الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام متابعة الإمام - الدرس الخامس


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
حالات صلاة المأموم خلف إمام محدث
الصلاة خلف إمام وعليه نجاسة
أيهما أشد فعل المحظور أو ترك الواجب؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ملخص الدرس الماضي

00:00:14

فلا زلنا في أحكام متابعة الإمام والاقتداء به، وقد تحدثنا في الدرس الماضي عن جملة من المسائل، ومنها: صلاة الإمام وهو في مستوى أعلى من المأمومين، وبينا أن الراجح في هذه المسألة أنه يجوز عند الحاجة أن يكون الإمام أعلى من المأمومين.

وكذلك عند التعليم يجوز أن يرتفع عليهم كما ارتفع النبي ﷺ على المنبر وهو يصلي أمام الصحابة.

وكذلك تحدثنا عن حكم صلاة المأموم قدام الإمام، وذكرنا أن أكثر أهل العلم ذهب إلى بطلان صلاة المأموم الذي يتقدم على إمامه، وهذا المشهور من مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، والإمام مالك هو الذي ذهب إلى صحتها بناء على أن المسألة ليس فيها إلا فعل النبي ﷺ ولا أمر ولا نهي.

وذكرنا أن بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- توسطوا في المسألة فقالوا: إذا دعت الضرورة إلى تقدم المأموم على الإمام كأن لم يجد مكانًا من شدة الزحام، وتفوت صلاة الجمعة، فإن ذلك تصح به صلاة المأموم، وإلا فلا.

كما تعرضنا لمسألة ائتمام الناس بالإمام عبر أجهزة النقل كالقنوات والإذاعات، وبينا أنه لا تصح الصلاة في وجود المأموم في مكان مختلف عن مكان الإمام :

أولًا: يجب أن يكون المأموم في مكان الإمام، يعني في مسجد واحد مثلًا، وإذا امتدت الصفوف، صحت صلاة المأموم ولو كان في الخارج، ولو اتصلت الصفوف بمبانٍ وجسور وأنفاق، فتصح الصلاة فيها، مقتديًا كل صف بالصف الذي أمامه، حتى يبلغوا الإمام، ويعين على الاقتداء مكبرات الصوت الموجودة.

ثانياً : أن الاقتداء بالإمام من خارج المسجد مع وجود انقطاع في الصفوف لا يجوز، وأن هذا يؤدي إلى التهاون بالشعائر؛ لأن بعض الكسالى يمكن أن يصلي من حانوته مقتديًا بالإمام على أساس أن صوت المكبر يصل إلى الدكان، وبعضهم يصلي على الرصيف البعيد، وبجانب مدخل الفندق، ومن مصلى الفندق الذي يكون قريبًا من الحرم مع عدم اتصال الصفوف، وهذه صلاة لا تصح، وهي تعبر عن كسل في الحقيقة، وعدم الرغبة في دخول المساجد، وبعضهم يصلي في الساحات الخارجية بلا اتصال صفوف، وبينه وبين باب الحرم فراغات، وإذا دخل باب الحرم أمامه فراغات، فمثل هذه الصلاة خارج المسجد مع وجود الانقطاع لا تصح به الصلاة، وخصوصًا عندما يكون بين المصلي وبين المسجد طريق يمر منه الناس والسيارات، فيه انقطاع، ما في اتصال صفوف، وهو منبئ كما قلنا عن التكاسل عن الطاعات، وعدم الرغبة في الدرجات، والخطى التي تزداد بها الحسنات، وتكفر بها السيئات، اخط تقدم امش ادخل المسجد، ولكن كثير منهم إما الكسل أو الرغبة في فتح الدكان قبل بدقيقتين ،كم زبون سيحصل؟!

