الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام متابعة الإمام - الدرس الأول


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة
أحوال المأموم مع الإمام
متابعة المأموم للإمام
موافقة الإمام للمأموم
حكم مقارنة المأموم للإمام في تكبيرة الإحرام
مسابقة المأموم للإمام
حكم صلاة من سبق الإمام في شيء من صلاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ملخص الدرس الماضي

00:00:14

فكنا قد تحدثنا في الدرس الماضي في شرح "منهج السالكين" للشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في أحكام متابعة الإمام، تكلمنا عن حديث صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وفي لفظ: بخمس وعشرين درجة.

وقلنا: إن الاختلاف بين الخمس والعشرين، والسبع والعشرين، محمول على اختلاف أحوال المصلين، والصلاة، فتكون لبعضهم خمسًا وعشرين، ولبعضهم سبعًا وعشرين، بحسب كمال الصلاة، ومحافظته على هيئاتها، وخشوعها، كثرة جماعتها، فضلهم، شرف البقعة، ونحو ذلك، وأن هذا الفضل والأجر المضاعف خاصًا بصلاة الجماعة في المسجد، أو جماعة لم يكن لديهم مسجد، أو معذورين شرعًا في عدم الذهاب إلى المسجد، وأن هذا الأجر خاص أيضًا بالجماعة الأولى.

وتكلمنا عن مسألة استحباب إعادة الصلاة في جماعة، وأن من صلى الفرض منفردًا، ثم حضر المسجد فوجد الجماعة قائمة، فيستحب له أن يصلي معهم باتفاق العلماء، وذلك لتحصيل الفضل، وأما من صلى المكتوبة في جماعة، ثم وجد جماعة أخرى، فاختلف العلماء في استحباب إعادة الجماعة بالنسبة له، هل يعيد أم لا؟ وقلنا: إن الأرجح استحباب إعادة الجماعة له، لعموم الحديث، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.

وذكرنا أن حديث:  لا تعاد الصلاة في يوم مرتين  المقصود به أحد أمرين:

الأول: أن يصليهما كلتاهما على وجه الفرض، كما قال ابن عبد البر: هذا منهي عنه، ما يمكن تصلي صلاة واحدة مرتين في نفس اليوم، تصلي الظهر والظهر، أو العصر والعصر مرة ثانية، ما يمكن.

 الثاني: أن يعيد الصلاة مطلقًا من غير سبب، واحد صلى الظهر بشكل صحيح ويعيدها، وذكر هذا المعنى شيخ الإسلام -رحمه الله-.

وهذا طبعًا فيه إغلاق باب الوسوسة، أن المقصود بالنهي هذا فيه إغلاق لباب الوسوسة، لا تعاد الصلاة في يوم مرتين، فالموسوس مما يوعظ به هذا، يقال له : كيف تعيد الصلاة ونبيك ﷺ نهى عن هذا، وقال: لا تعاد الصلاة في يوم مرتين [رواه النسائي: 860]؟

واحد صلى مع الجماعة ثم جاء إلى مسجد آخر، فوجدهم يصلون ماذا يفعل؟

قلنا : يصلي معهم كل الصلوات، حتى لو الفجر، لو العصر، لو المغرب؛ لأنه إذا صلى الفجر مع الثاني، فإنه سيصلي بعد الفجر، فهل هذا يدخل في النهي؟

صلى العصر في جماعة، ثم أتى مسجدًا يصلون العصر، هل يصلي معهم؟ هل هذه منهي عنها؟

فقلنا: الراجح أنه يصلي مرة أخرى، لا بنية الفرض، يصلي مرة أخرى، في أي صلاة من الصلوات، هذا الراجح، وهذا مذهب الشافعية، واختاره من المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين، وشيخه محمد بن إبراهيم -رحمه الله-.

ذهب الجمهور إلى أنه لا تعاد صلاة المغرب لسببين.

لا تعاد، يعني لا يصلي مرة أخرى مع أناس يصلون المغرب.

أما الفريضة نفسها فلا يعيدها، هذا في جميع الحالات، لا يعيدها بنية الفرض، لكن صلى المغرب في جماعة ثم جاء إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون المغرب فهل يصلي معهم المغرب؟

الجمهور منعوا ذلك.

