الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

صلة الرحم وأثرها في حياة المسلم 1


عناصر المادة
الأمر بصلة الرحم والتحذير من قطعها
ظاهرة الاهمال في صلة الراحم
ضابط الأرحام الذين يجب صلتهم
صلة الرحم عادة من عادات العرب قبل الإسلام
ماهية صلة الرحم ومراتب الناس في صلة الرحم
وسائل صلة الأرحام في الدنيا
وسائل صلة الأرحام بعد الموت
بعض الآثار السلبية المترتبة على قطع الرحم
الأسباب الحاملة على قطيعة الرحم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  [الأحزاب: 70 - 71].

إخواني في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الليلة ليلة مفيدة، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن القول والعمل، وأن يسدد خطانا وخطاكم لما يحب ويرضى.

الموضوع الذي سنتكلم عنه في هذه الليلة -يا إخواني- شعيرة مهمة من شعائر الإسلام وهي: صلة الرحم. ومع أن هذا الموضوع قد يبدو من المواضيع العادية في نظر كثير من الإخوان، ولكن التفريط الحاصل فيه والإهمال الموجود يدفع الإنسان لأن يتكلم عنه ويربط هذه الآيات والأحاديث بالمشاكل الحاصلة في هذا الجانب.

الأمر بصلة الرحم والتحذير من قطعها

00:02:03

وانطلاقاً من الآيات من خطبة الحاجة التي صدرنا بها هذا الحديث ننطلق فنقول: يقول الله : وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء: 1].

أما تقوى الله فهي معلومة، لكن كيف نتقي الأرحام؟

 وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء: 1] يعني كما قال المفسرون: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.

وقد قال الله في آية الوصايا في سورة النساء: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ  [النساء: 36].

فإذاً، أمر بالإحسان إلى ذي القربى، ومدح الله قوماً في القرآن فقال: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ [الرعد: 21].

وذم الله أقواماً، فقال: وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ [الرعد: 25].

وجمهور المفسرين على أن المراد بما أمر الله به أن يوصل: صلة الرحم.

وهذا الحديث العظيم الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ((إن الله –تعالى- خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله ﷺ: اقرءوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد: 22][رواه البخاري: 5987، ومسلم: 2554] أولئك الذين يعملون هذه الأعمال يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم، ما هي عاقبتهم؟ وما هو عقابهم؟

 أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد: 23].

وهذه الآية في سورة محمد دليل على خطورة هذا الأمر الذي نتحدث عنه.

ويقول محذراً في الحديث الصحيح في صحيح الجامع من رواية الطبراني عن أبي بكرة مرفوعاً قال : ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب، وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم  أعجل طاعة يأتيك ثوابها في الدنيا قبل الآخرة صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا [رواه الطبراني ، وهو في صحيح الجامع: 5705، وفي السلسلة الصحيحة: 915، 978].

وأنت الآن -يا أخي- إذا تجولت بخاطرك في حال بعض الناس الذين أنعم الله عليهم، وفتح عليهم من خيرات الدنيا، مع أن فيهم فسق ومعاصٍ، تجد أن من الأسباب أنهم يعيشون معاً، وأن هناك نوع من الترابط فيما بينهم، أنهم يصلون بعضهم بعضاً، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنموا أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا، فانظروا كيف عم ثواب صلة الرحم الفجرة، حتى لو كانوا فجرة، وفي الحديث القدسي الصحيح: قال الله -تعالى-: أنا خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي؛ فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته، ومن بتها بتته .

وفي حديث الصحيح الآخر: إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك [رواه البخاري: 5987].

هذه ((الرحم)) أيها الإخوة ((شجنة)) كما ورد في الحديث الصحيح شعبة من كل شيء شجنة آخذة بحجزة الرحمن  [رواه أحمد: 2953، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن"].

والحجزة هي معقد الإزار من وسط الإنسان.

هذا في اللغة.

والله له صفات تليق بجلاله وعظمته لا تشابه صفات المخلوقين، من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته  كما ورد في الحديث الصحيح [رواه البخاري: 5989].

وكان من أركان دعوة رسول الله ﷺ وهو في مكة، من الأساسيات التي كان يدعو إليها وهو في مكة؛ ما جاء في الحديث المتفق عليه في محاورة هرقل لأبي سفيان قبل أن يسلم، فقال هرقل لأبي سفيان: فماذا يأمركم به؟ قال: "يأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة" جزء من حديث طويل [رواه البخاري: 7، ومسلم: 1773].

إذاً كان أبو سفيان يعلم بأن رسول الله ﷺ يدعو إلى صلة الرحم وهو بمكة.

وقطع الرحم من الكبائر، كما ساق ذلك وذكره ابن حجر -رحمه الله تعالى- في "الفتح"، وذلك لورود الوعيد الشديد فيه.

وهي إحدى العلامات التي تميز بها الكبائر عن الصغائر: شدة الوعيد الوارد فيها، وجعلها عليه السلام إحدى علامات الإيمان، فقال في حديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه  [رواه البخاري: 6138].