حالات صلاة المأموم خلف إمام محدث

00:03:49

قبل أن ننتقل عن أحكام الاقتداء سنذكر مسألتين ذكرهما الفقهاء في هذا الباب:

المسألة الأولى: الصلاة خلف المحدث

ما حكم الصلاة خلف المحدث؟ وهل يتصور أن نصلي خلف محدث؟

الجواب: نعم يتصور ذلك، فقد يكون ناسيًا مثل إمام أكل لحم إبل، وربما لا يدري أنه أكل لحم إبل، وجاء وصلى بهم العشاء والتراويح في رمضان، وبعد التراويح جاءه صاحب الطعام الذي دعاه، قال: ترى يا شيخ بالمناسبة السنبوسة التي أكلناها على الإفطار ترى فيها لحم إبل، وربما هذا ما توضأ، يعني بقي على الطهارة التي يعرفها، وراح صلى، أفطر، وتعشوا، وجلس عند المضيف إلى وقت العشاء، وجاء وصلى العشاء والتراويح والوتر، فقد يحصل أن يكون الإمام على غير وضوء، أو طهارته انتقضت وهو لا يدري، وقد يكون يدري ولكن نسي ودخل بالجماعة وصلى، فما حكم صلاة المأموم خلف إمام محدث على غير طهارة؟

قد يكتشف الإمام بعد صلاة الفجر أن في ثيابه أثر جنابة من احتلام ما كان يدري عنه ما اكتشفه إلا بعد صلاة الفجر فما حكم صلاة المأمومين خلفه؟ الذين صلوا خلفه وهم لا يعلمون، وهو لا يعلم، ما حكم صلاتهم خلفه؟

مسألة صلاة المأموم خلف إمام محدث لها حالتان:

الحالة الأولى: أن يعرف الإمام أو المأمومون بعد انتهاء الصلاة الثانية، أن يعرف الإمام والمأمومون أثناء الصلاة في الحالة الأولى.

 ما حكم صلاة المأموم خلف الإمام المحدث الذي لا يعرف لا هو ولا المأمومون أنه على حدث؟

الجواب: تصح صلاة المأمومين، بشرط أن يكون الإمام والمأموم جاهلين بذلك حتى تنتهي الصلاة، فإن علموا بعد الصلاة أعاد الإمام، ولا يعيد المأمومون، لا يجب عليهم، وأما الإمام فلأنه صلى بغير وضوء، فإنه لابد أن يعيد الصلاة بعد الطهارة؛ لحديث النبي ﷺ: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ [رواه البخاري: 6954، ومسلم: 225].

وعن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: يصلون لكم  الأئمة  يصلون لكم فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم  [رواه البخاري: 694] هو يتحمل المسؤولية.

أما المأموم فعذره ظاهر؛ لأنه لا يعلم، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

هذا الحكم في المأموم أن صلاته صحيحة رغم أن الإمام لم يكن على طهارة، ما هي أدلة هذا القول؟

عن عثمان أنه صلى بالناس صلاة الفجر، فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة، فقال: "كبرت والله، كبرت والله، فأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا" [رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار": 4861، وابن المنذر في "الأوسط": 2053].

عن علي قال: "إذا صلى الجنب بالقوم فأتم الصلاة بهم آمره أن يغتسل ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا" [رواه ابن المنذر في "الأوسط": 2054، وعزاه ابن قدامة في "المغني" إلى الأثرم].

ثانيًا: وأخرج ابن أبي شيبة -رحمه الله- في المصنف والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه صلى بالناس الصبح بغير وضوء فأعاد ولم يعيدوا" [معرفة السنن والآثار: 3/ 348)، رقم: 4862، مصنف ابن أبي شيبة: 1/ 97)، رقم: 4569].

ثالثًا: وأخرج ابن أبي شيبة -رحمه الله- كذلك في مصنفه عن الحسن أنه سئل عن رجل أم قومًا في شهر رمضان وهو على غير وضوء، فصلى بهم صلاة العشاء وصلاة رمضان والوتر، فقال: "يعيد، ولا يعيد من خلفه"[مصنف ابن أبي شيبة: 1/ 398)، رقم: 4572].

تنبيه: اشتهر عن علي أنه صلى بالقوم وهو جنب فأعاد ثم أمرهم أن يعيدوا، ولكن هذا الأثر رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار، والنسائي في سننه الكبرى، والدار قطني في سننه، يرويه عمرو بن خالد الواسطي، في سند هذا الأثر وهو متروك، وقد رماه الإمام أحمد بالكذب.

إذًا، هذا لا يصح عن علي ، وقال: سألت وكيعًا، هذا الراوي كان كذابًا فلما عرفناه بالكذب، يعني فضحناه تحول إلى مكان آخر انتقل من البلد مثلًا [تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، لابن عبد الهادي].

