الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
أهمية التوحيد
فإن الله إلهنا، وربنا، وخالقنا، ورازقنا، وأعظم شيء عندنا توحيده ، هذا التوحيد الذي لأجله خلق الله السموات والأرض، ولأجله خلق الله العباد، ولأجله جُردت السيوف ووجب الجهاد، ولأجله قامت السموات والأرض، وكان حساب الله للعباد يوم المعاد، وعلى هذا التوحيد نحيا، وعليه نموت، وعليه نبعث إن شاء الله، هذا التوحيد الذي إذا مُس بشيء فإن أعظم ما يظهره المسلم؛ الغيرة والحمية لهذا التوحيد، هذا التوحيد أن الله لا شريك له، نعبده ولا نشرك به شيئاً، ولأجل ذلك يغار المؤمن من أن يُشرك بالله، أو يُعبد معه غيره ، وعندما يقول المسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، فإنه يعلم يقيناً أنه لا يُصرف شيء من العبادة لغير الله، وأن الله واحد لا شريك له، وأنه لا زوجة له ولا ولد، وكانت سورة الصمد تعدل ثلث القرآن لما فيها من توحيد الله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌالإخلاص:1-4، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍالمؤمنون:91، وما كان له صاحبة، ولا زوجة ، ولذلك فإن السموات كادت أن تتفطر وتنشق، وكذلك الأرض، وكادت الجبال أن تخر هداً، لماذا؟ قال تعالى: أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًامريم:91-92، فهو لا يحتاج إلى ولد، وليس له صاحبة ولا زوجة .
التبرؤ ممن جعل لله ولداً
ولهذا فإن المسلم يبرأ إلى الله ممن جعلوا معه ولداً، وممن قالوا: إنه ثالث ثلاثة، وأن مريم زوجته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن عرشه والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قُتل ومات ودُفن، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً
، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا، وارحمينا، دينهم شُرب الخمور، وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث، ترى أحدهم يعيش مع النجاسات، لا يعرفون استنجاءً ولا استجماراً، ولا تطهراً من الخبائث، وهذا الأقلف الذي لا يختن، هذا هو الذي يجري في حياتهم، مملوؤن بالنجاسة والخبائث، الحلال عندهم ما حلله القساوسة، والحرام ما حرموه، والدين ما شرعوه، كما قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِالتوبة:31، فهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير.
عباد الله: إن هذا الشتم لله تعالى بهذه العقيدة الساقطة؛ سبة عظيمة، كما قال تعالى في الحديث القدسي الصحيح: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد[رواه البخاري4974] وقال عمر عن هذه الفئة الضالة: سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر، ولذلك فإن المسلم يعتقد بأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، مخلوق بالكلمة كن فكان، سينزل آخر الزمان، ويحكم بالإسلام، ما قتلوه وما صلبوه بل رفعه الله إليه، قال النبي ﷺ: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية[رواه البخاري2222] أي: لا يُقبل إلا الإسلام، حتى دفع الجزية لا يقبل في زمن عيسى ، ثم قال أبو هريرة: وقرءوا إن شئتم وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًاالنساء:159، ويوم القيامة يقف عيسى بين يدي الله وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌالمائدة:116-117، قال ﷺ: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل[رواه البخاري3435] ولذلك فإن الله كفر الذين يعتقدون بالعقائد الباطلة في كتابه فقال: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَالمائدة:17، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍالمائدة:73، وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِالتوبة:30، ولذلك فإن قولهم افتراء على الله تعالى، وادعوا أن هذا ابن الله، وأنه أسلم نفسه لأعدائه ليقتلوه ليفتدي البشر من خطيئة آدم لما أكل من الشجرة، ويزعمون أن أرواح البشر ضلت محبوسة في نار جهنم عقوبة على خطيئة آدم، حتى قدّم المسيح نفسه فداء للبشرية بالصلب، ورضي بأن يقتل على الخشبة؛ ليخلص أرواح الناس المحبوسين في جهنم، تبت عقولهم وتبت هذه العقيدة الباطلة.
