كل حيوان ليست له نفس سائلة فهو طاهر، إذن كل حيوان مأكول اللحم طاهر، وسؤره طاهر، كل حيوان ليست له نفس سائلة فهو طاهر؛ ومنه: الذباب، والجراد، والنمل، والنحل، والعقرب، والخنافس، والعناكب، والصراصير في الأصل؛ لأنه سيأتي فيها تفصيل.
ماذا يعني أنها طاهرة، هل يعني أنه يؤكل لحمها؟ لا؛ لكن لو مشت على ثوبك، لو لمستها، لو لمست نملة ثم أقيمت الصلاة يجب أن تغسل يدك؟ لا، لو لمست عقربًا ثم أقيمت الصلاة، هل يجب أن تغسل يدك؟ لا، لو حملت عنكبوتًا ثم أُقيمت الصلاة، إذن هذه طاهرة، ما الذي يجمعها أنه لا نفس لها سائلة، حتى جهاز الدورة الدموية يعني فيها خصائص معينة تشريحيًّا ليست مثل بقية الحيوانات.
ما هو الدليل؟ قال ﷺ: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه؛ فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء [رواه البخاري: 5782].
لو وقعت بعوضة أو ذبابة في إناء فيه ماء حليب لبن فغمستها ثم ألقيتها فلا يضيرك الشرب منه، هل يجب الشرب؟ لا، لو واحد قال: أنا نفسي تعافه، نقول: ما يلزمك أن تشربه، ضعه للقط وخلاص، لكن من زمان كان يعني اللبن عزيز، يعني الناس في فقر يحتاجون الحكم هذا، يمكن ما عنده إلا هذا الإناء قد لا يكون عنده إلا هذا الإناء من اللبن وقعت فيه ذبابة خلاص يعني يبقى جائعًا، يحتاج الحكم هذا، الآن الناس عندهم طعام كثير، فيقول: ما نفسي تعافه وإلا في حال الجوع تعال تريده.
فإذن، الدليل هذا يدل على أن الذباب إذا وقع في الإناء طاهر، وإلا لأوجب إراقة السائل هذا مثلاً، ولو كان الذباب نجسًا ما أمر بغمسه في الإناء.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "فهو دليل ظاهر الدلالة جدًا على أن الذباب إذا مات في ماء أو مائع -زيت مثلاً- فإنه لا ينجسه، وهذا قول جمهور العلماء، ولا يعرف في السلف مخالف في ذلك" [زاد المعاد: 4/102].
قال: "ووجه الاستدلال به أن النبي ﷺ أمر بمقله وهو غمسه في الطعام، ومعلوم أنه يموت من ذلك" يعني: قد تسقط الذبابة ولم تمت، فإذا غمستها قد تموت بالغمس، ومعلوم أنه يموت من ذلك، "ولا سيما إذا كان الطعام حارًا" الشوربة مثلاً "فلو كان ينجسه لكان أمرًا بإفساد الطعام" والشرع لا يمكن أن يأمر بإفساد الطعام، فما دام أرشد إلى غمسه وطرحه، لماذا يغمس طبيًّا وصحيًّا؟ لأن على أحد الجناحين داء، وعلى الآخر دواء، دواء شفاء، هذا من المجالات التي ينبغي أن تستثمر في الأبحاث الطبية العصرية؛ لأن بعض أصحاب الأطروحات والرسائل والأبحاث يقولون: أعطونا مواضيع، أعطونا مواضيع، فنقول: في مثل هذا ابحثوا في الحبة السوداء، قال: شفاء من كل داء [رواه البخاري: 5687، ومسلم: 2215]، حتى السرطان، السنا والسنوت والعود الهندي والقسط البحري، يعني هناك أشياء الشرع أرشد إلى أنها مكامن دواء، هذه مكامن أدوية، هذه الآن الشرع يوفر عليك الوقت، بعض الناس يروح هم يبحثون في أي شيء، نقول: هناك مكامن أدوية أرشد إليها الشرع ابحثوا فيها، انظر هذه كيف أجروا عليها التجارب.
قال ابن القيم: "ووجه الاستدلال به أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بمقله وهو غمسه في الطعام ومعلوم أنه يموت من ذلك ولا سيما إذا كان الطعام حارًا، فلو كان ينجسه لكان أمرًا بإفساد الطعام وهو ﷺ إنما أمر بإصلاحه" الرسل ما تأمر إلا بالإصلاح: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود: 88]، قال: "ثم عُدّي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة، كالنحلة والزنبور والعنكبوت وأشباه ذلك"، [زاد المعاد: 4/102]
استثنى الحنابلة من هذا ما يتولد من النجاسات؛ كدود الحش، وصراصيره، قالوا صراصير المراحيض التي تطلع من أماكن النجاسات مستثناه، ما تدخل في هذا، فهو نجس حيًّا وميتًا؛ لأنه متولد من النجاسة فكان نجسًا.
قال أحمد في رواية المروذي: "صراصر الكنيف والبالوعة إذا وقع في الإناء أو الحب صُبّ"، يعني: أرقناه، ما نغمس ونطرح ونقول، لا، أرقناه تخلصنا منه، "وصراصر البئر ليست بقذرة؛ لأن البئر طاهر، ماء بئر وصراصر البئر ليست بقذرة ولا تأكل العذرة" [المغني: 1/34].
ففرّق أحمد -رحمه الله- بين صراصر الكنيف المرحاض والبالوعة، وبين صراصر البئر والبساتين ونحوها، لما؟ قال: ليست بقذرة ولا تأكل العذرة، بخلاف صراصير البالوعات وتتغذى على النجاسات، والكلام في المغني.