إذًا، هذا أثر ضعيف لم يثبت عن علي ، وهناك جملة من الآثار المرفوعة والموقوفة توجب على من خلف الإمام إذا صلى وهو محدث أن يعيدوا صلاتهم، لكنها ضعيفة كلها.

ومن أراد التوسع يرجع إلى "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للزيلعي، و"الجوهر النقي" لابن التركماني، و"تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق" لابن عبد الهادي].

فإذًا، الصحيح في هذه المسألة كما قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "الشرح الممتع" : أن صلاة المأمومين صلاة صحيحة بكل حال، إلا من علم أن الإمام محدث، إذا واحد علم قبل الصلاة أو أثناء الصلاة أن الإمام محدث، لكن إذا كانوا جاهلين فهم معذورون بالجهل، وليس بوسعهم، ولا بواجب عليهم، أن يسألوا إمامهم هل أنت على وضوء أم لا؟ وأن يحققوا معه، وهل هو عليه جنابة؟ وهل نظر ثيابه؟ وهل.. وهل فإذا كان هذا لا يلزمهم شرعًا، وصلى بهم، فهم معذورون، وصلاتهم صحيحة، لكن لو كان إمامهم يعلم أنه محدث، وصلى وتذكر أثناء الصلاة أنه محدث وكمل، لماذا؟ قال: والله استحي أخرج أمام الناس، كيف شكلي أمام الناس؟ هذه صلاة، يعني المفترض أن يخرج ويكون شجاعًا، ولا يصلي بالناس وهو يعلم أنه على غير طهارة، فالسؤال الآن في هذه الحالة: ما حكم صلاة المأمومين؟

لاحظ هم لا يعلمون، والإمام يعلم وصلى.

إذا دخل بهم وهو يعلم قبل الصلاة فهذا كالمستهزئ بالدين، يعني هذا لا يستبعد للكفر، يعني أن يعلم أنه على غير طهارة، ويصلي بهم، ويعلم قبل الصلاة، أو أنه علم أثناء الصلاة، تذكر أو أحدث أثناء الصلاة، وكمل ما حكم صلاة المأمومين؟

يوجد فرق بين هذه المسألة، والمسألة التي قبلها، المسألة التي قبلها لا يعلم لا هو ولا المأمومون أنه على غير طهارة، وما علم إلا بعد الصلاة، ولا تذكر إلا بعد الصلاة، لكن الآن مسألتنا هذه يعلم أثناء الصلاة، علم، تذكر، وأكمل الصلاة.

أنتم قد تقولون: ما لهم ذنب، يقول الشيخ: هل تلزمهم في هذه الحالة الإعادة؟ هل تبطل صلاتهم؟ فإن الأصل صحة صلاة المأموم، ولا يمكن أن نبطلها إلا بدليل صحيح، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح، لكن المأموم الذي دخل بطاعة الله، وصلى بأمر الله لا يمكن أن نفسد صلاته إلا بأمر الله، فأين الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله أو إجماع المسلمين على أن صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة الإمام؟ فالقاعدة في هذا الباب إذًا: أن من دخل في عبادة فأداها كما أمر فإننا لا نبطلها إلا بدليل؛ لأن الأصل الصحة، الأصل صحة صلاة المأموم، وأن ذمته قد برئت بهذه العبادة حتى يقوم دليل على البطلان[الشرح الممتع: 2/ 322].

قال ابن قدامة: "الإمام إذا صلى بالجماعة محدثًا أو جنبًا غير عالم بحدثه فلم يعلم هو ولا المأمومون حتى فرغوا من الصلاة فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة، روي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر ، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي والشافعي، ثم قال أي ابن قدامة: "ولنا إجماع الصحابة "، ثم نقل الآثار السابقة في عدم أمر الصحابة للمأمومين بإعادة الصلاة، ثم قال ابن قدامة: "وهذا محل الشهرة ولم ينقل خلافه فكان إجماعًا، ولم يثبت ما نقل عن علي في خلافه"[المغني: 2/ 74].

وعرفنا عدم صحة الأثر، وهذا القول اختاره أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وجماعة من أهل العلم، واختاره من المعاصرين الشيخ ابن باز، وابن عثيمين.

