الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ملخص الدرس الماضي
فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن صفة الوضوء، وذكرنا: أن أول ما يبدأ به المسلم عمل الوضوء هو التسمية، بأن يقول: بسم الله، قبل الشروع.
وقلنا: إن هذا واجب في بعض المذاهب كمذهب الحنابلة، وأنهم احتجوا بحديث: لا وضوء لمن لم يذكر الله اسم الله -تعالى- عليه [رواه ابن ماجه: 397، وأحمد: 11370، وضعفه محققو المسند].
وذهب جمهور العلماء إلى أن التسمية سنة من سنن الوضوء، وليست بواجبة؛ لأن كل من وصف وضوء النبي ﷺ لم يذكر فيه التسمية، ولو كانت واجبة لذكرت، وقالوا: إن الحديث المحتج به في الوجوب ضعيف، وأن جمهور المحدثين على تضعيفه من جميع طرقه، وأنه لو صح لكان معناه : لا وضوء كامل، وليس معناه : لا وضوء صحيح، وقلنا: إن نسي الوضوء سمى عند تذكره.
حكم المضمضة والاستنشاق
وتكلمنا عن المضمضة والاستنشاق، وأن الوضوء فيه هذان الأمران، وإن اختلف العلماء في حكمهما هل هما من فروض الوضوء أم لا، لكن قلنا: المضمضة تحريك الماء في الفم، أو أن يأخذ الماء في فمه ويديره فيه، وعدم إدارة الماء في الفم لا يعتبر مضمضة، فلو واحد أخذ الماء ثم لفظ الماء بدون أن يدير الماء في الفم لا يعتبر مضمضة.
وقلنا: الاستنشاق هو سحب الماء بالنفس إلى داخل الأنف، والاستنثار هو إخراج هذا الماء مرة أخرى.
والسنة الجمع بين المضمضة والاستنشاق في كف واحد وغرفة واحدة، فيأخذ غرفة من ماء بعضها للمضمضة وبعضها للاستنشاق.
لكن لو أخذ غرفة مستقلة للمضمضة وغرفة مستقلة للاستنشاق فلا حرج، وبناء عليه فإن السنة أن يأخذ الماء في كفه بعضه للمضمضة وبعضه للاستنشاق، ثم يأخذ الكف مرة أخرى بعضه للمضمضة وبعضه للاستنشاق، ثم يأخذ كفًا من ماء مرة ثالثة بعضه للمضمضة وبعضه للاستنشاق، وبهذا يكون قد استنشق ثلاثًا ومضمض ثلاثًا، ولكن هذه الثلاث متخللة، بمعنى أنه لم ينته من كل المضمضة، ثم يبدأ بكل الاستنشاق، فهو يبدأ بالمضمضة ثم بالاستنشاق في غرفة، ثم المضمضة ثم الاستنشاق في غرفة، وهكذا، وهذا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم المضمضة على الاستنشاق وواظب على ذلك، ولما نقل وضوءه كان في النقل أن الغرفة الواحدة بعضها للمضمضة وبعضها للاستنشاق.
فإن، الأفضل أن يقدم المضمضة على الاستنشاق، وأن يقدمهما على غسل الوجه، ويسن للمتوضئ أن يبالغ في المضمضة والاستنشاق، والمبالغة هذه لغير الصائم، لماذا؟
لأن المبالغة قد تؤدي إلى ابتلاع الماء، وبالتالي لإفساد الصيام، ونزول الماء إلى المعدة سواء كان من الفم أو من الأنف؛ لأن الأنف مدخل مباشر إلى الحلق، ولذلك قطرة الأنف تفطر، بينما قطرة العين وقطرة الأذن لا تفطر؛ لأن العين والأذن ليسا بمنفذين مباشرين إلى الحلق.
أما الأنف والفم منفذان مباشران إلى الحلق، قلنا: إن السنة أن يتمضمض ويستنشق بيمينه فماذا بقي للشمال؟ الاستنثار.
طبعًا إخراج الماء من الفم بعد المضمضة لا يحتاج إلى استعمال اليد.
حكم غسل الوجه وصفته
تحدثنا بعد ذلك عن غسل الوجه، وأنه من فرائض الوضوء بإجماع العلماء، وأن الوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة.
وحد الوجه عند الفقهاء من منابت شعر الرأس إلى منتهى اللحيين والذقن، هذا من ناحية الطول، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا.
بعض الناس منابت شعورهم متقدمة، وبعض الناس منابت الشعر ممكن تصير متأخرة، وبعض الناس عندهم صلع، وبعض الناس عندهم مقدم الشعر خفيف، وبعض الناس عندهم كثيف، فما هو حد الوجه؟
قلنا: الاعتبار بالمنابت المعتادة، بمنبت الشعر المعتاد، لا بمن تصلع الشعر عن ناصيته، ولا بمن نزل شعره على جبهته، ويدخل في حد الوجه الواجب غسله البياض الذي بين اللحية والأذن.
