الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فهذه تتمة للموضوع الذي سبق وأن عرض آنفاً عن أحكام الجمعة.
ملخص المحاضرة الماضية
وسبق أن تكلمنا في "المرة الماضية" عن وقت الأذان الأول والأذان الثالث، وجلوس الخطيب عند التأذين والحكمة منه، ورأي العلماء في الأذان الثالث هل يبقى أو يزول؟ ووقت الجمعة والحاضرين للجمعة، ما يجب أن يكونوا عليه، وما حكم الصلاة على الرسول ﷺ في يوم الجمعة وليلة الجمعة؟ وفرض الجمعة وبم تنعقد؟ وحكمها، وهل على المسافر جمعة؟ والتغليظ على من تركها تهاوناً بأمرها، واستحباب الصلاة قبل الزوال يوم الجمعة، حتى خروج الإمام، والنهي عما أحدث من الصلاة بعد الأذان الأول، يعني بتحديد ركعات معينة، أو ما سمي بسنة الجمعة القبلية وهو محدث.
وكذلك ما يقرأ به في صلاة الجمعة وفجرها، والغسل يوم الجمعة، وعلى من يجب؟ وهو أمر لم نفصل فيه ولم نتعرض له لضيق الوقت، واستحباب التجمل والطيب والسواك والدهن، والأمر بالسكينة والوقار، ووجوب السعي عند النداء، وترك العمل، والجمعة في المطر، والرخصة في التخلف عنها، واتخاذ المنبر والخطب قائماً، وتسليم الإمام إذا رقي المنبر، واستقبال المأمومين له بوجوههم وهو يستقبلهم بوجهه، وأمر الإمام لمن جلس من غير أن يصلي ركعتين لصلاة ركعتين إذا دخل متأخراً، ونزول الإمام عن المنبر أثناء الخطبة لحاجة تبدو، كما فعل رسول الله ﷺ بالحسن والحسين عندما رآهما يتعثران، فنزل، واشتمال الخطبة على الحمد والتشهد والوعظ، ومضمون الخطبة، وكراهة رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة، والبدعة في ذلك إلا في الاستسقاء، والسنة بالإشارة بالأصبع عند ذكر الله، والدعاء في الخطبة، وإجابة الإمام للمؤذن كيف تكون؟ والاستفتاح بخطبة الحاجة، وتقصير الخطبة، وإطالة الصلاة، والاستسقاء، وكيف حدث؟ وأن الأذان يكون عندما يجلس الإمام على المنبر والإقامة تكون بعدما ينزل، والأمر بالإنصات والنهي عن التخطي، وبعض الأحكام المتعلقة بالإنصات.
وذكرنا قاعدة أوردها ابن حجر في "الفتح" -رحمه الله تعالى- يقول: إذا أراد أن يأمر بمعروف أو ينهى عن المنكر أثناء الخطبة فبالإشارة.
وهذه قاعدة حسنة، ومسألة التخطي، وما هي الاستثناءات التي فيها؟ وإقامة الرجل لآخر من المجلس وحجز الأمكنة في المسجد، وعدم التفريق بين الاثنين، والتحول عن المقعد حال النعاس، وأحكام أخرى سبق وأن ذكرناها، وإنما كان هذا ملخص سريع لما عرض سابقاً.
ما سنتكلم عنه تكملة لموضوع الخطبة وما يتعلق بها، وبعض الأشياء التي تكون بعد الخطبة، فمن ذلك:
أولاً: الهدف من الخطبة
أيها الإخوة: التنبيه على الهدف من الخطبة، وأنها وعظ الناس، وما ذكره بعض الفقهاء من الشروط في الخطبة، وألزموا الناس بها من غير دليل، فهذه يقول الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي آل بن علي في كتابه: "الجمعة": (فيا أيها القارئ الكريم لو وقف خطيب، وقال: الحمد لله، اللهم صل على محمد، أيها الناس: اتقوا الله، قل أعوذ برب الفلق، اللهم اغفر للمؤمنين، فهل هذه خطبة كما يقول الفقهاء؟) [الجمعة ومكانتها في الدين ص 75]
بعض الفقهاء اشترطوا هذا في الخطبة، فقالوا: لو أتى به لكفى، لكن الأشياء المذكورة من غير دليل مثل اشتراط الدعاء، أو اشتراط الصلاة على رسول الله ﷺ، فهذا حتى لو حصل من غير موعظة فإنها لا تعتبر خطبة جمعة يستفيد منها الناس، فلذلك لا بد من التركيز على الهدف من الخطبة، وعدم إلزام الناس إلا بما ورد الدليل بوجوبه أو بشرطيته في الخطبة مثل التشهد، الرسول ﷺ قال: كل خطبة ليس فيها تشهد كاليد الجذماء.
فإذاً، لا بد من التشهد.
حكم الحلق أو التحلق قبل الجمعة
بالنسبة لمسألة التحلق أو الحلق قبل الجمعة، فقال ابن خزيمة في صحيحه: "باب الزجر عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة" [صحيح ابن خزيمة: 3/158]، وساق بإسناده: "نهى رسول الله ﷺ عن الشراء والبيع، وأن تنشد فيها الأشعار" يعني في المساجد، "وأن ينشد فيها ضالة، وعن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة" [رواه ابن خزيمة: 1816] "حديث حسن" كما قال الشيخ ناصر في تعليقه على صحيح ابن خزيمة].
وقد تكلم بعض العلماء في الحكمة من النهي عن التحلق، فذكر بعضهم أن من الحكمة في النهي عن التحلق: عدم إشغال المكان؛ لأنه إذا تحلقوا في الصفوف الأولى، وسط الحلقة سيكون فارغاً، وإذا كان المسجد تحول إلى الحلق فإن المكان سيضيق بالناس الذين يأتون.
وكذلك سينشغل الناس بأمور ومناقشات تهون من هيبة الخطبة التي ستأتيهم، فلذلك لا يشرع للإنسان التحلق وفتح المناقشات قبل الخطبة، وإنما جلوس وصلاة غير مشروطة بعدد معين من الركعات وقراءة للقرآن وذكر لله، استعداداً لمجيء الخطيب.
ماذا كان يقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجمعة وفي خطبة الجمعة؟
وكذلك ماذا كان رسول الله ﷺ يقرأ في صلاة الجمعة، وهل هناك آيات معينة أو سور معينة كان يقرأها في خطبة الجمعة؟
قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة ، فقال أبو هريرة: سمعت أبا القاسم يقرأ بهما، فصار الحديث مرفوعاً في سنية القراءة بالجمعة والمنافقين [رواه مسلم: 877].
