الفوائد المستفادة من الآية (70 - 75) من سورة يوسف
أراد يوسف بحيلة أن يتوصل لأخذ أخيه فماذا فعل؟
لما جهزهم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ [يوسف: 70].
بعض المغفلين قرأ: جعل السقاية في رجل أخيه.
جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف: 70].
نادى مناد: يا أصحاب العير، الإبل المرحولة والمركوبة: إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ فأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ؟ وماذا ضاع لكم؟ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ [يوسف: 72].
الفائدة الثالثة والستون: أن الجعالة مشروعة وهي أن تقول: من وجد ضالتي فله ألف مثلاً، هذه جعالة، تجعل مبلغاً مقطوعاً لمن فعل لك شيئاً معيناً.
هذه غير الإجارة.
الإجارة العمل فيها معلوم.
الجعالة العمل غير معلوم، الآن تقول: من وجدت بعيري؟
وجدان البعير ممكن يأخذ ساعة، وممكن يأخذ سنة وأنت تبحث عن بعير الرجل.
الإجارة العمل فيها معلوم.
الجعالة غير الإجارة.
الجعالة يجعل مبلغاً معيناً مثلاً: من وجد محفظتي فله مائة ريال مثلاً.
لكن لا يجوز أن يكون الجعل مجهولا لو قلت: من وجد محفظتي فله ما فيها، يمكن يطلع فيها ريال، يقول: ليتني ما تعبت نفسي أبحث لك عن محفظتك، ويمكن يكون فيها ألف.
فإذاً، في عقد الجعالة لا بد أن يكون الجعل معلوماً ولو كان العمل مجهولاً.
قالوا: وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ [يوسف: 72] وحمل البعير معلوم، معلوم أن البعير مثلاً يحمل مثلاً خمسين كيلو مثلاً، حمل بعير من الطعام او من القمح هذه الجعالة: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ}.
وهذه الفائدة الرابعة والستون: جواز عقد الكفالة: وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ يعني كفيل بحمل البعير.
فهذان عقدان في كلمتين من القرآن: وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ هذا عقد الجعالة وعقد الكفالة في جزء من آية، وهذا من الجوامع، يعني يدل على بلاغة القرآن الكريم في كلمات بسيطة جداً، مشروعية عقد الجعالة وعقد الكفالة.
ثم بعد ذلك استدرجهم يوسف قال: فما جزاؤه ؟ أنتم احكموا، هذا الكيد الذي كاده الله ليوسف، يعني لمصلحة يوسف: أنه حاكمهم إلى شريعة يعقوب، وهي شريعة سماوية، قال: فما جزاؤه؟ أنتم احكموا. قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف: 75] الذي يوجد في رحله هو نفسه يكون الجزاء، ويؤخذ عبداً.
الفوائد المستفادة من الآية (76 – 77) من سورة يوسف
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ * قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ [يوسف: 76 - 77].
الفائدة الخامسة والستون: أن الإنسان إذا أراد أمراً فعليه أن يهيئ له الأسباب لئلا ينكشف: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ [يوسف: 76]؛ لأنه لو بدأ بوعاء أخيه واكتشفه صارت مكشوفة، لكن بدأ بأوعيتهم: ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ ، وهذا يدل على إحكام الخطة أن الله لما أراد ليوسف أن يبقي أخاه عنده هيأ الله له كل هذا، وجعل الأمر يسير حتى يخرج إخوة يوسف وهم لا يشكون في الأمر، وأن أخاهم سارق، وأخذ أخاهم بشريعة يعقوب، ولم يؤخذ بدين الملك، ما هو بقوانين الملك، وإنما بشريعة يعقوب .
الفائدة الخامسة والستون : وجوب التحاكم إلى شريعة الله، وعدم جواز التحاكم إلى القوانين الجاهلية والأنظمة الخبيثة، وإنما إلى شرع الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ، ولكن بشرع الله.
الفوائد المستفادة من الآية (78 – 79) من سورة يوسف
وهم الذين قالوا هذا الكلام:
قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ [يوسف : 78 - 79].