ظاهرة الاهمال في صلة الراحم

00:08:27

والآن إذا تأملنا في حال الناس نجد أن هذا الجانب من جوانب الدين قد تعرض لإهمال وتفريط شديدين، والقصص التي نسمعها من هنا وهناك أليمة جداً بأن الناس قد فرطوا في حق الله قبل أن يفرطوا في حق أرحامهم، لما نسمع مثلاً أن أحد الآباء كبار السن الذي ربى أولاده، فبعد أن استولوا على أمواله لما كبروا، ما بقي لديه إلا بيت صغير سكن فيه بجانب مسجد، ولم ير أي وجه من وجوه أولاده فترة طويلة من الزمن، وما كان معروفاً إلا بين أهل الحي الذي يصلي فيه، فمرة من المرات تغيب عن المسجد، يوماً يومين ثلاثة أيام، فتبرع بعض أهل الخير أن يذهبوا إليه ليعرفوا ما به، فطرقوا بابه العتيق، فلم يرد أحد، فخافوا فاقتحموا البيت فوجدوه راقداً على فراشه ميتاً، تغيرت الجثة وتصاعدت منها الروائح، ثلاثة أيام الرجل على فراشه لم يدفن ولم يسأل عنه أحد.

هذه القصة الحقيقية الواقعية، وأمثالها كثيرة جداً.

الإهمال الحاصل اليوم، وهذه الأدعية التي تنطلق من حناجر الآباء والأمهات، وتلك الأصوات التي تجأر إلى الله بالشكوى من الأبناء والبنات العاقين لآبائهم وأمهاتهم، وتمر الأعياد والمناسبات ولا يسأل أحد عن أحد، تقطعت بهم الأسباب، كأنه -والعياذ بالله- في يوم القيامة لا يسأل حميم حميماً، لابد لنا من وقفة جادة إذا كنا نريد أن نتقي الله لمواجهة هذه المواقف، وقد لا يستطيع إنسان أن يبرأ نفسه تماماً خصوصاً مع هذه المشاغل المادية التي حلت بالناس.

ضابط الأرحام الذين يجب صلتهم

00:11:21

فنريد أن نعرف -أيها الإخوة- أولاً: من هم الأرحام؟ ما هو تعريفهم؟ لنعرف هذه الآيات والأحاديث منصبة على ماذا؟

قال ابن حجر -رحمه الله-: الرحم يطلق على الأقارب وهم من بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا، سواء كان ذا محرم أم لا.

فإذاً، دائرة الرحم أوسع من دائرة الوراثة، وأوسع من دائرة المحرمية، فقد يكون بينك وبين إنسان رحم ولا يرثك ولا ترثه، ولست بمحرم، ليس بينكما صلة محرمية.

نريد تعريفاً أدق، قال القرطبي -رحمه الله-: الرحم قرابات الرجل من جهة طرفي آبائه، يعني الأب والأم، من جهة الطرفين وإن علوا الجد وأبو الجد وجد الجد، وهكذا، وأبنائه وإن نزلوا الابن وابن الابن وابن الحفيد وهكذا، وما يتصل بالطرفين من الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وما يتصل بهم من أولادهم برحم جامعة.

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- من هم الأقارب الذين تجب صلتهم؟

فقال: كل الأقارب وصلهم واجب، فأقربهم الآباء والأمهات وإن علوا، والأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا، ثم الإخوة والأخوات، ثم بنو الإخوة وبنات الإخوة، ثم الأعمام والعمات، وهكذا..

فإن قال قائل: هل يدخل أقرباء الرجل بالرضاع، وأقرباء زوجته في الرحم أم لا؟

فالجواب كما ذكر أهل العلم الأقارب بالرضاع وأقارب الزوجة ليسوا من الرحم، لكن هذا لا يعني أنك لا تحسن إليهم وأنه ليس لهم حقوق عليك، بل إن لهم عليك حقوقاً عظيمة، لكن الرحم في الدرجة الأولى، ثم الإحسان إلى باقي الخلق الذين بينك وبينهم وشائج وصلات جمعتك وإياهم صلة الصهر؛ لأن الله قسم الخلق وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً.

ويدخل في الرحم كذلك خال الأم، خالة الأم، أولاد خال الأم، أولاد خالة الأم، وهكذا من جهة الأب خال الأب خالة الأب وأولادهما، كل هؤلاء يدخلون.

إذاً، باختصار كل الأقارب من جهة أبيك وأمك أن علوا وإن نزلوا، وكذلك الحواشي كلهم يدخلون في الرحم.

لو أن إنساناً قال: يا أخي هذا التعريف واسع جداً، يعني إذا أردت أن أصل هؤلاء كلهم، فإنه لن يكون لدي الوقت الكافي لفعل ذلك، فماذا أفعل؟ والمشاغل كثيرة، وأنت تعلم حالنا في العمل، أو بعدنا عن أهالينا الذين يسكنون في مناطق أخرى، فماذا أفعل؟

فنقول: إن رسول الله ﷺ قد قال في الحديث الصحيح في صحيح الجامع، رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن ماجه عن المقدام مرفوعاً: إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم  ثلاث مرات  إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله -تعالى- يوصيكم بالأقرب فالأقرب [رواه ابن ماجه: 3661، والبخاري في الأدب المفرد: 60، وهو في صحيح الجامع: 1924].

فإذاً، الآن وجدنا الحل الواضح للمشكلة: إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب  إذا كان لديك إمكانيات محدودة، ولن يكفي الوقت لصلة كل الأقارب فتبدأ بالأقرب فالأقرب، الأم، فالأب، فالأقرب فالأقرب.

