الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
المقدمة
فإن الله خلق النفس وما فيها: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس: 7 - 8].
وفي هذه النفس دقائق وأسرار يعلمها رب العالمين، وقد خلق فيها الحب والبغض، والغضب والرضا، وسائر ما يعتري الإنسان من المشاعر والأحاسيس.
لقد خلق فيها إقداماً وإحجاماً، فتقدم النفس على أمور، وتحجم عن أمور، والمفترض في نفس المؤمن أن تقدم على الخير، وتحجم عن الشر.
وهذا الإحجام كَوابح يكبح بها المسلم نفسه عند ورود خواطر الشر أو دواعي الشر.
وكلما اشتدت الكوابح كان صمود المسلم أمام المغريات، والشهوات المحرمة، وكذلك أنواع الفتن التي تلتهم من يقترب منها، وكذلك أنواع الحرام.
وكلما كانت الكوابح قوية كلما كان أقدر على المواجهة والصمود ومنع نفسه من الانزلاق.
في هذا العصر فتن كثيرة، وجواذب للشر، وأمور محرمة، ونريد أن نعرف كيف يقوي الإنسان هذه الكوابح في نفسه بحيث تمنعه من الوقوع في الحرام، التصرفات الطائشة، الأمور التي لا تحمد عقباها؟
بعض الناس مثلاً ينفعل، يغضب، فيطلق إلا إذا كبح جماح نفسه ولم يغضب، أو سيطر على غضبه إذا غضب.
وكذلك يكون الإحجام أمراً سيئاً إذا كان امتناعاً عن فعل الخير، كمن يفر إذا لاقى العدو ويحجم عن الاقتحام، ولكن نفس المؤمن كما يقول له عمل صالح في قبره: "ما علمتك إلا سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله"، لماذا هو بطيء؟ لأنه يكبح نفسه.
النفس فيها قوة تجعل الإنسان يقدم في مواطن، وكذلك فيها قوة تجعل الإنسان يحجم.
الإقدام والإحجام هذا عليه مدار التكليف، والله يثيب ويعاقب على هذه الإرادات التي خلقها في نفوسنا؛ لأننا نستطيع أن نفعل وأن نمتنع.
فالواجب على المسلم والمسلمة صرف قوة الإقدام فيما ينفع، وقوة الإحجام فيما يضر.
ومن الناس من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به أقوى من صبره على ما يضره، فيصبر على مشقة الطاعة لكن لا يصبر عن المعصية؛ فتحكم في قوة الإقدام ولم يتحكم في قوة الإحجام.
والنفس فيها هاتان القوتان، ومتى أحسن الإنسان توجيههما فاز بجنة الفردوس.
فهذا الإقدام على الطاعة، وهذا الإحجام عن الشر والمعصية، وعن سفاسف الأمور، والترهات، وأنواع الفواحش، والولوغ في الفتن؛ هو من أعظم ما يجعل للعبد منزلة عند ربه، ولذلك فإن الله -تعالى- يعجب من الشاب الذي ينشأ في طاعته ليس له صبوة وميل إلى الحرام، قال ابن القيم -رحمه الله-: مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر، وإن فقدا معاً سهل الصبر عنه، وإن فقد أحدهما ووجد الآخر سهل الصبر من وجه وصعب من وجه، فمن لا داعي له إلى القتل، والسرقة، وشرب المسكر، وأنواع الفواحش، ولا هو سهل عليه -يعني لا عنده دواعي وصعب أصلاً- فإن الامتناع عن الفعل أسهل شيء. ومن اشتد الداعي عنده إلى الحرام -زنا، الفواحش مثلاً، وسهل عليه الفعل، يوجد مومسات، ويوجد أبواب الحرام كثيرة-؛ سهل عليه الفعل المحرم، فصبره عنه أشق شيء عليه.
ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم، يقول ابن القيم: وصبر الشباب عن الفاحشة، والغني عن تناول اللذات عند الله بمكان" [عدة الصابرين، ص: 69] يعني تعظم عند الله، يعني في قدرة، وقوة، ودافع، وداعي، ومع ذلك هو صبر، كبح جماح نفسه "ولذلك استحق السبعة المذكورون في حديث النبي ﷺ في الذين يظلهم الله في ظله ما استحقوا لكمال صبرهم مع وجود المشقة؛ فإن صبر الإمام المتسلط على مراغمة نفسه، وعلى العدل في القسم، وعلى الحكم، وعدم استعمال السلطة في البطش، والظلم، وصبر الشاب على عبادة الله ومخالفة هواه، وصبر الرجل على ملازمة المسجد، وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة، وصبر المدعو إلى الفاحشة مع جمال الداعية ومنصبها، والعكس كذلك؛ صبر المرأة عن الشاب الجميل، وصاحب المال الذي يدعوها، وصبر المتحابَين في الله ما تكون بينهما خصومة، وأن يكون اجتماعهما على الله، وافتراقهما عليه، وصبر الباكي من خشية الله على كتمان ذلك، وعدم إظهاره للناس؛ كان من أشق الصبر، ولذلك استحق هؤلاء أن يكونوا بتلك المنزلة. والصبر عن معاصي اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما، الكبح هنا ضعيف؛ لأن هناك قوة في المقابل، فإن اللسان فاكهته النميمة، والكذب، والمراء، والثناء على النفس بالباطل، والطعن على من يبغض، ومدح من يحب" واللسان سهل الحركة؛ فالداعي قوي، والعملية سهلة، فيضعف الصبر، قال ابن القيم -رحمه الله-: ولهذا تجد الرجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ويتورع من استناده إلى وسادة الحرير لحظة واحدة، ولكنه يطلق لسانه في الغيبة، والنميمة، وأعراض الخلق، وربما يقول على الله بلا علم، ويفتي بلا علم، ولكنك تجده يتورع عن الدقائق من الحرام، والقطرة من الخمر، ورأس الإبرة من النجاسة، وقد سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض، وكان هذا الرجل من القوم الذين قتلوا الحسين بن علي -رضي الله عنه-، فقال عبد الله: انظروا إلى هؤلاء يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله ﷺ؟ قال ابن القيم -رحمه الله-: واتفق لي قريب من هذه الحكاية، كنت في حال الإحرام فأتاني قوم من الأعراب المعروفين بقتل النفوس، والإغارة على الأموال يسألوني عن قتل المحرم القُمل، فقلت: يا عجباً لقوم لا يتورعون عن قتل النفس التي حرم الله قتلها ويسألون عن قتل القمل في الإحرام؟! [ينظر: عدة الصابرين، ص: 70].
صعوبة ومشقة كبح النفس عما حرم الله
إن كبح جماح النفس عما حرم الله إذا اشتد بها الداعي أمر شاق، ولذلك قال ﷺ: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات [رواه البخاري: 6487، ومسلم: 2822]، فالوصول إلى الجنة فيه صعوبة، فيه مكاره، هناك شدائد في الطريق، هناك تكاليف، هناك أوامر بمجاهدة النفس، هناك أشياء يجب فعلها، وأشياء يجب تركها، أوامر، ونواهي، وشهوات تصطاد، وفتن تغري، ولذلك لما نظر جبريل إلى الجنة بعد ما حفت بالمكاره، قال: لقد خشيت أن لا يدخلها أحد [رواه أبو داود: 4744، والنسائي: 3763، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3669]؛ لماذا؟ لوجود المكاره من التكاليف التي فيها مشقة، ومخالفة النفس، وكسر الشهوات، ومقاومة الهوى، ولذلك كان كبح النفس وإلجامها بلجام التقوى يحتاج إلى مجاهدة، ومصابرة علمنا إياها النبي ﷺ بقوله: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتقي الشر يوقه [رواه الطبراني في الأوسط: 2663، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 342].
وقال ﷺ أيضاً: من يتصبر يصبره الله [رواه البخاري: 1469، ومسلم: 1053].
إذا يتصبر، يحمل نفسه على الصبر، التحلم حمل النفس على الحلم، مراغمة، مجاهدة، ولذلك فإن الراحة ستكون يوم الدين: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69] الآن مراغمة على فعل الخير، وكبح جماح النفس عن الشر، صعوبات، ومجاهدات، متى سينتهي هذا؟ أنت في دار شتات *** فتأهب لشتاتك
وليكن فطرك عند *** الله في يوم وفاتك
الصبر عن الحرام فيه غصة، ولكنه أفضل من الشوك، والغسلين، والضريع، والغساق.