ماذا يفعل؟

يصلي ركعتين، أو يصلي أربعاً، هذا شيء آخر، يصلي معهم لكن ليس ثلاثًا، هكذا قال، يصلي معهم يشفعها برابعة، لماذا قالوا؟

العلة الأولى: أنه لا يسن التطوع بثلاث ركعات؛ لأن النبي ﷺ قال: صلاة الليل مثنى مثنى .

ومن صلى ثلاثًا خالف حديث:  صلاة الليل مثنى مثنى  بما أنه سيصلي نافلة.

فالآن إذا صلى ثلاثًا خالف؟

أجيب عن هذا بأن الذي أخبر أن  صلاة الليل والنهار مثى مثنى  هو الذي أمر من صلى، ثم وجد جماعة تصلي، أن يصلي معهم، ولم يخص صلاة دون صلاة.

العلة الثانية لمن قال المغرب بالذات ما تصليها مع جماعة ثانية، وقد صليت المغرب من قبل، قالوا: المغرب وتر النهار، فلو صلاها ثانية لشفعها، فبطل كونها وترًا.

وقال الشيخ ابن عثيمين معقبًا على هذا: "هذا التعليل فيه شيء"[الشرح الممتع: 4/ 156]؛ لأنه يمكن أن نقول: إن إعادة المغرب من أجل السبب الذي حدث، وهو حضور الجماعة، هذا السبب ليس لأجل أنه يريد أن يشفع الوتر، وإنما لأجل أنه حضر الجماعة، وتابع الإمام وسلم معه، وقالوا أي الذين ذهبوا إلى جواز أن يعيد الإنسان المغرب مع جماعة ثانية: يصليها ثلاثًا إذا وجد مصلون ويدخل معهم، ولو كانت الصلاة ثلاثًا، قالوا: دليلنا عموم قول النبي ﷺ:  إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم  قالوا : فما الذي يستثني المغرب؟ فما دام النبي ﷺ لم يستثن شيئًا، فإن الإنسان إذا صلى المغرب في جماعة، أو في رحله، في مسجد حيه، ثم جاء إلى مسجد آخر يصلون المغرب يصلي معهم وسبب الصلاة موافقة الجماعة الثانية التي ذهب إليها.

فلو نحن الآن درسنا هذا بعد المغرب، قد نؤخر صلاة المغرب قليلًا لاجتماع الطلاب، واحد صلى في مسجد قريب، يصلي بعد الأذان، يعني مباشرة، مسجد سوق، ثم جاء لحضور الدرس، فوجدنا نصلي، هل يصلي المغرب معنا؟ يصلي، هل يشفعها بركعة فيجعلها أربعًا، أو يسلم مع الإمام؟ هذا محل الاجتهاد، وقلنا: هذه مسألة ما فيها إنكار، هذه مسألة اجتهادية، كل من الفريقين عنده أدلة.

ابن حزم -رحمه الله- من إجابته على قولهم إنه لو صلى ثلاثًا بعد ثلاث المغرب شفعتها، قال: "النافلة لا تشفع الفريضة"[المحلى: 2/ 25].

وقال ابن رشد: "والتمسك بالعموم أقوى من الاستثناء بهذا النوع من القياس"[بداية المجتهد: 1/116] يعني التمسك بعموم حديث:  إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم  هذا العموم الذي يشمل المغرب وغيره أقوى من استثناء المغرب بقياس، أنه حتى لا نشفع، حتى لا نبطل الوتر الأول، قالوا : إعمال عموم الحديث أولى من مراعاة هذا القياس.

الصلاة الثانية المعادة، تكون نافلة عند جمهور العلماء؛ لحديث: فإنها لكما نافلة  فقد صرح بأن الثانية نافلة؛ لأن الفرض الأول وقع فرضًا، الصلاة الأولى وقعت فرضًا، كتبت فرضًا، أجزأت، سقط الوجوب عنه بصلاتها، فلا سبيل إلى إعادتها مرة أخرى، يعني بنية الفرض، وبعضهم قال : تنقلب الأولى نافلة، والثانية تصبح هي الفرض.

وبعضهم قال: إن أمر الاختيار إلى الله ، فهو الذي يكتب لك أيتهما هي الفرض، ماذا ينوي بالصلاة الثانية؟ لو واحد جاء يصلي الآن مع جماعة ثانية، دخل مسجدًا آخر، وجدهم يصلون العصر، وهو قد صلى العصر ماذا ينوي؟

قال شيخ الإسلام: "وإذا صلى مع الجماعة نوى بالثانية معادة، وكانت الأولى فرضًا، والثانية نفلًا، على الصحيح، كما دل عليه هذا الحديث وغيره"[مجموع الفتاوى: 23/ 259].