الآن هذه المنطقة التي بين اللحية والأذن، هذه المنطقة كثير من الناس لا يغسلها ولا يهتم بذلك، مع أنها من الوجه داخلة في حدود الوجه، وأن الله لما قال: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6] هذا الأمر يتضمن غسل هذا المكان أيضًا، وبالتالي فإن من لا يغسله لا يصبح غسل وجهه كاملًا، وبالتالي لا يصح الوضوء، وبالتالي لا تصح الصلاة، فالقضية خطيرة، فيجب الانتباه إلى حدود الوجه.
وذهب الفقهاء إلى وجوب غسل جزء من محيط الرأس، يعني لو دخل في حدود الرأس لأجل استيعاب الوجه فلا مانع من ذلك؛ لأن القضية الوقوف عند الحد بالضبط صعبة، ولذلك لو دخل في حدود الرأس لاستيعاب أو للتأكد من استيعاب غسل الوجه، فلا حرج في ذلك.
ويجب غسل كل ما على الوجه من الشعور، جمع شعر وهي سبعة: شعر الحاجبين، والشارب، وأهداب العينين، والعنفقة، هذا الشعر داخل في الوجه، وشعر العذار، وشعر العارضين، والذقن، طبعًا شعر الذقن هذا وهذا شعر العارضين فلو قال واحد: أين شعر العذار؟ ما هو شعر العذار؟
الشعر النابت على الخد.
فلابد إذن، من غسله.
قال كثير من العلماء : إن هذا الشعر من شعر اللحية، شعر الخد النابت على الخد أصلًا هذا من شعر اللحية، وبالتالي فإنه لا يجوز أن يؤخذ للأمر الواجب بإبقاء اللحية.
لما نقول الآن: إنه يجب غسل شعور الوجه؛ لأن الوجه فيه أنواع من الشعر، فيه شعر الحاجبين، الرموش، الشارب، العنفقة، اللحية، هذه شعور على الوجه، فبما أن الوجه كل ما واجهك، فإن هذه الشعور داخلة في الوجه، وبالتالي داخلة في وجوب غسل الوجه، هذه الشعور يجب غسلها ظاهرًا أو باطنًا؟
لما نقول : ظاهرًا، يعني ظاهر الشعر فقط بدون أن يصل إلى الجلد الذي تحت الشعر، باطنًا يجب أن يدخل الماء إلى الجلد الذي تحت الشعر، هذا حيث أن هذه الشعور شعور خفيفة في العادة، فإن الماء يجب أن يصل إلى الباطن بخلاف اللحية الكثيفة، اللحية الكثيفة التي تغطي هذه المنطقة، هذه مع أنها من الوجه، لكن إذا صارت اللحية كثيفة، فلا يجب إدخال الماء إلى الجلد الذي تحت الشعر، مع أنه هو داخل في مسمى الوجه، لكن فيه حرج، فلا يجب إدخاله في حال الشعر الكثيف، لكن الشعور المشار إليها آنفًا ليست من الشعر الكثيف، شعر الحاجبين والشارب وأهداب العينين والعنفقة والعذار والعارضين والذقن في العادة.
طبعًا شعر الذقن والعارضين فيه التفصيل إذا كانت اللحية كثيفة وإذا كانت اللحية خفيفة، ما هو ضابط الكثيف والخفيف؟
الضابط ما ستر البشرة عن الناظر، يعني أنا إذا أنظر الآن إلى جلدك الذي تحت شعر اللحية هل أراه؟ إذا كنت لا أراه إذًا هذا شعر كثيف لا يجب غسل ما تحته، ويجب غسل الظاهر منه فقط، الظاهر من الشعر فقط الواجب الوجه ما واجهك، وأما إذا كان يرى الجلد من تحت الشعر معناها أن الشعر خفيف، وبالتالي يجب أن يصل الماء إلى الجلد.
إذن، اللحية الكثيفة لا يجب في الغسل إلا الظاهر منها، ظاهرها فقط، ولكن يستحب تخليل اللحية بالماء، يعني هذا الشعر الكثيف يستحب تخليله بالماء، وذلك لما جاء عند الترمذي من حديث عثمان بن عفان أن النبي ﷺ كان يخلل لحيته" [رواه الترمذي: 31، وقال: "حديث حسن صحيح"].
صفة تخليل اللحية في الوضوء
تكلمنا على صحة الحديث والتخليل، وأن بعض العلماء يرى ضعف أحاديث التخليل، ولكن الآن دعونا نمشي على أن التخليل سنة، وإذا كان الحديث حسنًا، فكيف نطبق هذه السنة؟
ورد في ذلك صفتان:
الصفة الأولى: أن يأخذ كفًا من ماء ويجعله تحت اللحية ويعركها حتى تتخلل به.
فإذن، يأخذ كفًا من ماء ويجعله تحت اللحية، ويعرك حتى يدخل الماء، يتخلل الشعر هذه الصفة الأولى.
الصفة الثانية: أن يأخذ كفًا من ماء فيمشط به لحيته، فيخلل الشعر بالأصابع كالمشط هذه صفة ثانية.
مذهب أكثر العلماء أن التخليل ليس بواجب، وقالوا: إن أكثر من حكى وضوء رسول الله ﷺ لم يذكر التخليل، ولو كان واجبًا لنقل في صفات الوضوء المنقولة، وحرص الرواة على ذكرها، ولما أخل به ﷺ ولا مرة.
