الأربعاء 12 جمادى الأولى 1446 هـ :: 13 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة هل يختص بالأكل والشرب


بعض أهل العلم قال: إن النهي مقصور على الأكل والشرب وبقية الأغراض مباحة، ذهب إلى هذا بعض الظاهرية واختاره الصنعاني والشوكاني، واستدلوا بحديث الجلجل حديث أم سلمة، في جلجل الفضة.

والذي عليه عامة العلماء من السلف والخلف وهو مذهب الأئمة الأربعة أن جميع وجوه استعمال آنية الذهب والفضة محرمة، ليس فقط الأكل والشرب، كل استعمال آخر.

قال النووي -رحمه الله-: "الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة والأكل بملعقة من أحدهما" يعني ذهب وفضة "والتجمر بمجمرة منهما"، قال: "وجميع وجوه الاستعمال، ومنها المكحلة والميل وظرف الغالية" الغالية: الطيب، ظرف الغالية: وعاء الطيب، "وغير ذلك، سواء الإناء الصغير والكبير، ويستوي في التحريم الرجل والمرأة بلا خلاف" انتهى كلام النووي -رحمه الله- [شرح النووي على مسلم: 14/ 29].

واقتصار الحديث على ذكر الأكل والشرب؛ لأنه غالب استعمال الناس لأواني الذهب والفضة الذين يستعملونه منهم يستعملونها في الأكل والشرب، فإذا نهي عن استعمالها في الأكل والشرب وهو العام والأغلب فيكون ما سوى ذلك من باب أولى، فهذا من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، الأعلى الذي هو الأكل والشرب، فيقول: إذا نهانا عن الأكل والشرب بها وفيها، فمعنى ذلك أن ما هو أقل أهمية من الأكل والشرب من باب أولى أن يكون منهيًّا عنه، فهذا كما قال الله -تعالى-: لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا [آل عمران: 130]، وجميع أنواع الاستيلاء في معنى الأكل، يعني لو واحد قال: أنا راح آخذ الربا بس ما آكل ولا شيء، سآخذ الربا وحطه في الحساب، وأما أكلي وشربي راح يكون من مال تجارة حلال، يجوز؟ قال: أنا ما أكلت الربا؟ نقول: لا يجوز، وأي طريقة تأخذ فيها ربا وتستعمل فيها الربا لا تجوز، ولو قال: طيب هو قال: لا تأكلوا؟ نقول: إذا كان الأكل وهو أحوج شيء للإنسان غيره من باب أولى، يعني طيب ألبس من الربا أجهز بنتي بالربا؟ أبني بيتي بالربا؟ أسدد فاتورة الكهرباء بالربا؟ كله لا يجوز.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "نهى ﷺ عن الأكل والشرب؛ لأنهما أغلب الأفعال، وفي التطهير منها والاكتحال والاستصباح".

لو واحد قال: يا أخي نبغى نجعلها مصباح نوقد منه نستوقد منه ونحو ذلك؟

قال شيخ الإسلام: "لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له، خلقا للتداول النقدين والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر، وكسر قلوب الفقراء وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ  [الحديد: 23]. انتهى كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-.

قال ابن القيم: "وهذا التحريم لا يختص بالأكل والشرب، بل يعم سائر وجوه الانتفاع فلا يحل له أن يغتسل بها" لو واحد قال: طاسة فضة اغتسل بها؟، طيب مروش فضة؟، "ولا يتوضأ بها، ولا يكتحل منها، وهذا أمر لا يشك فيه عالم" [إعلام الموقعين لابن القيم: 1/ 158].

وحديث الجلجل لا يدل على الإباحة؛ لأن الحجة فعل النبي ﷺ وقول النبي ﷺ وقد تكون أم سلمة -رضي الله عنها- لم يصل إليها ذلك الحديث، أو لها شبهة فيه، فلا يمكن أن نأتي بمثل هذا ونحتج به على إسقاط الحديث الصحيح، ونقول: يالله فيه خذوا، أبدًا، وكل المعاني التي ذكر العلماء تحريم الأكل والشرب لأجلها موجودة في الاستعمالات الأخرى.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: "والعلة في تحريم الشرب فيها ما يتضمنه ذلك من الفخر والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وهو موجود في الطهارة منها، واستعمالها كيفما كان، بل إذا حرم في غير العبادة ففيها أولى" [المغني لابن قدامة: 1/ 56] يعني إذا في الأكل والشرب حرام، في الوضوء منها حرام أشد حرام أشد تحريمًا.

وبناء على ذلك يحرم استعمال أي شيء من الذهب والفضة كالمشط والمبخرة والمرآة والساعات والأقلام والكراسي، ونحو ذلك.

طبعًا في ناس الآن عندهم الثريات ومقابض الأبواب والحنفيات، وما لا يحصى ولا يعد.