الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

رسالة الرحمة في الإسلام


عناصر المادة
الإسلام دين الرحمة
سعة رحمة الله تعالى
الرسول ﷺ رحمة للعالمين
الرحمة بالكفار

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمابعد:
فمرحباً بإخواننا على البعد، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتجالسين فيه، والمتحابين فيه.
وإن لقاء الإخوان على البعد وخصوصاً في بلاد الغربة من الأمور التي تزيد الإيمان، وتقرب إلى الرحمن؛ ذلك أن فيها تطبيقاً وتنفيذاً لما أمر الله به من التواصي بالحق والصبر، وأن المؤمنين جسدٌ واحد مهما تباعدت بهم الديار، وتناءت بهم الأقطار.
نحن نعلم -يا إخواني- أن الله خلقنا لعبادته، وأرسل إلينا ﷺ نبيه بهذا المنهج، والدين الخاتم الصالح لكل زمان ومكان، الشريعة التي تغطي كل نواحي الحياة، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:162]، سواء كان عصر تقنية، ووسائل تواصل، وعصر الأجهزة الحديثة، وعصر الاتصالات، فإن هذا الدين يتسع لها جميعها، وفيه أحكام لكل شيء بالنص، أو بالإجماع، أو بالقياس الصحيح.

الإسلام دين الرحمة

00:01:30

دين الإسلام دين الفطرة، ودين الرحمة، ودين المغفرة، ودين الوسطية، ودين الاعتدال، ودين السماحة، ودين الواقعية يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر [سورة البقرة:185]، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [سورة النساء:28]، في الحديث: بُعثت بالحنيفية السمحة[1].
وديننا دين الرحمة، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [سورة الأنعام:54]، في كتاب مكتوب عند الله قبل أن يخلق الخلق، ماذا يوجد فيه؟ -هذا من أخبار الغيب أطلعنا عليه- إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي والحديث رواه البخاري[2].

سعة رحمة الله تعالى

00:02:09

وهو سبحانه الرحمن الرحيم، أرحم الراحمين، خير الراحمين، الغفور ذو الرحمة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [سورة الأعراف:156] مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا[سورة فاطر:2] رحمة عامة لجميع الخلائق بإيجادهم، وتربيتهم، ورزقهم، حتى الكفار من يرزقهم؟ من يمدهم بالنعم؟ من يصحح أبدانهم؟ من يسخر لهم هذه المخلوقات وهذه الجمادات؛ ليتخذوا منها الآلات الأجهزة والمركبات الفضائية؟ هذه رحمة عامة،رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [سورة غافر:7] بلغت رحمته المؤمن والكافر، المال، والصحة، والأولاد، وكذلك يعلمه لهم من التقنيات، ويهديهم إلى الخبرات، وعلاج الأمراض.

الرحمة الثانية: رحمة خاصة، لا تكون إلا للمؤمنين، فيرحمهم في الدنيا بتوفيق من الهداية، ويدافع عنهم، ويرزقهم الحياة الطيبة، ويطمئن نفوسهم،ويشرح صدورهم، ويهديهم سبل السلام، ويلقي المحبة لبعضهم البعض فيما بينهم، وينعم عليهم بالفهم الشرعي، والفقه في الدين، عطايا ربانية، برحمته يعفو عن سيئاتهم، ويقبل توبة مسيئهم، برحمته يدخل من يشاء الجنة، وينجي من يشاء من النار، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [سورة الأحزاب:43].

من الأحاديث المدهشة في الرحمة: جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه[3].
الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها، برحمته أرسل إلينا رسوله ﷺ، أنزل علينا القرآن، بدون قرآن كيف كانت حياتنا؟ كيف كانت ستكون؟ بصرنا من العمى، وأرشدنا من الغي، وأخرجنا من الضلالة، وأنقذنا من الجهالة، وعرفنا من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، ودينه، وحلاله، وحرامه، برحمته أطلع لنا شمسه، وقمره، وجعل لنا ليله ونهاره، وبسط لنا أرضه، وأنشأ السحاب في سمائه، وأمطرنا بمطره، فأخرج لنا الأرزاق من رزقه، الفواكه، والأقوات، والمرعى، وسخر لنا الخيل، والإبل، والأنعام، وذللها لنا، بل السمك في البحر،تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا [سورة فاطر:12] والدر في الأصداف وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا [سورة النحل:14].
برحمته وضع الرحمة بين عباده، بين المؤمنين الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء[4].
نحن نستفيد أن نأخذ صفة الرحمة هذه لنتخلق بها، لا يرحم الله من لا يرحم الناس[5]، نحن نستفيد أن نتراحم فيما بيننا نحن المؤمنين، يعطف بعضنا على بعض، يعين بعضنا بعضاً، يغيث بعضنا بعضاً، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [سورة الفتح:29].