فإذاً، تقدم الأم في البر فالأب فالأولاد فالأجداد فالإخوة فالأخوات، ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأب واحد، يعني لو كان لك أخ شقيق من الأم والأب فهو مقدم في البر على الأخ من الأب فقط أو على الأخ من الأم فقط.

وتردد بعض العلماء في الجد والأخ أيهما يقدم الجد أم الأخ؟

ذكر ابن حجر -رحمه الله- الخلاف في "الفتح"، وساق قول القاضي عياض: الأكثر على تقديم الجد وبه جزم بعض أهل العلم، يقدم الجد على الأخ.

وهناك مسألة مهمة لابد منها لكي نصل أرحامنا، ما هي هذه المسألة؟

عن سعيد قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فسأله ممن أنت؟ فَمَتَّ له برحم بعيدة، هذا الرجل ذكر لابن عباس: أن بينه وبين ابن عباس قرابة بعيدة، فألان له يعني ابن عباس، ألان له القول، ثم قال ابن عباس قال رسول الله ﷺ:  اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة [رواه الحاكم: 7283، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، والبيهقي في شعب الإيمان: 7569] يمكن يكون عندك أخ، لكنك بعيد عنه جداً ولا تصله  ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة  ربما أنك تصل واحداً من أقربائك البعداء، فهذه الصلة تقرب ما بينك وبينه.

فإذاً، الرسول ﷺ يأمرنا أن نتعلم أنسابنا ونتعلم شجرة العائلة، لا للتباهي والتفاخر وتعليق شجرة العائلة على الحيطان أمام الناس تفاخراً، لا، هذا من عمل الجاهلية، لكن نتعلم الأنساب ونسأل عنها، نسأل كبار السن في العائلة، من هم الأقرباء؟ من هو فلان؟ هل لفلان أولاد؟ ما أسماء أولاده؟ أين يعيشون؟

لابد أن نتعلم من أنسابنا ما يمكننا من صلة أرحامنا، وإذا كانت صلة الرحم واجبة، فإن القاعدة الشرعية تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

فإذاً، لابد من تعلم النسب إذا كان لا يمكن صلة الرحم إلا بهذا التعلم، ورسول الله ﷺ يحاول أن يقرب في الأحاديث الأشياء، فيقول: إن عم الرجل صنو أبيه، يعني مثل أبيه، بدرجة أبيه، ويقول: الخالة بمنزلة الأم.

وفي حديث صحيح عن أنس قال: دعا النبي ﷺ الأنصار فقال: هل فيكم أحد غيركم؟  قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله ﷺ: ابن أخت القوم منهم [رواه مسلم: 1059].

صلة الرحم عادة من عادات العرب قبل الإسلام

00:19:40

وصلة الرحم كانت معروفة من عادات العرب حتى في السابق، فيقول قائلهم وهو المقنع الكندي في أبيات جميلة، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

وسمي بالمقنع؛ لأنه كان من أجمل أهل زمانه، وأحسنهم وجهاً، فكان إذا كشف وجهه يؤذى بالعين ونحوه، فكان يتقنع دهره، فسمي المقنع.

يقول:

يعاتبني في الدين قومي وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمداً
أسد به ما قد أخلوا وضيعوا حقوق ثغور ما أطاقوا لها سداً
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جداً
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا غيي هويت لهم رشداً
وليسوا إلى نصري سراحاً وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شداً
ولا أحمل الحقد القديم عليهم  وليس رئيس القوم من يحمل الحقد
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفداً

يعني لو ما صار عندي مال أكرمهم به أقل شيء أنا لا أكلف عليهم الرفادة وهي إكرام الضيف.

ماهية صلة الرحم ومراتب الناس في صلة الرحم

00:21:00

ما معنى صلة الرحم؟

الآيات والأحاديث تقول: صلة الرحم، ما هي الصلة؟

الصلة أن تصل الشيء المقطوع، ولذلك يقول رسول الله ﷺ: ليس الواصل بالمكافئ [رواه البخاري: 5991] يعني لو أن أحد أقاربك وصلك فأنت رددت جميله فوصلته، هل تعتبر واصلاً؟ هل تعتبر واصلاً؟

لا، وإنما تعتبر مكافئاً؛ لأنك كافأته على إحسانه إليك بالبر، فأنت أيضاً تعتبر مكافئاً للعمل.

لكن الصلة أنك تأتي إلى أحد أقاربك الذين قطعوك فتصلهم أنت، وهم لم يحسنوا إليك ولم يبروك، هذا معنى الصلة.

فلذلك يقسم العلماء الناس في صلة الرحم إلى ثلاثة مراتب:

الأولى: الواصل وهو أعلاها الذي يأتي الناس الذين قطعوه ولا سألوا عنه ولا أحسنوا إليه، فيحسن إليهم ويسأل عنهم ويصلهم، فهذا الواصل.

الثاني المرتبة الوسطى: المكافئ الذي إذا أحسنوا إليه أحسن إليهم، وإذا وصلوه كافأهم.

الثالث وهو أسوأ القوم: الذي يقطع الرحم، قاطع الرحم لا يصل ولا يكافئ من وصله.

فانظر الآن كيف ترتقي الشريعة بأصحابها إلى الهمة العالية في الوصل، ليس المطلوب أن ترد الجميل في الدرجة الأولى.

الأعلى من كذا أنك أنت الذي تصل أولاً، هذا هو المعنى في صلة الرحم، فإذا وصلت من قطعك، وأعطيت من حرمك، وعفوت عمن ظلمك من أقاربك، فتعتبر واصلاً، قال القرطبي -رحمه الله-: الرحم التي توصل عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.

