الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام متابعة الإمام - الدرس الثالث


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
اقتداء المفترض بمن يصلي فرضًا آخر
حكم اقتداء المقيم بالمسافر والعكس
حكم صلاة الفرض خلف من يصلي الجنازة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ملخص الدرس الماضي

00:00:14

فقد تحدثنا في الدرس الماضي في شرح كتاب منهج السالكين للشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في الفقه في موضوع الصلاة، في أحكام متابعة الإمام، عن أقسام المتابعة الأربعة، وهي: التخلف والتأخر، وكذلك الموافقة والمخالفة، والمتابعة والمسابقة.

وتحدثنا عن التخلف والتأخر، وبينا أن هذا على قسمين: تخلف لعذر، وتخلف لغير عذر، وقلنا: إن التخلف لغير عذر ينقسم إلى قسمين أيضًا: تخلف في الركن، وتخلف بالركن في الركن، يعني أن الإمام يركع، وهذا لا زال واقفًا ثم يركع، والإمام لا زال راكعًا، لكنه يوشك أن يرفع، تخلف عنه في أول الركن، وركع معه في آخر الركن، تخلف معه في الركن، ويمكن أن يكون الوضع أسوأ ويتخلف عنه بالركن، فلا يركع إلا بعد ما يرفع الإمام، وقد يتخلف عنه بركنين، فيركع الإمام ويرفع ويسجد، ثم يتحرك صاحبنا.

وذكرنا: أن التخلف يبطل الصلاة على الراجح إذا كان بركن أو أكثر، ما دام قد حصل تعمدًا وصاحبه يعلم الحكم، ويعلم الحال، وهو ذاكر لذلك.

ثم ذكرنا الخلاف في الصلاة خلف الإمام القاعد، وأن المسألة فيها أقوال أقربها -والله أعلم- التفصيل فإذا بدأ الإمام صلاته جالسًا صلى المأمومون قعودًا خلفه إذا كان إمامًا راتبًا، وإذا بدأ الصلاة قائمًا ثم طرأ عليه ما اضطره للقعود فإن المأمومين يكملون الصلاة خلفه قيامًا، وأن هذا القول هو الذي يحصل به الجمع بين النصوص.

كما بينا أن صلاة المفترض خلف المتنفل صحيحة على القول الراجح، وقد قامت الأدلة على ذلك كحديث معاذ الذي كان يصلي الفريضة خلف النبيﷺ ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم إمامًا، فتكون بالنسبة له نافلة، وبالنسبة لهم فريضة.

وكذلك صلاة النبي ﷺ الخوف، صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعتين، فينصرف وقد انتهت صلاتهم، ثم يصلي ﷺ بالطائفة الأخرى الذين لم يصلوا معه أولًا، فصلاتهم فريضة وصلاته بهم نافلة، هذه إحدى كيفيات صلاة الخوف؛ لأن هنالك كيفيات أخرى فيها أنه يصلي ركعة بهؤلاء وركعة بالآخرين، وكذلك صلاة عمرو بن سلمة .

اقتداء المفترض بمن يصلي فرضًا آخر

00:03:24

المسألة الثانية: اقتداء المفترض بمن يصلي فرضًا آخر، فهل يجوز أن يصلي رجل الظهر خلف إمام يصلي العصر، والعكس، أو المغرب خلف من يصلي العشاء، والعكس؟ في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا يجوز اقتداء المفترض بمن يصلي فرضًا آخر غير فرض المأموم، فلا يصح أن يقتدي من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ولا العكس، ولا اقتداء من يصلي أداء بمن يصلي قضاء، ولا العكس، واستدلوا على ذلك بأن اختلاف نية الصلاتين حاصلة، وقد قال ﷺ: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه .

وقال الشافعية وجماعة من أهل العلم إلى أن ذلك يجوز إذا توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة، فيصح اقتداء من يصلي فرضًا من الأوقات الخمسة بمن يصلي فرضًا آخر منهما أداء وقضاء، قال في "تحفة المحتاج": من شروط القدوة توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة، فحينئذ تصح قدوة المؤدي بالقاضي" يعني الذي يصلي أداء خلف الذي يصلي قضاء "والمفترض بالمتنفل، وفي الظهر بالعصر، وبالعكوس"[تحفة المحتاج، ص: 97] يعني عصر وراء ظهر، متنفل وراء مفترض، قاضي وراء مؤدي، وذلك نظرًا لاتفاق الفعل في الصلاتين، وإن تخالفت النية بماذا استدلوا؟

