إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
مقدمة
أيتها المستمعات المسلمات: السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، ونحن في هذا اللقاء من وراء حجاب مع موضوع بعنوان: "عبادة المرأة المسلمة في رمضان"، وقبل أن نتكلم عن جوانب بهذه العبادة في رمضان أود أن أقول في بداية هذا الكلام أن شهر رمضان لهذه السنة قد جاء بعد ظروف عصيبة، وأيام شديدة مرت علينا، وإن مجيء هذا الشهر بعد هذه المحنة مباشرة، وبعد انقضاء هذه الأيام العصيبة له مدلولات معينة، وإن طعم هذا الشهر شهر الصوم بعد هذه الفتنة طعمه يختلف عن الرمضانات الماضية.
أيتها المسلمات: ينبغي أن نتعلم من مجيء هذا الشهر مباشرة بعد الأزمة أن نتعلم شكر الله على ما منّ به علينا من السلامة، وعلى ما منّ به علينا من زوال الخوف الذي سلطه علينا في الأيام الماضيات، ونتعلم بأن نعم الله يجب أن تُشكر، وأن كفران النعم يؤدي إلى مثل ما أدت إليه الأحداث الماضية، وإنما حلّ بأقوام من حولنا من المصائب العظيمة لهو دليل على أن نقمة الله تحل بالمكذبين والكافرين بنعمته ، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [سورة النحل:112].
وهذا الشهر شهر الصوم شهر تضرّع إلى الله، ورغبة إليه، فكيف إذا كان بالإضافة للصوم، وبالإضافة لما ينبغي أن يكون في هذا الشهر من التضرع، كيف إذا كان الأمر يوجب تضرعاً خاصاً آخر مما حصل، ومن نتيجة ما جرى، فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [سورة الأنعام:43]، فينبغي أن تكون العبادة في هذا الشهر وشكر النعمة فيه أعلى بكثير من الأشهر الماضية، لأن الله قد هز القلوب، ولأن الله قد ابتلى، ولأن الله قد أحل بأقوام من الكافرين بنعمته وبأقوام من الظلمة قد أحل بهم أنواعاً من نقمته، ونحن ينبغي أن نخاف الله في أن يصيبنا مثل ما أصابهم أو أشد.
أيتها المسلمات: إن موسم العبادة هذا عندما يأتي في هذا الوقت بعد هذه المصيبة التي حصلت والتي لا زالت آثارها تتتابع حتى الآن، إننا نتعلم من خلال هذا أن الله يبلونا بالشر كما يبلونا بالخير فينظر كيف نعمل، فلذلك إذا كنا نتوب إلى الله في رمضان في الرمضانات الماضية، فإن توبتنا في هذا الشهر ينبغي أن تكون أكثر، وإذا كنا نعبد الله في الرمضانات الماضية ونقوم، فإن قيامنا وعبادتنا ينبغي أن تكون أكثر، وهكذا.
عبادة المرأة بإخلاصها لله
ومن أوجه عبودية المرأة المسلمة التي تتمثل في حياة المرأة المسلمة في شهر الصيام: أنها تتعلم الإخلاص لله كما قال الله في الحديث القدسي: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به[1].
وقال: يدع طعامه من أجلي، وشرابه من أجلي، ويدع شهوته من أجلي[2].
فإذن، تتعلم المرأة أن تحفظ هذا السر الذي بينها وبين الله بالابتعاد عن هذه المفطرات، وأن ترعى الأمانة والعهد الذي بينها وبين الله في إكمال هذا الصوم من الفجر إلى الغروب، ولا تنقض عهد الله بأي نوع من أنواع المفطرات التي يمكن أن تفسد الصوم، وكذلك فإن تعلم هذا الإخلاص من شهر الصوم وشهر الصبر ينعكس على الأعمال الأخرى التي لا بد أن يبتغى فيها وجه الله سواء كانت هذه الأعمال دعوة أو طلب علم أو أعمالاً خيرية ونحو ذلك.