وأما الرحم الخاصة فتزيد، رحم الخاصة أعلى غير الأخوة في الدين الأخوة في النسب، فتزيد النفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم، وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك الأقرب فالأقرب.

وقال ابن أبي جمرة -رحمه الله- كما ساق عنه الحافظ في "الفتح": تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر، إيصال ما أمكن من الخير إليهم، ودفع ما أمكن من الشر عنهم المعنى العام لصلة الرحم بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفاراً أو فجاراً، فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم، ثم الإعلام أن تعلمهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، يعني تبين لماذا قطعتهم، ولا يسقط مع ذلك الدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى، حتى لو كانوا فجاراً.

وسنبين مزيد لهذا الكلام والتفصيل في آخر الدرس -إن شاء الله-.

وسائل صلة الأرحام في الدنيا

00:24:47

فنبدأ أولاً: بأمثلة من الحقوق كيف نصل الرحم؟

نصل الرحم مثلاً بالنفقات المالية، يقول ﷺ: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا [رواه مسلم:997] في أعمال الخير والبر، يقول الله -تعالى- في القرآن الكريم: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ [النساء: 8].

الآن الميت مات، توزع التركة على الورثة، هناك من الأقارب من يرث، ومن الأقارب من لا يرث، فإذا حضر القسمة أولو القربى الذين لا يرثون، فارزقوهم منها من التركة، واكسوهم، فأوجد الله حقاً لهم، مع أنهم ليسوا من الورثة، من أجل أي شيء؟

صلة الرحم.

وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكن  قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود زوجها، فقلت له: إنك رجل خفيف ذات اليد، يعني قليل المال، وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزئ عني أن أتصدق عليك وأنت زوجي، وإلا صرفتها إلى غيركم، فقال عبد الله: بل ائتيه أنت، أنت صاحبة السؤال اسأليه، تقول زينب: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتي حاجتها، وكان رسول الله ﷺ قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال فقلنا له ائت رسول الله ﷺ فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام، يعني في حجورهما، ولا تخبره من نحن، فدخل بلال على رسول الله ﷺ فسأله، فقال له رسول الله ﷺ: من هما؟ فقال بلال: امرأة من الأنصار وزينب بدون أن يخبر من هي زينب، لأن المرأة طلبت منه ألا يخبر، فقال رسول الله ﷺ: أي الزيانب هي؟  الرسول ﷺ سأل فكان لابد من الجواب، قال: امرأة عبد الله، الرسول ﷺ سأل لكي يعرف الحال، فقال رسول الله ﷺ: لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة [رواه البخاري: 1466، ومسلم: 1000].

فإذاً، الصدقة على ذي القربى صدقة وصلة أجران، إذا تصدقت على القريب الفقير، فلك أجران، أجر الصدقة وأجر القربى.

والرسول ﷺ يقول في شأن الإنفاق على البنات حتى لو كن بناتك أنت يقول: ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، لو كن أخوات أيضاً، فيحسن إليهن إلا كن له ستراً من النار  [رواه البخاري ومسلم وأحمد].

إذاً، صار عندنا الآن صدقة، وصار عندنا النفقة، النفقة الإعاشة.

والثالث: في الأشياء المالية: الإهداء، الهدية والهبة والعطية.

وعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-: أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي ﷺ، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم، أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك [رواه البخاري: 2592، ومسلم: 999] لو ما أعتقتيها وأعطيتيها لأخوالك الذين يحتاجون إليها وإلى خدمتها كان أعظم الأجر.

تصور الآن العتق أجره عظيم يقول الرسول ﷺ: من أعتق عبداً فله بكل جزء من العبد يعتق الله به جزءاً، الجزء المقابل من المعتق من النار، لو أعتق عبداً، فيعتق الله بيد العبد اليمنى يد المعتق اليمنى من النار، ورجل العبد اليمنى رجل المعتق اليمنى من النار، ورأس ... وهكذا، ومع ذلك يقول: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك، متفق عليه.

وفي مختصر الفتاوى المصرية، وهي فتاوى مختصرة فتاوى ابن تيمية -رحمه الله- لما تكلم في مبحث هل الصدقة أفضل، أم الهدية لصلة الرحم؟ هل الصدقة على الفقير أفضل، أم أنك تهدي القريب منك؟

فقال: الصدقة ما يعطى لوجه الله ديانة وعبادة محضة من غير قصد إلى شخص معين ولا طلب عوض من جهته، هذه الصدقة إذا أعطيت لوجه الله من غير مقابل هذه صدقة.

وأما الهدية فيقصد بها إكرام شخص معين إما لمحبته وإما لصداقته وإما لطلب حاجته، ولهذا كان النبي ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها فلا يكون لأحد عليه منة.

إذا تبين ذلك فالصدقة أفضل إلا أن يكون في الهدية معنى.

الآن العموم أن الصدقة أفضل من الهدية، لو عندك مثلاً مائة ريال، هل تتصدق بها أفضل أو تعطي هدية لواحد من الناس أفضل؟

الأفضل الصدقة، يقول شيخ الإسلام: الأفضل الصدقة إلا إذا كان في الهدية معنى، يعني شيء معين يكون به أفضل من الصدقة، مثل الإهداء لقريب يصل به رحمه أو أخ له في الله، فإذا أنت أعطيت لقريب لك هذه الهدية نظراً لأنك أعطيتها لقريب، صارت أفضل من الصدقة، أو أعطيتها لأخ لك في الله للعلاقة الأخوية في الله بينك وبينه لله يعني أعطيتها له، فقد تكون أفضل من الصدقة.

