عدم الصلاة بدون ستر العاتقين
يجب أن تلبس تحت ثياب السلك هذه الشفافة شيئاً آخر، طويلاً يستر العورة، ففي الصيف يلبس كثير من الإخوان قمصان الشيال، ويلبسون فوق هذه القمصان الثياب الشفافة، فيظهر الكتف تحت الثوب السلك الشفاف، والرسول ﷺ يقول: لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء [رواه البخاري: 359، ومسلم: 516] فالذي يصلي ولابس القميص الشيال وما هو لابس تحته قميص يستر الكتف فإنه قد فعل أمراً محظوراً؛ لأن الرسول ﷺ يقول: لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء فيجب أن يستر كذلك هذا الكتف عند الصلاة، إما بأن يلبس قميصاً أسفل من الثوب الشفاف أو أن يضع على كتفه مثل الفوطة أو مثل شيء يستر الكتفين ثم يصلي.
التواضع للعلماء
الفائدة السابعة عشرة: التواضع للعلماء: أخرج الإمام أحمد والحاكم من طريق صحيح، عن صفوان بن المعطل السلمي أنه سأل النبي ﷺ فقال: يا نبي الله إني أسألك عما أنت به عالم وأنا به جاهل من الليل والنهار ساعة تكره فيها الصلاة؟ فقال ﷺ: فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان إلخ الحديث [رواه مسلم: 612].
فانظر إلى تواضع هذا الصحابي الذي لما جاء يسأل الرسول ﷺ قال: يا نبي الله إني أسألك عما أنت به عالم وأنا به جاهل من الليل والنهار ساعة تكره فيها الصلاة؟ فأجابه الرسول ﷺ.
قارن بين حال هذا الرجل وبين حال كثير من الذين يدعون طلب العلم الذين إذا جلسوا مع العلماء أخذوا يجادلونهم ويرفعون عليهم أصواتهم ويقطعون عليهم كلامهم ولا يتأدبون معهم، بل كأنه لسان حاله يقول: أنا أعلم أكثر مما تعلم أو أنا لا أقل عنك علماً.
فينبغي التواضع بالصيغ، بعض العلماء لا يسلسون قيادهم لك إلا إذا لنت له بالقول، وهذا وارد عن بعض السلف، قيل لبعض السلف: كيف أخذت العلم عن فلان وفتح لك ما عنده وهو ما يعطي الناس إلا بالقوة؟ فقال كلاماً معناه: إني لنت له بالكلام، وأذللت نفسي له حتى فتح لي ما لديه.
فكثير من العلماء لا يعرضون علمهم على الناس، بل إنهم يجلسون في بيوتهم، ولا نقول أن فعلهم صحيح، لكن كيف السبيل إلى قلوبهم؟ كيف السبيل لاستخراج علومهم؟
بمثل هذا الكلام: "أسألك عما أنت به عالم وأنا به جاهل".
السترة للصلاة
الفائدة الثامنة عشرة: تتعلق بالسترة.
الرسول ﷺ أمر باتخاذ السترة، فما فائدة اتخاذ السترة؟ وأمر بالدنو من السترة، فما فائدة الدنو من السترة؟
حتى لا يقطع الشيطان صلاته.
هذه فائدة مهمة يجهلها كثير من الذين يضعون السترة، والذين لا يضعون السترة من باب أولى، وقد وردت في حديث صحيح: أن الرسول ﷺ أمر باتخاذ السترة، وقال للمصلي آمراً إياه أن يتخذ السترة مبيناً لفائدتها: لا يقطع الشيطان عليه صلاته.
فإذاً، قضية اتخاذ السترة ليست من أجل الناس فقط؛ لأن الناس ما يمرون بينك وبين السترة ولا يشوشون عليك ولا ينقصون من أجرك، ولا يقعون في المحرم.
القضية أبعد من ذلك حتى لا يقطع الشيطان عليك الصلاة ويوسوس لك فيها.
وكذلك: الدنو منها، يقول ﷺ في الحديث الصحيح: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته [رواه أبو داود: 695، والنسائي: 748، وأحمد: 16090، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 782] يعني الدنو من السترة من فوائده منع الشيطان من المرور بينك وبين السترة.
أما إذا كانت بعيدة عنك يعني أبعد مما ورد في الأحاديث الدالة على السترة ومكان وضعها فإنك معرض؛ لأن يمر الشيطان بينك وبين السترة.