وكذلك قرأ رسول الله ﷺ في الركعة الثانية مع سورة الجمعة بغير سورة المنافقين، فقال الإمام ابن خزيمة في صحيحه: "باب إباحة قراءة غير سورة المنافقين في الركعة الثانية من صلاة الجمعة وإن قرأ في الأولى بسورة الجمعة" الرَّكْعَةِ" [صحيح ابن خزيمة: 3/171]، عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله: ما كان النبي ﷺ يقرأ في يوم الجمعة مع سورة الجمعة، فكتب إليه إنه كان يقرأ ب هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1] [رواه ابن حبان في صحيحه: 1845، ورواه مسلم أيضا في صحيحه: 878].
فإذاً، لا يشترط أن يقرن بسورة الجمعة وسورة المنافقين، ولكن إن قرأ معها الغاشية فحسن لثبوتها عنه ﷺ وإن قرأ غيرهما فجائز أيضاً.
وكان رسول الله ﷺ يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة فيحرض به المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع به المنافقين [رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: 9279، وسنده حسن كما قال صاحب مجمع الزوائد].
كما ثبت أن الرسول ﷺ كان يقرأ ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] في الأولى، وفي الثانية: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1].
وفي الخطبة، كان رسول الله ﷺ يقرأ سورة ق يعظ بها الناس، لما رواه مسلم عن إحدى الصحابيات رضي الله عنها قالت: أخذت ق والقرآن المجيد من في رسول الله ﷺ يوم الجمعة
وهذا أمر أقبل الخطباء على تركه لا تكاد تجد خطيباً اليوم يعظ الناس بسورة ق ولو مرة واحدة.
وأيضاً روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن يعلي بن أمية أنه قال: سمعت النبي ﷺ يقرأ على المنبر: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ [الزخرف: 77] [رواه البخاري: 3230، ومسلم: 871].
وكذلك ورد عن أبي بن كعب: "أن رسول الله ﷺ قرأ يوم الجمعة براءة وهو قائم يذكر بأيام الله" [رواه عبد الله بن أحمد في زياداته: 21287، ورجاله رجال الصحيح، وكذا قال في مجمع الزوائد، وكذلك صححه الحاكم والذهبي والألباني في الأجوبة النافعة].
سجود خطيب الجمعة أثناء قراءته لآية فيها سجدة
إذا قرأ الإمام في أثناء الخطبة بسورة فيها سجدة أو بآية فيها سجدة فما العمل؟
قال ابن خزيمة في صحيحه: "باب النزول عن المنبر للسجود عند قراءة السجدة في الخطبة" [صحيح ابن خزيمة: 3/148] "خطبنا رسول الله ﷺ يوماً فقرأ ص فلما مر بالسجدة نزل فسجد وسجدنا وقرأ بها مرة أخرى، يعني في خطبة أخرى، فلما بلغ السجدة تيسرنا للسجود فلما رآنا قال: إنما هي توبة نبي، ولكن أراكم أن استعددتم للسجود فنزل فسجد، وسجدنا" حديث صحيح [رواه ابن خزيمة: 1795].
فالسجدة التي في "ص" ليست في درجتها في سنة السجود لها مثل بقية السجدات المنصوص عليها في بقية السور، ولكن إن سجد بها كما فعل النبي ﷺ فهو حسن، أو قرأ سجدة في آية أخرى فإنه ينزل إلى أصل المنبر فيستقبل القبلة ويسجد، ويسجد الناس معه، ثم يرقى مرة أخرى ويكمل الخطبة.
البعد عن الصيغ المحدثة في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء الخطبة
من الأمور المهمة في قضية الخطبة: أنه يجب أن تكون الصيغة التي يأتي بها الخطيب شرعية، بعض الخطباء يقول في الصلاة على الرسول ﷺ في الخطبة ما يلي: اللهم صل على محمد طب القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وعلى آله وصحبه وسلم.
فانظر معي -يا أخي المسلم- لما احتوته هذه الصيغة من التوسل المذموم المحرم بالرسول ﷺ وهو ميت.
متى كان عليه السلام وهو ميت دواء للقلوب وعافية للأبدان وشفاء ونوراً للأبصار؟
والله -جل وعلا- يقول في محكم تنزيله آمراً الرسول ﷺ بأن يقول لقومه: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [الجن: 21].
وقال تعالى: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ [الأعراف: 188].
والله ربط رفع الضر وإصابة الإنسان بالخير به فقط، فقال -جل وعلا-: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 17].
وقال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله [رواه البخاري: 3445].
فمثلاً هذه الصيغ -أيها الإخوة- صيغ شركية بدعية محرمة لا يجوز الإتيان بها.
بعض الأمور المخالفة للعقيدة في الخطبة
كذلك قد تتضمن خطب بعض الناس أموراً مخالفة للعقيدة؛ فمن ذلك مثلاً قول بعضهم في تسبيح الله وتنزيهه يقولون: فإنه ليس له مكان؛ لأنه خالق المكان، فهذه عبارة خاطئة في العقيدة، الله في معتقد أهل السنة والجماعة، وبما تدل عليه الفطر السليمة فوق سماواته على عرضه بائن من خلقه.
وفي حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي رواه الإمام مسلم وغيره لما جاءت الجارية التي ضربها معاوية بن الحكم ثم ندم فجاء الرسول ﷺ يطلب ماذا فعل، فالرسول ﷺ أمره باستدعائها ثم قال لها مختبراً إياها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، قال: ((من أنا؟)) قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة [رواه مسلم: 537].
فشهد رسول الله ﷺ لها بالإيمان؛ لأنها قالت: أن الله في السماء.
ولا عبرة بما يقوله بعضهم أن الرسول ﷺ أخذها على قدر عقلها وهذه جارية ما تفهم.
هذا كلام فارغ، الرسول ﷺ كما هو معلوم من قواعد الشرع لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وما نقل إلينا بعد ذلك أنه صحح كلام هذه المرأة، وإنما أقرها وشهد لها بالإيمان.
فالعجب العجاب من أناس يأتون من المحدثين فيقولون: الله في كل مكان وينكرون أن الله قد استوى على العرش، وأنه فوق سماواته، فسبحان الله العظيم.
انقطاع مكبر الصوت أثناء خطبة الجمعة
لو لم يسمع الرجل في الخطبة صوت الإمام لعلة مثل انقطاع مكبر الصوت أو كونه بعيداً عنه، يعني لعلة خارجة عن نفس الرجل يعني ليس لأنه أصم مثلاً، لا، إذا كان أصم فيجب عليه الإنصات كالبقية، لكن إذا كان لا يسمع الخطيب لعلة مثل بعده عن مكان الإمام أو انقطاع مكبر الصوت مثلاً، فماذا يجوز له؟
الشيخ ابن عثيمين يقول: يجوز له كل شيء مشروع، مثل رد السلام وتشميت العاطس.