وقال رحمه الله: والصدقة على المحتاج من الأهل أولى من غيره، فإن لم يتسع مال الإنسان للأقارب والأباعد فإن نفقة القريب واجبة، فلا يعطى البعيد ما يضر بالقريب.

وأما الزكاة والكفارة فيجوز أن يعطى منها القريب يعني الفقير الذي لا ينفق عليه؛ لأن الزكاة لا تعطى للقريب الذي تنفق عليه، ما يجوز أن تعطي زكاتك لولدك الفقير الذي أنت تنفق عليه، أو لزوجتك التي أنت تنفق عليها، أو إذا كان عندك أب أو أم ما عندهم مصدر أنت تنفق عليهم ما يجوز تعطيهم من الزكاة، لكن يجوز أن تعطي زكاة مالك لأختك الفقيرة ولأخيك الفقير ولخالك الفقير ولعمك الفقير ولولد عمك الفقير يجوز أن تعطيهم من الزكاة والكفارة؛ لأنك أصلاً شرعاً لست ملزماً بالإنفاق عليهم، فلذلك يجوز أن تعطيهم من الزكاة والكفارة.

ويقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح:  أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح [رواه أحمد: 23530، والحاكم: 1475، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وله شاهد بإسناد صحيح"].

ما هو الكاشح؟ ما معنى الكاشح؟

الكاشح هو الذي يضمر العداوة ويطوي عليها كشحه، لما أنت تعطي هذا القريب الذي يعاديك ويضمر لك العداوة وأنت تكافئه بالإحسان وتعطيه من الصدقة، فإن هذا فيه كسر لروح العدوان عنده، وفيه قهر لنفسه التي تنطوي على معاداتك؛ لأنك تحسن إليه وهو يسيء إليك.

بعض الأقارب لا يصلون، هل يعطون من الزكاة؟

نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الاختيارات: لا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله فرضها معونة على طاعته، فمن لا يصلي لا يعطى حتى يتوب، لا يعطى حتى يتوب، ويلتزم بأداء الصلاة.

وهذه أبيات طريفة كتب ابن المقري إلى والده حين امتنع من النفقة عليه، واحد كتب لأبيه رسالة، يعني نتصور واحداً الآن يدرس في أمريكا كتب لأبيه رسالة، لأن الأب امتنع من النفقة عليه، يقول الولد:

لا تقطعن عادة بر ول تجعل عقاب المرء في رزقه
   

يعني تبغى تعاتبني لا تعاتبني في النفقة.

 فإن أمر الإفك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه

 فإن مسطح في حادثة الإفك ارتكب إثماً عظيماً لما دخل بلسانه في الإفك، وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه، يعني ومع أنه جرى من مسطح ما جرى من خوضه في حادثة الإفك، لكن الصديق لما قطع النفقة عن مسطح عوتب الصديق في حقه، فقال الله : وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النــور: 22] يعني الآية فيها عتاب للصديق؛ لأنه قطع عن مسطح، فأرجع النفقة إلى مسطح، مع أن مسطح قد فعل ذنباً عظيماً، فأجابه والده مبيناً له السبب الذي من أجله منع النفقة عنه، قال:

قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى في السير في طرقه
لأنه يقوى على توبة توجب إيصالاً إلى رزقه
لو لم يتب من ذنبه مسطح ما عوتب الصديق في حقه

مسطح تاب، فهل أنت يا أيها الولد تتوب؟ فإذا تبت فأنا أرجع إليك النفقة، وهذه مشكلة اجتماعية موجودة، فيكون هذا المثال من حال من سبقنا قدوة لنا في التعامل في مثل تلك الحالات.

وليس من البر -أيها الإخوة- مساعدة الخامل والكسلان وتشجيعه على البطالة والكسل، يعني بعض الناس عندهم أقارب قاعدين في البيوت، يعتمدون على ماذا؟

يعتمدون على النفقة التي تصلهم من قريب لهم.

وهو هذا القاعد شاب قوي يستطيع التكسب، لكن خلاص فلان ينفق عليه، له عم أو خال ينفق عليه جالس في البيت.

طبعاً هذا يؤدي إلى فراغ وبطالة ويؤدي إلى وقوع في أنواع من الفسق.

ففي هذه الحالة لا تكون النفقة هنا محمودة، لأنك تساعده على البطالة، وإنما البر والصلة في مساعدة من فقد أسباب العمل ولم تتهيأ له طرق المكاسب، واحد ما يستطيع أن يعمل، امرأة ضعيفة في بيتها، لك بنت عم، بنت خال، خالة، عمة، تنفق عليها مسكينة المرأة تنفق عليها لو كانت صاحبة حاجة، ما تقول: لا والله خلها تطلع وتتكسب وتعمل، لا، لأنه أصلاً ليس المفروض المرأة أن تعمل.

ونوع آخر من أنواع البر بصلة الرحم: السلام، يقول رسول الله ﷺ: بلوا أرحامكم ولو بالسلام  حديث حسن [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 7602، ] يعني أندوها بما يجب أن تندى به، وواصلوها بما ينبغي أن توصل به، ولو أقل شيء بالسلام، أقل يعني لو أن ما عندك وقت مطلقاً يا أخي صل بالسلام، سلم بالهاتف بالرسالة، مجرد السلام.