عبادة المرأة المسلمة بتعلمها الأحكام الفقهية
ومن الأمور المستلزمة للعبادة في رمضان: أن تتعلم المرأة الأحكام الفقهية التي لا تستقيم عبادتها إلا بها خصوصاً في هذا الشهر وهذه المناسبة التي تجتمع فيها أحكام كثيرة، وخصوصاً بالنسبة للمرأة المسلمة فهي لا بد أن تتعلم من أحكام الحيض ما تعلم به متى يجب عليها أن تصوم، ومتى يجب عليها أن تفطر، ومتى تطهر ، أو إذا انقطع الدم أن تحتشي بشيء إذا خرج نظيفاً، تعلم أنها قد طهرت بذلك، وكذلك أن تعلم الفرق بين الحيض والاستحاضة، وأن ما زاد عن خمسة عشر يوماً من العادة فإنه استحاضة، وأحكام النفاس، وأنه لا حد لأقله، فلو أنها طهرت بعد عشرين يوماً من الولادة فإنها تبدأ في الصيام إذا كانت في رمضان مثلاً، وكذلك لا يزيد عن أربعين يوماً على القول الراجح، فإذا انتهت الأربعين، وكان نهاية الأربعين في رمضان فإنها تغتسل وتصوم، وينبغي عليها أن تعلم أحكام النية، وأنها ينبغي أن تبيت نية الصيام من الليل ولو قبل الفجر بلحظة إذا طهرت قبل الفجر أن تنوي لكي تأتي بالصوم عبادة صحيحة، وتبدأ به كما أمر الله، قال عليه الصلاة والسلام: لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل[3].
وكذلك فإنها ينبغي أن تتعلم –مثلاً- هل ماذا يجب عليها أن تفعل إذا حاضت أثناء اليوم، وماذا يجب عليها أن تفعل إذا طهرت أثناء اليوم من رمضان، وكذلك فإنها لا بد أن تعلم مثلاً أنه لو كانت تتوقع الحيض في اليوم القادم فلا يجوز لها أن تنوي الإفطار غداً؛ لأن الحيض قد يتأخر، فتكون لم تبيت النية فتقع في إشكال كبير، فينبغي عليها أن لا تقطع نية الصوم؛ حتى ترى الدم فتعلم أن الصيام قد بطل، وأنها الآن يجب عليها أن تفطر، وقد ذكرنا طائفة كثيرة من أحكام الصيام في محاضرة بعنوان: "خلاصات في أحكام الصيام" يمكن الرجوع إليه إذا شاءت المرأة المزيد.
وكذلك فإن من العبودية في هذا الشهر أن تعلم المرأة أنها تأتمر بأوامر الله ورسوله في الصوم والإفطار، فإذا قال الله لها صومي فتصوم، وإذا قال الله لها أفطري فتفطر، وإذا حاضت -مثلاً- فإن الصيام يبطل، ولها الأجر على ما مضى من الصيام، ولم تذهب القضية هباء منثوراً فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، ومن الإحسان أن تصوم، فإذا نزل عليه الدم أثناء النهار تفطر، وبذلك فإنها تؤجر على الإحسان في عملها، وبطلان الصوم شيء، وبطلان الأجر شيء آخر، فلا ينبغي عليها أن تخلط بين هذا وهذا؛ خصوصاً وأن بعض النساء يشعرن بالضيق من مجيء العادة الشهرية أثناء شهر الصوم، وقد تلوم إحداهن نفسها، أو تندب حظها وتقول: يا ليت هذه العادة لم تكن، أو لماذا كانت، ونحو ذلك، ولماذا لا أكون مثل الرجل الذي يصوم الشهر كله وأنا أضطر للإفطار ثم أقضي؟ فنقول: إن من أنواع الرضا بالقضاء الرضا بالقضاء الشرعي، والله قد قدّر على المرأة أن تحيض، وأوجب عليها أن تفطر، وأوجب عليها أن تقضي بعد ذلك، ورضي لها بهذا ديناً، فينبغي أن ترضى بما رضيه الله لها، وما دامت لم تفعل محرماً فلماذا تلوم نفسها، ولماذا تندب حظها، ولماذا تعنّف هذه الخواطر التي تأتيها في نفسها، فنقول: ينبغي أن ترضى بما رضي الله لها، وهذه قسمة الله ومشيئته، وله في ذلك حكمة عظيمة .