وفي "الروض المربع" يقول: وإن لم يسمع الخطبة جاز الشرب له نص عليه الإمام أحمد، لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز له العبث والكلام مع من بجواره لكن الأشياء المعروف مثل رد السلام، وتشميت العاطس التي كانت لا تجوز له وهو يسمع، في حالة عدم سماعه للصوت فإنها تجوز له.
حكم الخروج من المسجد بعد سماع بداية الخطبة
لو حضر إنسان الخطبة، دخل المسجد وجلس هل يجوز له أن يخرج لغير عذر؟
واحد أخبرني قال: أنا أجيء المسجد الذي عندنا بجانب البيت وأدخل، إذا كان الموضوع معروفاً أخرج وأروح إلى مسجد آخر، أدور لي موضوعاً أكثر فائدة، هل هذا كلام صحيح؟
قال الشوكاني -رحمه الله تعالى- في "السيل الجرار": قوله: "ليس لمن حضر الخطبة تركها" -قول الماتن- أقول: وجه هذا أنه قد ورد النهي عن الخروج من المسجد بعد سماع الدعاء إلى الصلاة، والحاضر حال الخطبة داخل تحت هذا النهي، وهذا يشمل المعذورين وغيرهم؛ لأنهم قد حضروا إلا إذا كانوا يتضررون بالوقوف إلى وقت انقضاء الصلاة، فما جعل الله في الدين من حرج" [السيل الجرار، ص: 185].
فإذا كان الإنسان غير معذور فلا يجوز له الخروج؛ لحديث أبي هريرة المعروف لما خرج رجل بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم [رواه مسلم: 655].
فلا يجوز الخروج بعد النداء الذي للخطبة.
ترجمة الخطبة أو إلقاؤها بغير اللغة العربية
قضية ترجمة الخطبة أو إلقاؤها بغير اللغة العربية، ورد في "فتاوى اللجنة الدائمة" في مجلة البحوث العلمية، العدد رقم: 6، سؤال: ما حكم إلقاء الخطبة يوم الجمعة بغير العربية؟
فأجابت اللجنة: يلقي الخطيب خطبته بالعربية ثم يفسرها بلغة الحاضرين إذا كانوا لا يفهمون العربية، يعني اشتراط أن تكون باللغة العربية هذا واجب، قال العلامة محمد رشيد رضا في قضية الخطبة باللغة العربية قال: كيف فتح الصحابة البلاد، ولما فتحوا الصحابة بلاد الأعاجم بماذا خطبوا بها؟ خطبوا بها باللغة العربية، ولم ينقل عنهم خلاف هذا.
وقال في مجلة المنار في كلامه على هذا فيما نقله عنه الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في كتابه "أحكام الجمعة" قال: وينبغي أن تترجم الخطبة بعد الصلاة.
فإذاً، لا يجوز العدول عن اللغة العربية في الخطبة.
ولكن كما يقول الشيخ عبد العزيز بن باز -جزاه الله خيراً-: الخطيب على المنبر يقرأ الخطبة باللغة العربية ثم يترجمها إلى لغة الناس الذين لا يفهمون وهو على المنبر، هذا جائز، مثل أن يقرأ فقرات ثم يترجم، ثم يقرأ فقرات ثم يترجم.
الآن جدت أشياء في مجال العلوم الحديثة والتطورات، قضية الميكرفونات هذه، سماعات الأذن والترجمة الفورية المباشرة، فوجهت هذا السؤال لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في قضية الترجمة الفورية قلت له: مسجد جامع به سماعات معلقة على الجدران، وهذه السماعات مربوطة بشريط مسجل على هذا الشريط ترجمة خطبة الجمعة سلفاً، يعني الترجمة من قبل، يأتي الرجل الأعجمي فيجلس بجانب الجدار يضع هذه السماعات على أذنيه ويشتغل الشريط مع بداية الإمام، فهل هذا جائز أم لا، كما هو موجود الآن في مسجد أنس بن مالك؟
فيقول الشيخ عبد العزيز: هذه السماعات لا تؤذي أحداً، يعني ما يطلع صوتها للذي جالس جنبه، فقلت له: لا، فقال: إذا كان الأمر كذلك فلا بأس هذا جائز، فلذلك لا بأس بالترجمة بهذه الكيفية.
عندنا مشكلة أحياناً في بعض المساجد أو بعض الأحياء أو بعض المجمعات السكنية فيها عمال غير عرب لا يتكلمون اللغة العربية، وقد يكون فيهم واحد يستطيع أن يخطب ولم يتوفر لهم خطيب يستطيع أن يتكلم باللغة العربية، ما هو الحل؟
يقول الشيخ أحمد بن حجر في كتابه: "لو حمد الله وتشهد وقرأ سورة من القرآن، لكفى" يعني الأمر سهل، ممكن يوجد في هؤلاء الأعاجم من يحفظ القرآن، نعلمه الحمد لله باللغة العربية، والتشهد باللغة العربية، ونقول له إذا لم يوجد شخص آخر: يحمد الله ويتشهد باللغة العربية، ويقرأ من القرآن، هذه هي الخطبة، وكفى بالقرآن واعظاً.
أحياناً يغيب الإمام، هذه مشكلة أخرى، يغيب الإمام الخطيب ما يأتي لسبب معين، وأحياناً ينظرون في حال الناس كل واحد ما عنده جرأة يقوم يخطب ما هو العمل؟
من الجهل كما يفعلون أحياناً يصلون ظهراً ويمشون.
ما في خطيب، دور، يا فلان يا علان يا كذا، كل واحد ما هو مستعد يقوم ويخطب، ما في جرأة في الموضوع.
ما هو الحل؟
الحل: يقوم واحد من الحاضرين ويحمد الله ويصلي على الرسول ﷺ، ولو ما كان يحفظ يأخذ المصحف، ويقرأ منه آيات على الناس، ويقعد بين الخطبتين، ويقرأ الآيات، ثم ينزل ويصلي بهم، الأمر بسيط.
أما قضية نصليها ظهراً مثلما يفعلون فهذا غير صحيح.
السنة بعد صلاة الجمعة
ما هي السنة بعد الصلاة؟
روى البخاري -رحمه الله تعالى- ومسلم وغيرهما: أن رسول الله ﷺ كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين" [رواه البخاري: 937] يعني في بيته.
فعلم بهذا أن السنة في الجمعة بعد الصلاة في البيت ركعتين.
وعن أيوب قال قلت لنافع: "أكان ابن عمر يصلي قبل الجمعة؟ فقال: قد كان يطيل الصلاة قبلها، بدون عدد معين من الركعات، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، وأن الرسول ﷺ كان يفعل ذلك" [رواه ابن خزيمة: 1836، وهو حديث صحيح].