وجوانب صلة الرحم كثيرة، أقصد الوسائل كثيرة، وأنتم تعرفون كثيراً منها، لكن نعدد تعداداً بدون شرح الآن، حتى لا يطول بنا المقام:

محبتهم أكثر من غيرهم، لأنهم أقارب، والمبادرة إلى صلحهم عند عداوتهم، والبداءة بهم في الدعوة والضيافة، عندك مثلاً وليمة تريد أن تدعو الناس أول شيء تبدأ بمن؟ بمديرك في العمل؟ تبدأ بالأقارب، تبدأ بالأقارب تصله، يكون هذا البدء بهم في الوليمة والضيافة قبل غيره.

 طبعاً إذا كان من أهل الاستقامة.

والتلاقي، التزاور، الوداع، إذا أراد أن يسافر تودعه، العيادة إذا مرض، التعازي إذا مات له قريب، التهاني إذا صار عنده مناسبة سارة، الاعتذار إذا أسأت إليه، الضيافة، إعطاؤه من الزكاة إن كان فقيراً، السؤال عن أحواله، شكره والثناء عليه، إسلافه المال، محتاج مال يسلفك مالاً، تولي الأيتام إذا كانوا أقارب، هذا واجب، أكثر من توليهم إذا لم يكونوا أقارب، وهذه مسألة يغفل عنها، بعض الناس عندهم أيتام من أقاربهم ما يسألون عنهم، مع أنه المفروض في حقه أن يساهم في إعانتهم وإعالتهم، تلبية طلبات الأقارب وحاجاتهم، إجابة مناسباتهم إذا ما احتوت على منكر لا يستطيع تغييره، احتمال تصرفاتهم، تشييع موتاهم، من الأشياء الجميلة التي نسمع عنها حقيقة من نتاج الصحوة الإسلامية المباركة أنك تجد الآن ولله الحمد سمعنا عن هذا في بعض المدن عندما تطلع تخرج الجنازة من المسجد الذي يحملها من المسجد يصحبها إلى المقبرة وينزلها عند القبر ويشارك في الحفر لها وإنزالها في القبر هم الشباب الصالحون الذين يشيعون أقرباءهم الموتى، عندما تجد في العائلة شباباً فيهم صلاح وخير، هم الذين يشيعون الميت ويحملونه ويضعونه عند القبر ويشاركون في الحفر وهم الذين ينزلونه ويحاربون البدع ويواسون أهل الميت بجانب القبر ويخرجون بهم هذه هي المساهمة الاجتماعية التي ترضي الله .

وكذلك: الاستئذان في السفر من الوالدين، حتى لو كان السفر واجباً، الاستئذان منهما، إدخال السرور عليهما، مراسلتهما إذا صار الإنسان بعيداً عنهم أو مشغولاً، اصطحابهم في الحج والعمرة، أحياناً تكون لك قريبة لم تحج من قبل، أنت محرم لها، يا أخي حج بها، حتى لو حججت، حج بها، يسر لهذه المرأة أن تحج، هذا من صلة الرحم.

وسائل صلة الأرحام بعد الموت

00:41:34

هل إذا مات القريب انقطعت الصلة؟

لا.

تصله بوسائل كثيرة؛ منها: الدعاء له، إنفاذ وصيته، الصدقة عنه، إشراكه في الأضحية، الرسول ﷺ كان إذا ضحى يقول: اللهم هذا عن محمد وآل محمد [رواه أحمد: 27190، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة: 6461 ] ويذبح، وآل محمد فيهم الأحياء والأموات، ما هو شرط أنك تقول: هذه لأبي، وهذه لأمي، وهذه لخالي الذي مات، وهذا لجدي، لا.

هذا خلاف السنة هو جائز لكن ليست هذه هي السنة.

السنة: أنك تذبح عن نفسك وأهل بيتك وتشرك في نيتك آل بيتك من الأحياء والأموات، كما فعل الرسول ﷺ: اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد .

وصلة أقارب الميت وأصدقاء الميت من صلة الرحم، إذا كان الميت من أقربائك، والحج عنه أو العمرة إذا ما حج أو اعتمر، وحتى لو حج أو اعتمر وأردت أن تصله بزيادة يمكن أن تحج عنه وتعتمر إذا كنت قد حججت واعتمرت عن نفسك.

بعض الآثار السلبية المترتبة على قطع الرحم

00:42:41

ننتقل الآن إلى جانب آخر من الموضوع جانب المعالجة، الآن عندنا ظاهرة هذه الظاهرة السيئة وهي: قطع الرحم والإهمال فيها، نريد أن نعرف ما هي الآثار السلبية المترتبة على قطع الرحم؟

أولاً: مخالفة أمر الله، هذه أكبر سلبية، يعجل الله -تعالى- لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم حديث صحيح.

وقال رسول الله ﷺ الحديث في البخاري:  لا يدخل الجنة قاطع [رواه البخاري: 5984، ومسلم: 2556].

قال النووي -رحمه الله-: يحمل تارة على من يستحل القطيعة.

إذا قال: هذه القطيعة حلال، فهذا ما يدخل الجنة أبداً؛ لأنه قد أحل ما حرم الله، حرم الله القطيعة وهذا يقول: حلال؛ كفر.