الحالة الثانية: إذا علم الإمام بحدثه أثناء الصلاة، فالواجب عليه أن يخرج فورًا يتوضأ، ويستأنف الصلاة من جديد؛ لأنه تبين له أن صلاته لم تنعقد أصلًا، لفقد شرط من شروطها وهو الطهارة، وأما المأمومون فما حكم صلاتهم؟

قلنا : قد يقول قائل: ما لهم ذنب، وهو فعلًا، قال بهذا بعض أهل العلم، المشهور من المذهب أن المأمومين في هذه الحالة تبطل صلاتهم؛ لأن عندهم ارتباط، يعني أن صلاة المأمومين منعقدة بصلاة الإمام، فإذا تبين أن صلاة الإمام باطلة، تبطل صلاة المأمومين، هذه النظرة موجودة عند بعض الفقهاء، وهذا المشهور من المذهب، قالوا : ما دام تبين لهم أنهم اقتدوا بمن لا تصح صلاته فبطلت صلاتهم؛ لأن صلاتهم مبنية على صلاة إمامهم، فإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم، لكن الراجح -إن شاء الله- أن صلاة المأمومين حتى في هذه الحالة لا تبطل ببطلان صلاة الإمام، لعدم وجود دليل صحيح على ذلك، والقاعدة -كما تقدم- أن من دخل في عبادة فأداها كما أمر فإننا لا نبطلها إلا بدليل؛ لأن الأصل الصحة وإبراء الذمة حتى يقوم دليل على البطلان، هذا مأموم جاء متوضئاً، والتحق بالإمام، أيش عرفه أن الإمام عليه جنابة، أو أن الإمام تذكر وأخفى عليهم الحقيقة؟ هذا المأموم جاء على طهارة، واقتدى بالإمام وصلى.

فإذًا، حتى لو علم الإمام أن صلاته باطلة وأكمل، الراجح صحة صلاة المأمومين، لكن الإمام هذا قد جاء بأمر عظيم، فقضية الحرج لا تعذره عند الله، ما دام عرف أن صلاته غير صحيحة يجب أن ينسحب، كيف يستمر في موقع الإمامة، وهو موقع عظيم، في هذه الوظيفة العظيمة يقود الناس وهو على غير طهارة؟

فالواجب إذًا على الإمام في هذه الحالة، إذا عرف تذكر أثناء الصلاة أنه على غير طهارة، أن يخرج ويقدم واحدًا من المأمومين يتم الصلاة بهم، ويستخلف، وإذا لم يفعل وقدموا هم واحدًا فأتم بهم الصلاة صحت، وإن لم يفعلوا وأتم كل واحد منهم الصلاة بمفرده صحت صلاة الجميع، القول بجواز الاستخلاف في هذه الحالة هو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن أحمد، وهو فعل عمر بن الخطاب فإنه لما طعن في الصلاة طعنه أبو لؤلؤة المجوسي -لعنه الله- غلام المغيرة بعد ما شرع عمر في صلاة الصبح، أخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- فقدمه فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، والحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما، قال ابن قدامة -رحمه الله- بعد أن استدل للرأي الراجح وهو جواز الاستخلاف : "إذا ثبت هذا فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة كما فعل عمر ، وإن لم يستخلف فقدم المأمومون منهم رجلًا فأتم بهم جاز، وإن صلوا وحدانًا جاز، قال الزهري في إمام ينوبه الدم أو يرعف أو يجد مذيًا أثناء الصلاة ينصرف- طبعًا على أساس أن خروج الدم هذا الكثير يبطل الصلاة- قال: "ينصرف وليقل: أتموا صلاتكم"[المغني: لابن قدامة: 2/ 76].

وقال النووي -رحمه الله-: "قال أصحابنا-يعني الشافعية- إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدث تعمده، أو سبقه، أو نسيه، أو بسبب آخر، أو بلا سبب، ففي جواز الاستخلاف قولان مشهوران الصحيح الجديد جوازه؛ للحديث الصحيح [المجموع: 4/ 242].

وذكر علماء "اللجنة الدائمة" هذا في فتواهم، في رجل صلى بالناس جنبًا وهو ناسٍ، قالوا : "أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيًا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لا يعلمون حدثك"[فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (6/ 198].

والخلاصة: أنه إذا تبين أن الإمام صلى بغير طهور بغير وضوء، أو طرأ عليه الحدث أثناء الصلاة، فإن عليه أن يعيد الصلاة، ولا يجوز أن يستمر فيها، أما المأمومون فالصحيح أن صلاتهم لا تبطل حيث لم يرد عليها ما يبطلها.