الفائدة السادسة والستون : أن كتاب الله يجب أن يؤخذ ويعمل به بما أراده ، والمقصود من الآية يعمل به، أما ما ليس مقصوداً منها فلا يعمل به.
وهذا الدرس مبني على قصة في هذه الآية: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا [يوسف: 78] حصلت لأبي علي بن عقيل رحمه الله، أبو علي بن عقيل واحد من أهل العلم الكبار الذين لهم منزلة كبيرة بين الناس، حصل أن أبا علي بن عقيل كان له ولد يهيئه ويعلمه ويحبه جداً، والناس يحبون أبا علي بن عقيل ويعرفون منزلة ولده منه فمات الولد، قدر الله أن هذا الولد مات، فالناس أصابهم الهم والغم والحزن لموت هذا الغلام لأنهم يحبون أباه ويعلمون كم يحب هذا الأب ابنه، فجاؤوا إليه يعزونه وخرجوا معه إلى المقبرة، واجتمعوا عند القبر، وصار الدفن، ولما أنزلت الجنازة في القبر قام واحد من العامة صرخ قال: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 78] هو يقول الآن: يا أيها العزيز، يعني الله -عز وجل- لأن من أسمائه العزيز: إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا يعني لهذا الولد فخذ أحدنا مكانه، الناس تفاعلوا مع هذه وضج الناس بالبكاء وصرخوا، فنهاهم أبو علي بن عقيل رحمه الله قال: يا أيها الناس إن القرآن لم ينزل ليثير الحزن لكن نزل ليعالج الحزن، كيف أنتم تهيجون فيه الأحزان؟ هذا القرآن نزل للسكينة؟ واحد حزين القرآن يسليه، مكروب بالقرآن تنفس الكربة، ما هو بالقرآن تثار الأحزان، ويزداد الألم النفسي، ما بالكم؟
إذاً، بعض الناس يستعملون الآيات في غير ما أنزلت لأجله.
فإذاً، الفائدة هنا أن الآيات ينبغي أن تستعمل فيما أنزلت لأجله، وليس فيما لم تنزل لأجله.
وبذلك تعلم الفائدة السابعة والستون : بدعة ما يفعله بعض الناس من استعمال الآيات في غير مواضعها، إذا رأى موسى جاء يقول: جئت على قدر يا موسى، وإذا الأكل يقول: ائتنا غداءنا، وهكذا.. يستعملون حتى في تقدير الأسعار: غلبت الروم، تسعة وتسعين، طيب ما دخل غلبت الروم هذه يعني؟
فالكفار كانوا يستبعدونها، يعني الكفار كانوا يستعبدون أن تغلب الروم، ويقولون: لا يمكن، الفرس أقوى، فالله أوحى لنبيه أن الروم من بعد ما غلبوا سيغلبون، وفي بعض سنين، وقريش لا يمكن أن تستوعب هذا، وكذبوا قالوا: أبداً وراهنوا، قالوا للصديق: صاحبك يقول كذا؟ قال: نعم، قالوا: نراهنك، راهنوه على إبل أنه لا يمكن الروم تغلب فراهنهم، لكن أبو بكر الصديق ما أعطاهم كل المدة، فلما انقضت المدة، الآن معروف البضع من ثلاث إلى تسع، فمثلاً هو أعطاهم سبع أو كذا، فالمهم أنهم جاءوا وقالوا: ما غلبوا، هات الإبل، لما ما جاءت نهاية البضع إلا والروم اكتسحوا فارس، بقدر الله -تعالى- حصل اضطرابات في مملكة فارس، ونزاع في الملك، المهم انتهز الروم الفرصة وكروا على الفرس.
فالشاهد: أن من الذي استبعد أن الروم يغلبون؟
الكفار، كفار قريش أنه لا يمكن، فقال الله: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم: 2 - 3].
الشاهد من الكلام: أن بعض الناس يستعملون القرآن في غير ما أنزل من أجله، والمفترض في المسلم أن يستعمل القرآن فيما أنزل من أجله.