الرسول ﷺ رحمة للعالمين

00:05:26

الله أرسل رسوله رحمة للعالمين، بشريعته تعرف الخليقة كيف تعيش؟ لا ينضبط عيشها إلا بدين الله، ولا يمكن يحل فيها سعادة، ولا هناء في العيش، ولا استقرار نفسي إلا بدين الإسلام، أنا محمد، وأحمد، ونبي التوبة، ونبي الرحمة[6]، إنما بعثت رحمة[7].
امتن الله برحمته، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [سورة آل عمران:159] سهّل أخلاقه وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك [سورة آل عمران:159].

وكذلك فإن من رحمته تعالى أن أرسل إلينا نبياً في قلبه رحمة للمؤمنين، ما ضرب شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله، كان رحيماً بالأطفال، يقبل الأطفال، يحملهم في الصلاة، يمكنهم من ظهره إذا سجد؛ ليرتحلوه، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته[8] ينزل من المنبر ليحمل الحسن والحسين .
لما مات ابن بنته بكى حتى فاضت عيناه، قال: إنها رحمة[9].
يخفف الصلاة من أجل بكاء الصبي، كان ﷺ رحيماً بأمته، مشفقاً عليها، تلا مرة قول الله -تعالى- عن إبراهيم الخليل: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [سورة إبراهيم:36] الآية، وقال عيسى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة المائدة:118] فرفع النبي ﷺ يديه؛ لما مر بدعوة إبراهيم، ودعوة عيسى، قال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم فسله- ما يبكيك فأتاه جبريل فسأله، فأخبرهﷺ بما قال وهو أعلم -يعني ربنا أعلم- فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك[10].
لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة[11] فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [سورة النساء:41].

الرحمة بالكفار

00:07:57

الرحمة في دين الإسلام عامة تشمل حتى الرحمة بالكفار، كيف؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [سورة الأنبياء:107] الرحمة بتعليمهم دين الإسلام، الرحمة بهم أن نبين لهم طريق الحق، الرحمة بهم أن نعرضه عليهم بأسلوب هين، لين، برفق، وحكمة، معنى الشهادتين، أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة.
لو كل واحد منا أتقن أن يعرض على غير المسلم معنى الشهادتين، معنى أركان الإيمان الستة، يشرحها، وأركان الإسلام الخمسة، والله خير عظيم، فتكون أنت قد بلغت شيئاً عظيماً.
لو قال قائل: نحن كل يوم نراهم، ونسمعهم، نجلس معهم فماذا نقول لهم؟
ملخص الدين معنى الشهادتين، وأركان الإيمان الستة، وأركان الإسلام الخمسة، هذه ملخص القضية كلها.
النبي ﷺ من رحمته بالكفار أنه ما دعا عليهم بالهلاك من أول وهلة، بل صبر على أذيتهم، قيل: يا رسول الله أدع عليهم؟
قال: إني لم أبعث لعاناً، وإنما بُعثت رحمة[12].
حتى لما ضربوه، وأدموا وجهه، قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون[13].
حتى لما جاء الطفيل بن عمرو الدوسي يقول: يا رسول الله إن دوساً قد عصت وأبت، فادعُ الله عليهم.
قال بعض الناس: هلكت دوس خلاص، الآن ستأتيهم دعوة تستأصلهم، تودعهم في خبر كان، قال ﷺ: اللهم اهدِ دوساً، وأتِ بهم[14].
لما عاد من رحلة الطائف بعد ما كذبوه، وأغروا به صبيانهم ومجانينهم، يضربونه ويشتمونه، طردوه، يأتيه ملك الجبال يقول: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -جبلان في مكة-، فقال رسول الله ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا[15] أليست هذه رحمة بالكفار ؟
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [سورة الأنبياء:107] الحرص على هدايتهم، النبي ﷺ يجلس مع الواحد منهم كم مرة؟ ومع صناديدهم، ويأتيهم في منتدياتهم، وأماكن اجتماعهم، ويسمع الواحد منهم، يسمع ثم يتلو عليه القرآن، ويحزن إذا لم يهتدوا، حتى قال الله له: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [سورة الشعراء:3]، يعني ستهلك نفسك بحزنك عليهم فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [سورة الكهف:6] فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [سورة فاطر:8] وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [سورة آل عمران:176] إِنَّكَ لَاتَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [سورة القصص:56] فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [سورة الرعد:40] فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [سورة الغاشية:21، 22].