الصلاة خلف إمام وعليه نجاسة

00:17:14

المسألة الثانية: الصلاة خلف المتنجس، وصورتها أن يصلي الإمام وعلى ثوبه نجاسة، فهذا له حالان:

الحالة الأولى : أن يعرف بعد الصلاة.

الحالة الثانية : أن يعرف أثناء الصلاة.

 الحالة الأولى : إذا صلى الإمام بنجاسة يجهلها هو والمأمومون، ولم يعلم بها حتى انتهت الصلاة، فإن صلاة المأمومين صحيحة؛ لأنهم معذورون بالجهل، وأما الإمام فالمشهور من المذهب أنه لا تصح صلاته؛ لأنه قد أخل بشرط طهارة البدن أو الثوب، ولذلك فيجب عليه أن يغسل النجاسة التي في ثوبه أو بدنه ويعيد الصلاة؛ لأن القاعدة عندهم أنه إذا تخلف الشرط تخلف المشروط، ولكن القول الصحيح في هذه المسألة أنه إذا جهل الإمام النجاسة هو والمأمومون حتى انقضت الصلاة فصلاتهم جميعًا صحيحة، والدليل على ذلك حديث النعل، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا، لأن الصحابة استقر في نفوسهم الاقتداء بالنبي ﷺ:  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] فبمجرد ما رأوه خلع نعليه، خلعوا نعالهم، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا-فيهما نجاسة قد علقت- فإذا جاء أحدكم المسجد، فليقلب نعله فلينظر فيها، فإن رأى بها خبثًا فليمسحه-لأن من أول كانت الطرق تراب، ورمل، وحصى، فإذا دلك فيها نعالًا، فالتراب يطهرها- قال: فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثًا فليمسحه ثم ليصلي فيهما [أخرجه أحمد: 11153، وأبو داود: 650، وصححه الألباني في صحيح أبي داود:657].

لأن المساجد -كما قلنا- من زمان كانت مفروشة بالحصى.

ما وجه الدلالة من الحديث على أن الإمام تصح صلاته، ولو اكتشف أثناء الصلاة أن عليه نجاسة؟

الجواب: أن النبي ﷺ بدأ الصلاة وعلى نعليه نجاسة، ومضى في صلاته، حتى أخبره جبريل، فخلع النعلين.

ما مضى ما حكمه؟

لو كان ما مضى غير صحيح كان أعاد من أول، فلما أتم وبنى على ما تقدم من صلاته، عرفنا بأن من نسي نجاسة في ثوبه، ثم تذكرها أثناء الصلاة، فخلع المتنجس دون أن تنكشف العورة، فإن صلاته تصح لو مضى فيها وأكملها.

إذًا، لو كان أول الصلاة باطلًا ما صح أن يبني عليه ويكمل.

قال السعدي -رحمه الله- صاحب الكتاب: "فإذا وجدها -النجاسة أثناء الصلاة- بعد فراغ الصلاة، فالحكم كذلك"[إرشاد أولى البصائر، ص: 22] يعني فلا إعادة عليه خلافًا للمذهب.

إذًا، الحالة الأولى: أن يعلم بالنجاسة بعد الصلاة، لكن استدلينا فيه بحديث: من علم بالنجاسة أثناء الصلاة وهي المسألة الثانية، ولا يضر لأن هذه من هذه.

الحالة الثانية: أن يعلم بالنجاسة أثناء الصلاة، فإذا كان يمكنه إزالتها، دون أن يؤثر في شرط ستر العورة أو يخل به أزالها، وإن كان لا يمكنه انصرف وأتم المأمومون صلاتهم، فمثلًا لو كانت النجاسة في نعليه، أو في غطاء رأسه، أو في ثوبه، لكن عليه سراويل، أو في معطفه، ويمكن أن يزيل ذلك دون أن يؤثر على شرط ستر العورة فإنه يفعله.

قد يستغرب المأموم، فجأة الإمام شال الشماغ وحطه على جنب، ما يضر، بعد الصلاة ممكن يشرح لهم ذلك، وكذلك لو كانت النجاسة في ثياب لا يمكن خلعها إلا بكشف العورة، فيجب عليه أن يقطع صلاته، فيجب عليه أن ينصرف من صلاته.