وهذا غير الاقتباس، الاقتباس غير العبث، الاقتباس يقول واحد مثلاً: وقعت الفتن وصار الناس في أمر مريج، الآن وقعت الفتن مثلاً، وفعلاً الناس في أمر مريج، اختلطت عليهم الأمور، فالواحد يقول: وصار الناس في أمر مريج، هذا اقتباس من القرآن، فالاقتباس بهذه الطريقة صحيح، هذا غير العبث في الآيات مثل اللي قال: يقول محمد عبده هذا العقلاني المنحرف، على أشياء جيدة كانت له، لكن عنده انحرافات خطيرة جداً، محمد عبده كان تلميذاً لجمال الدين الأفغاني، الأفغاني أسوأ منه بكثير، لكن هذا محمد عبده صاحب صالون نازلي، الذي كان يذهب إليها في الصالون، دعاة تحرير المرأة، يقول: إنه تناقش مع واحد نصراني، والنصراني قال: أنتم تقولون كل شيء في القرآن؟ قال: نعم كل شيء في القرآن، قال: طيب أين الكوكا؟ شراب الكوكا هذا فين في القرآن؟ قال: إيوه، وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة: 11] كوكا، هذا عبث، ما دخل هذا؟ هذا فعل وفاعل ومفعول به، وَتَرَكُوكَ قَائِمًا .
أجل أين البيبسي؟
هذا عبث، يقول مثل هذا، وبعدين يقول: القرآن فيه كل شيء، ليس بهذه الطريقة.
وإذا ضبطت في واحد، ففي أشياء لا يمكن تضبط فيها.
الفوائد المستفادة من الآية (80 – 81) من سورة يوسف
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ [يوسف: 80 - 81].
الفائدة الثامنة والستون: استعظام شأن العهد، واستشعار المسؤولية، والعمل لتحقيق ما أخذ على الإنسان من الموثق الغليظ؛ فإن هؤلاء لما اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ ، ولا يمكن أن يأخذوا أخاهم، يسترجعوه خَلَصُواْ نَجِيًّا بعضهم فهم خطأ خَلَصُواْ نَجِيًّا يعني هربوا، طبعاً ليس يقول: نجوا، لا، خَلَصُواْ نَجِيًّا يعني للمسارة فيما بينهم، وليس خَلَصُواْ نَجِيًّا يعني هربوا، وإنما خَلَصُواْ نَجِيًّا يعني اجتمعوا ليتناجوا ويتشاوروا، ما هي الخطوة القادمة؟ وماذا نفعل؟
في كلام خاص بينهم، انفردوا متناجين.
وأشار ابن الجوزي -رحمه الله- إلى بعض الأفهام الخاطئة ذكر: خَلَصُواْ نَجِيًّا قال: كقول بعضهم لما فسر: رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ [آل عمران: 117] قال: صراصير الليل، قال: إنه هذا الريح فيها صر، وليس هذا المقصود، المقصود البرد الشديد.
خَلَصُواْ نَجِيًّا .
فإذاً، استشعر هؤلاء المسؤولية في الموضوع، و قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ ، ولا بد نفعل شيئاً الآن، واستشعر مسؤولية أن الموثق الذي أخذه عليه أبوه، وقال: أنا لا أتحرك من هنا، فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي [يوسف: 80] بأن آخذ أخي أو تنتهي هذه المشكلة.
وفعلاً وقف إخوة يوسف ذلك الموقف الشديد في هذه الكربة والموقف العصيب.
وطبعاً هذا يختلف تماماً عن حالهم لما تحايلوا وأخذوه وألقوه في غيابت الجب، فتغير حال إخوة يوسف، وتابوا إلى الله بعد ذلك، يعني بالحقيقة هم بدأوا القصة مجرمين، أخذوا أخاهم وطرحوه في البئر، لكن بعد ذلك تابوا إلى الله، ولعله حصل لهم تغير على مراحل، وهذه كانت مرحلة من المراحل.
ثم قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [يوسف: 97]، وأعلنوا التوبة، خلاص اعترفوا.
