الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
سنة التدافع
فإن الله خلق الخليقة بحكمته، وقسمهم إلى أبرار وفجار، ومؤمنين وكفار، كما يشاء ، ومما شاءه أن جعل الحرب بين الفريقين قائمة، والمعركة مستمرة، والتدافع بين الحق والباطل سنة من سنن الله تعالى في خلقه، هذه المعركة الضرورية والمستمرة ليتجدد الدين، ويتميز المؤمنين عن الكافرين، والمنافحون عن دين الله من المتخاذلين، وقد قال الله : وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ سورة البقرة251 وسيأتي الخصماء يوم القيامة، ويحضر الفريقان عند الله تعالى في أرض المحشر فيحكم بينهم يحكم بينهم بعدله، وهو العدل، وهو الخبير، وهو الحكيم العليم، كما قال في سورة الحج: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ سورة الحج19، روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة[رواه البخاري3965] فيه وفي من معه من المتبارزين يوم بدر نزلت هذه الآية: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْهم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ مثال آخر لهذه الآية: اختصم المسلمون أهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، فنحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها، ونبينا خاتم الأنبياء، فنحن أولى بالله منكم، فأفلج الله الإسلام على من ناوأه وأنزل: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، قال مجاهد رحمه الله: المراد بهذه الكافرون والمؤمنون، ينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله ، والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل، هذه هي الخلاصة إذن: خصمان يقفون بين يدي الله يوم القيامة المؤمنون يريدون نصرة دين الله، والكافرون يريدون إطفاء نور الله، فتحدث المعركة وتقوم الخصومة في الدنيا ثم تقوم في الآخرة، هذه المعركة بين أهل الحق وأهل الباطل مستمرة وشرسة، إنها معركة قوية لتباين دين الفريقين وتضاد عقيدتهما.
أيها الإخوة: إن من ميادين هذه المعركة ما يكون بالسلاح والسنان بين المؤمنين والكفار، كما كان في غزوة بدر وفي مقدمتها المبارزة الكبيرة بين ثلاثة المسلمين وثلاثة الكافرين، ومن ميادين هذه المعركة ما يكون بين المؤمنين والملحدين الكافرين من المناظرات والردود وما يقوم به أهل الإسلام من الدفاع عن عقيدتهم ضد الكفرة وما يثيرونه حولها، وإن من تفاصيل هذا الميدان بالذات المعركة التي تدور في ميدان الأدب الذي يسمونه أدباً، فيكتب أعداء الله تعالى الروايات التي يسمونها أدبية، والقصص التي يسمونها فنية، ويضمنونها سب الله تعالى ونبيه ودينه، وإثارة الشكوك في مسلمات دين الإسلام، وعقيدة المسلمين، والمجاهرة، والتصريح بالشتائم في تفاصيل هذا الدين وأحكامه ومقدساته، في هذه القصص والروايات التي يسمونها أدباً، أو أدباً حداثياً، أو قل ما شئت.
مسلسل الهجمة على الله ورسوله باسم الأدب
يقوم سوق الكفر والنفاق والإلحاد في الهجمة على الله ورسوله ودينه، وليس لهذا العمل ليس له مكان معين فهو ينطلق في أمكنة كثيرة، وقد صار في عصرنا هذا شيئاً واضحاً، وما اشتهر منه أقل بكثير مما لم يشتهر، فأنت تسمع عن روايات كاتب هندي غير رشيد، وتسمع عن روايات كاتبتين ممن تنتسبان إلى الإسلام من الذين ينتسبون إلى الإسلام، وتسمع، وتسمع، وتسمع، في مسلسل عفن من الهجمة على دين الله ورسوله، وآخر ذلك هذه الرواية التي صارت لها ضجة، وليست القضية أيها الإخوة الوقوف على رواية كاتب عفن مأفون، وإنما المسألة إيضاح أن القضية حرب حقيقية بين أهل الإسلام وأهل الكفر، بين أهل الإيمان وأهل الزندقة، بين أهل الطهر والعفاف وأهل الانحلال والفجور الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وينبغي أن يكون المسلمون على وعي من حقيقة هذه المعركة، وما يدبر للإسلام في مكر الليل والنهار، كما قال الله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سورة سبأ33، المؤامرات على الإسلام وأهله، ثم يقوم من يدافع عن هؤلاء الذين يسبون الله ورسوله ويقومون بعمل الاجتماعات لنصرتهم ولتأييد إخوانهم في الغي ثم لا يقصرون، ويقولون: إن رد المسلمين على تلك الهجمات انتهاك للحرية واعتداء على المواهب الأدبية، فقالوا مثلاً في هذه الرواية المتأخرة في الدفاع عنها ما يلي: ما نسب إلى الرواية من بعض العبارات التي يبدو في الظاهر، لاحظ معي التي يبدو في الظاهر ومالنا نحن إلا الظاهر، أوليس لنا الظاهر والله يتولى السرائر؟ ألسنا نحكم على الظاهر؟
هؤلاء يقولون: ما نسب إلى الرواية من بعض العبارات التي يبدو في الظاهر أنها يمكن أن تمس شعور القارئ غير المدرب.