ومن أهل العلم من قال: كل الأحاديث الواردة في تخليل اللحية ضعيفة.
على أية حال: غسل الظاهر واجب، وأما التخليل عرفنا تفصيله.
حكم شعر اللحية النازل عن حد الوجه
ما حكم شعر اللحية النازل عن حد الوجه؟
الآن هذا حد الوجه في الأصل، الأصل هذان عظم الحنك، ثم عظم الذقن.
ما نزل عن حد الوجه، ما نزل من اليمين والشمال والوسط، ما نزل عن حد الوجه ما حكم غسله؟
يجب غسله عند جمهور العلماء؛ لأن الوجه ما حصلت به المواجهة، فقالوا : حتى هذا تحصل به المواجهة، فيدخل في مسمى الوجه، فيدخل فيه اسم الوجه، فالشعر المسترسل عند جمهور العلماء هذا يجب غسله.
وقلنا: إنه يستحب للمتوضئ أن يزيد في ماء غسل الوجه؛ لأن فيه شعورًا ودواخل وخوارج، وذلك ليصل الماء إلى جميعه، فإذا قال واحد: ما هو أكثر عضو في أعضاء الوضوء يؤخذ له ماء، فيه أخذ ماء لليد، فيه أخذ ماء للقدم، وهناك أخذ ماء لمسح الرأس والأذنين، فما هو أكثر عضو من أعضاء الوضوء يؤخذ له الماء؟
الجواب: الوجه، لماذا؟
لما فيه من الشعور والدواخل والخوارج، فليضمن وصول الماء إلى جميعه.
هل الأفضل أن يبدأ في غسل الوجه من الأعلى أو من الأسفل أو من الوسط؟
الجواب -وهذا هو الطبيعي أصلًا-: أن يبدأ في الغسل من الأعلى لينساب الماء وينزل على الأسفل.
فإذن، الأفضل أن يبدأ بالغسل من أول الوجه ثم يحدره.
هيئات غسل الوجه في الوضوء
كيف يأخذ الماء لوجهه؟ هل يستخدم كفيه أو كف واحدة أو ماذا؟
ذكر العلماء في ذلك ثلاث هيئات:
أولًا: أن يأخذ الماء بكلتا يديه جميعًا؛ لأنه أمكن وأسبغ، وقد جاء هذا في حديث علي بن أبي طالب رفعه يعني إلى النبي ﷺ، وقد جاء هذا في حديث علي بن أبي طالب في صفة الوضوء: ثم أدخل يديه في الإناء جميعًا، ثم أدخل يديه في الإناء جميعًا، فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه [رواه أبو داود: 117، الحديث ضعفه بعض العلماء كابن القيم والنووي، وحسنه بعض من المعاصرين كالألباني].
الكيفية الثانية: أن يأخذ الماء بيده اليمنى للوجه، وهذا ثبت في البخاري من حديث عبد الله بن زيد من وضوء النبي ﷺ قال: "ثم أدخل يده فاغترف بها، ثم أدخل يده فاغترف بها، فغسل وجهه ثلاث مرات" [رواه البخاري: 199].
الكيفية الثالثة: أن يغرف بكفه اليمنى ويضع ظهرها على كفه اليسرى، أن يغرف بكفه اليمنى ويضعها على كفه اليسرى ثم يغسل الوجه، وقد جاء هذا في صحيح البخاري أيضًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه "توضأ فغسل وجهه، أخذ غرفة من ماء، فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء، فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني اليسرى"، ثم قال: "هكذا رأيت رسول اللهﷺ يتوضأ" [رواه البخاري: 140].
قال النووي معلقًا: "فهذه أحاديث في بعضها يده، وفي بعضها يديه، وفي بعضها يده، وضم إليها الأخرى، فهي دالة على جواز الأمور الثلاثة، وأن الجميع سنة" هذا صحيح، وهذا صحيح، وهذا صحيح، وهذا سنة، وهذا سنة، وهذا سنة، قال: "ويجمع بين الأحاديث بأنه ﷺ فعل ذلك في مرات"، يعني مرة أخذ بالكف اليمنى فقط، مرة أخذ بكفيه جميعًا، مرة ثالثة أخذ بالكف اليمنى ووضعها على اليد اليسرى، مرة ثالثة أخذ باليمنى ووضع ظهرها على الكف اليسرى، قال النووي: "لكن الأخذ بالكفين أفضل لكونه أسهل وأقرب إلى الإسباغ" [شرح النووي على مسلم: 3/ 122] يعني تتمكن من غسل الوجه جيدًا أن تأخذ الماء بالكفين أفضل.
مناطق في الوجه يحتار بعض الناس في غسلها
هناك مناطق في الوجه بعض الناس يحتار هل هذه من الوجه أم لا؟ مثلًا المنطقة التي ينحسر فيها الشعر، مثل الثمانية، كذا داخلة، زاوية، هذه الزاوية داخلة في حدود الوجه هل يجب غسلها؟ أو هذه تبع للرأس تمسح؟ الصدغ، هذا الداخل تجده مثل التجويف، التجويف الخفيف، هذا داخل في حدود الوجه؟
وتد الأذن، هذه الوصلة، الوصلة هذه داخلة؟ يعني لو واحد غسل الوجه لابد يكمل، يكمل على الوصلة هذه التي تدخل في تجويف الأذن، هذه الوتد هذا اسمه وتد الأذن هذا داخل؟
قال العلماء: لا يدخل في حد الوجه وتدا الأذن، فهما ليس من الوجه إذن.