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى *** يخشى إذا وافى المعاد هوانا
فخشيته من عذاب الهون هي التي تصبره على هذه المرارة.
وبعض الناس عندهم أشياء لها لذة، وأشياء يقاومونها، وأشياء لا يقاومونها، فبعضهم -مثلاً- شهوته في المال الحرام شديدة، وبالذات إذا كثر الحرام، فقد يصبر على الشهوة الصغيرة، لكن لا يصبر على الرشوة الكبيرة.
وبعض الناس يصبر على أبواب من الحرام دون أبواب أخرى، فقد يقول: أصبر عن الخمر، لكن لا أصبر عن الزنا.
موجود؛ لأن الدافع والداعي له قوي هنا، وضعيف هناك.
كبح النفس عن المغريات
والمغريات كثيرة، والنفس تحتاج إلى كبح جوامحها عندما تقوم سوق المغريات، فمثلاً لما قوطع كعب بن مالك ، وما كلمه أحد من المسلمين، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأمر باعتزال زوجته، واشتد الكرب عليه، جاءت رسالة من ملك غسان، هذا إغراء عظيم، ملك غسان يخاطب كعباً: "إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك" نعطيك لجوءًا، حق إقامة، نعطيك ونزودك، ننفق عليك "نواسك"، ماذا فعل؟ قال رضي الله عنه: "فلما قرأتها قلت: وهذا أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور، فسجرته بها" [رواه البخاري: 4418، ومسلم: 2769] منع نفسه من الانزلاق، الاستمالة في وضع كهذا قوية جداً لكن كبح نفسه.
قال الحسن -رحمه الله- عن الكوابح في نفس المؤمن: "إن المؤمن يفاجئه الشيء يعجبه، فيقول: والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات حيل بيني وبينك" [مصنف ابن أبي شيبة: 35209، والزهد والرقائق لابن المبارك: 1/103].
فإذاً، يقاوم.
المجاهدة الحقيقية؛ كما قال ﷺ: المجاهد من جاهد نفسه [رواه الترمذي: 1621، وهو حديث صحيح].
أسباب ضعف الكوابح
لماذا تضعف الكوابح؟
نقص في الإيمان.
نقص في العلم الشرعي.
نقص في تحصين النفس والمجاهدة، ما يبذل الواحد الجهد الكافي في مراغمة نفسه، ليس هناك محاسبة كما ينبغي.
ضعف خشية الله تضعف الكوابح.
وهناك ارتباط بين الخشية والعلم؛ كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر: 28]، قال ابن جرير: "إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته -من هم؟- العلماء [جامع البيان: 20/462]
لماذا؟
يعلمون ما أعد الله في الآخرة، يعلمون من عظمته وهيبته ما يحملهم على طاعته والالتزام بأمره.
هنالك في الحياة أشياء كثيرة، مواقف! أحداث! أمور تدعوك أحياناً لفعل شيء، وقد يكون ربما من الخير لكنك قد تتركه لأنه قد يؤدي إلى تفويت مصلحة أكبر، والنبي ﷺ ترك أشياء فيها مصلحة؛ لأنه قد تترتب مفسدة أكبر، فمثلاً: هم أن يعيد البيت على قواعد إبراهيم الخليل، ويضم إليه الجهة غير المبنية من الحجر، ويجعل الباب نازلاً إلى الأرض ومقابلاً له باب آخر، فباب يدخل منه الناس وباب منه يخرجون، لكن خشي لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية [رواه البخاري: 1586، ومسلم: 1333] لفعلت.. وفعلت.
وهكذا امتنع ﷺ عن قتل عبد الله بن أبي خشية أن يتحدث الناس والعرب أن محمداً يقتل أصحابه [رواه البخاري: 4905، ومسلم: 2584].