بوب عليه ابن خزيمة: "باب استحباب تطوع الإمام بعد الجمعة في منزله" [صحيح ابن خزيمة: 3/182]، و "باب استحباب تطويل الصلاة قبل الجمعة" [صحيح ابن خزيمة: 3/168].
فإن صلى في المسجد، فقد ورد التبيان من رسول الله ﷺ بأنه إذا صلى في المسجد يصلي أربعاً.
هذه الأربع كيف تصلى؟
كما ذكر بعض أهل العلم يصليها ثنتين، ثنتين، يعني ثنتين ويسلم، وثنتين ويسلم؛ لحديث: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى [رواه أبو داود: 1295، والترمذي: 597، وابن ماجه: 1322، وابن ماجه: 4791، وقال محققو المسند: "صحيح إلا أن لفظة: "والنهار"].
وهذا الحديث فيه كلام، ولكن يشهد لمضمونه أحاديث أخرى.
فلذلك السنة أن تصلى الأربع هذه ثنتين وثنتين.
وهنا نقطة: هل يشترط أن يكون هناك فصل بين السنة والصلاة؟
قال في "الروض المربع": "ويسن فصل بين فرض وسنة بكلام أو انتقال من موضعه" [الروض المربع، ص: 157] لما في الصحيح: أنه ﷺ نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام [رواه مسلم: 883]. بقيام يغير المكان أو كلام، سواء هذا الكلام تسبيح تهليل أو كلام مع شخص آخر بجانبه، وذلك لئلا يتخذ ذريعة إلى تغيير الفرض، وأن يزاد فيه ما ليس منه، ويكفي الانتقال من موضعه.
قال شيخ الإسلام: والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها كما ثبت عنه ﷺ [مجموع الفتاوى: 24/202].
إذا قام وغير مكانه يغير إلى أي جهة؟
يجوز يغير لأي جهة، إلى اليمين أو اليسار أو الأمام أو الخلف، لكن ورد في حديث جهة التغيير، فروى الإمام مسلم في صحيحه وغيره: أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد يسأله عن شيء رآه من معاوية، قال: صليت معه في المقصورة، فقمت لأصلي مكاني، فقال لي: لا تصلها بصلاة حتى تمضي أمام ذلك، يعني تقدم إلى الإمام أو تتكلم، فإن رسول الله ﷺ أمر بذلك [رواه مسلم: 883].
بوب عليه ابن خزيمة: "باب الاكتفاء من الخروج للفصل بين الجمعة التطوع بعدها بالتقدم أمام المصلى الذي صلى فيه الجمعة" [صحيح ابن خزيمة: 3/181].
تأتي هنا أيضاً قضايا في الناس الذين يصلون خارج المسجد للزحام، هؤلاء الذين يصلون خارج المسجد في الأسواق وفي الطرقات، كيف تكون أحوالهم؟
في "مجموع الفتاوي" سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن الحوانيت المجاورة للجامع من أرباب الأسواق إذا اتصلت به الصفوف هل تجوز صلاة الجمعة في حوانيتهم، وإذا كان بينه وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة فإنه لا تصح صلاتهم، فقال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في هذه القضية قال: "ليس لأحد أن يسد الصفوف المؤخرة مع خلو المقدمة" يعني ما يجوز واحد يدخل المسجد والآن الصفوف الأمام فيها فراغ ويروح يجلس وراء يبغى يتكئ على عمود من غير حاجة، لا يصح هذا، يجب أن يملأ المكان الأول فالأول، "ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة فإن هذا لا حرمة له... بل إذا امتلأ المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد، فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم.
وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي فيه الناس لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء" [مجموع الفتاوى 23/ 410] يعني شارع تمشي فيه السيارات أو الناس، فقال شيخ الإسلام: لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء.
لكن إن صفوا في الشارع وعملوا صفوفاً وما في أحد يمر فعند ذلك لا بأس بالصلاة.
"وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف، وكانوا يسمعون التكبير" يعني ولو كانوا يسمعون التكبير لا تصح الصلاة من غير حاجة، "فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء".
"وكذلك من صلى في حانوته والطريق خال لم تصح صلاته، وليس له أن يقعد في حانوته، وينتظر اتصال الصفوف" [مجموع الفتاوى: 23/410 - 411] يحصل هذا في الناس حول الحرم يجلس في الحانوت ينتظر اتصال الصفوف، فإذا اتصلت قام حضرته صلى في الدكان، فلا بد أن يذهب إلى المسجد ويصف في الصف الأول فالأول.
تأتي هنا قضية لو كان لا يرى الإمام ولا يرى من يرى الإمام يعني في حائط هل تجوز صلاته أم لا هو ذكر في السؤال السابق أنها لا تجوز لغير حاجة، سئل عن جامع بجانب السوق بحيث يسمع التكبير منه، هل تجوز صلاة الجمعة في السوق أو على سطح السوق أو في الدكاكين أم لا؟
وكذلك سئل في نفس السؤال سئل هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل؟ قدام الإمام للزحام، مثل واحد صلى خارج المسجد لزحام جدا فصلى بمستوى يتقدم فيه على الإمام، يعني لو مد خط من داخل المسجد إلى خارجه بشكل أفقي يطلع هو أمام الإمام، ما حكم صلاته؟
يقول: تصح مع العذر دون غيره مثل ما إذا كان زحمة فلا يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام فتكون صلاته قدام الإمام خيراً من تركه للصلاة.
زحمة جداً ما يمكن ينتقل من موضعه ويحدث هذا أيضاً ولا يستطيع أن يرجع إلى الخلف، ويمكن ما يكون في مكان في الخلف فماذا يفعل؟
يقول شيخ الإسلام هل يجلس هكذا من غير صلاة يصلي لوحده؟
فقال: لا.
يقول: فتكون صلاته قدام الإمام خير من تركه الصلاة، وهذا قول طائفة من العلماء، وهو أعدل الأقوال وأرجحها، وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجباً من واجبات الصلاة، يعني ما حكم التقدم؟ ما حكم أنه واحد يصلي وراء الإمام؟
أكثر شيء أنه واجب من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة، فالواجب أولى بالسقوط، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه.
فإذا ما استطاع أن يصلي وراء الإمام وضاق المكان جداً لا يستطيع يترك الصلاة؟
يصلي أمام الإمام.
وكذلك لو كان بينه وبين الإمام حائل بحيث لا يرى الإمام ولا يرى من يرى الإمام، ولكن يسمع صوته لغير عذر لا يجوز، وللعذر يجوز، هذا ملخص كلام شيخ الإسلام.