ولكن قال البغوي: "لا يمكن غسل جميع الوجه إلا بغسلهما" يعني أنت الآن إذا أردت أن تغسل ما وراء شعر اللحية من الوجه، لأننا قلنا : من حد الأذن إلى حد الأذن، فإذا أردت أن تغسل حد الأذن لابد يصيب الغسل، هذا شيء على الأقل من وتد الأذن، ولذلك قال البغوي: "لا يمكن غسل جميع الوجه إلا بغسلهما" لكن لو واحد مثلًا وصل حدها، غسل نصفها مثلًا هل يجب أن يكمل؟
لا، لأن وتد الأذن ليس من الوجه.
ثانيًا: النزعتان، النزعتان الخاليتان من الشعر على جنبتي الجبين، لو قلنا هذه الداخلة، هذه الزاوية الداخلة، هذه نزعتان، المفرد نزعة، والتثنية نزعتان، هذه ليست من الوجه أيضًا، وبياض مقدم الرأس من جانبي ناصيته النزعتان، هذا تعريف لهما أيضًا.
وكذلك الصدغ ليس من الوجه، وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذي رأس الأذن وينزل عن رأسها قليلًا، والتحذيف أيضًا ليس من الوجه، وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه، ومنتهى العذار، أو يقال : هو ما بين ابتداء العذار والنزعة داخلًا في الجبين من جانبي الوجه، سمي بذلك لأن الأشراف والنساء يعتادون إزالة الشعر عنه ليتسع الوجه.
الآن بعض الناس يقولون: يا أخي، والله ما فهمنا، العذار والصدغ والنزعة، أنت جبت لنا أسماء أول مرة نسمع عنها، وما عندنا فيها علم سابق؟
الآن عندنا جبهة، هذه الجبهة.
أين الجبين؟
ما فوق العين من الجهتين، هذا الجبين، هذا جبين، هذا جبين، هذه جبهة، هل فيه خلاف أنه من الوجه؟
لا.
النزعة، قلنا أنها داخلة مثل الزاوية هل هي من الوجه؟
لا.
قلنا: التحذيف، والتحذيف والصدغ ووتد الأذن والعذار.
الآن اتفقنا على أن النزعة ليست من الوجه.
وتد الأذن ليس من الوجه.
الصدغ ليس من الوجه.
فإذن، النزعة، الصدغ، وتد الأذن ليس من الوجه.
لكن الخد، الجبين، الجبهة، العارض، الذقن، هذه واضحة لا خلاف فيها.
وهذه العنفقة، وهذا الذقن، العارض معروف الذي ينبت عليه الشعر ، كل ما كان داخلًا في حدود الوجه فيجب غسله، وكل ما خرج عنه فلا يجب غسله، فقد يكون من الرأس فيمسح، وقد يكون من الأذنين فيمسح مع الأذنين.
فإذن، إذا عرفنا حدود الوجه فلن ندخل فيه، ولن نوجب غسل ما ليس منه.
موضع الصلع هل هو داخل في الوجه؟
موضع الصلع ليس داخلًا في الوجه.
من أين موضع الصلع؟
من الرأس.
هل يجب غسل داخل العين؟
لا، لا يجب غسل داخل العين، ولكن طبعًا هذا الجفن أطراف، هذه ما تحت، هذا كله داخل في الوجه.
فإذن، يجب غسله.
أما داخل العين فغسله فيه حرج عظيم، والشريعة لا تأمر بالحرج.
بعض الناس يقوم من النوم، وربما يوجد على طرف عينيه رمص فيجب أن يزيله؛ لأننا قلنا : هذه أطراف العين داخلة في الوجه، فيجب أن يزيله عند غسل الوجه.
طبعًا هذه أنواع من الأذى، الرمص هذا أحيانًا بعد النوم يكون موجودًا فيزال عند غسل الوجه.
ما تحت الذقن، هذه المنطقة داخلة في الوجه.
الجواب: لا.
إذن، لا يجب غسلها، قال ابن رشد الفقيه: فلا يجب غسل ما تحت الذقن اتفاقًا.
داخل الأنف وداخل الفم هل هما من الوجه؟
طبعًا هما ظاهرهما من الوجه، وباطنهما الذي حصل الخلاف فيه بين أهل العلم، فقال بعضهم: هو من الوجه، وغسله واجب.
وقال بعضهم: غسلهما سنة، يعني المضمضة والاستنشاق.
التفاصيل السابقة، ليست لإيجاد وسوسة، حتى الواحد يجلس يفكر، وهاتوا مسطرة، ونبغى نضبطها بالليزر، لا، المسألة لمعرفة حدود الوجه لغة، الفقه ما يترتب من الأحكام، التنبيه على مواضع.