إذن أنا وأنت إذا شعرنا أن الرواية فيها هجوم على الإسلام فنحن قراء غير مدربين وأولئك الأدباء الكبار مدربون.
ما نسب إلى الرواية من بعض العبارات التي يبدو في الظاهر أنها يمكن أن تمس شعور القارئ.
شعور وليس عقيدة شعور.
القارئ غير المدرب لما يظن.
ليس مؤكداً لكن لما يظن هذا القارئ غير المدرب.
لما يظن أنه مساس بالدين، أو طعن في القرآن، أو تعريض بحياة النبي ﷺ فهو من قبيل سوء فهم فن الروائي.
إذا اعتقدنا أنه هجوم على العقيدة هذا سوء فهم لأي شيء؟ للفن الروائي.
وتحريف عباراته.
وعندما ندافع عن الدين فإننا نقوم بما يقوله هذا، أو هذه اللجنة تحريض مقصود وإساءة واضحة لتهييج المشاعر الدينية، وهو مخالف لأمانة النقل.
وكذلك في معرض الدفاع عن الرواية: إن طبيعة الشخصيات التي تتحرك في الرواية على قدر كبير من القلق، والتوتر العصبي ما يجعل أحاديثها أحياناً تبدو مجاوزة للمألوف، فهل تريد أن تعرف يا أخي ما هو المجاوز للمألوف؟ وهل تريد أن تعرف ما هي هذه الروايات التي يمكن أن تفهم من قبل القارئ غير المدرب الغشيم، يمكن أن تفهم أن فيها مساس بالمقدسات؟
هذا الكلام قيل عن الرواية التي ننقل هنا بعضاً من نصوصها ونترك الحكم لأهل الإسلام.
يقول الكاتب: وهؤلاء يهمشون التاريخ ويعيدونه مليون عام إلى الوراء في عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر يحكموننا بقوانين آلهة البدو وتعليم القرآن.
نحن نريد في عصر الفضاء كما يقول الكاتب أن نحكم بقوانين آلهة البدو وتعليم القرآن.
ثم يأتي بكلمة من المرحاض اسم البراز بالعامية ويضعه في هذا الموضع، ثم يقول: إن رب هذه الأرض كان يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ببطء السلحفاة.
ثم يقول: وداخل هذه الأهواز التي خلقها الرب في الأزمنة الموغرة في القدم ثم نسيها لتراكم مشاغله التي لا تحد في بلاد العرب.
ثم يقول: وأقام الله مملكته الوهمية في فراغ السماوات.
ثم يقول: ربي خذ بيدي في مملكتي لآخذ بيدك في مملكتك، وزدني أرصدة في الدنيا والمصارف لأزيدك ابتهالاً في الآخرة، ربي لتكن منافعنا متبادلة، وليتحقق القصد الذي من أجله ولدتني فأكون طفلك البار.
ثم يقول: الله الله يا ولد يا داود لقد غفرت لك، انكح كل صبيان بونة -يعني اللواط- وأنا شفيعك يوم القيامة.
ثم يقول: وخلع الجلد المتخلف والبالي الذي خاطه الإسلام فوق جلودنا القديمة.
الجلد الفرعوني الجلد السومري الجلد الفينيقي الجلود الأصلية، خلع الجلد المتخلف والبالي الذي خاطه الإسلام فوق جلودنا القديمة.
هذا الكلام القارئ غير المتمرس والقارئ الغشيم يظنه اعتداءاً على المقدسات الدينية.