فإن قال قائل: لماذا في حال الجهل بالحدث ألزمتموه بإعادة الصلاة بعد الطهارة، وفي حالة الجهل بالنجاسة صححتم صلاته فقد قلتم في إمام تذكر بعد الصلاة أنه لم يكن على طهارة، قلتم : يتوضأ ويعيد الصلاة، وهنا لما كانت النجاسة في الثوب وتذكر بعد الصلاة، قلتم : صلاته صحيحة، فلماذا لم تقولوا يخلع النجاسة، أو يغير ثيابه ويعيد الصلاة، وهذا شرط، وهذا شرط، الطهارة شرط، وطهارة الثياب والبدن شرط، ستر العورة شرط، استقبال القبلة شرط؟ طبعًا لا يلزم أن تكون الشروط سواء في الأحكام، ستجد في استقبال القبلة تفصيل، بينما في الطهارة،  لما يكون على طهارة، هذا مفروغ منه، ما يمكن ما هو على طهارة، لا يقبل الله صلاة بغير طهارة، لكن نجاسة الثوب النعل.

فإذًا، ليست أحكام الشروط في التفاصيل واحدة، يعني ممكن واحد يصلي إلى غير القبلة وتصح صلاته في حالات، لكن إذا صلى بغير طهارة لا تصح أبدًا، ولا في أي حالة إلا إذا كان لا يستطيع الطهارة أبدًا، لا بالوضوء، ولا بالتيمم، هذه مسألة أخرى.

فالشاهد: أنه ليست تفاصيل الشروط واحدة في التأثير على الصلاة، لكن بالنسبة للمسألة نفسها، لماذا صححنا صلاة من تذكر النجاسة في ثوبه بعد الصلاة قلنا : صلاتك صحيحة، واستدللنا بحديث النعلين، خلع النعلين في الصلاة، والرجل الذي تذكر بعد الصلاة أنه لم يكن متوضئًا، قلنا : لابد أن تعيد؟

فالجواب: أن هذا التفريق جار على قاعدة شرعية، وهي أن العذر بالجهل في فعل المحظور ليس كالجهل في ترك الواجب، فيعذر بالجهل في فعل المحظور ما لا يعذر بالجهل في ترك الواجب.

إذًا، عندنا فعل محظور، وعندنا ترك واجب، واجب مثل الطهارة تركه، لكن هنا محظور نجاسة صلى بها، العذر بالجهل بالمحظور، وفي فعل المحظور، ورد عليه الدليل الشرعي، لكن ما ورد الدليل الشرعي على العذر بالجهل في ترك الواجب، فالوضوء والطهارة من باب فعل المأمور، فهذه من الواجبات، وترك الواجبات لا يعذر به، ممكن يعذر بعدم الإثم، واحد صلى على غير طهارة، يعني ناسيًا يعذر بالإثم، ما هو آثم، لكن ما يعذر في عدم الإعادة، لازم يعيد.

أما اجتناب النجاسة، فهذا باب من باب ترك المحظور، فإذا فعله جاهلًا صلى بثياب نجسة فإنه يعذر بالجهل والخطأ والنسيان، لا يأثم، ولا يؤمر بالإعادة.

أيهما أشد فعل المحظور أو ترك الواجب؟

00:25:06

وقاعدة الشرع إذًا التفريق بين فعل المحظور، وترك الواجب، أيهما أشد فعل المحظور أو ترك الواجب؟

ترك الواجب أشد، فلو أخذنا أمثلة، ونظرنا في الأدلة سنجد أن الشرع عذر في فعل المحظور جهلًا، نسيانًا، خطأ، مكرهًا، بينما لم يعذر في ترك الواجب من جهة الإعادة، من جهة الإثم ممكن يعذر، يعني واحد ترك واجبًا مكرهًا يعذر، لكن إذا كان يلزم منه الإعادة سيعيد، ولو أخذنا أمثلة : حديث الذي تكلم في الصلاة جاهلًا هل عذره النبي ﷺ أم لا؟

عذره، هل أمر معاذ بن الحكم السلمي بالإعادة ؟ لا، لماذا؟ لأن ما فعله كان معذورًا به من جهة جهله بالمحظور، ما كان يدري أن هذا محظور ففعله جهلًا، يتكلم في الصلاة، وقال: ما بالكم تنظرون إلي؟ تكلم في الصلاة، وكذلك الذي أكل بعد طلوع الصبح في رمضان، وجعل ينظر إلى العقالين، هذا خطأه في أي باب؟ في فعل محظور؛ لأن الأكل والشرب في نهار رمضان محظور، ففعل المحظور أكل وشرب في نهار رمضان، لظنه أنه إذا تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، يعني يأتي بحبل أبيض وحبل أسود، وكل حتى تفرق بين اللونين.