ومن الأمور المرتبطة بذلك أيضاً: أن تعلم المرأة أنه لا حياء في الدين، وأنه لا ينبغي أبداً بأي حال من الأحوال أن تجعل من الإحراجات التي تحصل لها بسبب الحيض مانعاً لها من أداء الصيام في هذا الشهر العظيم، فمثلاً بعض النساء تتحرج من إخبار أهلها أنها قد بلغت، فتستمر على الإفطار لتثبت لهم أنها لم تبلغ مثلاً، وهذه خطيئة عظيمة، وجريمة كبيرة، ويجب عليها أن تصوم في وقت الطُّهر، وأن تفطر في وقت العادة، وكذلك أن تستحي فتصوم في وقت العادة أمامهم؛ كي لا يشعروا بأن العادة قد جاءتها فتصوم من حيث يجب عليها أن تفطر، فتكون مخالفة لأمر الله ، فالواجب عليها إذن، ألا تتحرج من هذا الأمر؛ لأنه شيء كتبه الله على بنات آدم، ولذلك نقول لكثير من السائلات اللاتي يسألن عما مضى من الصيام، ويقلن: إن الإحراج قد أدى بنا إلى أن نصوم أوقات العادة، ولم نقض فيما مضى من حياتنا، لم نقض في حياتنا المبكرة في فترة البلوغ، فنقول: إن هذا ذنب يحتاج إلى استغفار، ويجب المبادرة إلى قضاء ما مضى من أيام العادة التي لم تقضى، وإذا مر رمضان الذي بعده ولم تقض فإن عليها بالإضافة إلى قضاء ما مضى كفارة إطعام مسكين عن كل يوم لم تقضه من أيام الرمضانات الماضية التي جاء بعدها شهر رمضان ولم تُقضى، ومن الأمور كذلك المتعلقة بالحيض: أن بعض النساء يعمدن إلى أخذ الحبوب التي تؤخر الدورة؛ لكي يتسنى لهن الصيام؛ ولكي يشعرن أنه لم يفتهن شيء من شهر الصوم؟ فنقول: إن هذه الحبوب التي أفتى أهل العلم بأن أخذها جائز إذا لم تكن تضر، وإنني أشك بأنها لا تضر، والأمر عند الأطباء على العموم، أقول بأن عدم أخذها هو الأولى، وهو الأكثر أجراً، وهو اللائق برضا المرأة بحالها، وهذا حال أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة، والتابعين، فإنهن لم يأخذن شيئاً من الأدوية التي تؤخر الحيض أو تمنعه، وإنما كانت إحداهن إذا طهُرت صامت، وإذا حاضت أفطرت وترضى بذلك، وتقضي بعده، والحمد لله رب العالمين.
عبادة المرأة المسلمة بترويضها على ترك الطعام والشراب
ثم إن من وجوه العبودية للمرأة في شهر رمضان ما يحدث من ترويضها لنفسها بامتناعها عن الطعام والشراب والزوج فيكون لهذا فطم للنفس عن مألوفاتها، وهو تعويد وترويض لفطم النفس عن الشهوات المحرمة في ليالي رمضان، وفي أيام الشهور غير رمضان، ذلك أنها إذا تعودت عن الامتناع عن الطعام والشراب والنكاح في نهار رمضان فإنها يسهل عليها بالتالي أن تمتنع عن المحرمات الأخرى كالغيبة، والنميمة، والغناء، وأنواع الفسق والفجور، والتكشّف، ونزع الحجاب، أو التقصير فيه وسائر المحرمات، فهذا شهر تتعود فيه النفوس، ويسهل فيه ترك ما كان مألوفاً ومعتاداً في السابق.