الفوائد المستفادة من الآية (82 – 84) من سورة يوسف
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [يوسف: 82 - 84].
الفائدة التاسعة والستون: أن الإنسان يؤيد كلامه بالشواهد إذا احتمل التكذيب، إذا كلامك يمكن أن يكذبه الشخص الآخر: ائت له بالشواهد؟
قالوا: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [يوسف: 82]؛ لأنه ما دام الشك فيهم في كلامهم فليؤخذ الخبر من مصادر أخرى، خذ من مصادر أخرى لكي تتأكد من كلامهم.
الفائدة السبعون: أن الصبر الجميل عاقبته حميدة.
والفرق بينه وبين الصبر العادي، أن الصبر الجميل الذي لا يبوح فيه صاحبه بالشكوى، بل يفوض أمره إلى الله، هذا الصبر الجميل، لا يبوح فيه صاحبه بالشكوى، لا يشتكي.
الفائدة الحادية والسبعون: حسن الظن بالله ، وهذا من مقتضيات التوحيد، وعكسه من قوادح التوحيد.
يعقوب كم سنة الآن له عن يوسف ولده؟
أكثر من عشرين سنة تقريباً، ومع ذلك قال: عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا [يوسف: 83] ما قال عسى الله أن يأتيني بهذا الولد الصغير، فهو يعرف أنه حي لكنه أصبح أسيراً في مصر عند الملك، لا، هو الآن يقول على هذا وعلى الأول وما عنده يقين أن يوسف مات، إلى الآن ما عنده يقين أن يوسف مات، ما يدري أين يوسف، لكن لا زال ظنه بربه قوياً.
حسن الظن بالله، قال: عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا [يوسف: 83] هذا والذي قبله.
الفائدة الثانية والسبعون: أن البكاء لا ينافي الصبر، فقال: يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ [يوسف: 84] فهو من البكاء والدمع انقلب سواد عينيه بياضاً، من كثرة البكاء.
ما هو الفرق بين البكاء والنياحة؟ وهل يجوز لمن مات له ميت أن يبكي عليه؟
الجواب: نعم، يجوز لمن مات له ميت أن يبكي عليه، والدمعة التي نزلت من النبي ﷺ كانت رحمة وشفقة على الولد الذي تفيض روحه في حجر النبي ﷺ.
والنياحة ليست بكاءً، النياحة صراخ، النياحة زعيق، النياحة اعتراض على القضاء والقدر.
البكاء ممكن يكون رحمة، ممكن يكون شفقة، غلبته نفس، إظهار الإنسان شفقته ورحمته، يعبر عنها بالبكاء.
أما النياحة سخط على القضاء والقدر، تسخط على قضاء الله وقدره.
النياحة فيها شق الجيوب، ممكن يشق الثوب، ممكن تشق الفستان، ممكن تقص شعرها من المصيبة، تحلق رأسها، ممكن تلطم خديها، أو يلطم وجهه، هذا نياحة: ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية ((والنائحة)) عقوبتها شديدة يوم القيامة ((لها سربال)) يعني ثوب من قطران ودرع من جرب درع من جرب وثوب من قطران، من النحاس المذاب، تعذب فيه يوم القيامة، إلا أن تتوب إلى الله؛ لأن النياحة من الكبائر.
الفوائد المستفادة من الآية (85 – 87) من سورة يوسف
قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 85 - 87].
الفائدة الثالثة والسبعون: أن الإنسان المسلم يشكو أمره إلى الله ولا يشكو أمره إلى الناس، في القضاء والقدر ما يقول لشخص: أشكو إليك فقد ولدي، ماذا سيفعل لك إذا فقدت ولدك؟ يشكو أمره إلى الله: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ [يوسف: 86] وليس إلى المخاليق.
والشكوى للمخلوق يعني يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم، هذه الشكوى للمخلوق.
الفائدة الرابعة والسبعون: الفرق بين التحسس والتجسس.
أن التجسس فيه الاطلاع على العورات والاستماع لحديث من لا يريدك أن تستمع إلى حديثه.