أصل دين النصارى
أصل دينهم المحرف مبني على أن الواحد ثلاثة، والثلاثة واحد، وهكذا يقولون، فكيف يرضى العاقل أن يكون هذا مبلغ علمه، ومنتهى عقله، أليس لديهم رجل رشيد، يعود إلى عقله وفطرته؟! ثم اتفقوا على أن اليهود أخذوه، وساقوه بينهم ذليلاً مقهوراً، هذا ابن الله المزعوم عندهم، وهو يحمل على خشبة صُلب عليها، وأعداؤه يبصقون في وجهه، ويضربونه، ثم صلبوه، وطعنوه بالحربة حتى مات، ثم دفن، وأقام تحت التراب ثلاثاً، ثم قام من قبره، فيا للعقول؟! ماذا كان حال العالم العلوي والسفلي في الأيام الثلاثة التي كان إلههم المعبود فيها مقبوراً تحت الأرض، ومن كان يدبر السموات والأرض؟! ومن الذي خلف الله في هذه المدة، ومن كان يمسك السموات أن تقع على الأرض.
أعباد المسيح لنا سؤال | نريد جوابه ممن وعاه |
إذا مات الإله بصنع قوم | أماتوه فما هذا الإله |
وهل أرضاه ما نالوه منه | فبشراهم إذا نالوا رضاه |
وإن سخط الذي فعلوه فيه | فقوتهم إذاً أوهت قواه |
وهل بقي الوجود بلا إله | سميع يستجيب لمن دعاه |
وهل خلت الطباق السبع لما | ثوى تحت التراب وقد علاه |
وهل خلت العوالم من إله | يدبرها وقد سمرت يداه |
وكيف تخلت الأملاك عنه | بنصرهم وقد سمعوا بكاه |
وكيف أطاقت الخشبات حمل | إله الحق مشدوداً قفاه |
وكيف دنا الحديد إليه حتى | يخالطه ويلحقه أذاه |
وكيف تمكنت أيدي عداه | وطالت حيث قد صفعوا قفاه |
وهل عاد المسيح إلى حياة | أم المحيي له رب سواه |
ويا عجباً لقبر ضم رباً | وأعجب منه بطن قد حواه |
أقام هناك تسع من شهور | لدى الظلمات من حيض غذاه |
وشق الفرج مولوداً صغيراً | ضعيفاً فاتحاً للثدي فاه |
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي | بلازم ذاك هل هذا إله |
تعالى الله إن إفك النصارى | سيسأل كلهم عن ما افتراه |
فيا عبد المسيح أفق فهذا | بدايته وهذا منتهاه |
ولذلك لما ذهب القاضي أبو بكر رحمه الله لمناظرتهم، وكان من أذكياء المسلمين، جاءهم إلى مجلس ملكهم الروم فاتجه إلى حبرهم الأكبر، وراهبهم الأعظم المعظم عندهم وقال: كيف الحال؟ وكيف حال أهلك وأولادك؟ فقالوا: ويحك، ويحك، وقر صاحبنا، وقر راهبنا، إن الراهب منزه عن الزوجة والولد، قال: سبحان الله! ويلكم تنزهون صاحبكم عن الزوجة والولد ولا تنزهون ربكم عن الزوجة والولد.