فاحرص على الدنو منها ووضعها في الموضع الذي أخبر به الرسول ﷺ بين قدميك وبين السترة ثلاثة أذرع بذراع المصلي تقديرياً، وبين موقع السجود والسترة ممر شاة.
وهذه من أسباب الخشوع، بعض الناس يقول: ما أخشع، وما أخشع، وتنظر فيه، بالإضافة إلى الالتهاء والسرحان، فهو لا يرص الصف، ويجد الشياطين تتخلل الصف بينه ويبن زميله الذي جنبه، ولا يضع ستره والشيطان يقطع صلاته رايح جاي، ولا يدنو منها، ثم يقول: ما أخشع.
فيجب اتخاذ الأسباب، وهذا من الأسباب.
ارتفاع السترة قدر شبرين كما ورد في بعض الآثار الآن ما يحضرني صحته فيكون ارتفاعها قدر شبرين.
ولو إنسان دخل في مسجد ما فيه أعمدة، والحيطان ما يمكن استخدامها لسبب من الأسباب، فأخذ مثلاً العقال وفتحه وجعله مرتفعاً على الأرض وصلى فلا بأس، يعني يفعل قدر الاستطاعة، أعلى شيء ممكن يضعه ويصلي وراءه، يضع شيئاً ويصلي وراءه.
كيفية رد السلام المتعدد
هذا الحديث في كيفية رد السلام المتعدد، كيف يرد الإنسان سلاماً متعدداً، عدة سلامات وراء بعض، حديث صحيح عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال: طلبت النبي ﷺ فلم أقدر عليه" يعني بحثت عنه ما استطعت أصل إليه، "فجلست، فإذا نفر هو فيهم ولا أعرفه، وهو يصلح بينهم، فلما فرغ قام معه بعضهم، فقالوا: يا رسول الله، فلما رأيت ذلك، عرف الآن الرسولـ لما قال الناس: يا رسول الله، عرف أن هذا هو رسول الله، "قلت: عليك السلام يا رسول الله، عليك السلام يا رسول الله، عليك السلام يا رسول الله، قال: إن عليك السلام تحية الموتى ما تقول عليك السلام، وإنما تقول: السلام عليكم، "ثم أقبل علي، فقال: إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم رد علي النبي ﷺ قال: وعليك ورحمة الله، وعليك ورحمة، وعليك ورحمة الله [رواه الترمذي: 2721]
انظر إلى هذا الأسلوب في التعليم:
أولاً: أرشده إلى الخطأ، قال لا تقل عليك السلام، عليك السلام، تحية الموتى.
هل هذا يكفي؟ لا.
ثانياً: علمه الصواب، قال: إذا لقي الرجل أخاه المسلم، فليقل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ثالثاً: ما نسي رد السلام عليه، فقال له ردوداً بعدد ما ألقى عليه من السلام فلما كان الرجل ألقى عليه ثلاث سلامات متوالية، كم مرة رد عليه الرسول ﷺ؟
ثلاث ردود متوالية، فقال: وعليك ورحمة الله، وعليك ورحمة الله، وعليك ورحمة الله .
وفيها فائدة أخرى: أن من صيغ الرد: وعليك ورحمة الله.
كما أن من صيغ الرد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله، وعليك السلام أيضاً، وعليكم ورحمة الله من صيغ رد السلام.
استئمار النساء في الزواج ووجوبه
هذه فائدة تتعلق باستئمار النساء في الزواج ووجوبه، وأنه لا بد منه، قال بعضهم: لا بد منه لصحة الزواج، قال ﷺ: أشيروا على النساء في أنفسهن فقال بعض الناس: إن البكر تستحيي يا رسول الله؟ يعني لو سألناها: تريدين فلاناً تستحي ماذا تقول تسكت؟ قال الرسول ﷺ: الثيب تعرب عن نفسها بلسانها التي تزوجت من قبل، الثيب تعرب عن نفسها بلسانها، يعني هذا الحياء من الكلام غالباً قد زال، والبكر رضاها صماتها .
أما البكر فإذا صمتت إذا قيل لها: ترغبين بفلان؟ فصمتت، فهذا يعتبر منها موافقة، سكوتها يعتبر رضا منها؛ لأنها لو ما كانت تريد كانت تعترض، وتقول: لا، أو لا أريده.
فلا بد من تستأمر المرأة.