فالمقصود إذن، التنبيه على غسل أشياء قد يهمل فيها بعض الناس، أو لا يعرف فيتعلم، فليس المقصود إحداث الوسوسة، المقصود التنبيه للتعلم، وحتى الأماكن التي ليست من الوجه أنت غير مسؤول عن غسلها فترتاح.
غسل اليدين إلى المرفقين
ثم قال المصنف -رحمه الله-: "ويديه إلى المرفقين ثلاثًا" يعني بعد غسل الوجه يغسل اليدين إلى المرفقين، الواجب مرة واحدة، والسنة أن يكون ثلاثًا، ما هو الدليل على الوجوب؟
أن غسل اليدين من شرائط الوضوء، الآية قال تعالى: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6]، لكن ما هي حدود اليد الواجب غسلها؟
مرة أخرى ننبه، ليس لكي الواحد يشكك في نفسه ووضوئه، وإنما للتعلم، لما يقول الله: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ يعني اغسلوا أيديكم إلى المرافق.
سؤال: غسل اليد إلى المرفق، اليد من أين تبدأ؟
من أطراف الأصابع إلى المرافق، لاحظ الآن أن كثيرًا من الناس لما يغسل يديه ما يغسل الكفين معها بعد الوجه، بعض الناس يغسل إلى المرفق ولا يغسل الكفين، يقول : الكفان غسلناها من أول، مع أن الله قال: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ فامتثال الآية أن نغسل بعد الوجه اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق غير غسل الكفين الذي كان في أول الوضوء.
بعض الناس يقول أول : مرة ندري، ما كنا نعرف، ما انتبهنا، هذه عجيبة، نقول : أيش فائدة التفقه في الدين؟ ما فائدة التعلم؟ ما فائدة حضور حلق العلم؟
أن الإنسان يعرف ما كان مخطئًا فيه، ما كان غافلًا عنه، ما كان جاهلًا بحكمه، يعني ما هو لازم الواحد دائمًا تكون مرت عليه، إذا كان كل شيء لازم يكون مر عليه، معناه فيه مجال للتعلم أي شيء جديد؟
لا.
هذا حتى لو ما كنت تدري الآن ادر، والآن اعرف الحكم، فالأصل أن اليد في اللغة تشمل الكف والساعد أو الذراع والمرفق والعضد إلى المنكب، يعني هذه كلها يد إلى المنكب، ولكن لما حدد الله قال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6]، لو ما قال "إلى المرافق" لوجب علينا أن نغسل إلى المنكب؛ لأن كلها داخلة في حد اليد، هو قال: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمِ واليد في اللغة هذه مبدأها من رؤوس الأصابع إلى المنكب، فلما حدد لنا المرفق إلى المرفق، فالغسل من أطراف الأصابع إلى المرفق بعد الوجه.
فإذن، هذا يشمل كامل الكف مع الذراع إلى المرفق، قال ابن عاشور -رحمه الله- في تفسيره: "وحددت الآية الأيدي ببلوغ المرافق؛ لأن اليد تطلق على ما بلغ الكوع وما إلى المرفق وما إلى الإبط" يعني تارة هكذا، وتارة هكذا.[التحرير والتنوير]
طبعًا بعض الناس يسمي هذا كوع، وهذا خطأ، هذا مرفق، أين الكوع؟ إذن، فيقولون: لا يعرف كوعه من بوعه.
على أية حال: اليد التي أمر الله بغسلها في الوضوء من رؤوس الأصابع إلى المرفق، قال ابن عاشور: "وحددت الآية الأيدي ببلوغ المرفق؛ لأن اليد تطلق على ما بلغ الكوع وما إلى المرفق".
قال الله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] يعني نقطع من المفصل.
فإذن، اليد تطلق باحتمالات، هذه إلى المفصل وإلى المرفق وإلى الإبط المنكب، فحددت الآية المقصود، قال ابن عاشور: "فرفعت الآية الإجمال في الوضوء" يعني بينت المقصود إلى المرفق.
المرفق نفسه هل يدخل في وجوب الغسل نفس اليد؟
المرفق هو العظم الناتئ في آخر الذراع، لماذا سمي المرفق مرفقًا؟
محاولة لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه، يرتفق به، يتكأ عليه، ويستعان به، هو مرتكز، فلأنه يرتفق به سمي مرفق، وهذا المرفق هو مجتمع طرف عضوين، فما هما؟
الساعد والعضد، هذا مجتمع الساعد مع العضد يسمى: مرفقا، أو هو آخر عظم الذراع المتصل بالعضد.
هناك من العلماء من قال: لا يجب غسل المرفق مع اليد؛ لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا، كما لا يدخل الليل في الصوم في قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [البقرة: 187]، والمراد بالغاية الحد، والمغيا المحدود، ولكن عامة العلماء على وجوب إدخال المرفق في غسل اليد، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "فلم أعلم مخالفًا في أن المرافق مما يغسل، كأنهم ذهبوا إلى أن معناها: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6] إلى أن تغسل المرافق، ولا يجزي في غسل اليدين أبدًا إلا أن يؤتى على ما بين أطراف الأصابع إلى أن تغسل المرافق" [الأم : 1/40-41].