وهكذا أحجم الخلفاء من بعده عن أمور خشية المشقة على المسلمين، وكان الصالح يمنع نفسه من الانتقام لنفسه، ويكبح جماحها؛ كما فعل عمر -رضي الله عنه- لما جاءه عيينة بن حصن، فقال: "هيه يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل" أنت لا تكرمنا، ولا تغدق علينا، ولا تحكم بيننا بالعدل"، هذا كلام يقال لعمر -رضي الله عنه-؟ عمر غضب "فغضب عمر حتى هم أن يوقع به" ما الذي كبح جماح عمر -رضي الله عنه-؟ فقال له الحر: "يا أمير المؤمنين إن الله -تعالى- قال لنبيه ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، قال ابن عباس راوي الحديث: "والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه" لما تلا عليه الآية كانت كابحاً وحاجزاً له، "وكان وقافاً عند كتاب الله" [رواه البخاري: 4642].
وهكذا كانت هذه الآية مانعة للصالحين من انتقامات كثيرة تجعلهم يأخذون بقول الله: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت: 34] ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك.
والنبي ﷺ لما رده قومه وكذبوه، ولم يجيبوه إلى ما طلب انطلق وهو مهموم على وجهه، لم يستفق إلا بقرن الثعالب، فرفع رأسه فإذا هو بسحابة قد أظلته فنظر فإذا فيها جبريل فناداه، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً [رواه البخاري: 3231، ومسلم: 1795].
ما الذي منعه من الانتقام؟ أليس هؤلاء بمشركين؟ لكن حلم الأنبياء يختلف: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]، ما الذي كبح جماح يوسف من الانتقام لنفسه بعد أن رأى إخوته، وتمكن منهم، وقدر عليهم، وصاروا تحت سلطانه، وكان له جنود، ومكانة، وقوة، وهيمنة، وقد فرقوا بينه وبين أبيه، وألقوه في الجب، وعرضوه للموت والهلاك، ثم تعرض للرق والعبودية بسببهم، فصار عبداً بِيع واشتري، وهكذا صار خادماً في ذلك المكان الموبوء الذي فيه امرأة العزيز، ثم يرمى في السجن سبع سنين، يرمى في السجن بضع سنين، أليس الدافع للانتقام قوي جداً بعد كل هذه الأشياء التي فعلوها به حسداً بلا ذنب منه؟ ومع ذلك لما قدر منهم قال: لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92].
كبح النفس عن الغضب ووسائل ذلك
إذاً، التوجيه الإلهي، والترغيب الرباني هو الذي يجعل هذه النفوس الكريمة تكبح جماحها: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]
اكبح جماح الغيظ، قال ﷺ: من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء [رواه أبو داود: 4777، والترمذي:2021، وابن ماجه: 4186، وأحمد: 15637، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 2753].
كظم الغيظ، العفو، والصفح، ثم الإحسان؛ كان لعلي بن الحسين زين العابدين جارية تسكب عليه الماء في وضوئه، فسقط الإبريق مرة من يدها على وجهه. الإبريق له وزن، فأصابه، فقالت فورا: يا سيدي إن الله يقول: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ قال: قد كظمت غيظي، قالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ، فقال: قد عفوت عنك، قالت: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] قال: اذهبي فأنتِ حرة.
وهكذا لما قال ذلك العبد لسيده بعد أن سكب عليه المرق الحار لما تعثر: سيدي، وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ قال: كظمت غيظي. قال: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ، قال: قد عفوت عنك، قال: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] قال: "أنت حر لوجه الله".
الغضب يجعل الإنسان يخرج عن طوره، الغضب الذي يجعل الواحد يلعن، ويسب، ويشتم، ويضرب، ويطلق، ولذلك قال الله -تعالى-: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 200].
ماذا كان موقف النبي ﷺ لما كان عنده رجلان قد استبا فجعل أحدهما يحمر وجهه، تحمر عيناه، وتنتفخ أوداجه، فقال رسول الله ﷺ: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد ما هي الكلمة؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال الرجل: وهل ترى بي من جنون؟ -طبعاً- هذا منافق، ما يقول هذا الكلام إلا منافق، والحديث متفق عليه [رواه البخاري:3282، ومسلم: 2610].
وعلمنا فقال ﷺ: وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت [رواه أحمد: 2556، والبخاري في الأدب المفرد: 1320، وهو حديث صحيح].
توجيه آخر في كبح النفس عند الغضب، قال ﷺ: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع [رواه أبو داود: 4782، وأحمد: 21348، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 5114].