وفي هذا حديث عجيب، قصة وقعت لابن عمر -رضي الله عنهما- تدل على عظم ومقدار ومكانة الاستئمار، قال ابن عمر وهي قصة صحيحة: "توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارث بن الأوقص، قال: وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خاليا" يعني وصى ببنته، قال: هذه أنت اهتم بأمرها وتعتني بها إذا أنا مت، تقوم على أمرها وتزوجها، قال: فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون، جاء عبد الله بن عمر وقال لقدامة بن مظعون: زوجني البنت بنت عثمان التي عندك التي أنت قائم على أمرها؟ قال: فزوجنيها، بدون أن يستأمر البنت زوجه إياها، فدخل أحد الناس على أمها، على أم البنت، فأرغبها في المال، الآن خلاص انعقد العقد لابن عمر، لكن الغالب أنه ما دخل بها، انعقد العقد لابن عمر، وجاء واحد من الناس لأم البنت فأرغبها بالمال، قال لها: زوجوني بنتك وأعطيك فحطت إليه، يعني مالت إلى الرجل هذا الذي أعطاهم المال، وحطت الجارية إلى هوى أمها، وكثير من البنات في هذه القضايا يتبعون الأم، وهذه مسألة ما هي دائما صحيحة، كثير من الأحيان الأم تهوى واحد لتأخذها العاطفة وإلا تأخذها الاغترار بالمظهر، فتميل لرجل لزين منظره وإلا لكثره ماله وإلا لعلو مركزه ومنصبه، فتقول: هذه يا بنتي فلان، ترغبها، ولا يكون الأمر صحيحاً ولا في مصلحة البنت أبداً، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبيا، البنت والأم قالتا: لا، ما نبغى ابن عمر، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله ﷺ، فقال قدامة بن مظعون اللي زوج ابن عمر قال: يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إليّ فزوجتها ابن عمتها عبد الله بن عمر، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة، يعني ولاني أمرها وزوجتها ابن عمر، ما قصرت فيها في الصلاح، معروف صلاح ابن عمر، ولا في الكفاءة معروف نسب عبد الله بن عمر هو كفء ومقدرته وعلمه، ومن الميزات التي عنده، ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها، فقال رسول الله ﷺ: هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها قال عبد الله بن عمر: فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها، فزوجوها الرجل الآخر.
تصور إلى أي حد، فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها فلان الذي تقدم إليها.
فلان الآخر أحد الصحابة، وربما كان أخطأ أو ما علم بأن ابن عمر تقدم أو كذا، وهو إنسان أيضاً صالح، الرسول ﷺ ما قال لهم: أعطوها لفلان لو كان فاسقاً، لا، لكن يبين أن الواجب استئمار البنت.
انظر كيف فسخ الرسول ﷺ النكاح، يقول ابن عمر: فانتزعت والله مني، أخذت أخذاً، بعد أن ملكتها، فزوجوها إلى الرجل الآخر.
هذا يبين أهمية الاستئمار في النكاح.
ماذا تفعل إذا سمعت صوتاً ولم تر صاحب الصوت؟
هذه الفائدة تتعلق بمسألة كان أحد الإخوان قد سألني عنها ولكن ما كان عندي جواب في تلك اللحظة ثم بعد ذلك هداني الله إلى جواب لهذه المسألة، يقول هذا الأخ: إني ذهبت إلى المقبرة لأزور قبر أبي فسمعت واحداً يناديني باسمي، فتلفت فما رأيت شيئاً، فخفت، واحد يناديني وما أرى شيئاً، ما أعرف مصدر النداء ولا رأيت أحداً، فقال: فماذا أفعل؟ يعني قال: يمكن أنا سبيته، لعنت مصدر الشخص هذا لأني خايف.. فماذا يفعل الإنسان في مثل هذه الحالة؟
نحن نعلم أن الجن هم أحد الثقلين والله خلقهم، هم موجودون معنا، قد يشاطروننا في المسكن، ويكونون بينا، بالتأكيد هم لا شك في وجودهم، وقد يقومون بتصرفات يقوم بها بعض فسقتهم، أو قد يكون بعض صالحيهم بغير علم بتصرفات تؤذي الآدميين، فلذلك الرسول ﷺ أمر بذكر الله والتعوذ بالمعوذات وأذكار الصباح والمساء وأذكار النوم، وإلى آخره، وقبل الطعام وقبل دخول الخلاء من أجل أن يحفظ الإنسان نفسه من الشرور والآفات التي منها هذه التصرفات التي تصدر من فسقة الجن، فورد حديث في صحيح الإمام مسلم في نفس هذه الحادثة، يقول الحديث عن سهيل قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة، قال: ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، قال: وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئاً، فذكرت ذلك لأبي، فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك! ولكن إذا سمعت صوتاً فناد بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص [رواه مسلم: 389].
