الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، أيها الإخوة، نحييكم في هذه الليلة بتحية طيبة مباركة، وأقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذه الرسالة سنوجهها لمستخدمي جهاز الكمبيوتر، الحاسب الآلي، أو الحاسوب، تتضمن عدداً من النقاط، ولكنها تدور على أمرين أساسين:
أولهما: استخدام الجهاز في خدمة الإسلام، أو المصالح في استخدام هذا الجهاز.
وثانياً: المفاسد الناشئة من استخدام هذا الجهاز، أو ذكر بعض أوجه الشر التي يستخدم فيها هذا الجهاز.
مقدمة
إن هذا الجهاز الذي توصل إليه البشر، ما هو إلا جزئية تدخل في قوله تعالى: عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5]. والله ، يمتنّ على عباده بأن يخلق لهم من الأشياء ما ينتفعون به، ويعلّمهم من الأمور ما يستخدمونه في أوجه كثيرة، ولذلك فإن المسلم الذي يفقه كتاب الله وسنة النبي ﷺ يقدِّر مثل هذا الأجهزة المفيدة حق قدْرها، ولا يمكن أن ينكر فائدتها.
وبعض أصحاب المدرسة العقلانية يطعنون في أهل العلم، الذين يسيرون على منهاج الكتاب والسنة بأقوال مفادها أنهم ضد العلم والمدنية والحضارة، ولا شك أن هذا زعم باطل، ولذلك فإن الفقهاء من العلماء وغيرهم لا يمكن مطلقاً أن يصدوا أنفسهم أو الناس عن استعمال مثل هذه الأجهزة.
وأذكر مثالاً عن علامة القصيم في وقته الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- أول ما جاء مكبّر الصوت ووضع في المسجد، بعض كبار السن لم يعجبهم ذلك، وظنوا أن في المسألة بدعة، وأن استخدام مكبّر الصوت حرام، لكن هذا شأن كبار السن والأشخاص الذين لا يفقهون الأمر على وجهه، أما أهل العلم الذين يسيرون على نهج السلف فلهم موقف آخر، ولذلك لما قابل الشيخ هذا الرجل الذي اعترض على وضع مكبِّر الصوت، ناداه الشيخ وقال له: هات نظارتك التي تلبسها يا أيها الرجل، فأعطاه النظارة السميكة التي يلبسها، فقال: اقرأ لي هذه الورقة، فلم يستطع الرجل أن يقرأ الورقة، ثم أعطاه النظارة فلبسها فقال: اقرأ الورقة الآن، فقرأ الورقة، فقال: هذه النظارة تمكنك من قراءة الكلام الدقيق المكتوب، وهذا المكبِّر يمكنك من سماع الصوت.
فإذن، أهل العلم والفقه لا يمكن أن يردوا الاختراعات العصرية، أو المفيدة خصوصاً مثل هذا الجهاز؛ لأن هذا الجهاز بحد ذاته، ليس حراماً في نفسه، ولكنه بحسب ما يستعمل فيه.
استخدام الحاسب الآلي في خدمة الإسلام
ومن الأمور التي دخل فيها هذا الجهاز، استخدامه في خدمة الشريعة، ووفر هذا الجهاز أوقاتاً، وسيوفر أوقاتاً أخرى على كثير من الباحثين الذين كانوا يمضون الساعات الطوال والشهور والسنين في جمع المعلومات، فيمكنهم الآن باستخدام هذا الجهاز أن يجمعوا المعلومات في وقت أقل بكثير مما كانوا قبل ذلك، إذا كانت بعض الفهارس التي صنعت يدوياً، ذكر بعض أهل العلم، أنه لو وصلته قبل هذا لوفرت عليه ربع عمره، أو ثلاثة أرباع عمره في قضية البحث، فكيف إذا كان البحث عبر جهاز له إمكانات ضخمة مثل جهاز الحاسوب؟
ولا شك أن البحث في هذا الجهاز أدق وأشمل لعدم إحساس الجهاز بالإحباط والتعب ومشكلات الحياة، كما يحس بها المستخدم البشري، ولقدرته الهائلة على الإحاطة والاستيعاب، إذا ما قورنت بقدرة الإنسان المحدودة.