عبادة المرأة بصلاة التراويح والقيام في رمضان
ثم إن من أوجه عبادة المرأة المسلمة في رمضان: ما يحدث من صلاة التراويح والقيام التي تحضر المرأة فيها إلى المسجد للصلاة، وكان عمر يخصص إماماً للنساء يصلي بهن، وإذا أتت إلى المسجد فصلت مع المسلمين فهذا أمر حسن، وإذا صلّت في بيتها فهذا أحسن، وعلى أية حال فإن في كل منهما خير، وفي حضور المرأة بالشروط الشرعية إلى المسجد من نزول الرحمة، وتغشية السكينة، وحف الملائكة، ونزول المغفرة التي تحصل للمجتمعين، والتأمين على الدعاء، والخشوع أثناء القراءة، وتعلم الصلاة، وتصحيح أخطاء القراءة التي كانت تقع فيها، فلما سمعت الإمام يقرأها بشكل صحيح تعلمت أن ما كانت تفعله خطأ فتصحح الخطأ، أقول: في هذا فوائد، ولكن إذا صلّت في البيت، أو أمسكت بمصحف وقرأت فيه فإن ذلك لا بأس به، وكان ذكوان مولى عائشة يصلي بها من صحائف في يده، فالإمام الرجل، ويتسنّى كذلك للمرأة من أنواع العبودية حضور مجالس الذكر في المساجد، فإن كثيراً من المساجد قد يكون فيها أنواع من الدروس التي يكون فيها تفقيه في الدين، وتعليم لأمور من الشريعة ما تستنير به في أمور العبادة، وتتعلم به من أحكام الدين، فينبغي أن تحضر تلك المجالس بوعي، وتفتّح ذهن، واستعداد للتقبل، حضوراً شرعياً خالياً من الزينة المحرمة والأطياب المحرمة، وأي مظهر من المظاهر التي لا يرضى الله للمرأة أن تظهر بها أمام الرجال؛ خصوصاً وأننا نرى من ذلك أموراً كثيرة من حضور بعضهن مع السائق بمفردها، أو أن تكون غير محتشمة معه، فإذا ترجّلت من السيارة فإنها تلبس وتستكمل حجابها لتدخل المسجد، عجباً لها إذا جاءت للمسجد فإنها تستكمل الحجاب وفيما عدا ذلك هي مقصرة فيه، إضافة لما كان يبدو منها من الزينة والمكياج، أو العطورات، وهي تسير خصوصاً وأنه يحصل عند دخول المسجد وعند الخروج منه بالذات نوع من اختلاط النساء بالرجال، فينبغي الحذر من ذلك؛ لأن هذا يسبب فتنة، وأخبر -عليه الصلاة والسلام- أن من أشد أنواع الفتن "فتنة الرجال بالنساء" بلفظ: ما تركتُ بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء[4].
وتتمكن في حضور مجالس الذكر من السؤال، فينبغي عليها أن تهتم به، وتوجه ما يدور في ذهنها من الأسئلة إلى الموثوق بهم من أهل العلم وطلبة العلم، حتى يُجاب عن سؤالها، وتزول حيرتها، وتستطيع كذلك بمجالس الذكر الالتقاء بالأخوات المسلمات الطيبات، اللاتي هن زينة في الرخاء وعُدّة في البلاء، التقاء طيباً مفيداً قائماً على التعاون في تلخيص الأشياء المفيدة وتبادل المنافع الشرعية، وإنني أنبه على ما يحصل في بعض المساجد من التشويش الدائم من قبل النساء في أقسام النساء في المساجد عند التقاء بعضهن ببعض، وكأن المسجد قد جُعل مجلساً عاماً تحصل فيه هذه الجلسات التي يدور فيها الكلام بصوت عال يصل إلى الرجال، فأقول: إن هذا الأمر ينافي العبادة المطلوبة من المرأة في رمضان.
عبادة المرأة المسلمة في إتيان ما آتاها الله من الرخص
وإن من الأمور أيضاً التي تعبد المسلمة ربها بها في رمضان: ما رخص لها من أنواع الترخيصات، وما يظهر من رحمة ربها بها في هذا الشهر كثير جداً، فمن ذلك أنها إذا كانت حاملاً أو مرضعاً، فيجوز لها الإفطار بعذر الحمل والرضاع، والله خلق الرحمة في قلب الأم بالولد، ومن علمه بذلك فإنه قد أباح لها أموراً كثيرة وخلقها باستعدادات طبعية لتواجه ما فطرت عليه من الرحمة والشفقة بالأولاد، فإذا كانت حاملاً أو مرضعاً فإنه يجوز لها الفطر وليس عليها إلا القضاء على القول الراجح من أقوال أهل العلم قياساً لها على المريض الذي يشق عليه الصوم والذي قال الله بشأنه: فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [سورة البقرة:184]، فإذا كانت لا تستطيع أبداً أن تصوم ففدية طعام مسكين، وإذا كانت تستطيع أن تصوم ولكن الحمل والرضاع عذر مؤقت كالمرض المؤقت فليس عليها إلا القضاء فقط.