فما هو العلاج الآن؟ لو وقعت في مثل هذه الحالة؟
أن تؤذن أذانا كاملًا، فإذا أنت أذنت أذانا كاملًا انصرف ذلك الشيطان الذي ينادي عليك ويريد أن يخيفك ويرعبك بأن يصدر لك نداء من غير مصدر أنت تراه وتتعرف إليه، وتسكن نفسك إليه.
فالعلاج إذاً أن تؤذن؛ لأن الرسول ﷺ يقول: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص [رواه مسلم: 389].
ما هو معنى الحصاص؟
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الأثر والحديث":
"قيل معناه شدة العدو وحدته" يعني إذا سمع بالأذان يقوم يولي مسرعاً.
وقيل: "معناه يمصع بذنبه ويصر بأذنيه ويعدو.
وقيل: معناه الضراط" [النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/396]؛ لأنه ورد في حديث صحيح: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين [رواه البخاري: 608، ومسلم: 389].
فهذا إذاً علاج هذه الحالة.
تصوروا -أيها الإخوة- هذه القواعد الدقيقة الفرعية التي يمكن لا تحدث في عمر الإنسان إلا مرة أو تحدث لغيره ولا تحدث له يوجد لها حل لمن تذكر في نصوص الشريعة.
هذا الصحابي لما فكر في هذا النص أوصى ابنه بهذا إذا حصلت له حالة أن يؤذن الأذان الكامل.
بعض الأحاديث الضعيفة المروية على ألسنة الناس
هناك حديث يروى على ألسنة الناس، يقولون: إن الرسول ﷺ يقول: أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك. مشهور بين الناس.
هذا الحديث لما حققه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله- وجد أن هذا الحديث لا أصل له، أو ليس له هناك لفظ مثل هذا،هذا اللفظ غير معروف، ثم أنه اطلع من قبل بعض طلبة العلم على سند لهذا الحديث بهذا اللفظ، بلفظ: "كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك".
ثم أنه لما حقق في هذا السند وجد أن هذا السند ضعيف أيضاً لعلل فيه:
أحدها: الإرسال.
والثاني: سوء حفظ أحد رواته.
لكن هناك حديث صحيح يغني عنه، هذا الحديث الصحيح هو حديث سهل بن الحنظلية الذي رواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد صحيح، عن سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله ﷺ يوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية، فحضرت الصلاة عند رسول الله ﷺ، فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشاءهم اجتمعوا إلى حنين؟ فتبسم رسول الله ﷺ وقال يعني متفائلاً: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله -تعالى- ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ المشركون جيش كبير، وجيش المسلمين يريد أن يستريح وينام، فقال الرسول ﷺ: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: ((فاركب)) فركب فرساً له فجاء إلى رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ : استقبل هذا الشعب دله على شعب قال: استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة ماذا يعني نغرن؟ يعني نؤتى على حين غرة من قبلك، يعني تنام أنت وإلا شيء يقوم يجينا الجيش، لا، ثم قال: فلما أصبحنا خرج رسول الله ﷺ إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ فيه خبر عن الفارس؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثوب بالصلاة فجعل رسول الله ﷺ وهو يصلي يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا فقد جاءكم فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء، الرسول أخبر به قبل أن يأتي فإذا هو قد جاء، حتى وقف على رسول الله ﷺ فسلم، فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله ﷺ، فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحداً، يعني وقفت في المكان اللي قال لي رسول الله ﷺ حتى الصباح؛ لأن الرسول ﷺ قال: استقبل هذا الشعب، هذا بالذات من دونه من الشعاب، حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة، يعني طول الليلة هذه تجلس في الشعب هذا، فلما أصبحت، لماذا تأخر الصحابي؟ لأنه وقف في ذلك الشعب حتى أصبح، فلما أصبح كان فيه شعب آخر فأراد الصحابي أن يستجلي أمر ذلك الشعب، ما راح في الليل؛ لأن الرسول أمره أن يرابط في هذا الشعب في الليل ما راح للشعب الآخر، فلما جاء الصباح ذهب إلى الشعب، قال: فنظرت فلم أر أحداً، فقال له رسول الله ﷺ: هل نزلت الليلة؟ قال: لا إلا مصليا أو قاضياً حاجة، شيء اضطراري، فقال رسول الله ﷺ: قد أوجبت فلا عليك ألا تعمل بعدها [رواه أبو داود: 2501، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 2259].