قالوا: دليلكم يا من منعتم حديث النبي ﷺ: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه سبق بيان أن المراد بالاختلاف مخالفة الأفعال؛ لأنه قال: إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا فهو الذي شرح كلامه، وبين لنا ما معنى فلا تختلفوا عليه  هل معناها الاختلاف في النية؟ يعني ما يصلي واحد عصراً وراء واحد يصلي ظهراً؟ هل الاختلاف اختلاف القضاء والأداء، فمثلًا ما يجوز أن تصلي قضاء وراء واحد يصلي أداء مثلًا؟

هو بين لنا ما المقصود بالاختلاف بأنه أن لا تكبر عندما يكبر، وأن لا تركع عندما يركع، وأن لا تسجد عندما يسجد، هذا الاختلاف المقصود الذي منع منه، وأمرنا بأن نكبر حين يكبر، وأن نرفع حين يرفع، وأن نركع حين يركع، وهكذا..

وعلى ذلك فلا دليل على المنع، وإذا صلى صلاة أكثر من صلاة الإمام فلا إشكال في ذلك أيضًا، كما لو صلى العشاء خلف من يصلي المغرب، فهنا نقول له: صل مع الإمام، وإذا سلم الإمام فقم أنت وائتِ بركعة.

مثاله: شخص مسافر دخل مسجد محطة بنزين على الطريق، فوجد عاملًا من عمال المحطة يريد أن يصلي العشاء؛ لأن وقت العشاء، قد دخل في المحطة، وصاحبنا المسافر ما صلى المغرب، فعامل المحطة أعجمي، وصاحبنا عربي، مخارج حروفه وقراءته أضبط، ولن يقتدي بالأعجمي، فقال صاحبنا للعامل في المحطة: نصلي سويًا؟ قال العامل: أنا أريد أن أصلي العشاء، قال صاحبنا: وأنا سأصلي المغرب، فأنت إذا رأيتني سلمت من المغرب فقم وهات ركعة، أنت عليك العشاء أربعاً، أنت مقيم في المكان عليك العشاء أربعاً، أنا سأصلي المغرب، فإذا أنا سلمت من صلاتي المغرب قم أنت وهات ركعة، وأنا نيتي المغرب، وأنت نيتك العشاء، هل يصح هذا؟

الجواب: نعم.

ماذا إذا حدث العكس، وأراد أن يصلي وراء إمام، وصلاته أقل من صلاة الإمام، فهو يريد أن يصلي المغرب وراء إمام يصلي العشاء، فلو عكسنا وكان الشخص الذي في المحطة هو الإمام وسيصلي العشاء أربعًا، وصاحبنا ما صلى المغرب فسوف يبدأ بصلاة المغرب؛ لأن ترتيب الصلوات واجبة، فصاحبنا إذا صلى المغرب ثلاثًا سيقوم الإمام إلى الركعة الرابعة، فماذا سيفعل؟

يجلس.

إذا جلس سيخالف الإمام، الإمام سيقوم، صاحبنا جالس، أليس هذا اختلافًا على الإمام داخل في حديث النهي أم لا؟

الجواب: هو لم يخالف الإمام إلا مضطرًا، أنت لا يمكن أن تنفي المخالفة، يعني واحد قائم، وواحد جالس، ما يمكن أن تنفي المخالفة، لكن هل فعلها كسلًا، تهاونًا، رغبة في المخالفة، عنادًا؟

ليس كل ذلك، لكن هو جلس مضطرًا؛ لأن الله فرض المغرب ثلاثًا فكيف سيقوم إلى الرابعة؟

لا يمكن.

أما بالنسبة للجمهور يقولون: لا تصل وراءه أصلًا.

والراجح: جواز الصلاة خلفه لتحقيق مصلحة الجماعة، وكذلك فإنه لا يضر أن تكون نيته المغرب، والإمام نيته العشاء، في نهاية الركعة الثالثة ماذا سيفعل المأموم؟

هو بين ثلاثة أمور:

أولاً : إما أن ينفرد عن الإمام، يعني بالنية يفارق الإمام، إذا جلس والإمام قام ينوي مفارقة الإمام، فيكمل الصلاة منفردًا.

ثانيًا: أن يتابع الإمام، وهذا طبعًا لا يجوز لأن المغرب ليست أربعًا إذا تابع الإمام وزاد ركعة لا يجوز له ذلك، لكن أن ينوي مفارقة الإمام، ويكمل الصلاة، فهذا لا بأس به في هذه الحالة؛ لأنه مضطر إلى مخالفة الإمام.