فالخلاصة أنها إذا كانت لا تستطيع الصوم أبداً كما قرر الأطباء وعلم من حالها فإن الآية في حقها تنطبق كما انطبقت في حق المريض الذي لا يرجى برؤه والكبير في السن، فالكبير في السن العاجز يطعم عن كل يوم مسكيناً كما قال الله: فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [سورة البقرة:184]، وأما المريض الذي يرجى برؤه والحامل والمرضع التي يتوقع زوال عذرها فإنه ليس عليهم إلا القضاء فقط بشرط ألا يتعدى رمضان الذي بعده إلا لعذر كأن تكون المرأة حاملاً ثم تضع في رمضان وتصبح نفاساً ثم ترضع وقد تحبل مرة أخرى مباشرة في رضاعها فيكون عذرها مستمراً لأكثر من سنة فلا تستطيع أن تقضي ما عليها من رمضان الفائت قبل رمضان الآتي فتكون معذورة في تأخير القضاء من رمضان الماضي إلى ما بعد رمضان الآتي؛ لأن الحمل والرضاع والحمل مرة أخرى والرضاع الذي بعده قد استمر، وهذا من رحمة الله بها فتحمد الله عليها.
وكذلك فإن هذا التأخير في القضاء الذي وسّع لها إلى رمضان القادم يراعى فيه أمر آخر وهو حق الزوج، وحق الزوج عظيم أوصت به الشريعة، وحث على أدائه الله ورسوله، كما حث الله ورسوله على أداء الرجل حق زوجته عليه، ولذلك فإن عائشة -رضي الله عنها- كانت تؤخر القضاء من أجل رسول الله ﷺ إلى شعبان، يعني ما قبل رمضان بقليل، لا يمنعها من القضاء إلا الشغل برسول الله ﷺ، وهذا يبين الحق العظيم للزوج، فمن مراعاة المرأة لزوجها: أن تحرص على خدمته، وعلى تهيئة جو العبادة الطيب في بيته، وأن تعينه على العبادة في ذلك؛ من إيقاظه للسحور، وصنع طعام السحور له ولها، ولمن يصوم من أفراد البيت.
وكذلك تجنيبه نفسها، فإنه يجب عليها أن تمتنع عن زوجها، وأن تحرص على سلامة صومه، ولذلك فإن بعض الرجال يتمادون في الاستمتاع بالزوجات في نهار رمضان؛ بحيث يؤدي إلى إفساد الصوم من حدوث الإنزال، أو الجماع ونحوه، وتكون الكارثة العظيمة، والكفارة الشديدة لمن وقع في الجماع، والمرأة عليها من كفارة الجماع مثلما على زوجها إذا كانت مطاوعة له ومختارة، فأما إذا كانت مكرهة، أو مغصوبة، أو مهددة تهديداً تعلم أنه سينفذه فيها فإن الإثم عليه والكفارة عليه، وليس عليها إثم ولا كفارة، ولكنها مسئولة عن التحرّز من الأحوال التي يقترب فيها منها زوجها أثناء اليوم من رمضان، ولذلك كان لزاماً عليها أن تتجنب التزين له والاقتراب منه إذا كانت تعلم أن زوجها لا يملك نفسه، وأن تهرب منه إذا حاول إفساد صومه بواسطتها.
ولتعلمي أيتها المرأة المسلمة أن خدمتك في بيتكِ أمر عظيم له أجر جليل، وإنني أعلم أن كثيراً من النساء يتعبن في هذا الشهر كثيراً بسبب حصول العمل الشاق في البيت، فالولد يحتاج إلى خدمة، والبيت يحتاج إلى تنظيف، والأكل والطعام يحتاج إلى طبخ، والزوج يحتاج إلى ترتيب هندام وخدمة أيضاً، ووقت الإفطار قد يحين بسرعة وهي مسئولة عن تجهيز الطعام للإفطار أو السحور، ونحو ذلك، ولذلك فإن المرأة تتعب في شهر الصوم ربما أكثر من غيره؛ لكثرة الأعمال المتزاحمة فيه والمشقة زائد مشقة الصيام والتعب الناتج عن ترك الطعام والشراب، ولذلك فإن المعونة تنزل على قدر المؤونة ، وإن الله يساعد المرأة المسلمة ويعينها إذا كانت طائعة له في القيام بهذه الواجبات كلها.