قال ابن حجر -رحمه الله-: "فعلى هذا، فزفر محجوج بالإجماع قبله، وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده" [فتح الباري، لابن حجر: 1/ 292] يعني زفر أول من يعرف أنه قال بعدم الدخول، قال ابن حجر على كلام الشافعي: "زفر محجوج بالإجماع" يعني يرد عليه بالإجماع، ويقال له: كيف تقول بعدم غسل المرفقين؟ كيف تقول بعدم وجوب غسل المرفقين كل الناس من قبلك العلماء يقولون بالغسل؟ والذين جاؤوا من بعد زفر من أهل الظاهر؟
وقال بعضهم: بعدم الوجوب، فيرد عليه بالإجماع أيضًا، قال: ولم يثبت ذلك عن مالك صريحًا، لأن بعضهم لما جاء قال من الذي قال بعدم غسل المرفق؟ يعني بعض المالكية، قال ابن حجر: "ولم يثبت ذلك عن مالك صريحًا، وإنما حكى عنه أشهب كلامًا محتملًا" [فتح الباري، لابن حجر: 1/ 292].
فإذن، عامة العلماء على وجوب غسل المرفقين.
ما معنى "إلى" في الآية: إِلَى الْمَرَافِقِ ؟
هي على وجهين: أن تكون بمعنى "مع"، يعني إلى المرافق مع المرافق، وهو قول أبي العباس ثعلب من أئمة اللغة، وجماعة من أهل اللغة، وعلى هذا فدخول المرفق في غسل اليد لا إشكال فيه، فقوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6] يعني مع المرافق، وقد جاء في آية اليتامى أن "إلى" بمعنى "مع"، قال تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء: 2] معناها: ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم، لكن لماذا استعمل "إلى"؟ يعني لا تضموها إليها، يكون عنده كم شاة مع غنم، فتضمها إلى غنمك.
الثاني: معنى "إلى" أن يقال هي: للغاية، وهذا قول الزجاج وآخرون من أهل اللغة، وهو الأصح والأشهر كما قال النووي.
وعلى هذا إذا قلنا : إنها للغاية، وهو الأصح، فكيف حكمنا بدخول المرافق في وجوب الغسل؟
قالوا: إذا كان ما بعد إلى من نوع وجنس ما قبلها دخل معها في الحكم وإلا لم يدخل، قاله سيبويه.
فإذن، ما بعد إلى إذا كان من جنس ما قبلها يدخل معها، وإذا ما كان من جنس ما قبلها فلا يدخل معها، فقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ [البقرة: 187] لماذا لم يدخل الليل في الصيام؟
لأن الليل ليس من النهار.
لكن لو كان من جنسه مثل هذه اليد إلى المرفق، المرفق منه، إذن، هو داخل فيه، فلو قلت لك: امش من بيتك إلى المدرسة، هل تدخل إذا أردت أن تنفذ الكلام بدقة؟ امش من بيتك إلى المدرسة، هل تدخل المدرسة إذا كان أمر عسكري؟ طيب إلى النادي؟ لا، يقول ما أبغى أدخل، لو قلت: امش من بيتك إلى الملعب هل تدخل الملعب إذا أردت أن تنفذ الأمر؟ لا تدخل؛ لأن الملعب ليس من جنس بيتك، لكن إذا قلت مثلًا: امش مثلًا من طرف الصف إلى الطرف الآخر سيدخل فيه؛ لأنه منه، ولذلك وهذا هو التفصيل في قضية إلى، إذا كانت إلى للغاية فكيف أدخلنا المرفق؟ وبأي حجة؟
نقول: إذا كان ما بعد إلى من جنس ما قبلها دخل فيه، وإذا لم يكن من جنسها أو من جنسه لم يدخل فيه، هذا بالنسبة للتفصيل، وقال ابن عبد البر: "وإنما يدخل الحد في المحدود إذا كان من جنسه، والمرافق من جنس الأيدي والأذرع فوجب أن يدخل الحد منها في المحدود؛ لأن هذا أصل حكم الحدود، والمحدودات عند أهل الفهم والنظر"[التمهيد: 20/ 123].
قال القاضي عياض: ذكر أن القاضي إسماعيل سئل عن الحد هل يدخل في المحدود أم لا؟ يعني "من" "إلى"؛ لأن هذه تنبني عليها أحكام، إذا قال: بعتك من الجدار إلى الشجرة، هل موضع الشجرة داخل في الأرض وإلا ما هو داخل؟
هذه فيها مسائل، يعني تنبني عليها أشياء.
قال القاضي عياض: ذكر أن القاضي إسماعيل سئل عن الحد هل يدخل في المحدود أم لا؟ وذلك إذا باع منه أرضًا، وقال: حد هذه من جهة كذا الشجرة، فتوقف عن الجواب، ثم قال بعد للسائل: طالعت هذا الباب من كتاب سيبويه فدلني على دخولها، قال النووي: وهذا هو الأصح الأشهر، فالحد يدخل إذا كان التحديد شاملًا للحد والمحدود؛ كقولك: قطعت أصابعه من الخنصر إلى المسبحة، أو بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه، فإن الأصبعين والشجرتين داخلان في القطع والبيع بلا شك لشمول اللفظ، ويكون المراد بالتحديد في مثل هذا إخراج ما وراء الحد مع بقاء الحد داخلًا، فكذا هنا اسم اليد شامل من أطراف الأصابع إلى الإبط، ففائدة التحديد بالمرافق إخراج ما فوق المرافق مع بقاء المرافق، هذه آخر عبارة مهمة جدًا، ما فائدة قول الله: إلى المرافق ؟
إخراج ما فوق المرافق، مع دخول المرافق.