استخدام الجهاز لا يغني عن العقل البشري
ولكن قبل أن نتكلم عن بعض المجالات التي يستخدم فيها أود أن أنبِّه إلى مسألة مهمة، وهي أن استخدام الجهاز لا يمكن أن يلغي عقل الإنسان مطلقاً، وستبقى هناك كثير من الأشياء لا يمكن حسمها بالجهاز، مهما كان في هذا الجهاز من ميزات الذكاء الصناعي كما يقولون، ويسمونه الذكاء الاصطناعي، ستبقى هناك أشياء لا يمكن حلها إلا باستخدام الإنسان، أو بالعقل البشري، فمثلاً الكمبيوتر لا يستطيع أن يرجِّح المصالح والمفاسد كما يفكر الشخص، ولذلك لا يمكن أبداً أن نتخيل أن الكمبيوتر سيحل محل العالم، أو أن الكمبيوتر سيجتهد ويتوصل إلى نتائج، نعم هو يختصر خطوات في البحث، يجمع المعلومات للعالم، يوصله بسرعة إلى ما يريد، لكن أن يحل محل العالم في الاجتهاد والقدرة على النظر، فهذا محال أن يصل الجهاز مهما تطور إلى أن يكون مفتياً، بحيث يطرح أي مسألة على الجهاز فيأتينا الجواب من الجهاز، هذا لا يمكن، سيبقى هناك مجال للعقل البشري الذي خلقه الله ، والله أيضاً خلق الكمبيوتر ولا شك، والدليل قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].
وأيضاً من الفوائد الأخرى أن الكمبيوتر يُصاب بالفيروس، ويحدث له عارض مرضي، و(السستم داون) كما يقولون، ولكن الإنسان الذي آتاه الله مقدرة على التفكير والحفظ، لا يمكن أن يذهب حفظه في ثانيه، ولذلك لما ضاعت كتب بعض أهل العلم، كان غلامه يحمل الكتب وفيها عشرات الآلاف من الأحاديث التي أنفق ذلك العالم وقته في كتابتها وجمعها، فذهب الغلام بها أو العبد في السفر فضاعت الدواب وعليها الكتب، فرجع إلى سيده العالم وهو في غاية الحزن والأسى والخوف أن يسمه بسوء؛ لأن هذه مجهودات سنين طويلة، فلما رآه بهذا المنظر قال: لا تخف، أو لا تخش فإنها كلها في صدري.
وإذا كان الكمبيوتر يخزِّن مئات الآلاف من الأشياء، فقد كانت عقول بعض أهل العلم تخزن أشياء كثيرة جداً، كما نقل عن الإمام أبي زرعة الرازي -رحمه الله تعالى-، أنه كان يحفظ مائة ألف حديث، لما جاءه رجل فقال له: إن شخصاً حلف بطلاق امرأته أن أبا زرعة يحفظ مائة ألف حديث، فالآن نريد أن نعرف: هل المرأة طالق أم لا؟ فقال له: وما حمله على ذلك؟ قال: قد جرى وحصل، رجل حلف بالطلاق وانتهى، فقال أبو زرعة -رحمه الله-: "يمسك امرأته فإنها لم تطلق عليه" أو كما قال، [سير أعلام النبلاء: 13/69].
والبخاري -رحمه الله- قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح" [سير أعلام النبلاء: 12/415]. ويدخل فيها الطرق والمتابعات والشواهد وغير ذلك، لأن الأحاديث الصحيحة بدون تكرار كما قال الذهبي -رحمه الله- تُقدّر بعشرة آلاف حديث، فعلى أية حال كانت هناك أدمغة للعلماء تحفظ أكثر مما تحمله ذاكرات بعض الأجهزة الآن، لكن الشيء المهم أن هذه العقول معهم في الحضر والسفر ولا يحتاجون إذا انقطع التيار الكهربائي أو انعدمت البطاريات، وأصيب الكمبيوتر بفيروس أو بهبوط مفاجئ، يبقى للعالم دوره الذي يمتاز به عن الجهاز، مهما تطورت الأجهزة سيبقى للعلماء قيمتهم، وإنما سيكون هذا الجهاز معيناً لكثير من الباحثين، ولعل الله لما قدَّر أن يكون في هذه الأمة في عصورها المتأخرة ضعف الحفظ جعل لهم أشياء تعوِّض من مثل هذه الأجهزة، ولكن سيبقى للحفظ البشري دوره، وسيكون هو الحفظ الفعال في الخطابة والكلام والإلقاء، والشيء الذي يكون ذاتياً لا يمكن أن يضاهيه الشيء المصنوع الذي ينقل ويوضع في حقائب ونحو ذلك.