أبو ذر نفذ هذا الكلام، فجاءه قوم ليعينوه في السقي من حوضه، فواحد دق الحوض كسره وحطمه، وكان أبو ذر قائماً فقعد ثم اضطجع، قالوا: مالك؟ هذا حطم الحوض ثم أنت قعدت ثم اضطجعت؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" [رواه أحمد: 21348، وقال محققو المسند: "رجاله ثقات رجال الصحيح"].
من الأشياء التي تجعل الإنسان يكبح نفسه عند الغضب: معرفة نتائج الغضب، وعواقب الغضب، وما يحدث لحظة الغضب من الأشياء التي لا تحمد عقباها، فكم تسبب في فراق أحبة! وطلاق زوجات! وتشتيت أسر! وتضييع حقوق! واعتداء على الضعفاء! وإتلاف أموال! يحطمون ويكسرون!
ومعاوية كان له موقف في هذا، قيل: إنه خطب الناس وقد حبس العطاء شهرين أو ثلاثة، فقال له أبو مسلم: يا معاوية إن هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك ولا مال أمك؟ فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا، وذهب فاغتسل ثم رجع، فقال: "أيها الناس إن أبا مسلم ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا بمال أبي ولا أمي"، وصدق أبو مسلم [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 8/1525، وحلية الأولياء: 2/ 130].
وذهب ليبرد حرارة الغضب.
أحد الولاة زياد وكان فيه ما فيه، ولكنه لما طلب رجلاً من الخوارج أفلت منه وهرب، وما عاد يستطيع أن يقبض عليه، فأخذ أخاً له، قبض عليه، وقال: إن جئت بأخيك وإلا ضربت عنقك، فقال هذا الأخ: أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي؟ قال: نعم، إذا جئتني بأمر إطلاق سراح أطلقتك. قال: فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم، وأقيم عليه شاهدين: إبراهيم وموسى ، ثم تلا قوله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 36 - 39] تقبض علي أنا والمذنب أخي، ما ذنبي؟ قال زياد: خلوا سبيله، هذا رجل قد لقن حجته.
وكان بعضهم قد أعطى بعض خدمه ثلاث صحائف، قال له: إذا اشتد غضبي فأعطني هذه، وإذا سكن بعضه فأعطني هذه، إذا ذهب فأعطني هذه. فأعطاه الأولى مرة لما غضب فإذا فيها: ما أنت وهذا الغضب؟ إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضاً. فسكن بعض غضبه، فأعطاه الثانية، فإذا فيها: ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء. فأعطاه الثالثة فإذا فيها: خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلهم إلا ذلك.
وقد استفز رجل من قريش عمر بن عبد العزيز مرة، وأغضبه، وأغلظ عليه، فسكت عمر وأطرق زمناً طويلاً، ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً [تاريخ دمشق: 45 / 205] لكي أبطش بك ويوم القيامة تأخذ من حسناتي؟ هيهات.
وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- لرجل أغضبه: لولا أنك أغضبتني لعاقبتك.
لو ما أغضبتني عاقبتك، فأنت أغضبتني أنا أخشى أن يكون فعلي الآن انتقام شخصي، فتركه.
الوسائل المعينة على كبح النفس
ما الذي يكبح جماح الإنسان؟
الحياء من الله، مثلاً يتذكر أن الله مطلع عليه.
أحياناً الذي يكبح جماح الإنسان تذكره لأمر شرعي، عن قيس قال: أتيت خباباً وقد اكتوى سبعاً في بطنه، فسمعته يقول: "لولا أن النبي ﷺ نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به" [رواه البخاري: 6350]، ما الذي جعله يكف عن الدعاء بالموت؟ النهي النبوي، "لولا أني سمعت النبي ﷺقال: لا تمنوا الموت لتمنيت [رواه البخاري: 7233].
أحياناً يحمل الإنسان على الكف عن الشيء نص شرعي وهذا شأن المؤمن، يتذكر نصاً كما أن أحدهم أراد قتل شخص فتذكر نصاً في عدم جواز قتل المؤمَّن، فقال: لولا حديث النبي ﷺ كذا لمشيت بين فلان وبين رأسه، يعني فصلت رأسه عن جسده ومشيت بينهما، ولكن الذي منعني هذا النص.