أما التحسس فهو تقصي الأخبار، وجمع المعلومات، بدون تسمع لحديث لقوم لا يريدون أن تستمع إلى حديثهم، ولا نظر من ثقب باب، أو اطلاع على عورات القوم.
التجسس فيه اطلاع على عورات القوم، وفيه استماع الحديث خفية، هذا حرام.
أما أنك تسأل تقول: هل رأيت فلاناً؟ ذهب من هنا؟ هل مر بك فلان من هنا؟ ما هي؟ تحسس الأخبار مثلاً تجلس في مجلس عام تسمع الكلام، فيه معلومة يمكن تفيدك في البحث عن مفقود.
فإذاً، التجسس في الشر.
والتحسس في الخير.
التجسس وسائله محرمة.
والتحسس وسائله مباحة.
فقد تسأل حلاقاً، تسأل واحداً في الطريق، تسأل عابر في الطريق: هل رأيت كذا؟
تجمع معلومات للوصول إلى شيء مباح.
الفائدة الخامسة والسبعون: تحريم اليأس من رحمة الله، وأنه مناف للتوحيد، وأن القنوط من رحمة الله مناف للتوحيد، فهو أمر محرم ولا يجوز.
الفوائد المستفادة من الآية (88 – 92) من سورة يوسف
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ* قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 88 - 92].
الفائدة السادسة والسبعون: أن الله يؤيد المظلوم لو بعد حين، ويجعله في منزلة عالية إذا صبر واتقى، فكان إخوة يوسف الذين كادوه جاؤوا الآن إليه متسولين شحاذين، يقولون: مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ، وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ أذلهم الله له.
هؤلاء الذين ظلموه أتى بهم الله أذلاء صاغرين، يقولون: تصدق علينا، يمدون اليد: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ .
الفائدة السابعة والسبعون: أن الإنسان إذا رأى قريبه في ذل فإنه لا يزيد همه وذله، بل إنه يرق لحاله، ويوقف المأساة، فيوسف ما كان يريد أن يتشفى، لو كان يوسف يريد أن يتشفى كان تركهم يسألون زيادة ويتذللون، ويردهم مرة ثانية وثالثة، ويعذبهم، لكن لما رأى الحال وصل بهم إلى هذا رق لهم وأوقف المسألة، وكشف الحقيقة، وقال لهم: هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ [يوسف: 89]؟ كشف القضية، خلاص.
فإذًا، الإنسان لا يمعن في التشفي، أو يتمتع في المآسي مآسي الآخرين، فإن بعض الناس عندهم هذا الشيء.
يوسف هذه أخلاق الأنبياء، لا يمكن أن يفعل ذلك.
الفائدة الثامنة والسبعون: قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ؟! هنا الفائدة المهمة جداً : الجمع بين التقوى والصبر، وأن الله يعقب العواقب الحميدة لمن يتقي ويصبر: قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90].
الفائدة التاسعة والسبعون : أن الإنسان لا يقول: هذا المنصب بذكائي وصلت إليه، وهذه المكانة بقدراتي الجبارة.
لا، يوسف قال: أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا يعني أنا في هذا المنصب هذه من منة الله علي.
فإذاً، الإنسان لا يغتر بما وصل، مهما وصل إلى أي مرحلة ومرتبة يردها إلى الله، وأنها منة من الله: قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا اعتراف لله بالمنة.
الفائدة الثمانون: أن المسلم يراعي مشاعر إخوانه، فيوسف: قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف: 92].
الفائدة الحادية والثمانون: العفو عند المقدرة.
الفائدة الثانية والثمانون: الدعاء لمن أخطأ عليك بالمغفرة: قال: يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ، فإذا واحد ظلمك وقلت: يغفر الله لك، فلك الأجر العظيم: لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92].
الفوائد المستفادة من الآية (93 – 98) من سورة يوسف
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يوسف: 93 - 98].