خدمة الحاسب لمجالات البحث العلمي
وقد دخل الكمبيوتر الآن في خدمة عدد من المجالات، وهذا شيء جيد للغاية، مثل: تيسير البحث والكتابة، في القرآن الكريم والسنة النبوية، وجمع الأسانيد، وعزو الأحاديث، معرفة مواضع الأحاديث، جمع طرق الحديث ومعرفة درجات الرجال، وتمييز الأحاديث الصحيحة عن الضعيفة، جمع الشواهد والمتابعات في الموضوع الواحد، البحث الموضوعي، إدخال معاجم اللغة العربية لمعرفة معاني المفردات، إدخال الموسوعات الشرعية مثل: موسوعات الفقه، والتاريخ، والسيرة، والفتاوى المخطوطات، إدخال الكتب في العلوم الإسلامية المختلفة، وإذا تقدم الجهاز الذي يسمونه أو يطلقون عليه (الأوشي آر) القارئة الضوئية، ارتقت درجة الإتقان في تميز الحروف العربية، سيكون هذا فتحاً مبيناً وكشفاً هائلاً بحيث يمكن للشخص في بيته أن يُدخل الكتب الكثيرة جداً، بواسطة هذا الجهاز "اسكنر" بحيث يخزّن في الكمبيوتر، وبعد ذلك تبحث كما تشاء في سير أعلام النبلاء، والبداية والنهاية ، وفتح الباري، ومجموعة الفتاوى وغير ذلك، والمغني لابن قدامة كما تشاء عن المسائل، وتأتيك النصوص، وتنتقي منها وتطبع وترتب، ويمكن أن تحضر خطبة وموضوعاً ورسالة، وهذا موجود منه أشياء كثيرة، وقد جربت بنفسي تحضير عدد من الخطب والدروس في استخدام بعض الأشياء البسيطة الموجودة.
فأقول: لو أن هذا الاختراع، وهو التعرف على الحروف العربية تطور وصار متقناً ونسبة الخطأ فيه قليلة جداً، فإن ذلك سيكون فتحاً مبيناً في إفادة طالب العلم، وتسهيل الوصول إلى المواضع التي يريدها في الكتب المختلفة.
وكذلك فإننا نشهد أن الكمبيوتر صار يستخدم الآن في طباعة الأبحاث، وإعلانات المحاضرات الإسلامية، وخط الفتاوى، ومساعدة طلبة العلم في أبحاثهم، وحتى تحويل التواريخ الهجرية إلى ميلادية والعكس، قد صار ذلك موجوداً، والبحث في الكلمات المتتالية والمختلفة المواقع، والكلمة الواحدة والمترادفات؛ كل ذلك صار ممكناً.
ولا شك أن لهذه السرعة ضريبة في المقابل، فإن الشخص الذي يبحث في الكتب ترسخ المعلومات في ذهنه أكثر من الشخص الذي يبحث في الكمبيوتر، وربما يستفيد أكثر؛ لأنه يمر على الكتب ويصادف معلومات كثيرة، ولا شك أن البحث الذي جاء نتيجة تعب يرسخ أكثر من البحث الذي جاء نتيجة همسة زر واحدة، لكن لا يمكن مع هذه الميزة أن نستهين بفوائد هذا الجهاز، وإذا أدخلت كذلك المجلات الإسلامية والعربية وغيرها في الكمبيوتر تستطيع البحث في المقالات أيضاً.
استخدام الكمبيوتر في الدعوة إلى الله
واستخدام الكمبيوتر في الدعوة إلى الله أمر ممكن للغاية، ولو نشط بعض الشباب والطلاب والذين يشتغلون في هذا الجانب لقدموا نفعاً كثيراً في مجال الدعوة إلى الله ، نحن نعلم أن سكان العالم يبلغون تقريباً خمسة آلاف مليون إنسان، وأن ما يقرب خمس هذا العدد هم من الذين ينسبون إلى الإٍسلام، وطبعاً نسبة كبيرة من هؤلاء جهلة بدين الله ، وكثير من الناس لم يسمعوا عن الإسلام، وبعضهم سمع عن الإسلام؛ لكن الرسالة التي وصلت إليهم مشوهة ومحرفة، فعندنا قسمان في الكفار، أناس لم تبلغهم الدعوة أصلاً، ولم يسعوا شيئاً عن هذا الدين، وأناس بلغتهم أشياء مشوهة بفعل وسائل الإعلام التي يسيطر عليها اليهود والنصارى الكفرة في تلك البلاد، ولذلك يكون عمل برامج تعرف بدين الإسلام الصحيح النقي بدلاً من الصورة المشوهة الموجودة، ويمكن إيصال هذه البرامج للأشخاص المختلفين وتوزع وتطبع، وتُباع أو تُهدى وتُتبادل بكميات كثيرة، لا شك أنه سيكون فتحاً في عالم الدعوة إلى الله .