قال في "كشاف القناع": "فلا ينوي الثانية فرضًا، بل ظهرًا معادة مثلًا؛ لأن الأولى أسقطت الفرض، وإن نواها، أي المعادة، نفلًا صح لمطابقته الواقع، وإن نواها ظهرًا مثلًا فقط صحت، وكانت نفلًا"[كشاف القناع: 1/458].

وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة

00:08:56

قال المصنف -رحمه الله- وعن أبي هريرة مرفوعًا: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون [رواه أبو داود: 603، وأصله في الصحيحين"].

هذا الحديث رواه أصحاب الكتب الستة في مصنفاتهم، ولفظ البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:  إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون [رواه البخاري: 722، ومسلم: 414].

يعد هذا الحديث في الحقيقة أصل في وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة.

أحوال المأموم مع الإمام

00:10:13

وللمأموم مع إمامه أربعة أحوال:

الأول: المتابعة.

الثاني: الموافقة.

الثالث: المسابقة.

الرابع: المخالفة.

متابعة المأموم للإمام

00:10:25

الحالة الأولى وهي: المتابعة، متى يعتبر المأموم متابعًا لإمامه؟ وما هو تعريف المتابعة؟

قال العلماء: المراد منها أن يجري على إثر الإمام، بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منها متأخرًا عن ابتداء الإمام به، يعني ابتداؤه بتكبيرة الإحرام، متأخر عن ابتداء الإمام بتكبيرة الإحرام، ابتداؤه بالركوع متأخر عن ابتداء الإمام بالركوع، وهكذا.. ومتقدمًا على فراغه منه [روضة الطالبين: 1/ 369] طبعًا سيكون ابتداء المأموم بالركوع قبل انتهاء الإمام من الركوع.

فالمقصود بها، يعني بالمتابعة أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد شروع الإمام من غير أن يتقدم على إمامه، ولا يوافقه ولا يتخلف عنه، ولا يختلف عليه، بل ينتقل إلى الركن الذي انتقل إليه الإمام بمجرد أن ينتقل إليه الإمام بعد ما ينقطع تكبير الإمام، يقول: الله أكبر، إذا خلصت الراء شرع المأموم في الحركة متابعًا إمامه بعده مباشرة، ليس قبله ولا معه ولا يتأخر عنه ويتخلف، وإنما بعده مباشرة، استقر الإمام في الركوع يتحرك المأموم، استقر الإمام في السجود ينزل المأموم،ـ وهكذا..

قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: "أفعال المأموم تكون متأخرة عن أفعال الإمام، فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام من التكبير، ويركع بعد شروع الإمام في التكبير، وقبل رفعه منه، وكذا سائر الأفعال" [طرح التثريب: 2/329].

مما يدل على وجوب متابعة المأموم للإمام: قول النبي ﷺ: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه .

قال ابن حجر: "الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة، فتنتفي المسابقة والمقارنة والمخالفة"[فتح الباري: 2/ 174]، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه، كيف يصير تابعا ثم يسبقه؟ كيف يقارنه ويصير تابعاً، يمشي معه نفس السرعة، ونفس الحركة معه مقارنة؟ ثم يقال: هذا تابع لهذا، لا يمكن يسبقه، وهو تابع له، ما يمكن يتأخر عنه جدًا وهو تابع له، لا يمكن، إذًا المتابع الذي يعمل مثله بعده مباشرة، يفعل مثل فعله بعده مباشرة ويراقب أحواله، ويأتي بمثل ما يأتي به ولا يخالفه في شيء من الأحوال.

ويؤكد هذا المعنى قول النبي ﷺ: فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا ؛ لأن "الفاء" تدل على التعقيب والمتابعة.