وكثير من هؤلاء يعلمون بطلان ما هم عليه، ولكن يمنعهم حب الدنيا من ترك دينهم وإتباع الحق، قال ابن القيم رحمه الله في هداية الحيارى: ولقد ناظرت بعض علماء النصارى فلما تبين له الحق بهت، فقلت له - وأنا وهو خاليين-، ما يمنعك الآن من إتباع الحق؟ فقال لي: إذا قدمت على هؤلاء الحمير، -هكذا لفظه يصف رعيته وأتباعه بالحمير- فرشوا لنا البُسط تحت حوافر دابتي، وحكموني في أموالهم ونساءهم، ولم يعصوني فيما آمرهم به، وأنا لا أعرف صنعة، ولا أحفظ قرآناً، ولا نحواً، ولا فقهاً، فلو أسلمت لدرت في الأسواق أتكفف الناس، فمن الذي يطيب نفساً بهذا؟! فقلت: هذا لا يكون، وكيف تظن بالله أنك إن آثرت رضاه على هواك يخزيك، ويذلك، ويحوجك، ولو فرضنا أن ذلك أصابك فما ظفرت به من الحق والنجاة من النار، ومن سخط الله وغضبه فيه أتم العوض عما فاتك، فقال: دعنا الآن من هذا وأمسك.
ولو كان لهم مسكة من عقل لكان الأولى أن يُحرقوا الصليب الذي وجدوه، ويكسروه، ويلطخوه بالنجاسة، أليس قد صُلب عليه إلههم؟! أليس قد آذى ظهره؟! أليس قد كان مشدوداً عليه مصلوباً يعذب عليه؟! فكيف يعظمون بعد ذلك هذا الصليب، ويزعمون فيه البركة، ويحملونه ويجعلونه شعاراً، وهو الذي أذى إلههم ومعبودهم، وهو الذي آلام ظهره لما كان مشدوداً عليه، أيكون الصليب بعد ذلك يخرج الجان، ويعمل المعجزات، ويشفي المرضى، ويتخذ إلهاً، وتلتمس البركة من الصليب، ويصبح شعاراً، فصاروا ضحكة للعقلاء.
عجباً للمسيح بين النصارى | وإلى أي والد نسبوه |
أسلموه إلى اليهود وقالوا | إنهم بعد قتله صلبوه |
فإن كان ما يقولون حقاً | فسلوهم أين كان أبوه |
فإن كان ساخطاً بأذاهم | فعبدوهم لأنهم غلبوه |
فأي والد يرضى أن يهان ولده، وأن يبقى هكذا يعذب، ويقتل، وهو يتفرج عليه.
جرائم النصارى ضد المسلمين
قد حفل التاريخ بالسجل الأسود لهذه الأمة الضالة، وجاءت حملاتهم بالجيوش الجرارة، واحتلوا بيت المقدس، وقتلوا فيه سبعين ألف مسلم، وخاضت خيولهم في دماء المسلمين إلى الركب، وكانوا يرمون الأطفال والنساء من فوق أسطح البيوت، وكانوا يأخذون الرضيع، فيدقون رأسه بالجدار أمام أمه، ولبثوا أسبوعاً يقتلون، لا تنفع أحد من المسلمين شفاعة الشافعين، ولما حاصروا معرة النعمان، وكان الحصار طويلاً وصعباً، ولما استولوا على البلد ذبحوا سكانه، قال ابن الأثير: خلال ثلاثة أيام أعملت الفرنجة السيف في المسلمين، قاتلين أكثر من مائة ألف، وآسرين عدداً أكبر، وهكذا خلفت حروبهم المآسي، والنكبات، والدمار على المسلمين في القديم والحديث، وسآئل بلاد الأندلس عن محاكم التفتيش، والتفنن في تعذيب المسلمين وإبادتهم حتى حصدت تلك الهمجية العاتية في بلاد حضارة المسلمين خمسة ملايين مسلم من الضحايا، أين العقل في أناس يبيعون صكوك الغفران، ويشتري المذنب جميع ذنوبه ما تقدم وما تأخر، يشتري غفرانها، وتباع كأسهم الشركات، ويخصص لكل من يريد أمتاراً من الجنة بحسب المبلغ الذي يدفعه للكنيسة، كانوا يبيعون صكوك الغفران، وقطعاً في الجنة بأوراق رسمية، ولذلك لما جاء يهودي فطن إليهم وقال: أريد أن أشتري النار، فضحكوا منه واستهزءوا، ثم باعوه ما دام أن المسألة فيها فلوس، فلما اشترى صك النار كلها، قام بينهم في البلد يقول: يا أيها الناس اعملوا ما شئتم فقد اشتريت جهنم وقد أغلقتها، فبارت سوق صكوك الغفران، وأمتار الجنة عند القساوسة، فلما رأوا ضعف الإقبال راحوا يسترحمون اليهودي، ويرجونه أن يبيعهم جهنم مرة أخرى، فباعهم إياها بأغلى الأثمان، لن تنس البشرية ما حل بهنجر الرابع، وجريجور السابع نتيجة صكوك الغفران والحرمان، حتى اضطر ذلك الإمبراطور أن يقف حافي القدمين مرتدياً الخيش أمام قصر باباهم ثلاثة أيام رغم الأمطار والثلوج حتى يؤذن بالمثول بين يديه؛ لأنه فكر أن يتمرد عليه، حتى جاءت تلك الثورة التي أذهبت جزء كبيراً من سلطانهم.