وكذلك إعطاء الموضوعات المختلفة التي يمكن بواسطتها لأي شخص في جماعة غربية أو شرقية من الكفار الذي يريد أن يعرف معتقدات الأديان، أو ما جاءت به الأديان في قضية معينة؟ يمكن أن يصل عبر هذا البنك من المعلومات، إلى أشياء عن الإسلام قد تكون سبباً في إسلامه.
يوفر الوقت والجهد في نقل المعلومة
وكذلك فإن هذه الأجهزة أو البرامج يمكنها اختراق الحدود والمسافات الطويلة، وتنتشر انتشاراً واسعاً وتصبح بطريق الحاسبات الشخصية بين أيد الأفراد في المنازل والمدارس ومختلف قطاعات ومستويات المجتمع، وهذا لا شك أنه نوع من الغزو الإسلامي المطلوب في هذا الزمان، وكذلك فإن تكلفة هذه الأشياء إذا قارناها بوسائل الدعاة مع العوائق الرسمية الموجودة في الأسفار وغيرها، لا شك أننا سنكون قد تغلبنا على مشكلة كبيرة، وتوصلنا إلى إيجابية كبيرة بواسطة نشر البرامج التي تعرِّف بالإسلام، وبعض الإخوان كانت لهم مجهودات فردية في الدعوة إلى الله بواسطة (المودم) الذي يمكنهم الاتصال به عبر الشبكات العالمية والمحلية بأشخاص آخرين في بلدان أخرين عبر شاشة الكمبيوتر، وكان ذلك سبباً في إسلام بعض هؤلاء، وبعضهم كان يكتب مشكلات ذاتية يقول مثلاً: أبي يمنعني من الصلاة، إنني أسلمت عبر الرسالة التي أرسلتموها في الجهاز بواسطة المودم، وكان يسأل عن أشياء من الدين، وكان من الأسئلة التي سألها ذلك الشخص البعيد آلاف الكيلو مترات عن حل مشكلة الصلاة بالنسبة له، لأن أباه يعاقبه إذا رآه يصلي، فهذا طرف بسيط مما يمكن استخدام الحاسب فيه في مجال الدعوة إلى الله .
ولا شك أنه حتى من جهة التكلفة، ستكون هذه الوسائل أقل تكلفة وأوسع انتشاراً، وسيبقى أيضاً لإرسال الدعاة ميزة لقوة التأثير والبلاغة والبيان وإقامة الحجة، والرد على الشبهات، والشخص الذي يكلمك أمامك غير الذي تسمع أو ترى رسالته فقط من بعد، زد على ذلك أن بعض الناس عندهم غرور وتعالٍ وكبرياء، فلو كلمه شخص ربما يرفض الكلام، لكن إذا قرأها على شاشة، فلا يكون هناك مجال للاعتراض مثلما لو كان أمامه الشخص فربما سد أذنيه وولى معرضاً ولم يعقب، لكن إذا رآها على الشاشة، فسيكون مجال الاعتراض أقل، والعناد والتمادي في رفض هذا الرأي سيكون أقل كذلك.
وأيضاً من جهة التعليم استخدام الكمبيوتر في التعليم سيعطي المسلمين أشياء كثيرة عن الدين، وهذا أمر وارد جداً في تعليم الأطفال، ولا شك أن الكمبيوتر فيه مؤثرات مثل الألوان والأشكال والرسوم، وبعد وجود الساوندكارد (البطاقة الصوتية) أيضاً صار هناك إمكانية كبيرة لإدخال الأصوات، وربما تلقين القرآن بالصوت وربما تصحيح الأخطاء في التلاوة، ولاشك أن هذا سيفيد أطفالنا، خصوصاً ونحن نريد بدائل عن التلفزيون المضر في برامجه الكثيرة، فيكون وجود شاشة الكمبيوتر لدى أطفالنا مع برامج كثيرة مفيدة، بديلاً قوياً عن شاشات التلفزيون التي تعرض وتنقل الآن خصوصاً مع وجود البث المباشر.
توصيات لمستخدمي الحاسوب في التعليم والترجمة
أشياء كثيرة ضارة نلمس أضرارها داخل بيوتنا، وقد وجدت بعض البرامج في تعليم الأطفال العبادات، والأحرف الأبجدية بالصوت والصورة، ووجدت أيضاً إمكانية الترجمة من لغة إلى أخرى، وهذا سيفيد الداعية إلى الله كثيراً وطالب العلم، أن يدخل نصاً باللغة الإنجليزية، فيأتي مترجماً أو العكس، تدخل فتوى لبعض أهل العلم في شيء يتعلق بالجاليات الموجودة لدينا ممن يتكلمون اللغة الإنجليزية مثلاً فيخرج النص مترجماً مع مراجعة بسيطة يمكن بعد ذلك نشره، ولذلك أنبه وأوصي الشركات التي تعمل في مجال خدمة الشريعة، أن يتعاملوا مع طلبة العلم، هذا أولاً.