سبق معنا أن تأمين المأموم يكون مقارنًا لتأمين الإمام، فهل يخالف هذا ما نقوله الآن؟

 إذا أمن فأمنوا   فسرناها سابقًا إذا بلغ موضع التأمين، أو شرع قال: آ، تقول: آ، أو إذا بلغ موضع التأمين تؤمن، إذا أنجد بلغ نجدًا، إذا أمن بلغ موضع التأمين، فهل ما ذكرناه سابقًا يخالف هذه القضية وهي المتابعة؛ لأن بعضهم فهم إذا قال: آمين، وخلص النون ثم أنت تقول: آمين؟

الجواب: إذا كان قوله: وإذا ركع فاركعوا  يدل على التعقيب والمتابعة فإن قوله:   إذا أمن فأمنوا  ليس معناه أن ننتظر انتهاء الإمام من التأمين ثم نؤمن، والذي صرفنا عن إجراء حكم  إذا كبر فكبروا  على  إذا أمن فأمنوا  هو قول النبي ﷺ:  إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين ؛ لأنه لو احتج علينا شخص فقال: أنتم تقولون المتابعة وإذا كبر فكبروا  يعني بعده مباشرة،   وإذا ركع فاركعوا  يعني بعده مباشرة، وإذا سجد فاسجدوا  يعني بعده مباشرة.

إذًا، قوله: إذا أمن فأمنوا  يعني بعدما ينتهي من التأمين تؤمنوا مباشرة، واحتجاجه صحيح، وما يمكن الطعن فيه، لكن لأن عندنا حديث آخر صرفنا معنى  إذا أمن فأمنوا من المتابعة إلى الموافقة ما هو هذا النص؟

قوله ﷺ:  إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين  هذه فسرت لنا  إذا أمن فأمنوا  يعني إذا وصل موضع التأمين.

ولها وجه في اللغة: إذا أنجد، يعني بلغ نجدًا، ولذلك نقول: إن موافقة المأموم للإمام بالتأمين ومقارنتهم له ليست مخالفة للحديث لقوله: إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين  يدل على ذلك.

ومما يدل عليه أيضًا تكملة الحديث  فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه [رواه البخاري: 782] ومتى تؤمن بالملائكة؟ إذا قال الإمام في الأرض: آمين، قالت الملائكة في السماء : آمين.

فينبغي أن يقع تأمين المأموم والمأموم في وقت واحد، ليوافق تأمين الملائكة.

وأما بقية أحوال الصلاة، فمما يؤكد أن تكون أفعال المأموم فيها بعد أفعال الإمام، ما جاء في رواية أبي داود: فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد [رواه أبو داود: 603].

قال العراقي: "وفائدة هذه الزيادة عند أبي داود نفي احتمال المقارنة"[طرح التثريب: 2/330] يعني لو قال واحد: وإذا سجد فاسجدوا، يعني إذا بلغ موضع السجود، إذا أراد أن يحتج بمثل ما احتججنا به في قضية التأمين، فنقول لك : لكن هنا عندنا نص صريح منه ﷺ أن لا نكبر حتى يكبر، ولا نركع حتى يركع، فانتفت المقارنة، هنا انتفت المقارنة، بخلاف حديث: إذا قرأ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين  [رواه مسلم: 410] هنا يفيد المقارنة.

موافقة الإمام للمأموم

00:18:02

الحالة الثانية: الموافقة والمقارنة:

لأننا قلنا : إن هناك أربعة أحوال، يمكن أن نتصور أربعة أحوال، المتابعة، وذكرنا تعريفها، والمقارنة أن تكون أفعال المأموم مقارنة لأفعال الإمام تمامًا، فإذا ركع ركع معه، وإذا سجد سجد معه، وإذا قام قام معه، ما حكم هذا؟

مكروه؛ كما ذهب إليه جمهور العلماء خلافًا لما في مذهب الحنفية.

مما يدل على كراهية مقارنة المأموم للإمام في الصلاة قول النبي ﷺ: فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر  ففيها نهي، يعني لأنه إذا وافقته، معناها ركعت معه، ما تركته يركع حتى أركع، ولا تركته يسجد فأسجد بعده، وإنما سجدت معه، ركعت معه، فخالفت الحديث، هذه المخالفة هنا، ولا تكبروا حتى يكبر، ولا تركعوا حتى يركع، هذا صريح في النهي عن المقارنة، قال ابن رجب -رحمه الله- في كتابه: "فتح الباري": "وفيه دليل على أن سجود المأموم يكون عقيب سجود الإمام، ولا يكون معه ولا قبله"[فتح الباري: 6/ 162].