وأخرى على من لا يدخلها مع السابقين، يعني إذا قطع الرحم لن يدخل الجنة مع السابقين يتأخر دخوله؛ لأنه سيحاسب على هذه القطيعة.

وكذلك من السلبيات التي تترتب على قطع الرحم: خطأ في التصور، يعني مع كثرة قطع الأرحام الموجودة يستقر في أذهان الناس تصور خاطئ، ما هو؟

يتصور الإنسان أحياناً أن الدعوة إلى الله محصورة في نطاق زملائه مثلاً، وأن الخير في الدعوة إلى الله لا يصل إلى الناس البعيدين، يقول أيش علي من ولد عمي إللي في أمريكا؟ أنا علي من زملائي في العمل أدعوهم إلى الله.

طبعاً هذه يا جماعة خلل كبير، هذا تصور خاطئ، القريب قريب يجب أن تدعوه إلى الله -عز وجل- وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر.

وكذلك من الأشياء السلبية التي تحصل نتيجة قطع الأرحام: ردود الفعل، أنا أوجه هذا الكلام الآن بالأخص إلى أولئك النفر من الناس الذين تمسكوا بحبل الله والتزموا بدين الله وسلكوا طريق الالتزام بالإسلام يحصل أحياناً نتيجة العيش في هذه الأجواء الإسلامية آثار سلبية يجب أن تعالج؛ لأن المسألة أصلاً ما أخذت بالكيفية الصحيحة.

ما الذي يحصل يا أخي الشاب المتمسك بدينه إذا قطعت رحمك؟

يحصل ردود فعل تجاهك من أقربائك، فيقال: انظر إلى هذا يزعم أنه متمسك بدين الله وبعدين يقطعنا ولا يسأل عنا، هذا دين؟ هذا تمسك؟ هذا التزام؟

وهكذا يحصل كذلك استغراب من حالك، لماذا فلان لا يصلنا؟ لماذا فلان لا يسأل عنا؟ ماذا يوجد عنده؟ وتلقى عليك ظلال التهمة والريبة؟ لماذا أنت متقوقع على نفسك؟ لماذا لا تدخل في أرحامك؟ لماذا لا تسأل عنهم ولا تزورهم؟

والناس أعداء ما جهلوا، فإذا كانوا يجهلون حالك وواقعك وأنت بعيد عن أهلك رموك بشتى التهم.

كذلك قد تسبب قطيعتك لرحمك حرمان الإسلام من فائدة عظيمة قد تأتي إليه من جراء وصلك لأقاربك، قد يكون لك مثلاً عم تاجر، أو خال تاجر، لو وصلته وكلمته لتأثر فأنفق في سبيل الله فنفعت المجاهدين الذين في أقصى الدنيا، فنتيجة قطعك لرحمك يحرم المسلمون من خير عظيم بسبب أنك لست بجانب هؤلاء الأقرباء تنصحهم وتكلمهم وتؤثر فيهم وتحضهم على نفع الإسلام سواء كان بمالهم أو بجاههم ونحو ذلك.

كذلك من الآثار السلبية تنشأ في بيتك: مشكلات نتيجة قطع الرحم سواء من جهة قد تكون زوجتك قريبة لك وأنت تقطع أباها أو أمها أو أحد أقاربها أو أنت تقطع أقرباءك فتنعكس هذه القطيعة على داخل البيت فتسبب مشاكلاً في داخل البيت؛ لأن الناس الأقرباء قد يكون منهم أشرار لا يجابهون هذه العملية منك بالسماحة وإنما يدخلون يقولون: هذا ما يصلنا نحن نوريه كيف ننغص عيشته ونقض مضجعه ونقلق راحته ونخرب بيته؟ فلماذا تجر المشاكل عليك وعلى بيتك وعلى أسرتك؟

أحسن إلى أقاربك.

كذلك من السلبيات: ترك المنكرات تستشري في بيوت أقاربك، لو أنك وصلتهم نصحتهم زرتهم أرشدتهم وعيتهم، فإن كثيراً من المنكرات في بيوتهم قد تختفي، لكن إذا أنا بعيد وأنت بعيد والآخر بعيد، من الذي يصلح المنكرات ويغير المنكرات في بيوت أقاربنا؟

كذلك استجلاب عداوتهم، استجلاب عداوة الآخرين، هذه من نتائج قطع الرحم، وتوجه إليك كذلك سهام اتهامات مختلفة بقطيعتك لرحمك، فيقال عنك: هذا مغرور، هذا غرور التدين كما يزعمون، هذا غرور التدين هذا مغرور خلاص يعني فكر نفسه التزم بالدين صار الآن الكبير الشيخ، صار لا يسأل عنا ولا شيء، هذا مغرور.

وقد يقال: أنك متنطع ومتزمت.

 وأنت السبب الذي رسخت الفكرة في أذهانهم، صحيح قد يقال: هذا متشدد ومتنطع، لماذا لا يزورنا؟ لماذا لا يسأل عنا؟ لماذا لا يصلنا؟

ونكون نحن السبب في إعطاء الأفكار الخاطئة عن الإسلام من قبل الآخرين.

الأسباب الحاملة على قطيعة الرحم

00:49:21

هذه المظاهر السلبية يا ترى ما هي الأسباب الكامنة وراء هذه القطيعة؟

الآن كثير من الناس الطيبين لا يقطعون أرحامهم معصية لله مجاهرة.