ثانياً: أن يكون الذين يعملون في مجالات تطوير البرامج الدينية من المسلمين؛ لأننا نسمع عن بعض الشركات التي تعمل في تطوير البرامج الدينية، أن القائمين على بعض الأقسام هم من النصارى، ولا شك أن هؤلاء سيكون لهم أثر بطريقة ما على هذه البرامج، وقد حصلت بعض التحريفات منهم، فلذلك لا بد أن تهتم الشركات بتوظيف طلبة العلم والمسلمين خصوصاً في قطاع البرامج الدينية أو اللغة العربية، وأؤكد على ما ذكره الدكتور قبل قليل في الموضوع: عدم تكرار الجهود؛ لأننا إذا استعرضنا بعض مكررات الندوات التي أقيمت في خدمة العلوم الدينية، وإذا حصل اجتماع فجاء الناس المهتمون بخدمة العلوم الشرعية بواسطة هذا الجهاز نجد أن هذا الموضوع موجود عند هذه الشركة، وعند هذا الفرد، وعند هذه المؤسسة، تكرار جهود بسبب عدم وجود اتصال لمعرفة ماذا لدى كل طرف، غير الجشع والطمع الذي يريد كل طرف من الأطراف أن يصل أولاً إلى طرح نتاجه في السوق، ليقطع الطريق على الآخرين، أو يوزع نتاجه أكثر أو يبيع ما لديه، ونحو ذلك.
ومن الوصايا المهمة للذين يعملون في إدخال النصوص الشرعية في الحاسب الآلي: أن يحافظوا على النصوص الصحيحة عند الإدخال؛ بأن يدخلوا المعلومات من الطبعات المعتمدة أو المخطوطات بعد تنقيحها، ولعل مما يمتاز به عمل الدكتور الأعظمي على عمل بعض الشركات التي أدخلت نصوصاً شرعية في هذا الجهاز، أن الدكتور الأعظمي يدخل من المخطوطات، يجمع المخطوطات، تحقيق المخطوطات، تنقيح المخطوطات، هناك زيادات في مخطوطات لا توجد في أخرى، وبعد ذلك يُدخل هذا في الجهاز، بخلاف أن تأخذ كتاباً من السوق وتدخله في الجهاز مباشرة، ولذلك يحتاج إلى جمع المخطوطات لإدخالها في الجهاز قبل إدخالها من كتب مطبوعة موجودة في السوق، وحتى الكتب المطبوعة في السوق ليست سواء، فهناك ما هو محقق تحقيقاً جيداً، كتحقيقات الشيخ العلامة المصري أحمد شاكر -رحمه الله-، وبعض التحقيقات ممن هبّ ودبّ من المتاجرين بتراثنا الإسلامي، الذين يطبعون وينشرون لغرض التجارة، فحتى الذين يريدون إدخال النصوص لا يصلح أن يأخذوا أي كتاب من السوق ليدخلوه.
التنبيه على أوقات الصلوات
ومن الأشياء اللطيفة التي شاهدناها أيضاً في استخدام هذا الجهاز: التنبيه على أوقات الصلوات، فهناك برنامج معين فيه أوقات الصلاة على توقيت بلد معين أو منطقة معينة، يظهر لك وقت الصلاة وأنت تعمل؛ لأن هذا الكمبيوتر من سلبياته أنه يأكل الوقت أكلاً ويلتهمه التهاماً، ويشغل الشخص عن سماع الأذان، ومعرفة وقت الصلاة وأخذ الساعات الطويلة، فتنبيهات مثل هذه على الشاشة لا شك أنها ستكون مفيدة.
عدم خلط الحق الباطل
وكذلك فإن من الأمور التي يُنبّه عليها أيضاً بالنسبة للذين يعملون في إدخال البرامج العربية، قضية عدم خلط الحق بالباطل، فإننا نشاهد في بعض المسابقات المعمولة والمصنوعة بالكمبيوتر أنهم يضعون لك مسابقة، تختار أسئلة دينية، وثقافية ورياضية، وموسيقية وفنية، وشعرية، ولغوية، ونحو ذلك، فتفتح على المسابقة الدينية تجد أسئلة عن غزوة بدر، ومن هو أول صحابي فعل كذا؟ وما هي الآية التي نزلت في كذا؟ وإذا فتحت على القسم المتعلق بالفنون، وجدت: من هي التي غنت الأغنية الفلانية؟ وما هو المقطع الفلاني؟ وفي عام كم صار كذا؟ ومن هو الموسيقار الذي ألف المنظومة الفلانية؟ ونحو ذلك من المحرمات التي لا يجوز مطلقاً إدخالها في هذه الأجهزة، هذا خلط الحق بالباطل، وهذا موجود، ولذلك بعض الناس يريدون عرض الأشياء على أطفالهم لكنهم يُصدمون بأن هذه الأشياء المفيدة للأطفال مخلوطة بأشياء أخرى.