ومما يدل أيضًا على نفي المقارنة ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ قال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم  ولا الضالين، فقولوا: آمين، يجبكم الله، فإذا كبر وركع فكبروا، واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم [رواه مسلم: 404] هذه الجملة في رواية مسلم  فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم  يدل على انتفاء المقارنة، فقال رسول الله ﷺ: فتلك بتلك  ثم قال : وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم  صريح وواضح في أن الإمام يركع ويرفع قبل المأمومين، قال النووي -رحمه الله-: "معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه، ومعنى تلك بتلك، أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة، فتلك اللحظة بتلك اللحظة، وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه، وقال مثله في السجود"[شرح النووي على مسلم: 4/ 121] يعني الإمام إذا ركع واستمر ركوعه مثلًا عشر ثوانٍ، أنت لما ركعت بعده، فكم يكون هو قد بقي في الركوع؟ ثانية، ثانيتين مثلًا، فهو ركع واستقر ظهره راكعًا، بدأنا الثانية الأولى، الثانية الثانية، الثانية الثالثة، أنت ركعت بعده، واستقر ظهرك راكعًا، كم بينك وبينه؟ سبقك بكم ثانية في الركوع مثلًا؟ ثانيتين مثلًا، الآن أنت تخلفت عنه ثانيتين، لما رفع، أنت لا زلت راكعًا، فلما استقر رافعًا، أنت بدأت بالحركة وارتفعت، هذا التخلف عنه حتى يرفع، يعوض ما فقدته أنت معه، هذا ما فسره بعضهم لقوله ﷺ: تلك بتلك .

فإذًا، صار في النهاية طول ركوعه وطول ركوعك واحدًا.

ومن نظر إلى أن أقارنه حتى أكون معه سواء بسواء، يكون بهذه الحالة ما فاته شيء، لكن خالف، والحديث يعالج هذا الشيء النفسي، ويقول : إذا أنت انتظرت حتى يركع، ثم ركعت، لا تخشى أنه قد فاتك شيء، فأصلًا أنت الآن ستنتظره حتى يركع ثم ترفع، وهذا يعوض ذاك فتلك بتلك، فالمأموم لا يبدأ في الانتقال إلى الركن، إلا بعد وصول الإمام إليه، فلا يركع حتى يركع الإمام، ولا يسجد حتى يسجد الإمام، وهذا ما جاء مصرحًا به في صحيح البخاري عن البراء قال: "كان رسول الله ﷺ إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي ﷺ ساجدًا ثم نقع سجودًا بعده  وأكثر المأمومين إلا من رحم الله يخالف هذا الحديث.

هذه نلاحظها في المساجد، انظر في أحوال الناس في صلاة الجماعة تجد أنه لا يكاد يطبق هذه السنة أحد إلا من رحم الله، أنه ما أحد يحني ظهره حتى يقع أنف وجبهة النبي ﷺ على الأرض، ما أحد يحني ظهره حتى يقع أنف وجبهة النبي ﷺ على الأرض، من الذي يطبق هذا اليوم؟

إلا أول ما يقول: الله أكبر، على طول وراه، وربما يسبقه بعضهم.

قد يكون الإمام مسنًا أو ثقيلًا فنزوله فيه بطء، وصاحبنا رشيقًا نحيلًا، لكنه لا يطبق السنة، ولا يراعي، فيسبق الإمام.

الحديث ينص على أن المأموم ما يحني ظهره حتى يصل الإمام إلى السجود، لما تصل جبهة الإمام وأنفه إلى الأرض، عند ذلك أنت تحني ظهرك، لكن هذا تطبيقه، والعمل به في المأمومين قليل نادر، اعتبر وفكر وستجد هذا، وهذا إما جهل الناس بالسنة، أو عدم حرصهم على العمل بها، وكذلك طبع الناس، وخلق الإنسان عجولًا، فروى البخاري عن البراء قال: "كان رسول الله ﷺ إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي ﷺ ساجدًا، ثم نقع سجودًا بعده[رواه البخاري: 690، ومسلم: 474].

"وفي الحديث: دليل على أن المأموم يتابع الإمام، وتكون أفعاله بعد أفعال الإمام، فإن البراء أخبر أنهم كانوا إذا رفعوا من الركوع لم يحن أحد منهم ظهره حتى يقع النبي ﷺ ساجدًا ثم يسجدون بعده"[فتح الباري، لابن رجب: 6/ 163].

