها.
ولو حاضت يا ترى أثناء الخطبة فهل ستمكث في المسجد لإكمال الخطبة مع إتيانها بجميع الاستعدادات اللازمة، أم ستغادر فوراً وتنيب أحدهم لإتمام الخطبة؟
وإذا أتاها ما يأتي النساء بين الخطبة والصلاة فهل ستوكل رجلاً أم امرأة مثلها؟
وإذا حاضت أثناء الصلاة فهل ستستخلف أحداً أم ستقول: أكملوها ظهراً؟
وهل يا ترى سيتشجع الشباب الذين لا يصلون ليأتوا إلى المساجد عندما يعلمون بأن هناك امرأة ستخطب ويندفعون لرؤية الخطيبة، وإذا أراد بعضهم أن يسأل الخطيبة بعد الصلاة عن سؤال يتعلق بالخطبة، أو مسألة شرعية فسيذهب إليها، ويجلس أمامها ويسألها، وما الحال إذا كان الموضوع شخصي فهل إذا كان الموضوع شخصياً فهل سيهمس في أذنها؟ وهل سيكون خلف الإمامة النساء ليسترنها عند السجود أم سيكون الرجال وراءها لتذهب بقيت الأحلام والنهى؟
لما تمنت أخت أحدهم أن تصلي إماماً بالناس في رمضان وقالت: أنا أريد هذا المنصب ولماذا تحرموننا؟ قال: كم ستصلين من رمضان الشرط: أن تصلي الشهر كله؟ قالت: إلا أسبوع، قال: لا.
عباد الله: مهزلة والله، وعجيب أن نرجع إلى الأسس، قضايا لم يكن أحد يتخيل أن يحصل فيها النقاش؛ لأنها محسومة، وتاريخياً محسومة ومنتهية، لكن الأعداء يعيدوننا دائماً إلى هذه المسائل.
اللهم إنا نسألك النجاة يا رب العالمين، ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، والسلامة والثبات على الإسلام، اللهم عاملنا بلطفك، واغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم من أراد بديننا سوء فخذه، اللهم من أراد بديننا شراً فكيده، اللهم اجعله عبرة للمعتبرين يا رب العالمين.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.