اجتناب الأصوات المحرمة التي في الجهاز
وكذلك إدخال الأصوات الموسيقية في الجهاز، ونحن نعلم حكم الموسيقى في الشريعة ولا شك، فأقول: ينبغي الانتباه لهذا، ويمكن أن تكون هناك أصوات كمبيوترية، ليست موسيقية، لماذا لا تُدخل هذا الأصوات بدلاً من إدخال الأصوات الموسيقية، البديل موجود.
ومن المساوئ الموجودة في هذا الجهاز: إهدار الأوقات الكثيرة التي تذهب، والتي ينبغي أن يُنتبه لها مستخدم هذا الجهاز، وبعض الأضرار البدنية؛ كالأضرار على العين وعلى الأصابع، وحتى الناس الذين عندهم أطفال يستخدمون الألعاب الموجودة في الكمبيوتر، فإنه قد ثبت بالدراسات أن بعض هذه الألعاب تصيب الأطفال بمرض الصرع إذا داوم على اللعب فيها فترة معينة، وربما تؤثر على أعصاب الأصابع، وأعصاب الشخص نفسه، وبعض الناس يتوتر عصبياً إذا جلس يلعب لعبة معينة، هذا واقع موجود، وإذا ناقشت بعض هؤلاء الذين يلعبون هذه الألعاب، ربما قال لك: إنني أصاب بالتوتر إذا أمضيت فترة طويلة وأنا ألعب،
ولذلك صدرت بعض القوانين في بعض الدول تلزم بعض شركات الألعاب الكمبيوترية بأن تطبع عبارة: إن الإدمان أو الإكثار من استخدام هذه اللعبة؛ يسبب مرض الصرع لأطفالكم، كما حصل التزام بهذا من شركة ماي تنده وغيرها من الشركات التي تصمم الألعاب، وحتى لو أدخلنا الألعاب في بيوتنا لبعض الأطفال لبدائل عن أفلام التلفزيون الضارة، فينبغي أن ننتبه إلى قضية عدم الإفراط في اللعب بهذه الألعاب، وما ينشأ عنها من الأضرار.
عدم الإضرار بالآخرين
ومن الأمور أيضاً التي تدخل في حديث النبي ﷺ: لا ضرر ولا ضرار وأنا الآن أتكلم في جانب المحرمات والسلبيات المتعلقة بهذا الجهاز، ما يقوم به البعض من عمل برامج الفيروسات التي تضر بأجهزة الآخرين، وتدخل في البرامج، لتمسح أشياء وتغير مواقع أشياء وتلخبط ترتيب الحروف، أو تصيب الجهاز بالعطل المؤقت أو الدائم الذي يترتب عليه إعادة أو مسح كل الأشياء وإعادة الذاكرة مرة أخرى من جديد، فلا شك أن القيام بهذه البرامج الفيروسية محرَّم؛ لأنه يسبب الضرر، والنبي ﷺ يقول: لا ضرر ولا ضرار وبعضهم يعملها تفنناً وشطارة؛ لأنه فارغ، فيعمل برنامج فيروس؛: لكي ينتقل عبر النسخ إلى الآخرين، لاشك أن بعض برامج الفيروسات تستخدم كوسيلة لحماية بعض البرامج، لكن بعض الناس تستهويهم الفكرة، فيعملون لا لغرض الحماية ولا لأي شيء آخر، وبما أننا قد مررنا الآن بنقطة الحماية، فهناك من الأشياء المتعلقة بجهاز الكمبيوتر التي ينبغي البحث فيها، مسألة حقوق الطبع والنسخ للبرامج التي تعملها بعض الشركات أو المؤسسات أو الأفراد، ما حكم حماية هذه البرامج؟ ما حكم القيام بنسخها؟ هذه مجهودات الآخرين، فما حكم نسخها؟
حكم الشرع في نشر العلم عن طريق الشبكة
