التساهل في إطلاق اللسان في أعراض المسلمين
كذلك من مظاهر عدم الجدية: التساهل في إطلاق اللسان في أعراض إخوانك المسلمين: فتجد بعضهم يكيل ألفاظ الشتيمة والسباب للبعض الآخر.
ويقعون في الغيبة، وهي: ذكرك أخاك بما يكره.
والإفك وهي أن تقول في أخيك ما بلغك عنه، فتجتمع النميمة وسوء الظن.
والبهتان وهي: أن تقول في أخيك ما ليس فيه.
وكل هذه الأشياء ذكرت في القرآن الغيبة والإفك والبهتان.
فأين الجدية في التزام هؤلاء؟ لو أنهم كانوا جادين لأمسكوا ألسنتهم عن الانطلاق في ثلب إخوانهم المسلمين.
وأنت عندما تنقد واحداً تنقد الفكرة ما تنقد الشخصية هذا هو الموقف الذي ينبغي أن يكون عندك ملاحظة تنقد فكرة الرجل تبين خطأ الفكرة، لا تجرح في شخصيته.
الحماس بغير أساس
من مظاهر عدم الجدية في الالتزام بالإسلام: الحماس بغير أساس، لو أنك كلمت طائفة من شباب اليوم فتكلمت عن أهمية طلب العلم وفضل طلب العلم وذم الجهل وخطورة الجهل يتحمس بعد الكلام، ويأتي إليك يقول: أرجوك أنا أريد أن أتعلم دلني اعمل لي جدولاً؟ وهات التفصيل؟
وتعطيه التفاصيل، وتكتب وتتعب نفسك وتجدول له أشياء، وتقول له: اقرأ هذا الكتاب الآن، وبعده الكتاب الفلاني، والثالث، وتسمع هذه مجموعة الأشرطة.
وبعد هذا التعب وبعد شهر عندما تراجع وتحاسب وتنظر فيما أتعبت نفسك فيه تجد أن الأعذار تنطلق: أنا نسيت، أنا قرأت أول صحفة، مللت، أنا انشغلت، وصار عندي ظروف.
وهذه كلمة ظروف كلمة عجيبة هذه الأيام، والله صار عندي ظروف، وإذا دققت في هذه الظروف...
فالحماس هذا ما هو سبب ذهابه؟
سبب ذهابه أنه كان بغير أساس، غير مؤسس على تقوى من الله ورضوان، وغير مؤسس على صدق وإخلاص وعزيمة في العمل.
وإنما هو مجرد أن الواحد تحركت أحاسيسه وتحمس في لحظة من اللحظات وبعد ذلك انطفأ، لذلك نبي بني إسرائيل في قصة طالوت لما قالوا له أثناء حماسهم في حال الهزيمة، لما رأوا حالتهم في الهزيمة: ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، ماذا قال لهم؟ هل قال لهم: غداً نأتي لكم بقائد تقاتلون وراءه؟
لا، هو خبير، أنبياء بني إسرائيل عانوا من بني إسرائيل أشياء وويلات، قال لهم: لحظة قفوا: قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا عسى بكرة يفرض عليكم القتال وإلا يأتي لكم قائد فيملك عليكم وبعد ذلك تقاتلون.
انطلقت الحماسة: قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا؟ هذا الكلام الآن، لكن لما تجي إلى الجد: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة: 246].
فإذًا، هذه قضية الحماس الذي يرتفع الكلام وتعهدات و...و... ثم بعد ذلك ينطفئ، لأنه غير مؤسس.
وكيف يأتي الأساس؟
لا يأتي الأساس من الهواء إنما يأتي من التربية الإسلامية التي يتلقاها ويتربى عليها الشاب المسلم في وسط إخوانه على منهاج كتاب الله وسنة الرسول ﷺ، تلك التربية الإيمانية التي تأخذ بما يحيي القلب العلمية، القائمة على الدليل من الكتاب والسنة، الواعية التي تحيط بالواقع علماً، المتدرجة التي تنتقل بالإنسان من حال إلى حال إلى كماله الخاص به من غير قفزات محطمة.
فإذاً، ينبغي إذا أردنا أن نكون جادين أن نتعرض لنفحات التربية الإيمانية الإسلامية التي تصقل نفوسنا وتهذبها.
أن ننظر إلى إخواننا ممن سبقونا بالإيمان وممن هم أعلى منا شأناً في العلم وفي الفهم، فنقتدي بهم ونتأسى بهم.
وقد يقول قائل: عندنا الرسول ﷺ قدوة ما حاجتنا إلى قدوات أخرى؟
وحديث: الوفد الذين جاؤوا مجتابي النمار فقراء عالة حفاة، الرسول ﷺ تأسف لهم وحزن عليهم وحث الناس.
الآن الرسول ﷺ قدوة حث الناس على التبرع على التصدق، لكن الناس ما تحركوا إلا لما جاء واحد منهم فعلاً بصرة كادت كفه أن تعجز عن حملها، فتصدق فتتابع الناس وراءه [رواه مسلم: 1017].
مع وجود الرسول ﷺ القدوة العظيمة أعظم قدوة كان وجود القدوات الأخرى ممن هم أقل شأناً مهماً في عملية تربيتهم على الإنفاق.
ولذلك لا بد من القدوات الحية بالإضافة للتأسي والاقتداء بمن سلف من عباد الله الصالحين.