ويقول في موضع آخر: "لو كانت الرؤية واجبة لسقطت للحاجة" [مجموع الفتاوى: 23/408].
مسألة تتعلق بالمسبوق: واحد جاء أدرك ركعة من الجمعة، في الركعة الثانية عندما يقوم يجهر أم يسر؟
هذه المسألة اختلف فيها العلماء، بعضهم قال: الطبيعي أنه يجهر؛ لأن الصلاة التي يصليها الآن صلاة جهرية صلاة الجمعة، فمادام أنه فاتته ركعة، فالركعة الثانية يقضيها جهراً؛ لأن الصلاة جهرية، مثل ما قال الشيخ ناصر في الأجوبة النافعة وغيره.
ولكن يقول الإمام العلامة ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عندما سئل عن هذا السؤال، قال: "بل يخافت بالقراءة ولا يجهر؛ لأن المسبوق إذا قام يقضي فإنه منفرد فيما يقضيه" حكمه حكم المنفرد "والجمعة لا يصليها أحد منفرداً" فلا يتصور أن يجهر فيها المنفرد "والمسبوق كالمنفرد فلا يجهر" [مجموع الفتاوى: 24/207] يعني قال: المسبوق حكمه حكم المنفرد.
المنفرد هل يمكن أن يصلي صلاة الجمعة لوحده؟
لا يمكن.
فإذاً، لا يجهر.
إذاً، حكمه ألا يجهر، هذا رأي شيخ الإسلام.
والشيخ ابن عثيمين لما أردت منه استيضاح آخر، قال: السنة ألا يجهر.
لماذا؟
قال: لأن الجهر الذي حدث في صلاة الجمعة سببه عموم الاجتماع، يعني لكثرة العدد، يعني الجهر؛ لأن العدد صار كثيراً جداً، فمثل صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف، هذه الجهر فيها.
لماذا الجهر؟
قال: لأن الناس اجتمعوا، لعموم الاجتماع للكثرة.
هذا رأيه الخاص فيه، الله أعلم.
الآن لا أصحح ولا أخطئ ولا أرجح، أعرض لكم أقوال العلماء.
قال: فلهذا لو فاتته فمن تمام الائتلاف والاجتماع أن يكونوا على قراءة رجل واحد، وهي نهارية فيجهر فيها مثل العيد، من أجل لما اجتمع المسلمون في مكان، قال: فلما صار لوحده ما صار مع اجتماع الناس لا يجهر، يعني هذه علة أخرى عنده في عدم الجهر.
وبعض العلماء قال: يجهر؛ لأن أصل الصلاة جهرية.
لكن من قال بأنها -مثل الشيخ ناصر- قال: حتى ولو أنها جهرية وقام يكمل، حتى لو أن السنة أن يجهر لو كان بجانبه من هو في مثل حالته فلو جهر لشوش بعضهم على بعض، فإنهم لا يجهروا لعدم التشويش.
بعض الناس يصلون على سطح المسجد أو في قبو المسجد أو خارج المسجد، ولكنهم لا يرون المصلين لعذر، انقطع مكبر الصوت أثناء الصلاة، ماذا يفعلون؟
وهذه حدثت وتحدث، فتوجهت بهذا السؤال لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فقال: إذا انقطع المكبر والمصلون على السطح أو في القبو فإنهم يتمون لأنفسهم، فاستفصلت منه في المسألة قلت: هل هناك فرق بين انقطاع المكبر بعد الركعة الأولى أو انقطاع المكبر قبل الركعة الأولى؟
فقال: إذا انقطع صوت المكبر بعد الركعة الأولى، يعني صلوا ركعة وهم يسمعون الإمام فإنهم يصلون الركعة الثانية كل واحد يصلي لوحده ويسلم.
أما إذا انقطع قبل ذلك ولم يمكن الاقتداء بالإمام فإنهم يصلونها ظهراً أربع ركعات؛ لأنهم فقدوا الائتمام، والله أعلم.
قضية تتعلق بالزحام: الآن يحدث أحياناً أن يزحم الناس جداً خصوصاً في الحرم في صلاة الجمعة، ما تجد مكاناً تصلي إلا على درجة سلم، هذا إن وجدت، وإن صليت هناك لا تجد أحياناً مكانا تركع فيه ولا تسجد فيه ماذا نفعل؟
في مصنف عبد الرزاق عن هشام عن الحسن قال: "إن شئت فاسجد على ظهر الرجل وإن شئت فإذا قام الإمام فاسجد"، وبه يأخذ عبد الرزاق" [مصنف عبد الرزاق الصنعاني: 3/233].
وعن سيارة بن المعرور سمعت عمر يخطب وهو يقول: أن رسول الله ﷺ بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار، فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل على ظهر أخيه" [رواه أحمد: 217، وهو حديث صحيح].
فالآن إذا ما وجد مكاناً يسجد في الأرض ماذا يفعل؟ يسجد على ظهر الذي أمامه.
هل هناك خيار آخر؟
بعض العلماء يقول: إذا لم يرد أن يسجد على ظهر أخيه، يعني نظرا للجهل الحادث بسنة السجود على ظهر من أمامك إذا كان الزحام شديداً، فيقولون: إذا قام الإمام إلى الركعة الثانية أنت الآن واقف ما تستطيع تركع ولا تسجد، فقام الإمام إلى الركعة الثانية فإنك تركع وتسجد ثم تلحق به، وهذا العذر لأجل الزحام، فيجوز لك أن تنتظر أن يقوم فلما يقوم يكون في مكان، الناس ما هم ساجدين الآن، ما هم آخذين مكان فتتأخر قليلاً للوراء تسجد، ثم تتابع الإمام.
إذا اشتد الحر هل يجوز للإنسان أن يسجد على طرف ثوبه؟
ورد هذا في بعض الآثار قال عمر: "إذا آذى أحدكم الحر يوم الجمعة فليسجد على ثوبه" [مصنف عبد الرزاق الصنعاني: 1/398، ومصنف ابن أبي شيبة: 1/241].
إذا قضيت الصلاة، يقول الله -تعالى-: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة : 10] فذكر بعض أهل العلم وهذه من أحكام الجمعة، يقال: يستحب للخارج من المسجد أن يبتاع أو يشتري شيئاً أو يجعل شراء أغراضه بعد الصلاة حتى يكون موافقاً لما جاء في الآية: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ .
وقد أخطأ ابن حزم -رحمه الله تعالى- عندما أوجب التجارة والشراء والبيع بعد الصلاة؛ لأن أصل الأمر عنده يقتضي الوجوب دائماً.
وهناك حديث لطيف رواه البخاري -رحمه الله- قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقاً، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا، فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك" [رواه البخاري: 938].