بعض صور الفساد في دين النصارى
إن هذه الرهبنة لدرجة أن بعضهم يتفاخر أنه لم يغتسل سنة كاملة، وأنواع التقشفات المزعومة التي لم يستطيعوا تحملها؛ لأنها خارجة عن نطاق الطبيعة البشرية، لا زواج، وصيام، ولا أكل للحم ومشتقاته، ولذلك فإن كثيراً منهم يخرمون هذا ويخرقونه، وترى كثيراً من المدعين بالعصمة من قساوستهم وشمامستهم قد تكردسوا في هوة الزنا؛ لأنه لا يجوز لهم أن يتزوجوا في عقيدتهم، وكانوا في الأديرة يسلبون الأموال بالحيل والمخادعات، كُسالى، بطالون يعيشون من أتعاب غيرهم، وكان عيش القساوسة يزري بترف الأغنياء والأمراء، وقد انحطت أخلاقهم انحطاطاً عظيماً، واستولوا بالجشع بتلك الوظائف والصكوك، ومنح شهادات النجاة، لا يتورعون من الرشوة، ولا من الربا، وقد كان بعضهم في غاية الخلاعة، والمجون، والفجور، فيحكى عن بعض كرادلتهم أنه فسق بعدة نساء، وقتل وهو متلبس بجريمة الزنا مع امرأة كان القاتل له زوجها، وكان إينونست الرابع متهماً بالرشوة والفساد، وإيكرمنضوس الخامس عشر يجول في دينا وليول لجمع المال ومعه عشيقته، ويوحنا الثالث والعشرين متهماً بأنه قد وضع السم لسلفه، وكان لوطياً يبيع وظائف الكنيسة، وقال القاضي عبد الجبار: ومن سيرتهم أن النساء الديرانيات العابدات يطفن على الرهبان المنقطعين في الأديرة يبحن لهم أعراضهن رحمة بهم، وتعد الواحدة منهن مشكورة محمودة، ويدعى لها بالخير، ويقال للفاعلة: لا ينسى لك المسيح هذه الرحمة والرأفة، وقد وجد المنقبون عن الآثار في بعض أديرة فرنسا عظام أطفال قد وئدوا بعد ولادتهم، ولما فتحت الملفات السرية للكنيسة وجد التستر على استغلال القساوسة للأطفال جنسياً، وهكذا حصلت الفضيحة قريباً في أوروبا وأمريكا، وقامت تلك الفضيحة بأصوات مجلجلة، وحاولوا التستر، ولكن اتسع الخرق على الراقع، ووجهت هيئة المحلفين إلى الوس مرر الكاهن بالولاية التهمة للقيام بالممارسات غير الأخلاقية مع الأطفال الصغار، وأعلنت شرطة نيويورك أنها اعتقلت كاهناً باعتداء جنسي على فتى في الثانية عشرة، وهكذا كانت فضيحة الكنيسة الكاثوليكية التي ارتكب أصحابها الاعتداءات على القاصرين، واجتمع الأساقفة في دلس لوضع ميثاق لحماية الأطفال من رجال الدين، وتنص القواعد الجديدة على أن القسيس الذي يعتدي على الأطفال جنسياً يمنع من الالتقاء بالناس ولكن يبقى في خدمة الكنيسة، فثارت ثائرة بعضهم أي عقوبة هذه؟! ويواجه نحو من ثلاثة آلاف قسيس اتهمامات التحرش الجنسي بالأطفال، وكلف ذلك ميزانية الكنسية الكاثوليكية في بلد واحدة مبالغ عظيمة جداً، بل قد قاربت تكلفة تغطية الفضائح والتسويات