ومن رحمته بهم ﷺ عفا عنهم عند المقدرة لما فتح مكة، هؤلاء الذين طالما حاربوه، وآذوه، وسبوه، وشتموه، وخرجوا لقتاله، ومع ذلك يقول: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن[16] يعني: يا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم؟ سبحان الله، أطلقهم أطلقهم، طلقاء.
جاء واحد من المشركين يريد قتل النبي ﷺ فإذا تنشل يده، فقال ﷺ للأعرابي: من يمنعك؟ قال: كن خير آخذ. قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قال: لا، أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى ﷺ سبيله، فجاء الأعرابي هذا إلى قوم يقول: "جئتكم من عند خير الناس"[17] يعني رأى شيئاً عجباً.

من رحمة الشريعة هذه بغير المسلمين أنها حرمت قتل النساء، والأطفال، والشيوخ، والرهبان، والأجراء، والفلاحين، والمقعدين، وأصحاب الأمراض المزمنة وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَاتَعْتَدُوا  [سورة البقرة:190] بقتل صبيانهم، ورهابينهم، ومن لا علاقة له بالحرب منهم.
لما علم النبي ﷺ بمقتل امرأة في الحرب أنكره، قال: ما كانت هذه لتقاتل[18].
ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا[19] روايات كثيرة، لا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع[20] لا تقتلوا شيخاً فانياً -يعني كبيراً طاعناً في السن-، ولا طفلاً، ولا صغيراً[21] والأعمى، والمجنون، والمعتوه، والمقعد كله لا.

هذه يعني رحمة، الرحمة في الإسلام؛ الرحمة ولذلك شهد يعني فون كرايمر (مستشرق) يقول: "كان العرب المسلمون في حروبهم مثال الخلق الكريم، فحرم عليهم الرسول قتل الرهبان، والنساء، والأطفال، والمكفوفين، وحرم عليهم تدمير المزارع، وقطع الأشجار، وقد اتبعوا في حروبهم أوامره بدقة متناهية، فلم ينتهكوا الحرمات، ولا أفسدوا المزارع، ولم يبادلوا أعداءهم جرماً بجرم، وما كانوا يتبعون سياسة الأرض المحروقة.
الرحمة بالأسير:
أيضاً معاملة الأسرى وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [سورة الإنسان:8] أنه إذا أمر بالإحسان إليهم، ومن أسراهم؟ قال قتادة:"وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك"[22] يعني في بدر أو غيرها، ما كانوا يعذبون، يحرقون بالنار، يهدرون الكرامة الآدمية، يعرّون.

لذلك الإحسان الذي وجده ثمامة جعله يأتي النبيﷺ مع أنه كان أسيراً مربوطاً، قال: "والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فقد أصبح بلدك أحب البلاد إليَّ"[23]

الرحمة بالأيتام:
الرحمة في الإسلام تتجلى مثلاً بالأيتام، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [سورة البقرة:83] فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَاتَقْهَرْ [سورة الضحى:9] لا إذلال، ولا غلبة، ولا نهر، ولا قهر، فضلاً عن شتم، ضرب، واستيلاء على المال، هذا كله حرام.
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [سورة النساء:10] كن لليتيم كالأب الرحيم[24] أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا[25].
تريد أن يلين قلبك؟ امسح رأس اليتيم[26] ﷺ أوصانا، والكفالة معناها إنك تجعله مع أولادك، هذه كفالة اليتيم، ليس أكل، وشرب، وفلوس فقط، لا، وتربية، وتأديب، وتحفيظ، ورعاية، مثل أولادك.
كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة[27].

الظاهر بيبرس كان عنده مكتب السبيل، اسمه كذا (مكتب السبيل)، قرر لمن فيه لأيتام المسلمين الخبز في كل يوم، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، يعني: كل يوم طعام طازج.
أنشأ السلطان قلاوون مكتباً لتعليم الأيتام مرتبة، لكل طفل كسوة في الشتاء، وأخرى في الصيف.
وخصص أبو برزة الأسلمي طبقاً من ثريد باللحم، ومرق اللحم في الصباح، وأخرى في المساء على الأرامل، والأيتام، والمساكين.
الرحمة بالحيوان:
مبدأ الرحمة في الإسلام، مبدأ عميق يصل إلى درجة الرحمة بالبهائم، في كل كبد رطبة أجر[28] تسقيه، تطعمه ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة إلا كان له به صدقة[29].
الزرع ترى جيد، بالمناسبة الزراعة فيها فضيلة في الإسلام، فيها فضل.
رحمة الحيوان: قال ﷺ: من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة[30].