أما بالنسبة لبرامج العلوم الشرعية، فإن العلماء المعاصرين عندهم أكثر من رأي في هذا الموضوع، فبعضهم يرى أن البرامج العلمية الشرعية ليس لها حقوق نشر ولا طبع، وممن ذهب إلى ذلك العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي، عافاه الله ونفع به، فإن رأيه في هذا الموضوع: جواز نسخ الكتب وحزم البرامج بصفة عامة، ولو كان الغرض من النسخ التجارة، وعلته في هذا أن ادعاء حفظ حقوق النشر للمؤلف في حالة الكتب، أو لمصمم البرامج في حالة حزم البرامج الجاهزة، هذا الادعاء ليس له أصل، فلا يجوز المنع من النشر، وأن العلم ليس ملكاً لأحد، وأنه لا يجوز أن يحتكر أحد حق نشر كتاب من كتب السنة أو القرآن الكريم، ونحو ذلك، ويقولون: هذا حصر للعلم، والعلم المفروض أن يُنشر، لا أحد يضع عوائق وأشياء، ويرى بعض أهل العلم أيضاً أن هذه مجهودات، وقد تُعب عليها وصرفت فيها جهود كثيرة، وأموال طائلة، ووظّف موظفون لأجلها وفُرِّغ أشخاص، وتعب عليها، فلا يصلح البرنامج الذي كلف مئات الآلاف أن يأتي شخص وينسخه بخمسة ريالات، وأنا لست في مجال ترجيح ولا عندي ترجيح في هذا الموضوع، ولكن هذه نقطة من النقاط التي تثار في قضية الأجهزة أو البرامج المتعلقة بالكمبيوتر، وإلا فالإنسان إذا أراد السلامة فالأحوط له ألا يقوم بالنسخ لمجهودات الآخرين التي تُعب عليها وصرف فيها الأموال، الأحوط له والأسلم لدينه ألا يفعل ذلك، وفي الجهة المقابلة لا بد من تنبيه هذه المؤسسات والشركات التي تقوم بعمل البرامج ألا يتطاول بهم الجشع لبيع هذه البرامج بأثمان باهظة، فإنك تجد بعض البرامج ربما تُباع بمائة ألف أو أكثر، ولا شك أن هذه الأثمان الباهظة لا تمكن الكثيرين من الشراء، وتعيق انتشار العلم الشرعي إذا كان موضوعها العلم الشرعي، ولذلك ينبغي عليهم أن يتقوا الله ، وأن ينظروا إلى الآخرة قليلاً بعين الخوف من الله، ورجاء ما عند الله، فربما يدفعهم ذلك إلى تخفيض أسعارهم، بحيث تنتشر هذه البرامج أكثر، وهذا ما يتعلق بسياسة العرض والطلب وتأثير السعر فيهما.
الاستخدام السيء لجهاز الحاسب الآلي
من الأشياء الموجودة في عالم الكمبيوتر: البرامج الإباحية الموجودة التي تسمى بالأسماء التي فيها فُحش، وربما سمت بأسماء برامج المراهقين، أو برامج البالغين، وأحياناً يصرّحون بأنها برامج جنسية، ويعملون لها إعلانات، ولا تكاد تأخذ مجلة بي سي مجازين، إلا وتجد فيها إعلاناً عن برامج دعارة، ويُكتب في أسفل الإعلان: هاوت أُردر، تليفون نمبر أو يكتبون العنوان، أو إدخال الفيزا كارد، أو نحو ذلك من بطاقة الفيزا، لشراء هذه البرامج؛ بحيث أنك لا تحتاج حتى إلى إرسال تحويل عملة معينة، أو تحويل مبلغ معين، وهذه الأشياء مع تطور هذا الجهاز كانت صوراً، ثم أصبحت الآن متحركة، كانت ثابتة على الشاشة، ثم صارت متحركة، وصار جهاز الكمبيوتر مثل التلفزيون، بل دخل فيه الآن الفيديو كارد، الذي يجعل الصور تتحرك وتنسخ من الفيديو الأشياء التي تريدها وتخزّن، وتعيد إظهارها مرة أخرى، ونحو ذلك، ورجل صاحب محل تصليح كمبيوتر في إحدى المدن، جاءت له طالبة جامعية بذاكرة صلبة لإصلاحها؛ لأنها قد تعطلت، طالبة من المسلمات في إحدى الجامعات، فإذا به يكتشف وهو يحاول إصلاح الجهاز ومعرفة الذاكرة ومعرفة ما فيها، أنها مليئة بالصور العارية، من أولها إلى آخرها.