خارج المحكمة الخاصة برجال الكنيسة نحواً من مليار دولار، شرقاً وغرباً في هونكونج في فرنسا، في بلجيكا، أحداث متوالية، فضائح للقساوسة مع هؤلاء، في النمسا قسيس اتهم بتخزين وتبادل مواد إباحية مصغرة تستغل الأطفال جنسياً عبر شبكة هذه المعلومات الانترنت، لقد هزت هذه الحالة أسسهم؛ لأن هذا الدين المحرف لا يوافق الفطرة، فكيف يصبر الإنسان عند عدم الزواج بالكلية، ولا يكون له أولاد يحملون اسمه، وتقر بهم عينه، ثم تأتي الفضائح الأخرى بوثائق لتبرئة اليهود من دم المسيح، سبحان الله! إذا كانت هذه حقيقة تاريخية عندهم، ومكتوبة في كتبهم المقدسة تُغير بقانون ومرسوم، يصدر بتبرئة اليهود من دم المسيح، وعندهم نص في إنجيلهم على لسان المسيح يقول: أيها الشعب الغليظ الرقبة، يا أولاد الأفاعي، ويا أبناء الشياطين، أنتم لستم من أبناء إبراهيم، أنتم أبناء الشيطان، فأمر كبيرهم بحذفه؛ لأن فيه معاداة للسامية، فإذا كان من إنجيلهم فكيف يجرأ على حذفه.
عباد الله: إن جرائم التنصير في بلاد المسلمين عظيمة، لقد فجروا بنساء المسلمين لأجل المساعدات التي يقدمونها، ثم إذا أنَّ صاحب المصيبة لا يساعدونه إلا إذا آمن بصليبهم، ودخل في عقيدتهم، وإذا كانوا من أصحاب الأخلاق فإنهم يقدمون الدواء في يد والصليب باليد الأخرى، واحد وعشرون ألف منظمة تقفز في خلال ست سنين إلى خمس وأربعين ألف منظمة، ونحو من أربعة ملايين يعلمون في هذا السلك قد زاد عددهم مرة ونصف، وهكذا مجلات، ودوريات، وقنوات فضائية، والمسلمون يغطون في نوم عميق مع الأسف، ومحطات تشكك المسلمين في ديانتهم، وفي قرآنهم، وفي صحيح البخاري، وفي ذات الوقت تنشر الدعاية لمذهب أولئك.
اللهم إنا نسألك النصر للإسلام وأهله يا رب العالمين، ونسألك الخذلان لأعداء الدين إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد القهار، أشهد أن لا إله إلا هو الكبير المتعال، لا شريك له، ولا ند له، ولا ولد له ، هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، سبحانه ما أعظمه! سبحانه ما أحلمه! وهو القوي العزيز، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، لا إله إلا الله الحي القيوم، لا إله إلا الله القوي تقوم السموات والأرض بأمره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
موقف المسلم ممن ينشر الشرك في الأرض
عباد الله: ما هو الموقف من المسئولين عن نشر الشرك في الأرض؟ ما هي العقيدة تجاه المسئولين عن نشر الكفر في العالم؟ ما هو موقف المسلم القلبي مِن مَن يشرف على تعميم الشرك في الأرض؟ وهذه الجهود التنصيرية العظيمة قائمة.