الغالب ألا يحدث هذا، الغالب أنك لا تجد الشخص الملتزم بدينه يقطع الرحم ولا يسأل عن أقربائه عصياناً لله وتمرداً على الشريعة ومصادمة لكل النصوص التي ذكرنا بعضها في البداية.

تجد أن السبب يعود إلى خلل في التصور أو في العمل، فمن هذا مثلاً: قد يشعر الشاب أو الإنسان عندما يلتزم بالدين أنه صاحب رسالة سامية، وأنه صاحب دعوة إلى الله، وأنه صاحب أفكار ومفاهيم عالية، وأن اهتماماته تختلف عن اهتمامات الناس، فهؤلاء البسطاء ماذا ينشغلون، الذي ينشغل بالتجارة، والذي ينشغل بوظيفة، والذي ينشغل بمجالس وديوانيات و.. و.. إلى آخره، والنساء في الأسواق، اهتمامات دنيوية، أنا إنسان ملتزم بالدين عندي رسالة سامية، ماذا يتولد من هذا التصور، وهو تصور صحيح، هذه الفكرة صحيحة، صحيح أنك أنت صاحب رسالة، وهم أناس اهتماماتهم دنيوية أرضية، لكن إذا نتج عن هذا شعور بأنك يجب أن تبتعد عنهم؛ لأنهم أناس دنيويون، أناس ماديون وأنت صاحب رسالة.

إذاً، هناك فرق بينك وبينهم، إذاً ابتعد عنهم، هذا الخطأ، ليس الخطأ أن تتصور كما وضحنا في البداية، أنت أحسن منهم ولا شك، لكن يجب ألا ينتج عن هذا شعور أنك يجب أن تبتعد عنهم؛ لأن اهتماماتهم تختلف عن اهتماماتك، ولأنه ليس هناك قاسم مشترك بينكما، لا، تقترب منهم يا أخي، واجب الدعوة إلى الله أن تقترب منهم، كذلك هناك مفهوم إسلامي مهم وهو العزلة الشعورية، أنك تعيش بين الناس وأنت منعزل عن السيئات التي يقارفونها، الإسلام لا يأمرنا أن نخرج في المغارات والكهوف والصحاري والبراري ونبتعد عن المجتمع الفاسد، لا، هذه ليست فكرة إسلامية، هذه فكرة منحرفة فيها غلو في دين الله، الرسول ﷺ في مكة وكانت من أخبث المجتمعات ما قال: أنا أخرج بالصحابة خارج مكة وأدع هؤلاء الناس ومنكراتهم، غير صحيح، فأحياناً يظن الإنسان بأن العزلة التي يجب أن ينعزل بها عن هؤلاء الفساق هي أن ينعزل بجسده فيخرج عنهم بعيداً وينزوي عنهم ويقفل الغرفة عليه، أو يخرج المهم ألا يخالطهم، هذا غير صحيح.

يجب أن نفرق بين العزلة الشعورية والعزلة الجسدية، العزلة الشعورية هي المطلوبة هم في سيئاتهم أنت لا تشاركهم في سيئاتهم، ولكنك لا تعتزل عنهم جسدياً.

كذلك من الأسباب التي توجد أحياناً قطيعة الرحم: الانشغال أن ينشغل الإنسان في أعمال من الخير مثل طلب العلم مثل الدعوة إلى الله، فتستغرق هذه الأعمال وقته كله، فلا يتبقى عنده وقت لصلة الرحم، يقول: يا أخي أريد أن أطلب العلم، أريد أن أدعو إلى الله، أريد أن أفعل كذا، أريد أن أشارك إخواني، فهذه الأشياء تستغرق وقته فيقول: ما عندي وقت في صلة الرحم، مثلما تطلب العلم يجب أن تصل الرحم، كلها من الواجبات، يجب ألا تقدم شيئاً وتفرط تماماً في الشيء الآخر، يجب أن توازن، كذلك ينتج أحياناً من الإهمال العام جو مؤثر، فترى الناس يتباهون، يقول: هذا والله أنا خالي من عشرين سنة ما شفته، والثاني يقول: أنا من عشر سنوات ما شفت عمي، وتجد الناس كأنهم يتباهون بقطيعة الرحم، وهذه مصيبة عظيمة، يتباهون بالمدة، كل واحد يقول: أنا صار لي كذا ما زرت فلاناً، وأنا صار لي كذا ما شفت فلاناً، هذا خطأ، يجب ألا يكون التأثير الموجود تأثيراً سلبياً، ينبغي أن يكون تأثيراً إيجابياً.

كذلك أحياناً لا يقدر الشخص مدى حاجة الأسرة له، قد يكون هو المعيل، قد يكون رب الأسرة قد كبر، ويحتاج الآن إلى أن يتدخل أحد الأولاد لأن يعيل الأسرة وهو هذا الأخ مثلاً لا يسأل وغير مهتم ولا يشعر بحاجة أبيه إليه ولا بحاجة أسرته إليه يتركهم ويمشي، فيؤدي هذا إلى قطيعة الرحم، أحياناً قد تحتاج إليه العائلة كلها، قد يكون هذا مصدراً رئيسياً للعائلة كلها، فيتخلى عن هذا، وهذا خطأ.

ومن الأسباب كذلك التي تحمل على قطع الرحم أو تؤدي إلى نتيجتها: أن الرحم تصبح مقطوعة، أن الإنسان لا يعاشر إلا من هم على شاكلته، يعني من أصحاب الدين وأهل الدين.