الخجل من مواجهة الناس بالالتزام
كذلك من مظاهر عدم الجدية في الالتزام: أن يخجل الإنسان من مواجهة الناس بالتزامه، فتجد واحداً مثلاً ممن هداهم الله التزموا بالإسلام مظهرهم إسلامي عندما يمشون فتلاحقهم أعين الناس من السفهاء، تجدهم مثلاً ينظرون إليه هكذا وهو يسير يتتبعونه ويغمزون، فتجد أنه يمشي على خجل، ويريد أن يتوارى من القوم من سوء نظراتهم.
والإسلام يوجد في المسلم قضية العزة الإسلامية التي تحتم عليه أن يظهر أمام أهل الباطل فارضاً شخصيته وتصوراته عليهم، ما هو بالقوة، لكن بمفهوم العزة الإسلامية، أنا أصير عزيزاً، ما أصير ذليلاً، هم يلاحقونني بنظرتهم، وأنا أحاول أن أهرب، وأجد لي شيئاً أتوارى خلفه، وأخاف منهم، لماذا يا أخي؟
الله فضلك بالإسلام ورفع رأسك به وأنت تطأطئ رأسك، وتمشي هكذا كأنك مجرم، وهم المجرمون في الحقيقة تمشي كأنك مذنب، وعينك منكسرة في الأرض تخشى وتحاول أن تندس من هنا ومن هنا.
لو رفعت عينك إليهم فواجهتهم وقلت لهم: مالكم تنظرون إلي؟ وما الذي تستغربون من شأني؟ وما الذي فعلت من الخطأ الذي يستنكر علي؟ ثم بدأت تعلمهم هم أخطاءهم لما وقعت في هذا المأزق.
لكن المشكلة أحياناً ضعف القلوب وضعف الشخصيات، وانحسار مفهوم العزة الإسلامية في النفس يؤدي إلى هذه الأشياء.
عدم التفاعل مع قضايا المسلمين
ومن أواخر ما نذكر عدم التفاعل مع قضايا المسلمين من مظاهر عدم الجدية، يسمع الإنسان نكبات تحل بإخوانه في أصقاع الأرض، أناس يشردون، وأناس يقتلون، وأناس يسجنون، وأناس يعذبون، وأناس تستحل أموالهم ودماؤهم بغير حق.
السبب: أنهم قالوا ربنا الله.
فتحل النكبات والكوارث بهم، ويأتي هذا الأخ يقرأ الأخبار، ويسمع وهو متبلد الإحساس تماماً كأن الأمر لا يعنيه.
أقول: الحمد لله هذا ما هو في ديرتنا، الحمد لله هذا بعيد، خلهم الحمد لله.
أين الارتباط؟ أين الأخوة في الله؟ أين المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى له عضو؟
فهذا البرود وعدم تقديم شيء، حتى الدعاء لهم في السجود، دعاء لهم بظهر الغيب، لا تقدم.
أي برودة أي تجمد في مشاعرك هذه التي تحل بك وأنت تسمع ماذا يدور أو ماذا يحل بإخوانك المسلمين في العالم وأنت تجلس على أريكتك متكئاً تقول: الحمد لله هذا ما هو عندنا.
بعض الأشياء المنافية لكمال الالتزام
وقبل أن أنهي أشياء تنافي كمال الالتزام مثل قضايا التخلي عن الزهد، فتجد الواحد يلبس مثلاً أحسن أطقم الأزرار وأحسن الأقلام ويشتري، وبيته مزخرف وأشياء، لو أنه اشترى أقل منها بنصف الثمن ربما أدت نفس الغرض، لكن الناس عندهم عقدة التزين والاهتمام بالمظاهر بحيث أنها في بعض الأحيان عند بعض هؤلاء ينفقون أموالاً بما يشبه الإسراف أو ربما التبذير.
وهذا أيضاً دال على عدم استشعارهم بحاجة إخوانهم المسلمين لهذه الأشياء الزائدة، أو على الأقل يا أخي احتفظ بها ربما في المستقبل تتزوج، تحتاج إليها في زواج، أو بناء بيت، ولكن لا يوجد انتباه إلى هذه الأشياء.
وأختم كلامي أنه لا يفهم من هذا الكلام، من قضية الجدية أن الجاد لا يضحك مطلقاً ولا يتبسم، وإنما يمشي بين الناس وهو مقطب، مشية عسكرية، لا يلتفت يميناً ولا يساراً، كلامه مقتضب، وقليل جداً، ويعرض عن أي شيء، هذا ما نقول: هذا جاد، نقول: هذا مسرف في تشدده، مسرف في شدته على إخوانه.
الرسول ﷺ يقول: وتبسمك في وجه أخيك صدقة [رواه الترمذي: 1956، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 572].
والرسول ﷺ كان يمازحهم، وكان يأتي أحدهم من خلفه مثلاً فيغمض عينيه.
وكان يمزح حتى مع النساء من كبيرات السن مثلاً، كما هو معروف في الشواهد.
وكان صحابة رسول الله ﷺ يتبادحون بقشر البطيخ، فإذا جاءت الحرب كانوا هم الرجال، يعني في مجالات الترويح لا بأس، مجالات ترفيه، لعب بريء، لا بأس.
بعض الفكاهات تنطلق مثلاً بعد عناء أو طول تلقي للعلم أو طول مكث في مجلس ذكر بما يناسب المقام، بما لا يتعارض مع الشريعة.
بعض الأشياء البريئة، ما فيها حرج.
فالمهم نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص والمتابعة لرسوله ﷺ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.