وبعض البرامج تعطي أسئلة جنسية، وإذا أجبت عليها يقولون: أنت ناضج، وإذا فشلت يقولون: أنت طفل، وبعض هذه البرامج يمكن أن تأخذ صورة شخص معين وتضع رأسه على جسد امرأة، في وضع مشين للغاية، ثم تُطبع وتُوزع، يعني: المقصود أن استخدام هذا الجهاز في الشر له مجالات كثيرة لا تتناهى، ويوجد هناك شبكات دولية ممكن الاتصال بها بالمودم، وتطلب منهم عرض صور، أو تسأل أسئلة فاحشة ربما تتخاطب مع نساء أيضاً، ويرسلون لك عبر اشتراك معين آخر ما صدر لديهم من الأفلام.
ألعاب تحوي على مخالفات شرعية
ويوجد هناك ألعاب تتضمن فكرة القمار، وتعليم الربا، وكذلك من الألعاب: لعبة ممرات، يأكل فيها اللاعب الكيك ويزاد وزنه ثم يموت فيوضع على قبره صليب، ولعبة يستخدم فيها صليب لقتل الوحوش، ولعبة إذا مر اللاعب بالصليب يستفيد قوة في اختراق الحواجز وتفجير ما أمامه من الأشياء، وألعاب عن الآلهة وكل إله ما هو تخصصه، وصراع بين الآلهة، ونحو ذلك، ومحاولة الصعود إلى أعلى، وبعض برامج الأطفال وألعاب الأطفال تنتهي في مرحلة بالوصول إلى أميرة فيحتضنها ويقبلها، ويكون الهدف هو الوصول إلى هذه الأميرة، وبرنامج آخر فيه رجل بوليس يدخل أماكن وحانات يبحث عن لص، تصادفه مومس في الدور الثاني تعطيه عشرة جنيهات أو يعطيها عشرة جنيهات ويصعد -وهذه أمثله استفدتها من المقابلة واللقاء مع بعض المشتغلين في برامج الكمبيوتر وشركات الكمبيوتر، وأيضاً ورش صيانة الكمبيوتر- وبرامج إذا سببته سبّك، وهذه البرامج الرقابة عليها صعبة جداً، ومجيئها من الخارج سهل جداً، وهناك طرق كثيرة جداً تحول دون التفتيش عليها، كعمل فورمات لهذه البرامج، أو الإسطوانات فإذا دخلت البلد يعمل لها الفورمات أو بطريقة ضغط الملفات، لا تظهر للمراقب، أو إرسالها بالمودم من الخارج، والجهاز يخزّن في الداخل، فالسيطرة على هذه الأشياء لا يمكن إلا بغرس تقوى الله والخوف منه عز وجل في النفوس، وهذه المناظر السيئة التي تدخل، لا شك أن لها أثراً سيئاً جداً على أطفالنا وعلى الشباب الذين يشتغلون بهذه الأشياء، ويحاولون جلبها.
إفساد واقعية التفكير عند الأطفال
وهناك أيضاً من الأضرار إفساد واقعية تفكير الأطفال بهذه الألعاب الموجودة؛ لأن كثيراً منها أشياء خيالية، حتى أن الولد يظن أن ما شاهده على الشاشة موجود في الواقع.
بعد هذا العرض السريع لبعض استخدامات الكمبيوتر في الأمور الشرعية، ونصرة دين الله ، والدعوة إلى الله، واستخدامات هذا الجهاز أيضاً فيما حرم الله ، نقول ختاماً : إن هذا الجهاز، مما علّم الله البشر، وإنه جهاز مفيد للغاية إذا استُخدم في الخير، وجهاز مفسد للغاية إذا استُخدم في الشر، وبين ذلك مراتب فيها ضياع أوقات، أو استفادات مرجوحة، وربما يكون التعلُّم بوسائل أخرى عبر حلق العلم وإتيان المشايخ، لا يمكن أبداً الاستغناء عنه بهذه الأجهزة، وإذا صار عند بعض الغربيين فكرة إدخال تعليم، فلا داعي لذهاب الأولاد إلى المدارس، يتعلمون الكمبيوتر في البيت، فنحن يبقى عندنا دور المربّي، العامل البشري، القُدوة لا يمكن تعويضه بالكمبيوتر مطلقاً.
ونسأل الله أن يوفق المخلصين لخدمة دينه، وأن يجعلهم من حملة لواء السنة، ونشرها في العالمين، ونسأله أن يوفق للخير كل من أراده، وأن يخذل كل من أراد خذلان الدين أو إدخال الشر إلى مجتمع المسلمين، والمعذرة على الإطالة، وأسأل الله أن يغفر لنا الزلات، ويضاعف لنا الحسنات، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.