هذا الحديث فيه فوائد: جواز السلام على المرأة، وكيف كان هذا الشعور عند مثل نساء المسلمين هؤلاء يطبخون للناس، ويقدمون طعامهم للخارجين من الصلاة، أشياء بسيطة تسكن الجوع الحاصل حتى يذهبوا إلى بيوتهم.
بماذا تدرك الجمعة؟
بماذا تدرك الجمعة؟
تدرك الجمعة بإدراك الركعة، هذا هو القول الراجح المنصوص عليه بدليل أخرج النسائي عن أبي هريرة: "من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة" وهو حديث صحيح [رواه النسائي: 557].
إذا وافق العيد يوم جمعة.
نعلم والأدلة في هذا كثيرة والآثار كثيرة أن الناس إذا صلوا صلاة العيد تكفيهم صلاة العيد عن شهود الجمعة إلا الإمام فإنه يذهب إلى المسجد ليقيم الصلاة بالناس لمن يريد أن يصلي.
فالخطباء إذاً حتى ولو صلوا العيد يذهبون إلى مساجدهم، ويخطبون بالناس، أو إذا واحد أناب واحداً مكانه وأراد أن يصلي الظهر، فلا بأس.
الآن الناس الذين صلوا العيد ولا يريدون أن يصلوا الجمعة، ماذا يجب عليهم؟
صلاة الظهر.
الأصل الصلوات هذه صلاة جماعة، يجب أن تصلى جماعة في المسجد، هذا الأصل في الصلاة.
كيف يصلون الآن الظهر؟
المساجد مشغولة بصلاة الجمعة، كيف يصلون الظهر جماعة؟
يقول الشيخ ابن عثيمين: هذا عذر في ترك صلاة الجماعة، وهذا من الأعذار القليلة جداً، وهذا عذر نادر، من الأعذار النادرة، فقال: فيصلي الرجل في أهل بيته جماعة في البيت أو يصلي لوحده.
قلت له: هل يجوز للواحد يروح على الركعتين ويكمل بعدهم ركعتين ويصيروا أربعاً صلاة الظهر؟
قال: لا، ما دام أنه حضر صلاة الجمعة لابد أن يصلي جمعة.
أما من فاتته الركعتان فإنه يصلي أربع ركعات.
بعض البدع المتعلقة بالجمعة
نذكر هنا في هذه العجالة بعض البدع المتعلقة بالجمعة:
من الأمور المتعلقة بالبدع في الجمعة: التعبد بترك السفر يوم الجمعة، روى ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح: "أن أبا عبيدة خرج يوم الجمعة في بعض أسفاره ولم ينتظر الجمعة" وإسناده جيد [مصنف ابن أبي شيبة: 1/442].
وروى هو والإمام محمد بن الحسن في السير الكبير والبيهقي عن عمر: أنه قال: "الجمعة لا تمنع من سفر" وسنده صحيح في "الأجوبة النافعة" [مصنف ابن أبي شيبة: 1/442].
أما إذا حضر النداء يجب عليه الصلاة.
أما إذا خاف فوت رفقته، يعني أذن أذان الجمعة، الآن الخطيب يخطب، المفروض أنه ما يجوز يخرج من البلد، يصلي مع الناس، قال ابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد": أما إن خاف فوت رفقته وانقطاعه عنهم جاز له السفر مطلقاً؛ لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة" [زاد المعاد: 1/372].
إذا خاف فوت الرفقة وأنه يضيع وما يعرف الطريق إلا عن طريقهم، ما يعرف طريق السفر إلا بدلالتهم، فهذا عذر حتى لو أذن أن يخرج ويسافر.
من البدع -كما ذكرنا-: تقديم بعضهم مفارش إلى المساجد يوم الجمعة أو غيرها قبل الذهاب إلى المسجد، كذا ورد في "المدخل" لابن الحاج.
وكذلك من البدع: صلاة سنة الجمعة القبلية وهي غير ثابتة كما هو في السنن والمبتدعات في الأذكار والصلوات، للشقيري والمدخل لابن الحاج.
ومن البدع أيضاً: إعراضهم عن التذكير بسورة ق في خطبهم مع مواظبة النبي ﷺ عليها، كما في السنن والمبتدعات.
قيام بعض الحاضرين في أثناء الخطبة الثانية يصلون التحية، جلس الخطبة الأولى، قام الأخ يتسنن ويصلي، هذا من البدع وغير صحيح.
دعاء الناس ورفع اليدين عند جلوس الإمام على المنبر بين الخطبتين.
نحن ذكرنا أيضاً في قضية الدعاء وهذه سأتعرض لها في آخر البحث في موضوع ما سأتعرض لقضية الدعاء، لكن تخصيص الناس رفع اليدين عند جلوس الإمام على المنبر بين الخطبتين، عده في المنار أنه مخالف للسنة.
لكن نحن ذكرنا آنفاً أنه لو قصد بالدعاء إصابة وقت الاستجابة؛ لأنه يحتمل كما ذكر ذلك ابن القيم يحتمل أن يكون هو في وقت الخطبة والصلاة، فلو دعا من أجل هذا فلا بأس.
من البدع أيضاً: مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية كما في المنار وإصلاح المساجد للقاسمي، نص عليه.
أكثر الخطباء ينتهي من الخطبة الأولى، يقوم للخطبة الثانية، يسرد الأشياء المحفوظة بسرعة، فهذا الإسراع مخالف للسنة الرسول ﷺ، ما كان يتعمد السرد المسرع في الخطبة الثانية، والخطبة الأولى يتمهل.
كذلك من البدع: جعل الخطبة الثانية عارية عن الوعظ والإرشاد والتذكير والترغيب، وتخصيصها بالصلاة على النبي ﷺ والدعاء، كما ورد في السنن والمبتدعات ونور البيان في الكشف عن بدع آخر الزمان.
كذلك: رفع الصوت بالصلاة على النبي ﷺ عند قراءة الخطيب: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] الناس مأمورون بالإنصات، ترى بعض الناس يرفع صوته بالصلاة على رسول الله ﷺ كما هو في "حاشية البجيري".
كذلك: صياح بعضهم في أثناء الخطبة باسم الله أو أسماء بعض الصالحين، كما نص عليه في المنار.
كذلك: سكتات الخطيب في دعائه على المنبر ليؤمن عليه الحاضرون، هذا أيضاً مخالف للسنة كما في "شرح الطريق المحمدية".
الترنم في الخطبة، تنغيم الخطبة كما هو أيضاً مخالف السنة كما نص عليه صاحب "الإبداع في مضار الابتداع"، لابن محفوظ.