هذه كيفية أن ينوي المفارقة ويكمل الصلاة منفردًا بعد الركعة الثالثة، ويتشهد ويسلم.

ثالثاً : أن يبقى جالسًا حتى ينزل الإمام للتشهد ويفرغ من ركعته الرابعة، وصاحبنا يدعو التحيات والصلاة الإبراهيمية والدعاء، حتى نزل الإمام فتشهد وسلم فسلم معه، وهذه أولى، ولكن الأولى جائزة، وسيأتي الدليل على جواز الانفراد عن الإمام للحاجة.

ماذا لو أدرك الإمام في الركعة الثانية؟ الإمام يصلي العشاء وهو في الركعة الثانية، جاء صاحبنا الذي لم يصل المغرب فدخل مع الإمام كم ركعة سيصلي معه؟

ثلاثاً، وصلاة المغرب كم ركعة؟ ثلاثاً تكفيه عن المغرب.

نعم إذا نوى المغرب تكفيه، طيب خالفت هيئة صلاته هيئة صلاة المغرب؛ لأن صلاة المغرب ركعتين ثم ركعة بعد التشهد الأول ثم التشهد الأخير.

نقول: لكن هذه المخالفة لهيئة صلاة المغرب حصلت اضطرارًا لموافقة الإمام؛ لأنه لا يمكن أن يخالف الإمام.

هب أنه دخل معه في صلاة المغرب، والإمام في صلاة المغرب في التشهد الأول، فماذا سيفعل صاحبنا؟

سيبدأ صلاته بتشهد بجلوس، ثم يقوم للركعة الأولى بالنسبة له، والثالثة بالنسبة للإمام، ثم يجلس مع الإمام للتشهد، هذا جلوس ثانٍ، ثم يقوم صاحبنا للركعة الثانية بعد سلام الإمام، ثم سيجلس صاحبنا بعد الركعة الثانية جلوسًا ثالثًا التشهد الأول، هذا بالنسبة له، ثم سيقوم للركعة الثالثة ثم التشهد الأخير، صار عنده أربع تشهدات، هذا ونيته مغرب، والإمام مغرب.

إذًا، حصول مخالفة لهيئة المغرب اضطرارًا، لأجل متابعة الإمام، وموافقة الإمام في حاله وصلاته، لا حرج.

إذًا، نقول : لو صلى المغرب وراء إمام يصلي العشاء، ودخل معه في الركعة الثانية، فصلاته تصح مغربًا، ولو كانت ركعة، ثم تشهد، ثم ركعتان، ولو كانت ركعة، ثم تشهد، ثم ركعتان، مع مخالفتها لهيئة المغرب المعتادة، لكن هنا مغرب، وعدم موافقتها للهيئة المعتادة اضطرارًا لأجل متابعة الإمام.

لو دخل مع الإمام في الركعة الثالثة ماذا سيفعل؟

سيأتي بعد الإمام بركعة.

إمام يصلي العشاء أربعًا، صاحبنا سيصلي المغرب إذا دخل مع الإمام في الركعة الثالثة، ماذا سيفعل صاحبنا؟ سيصلي معه ركعتين، ثم يتشهد، ثم يأتي بعد الإمام بركعة، وتتم صلاته، ما هو الدليل على جواز الانفراد عن الإمام في المسألة السابقة؟ والإمام يجب أن يؤتم به، فكيف ينفصل عنه؟

الجواب: إذا وجد العذر جاز الانفصال، وإنما يحرم الانفصال بغير عذر، والانفراد بالعذر الشرعي أو الحسي جائز بالدليل، فمثلًا صلاة الخوف في أحد هيئاتها، نصف الجيش، الطائفة الأولى، تصلي مع الإمام ركعة، فإذا قام الإمام إلى الثانية نوت الانفراد وأتمت الركعة الثانية، وسلمت وانصرفت والإمام باق واقفًا، فتأتي الطائفة الثانية وتصلي معه لتدرك مع الإمام ركعة ويكون لها فضيلة الجماعة.

بأي عذر جعلنا الطائفة الأولى في إحدى كيفيات صلاة الخوف تصلي ركعتين خلف الإمام الذي صلى ركعة وتنصرف لتأتي مكانها الطائفة الثانية؟

الجواب: العذر، عذر الحال، هذه صلاة خوف، وهنالك عدو، ونريد أن تدرك الجماعة الطائفة الثانية.