قال ابن حجر: "ووقع عند مسلم: "فكان لا يحني أحد منا ظهره حتى يستتم" يعني النبي ﷺ ساجدًا، ولأبي يعلى من حديث أنس قال: "حتى يتمكن النبي ﷺ من السجود الأنف والجبهة واليدين والركبتين والقدمين صارت كلها في الأرض، كله تمكن ساجدًا وهو أوضح في انتفاء المقارنة" [فتح الباري، لابن حجر: 2/ 182] فالمشروع للمأموم أن يتابع إمامه بعد انتقاله إلى الركن مباشرة، فالعبرة بفعل الإمام لا بتكبيره.

لو واحد قال: بعض الأئمة تكبيرهم ما هو موافق للسنة، الآن السنة وردت كان يكبر حين يركع، يكبر حين يسجد، فإذا صار الإمام يكبر قبل، أو يكبر بعد، أيش نفعل نحن؟

نقول: العبرة بفعله لا بتكبيره، لكن لو كان تكبيره منضبطًا، إذا انقطعت الراء، ممكن ما ترى الإمام، أنت الآن بعيد، بينك وبينه عشرة صفوف، أنت ما تدري الآن أنف الإمام وجبهته وصلت الأرض والا لا، فماذا تفعل؟ أنت ما ترى الحركة، ستسمع التكبير، فإذا انقطع التكبير انتهت الراء: الله أكبر، تتحرك، ولذلك الإمام ينبغي أن يكون منضبطًا في الموازنة بين فعله وتكبيره، بين حركته وتكبيره، هذا بالنسبة لقضية التكبير، والحركة إذا كنت ترى حركة الإمام تقدم الحركة، فإذا استقر راكعًا أنت تنزل، إذا استقر ساجدًا أن تنزل.

أما من لا يرى الإمام فليس له إلا الاعتماد على قوله وصوته، فإنه يبدأ في الانتقال إلى الركن بعد انتهاء الإمام من التكبير.

فإذًا، النتيجة المتابعة لا المقارنة، ولا المسابقة بطبيعة الحال.

ماذا إذا كانت الموافقة والمقارنة في تكبيرة الإحرام هل يختلف الحكم؟

حكم مقارنة المأموم للإمام في تكبيرة الإحرام

00:28:15

مرة أخرى قلنا بأن مقارنة المأموم للإمام مكروهة، لكنها لا تبطل الصلاة، فهل هذا الحكم يسري على تكبيرة الإحرام أيضًا؟ وماذا لو وافق المأموم الإمام في تكبيرة الإحرام؟

ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن مقارنة المأموم للإمام في تكبيرة الإحرام تضر بالاقتداء، وتبطل الصلاة بالنسبة للمقتدي عمدًا كان أو سهوًا [فتح الباري، لابن رجب: 7/ 382، الموسوعة الفقهية الكويتية: 6/ 30].

قال النووي -رحمه الله-: "إن قارنه في تكبيرة الإحرام أو شك في مقارنته أو ظن أنه تأخر عنه فبان مقارنته لم تنعقد صلاته"[المجموع: 4/ 235].

قال "البهوتي" من الحنابلة: "إن كبر" يعني الإمام للإحرام معه، أي قارن إمامه أو كبر المأموم قبل تمامه، أي تمام إحرام إمامه لم تنعقد صلاته، يعني صلاة المأموم عمدًا كان أو سهوًا؛ لأنه تم بمن لم تنعقد صلاته"[كشاف القناع: 1/ 465].

والخلاصة: أن مقارنة المأموم للإمام مكروهة إلا في تكبيرة الإحرام فإنها تبطل الصلاة.

طبعًا من باب أولى إذا كبر للإحرام قبل إمامه فإن صلاته لا تنعقد؛ لأنه هو الآن نوى أن يربط صلاته بصلاة الإمام، هذا هو الاقتداء، وهذه صلاة الجماعة، أنت الآن تنوي أن تجعل صلاتك مع صلاة الإمام مربوطة بها.

وكنت قد سألت شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: عن رجل مسن، كبير في السن من المأمومين، قال الإمام: استووا اعتدلوا فظنها المسن تكبيرة الإحرام فكبر ثم كبر الإمام، فقال الشيخ: لا تنعقد صلاته، يعني يعيدها، ما تصح.

مسابقة المأموم للإمام

00:30:31

الحالة الثالثة: مسابقة الإمام بأن يركع المأموم قبله أو يسجد قبله أو يرفع رأسه من السجود قبله، فهذا حرام، وقد ورد التحذير الشديد والتغليظ الأكيد، والوعيد على من سابق إمامه في فعل من أفعال الصلاة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "أما مسابقة الإمام فحرام باتفاق الأئمة، لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه، ولا يرفع قبله، ولا يسجد قبله، وقد استفاضت الأحاديث عن النبي ﷺ بالنهي عن ذلك" [مجموع الفتاوى: 23/ 336].