رأى ﷺ مرة بعيراً قد لحق ظهره ببطنه، يعني من شدة الجوع التصق بطن البعير بظهره، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ماذا يعني المعجمة؟ يعني: لا تقدر على النطق، يعني راعيها ترى هذي بهيمة ما تستطيع تعبر عن مشاعرها، لا يستطيع هذا أن يقول لك: إني جائع،.معجمة، قال: فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة[31] يعني للركوب والأكل، خافوا الله فيها، ليس معنى أنها لا تتكلم ولا تعبر عن شعورها يعني أنت تضطهدها، وتؤذيها، وتدئبها، وتجيعها، وتعطشها، وتحملها ما لا تطيق.

جمل رأى النبي ﷺ حنّ، وذرفت عيناه، فأتاه النبي ﷺ فمسح ذفراه -مؤخر الرأس، أو أصل الأذن- مسحه، فسكن –سكت- فقال: من رب هذا الجمل؟ من صاحب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، قال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه -هذا البعير- شكا إليّ هذه من المعجزات النبوية أنك تجيعه وتدئبه [32] تتعبه، وتعمل عليه عملاً متواصلاً لا يطيقه.
الرحمة حتى عند ذبح الحيوان، أن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته[33].
جاء واحد من الصحابة، قال: يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها.قال: والشاة إن رحمتها رحمك الله[34].

تصور الشريعة لما تمنع ذبح شاة بحضرة أخرى، والنبي ﷺ يرى واحدا يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، هي تلحظ، تراه وهو يحد الشفرة، قال: تريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها[35] موتات، كذا موتة، يعني: هلا واريتها؟ هلا حديت الشفرة بعيداً عن ناظريها؟
كيف تذبح واحدة أمام الأخرى؟
الآن عيد الأضحى قريب، الأضحى، الأضاحي، ممنوع تعذيب الحيوان، ودخلت امرأة النار في هرة[36].
والرفق بالبهيمة من أنواع الأجور، الطاعات، حرم اتخاذ الحيوان غرضاً، ما يجوز وضعه هدفا ترمي عليه، تعرضه للأذى،تعذبه بالضرب،"أنس رأى غلماناً أو فتيانًا نصبوا دجاجة يرمونها، فقال أنس نهى النبي ﷺ أن تصبر البهائم[37] يعني تحبس لترمى حتى الموت لا يوجد في الإسلام، وقال ﷺ: لعن الله من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا[38] غرض يعني: هدف في الرماية، حرام تضع شيئا ترمي عليه وفيه روح، وفي رواية: لعن الله من مثل بالحيوان[39] يقطعه وهو حي مثلاً، مر على دابة وسمت في وجهها قال: لعن الله الذي وسمه[40] وفي رواية: أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها[41] يعني أنت تريدتضع علامة على البهيمة علامة أنها لك،ليس على الوجه، ولا تضرب في الوجه،ودخل رجل الجنة في كلب سقاه، ودخلت بغي زانية الجنة في كلب سقته، ودخلت امرأة النار في هرةربطتها[42] تقول عائشة -رضي الله عنها-: كنت على بعير صعب فجعلت أضربه ، فقال ﷺ: عليكِ بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه[43].