على أن أعظم ما يكبح جماح النفس عن فعل الحرام: تذكر عظمة الله، والخوف منه، كما أن عمر -رضي الله عنه- مر مرة وهو يعس في ليلة من الليالي ببيت فاتكأ على جداره ليستريح، فإذا بامرأة تقول لابنتها: امزجي اللبن بالماء ليكثر عند البيع. فقالت البنت: ألم تعلمي أن أمير المؤمنين أمر مناديه أن ينادي أن لا يخلط اللبن بالماء؟ هذا غش، فقالت الأم: يا ابنتي قومي فإنك بموضع لا يراكِ فيه عمر ولا مناديه. فقالت البنت: إن كان عمر لا يرانا، فإن رب عمر يرانا. فرجع عمر وعرضها على أحد ذريته، وخطبها له، وزوجه إياها، وكان من النتيجة عمر بن عبد العزيز، من هذا النسل المبارك.
ومن هذا القبيل ما حدث لجارية ترعى الغنم فجاءها راعي فأرادها بالحرام، فامتنعت، قالت: أخشى أن يرانا أحد. قال: لا يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟ يعني هو مطلع علينا، ينظر إلينا.
وأيضاً فإن المسلم قد يكبح جماحه أحياناً: كرم من شخص في موقف سابق، فيتذكر كرمه، فيمتنع عن إيذائه.
ومصلحة المسلمين تكون أيضاً من الكوابح، ويهم الإنسان بشيء ولكن يمتنع عنه لمصلحة المسلمين.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم" [مجموع الفتاوى: 3/207]، وهذا من الفقه.
وأحياناً يمنع الشخص من الفرار أن ينسب إلى الجبن، فيخشى على سمعته، وهذا وإن كان ليس بمثل تذكر ما أعد الله للثابتين في المعركة، أو وعيد الذي يفرون، لكنه من جملة الأسباب التي تجعل الإنسان يكبح جماح نفسه عن الهرب.
وخبيب قال: "ذروني أركع ركعتين" قبل أن يقتلوه "فلما ركع ركعتين، قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها" [رواه البخاري: 3045].
لكن مثال على الثبات في خشية الاتهام بالجبن كما قال معاوية : لقد وضعت رجلي في الركاب وهممت يوم كذا بالهزيمة، فما منعني إلا قول ابن الأطنابة:
وإكراهي على المكروه نفسي *** وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت *** مكانكِ تحمدي أو تستريحي
والمتنبي كان سبب قتله أنه خرج من بلاد فارس قاصداً إلى بغداد ثم إلى الكوفة، فعرض له فاتك الأسدي وأصحابه، وكان المتنبي قد هجا أم فاتك، ومع المتنبي جماعة فقاتلوهم فقتل المتنبي، وابنه محسد، وغلامه مفلح، فيذكر الرواة أن أبا الطيب قاتل قتالاً شديداً فلما رأى انه سيغلب انسحب فقال له غلامه: لا يتحدث الناس بالفرار عنك أبداً وأنت القائل:
قال: قتلتني قاتلك الله!
فكر راجعاً فطعنه زعيم القوم برمح في رقبته فقتله.
فقتل المتنبي بسبب تذكير لم ينسحب بسبب تذكير.
من الأمور الحميدة في الكوابح: أن يرى الإنسان القدوة مستمراً في الطاعة وهو مشترك معه فيها، فيرغم نفسه على المواصلة ويمانع من الانسحاب، كما جاء عن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "صليت مع النبي ﷺ فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي ﷺ"[رواه البخاري: 1135، ومسلم: 773].
لكن واصل، لماذا واصل؟
لأن القدوة مواصل، فالقدوات من أسباب تثبيت الناس.
ومما يمنع الإنسان أحياناً من بعض التصرفات خصوصاً أمام الآخرين: أن يكون هو قدوة؛ فعن موسى بن أعين قال: "قال لي الأوزاعي: يا أبا سعيد كنا نمزح ونضحك فأما إذا صرنا يقتدى بنا ما أرى يسعنا التبسم" [حلية الأولياء: 6/143].
أحياناً الأمر الصارم الشديد يكون من الكوابح، والنبي ﷺ لما قال لأبي ذر، قال له: كما أنت حتى آتيك فانطلق حتى توارى عني، فسمعت لغطاً وسمعت صوتاً، فقلت: لعل رسول الله ﷺ عرض له، يعني تعرض له أحد بأذى، قال: فهممت أن أتبعه، ثم ذكرت قوله: لا تبرح حتى آتيك قال: فانتظرت [رواه البخاري: 6444].