وعن أنس قال: "صلى بنا رسول الله ﷺ ذات يوم فلما قضى صلاته أقبل علينا بوجهه، فقال: أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي [رواه مسلم: 426].

من الخصائص النبوية: أن النبي ﷺ يرى من خلفه ووجهه إلى القبلة، هذه من المعجزات، قال النووي -رحمه الله- معلقًا على الحديث: "فيه تحريم هذه الأمور المسابقة وما في معناها، مثلًا المسابقة في الرفع من الركوع، المسابقة في الرفع من السجود.

المسابقة في تكبيرة الإحرام، قال النووي -رحمه الله-: والمراد بالانصراف السلام، الانصراف من الصلاة هو التسليم.

وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:  ما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار [رواه البخاري: 691، ومسلم: 427].

قال النووي -رحمه الله-: "هذا كله بيان لغلظ تحريم ذلك"[شرح النووي على مسلم: 4/ 151].

وقال ابن رجب -رحمه الله-: "فيه دليل صريح عَلَى تحريم تعمد رفع المأموم رأسه قَبْلَ الإمام فِي ركوعه وسجوده؛ فإنه توعد عَلِيهِ بالمسخ"[فتح الباري: 6/ 166] يعني  أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار هذا هو المسخ الذي تعرض له بعض بني إسرائيل، عاقبهم الله بها أن العقل عقل إنسان، والصورة صورة قرد، أو خنزير، الشكل الهيئة الرأس.

إذًا، ممكن الله يعاقب بأن يجعل الرأس فقط رأس قرد أو خنزير، والباقي جسم إنسان، أو يقلب الصورة كلها باليدين والرجلين والجسم إلى جسم شكل قرد أو خنزير، قال ابن رجب -رحمه الله-: "وهو من أشد العقوبات المسخ" [فتح الباري: 6/ 166] هذا من أشد العقوبات أن إنسانا يعيش في مسلاخ قرد أو خنزير، وهو يحس بأحاسيس البشر، ومثل البشر، لكن الشكل والصورة قرد أو خنزير، إذا نظر في المرآة، أو صفحة الماء، أو نظر بعضهم إلى بعض، يرون قردة وخنازير، هذا من أشد العقوبات، هذا فيه عذاب نفسي أليم، الواحد يكون يمشي على رجلين فيصير يمشي على أربع، يكون رأسه إلى الأعلى، يصير رأسه إلى الأسفل بهيمة، هذا من الفروق بين الإنسان والدابة.

لماذا ما يمسخ غزال؟ لماذا ذكر الحمار؟

للنكاية في العذاب، اختص الحمار بالذكر من دون سائر الحيوانات على الرواية الصحيحة المشهورة؛ لأن الحمار من أبلد الحيوانات وأجهلها، وبه يضرب المثل في الجهل، ولهذا مثل الله به عالم السوء الذي يحمل العلم ولا ينتفع به؛ كما في قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ [الجمعة: 5] هذه جاءت في سورة الجمعة.

وجاء أيضًا التهديد والوعيد، فقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا  فكذلك المتعبد بالجهل يشبه الحمار، فإن الحمار يحرك رأسه ويرفعه ويخفضه لغير معنى، يعني الحمار إذا سوى كذا ما هو معناها أنه يقول لك لا، وإذا سوى كذا ما هو معناها أنه يوافق، يحرك رأسه بدون سبب، ما في معنى الحمار فعلًا من الحيوانات التي تلفت النظر في تحريك الرأس، فلذلك اختاره في قوله: أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار .

قال ابن العربي -رحمه الله-: ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال، مستعجل عندك شغل، تبغى تخلص، ما يمكن، صلاتك مرتبطة به، فوقفت على هذه الثانيتين، لماذا مستعجل؟ قال: "ودواؤه" علاج الآفة هذه "أن يستحضر، يفكر أنه لا يسلم قبل الإمام، فلا يستعجل في هذه الأفعال، إذا كان لا يمكن ينصرف قبل انصراف الإمام، فلماذا الاستعجال؟

حكم صلاة من سبق الإمام في شيء من صلاته

00:36:28

ما حكم صلاة من سبق الإمام في شيء من صلاته؟

الجواب: إذا كانت المسابقة في تكبيرة الإحرام فقد تقدم بأن صلاته لا تنعقد، وكذلك إذا سلم قبل الإمام عمدًا تبطل صلاته عند جمهور العلماء.