رفع الخطيب يديه للدعاء، هذا أيضاً من البدع إلا في دعاء الاستسقاء -كما ذكرنا-.
بهذه المناسبة نطرح سؤالاً: حديث الاستسقاء الذي في البخاري وغيره: أن الرجل لما دخل المسجد، وقال: يا رسول الله هلكت .. واشتكى الحال، الرسول ﷺ رفع يديه ودعا، هذا حسن.
بعد أسبوع بعد سبت كامل دخل الرجل أو دخل غيره، فقال: يا رسول الله هلكنا وغرقت الدنيا.
فرفع رسول الله ﷺ يديه ودعا [رواه البخاري: 1936، ومسلم: 1111].
فلو قال قائل: هذا الدعاء الثاني مختلف عن الاستسقاء فكيف يرفع يديه وكيف تقولون لنا: ليس من السنة رفع اليدين في الدعاء والرسول قد رفع عندما دعا بكف المطر عنهم وهو ليس باستسقاء؟
أجاب عن هذا الإشكال شراح الحديث من العلماء وغيرهم قالوا: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء الثاني بعد أسبوع لما دعا كان دعاؤه استسقاء أيضاً؛ لأنه عليه السلام قال: اللهم على الآكام والظراب والأدوية ومنابت الشجر قال: اللهم حوالينا ولا علينا فهو ما زال يسأل الله السقيا المطر لكن إنما سأل شيئا آخر أيضاً وهو تحويل المطر من البيوت وأمكنة الناس، حتى لا يغرقوا ويتضرروا إلى منابت الشجر والأماكن الأخرى المفيد فيها سقوط المطر، يعني هو ما زال استسقاء، ولكن سأل الله استسقاء مطراً ينزل على الظراب ومنابت الشجر والأودية، حوالينا ولا علينا.
فإذاً، لا إشكال إن شاء الله.
كذلك: الستائر للمنابر، والتمسح بالخطيب إذا نزل، كما هو في السنن والمبتدعات من البدع.
ومواظبة الخطباء على قراءة حديث معين في أول الخطبة؛ مثل حديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له [رواه ابن ماجه: 4250، وحسنه الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب: 3145] يعني المواظبة عليه في كل خطبة في وقت معين من الخطبة يقول هذا.
وكذلك: سنة الجمعة القبلية أيضاً من البدع -كما ذكرنا-، هذا الكلام نقلته لكم من "الأجوبة النافعة".
أما في كتاب الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي فأضاف أيضاً: رفع القوم أيديهم تأميناً على الدعاء، فبما أنه ليس من السنة للإمام الخطيب أن يرفع فكذلك ليس من السنة للمأمومين أن يرفعوا.
وكذلك قال: قولهم بعد الجمعة: يتقبل الله منا ومنكم.
وكذلك قال: قراءة الإمام: فاعلم أنه، ويردد المأمومين، لا إله إلا الله الآية: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد: 19] في بعض البلدان يقول الخطيب: فَاعْلَمْ أَنَّهُ الحاضرين: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .
أو مثل ما يقول بعضهم: من هو الواحد؟
ويقول كلهم: الله.
من هو السميع؟
الله.
الناس مأمورون بالإنصات ليتعظوا، وأنت تحول المسجد إلى صجة ولجة وكلام وجهر؟!
قضية: التسوك أثناء الخطبة، سئل عنه الشيخ عبد العزيز قال: هذا من العبث لا سواك ولا غيره، ينصت للإمام.
في قضية ما تتعلق بصلاة الجمعة بالذات لكن عامة، وهي قضية فرعية جداً، لكن تثور أحياناً في الأذهان ولا يجدها الإنسان أحياناً في البحث: الآن عندما يجلس الإمام في التشهد الأخير، التكبير طبيعي، فإذا وصل التشهد الأخير، قال: الله أكبر! حتى كأنه يمد التكبير يكون: الله أكبر، سمع الله لمن حمده، الله أكبر، فإذا جاء للتشهد الأخير، قال: الله أكبر، المسألة دقيقة لكن صعب توجد في الكتب، فيقول الشيخ عبد العزيز بن باز: تغيير الإمام لصوته في هذا التكبير بالذات، يقول: لا نعلم فيه شيئاً، المهم أنه ينبه الناس سواء بتغيير الصوت أو بغير تغيير الصوت، فيقول إذا كان في صوته علامة على جلوسه للتشهد الأول والأخير، فلا مانع من ذلك حتى لا يقوموا وينهضوا وهم لا يعلمون.
فلما سئل: لو تعمد هذا؟ لو حدث عفوياً ما في شيء، لكن لو تعمد هذا؟
فقال: حتى لو تعمد لا نعلم فيه شيئاً ولا حرج في ذلك لأن المقصود نفع الجماعة.
وصايا مهمة للخطباء والدعاة في تطبيق السنة
عرضنا بعض الأحكام، تلاحظون أن في بعض هذه الأحكام مخالفة لما جرى عليه عمل الناس في الواقع ومخالفة لما ألفه الناس واعتاده الكثيرون، وفيه مصادمة للأعراف والتقاليد والعادات المتبعة في الخطب.
أيها الإخوة: يجب أن نكون حكماء في الدعوة إلى الله -جل وعلا-، ويجب ألا نأخذ هذا العلم ونصادم به الناس مصادمة، وإنما يجب أن نخاطب الناس بما يفهمون، ونبين لهم الأمور بروية وتدرج، نأخذ قضية ذكرنا أن المواظبة على الدعاء وجعله في آخر الخطبة الثانية بصيغة معينة: "اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر اليهود والكفرة والملحدين" إلخ...، بصيغة معينة يواظب عليها دائماً في مكان معين في الخطبة الثانية، قلنا: هذا خلاف السنة وهو بدعة؛ لأنه أمر لم يثبت عن الرسول ﷺ فعله هكذا بهذه الصيغة، وهو أمر داخل في العبادات، فلذلك لا يجوز فعله.
الآن الناس تعودوا على هذا، جرت عادتهم على هذا، وسوف يستغربون جداً لو الآن ما دعوت أو غيرت مكان الدعاء أو صيغة الدعاء.
يجب أن نكون حكماء في تعليم الناس هذه المسألة وغيرها من المسائل التي تخالف عادتهم.
فأنا سأعيد الكلام عن قضية الدعاء هذه بشيء من الاختصار حتى تتضح الصورة، ويتضح ما أريد أن أنبه عليه.