وما قدروا الله حق قدره
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَسورة الزمر67، وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ يقول ابن عمر رضي الله تعالى عنه وهو يروي عن النبي ﷺ: يأخذ الله تبارك وتعالى سمواته وأرضيه بيده ويقول: أنا الملك، ويقبض أصابعه ويبسطها: أنا الملك[رواه مسلم2788]، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى أني لأقول: أساقط هو برسول الله ﷺ؟، وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَسورة الأنعام65 قرأها النبي ﷺ، عن جابر لما نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ قال رسول الله ﷺ: أعوذ بوجهك، أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْقال: أعوذ بوجهك، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍقال رسول الله ﷺ: هذه أهون أو أيسر[رواه أحمد13904].
وقد كان سأل ربه ألا يهلك أمته بالغرق كما أهلك قوم نوح، وكما أهلك فرعون وقومه فأعطاه إياها وسأله: ألا يهلكهم بالقحط العام فأعطاه إياها، وسأله: ألا يجعل بأسهم بينهم، فلم يعطه ذلك.
الله وهو القاهر فوق عباده الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء، وهو الذي يرسل علينا الحفظة فإذا أراد قبض روح عبد منا توفته الملائكة وهم لا يفرطون، الله له الكبرياء في السموات والأرض، الله له ما سكن في الليل والنهار، كل دابة هو آخذ بناصيتها، قهر كل شيء، فهو يصرفه ويدبره كيف يشاء، لا إله إلا هو السميع العليم، الله وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ سورة الأنعام59، لا يخفى عليه شيء، ولا تخفى عليه خافية، إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ سورة الأنعام95، فيخرج البيضة من الدجاجة ويخرج الدجاجة من البيضة ، ويخرج الكافر من المسلم والمسلم من الكافر ، هو الله الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ سورة الحشر23، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ سورة الرحمن29 يدبر أمر الممالك، يأمر وينهى، ويخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويقضي وينفذ، ويعز ويذل، ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، يرسل الرسل من الملائكة بين صاعد إليه بالأمر ونازل من عنده به، وأوامره متعاقبة على تعاقب الأوقات نافذة بحسب إرادته ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن من غير زيادة ولا نقصان، وأمره وسلطانه نافذ في السموات وفي الأرض وما عليها وما تحتها، وفي البحار والجو وسائر أجزاء العالم يقلبها ويصرفها يحدث فيها ما يشاء، قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وسع كل شيء رحمة وحكمة، ووسع سمعه الأصوات، فلا تختلف عليه ولا تشتبه بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على اختلاف حاجاتها، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، وكذلك فإنه سبحانه قد أحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، يعلم السر وأخفى من السر، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يسأله من في السموات ومن في الأرض كل يوم هو في شأن. يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً ويرشد حيراناً، ويغيث لهفاناً، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً ويقصم جباراً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة، يرفع أقواماً ويضع آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، يمينه ملأى لا تنقصها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم ينقص مما في يمينه شيء، قلوب العباد ونواصيهم بيده، وأزمة الأمور معقودة بقضائه وقدره، الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، يقبض سمواته بيده الكريمة والأرض باليد الأخرى ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا الملك أنا الذي بدأت الدنيا ولم تكن شيئاً، وأنا الذي أعيدها كما بدأتها، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا حاجة أن يسألها فيعطيها، لو أن أهل سمواته وأهل أرضه وأول خلقه وآخرهم وأنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، لو أن أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه وإنسهم وجنهم وحيهم وميتهم ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطى كلاً منهم ما سأله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة، ولو أن الأشجار كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي أقلام والبحر وراءه سبعة أبحر تمده من بعده أحبار ومداد فكتب بتلك الأقلام وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفذ المداد ولم تنفد كلمات الحق ، وكيف تفنى كلماته وهو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر ليس بعده شيء، تبارك وتعالى أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأولى من شكر، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأعفى من قدر، وأكرم من قصد، وأعدل من انتقم، حكمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن عزته، ومنعه عن حكمته.
هو الملك الذي لا شريك له، والفرد فلا ند له، والصمد فلا ولد له، ولا صاحبة، وهو سبحانه كل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائل إلا ملكه، وكل فضل منقطع إلا فضله، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والغيب عنده شهادة، عطاؤه كلام وعذابه كلام، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُسورة يس82.
لا أحد أحلم من الله، يسبونه ويشتمونه وهو يرزقهم ويعافيهم، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال.