أما إذا كانت المسابقة في باقي أفعال الصلاة يسبقه في الركوع، في الرفع منه، في السجود، في الرفع منه، فإن هذه المسابقة تبطل الصلاة إذا كانت بركنين فأكثر، وإن سبقه بأقل فمذهب جمهور العلماء أن صلاته تصح مع الإثم [المجموع: 4/ 238، والمغني، لابن قدامة: 1/ 379].

قال ابن حجر -رحمه الله-: فالجمهور على أن فاعله" يعني فاعل المسابقة في غير تكبيرة الإحرام والتسليم الذي يركع قبل الإمام ويسجد قبل الإمام يأثم وتجزئ صلاته. وعن ابن عمر: تبطل، وبه قال أحمد في رواية. وأهل الظاهر عندهم النهي يقتضي الفساد"[فتح الباري، لابن حجر: 2/ 183] كذا بإطلاق، البطلان.

إذًا، تبطل.

وكان السلف يناصحون في هذه القضية ولا يترك الواحد منهم من بجنبه يصلي إذا خالف، لابد أن ينصحه بعد الصلاة، فعن أبي الورد الأنصاري قال: "صليت إلى جانب ابن عمر -رضي الله عنهما- فجعلت" أرفع رأسي قبل الإمام، جعلت "أرفع قبل الإمام، وأضع قبله، فلما سلم الإمام أخذ ابن عمر بيدي فلواني وجذبني، فقلت: ما لك؟ قال: من أنت؟ قلت له: فلان بن فلان، قال: أنت من أهل بيت صدق" أبوك، أهلك، أخيار، "أنت من أهل بيت صدق، فما منعك أن تصلي؟" لماذا ما صليت معنا؟ "قلت: أو ما رأيتني إلى جنبك؟" أنا كنت أصلي، قال: "قد رأيتك ترفع قبل الإمام، وتضع قبله، وإنه لا صلاة لمن خالف الإمام"[الاستذكار: 1/ 496].

القول ببطلان صلاة من سابق الإمام، هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، واختاره الشيخ ابن سعدي أيضًا والشيخ ابن عثيمين، واللجنة الدائمة.

ولكن إذا كانت مسابقته للإمام سهوًا أو جهلًا بالحكم فلا تبطل صلاته، ويلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه، جاء في "فتاوى اللجنة": "مسابقة المأموم لإمامه حرام، بل هي من كبائر الذنوب؛ لما ورد فيها من الوعيد"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (7/ 328].

وفي صحة صلاته خلاف، والراجح في ذلك: أنه إن سبقه عامدًا بطلت صلاته، وإن سبقه ساهيًا رجع إليه وتابعه، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "والصواب أن مسابقة الإمام عمدًا إذا كان السابق عالماً بالحال" يعني الإمام الآن مثلًا لا زال ساجدًا، والحكم أنه لا يجوز أن يرفع قبله، فإذا سابقه ورفع في هذه الحالة، قال الشيخ: أنها مبطلة للصلاة بمجرد ذلك سواء سبقه إلى ركن أو بركن أو ركنين، وسواء كان ذلك ركوعًا أو سجودًا أو غيرهما، وسواء أدركه الإمام أو رجع إلى ترتيب الصلاة؛ لأن النهي والوعيد يتناول هذا وما نهي عنه بخصوص العبادة كان من مفسداتها.

وأما القول بأن ذلك محرم، والإبطال يتوقف على السبق بركن الركوع أو بركنين، وغيره، فهذا القول لا دليل عليه، يقول الشيخ، وكما أنه خلاف النص فإنه خلاف نص الإمام أحمد كما صرح بذلك في رسالته المشهورة.

إذًا، عند هؤلاء العلماء تبطل الصلاة إذا سابقه متعمدًا ولو بركن واحد ما دام عالماً بالحكم، عالماً بالحال تبطل صلاته.

وأما المخالفة أو التخلف عن الإمام فهي قسمان: تخلف لعذر، وتخلف لغير عذر.

وسنتحدث بمشيئة الله -تعالى- عن هذا الموضوع في الدرس القادم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.