ذكرنا هذه البدعة لكن هل يجوز للإمام الخطيب أن يدعو أساساً؟
في الأساس يجوز له أن يدعو، وهناك سؤال موجه للجنة الدائمة للإفتاء، وأجابت عليه: بأن الدعاء في الخطبة مشروع، يجوز للإنسان أن يدعو، لكن لا يجعله بصيغة معينة ووقت معين، يغير الواحد صيغة الدعاء، يدعو بصيغ مختلفة، مرة يدعو للمجاهدين، ومرة يدعو للعلماء، ومرة يدعو لإنقاذ أحوال الأمة، ومرة يدعو للمساكين والأيتام والأرامل، ومرة يدعو حسب الخطبة إن كان يتكلم عن الزنا يدعو بتطهير نفوس المسلمين، وببعدهم عن الزنا، وكذا، مرة يتكلم مثلا عن الربا يدعو الله أن يصرف عنهم الربا ومعاقل الربا وأن يطهر نفوسهم، يتكلم عن الغل والحسد يدعو بهذا حسب الحال، لا يواظب على دعاء معين.
ثانياً: يحاول مرة أن يجعل الدعاء في الخطبة الأولى، ومرة في الخطبة الثانية، ومرة في نصف الخطبة الأولى، ومرة في نصف الخطبة الثانية.
وكما ذكر الشيخ ابن عثيمين: ينبغي على الأقل مرة واحدة أن يترك الدعاء تماماً حتى يعلم الناس أن الدعاء في الخطبة ليس بشرط.
لكن برفق -أيها الإخوة- ما هو من أول خطبة الآن يجي واحد يتعلم الكلام فيقذفها بالناس خلاص ما في دعاء، قفلنا وانتهينا، الحكمة -أيها الإخوة- العامة أشياء كثيرة ما يفهمونها حتى لو جئت وأقنعتهم يا شيخ روح أنت والعلم هذا الذي جايبه ونحن من خمسين سنة نصلي أنت الآن توك طالع تقول وحتى ولو ما نبهت وتركت يجيك بعد الصلاة يقول عسى خير نسيت ما نسيت نعيد الخطبة وإلا ما نعيدها ؟
عامة، فلا بد من الحكمة والتروي يا أخي المسلم، لا تفاجئهم هكذا مفاجأة وتثير الناس.
وفي غيرها من القضايا حاول أن تلتزم بالشرع، ولا تخالف الحكم، لكن تأخذ الناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
هناك مسألة استزدت فيها تفصيلاً من الشيخ عبد العزيز بن باز -نفع الله به- قلت له هكذا نص السؤال: إمام خطيب مبتدع يتعرض لسب الصحابة في خطبته أو سب أحد الصحابة أو يقول أمراً مخالفاً لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل يعلم أن الله في كل مكان دائماً في خطبته ماذا ينبغي؟
قال: يجب على العالم الحاضر الإنكار عليه أثناء الخطبة، ويقوم ويقول له: هذا خطأ، من باب إنكار المنكر.
وقال: هذا يشبه قول الرجل للرسول ﷺ: ادع الله لنا، هذا معروف، وهذا أيضاً من المعروف، بل ربما يكون هذا أوجب.
فقلت له عن مسألة الإنصات مرة أخرى قال: الجيد ينصت له، والرديء لا ينصت له.
فإذاً، الاعتماد طبعاً على الحديث الذي ذكرناه سابقاً وأذكره بنصه حتى لا يسبق إلى الأفهام شيء غير مراد، الحديث الذي هو حديث عمارة بن رويبة الصحابي الذي رأى بشر بن مروان يرفع يديه في الخطبة، فقال: قبح الله، أثناء الخطبة قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله ﷺ ما يزيد على أنه يقول بيديه هكذا، وأشار بأصبعه المسبحة [رواه مسلم: 874 وغيره].
مثل ما أنكر بعض الصحابة على مروان بن الحكم لما قعد وخطب جالساً، فأنكروا عليه في خطبته جالساً.
قبل الأخير وصية -أيها الإخوة- أذكر بها نفسي ثم أذكركم قضية الإخلاص لله -تعالى-.
لا بد -أيها الإخوة- من الإخلاص لله ، هذه قضية أساسية جداً، في الحديث الحسن عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفافهم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت، تقرض بمقاريض من نار كلما قرضت وأخذ منها قطعة اكتملت مرة أخرى ووفت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 4613].
وحديث أخرجه الإمام أحمد بإسناد رجاله موثقون عن بشير قال: سمعت رسول اللهﷺ يقول: من قام بخطبة لا يلتمس بها إلا رياء وسمعة وقفه الله -عز وجل- موقف رياء وسمعة يوم القيامة [رواه أحمد: 16073].
وعن ابن مسعود قال: "إنكم في زمان قليل خطباؤه، كثير علماؤه؛ يطيلون الصلاة، ويقصرون الخطبة" كما هو السنة، "وسيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه" [الطبراني في الكبير: 9496، ورجاله ثقات كما هو في المجمع].
فيا إخواني: القضية في الإخلاص، الإخلاص هو العامل الأساسي الذي يعتمد عليه نجاح الخطيب، كثير من الخطباء فيهم لسانة، وفيهم جودة الإلقاء، وعندهم قدرة على المخاطبة والمحادثة والمحاورة، يتكلم، لسن، فصيح، والناس يعجبون به حتى يقول بعضهم: ما شاء الله في نفسه كذا، لكن بعدما يخرج من الخطبة ليس هناك أثر البتة. وعندما يقوم إنسان في لسانه لثغة أو لا يجيد الكلام والخطابة تماماً، لكن في قلبه إخلاص، تجد الناس يتأثرون منه، وتنعكس عليهم في أعمالهم وفي بيوتهم ما قاله في خطبته أكثر من ذلك.
نحن لا نفرح باللسانة والقدرة على الكلام، ليس المهم هو القدرة على الإلقاء وجودة الموضوع.
أنا لا أقول: هو ليس مهم، هو مهم.
لكن ليس مهماً بقدر الإخلاص الذي يكون في نفس الخطيب وفي قلبه وهو يدعو إلى الله -جل وعلا- على المنبر.
وصية الشيخ ابن باز للقائمين والمشاركين في دورة الخطباء
أخيرا: فإن سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يبلغ سلامه إليكم جميعاً، ويقول: بلغهم السلام، فقلت له: ما هي وصيتك يا شيخ؟
قال: أوصيكم، وهو يعرف الآن قضية الدورة دورة الخطباء والقائمين عليها، وأثنى عليهم جزاهم الله خيراً، يقول: أوصي الموجودين بتقوى الله -جل وعلا-، وأن يعتنوا بالخطب، وأن تكون على مستوى الأحداث والواقع الآن، وأن يحذروا الشيء الذي ما يعلمونه، ويتكلمون فيما يعلمون، ويحذرون ما لا يعلمون، ويحرصون على إظهار العقيدة السلفية.
هذه وصيتي. انتهى كلام الشيخ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله أولاً وآخراً.