ما الذي جعل حذيفة يكبح نفسه من إطلاق السهم على أبي سفيان وقد صار بمتناول الرمي، وأبو سفيان زعيم المشركين، وفرصة عظيمة لقتل زعيم المشركين؟
أمر من النبي ﷺ، كان ﷺ قد أرسله، والقصة رواها مسلم في صحيحه عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله ﷺ قاتلت معه وأبليت، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقُرٌّ، يعني برد، فقال رسول الله ﷺ: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ يدعو، جعله الله معي يوم القيامة ، فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه أحد. فقال:فقم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال: اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ، فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام، يعني من سخونة مع أن الدنيا برد، لكن الحرارة، دفء بسبب الطاعة للنبي ﷺ.
-طبعاً- وكرامة لأولياء الله، هذه من كرامات حذيفة، قال: حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، برد، وأبو سفيان يستدفئ بهذه النار، فوضعت سهماً في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله ﷺ: لا تذعرهم علي ولو رميته لأصبته فرجعت [رواه مسلم: 1788].
ما الذي جعله يكف عن هذا؟
النص الشرعي أقوى سبب عند المؤمن ليكف، وأقوى سبب عند المؤمن ليفعل.
كثيراً ما كان حديث النبي ﷺ: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة قال: فكان علقمة يقول: "كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث" [رواه أحمد: 15852، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].
بلال بن الحارث المزني، الصحابي، راوي الحديث، الذي رواه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
الإنسان أحيانا يريد أن يتكلم، يرد، يسب، يشتم، يفعل، لكن يمنعه إن كان إيمانه قوياً مثل هذا الحديث.
ناس عرضت عليهم صفقات ما دخلوا فيها، أسهم ما اشتروها، تأجير محلات ما أجروها، فرص استثمارية ما دخلوا فيها؛ لماذا؟ فيها حرام، شبهة.
النبي ﷺ مر بتمرة مسقوطة: لولا أن تكون من صدقة لأكلتها [رواه البخاري: 2055، ومسلم: 1071].
ورع، فيه واحد من التجار عرضت عليه أرض 250 مليون ريال، والفرصة إذا اشتراها أن يبيعها بعد مدة يسيرة بربح عظيم، أكثر من مائة مليون، فلما ذهب ليعاين الأرض وجد فيها مملحة، يعني قطعة من الأرض ملح، يأتي بعض الضعفاء فيعبئون أكياس ملح ويبيعونها، فألغى الصفقة ورجع، لماذا؟ قال: هذه أرض فيها لهؤلاء الفقراء منفعة، أنا إذا اشتريتها الآن ثم أقمت عليها مشروعاً أو بعتها ما عاد يستطيع هؤلاء بعد أن يقام المشروع أن ينالوا من هذا الملح شيئاً، فأنا فوت عليهم مصدر رزق يحتاجون إليه.
وما اشتراها.
الورع هذا يجعل الواحد يحجم عن الوقوع في المعصية وقد يكون الداعي إليها قوياً، لكن الورع، ومن شواهد ذلك قصة الإفك وموقف زينب بنت جحش -رضي الله عنها- العظيم في هذه القصة، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "وكان رسول الله ﷺ يسأل زينب بنت جحش عن أمري، بعدما أشاع المنافقون ما أشاعوا، النبي ﷺ جعل يسأل ممن هم حول عائشة، وسأل الجارية بعدما استشار علياً وأسامة، وسأل فيمن سأل زينب، ضرة عائشة، فقال: يا زينب ما علمت؟ ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني، يعني التي كانت تنافسني في المنزلة، رقم واحد عند النبي ﷺ "زينب" قالت عائشة: فعصمها الله بالورع [رواه البخاري: 4141، ومسلم: 2770].
كان ممكن جداً تقول زينب: والله يمكن، الله أعلم،
بعض الناس أحياناً بكلمة، هي تبدو من الذكر.
فواحد يسأل واحداً يقول: كيف فلان؟
يقول: والله نسأل الله العافية.