وجاء في سنن الدار قطني عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله ﷺ إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه" [رواه الدار قطني: 272]، لكن لو صح الحديث لكان فاصلًا، والحقيقة أنه ضعيف، قال ابن عبد البر: "القائلين بسقوط إدخال المرفقين في غسل الذراعين قليل، وقولهم في ذلك كالشذوذ، ومن غسل المرفقين مع الذراعين فقد أدى فرضه بيقين، واليقين في أداء الفرائض واجب" [الاستذكار: 1/ 129].
الآن بعض الناس يقول: يا أخي الكفان، وغسلناها في الأول نرجع نغسلها مرة ثانية وأنتم قلتم أنه في أول الوضوء يغسل كفيه فغسلناها ، فلماذا نغسلها الآن مرة ثانية؟
في الوضوء لما تغسل وجهك كله، الكفان مستعملة في كل شيء، فمن المسائل التي ينبغي التنبيه عليها: أن المتوضئ إذا غسل يديه بعد غسل الوجه يغسلهما من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، فيكون ذلك غسلًا ثانيًا غير غسل الكفين في أول الوضوء، فمن اقتصر على غسلهما من الرسغين كما يفعل كثير من الناس باعتبار أنه غسل يديه في أول الوضوء لم يكن قد أتى بالفرض، ولا حقق الأمر الإلهي؛ لأن غسل الكفين في أول الوضوء مسنون، ولا يجزئ عن الفرض عند جمهور العلماء، فلا يصح الاكتفاء بغسل الكفين في أول الوضوء عن إعادة غسلهما مع اليد؛ لأن ذلك يؤدي إلى اختلال الترتيب.
لو قال: أنا غسلت من أول؟
نقول: الله أمرنا بغسل اليدين بعد الوجه، والكفان داخلتان في اليدين.
فإذن، لابد أن نرتب ونأتي بغسل اليد كاملة من رؤوس الأصابع إلى المرفقين بعد الوجه، بعد الوجه غير الذي كان من قبل، فإن لم نفعل واكتفينا بالغسل الأول خالفنا الترتيب وأدخلنا في غسل اليدين أعضاء أخرى، صار أنا غسلت جزءًا ثم غسلت الوجه، ثم رجعت وغسلت الجزء الآخر، فانتفى الترتيب.
والحاصل: أن من توضأ فغسل كفيه ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ثم غسل يديه من الرسغين إلى المرفقين لم يصح وضوءه عند أكثر أهل العلم.
ومن كلام المعاصرين في هذا قال الشيخ عبد الله بن جبرين -رحمه الله- لما سئل ما حكم من يغسل يديه من الرسغ إلى المرفق دون غسل الكف مكتفيًا بغسلها في أول الوضوء؟ وهل يلزمه الإعادة؟
قال: لا يجوز في الوضوء الاقتصار على غسل الذراع فقط دون الكف، بل متى فرغ من غسل الوجه بدأ بغسل اليدين، فيغسل كل يد من رؤوس الأصابع إلى المرافق، ولو كان قد غسل الكفين قبل الوجه، فإن غسلهما الأول سنة، وبعد الوجه فرض، فمن اقتصر في غسل اليدين من الرسغ إلى المرفق فما أكمل الفرض المطلوب، فعليه إعادة الوضوء بعد التمام، أو عليه غسل ما تركه إن كان قريبًا، فيغسل الكفين وما بعدهما، يعني لو واحد تذكر بعد ما انتهى، بعد ما غسل القدمين تذكر أنه هو في غسل اليدين بدأ من الرسغ، ماذا يفعل؟
يرجع إلى اليدين ليغسلها كاملًا من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، ثم يأتي بما بعدها حتى يحافظ على الترتيب، وإذا طال الفصل، يعني نشفت الأعضاء وتذكر بعد نصف ساعة يعيد الوضوء كله، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وهنا نقف لننبه على ما يغفل عنه كثير من الناس حيث كانوا يغسلون اليد من الكف إلى المرفق ظناً منهم أن غسلها قد تم قبل غسل الوجه، وهذا غير صحيح، ولا بد أن تغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفقين" [اللقاء الشهري: 51/ 9].
الآن السنة في قضية اليمنى واليسرى بماذا يبدأ؟ الآن هو في الأول غسل الكفين، تمضمض استنشق، هذه ما فيه يمنى ويسرى، غسل الوجه ما فيه يمنى ويسرى، متى تبدأ مسألة اليمنى واليسرى؟ بغسل اليدين، تبدأ مسألة اليمنى واليسرى، فهنا يبدأ بغسل اليمنى، جاء في ذلك حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم [رواه ابن ماجه: 402]، ورواه أبو داود بلفظ: إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم [رواه أبو داود: 4141] قال النووي: "سنده جيد"، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير"، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند، وكذلك الألباني.