وأقول أيضاً: إن تحمل غضب الزوج في رمضان التي تتسبب من ضيق خلقه وضيق نفسه وحصول أمور نتيجة التعب والعمل والصيام، مع أنه يجب عليه أن يضبط نفسه، إن تحمّل هذه الأمور التي تصدر عنه من العصبية الزائدة مثلاً إنه أمر فعلاً محل تقدير، ومحل تسجيل من الملائكة الحفظة للأجر لهذه المرأة التي تتحمل كل ذلك.
عبادة إطعام الطعام في رمضان
وإن من أوجه عبودية المرأة في رمضان أيضاً: إطعام الطعام.
إن إطعام الطعام من شعائر الإسلام، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام[5].
نقول: إطعام الطعام شيء طيب، ولكننا في نفس الوقت نقول أولاً: لا يصلح أن تمكث المرأة في المطبخ طيلة الوقت لكي تعد أنواع الطعام والشراب في رمضان، وكأن رمضان هو شهر لاستعراض المهارات المتعلقة بالطبخ، وتنويع المطعومات والمشروبات، فليس لأجل هذا فرض الصوم، وإنما فرض لعل الناس يتقون، فرض لعلكم تتقون، وليس لعلكم تشبعون، أو لعلكم تصابون بالتُّخمة أو البُطنة، ولذلك فعلى المرأة أن تنصح زوجها بعدم التكثير من ألوان الطعام والشراب؛ وخصوصاً أن بعض الرجال قد لا يهمهم التنويع الشديد، وإنما مصدر التنويع يأتي من المرأة في الغالب، ولذلك نقول: اقتصدي واعملي ما يفي بالغرض، ولا تتعدي الحد، ولا تسرفي فإن الله لا يحب المسرفين، ونقول أيضاً بالنسبة لمسألة إطعام الطعام: بعض الناس يطبخون طعاماً فيرسلونه إلى أناس عندهم طعام كثير، ولا يتحرون إرسال الطعام إلى الفقراء حقاً أو المساكين، أو العزاب الذين لا زوجات لهم يطبخن لهم من الجيران، بعضهم قد يكون أعزباً لا زوجة له، فينبغي أن يتفقد أحوال هؤلاء كالطلاب والموظفين العزاب وغيرهم، هذا أولى من تبادل الأطعمة مع الجارات، وكل واحدة تعرف من ألوان الطبخ ما تعرف، وأنا لا أقول إن تبادل المطعومات مع الجارات شيئاً محرماً، كلا، إنه أمر طيب ولكن انتبهن إلى إيصال الطعام لمن يستحقه أكثر ولمن يحتاج إليه أكثر، بدلاً من إعطائه لأشخاص هم أغنياء عنه، وحرمان الناس الذين يحتاجون إليه حقاً.
وكذلك أنبهك -أيتها الأخت المسلمة- أن حديث: من فطّر صائماً فله مثل أجره[6]، يعني أشبعه، فمن أشبع صائماً فله مثل أجره، أقول: قد تتخيل بعض النساء أن الزوج الذي اشترى الطعام بنقوده هو الذي أخذ الأجر، وأنها مجرد طباخة، فأقول: كلا كلا، ألستِ تعلمين "أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة، الذي يبريه ويناوله ويرمي به"[7] كلهم مأجورون، وأنتِ تساهمين في تفطير الصائم عندما يحضر لدى زوجك عدد من الضيوف، أو يرسل الزوج طعاماً لبعض الفقراء أو المساكين، أو الذين ضاقت أمورهم، فتكونين أنتِ داخلة في هذا الحديث إن شاء الله من جهة عملكِ وخدمتكِ في إعداد طعام الإفطار، من فطّر صائماً فله مثل أجره[8].