قد أوجبت قال في "عون المعبود": أي عملت عملاً يوجب لك الجنة.
الرسول ﷺ لما يشهد لواحد مثل هذا والله يوحي إليه بأن يشهد لهذا الرجل بالجنة، الله يعلم بأن هذا الرجل صالح، ولن يتواكل على هذا ويدع العمل.
وبالفعل كثير من الصحابة الذين شهد لهم بالجنة ظلوا يعملون الأعمال الصالحة حتى آخر لحظة من حياتهم، ما هو مثل بعض الناس اليوم لو أنه قيل له: أنت في الجنة، وإلا حتى لو ما قيل له، لو وعد بالوعود، يا أخي أنت ما دام تصلي الحمد لله أنت بخير، هذا خلاص يجعله يستكين ويترك الأعمال الصالحة، الحمد لله، وهو ما عنده ضمان.
وهؤلاء الصحابة الذين عندهم ضمان ما تركوا الأعمال الصالحة حتى آخر لحظة من حياتهم.
فانظروا في هذا الحديث، المسلمون اعتبروا بقصة أحد، قصة أحد لما ترك الرماة مواقعهم اعتبروا، هذا الرجل ما ترك موقعه أبداً، وظل يحرس المسلمين، واحد يحرس المسلمين ما نام أبداً حتى الصباح، وبعدين في الصباح ذهب فأكمل مهمة أخرى كان يريد أن يعرفها.
الجمع بين الصلاتين والإنسان مقيم في المدينة
فائدة تتعلق بالجمع بين الصلاتين والإنسان مقيم في المدينة، هذا أمر غريب يبدو، يقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح: إذا حضر أحدكم الأمر الذي يخاف فوته فليصل هذه الصلاة [رواه النسائي: 588، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1370] يعني الجمع بين الصلاتين.
وقد سألت الشيخ ابن عثيمين عن هذا الحديث فقال: إذا كان تفويت الأمر فيه مشقة شديدة على الإنسان فلا بأس أن يجمع بين الصلاتين، يعني مثلا في صلاة المغرب والعشاء حدثت لك حادثة وقت صلاة المغرب، إذا فوت الأمر الذي في هذه الحادثة سيترتب عليك مشقة عظيمة، فيجوز لك أن تجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير تصليها مع العشاء، أو جمع تقديم حسب الحال، حتى لو كنت مقيماً في المدينة، أضرب مثالاً: واحد عندهم أحد في البيت في حالة خطرة وقت المغرب، فجلس يأخذه ويدور فيه على المستشفيات، أو واحد الآن زوجته تلد لو ما أوقفها على جنب من أجل أن يصلي المغرب ماذا يحدث؟ ضرر عظيم، قد يقتل الجنين، قد أن هذا المريض أو في حالة خطرة يموت، فعند ذلك يكمل ويروح فيه إلى المستشفيات ويلف ويذهب حتى يجد المكان الذي يطمئن فيه المريض ويضعه حتى لو خرج وقت المغرب ثم يصلي المغرب والعشاء، فكما قال الشيخ هذا يحمل على إذا ما كان الأمر فيه مشقة عظيمة إذا فات أمر فيه مشقة عظيمة للإنسان فيجوز له أن يلجأ لهذا الجمع، ولو كان مقيماً في المدينة.
ليس هذا هو الحديث الوحيد في هذا الباب، وإنما هناك حديث في البخاري وغيره، قال البخاري -رحمه الله- في "باب تأخير الظهر إلى العصر" [صحيح البخاري: 1/114]، وساق بإسناده إلى ابن عباس: أن النبي ﷺ: "صلى بالمدينة سبعاً أو ثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء" [رواه البخاري: 543] يعني صلى سبع أو ثمان أيام والرسول يصلي في المدينة الظهر والعصر مع بعض، والمغرب والعشاء مع بعض.