شف في الإسلام الذبح رحمة بالحيوان، لازم تكون السكين حادة، ما يجوز تذبح بسكين كليلة تعذب الحيوان، ولما يذبح يقطع مجرى التنفس والطعام، يخرج الدم، هذه أسرع طريقة لإراحته، لا صعق بالكهرباء، ولا ضرب بالمسدسات، ولا بالآلات الحديدية، ولا يرمى في ماء حار ليختنق.
مر النبيﷺ في سفر -قال الصحابة معه: - فرأينا حمرة"-طائر صغير مثل العصفور- معها فرخان، فجاء واحد من الصحابة وأخذ فرخيها، فجاءت الحمرة لتطعم فرخيها، ما وجدتهما، فجعلت تفرش" -يعني ترفرف بجناحيها وتقترب من الأرض- فالنبي ﷺ فهم مباشرة، قال: من فجع هذه بولدها؟! ردوا ولدها عليها[44].
بعض الناس يبالغون في الحيوانات إلى درجة الإسراف المذموم، يمكن يورث الحيوان ويترك أولاده، وهذا من الجهل، ويسرف، ويضع أموالاً طائلة من أجل حقائب الكلب، وأشياء الكلب، وفنادق فخمة، هذه إضاعة مال وسفه، وهناك أناس جائعين في العالم، جائعين فما هو تفوق، ولا إنجاز أن تسوي فنادق للكلاب خمسة نجوم، وعباد الله يذبحون في العالم، ويقتلون، ويهجرون، ويجوعون،أين الرحمة؟ والذي ينفق على الكلاب أكثر مما ينفق على أولاده وبناته.
نسأل الله أن يجعلنا من الرحماء، نسأله أن يجعلنا ممن يرحمون الخلق، ويعرفون الحق.

  1. ^ أخرجه أحمد: (22291)، والطبراني في الكبير: (7868)، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2924).
  2. ^ رواه البخاري: (7554)، ومسلم: (2751)، بلفظ آخر.
  3. ^  أخرجه البخاري: (6000)، ومسلم: (2752).
  4. ^ أخرجه أبو داود: (4941)، والترمذي: (1924)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (925).
  5. ^ أخرجه البخاري: (7376).
  6. ^ رواه مسلم: (2355).
  7. ^ رواه مسلم: (2599).
  8. ^ ​رواه أحمد: (16033)، وصححه الألباني في أصل صفة صلاة النبي ﷺ: (2/ 772). ​
  9. ^ أخرجه البخاري: (1303).
  10. ^ رواه مسلم: (202).
  11. ^ أخرجه البخاري: (630)، ومسلم: (198).
  12. ^ أخرجه مسلم: (2599).
  13. ^ أخرجه البخاري: (3477)، ومسلم: (1792).
  14. ^  رواه البخاري: (2937)، ومسلم: (2524).
  15. ^ أخرجه البخاري: (3231)، ومسلم: (1795)، واللفظ لمسلم.
  16. ^ أخرجه مسلم : (1780)، وأبو داود: (3022)، وهذا لفظ أبي داود.
  17. ^ أخرجه أحمد: (14929)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: (2872). 
  18. ^ أخرجه أبو داود: (2669)، وحسنه الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة: (701).
  19. ^ أخرجه مسلم: (1731).
  20. ^ أخرجه أحمد: (2728)، وحسنه شعيب الأرنؤوط نفس الرقم.
  21. ^ أخرجه أبو داود: (2614)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع: (1346).
  22. ^ تفسيرالطبري: (23/ 544).
  23. ^ أخرجه البخاري: (4372)، ومسلم: (1764).
  24. ^ أخرجه البخاري في الأدب المفرد: (138)، وصححه الألباني صحيح الأدب المفرد: (103).
  25. ^ أخرجه البخاري: (6005).
  26. ^ أخرجه أحمد: (7576)، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (854).
  27. ^ أخرجه مسلم: (2983).
  28. ^ أخرجه البخاري: (2363)، ومسلم: (2244).
  29. ^ أخرجه البخاري: (2320)، ومسلم:1553.
  30. ^ أخرجه الطبراني في الكبير: (7915)، وحسنه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: (27).
  31. ^ أخرجه أبو داود: (2548)، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: (23).
  32. ^ أخرجه أبو داود: (2549)، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: (20).
  33. ^ أخرجه مسلم: (1955).
  34. ^ أخرجه أحمد: (15592)، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: (26).
  35. ^ أخرجه الطبراني في الكبير: (11916)، والحاكم في المستدرك: (7563)، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: (24). 
  36. ^ أخرجه البخاري: (3318)، ومسلم: (2619).
  37. ^ "أخرجه البخاري: (5513)، ومسلم: (1956).
  38. ^ أخرجه مسلم: (1958).
  39. ^ أخرجه النسائي في السنن الكبرى: (4516)، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: (5113).
  40. ^ رواه مسلم: (2117).
  41. ^  رواه أبو دوادأخرجه أبو داود: (2564)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (1549).
  42. ^ أخرجهالبخاري: (3318)،ومسلم: (2619).
  43. ^ أخرجه مسلم: (2594)، وأحمد: (24938)، واللفظ لأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (4041).
  44. ^ أخرجه أبو داود: (2675)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (25).