أيها المسلمون: هذا شيء من حقيقة المعركة التي تدور بين أهل الإسلام وأهل الكفر والزندقة وأهل الانحلال الذين يريدون أن يبثوا كفرهم وانحلالهم في هذه الأدبيات التي يسمونها، في مقالات الجرائد والمجلات والقصص والروايات الفنية كفر وانحلال، هذا شيء من الشيء الكبير الموجود وغيظاً من فيض.
نسأل الله أن يرزقنا الغيرة على دينه، والقيام بأمره، والدفاع عن وحيه، اللهم إنا نسألك أن تخزي الذين خذلوا الدين، اللهم أخزهم وأذلهم واكشف عوراتهم، اللهم اجعلهم نكالاً في الدنيا والآخرة، اللهم انتقم منهم، اللهم إنا نسألك أن تنصر من نصر الدين يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
فضل الموت على عمل صالح
أيها الإخوة: يأتينا زمان وراء زمان نسمع فيه أخباراً وفيات ممن توفاهم الله ، يرسل ملائكته يتوفون من يريد من عباده وهم لا يفرطون، والعاقبة الحميدة لمن جاءته المنية وهو على طاعة الله .
بالأمس -أيها الإخوة- خرج رجل من بيته متوضئاً عامداً إلى المسجد يمشي إليه المشي الذي استحبته الشريعة، صعد الرصيف بجانب المسجد فجاء متهور طائش من هؤلاء الشباب مسرعاً بسيارته ليرتفع فوق رصيف المسجد فيضرب ذلك الرجل ليسقط فيحمل إلى المستشفى ويموت.
وقبل ذلك أيضاً بيوم يأتي بقرب مسجدنا هذا من يصدم امرأة بسيارته ثم يهرب، فتموت في أرضها.
فليبشر أولئك الذين ذهبوا إلى ربهم وهم على عمل صالح في حوادث السيارات بأجر شهادة، وكنت قد سألت شيخنا رحمه الله عن قتلى حوادث السيارات إذا كانوا من أهل الإيمان والدين، قال: إن لهم من أجر الشهادة الذي ذكره النبي ﷺ في أحاديث من سنته.
وقد كان أخبرنا عن علامات حسن الخاتمة فقال لنا في من نطق بالشهادة عند الموت: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة[رواه أبو داود3116]، وأخبرنا أن موت المؤمن بعرق الجبين[رواه الترمذي982]، وأخبرنا عن الموت ليلة الجمعة: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر[رواه الترمذي1074]، وأخبرنا عن شهيد المعركة أنه بأعلى منازل الشهداء لا يرقى إليه شهيد، فهو الذي بذل نفسه وماله لله ، وأخبرنا عن المرضى بالأمراض الخطيرة فقال: الطاعون شهادة لكل مسلم[رواه البخاري2830]، وقال: من مات في البطن-داء في البطن- فهو شهيد[رواه مسلم1915]، فليبشر إذن من مات من أصحاب السرطانات وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وأخبرنا عن الموت بالغرق والهدم أن صاحبه شهيد، وكذلك الذي يموت محترقاً، وكذلك المرأة تموت في نفاسها بسبب ولدها يجرها بسرره، يجرها بهذا الحبل السري إلى الجنة، وأخبرنا أن الذي يموت بذات الجنب، ورم في الغشاء المستبطن للأضلاع، أنه شهيد، وأخبرنا أن الذي يموت بداء السل فهو شهيد، وأخبرنا أن الذي يموت دفاعاً عن ماله وعن عرضه وعن أهله وعن نفسه فإنه شهيد، وأخبرنا أن الميت على عمل صالح فهو شهيد.
من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة.
اللهم اجعل ميتتنا على طاعتك يا رب العالمين، اللهم اقبض أرواحنا وأنت راض عنا، اللهم اجعل خير أعمالنا آخرها وخير أعمارنا خواتمها يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك النصر للإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك واخذل من خذل دينك، اللهم إنا نسألك النصر العاجل لإخواننا في الشيشان، وهذه بشائر الخير من معاركهم وجهادهم تتوالى تترى، ولله الحمد والمنة، وهم ينقلون عملياتهم حتى في خارج حدود الشيشان في هذه المكامن التي تقض مضاجع أولئك الكفرة، وتغيظ أعداء الإسلام الذين يتمنون موت الجهاد وذهابه، اللهم إنا نسألك أن تعزنا بطاعتك، أعزنا بدينك يا رب العالمين، اللهم ارزقنا الأمن والإيمان في بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.