وكذلك فإنني أقول أنه لا بد بالنسبة للزوج من مراعاة إيقاظه للصلوات، خصوصاً صلاة الظهر، صلاة العصر، وكذلك الفجر لمن ينام متأخراً، وفي رمضان يفوت الناس صلاة العصر أكثر من أي صلاة أخرى، فينبغي عليك -أيتها المسلمة- أن تراعي أهل بيتك من الرجال الذين تجب عليهم صلاة الجماعة في المسجد، أن يخرجوا إلى الصلاة، وأنت راعية في بيت زوجك ومسئولة عن رعيتك، ومن المسئولية حثهم على الصلاة وإيقاظهم لها، وإنني أعلم أن بعض الأزواج من الذين لا يخافون الله تماماً يمنع زوجته من إيقاظه، ويقول لها: متى استيقظتُ أستيقظ ولا تقتربي مني أو تزعجيني ونحو ذلك، فنقول: عليكِ بالنصيحة والتلطف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تعملي شيئاً فيه مفسدة أكبر من المصلحة، لكن عليكِ الاستمرار بالنصيحة، وحث الرجال على العبادة ما استطعتِ إلى ذلك سبيلاً. وأشدد وأكرر أيضاً على مسألة البطنة، أو الإكثار من الطعام، ووضعه ورفعه، كأن طيلة الليل المائدة موضوعة مثل البوفيه الذي يأتي إليه الناس ويأكلون عدة مرات، كما قال ذلك الرجل معاتباً قومه الذين يكثرون الأكل في رمضان: إنكم تأكلون الأرطال، وتشربون الأسطال، وتنامون الليل ولو طال، وتزعمون أنكم أبطال، كلا، كلا، فليست هذه ببطولة.
عبادة الصدقة في رمضان
وكذلك فإن من أوجه العبودية في رمضان الصدقة، فإذا كان رسولك ﷺ قد قال: يا معشر النساء، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فإذا كان الأمر بالصدقة عاماً، فالأمر به أو فعله في رمضان آكد وأقوم وأكثر أجراً ولا شك في حصول الأجر، أو في مضاعفة الأجر في مواسم الطاعة العظيمة كشهر رمضان، فإن الحسنة تتضاعف في المكان الفاضل، والزمان الفاضل، فأقول إذن، تحركي بما تستطيعين أو تجودين به من الصدقات في أنواع البر المختلفة، والتي حصل من النساء ولله الحمد الآن تفتح كبير لها، وإسهامات عظيمة في التجميع والإيصال والحمد لله، وأنبه بهذه المناسبة إلى أن على النساء تمحيص جمعيات البر، لأن بعضها جمعيات سوء، وبعضها جمعيات صلاح وتقوى بعضها أُسس على تقوى من الله ورضوان، وبعضها أُسس على شفا جرف هار، فعليك بتمييز الجمعيات الطيبة وإشهارها والإعلان عنها، والنصيحة بالتبرع لها، والمساعدة فيها، والتحذير من الجمعيات السيئة، وعدم إعانتهم بشيء إذا كانوا يريدون قصداً سيئاً، أو يخفون أهدافاً سيئة، واحذري من القيل والقال، وعليكِ من التأكد والتثبت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [سورة الحجرات:6].
وأقول أيضاً -أيتها الأخت المسلمة-: إن زكاة مالك مهمة، فإن الناس كثيراً ما يعتادون إخراج الزكاة في رمضان، فعليك بإخراج زكاة الأموال السائلة عندكِ، وإذا كانت لديك أراضٍ معدة للبيع فأخرجي زكاتها، وإذا كان لكِ تجارة أو حصة في دكان فيه أعراض تجارة، فتقوّم أعراض التجارة عند حلول الحول، ويُخرج اثنين ونصف في المائة من قيمتها الحالية في السوق، وما لديك من الحلي الملبوس وغيره والمدخر والمعار وغيره، فأخرجي زكاته على القول الراجح من أقوال أهل العلم المسنود بالدليل، وهو قوله ﷺ للمرأة لما قال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسركِ أن يسورك الله سوارين من نار يوم القيامة[9]، فعليكِ بمعرفة ثمن الحلي عند حلول الحول بالتقريب وإخراج اثنين ونصف في المائة، وإذا بلغ نصاب من الذهب خمس وثمانين غرام فأكثر، وكذلك إذا كان عندك حلي للبنات تخرجيه كل بنت على حدة، تعامل كل بنت بنصاب منفصل، فلو كانت البنت عندها أربعين غراماً لا يجب عليها، والبنت الثانية عندها خمسين غرام لا يجب عليها، لكن لو البنت الواحدة عندها مائة غرام مثلاً يجب عليها، وأنت تلاحظين زكاة ذهب بناتكِ وزكاة ذهبكِ أنتِ، وتخرجينها بالنقود أو من نفس الذهب، أو ببيع قطعة من الذهب، أو يتبرع الزوج عنك بعلمك، كل ذلك جائز والحمد لله، وبعض النساء اعتدن على إعطاء بعض الأسر قد أغناها الله، كانوا في الأول أيتاماً وأرامل لكن الآن أغناهم الله، فلا يجوز الاستمرار في إعطائهم وقد أغناهم الله، ولم يصبحوا من أهل الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [سورة التوبة:60]، فينبغي البحث عن المستحقين الآخرين.