فلما ابن حجر شرح الحديث قال: قال بعض العلماء: جمع لمرض، قال: ولكن جاء في مسلم: أنه جمع من غير خوف ولا مطر.
وبعض العلماء قال: جمع جمعاً صورياً.
كيف الجمع الصوري؟
يعني انتظر إلى آخر وقت الظهر وقام صلى الظهر، وبعدين دخل العصر وقام صلى العصر.
ولكن هذا كلام غير مقبول في الواقع، يعني هذا كلام من الذي الآن يستطيع أن يطبق هذا العمل كما يقول الشيخ ابن عثيمين: حط عصاك وانتظر حتى ما يبقى من الظل إلا هذا في وقت صلاة الظهر إلا مقدار أربع ركعات، وماذا يدريه أن هذا الذي بقى؟
الرسولﷺ أكيد ما جلس يفعل هذا.
فإذاً، قضية الجمع الصوري مع أن ابن حجر قد رجحها إلا أنها بعيدة، فلذلك تعقب عليه الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على "فتح الباري"، فقال: هذا الجمع ضعيف، الذي هو الجمع الصوري، والصواب حمل الحديث المذكور على أنه ﷺ جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم بالذات، من مرض غالب، مثلا وباء انتشر في المدينة، أو برد شديد، أو وحل، أو غير ذلك.
ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع، قال: "أراد أن لا يحرج أمته" [رواه مسلم: 705].
قال الشيخ ابن باز: وهذا جواب عظيم سديد شاف.
فمعنى كذا لو وقع الإنسان في مسألة فيها إحراج شديد جداً مثلا: زوجته الآن تضع، أو هو مثلاً يودي واحداً في حالة خطيرة، فهل يترك هذا الرجل من أجل أن يصلي المغرب؟
نقول له: لا، يا أخي يجوز لك أن تجمع.
وليس أن يستجيز الجمع دائماً كما يفعله بعض أهل الباطل.
إنما يجمع في هذه الحالة التي فيها حرج شديد.
ولذلك عنون الشيخ ناصر في "السلسلة الصحيحة" على الحديث الذي أوردته سابقاً: "جمع المقيم بين الصلاتين للحاجة".
علة النهي عن المشي في نعل واحدة
وهذه مسألة تتعلق بالمشي في نعل واحدة.
سبق في أحد الدروس بعنوان: "وقاية المؤمنين من همزات الشياطين" أنني تكلمت عن بعض الأشياء التي هي من فعل الشيطان، والتي نهينا عن فعلها؛ مثل قول الله : وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة: 208]، وعدم اتباع سبيل الشيطان، والنهي عن التشبه بالشيطان، فأوردت فيه مسألة: النهي عن المشي بنعل واحدة، وأن الرسول ﷺ نهى عن المشي في نعل واحدة، ولكنني لم أورد السبب؛ لأني كنت أذكر أن في حديث صحيح: أن الشيطان يمشي في نعل واحدة، لكن ما استطعت الوصول إلى المصدر في ذلك الوقت، ثم هداني الله -تعالى- لمكان هذا الحديث في "السلسلة الصحيحة" المجلد الأول: أن الرسول ﷺ قال: إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة .
فالآن عرف السبب الذي من أجله نهى الرسول ﷺ عن المشي في النعل الواحدة، لماذا؟
قال بعض العلماء: حتى لا تختل مشيته.
وقال بعضهم: حتى لا يظن بعض الناس أنه مشوه، وأن فيه رجل أقصر من رجل، إلخ...
لكن السبب الذي نص عليه في الحديث: إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة.
ما في مانع تكون في حكم أخرى مثل أنه يظن فيه أنه مشوه في الخلقة، أو عدم العدل بين رجليه، أو أن ذلك قد يسبب تعثر المشية، لكن السبب الأصلي ماذا؟
أن الشيطان يمشي في نعل واحدة، هكذا يمشي الشيطان.
نحن ما رأيناه، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار.