ظاهر الحديث ماذا يفيد؟
الوجوب؛ لأن فيه أمر، ولكن العلماء حملوه على الاستحباب، قال النووي: "فهذا نص في الأمر بتقديم اليمين، ومخالفته مكروهة أو محرمة، وقد انعقد إجماع العلماء على أنها ليست محرمة فوجب أن تكون مكروهة" [شرح النووي على مسلم: 3/ 160].
وقال أيضًا في "المجموع شرح المهذب": "وتقديم اليمنى سنة بالإجماع وليس بواجب بالإجماع" قال ابن المنذر: "أجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره" [المجموع شرح المهذب: 1/383].
قال الشافعي -رحمه الله-: "ويبدأ باليمنى من يديه قبل اليسرى، فإن بدأ باليسرى قبل اليمنى كرهت ذلك ولا أرى عليه إعادة" [الأم: 1/ 41].
وعن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن رجل توضأ فبدأ بمياسره، فقال: لا بأس" [رواه الدار قطني: 297، وصححه].
فإذن، هذه الآن قرائن تدل على عدم الوجوب، ما نقل عن الصحابة والإجماع.
ماذا إذا كان المتوضئ -نسأل الله العافية- مقطوع اليد أو بعض اليد، فلنفرض أن كفه قطعت في حد أو غزو، مثل زيد بن صوحان هذا من كبار المجاهدين في سبيل الله، في معارك الفتوحات كان جالسًا يعظ ويعلم وفيه أعرابي، والأعراب مشكلة في بعض الأحيان، فالأعرابي بعد ما سمع الموعظة يقول للصحابي : يا هذا إن كلامك يعجبني، لكن يدك تريبني، يعني كلامك كويس لكن لماذا كفك مقطوعة؟ كلامك يعجبني، ولكن يدك تريبني، أنت شكلك عالم لكن لا يكون تطلع حرامياً؟ يعني أنت ليش كذا؟ فقال زيد : ويحك إنها قطعت في القادسية ألا تراها الشمال؟ يعني المقطوعة الشمال، قال الأعرابي: والله ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال؟ قال زيد: صدق الله: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ [التوبة: 97].
على أية حال: مسألتنا الآن ما هي؟
لو كان المتوضئ مقطوع اليد أو جزء من اليد ماذا يفعل؟
إذا كان مقطوع اليد سقط الحكم، إذا كان مقطوع جزء من اليد، فإن كان مقطوع من المرفق سقط أيضًا لن نقول له: اغسل العضد، بدل اليد.
وإن كان مقطوع ما دون المرفق، فسنقول : اغسل ما تبقى من اليد التي أمر الله بغسلها، اغسل ما تبقى ثلاثًا، وذلك للقاعدة الشرعية: الميسور لا يسقط بالمعسور، ولأن العجز عن بعض الواجب لا يسقط فعل ما قدر عليه منه؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]، وقول النبي ﷺ: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم [رواه البخاري: 7288، ومسلم: 1337].
قال ابن قدامة في "المغني": "وإن كان القطع من المرفق غسل العظم الذي هو طرف العضد؛ لأن غسل العظمين المتلاقيين من الذراع والعضد واجب، فإذا زال أحدهما غسل الآخر" [المغني: 1/91]، يعني هذا ملتقى عظمين لو فرضنا قطع من المرفق تمامًا غسل العظم الذي من جهة العضد؛ لأن هذا هو الملتقى، فزال بعضه وبقي البعض الآخر، فإنه يغسل ما تبقى من هذا العظم-نسأل الله السلامة والعافية- فيه حوادث سيارات، وحوادث آلات ومصانع، بسبب هذه الحوادث أحيانًا يصاب بعض الناس بقطع وتلف أعضاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والمنصوص وجوب غسل رأس العضد؛ لأن المرفق اسم لمجتمع عظم الذراع وعظم العضد، فإذا ذهب أحدهما وجب غسل الآخر كما لو بقي بعض الذراع" [شرح عمدة الفقه: 1/ 85].
وإن كان القطع من فوق المرفق بحيث لم يبق من المرفقين شيء فقد ارتفع عنه فرض غسل اليدين لسقوط محله، قال الإمام الشافعي: "وأحب إلي لو مس أطراف ما بقي من يديه أو منكبيه غسلًا وإن لم يفعل لم يضره ذلك" [الأم: 1/ 41].
لو كان له إصبع زائدة في بعض الناس، يمكن يطلع له إصبع سادس؟ ما حكمها هذه؟
"وجب غسلها مع الأصلية؛ لأنها نابتة فيه، أشبهت الثؤلول" [المغني، لابن قدامة: 1/ 91].
لو قطعت يده فركب يدًا صناعية هل يجب غسل الصناعية؟
الجواب: هذه من النوازل، وقد أفتى أهل العلم والاجتهاد من المعاصرين بعدم وجوب غسل الأطراف المركبة، وبهذا ينتهي درسنا هذه الليلة. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.