اجتناب ما حرم الله تعالى من آثام اللسان في رمضان
كما أن عليك أيتها الأخت المسلمة في هذا الشهر العظيم: أن تجتنبي ما حرم الله من أنواع الحرام اللساني، كالغيبة والنميمة، وإنني أحذر من خطورة اجتماعات ما بعد صلاة التراويح، فإنني ألاحظ أنه يحدث في البيوت في هذه الاجتماعات كثير من اللغط والأمور المحرمة، وقول الزور، وانزلاق اللسان سهل جداً، ولذلك فاجعلي من هذه المجالس مجالس ذكر وطاعة، لقد كثرت الكتيبات الطيبة، والأشرطة الطيبة، فلخصي، وقدمي، وانتقي، وانفعي غيركِ، واملئي هذه المجالس بذكر الله .
وأقول أيضاً: إنه يجب انتهاز فرصة رمضان لإصلاح البيوت، إصلاح البيوت -أيتها الأخت المسلمة- فاستعيني بالله على إخراج وسائل المنكر من البيت، والحث على إخراجها، ومنع دخولها إلى البيت، لكي تكتمل العبادة، فإنه لا معنى أن يُطاع الله في النهار ويُعصى في الليل، وهو رب الليل والنهار، ولذلك بما أن النفوس مشحونة الآن بالعبادة مشحونة بالإيمان مشحونة بالزاد الأخروي فانتهزي الفرصة في القضاء على وسائل الإفساد في البيت، وعلى تطهير البيت من جميع المحرمات، خصوصاً أن نفس الزوج قد تكون مهيأة، ونفوس الأقارب تكون مهيأة، فانتهزي هذه الفرصة لكي تحافظي على بيتك، وتخرجي ما يمكن إخراجه، أو كل ما هو من أدوات المنكر، وتدخلي فيه كل شيء طيب وكل شيء من الأشياء التي تزيد في إيمان أهل البيت، وتسبب الفقه في الدين، فإن رسول الله ﷺ قد قال: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين[10].
وأقول: كذلك إن المرأة المسلمة قد تسأل مثلاً عن حكم ذوق الطعام أثناء طبخه في رمضان، أقول إن ذلك جائز ولكن لا يجوز لك أن تبتلعيه، بمجرد ما تذوقيه بطرف اللسان فإنك تلفظيه إلى الخارج، ولعلني أكتفي بهذه النصائح من بيان أوجه عبادة المرأة المسلمة في رمضان على أن نتابع الكلام في أمور أخرى تتصل بمواضيع النساء في مرة قادمة إن شاء الله.
أسأل الله لي ولكن التوفيق والسداد والإخلاص، والأجر العظيم، والمغفرة والرحمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- ^ رواه مسلم: (5927).
- ^ رواه البخاري: (7492)، ومسلم: (1151).
- ^ رواه ابن ماجة: (1700)، والترمذي: (730)، والنسائي في الكبرى: (2659)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي: (730).
- ^ رواه البخاري: (5096)، ومسلم: (2740).
- ^ رواه الترمذي: (1855)، وابن ماجه: (1334)، (23784)، وصححه الألباني في السلسلة: (571).
- ^ رواه الترمذي: (807)، والنسائي في الكبرى: (3317)، وأحمد: (17033)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6415).
- ^ رواه أبو داود: (2513)، والترمذي: (1637)، والنسائي: (3146)، وابن ماجه: (2811)، وأحمد: (17300)، وقال محققه شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ^ رواه الترمذي: (807)، والنسائي في الكبرى: (3317)، وأحمد: (17033)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6415).
- ^ رواه النسائي في الكبرى: (2479)، وأبو داود: (1565)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود: (1396).
- ^ رواه البخاري: (71)، ومسلم: (1037).
-
هناء
جزاك الله خيرا يا شيخ على هذه النصائح الثمينة
-
ليلى
جزاك الله خيرا ياشيخ على هذه المعلومات الثمينة و المفيدة
-
راوية القدسي
جزاك الله ألف خير فضيلة الشيخ عن هذه الدرر الثمنية والنصائح الغالية ونفع بك وبأمثالك