الإصابة بالعين
هذه مسألة تتعلق بالعين، وأنها تحدث من الصديق، وماذا يفعل الإنسان إذا رأى من أخيه المسلم شيئاً أعجبه سواء نظرت إلى حاجة في مال أخيك المسلم أو نظرت إلى شيء في ولده وأعجبك الولد أو أعجبك المال أو أعجبك منظر هذا الأخ، ماذا تفعل حتى لا تصيبه بالعين؟
يقول الرسول ﷺ: إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله حتى من نفسه إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله هو الشخصي، أو من أخيه من مال أخيه أو من شيء عند أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 23594، وأبو يعلى: 7195، وابن السني في عمل اليوم والليلة: 205، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 556] هذا يدل على أن الإنسان ممكن يصيب نفسه بالعين، وممكن يصيب ولده بالعين، وممكن يصيب ماله بالعين، وممكن يصيب زوجته بالعين، وممكن يصيب بيته بالعين، فينهدم، العين حق، وممكن يصيب صديقه بالعين، وممكن يصيب أخاه، سواء أخاه في النسب أو أخاه في الإسلام يصيبه بالعين، معروف الحديث الصحابي الذي أصاب بعينه صحابياً آخر، وبهذا استدل العلماء على أن العين تصيب حتى من الصديق، ما هو لازم تكون من العدو حتى من الصديق.
-طيب- ما هو العلاج؟
أنا أدخل بيوت إخواني كثيراً وأرى واحداً له ولد ظريف، وواحداً أرى في بيته شيئاً جميلاً، وواحداً أرى عليه ثوباً وهنداماً طيباً، وأخشى أن أصيبهم بالعين، ماذا أفعل؟ ما هو العلاج؟
العوام عندهم شيء له أصل صحيح، يقول: ما شاء الله تبارك الله، إذا رأى شيئاً قال: ما شاء الله تبارك الله، هذا نعم هذا صحيح وردت به السنة؛ لأن الرسول ﷺ يقول: إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فإن العين حق [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 23594، وأبو يعلى: 7195، وابن السني في عمل اليوم والليلة: 205، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 556].
ثبات الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الحق
آخر فائدة، هناك حديث مشهور عند الناس فيه ثبات الرسول ﷺ وفي جلده وثباته على الحق: أن الرسول ﷺ لما جاؤوا قريش، قالوا لأبي طالب: إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإلا لا نصبر على هذا من شتم آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين؟ فأبو طالب دعا الرسول ﷺ، وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا، فأبق علي وعلى نفسك، فقال الرسول ﷺ: يا عمي والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته هذا الحديث سنده ضعيف، لماذا؟
لأن ابن إسحاق روى هذا الحديث معضلًا، يعني سقط منه رجلان من الإسناد، ولا يعلم من هما الرجلان، فلذلك هذا الحديث غير صحيح، لا يثبت، مع أنه منتشر على الألسنة ، لكن هذا ليس حجة على أن الحديث صحيح، الشريعة حجة على البشر وليس البشر حجة على الشريعة.
وكونه منتشر عند الناس ما يعني أنه صحيح لأن كثيراً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة منتشرة على الألسنة.
فإذاً، لا بد من التنبيه والتنبه إلى أن هذا الحديث ضعيف.
هل هنالك حديث صحيح في موضوعه؟
الجواب: نعم والحمد لله، ففي "السلسلة الصحيحة" رقم واحد روى أبو جعفر البختري من حديث أبي الفضل أحمد بن ملاعب وابن عساكر من طريق أبي يعلى وغيره كلاهما عن يونس بن بكير إلى عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: أرأيت أحمد؟! يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل ائتني بمحمد؟ فذهبت فأتيته به، فقال: يا ابن أخي إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مسجدهم، فانته عن ذلك، فلحظ رسول اللهﷺ ببصره، وفي رواية: فحلق رسول الله ﷺ ببصره إلى السماء، فقال: ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تشعلوا لي منها شعلة" [رواه أبو يعلى في مسنده: 6804، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 92] يعني الشمس، ليبين استحالة ترك أمر الدعوة إلى الله، وإبلاغ الناس وتعليمهم التوحيد، فقال رسول الله ﷺ بعد أن نظر إلى السماء، قال: "ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك أو بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تشعلوا لي منها شعلة" يعني الشمس. هذا إسناد صحيح رجاله كلهم رجال مسلم، وفي يونس بن بكير وطلحة بن يحيى كلام لا يضر، فالحديث حسن، والحمد لله.
هذا حديث وجد في هذا الموضوع فيغني، وفي الصحيح عن الرسول ﷺ ما يغني عن الضعيف.
والمعذرة على الاطالة.
وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بهذه الفوائد، وأن يغفر لنا خطأنا وعمدنا وجدنا وهزلنا.