الفائدة الثالثة والثمانون: معجزات الأنبياء، فإن قميص يوسف لما ألقي على وجه يعقوب رجع بصيراً، مع أنه لو أي أعمى أتيت له بقميص ولده لا يحدث هذا، فالله يخرق العادة بمعجزات للأنبياء كما حصل، هذه معجزة مشتركة ليوسف ويعقوب -عليهما السلام- بإلقاء القميص على وجه يعقوب، فيرتد بصيراً.
الفائدة الرابعة والثمانون: أن الأشياء المعنوية يحس بها الإنسان، يعني عندما يقول: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ [يوسف: (94] من أين هذه؟ هل يوسف ريحه يوجد من مصر إلى فلسطين؟ هل يمكن ريح يوسف تمشي؟
أولاً: فيه قوة خفية الله أودعها في نفوس الناس.
ثانياً: ممكن تكون معجزة ليعقوب : أن الله مكنه من شم رائحة ولده عبر هذه المسافة الطويلة جداً.
الفائدة الخامسة والثمانون: استحباب البشارة، وأن البشير يسبق الناس إلى المبشر: فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أول واحد هذا السابق الذي يسبق بالخبر السار يسمى: بشيراً، واستحباب البشارة، واستحباب المكافأة على البشارة؛ كما ورد في السنة.
الفائدة السادسة والثمانون: طلب الاستغفار من الأب عند عقوقه، طلب الاستغفار من الأب في حال عقوقه؛ فإنهم عقوا أباهم.
فما هي الكفارة؟ إذا واحد عق أباه أو عق أمه ما هي الكفارة؟
أن يقول: يا أبي استغفر لي.
هذا من كفارات العقوق؛ لأن هؤلاء: قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا .
والاعتراف بالخطأ في قوله: إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ [يوسف: 97].
الفائدة السابعة والثمانون : التماس أوقات الإجابة في الدعاء؛ لأن يعقوب ما دعا مباشرة: قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ [يوسف: 98] قال بعض المفسرين: أخر الدعاء إلى السحر، ما استغفر مباشرة، قال: سوف أستغفر، ففيه التماس أوقات الإجابة لأجل الدعاء، ولم يعجل بالدعاء لعظيم جريمتهم، وأراد أن يخلص لله الدعاء، ويتحرى ساعة الإجابة شفقة على أولاده لعل الله أن يتجاوز عنهم.
الفوائد المستفادة من الآية (99 – 100) من سورة يوسف
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف: 99 - 100].
الفائدة الثامنة والثمانون: إكرام الأبوين، وبر الأبوين؛ لأن يوسف آوى إليه أبويه، فأنزلهما عنده، وضمهما إلى مسكنه الخاص؛ مثل ما آوى إليه أخاه من أول، أولئك عندهم غرف، أنزلهم في غرف، غرف الضيوف، لكن آوى إليه أبويه عنده في مكانه الخاص.
أنت يمكن يكون عندك غرفة خاصة لك، مهيأة جيدة، مزينة، إذا جاء والدك أو والدتك تؤويهم في نفس المكان الذي أنت فيه، ولا تنزلهم في غرفة الضيف، غرفة الضيف هذه قد تكون لأي ضيف، لكن إذا أنزلتهما في مكانك الخاص هذه زيادة إكرام، وهذا ما يليق بالوالدين، البر بهما: آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ .
الفائدة التاسعة والثمانون: تطمين الخائف: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ لا خوف عليكم، مثل ما قال الرجل الصالح في قصة موسى لما جاء موسى ماذا قال له؟ واحد خائف جاء هارباً ماذا قال له؟
لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 25].
لأن هذا ما يحتاج إليه الشخص الخائف.
ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ [يوسف: 99 - 100] وهذا زيادة في الإكرام -كما تقدم-.
الفائدة التسعون: أن تأويل الرؤيا ممكن يقع بعد سنين طويلة، يعني أن الإنسان يرى رؤيا اليوم يتحقق تأويلها بعد عشرين سنة، ثلاثين سنة، وأنه لا يشترط أن الواحد إذا رأى الرؤيا اليوم غداً يقع تأويلها، ممكن يكون فارق كبير بين وقوع الرؤيا حقيقة، انطباق الرؤيا على الواقع وبين الرؤيا نفسها، أن يكون الفارق كبيراً جداً.