عباد الله: لا ينفع عند رب العالمين إلا العمل الصالح، إلا التوحيد، وعندما يموت الميت، فإن كان ممن يشرك بالله؛ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُالدخان:29، لا تبكيان على كافر أبداً، كذا قال العلماء في تفسير الآية، لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد إلى أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها ففقدتهم، فإذا كان الشرك والكفر هو المعمول به فما الظن! قال ﷺ: مستريح ومستراح منه[رواه البخاري6512]من هو المستراح منه؟ ذلك المشرك، وذلك الفاجر الذي يستريح منه البلاد والشجر والدواب، قال حماد: بشرت إبراهيم بموت الحجاج، فسجد، ورأيته يبكي من الفرح، ولما بلغ بعض أئمة السنة موت ابن المعلم الحاقد الباطني سجد شكراً لله، وجلس للتهنئة.
هل أعمال البر تنفع المشرك؟
فإن قال قائل: هل أعمال البر من إطعام الطعام، ورعاية الأيتام، تنفع صاحبها إذا كان مشركاً؟
قال تعالى جواباً على هذا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُالنور:39، قال ابن كثير: مثل ضربه الله للكفار الدعاة إلى كفرهم، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال، والاعتقادات، وليسوا في نفس الأمر على شيء، فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يُرى في القيعان من الأرض عن بعد، كأنه بحر طام، فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملاً، وأنه قد حصل شيئاً، فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها، ونوقش على أفعاله لم يجد له شيئاً بالكلية قد قُبل، إما لعدم الإخلاص، أو لعدم سلوك الشرع، كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًاالفرقان:23، وقال عن هؤلاء: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُإبراهيم:18، قال ابن كثير: هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار الذين عبدوا معه غيره، وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح فانهارت، وعدموها أحوج ما كانوا إليها.
قالت عائشة: يا رسول الله! إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال:لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين[رواه مسلم214].
هل يجوز الدعاء للكافر بالرحمة والمغفرة؟
فإن قال قائل: فهل يجوز الدعاء بالرحمة والمغفرة للكافر إذا مات؟
فالجواب: كيف يجوز هذا! وبأي حال يسوغ هذا! لا يمكن أن يفعله المسلم، فالعجيب من بعض هؤلاء الذين يوجبون الترحم والمغفرة على هؤلاء المشركين، ويعظمونهم، ويمدحونهم، ويوقرونهم فأين التوحيد؟! إن إبراهيم تبرأ من أبيه وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِالتوبة:114، بموت أبيه على الشرك، تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌالتوبة:114، قال القرطبي: لا حجة لكم أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم الخليل، فإنما كان موعدة كان وعداً، قال: سأستغفر لك ربي، فلما تبين له أنه عدو لله بموته على الكفر، ولم يسلم، ولم يتابع ابنه النبي الخليل الكريم، تبرأ منه الخليل، ونزلت الآيات صريحة واضحة جداً بالرغم من عماية العميان ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويلعلعون بألسنتهم، قال تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَىالتوبة:113، لو كان هو أباك، أو أخاك، مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِالتوبة:113، ويتبين ذلك بأن لا يسلم هؤلاء، ويموتون على الشرك.
وسبب نزول الآية أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله ﷺ يقول: يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية رفقاء السوء: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، تترك دين أبائك، فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه، لا إله إلا الله، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، ومات، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك[رواه البخاري1360]، فنزلت هذه الآية: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِالتوبة:113، وقال تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُالقصص:56، ولذلك لما زار النبي ﷺ قبر أمه بكى وأبكى من حوله وقال: استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي[رواه مسلم 976] قال النووي رحمه الله: فيه النهي عن الاستغفار للكفار، واتفق الفقهاء على أن الاستغفار للكافر محظور، بل إن بعض العلماء قال: إن الاستغفار للكافر يقتضي كفر من فعله.