قصة أسماء -رضي الله عنها- لما أفطروا في يوم غيم ثم طلعت الشمس، أين الخطأ؟ فعلوا محظورًا بالأكل والشرب أثناء النهار ظنًا منهم أن النهار انتهى، ثم تبين أنهم أخطئوا وأن النهار ما انتهى.

حديث:  إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه  في الصحيحين، ماذا فعل هذا الشخص؟

ارتكب محظورًا ناسيًا، هل يؤمر بالإعادة؟

لا.

فعذره الشرع بالنسيان بخلاف من ترك واجبًا كالمسيء في صلاته فإنه ترك واجبًا وهو الاطمئنان، فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل  بماذا أخل؟

بواجب وهو الطمأنينة، فلم يعذره فيلزمه أن يعيد الصلاة في الوقت.

أما الصلوات التي راحت فلا تعاد؛ لأن هناك حرج في إعادة صلاة سنوات.

دعونا ننظر في تأثير هذه القاعدة في قضية مجاوزة الميقات بغير إحرا، من جاوز الميقات بغير إحرام، واحد نام في الطيارة، واستيقظ والطائرة على مدرج مطار جدة، الميقات فات، كان الرجل نائمًا، النوم عذر؟ نعم، لكن هل يعذر في ترك الواجب ويقال له : أحرم وما عليك شيء؟ لا، يقال له : أنت بين أمرين، إما أن تحرم من مكانك وتذبح دمًا عن ترك الواجب ما يسقط عنك، أو ترجع للميقات وتحرم منه ولا دم عليك، واحد سها يتكلم مع صاحبه ويتكلم ويتكلم، عدت الطيارة الميقات، نفس الجواب، نسي المضيف أن يعلن ويذكرهم، ونسي قائد الطائرة، نفس الجواب، أعلنوا بصوت ضعيف، وما سمع، نفس الجواب، كان في حمام الطائرة، لما أعلنوا حالات كثيرة، نفس الجواب يقال: إذا أحرمت الآن تذبح دماُ، لأنك تركت واجبًا وهو الإحرام من الميقات، أحرمت بعد الميقات، أو ترجع للميقات لتقوم بالواجب الذي فوته وتستدرك، وبالتالي لا دم عليك، نعم الشريعة في كل الحالات السابقة ترفع الإثم فيقال له: أنت عديت الميقات بغير إحرام، لكن لأنك كنت جاهلًا أو ناسيًا أو نائمًا فلا إثم عليك، ولكن لا يسقط عنك دم بدل الواجب الذي تركته، أو ترجع لتأتي بالواجب.

كذلك من ترك مبيت ليالي منى كلها، أو ترك الرمي، أو ترك أي واجب من واجبات الحج، فهو إذا كان له عذر لا يأثم، لكن لا يسقط عنه المقابل.

هل نفرق بين عدم الاستطاعة، وبين من فعل، أو بين من لم يفعل مثلًا سهوًا نسيانًا، ونحو ذلك، يعني عجز؟ فممكن في بعض التفصيلات نجد أن هنالك مثلًا من أهل العلم عند العجز يسقط الواجب بسبب العجز.

القاعدة العامة في الواجبات، لابد من الإتيان بها، وإذا تركها لعذر لا يأثم، لكن عليه الإعادة، أما فعل المحظور، لو فرضنا في محظورات الإحرام، وضع طيبًا، ناسيًا، جاهلًا، جاء واحد في الزحمة طيبه، هذا يصير مثل المكره، الآن هو راح يغسل الطيب، لكن ليس عليه شيء، قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في "إرشاد أولي البصائر والألباب": "من قاعدة الشريعة، إذا فعل العبادة، وقد فعل محظورًا فيها، هو معذور، فلا إعادة عليه، بخلاف من ترك المأمور، فتارك المأمور لا تبرأ ذمته إلا بفعله"[رشاد أولى البصائر والألباب، ص: 22].