الفائدة الحادية والتسعون: الحفاظ على مشاعر الآخرين، وعدم جرحها وإيذائها، فإن يوسف قال: وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف: 100] يعني ما قال: بعدما ظلمني إخوتي، ما قال: من بعد ما ألقوني في الجب، يعني وضع اللوم على الشيطان، بدلاً من أن يضعه على إخوته.
لاحظ العبارة قال: مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي طبعاً هذه من مكارم الأخلاق، ومما يليق بالأنبياء، هذه أخلاق الأنبياء.
الفائدة الثانية والتسعون: الاعتراف لله بالنعم في جميع الأحوال التي يتقلب فيها الإنسان، فقد أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ يعني منة من الله علي أن جمع شمل العائلة مرة أخرى.
فإخراجي من الجب نعمة، وإخراجي من السجن نعمة، ولم شمل العائلة، وَجَاء بِكُم نعمة .
نلاحظ هنا يوسف أنه ما قال: وقد أحسن بي إذ أخرجني من الجب، وإنما قال: إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ فلماذا لم يذكر الجب؟
مراعاة لإخوانه؛ لأنه هم الذين ألقوه في الجب، فأعرض عن ذكره بالمرة.
فإذاً، أنت إذا ظلمك أحد أقربائك مثلاً فلا تقل: والحمد لله خلصنا من المشكلة التي عملها فلان، والحمد لله صارت كذا، أعرض عن هذا، اضرب عليه صفحاً، ولا تذكره، وهذا من مكارم الأخلاق، يعني الأنبياء فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90].
الفائدة الثالثة والتسعون: بيان لطف الله تعالى، أن الله لطيف، ومن أسمائه: اللطيف، وأنه يلطف بعباده، وكم لطف بيوسف فلم يجعله يموت في الجب ولم يجعله يبقى في السجن ولم يبق فقيراً ولم يبق مظلوماً، وإنما لطف به، وجمعه بأهله بعد سنين.
الفائدة الرابعة والتسعون:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما | يظنان كل الظن ألا تلاقيا |
فسبحان الذي جمع هذه الأسرة وهذا البيت بعد هذه المدة الطويلة.
الفوائد المستفادة من الآية (101 – 102) من سورة يوسف
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف: 101 - 102].
الفائدة الخامسة والتسعون: أن الإنسان المسلم إذا اكتملت له نعم الله؛ فإنه يسأل الله الوفاة على الإسلام، إذا اكتملت له نعم الله، وتم له ما يريد، بقي أن يهتم جداً بالخاتمة، وهي الوفاة على الإسلام.
ولذلك لما رأى يوسف كل ما يريده تحقق، العزة في الدنيا تحققت، والملك صار إليه والمكانة والغنى، واجتماع الأهل، ومجيء الأبوين تحقق، كل ما يريد، ماذا قال؟
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ هذه منة وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ واجتمع الأهل، وحصل كل ما يريد، ما الدعاء؟
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ .
فإذاً، إذا نلت كل ما تتمنى في الدنيا بقي شيء مهم جداً أن تناله وهو: أن تخرج منها على ما يرضي الله: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ .
والصالحون فيهم الأنبياء الذين مضوا قبله.
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ هم الرفيق الأعلى، كما قال الله: فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69].
ولذلك النبي ﷺ لما نزل به الموت، لما جاء ملك الموت، خير يبقى في الدنيا أو يلتحق بالرفيق الأعلى، قال: بل الرفيق الأعلى [ رواه البخاري (4463) ومسلم (2444)] ورحل.
من هو الرفيق الأعلى؟
هؤلاء: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وحسن أولئك رفيقاً.
هذا الرفيق الأعلى.
الأعلى؛ لأنهم عند الله، الشهداء عند ربهم، عند الله.
نكتفي بهذا..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.