عباد الله: فكيف يُترحم بعد ذلك يقال: اللهم ارحم، اللهم اغفر لمن أشرك بك، اللهم اغفر وارحم من كفر بك، كيف يقول هذا مسلم، قال أبو موسى : كان اليهود يتعاطسون عند النبي ﷺ يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله فكان يقول: يهديكم الله [رواه الترمذي 2739 وصححه الألباني في الإرواء 1277]ولم يكن يقول لهم يرحمكم الله.
عباد الله: هذه مسائل العقيدة التي ضاعت اليوم في عولمة الأحزان، وعولمة الأفراح، وعولمة عقائد الكفار، هكذا تنشر على الملأ، يعولمونك وأنت في قعر بيتك، ويصيغون عقلك، يفرحونك ويحزنونك، وأنت ترى المشاهد، وتسمع التعليقات، عولمة الكفر، وعولمة الشرك، وعولمة مشاركة الكفار في أتراحهم وأفراحهم، فأين العقيدة وأين التوحيد؟!
خطورة أحداث القتل
عباد الله: لقد أحزننا وآلمنا ما حصل في بلادنا، وعادت أحداث القتل مرة أخرى، وكانت في هذه البلاد الآمنة تلك المسارح لهذه الأعمال العجيبة، فبأي حق يكون القتل بين المسلمين؟! وكيف يجوز وضع هذه الأسلحة التفجيرية في أحياءهم؟ ألا ترون أن هذا النشر لأعمال الجريمة والعنف والقتل كيف يروع الآمنين؟! كيف يشغل الطلاب في مدارسهم، وأولياء أمور الطلاب في بيوتهم وأعمالهم، فيبقى هذا خائفاً مذعوراً في مدرسته، وهذا خائفاً خاشياً على ولده لا يستطيع أن يقترب من مكانه، كل ذلك بأسباب هذه الأعمال، ومتى جاز ترويع الآمنين؟ ومتى جازت إسالة دماء المسلمين؟ ومتى كانت هذه الأعمال قربة إلى رب العالمين.
عباد الله: لا يستفيد من هذا إلا أعداؤنا والله، فلا يستفيد أهل الإسلام والتوحيد من هذا، بل إن أهل التوحيد والإسلام يستفيدون من الدعوة في البيئات الآمنة، ولذلك امتن الله على المؤمنين، وامتن على المسلمين بالحرم الآمن، بل امتن على الكفار، وقال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍقريش:3-4، وأما أن يحدث القتل بين المسلمين.
قومي هم قتلوا أُميم أخي | فإذا رميت أصابني سهمي |
فمن المستفيد؟ ولذلك فإننا نعود مرة أخرى إلى استنكار هذه الأعمال، والنصيحة لله ورسوله والمؤمنين، بأن لا يرفع السلاح بين المسلمين، وأن من حمل السلاح على هذه الأمة يضرب برها وفاجرها، من حمل علينا السلاح فليس منا[رواه البخاري6874 ومسلم 98]هكذا أخبر ﷺ: من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه[رواه مسلم 1848]، فينبغي أن يتواصى بعضنا مع بعض في إنكار هذه الأعمال، وفي نصح، وكف، ومحاربة، ومحاصرة كل فكر يؤدي إلى إراقة دماء المسلمين، وتعكير أمن المسلمين، وكذلك ترويع الآمنين المسلمين فإنه لا يستفيد من ذلك المسلمون أبداً، لا اقتصادياً، ولا اجتماعياً، ولا نفسياً، ولا دينياً، ودعوياً، وعلمياً، أبداً بل هو تقهقر إلى الوراء.
فنسألك اللهم أن تحفظ حمى الدين، اللهم ارفع راية أهل الإسلام يا رب العالمين، انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، وجعلنا في بلادنا آمين مطمئنين، اللهم من أراد ببلدنا هذا سوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل بلادنا آمنة بذكرك، مطمئنة بعبادتك يا رب البيت، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وتب علينا يا تواب يا حكيم.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.