لابد يفعل المأمور، وفاعل المحظور الذي هو معذور، لا شيء عليه.

فخلاصة هذه القاعدة: أنه يفرق في ترك الواجب، وفعل المحظور، فيعذر في فعل المحظور بالجهل والنسيان والخطأ والإكراه، ولا يعذر بهذه الأربعة في ترك الواجب، فيجب أن يأتي به أو ببدله مع سقوط الإثم عنه.

المأموم إذا صلى في الفندق وكان يرى الإمام في الشاشة بعينه، يعني أخذ غرفة مطلة على الحرم، وفرضنا أنه كان في الجهة الذي فيها الإمام، فكان يرى الإمام، رؤية الإمام ليست هي فقط التي تنبني عليها صحة الاقتداء به، ليس فقط رؤية الإمام هي التي ينبني عليها صحة الاقتداء، فلا بد أن يكون مع الإمام في مكان واحد، وإلا يمكن لشخص في برج بعيد عن الحرم أن يأتي بمقرب ويرى الإمام، وكذلك النقل التلفزيوني المباشر أنت ترى الإمام فلا يجيز لك ذلك الاقتداء به مع أنك تراه، لا، قلنا : إذا اتصلت الصفوف إلى خارج الحرم، جازت الصلاة في الخارج، لو وصل للفندق، ولو تعدى الفندق، ولو وصل للجسور يصلي على الجسر، اتصلت الصفوف، فهذا واضح أنه الآن ما في مكان يتقدم إليه ليدخل المسجد يصلي، فاتصلت الصفوف، كل صف يقتدي بالصف الذي أمامه، الفيصل في الموضوع، إمكانية الاقتداء ممكن نحط شاشات، ونحط سماعات، بعيد عن الحرم، ويصل الصوت والصورة، لكنه إذا ما اتصلت الصفوف لا تصح الصلاة، قطع الصلاة، ذكرنا سابقًا إذا صارت حاجة ماسة لقطع الصلاة، فلا بأس كمن صلى بجانب إنسان لا يطيق، أو لم يطق رائحته أبدًا، يكاد يتقيأ، إذا الإمام تذكر أنه على غير طهارة يذهب يتوضأ ويرجع؛ لأنه يلحق بالجماعة، لأنه ما دام قلنا صلاة الجماعة واجبة على الإمام، فلماذا يذهب الإمام؟ يذهب ويتوضأ ويأتي ليلحق بالجماعة، قدم شخصًا مسبوقًا، ما في مانع، لو أنت تصلي بجانب شخص، بعد ركعة جاء واحد، وسحب المأموم، صاروا اثنين وراء الإمام، لما أنت تذكرت أنك على غير طهارة قدمت من خلفك، يدك قبضت على المتأخر قدمته، افرض صاروا ثلاثة أربعة خمسة، المهم قدمت واحداً، فكان متأخرًا، ما في مانع، هو سيأتي بالركعة التي عليه، والبقية يجلسون وينتظرونه، صلى وقرأ الفاتحة، وبعد الفاتحة تذكر أنه على غير طهارة، قدم شخصًا، الشخص يعيد الفاتحة أم لا؟

بناء على ما قدمناه من صحة صلاة المأمومين، فإنه لا يحتاج إلى إعادة الفاتحة، إذا عرف المأمومون أنه محدث، لا يجوز لهم الاقتداء به، فيجب عليهم تنحيته، ويقدموا واحدًا بدلًا منه، أو ينوون الانفراد، إذا لم يكبر الإحرام ما تنعقد صلاته أصلًا، ولا يجوز له أن يكون إمامًا، ولا يصح الائتمام به.

مثلًا جماعة تصلي، وفي شخص صلى في الجماعة التي قبلها، فالإمام تذكر أنه على غير طهارة، فراح سحب هذا الذي برا الصلاة وقدمه، وهذا كمل، بدون تكبيرة إحرام ولا شيء.

طبعًا الصلاة غير صحيحة؛ لأنا قلنا سابقًا في الدرس: لا تنعقد الصلاة بدون تكبيرة إحرام، ينظر هل هو مفرط أم لا؟ وجزاكم الله خيرًا.

والصلاة والسلام على نبينا محمد.