أيضًا دليل آخر لما صلى معاذ العشاء، هو كان يصلي مع النبي ﷺ وصلاة النبي ﷺ صلاة متأنية، ثم ينصرف معاذ بعد الصلاة، ومسافة الطريق، حتى يصل إلى حيه وأهله وعشيرته، وعندهم مسجد في حيه، فنظرًا لأهليته للإمامة، وفقهه، وقراءته، وحفظه، يصلي بهم إمامًا، فيصل إليهم متأخرًا، فكان يصلي بهم ويطيل، يعني ربما قرأ من البقرة مثلًا، وأعرابي جاء، أو ربما كان في عمل منهك طيلة اليوم من الصباح إلى الليل، ثم جاء الآن متعبًا منهكًا لصلاة العشاء فوجد معاذًا جاء متأخرًا ثم يطيل في صلاته، ما تحمل، فلما أطال معاذ، انفرد الرجل، وأكمل الصلاة وحده، فغضب معاذ بعد الصلاة، وصار الاتهام بالنفاق "لأشكونك إلى النبي ﷺ، وأنا لأرفعن أمرك إلى النبي ﷺ" والشكوى المتبادلة، وذهب إلى النبي ﷺ، وسأل النبي ﷺ الرجل لماذا فعل ذلك؟ فقال: يا رسول الله يصلي معك ثم جاء يأتي إلينا ثم يطيل الصلاة بنا ويتأخر، فغضب النبي ﷺ غضبًا شديدًا.

الشاهد: أن النبي ﷺ أقر الرجل على فعله وما أمره بإعادة الصلاة، ولا قال له: أنت انفردت عن الإمام، صلاتك باطلة، أعد الصلاة، ما قال ذلك.

إذًا، إذا حصل عذر مثل الإطباق الشديد للنعاس على المأموم، يعني واحد بدأ الصلاة مع الإمام في الفجر أو في غيرها، فأطبق عليه النعاس إطباقًا شديدًا، يعني ممكن الآن ما يدري، ما يحس، ولا يفهم، ولا يعقل شيئًا، فآثر الرجل أن يكمل صلاته وحده موجزة وينصرف، لو حصل من هذا القبيل عذر ملح حقيقي، وليس واحد كسلان، طول الإمام شوي، يالله، لأن بعض الناس عندهم كسل الآن، ولو الإمام سبح أربع أو خمس تسبيحات؛ طول، حتى لو قرأ سبح والغاشية، ما يرضى، يقول: ليش؟ وقل هو الله أحد، ليش نزلت؟ كأنه نزلت لأجل أن يقرأ دائمًا بها، لأجل حضرته، التطويل والتقصير، ما هي على هوى الناس، كل واحد طولت قصرت.

المسألة موافقة السنة، والنبي ﷺ أرشد الأئمة إلى القراءة.

ثم هنالك سنة ونحن ينبغي أن نقتدي بها، يعني الآن من السنة قراءة السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة، لو الإمام قرأ السجدة والإنسان، هل يلام، ويعنف، ويوبخ، وتترك الصلاة وراءه، وتصير قضية؟ لأن الإمام قام بالسنة، وصلى السجدة في الركعة الأولى، والإنسان في الركعة الثانية، هل صلى بهم البقرة وآل عمران؟ لا، صلى السجدة وسورة الإنسان.

فإذًا، بعض الناس عندهم هوى، ويريد أن الإمام يمشي على مزاجه هو، ويتحكم في الإمام طولت قصرت، لا، الإمام عليه أن يتبع السنة، وعلى المأمومين الرضا.

قضية أن يطرأ عذر قهري، واحد جاء من يستغيث به من خارج المسجد البيت يحترق.

هذه مسألة طوارئ، قضية إطباق النعاس المذكورة، الإنهاك مثل قصة الأعرابي الذي صلى خلف معاذ، هذه أعذار أو هذه أحوال خاصة، لكن نحن كان شاهدنا من القصة ما هو؟

أن الأعرابي لما انفرد عن معاذ بعذر صحيح أقره النبي ﷺ على ذلك.

فإذًا، لو انفرد من يصلي المغرب خلف الإمام الذي يصلي العشاء بعد الركعة الثالثة، فانفراده صحيح، ولكن الأفضل والأكمل ومحافظة على أكبر قدر ممكن من الموافقة أن يبقى المأموم جالسًا بعد الركعة الثالثة، حتى ينزل الإمام من الرابعة، ويتشهد، ويسلم، فيسلم معه.

حكم اقتداء المقيم بالمسافر والعكس

00:20:53

ما حكم اقتداء المقيم بالمسافر والعكس؟

الجواب: يجوز اقتداء المقيم بالمسافر باتفاق الفقهاء.

اتفق الفقهاء على جواز اقتداء المقيم بالمسافر، وله حالتان:

أن يكون الإمام مسافرًا.

والثاني: أن يكون الإمام مقيمًا.

نقول : اقتداء المقيم بالمسافر هذه واحدة منهما؛ لأن الثانية هي اقتداء المسافر بالمقيم، فإذا كان الإمام مسافرًا فإنه يقصر الصلاة، ثم يقوم المصلون المقيمون خلفه ليتموا صلاتهم، ويعتبر في هذه الحالة كالمسبوق عند أكثر الفقهاء، في الموطأ من قول عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر.

ماذا إذا كان الإمام مقيمًا والمأموم مسافرًا؟

الجواب: في هذه الحالة يجب على المأموم المسافر إتمام صلاته خلف الإمام المقيم متابعة للإمام، ودليل ذلك ما أخرجه أحمد عن موسى بن سلمة قال: "كنا مع ابن عباس -رضي الله عنهما- بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبي القاسم ﷺ" وهذا حديث صحيح [رواه أحمد: 1862].

فإذًا، كلام ابن عباس "مضت السنة أن يتم المسافر خلف المقيم" إذا صليت وراء مقيم لابد أن تتم الصلاة.

عليك إذًا يا أيها المسافر أن تتم الصلاة خلف المقيم.

لو أدركه في التشهد الأخير، ماذا يفعل؟

ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى أن المسافر إذا أدرك الإمام المقيم في التشهد الأخير فإنه يقصر؛ لأنه لم يدرك الجماعة؛ لأنه لا تدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة فأكثر، وحيث أنه لم يدرك ركعة فأكثر، فإذًا ما أدرك الجماعة، وبالتالي لا يلزمه الإتمام خلف الإمام؛ لأنه ما أدرك الجماعة، وجاء في التشهد الأخير، هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-.

حكم صلاة الفرض خلف من يصلي الجنازة

00:23:26

المسألة الرابعة: صلاة الفرض خلف من يصلي الجنازة، ننظر الآن، لما تكون الصلاة ما فيها ركوع، ولا سجود، مثل صلاة الجنازة، هل يجوز أن يأتم إنسان يصلي الفريضة بمن يصلي الجنازة؟ أنت ذهبت إلى الحرم، فوجدت الإمام في الحرم انتهى من الفريضة، ودخل في صلاة الجنازة، أحضروا له جنازة، وقام يصلي، هل يجوز أن تقتدي به وتنوي الفريضة؟ ذهبت لتصلي على صاحب لك، أو قريب لك، في مسجد في البلد، فوصلت متأخرًا، وقد انتهى الإمام من صلاة الفريضة، وشرع في صلاة الجنازة، هل يجوز أن تدخل معه في صلاة الفريضة وهو يصلي الجنازة؟

ذهب شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى ذلك وأجازه، وأنه يتابع الإمام للتكبير، فإذا سلم الإمام من صلاة الجنازة يتم صلاته.

لكن كثير من أهل العلم لا يصحح هذا الاقتداء، قال الشيخ ابن عثيمين: "في القلب من هذا القول شيء" يعني من قول شيخ الإسلام، وذلك لأن المصلي على الجنازة يصلي صلاة تخالف صلاة المأموم في الأفعال والصفة، فهي صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، وحتى على قول الشافعية الذين يشترطون اتفاق الصلاتين نظمًا لا تصح لمخالفتهما في نظم الصلاة، وتعذر المتابعة، قال النووي -رحمه الله-: "فلو اختلفت صلاتا الإمام والمأموم في الأفعال الظاهرة بأن اقتدى مفترض بمن يصلي جنازة أو كسوفًا لم تصح على الصحيح" [روضة الطالبين: 1/ 367].

وجاء في حاشية قليوبي وعميرة: "فإن اختلف فعلهما" أي الصلاتين "كمكتوبة وكسوف أو جنازة لم تصح القدوة فيهما على الصحيح لتعذر المتابعة" [حاشيتا قليوبي وعميرة: 1/ 284].

ولعل هذا القول هو الأرجح، وذلك لأن الاختلاف بين الصلاتين كبير تتعذر معه المتابعة، بخلاف الظهر وراء العصر، والمغرب وراء العشاء، فيه تشابه في الأركان والواجبات، مما ييسر المتابعة.

سنكمل بمشيئة الله -تعالى- بعض مسائل الائتمام في الدرس القادم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.