فيمكن يغتابه بكلمة ظاهرها الذكر، أو هكذا مثلاً يقال: فلانة هل تعرفون لها ممشى في الحرام؟
فيجي واحد: الله أعلم.
الطعن قد يكون بكلمة مثل هذا، لكن الشاهد هنا: عصمها الله بالورع.
قال بعضهم: كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في الحرام.
ومن الكوابح التي يكبح بها الإنسان نفسه فعلاً: قضية الكلمة هل هي خير وإلا شر؟ هل الصمت هنا هو الخير أم لا؟ والكلمة إذا خرجت ما يمكن ردها، كنت تملكها قبل أن تتكلم، فلما تكلمت ملكتك هي.
ومما يعين الإنسان على كبح جماحه: أن يتذكر أن هنالك ملكين يراقبانه، قال تعالى:مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18].
وبعض الناس سبحان الله عنده استحياء من الملائكة وهذا جيد، والاستحياء الأعظم من الله -تعالى-.
ويقع اليوم فيما يقع من الناس الطلاق، حتى وصلت الحالات إلى نسب مئوية عالية جداً.
ومن الأسباب: أن بعض الأزواج يغضب، يتهور، والنبي ﷺ قال: لا يفرك مؤمن مؤمنة يعني لا يكرهها إن كره منها خلقاً رضي منها آخر [رواه مسلم: 1469] ما يكرهها بالكلية وهي مؤمنة.
فسر ذلك قال: بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة! أو جميلة! أو عفيفة!... أو ما شابه ذلك.
فيمكن يقول مثلاً: أنا لو كانت هذه المرأة عفيفة ودينة ولا كان طلقتها من زمان!
فما الذي منعه؟ كبح جماحه؟
ولما صارت قصة طلاق حفصة، النبي ﷺجاءه جبريل فقال:يا محمد، طلقت حفصة وهي صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة، فراجعها[رواه الحاكم في المستدرك: 6754] فراجعها عليه الصلاة والسلام.
والعصمة من الله، يعني الواحد أحياناً يتخيل أنه يستطيع أن يصمد أمام الفتن، فإذا جاءت الفتنة ما صمد!
الواحد أحياناً يظن أنه يستطيع أن يقاوم فإذا وجد على المحك انهار!
ولذلك النبي ﷺ أمرنا بالابتعاد عن الفتن، ومصادر الفتن، وأخبر أن من سمع بالدجال فلينأ عنه [رواه أبو داد: 4319، وأحمد: 19875، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 5488] فليبتعد عنه، فقد يأتيه يظن أنه سيثبت، فينبهر مما يرى عند الدجال من الخوارق فيتبعه، والنساء من أكثر أتباع الدجال يروج عليهن من أمره ما يروج، حتى إن الرجل ليعقد زوجته، ويربط ابنته، وأخته، وقريبته حتى لا تذهب مع الدجال، ويتبع الدجال من الرجال كثيرون.
لو الدجال طلع الآن وقال: أرجع لكم مؤشر الأسهم إلى واحد وعشرين، تتبعوني؟
العصمة من الله، الإنسان يظن نفسه يثبت وقد لا يثبت، ولذلك استمداد القوة في الثبات على الأمر المحرم، كبح الجماح والامتناع ما يأتي إلا بمدد من الله، مثل يوسف لما قالت:هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ[يوسف: 23].
قال الله -تعالى-: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24].
ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله[رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031].
وفي قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار وانحدرت عليهم الصخرة، ما الذي جعل ذلك الشخص يقوم عن المرأة وقد كان قعد بين رجليها؟ وما باقي شيء عن الحرام؟
كلمة: "اتق الله" قالت: لا أحل لك أن "تفض الخاتم إلا بحقه" [رواه البخاري: 2215، ومسلم: 2743] فانصرف عنها، وكان ما باقي شيء.
قال الحسن -رحمه الله-: كانت امرأة بغي قد فاقت أهل عصرها في الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار، وإن رجلاً أبصرها فأعجبته، فذهب فعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار، يعني يريدها بأي طريقة للفاحشة، ويعرف أن الأجرة مائة دينار، استمر يعمل حتى جمع المائة، فجاء فقال: إنك قد أعجبتني فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حتى جمعت مائة دينار، فقالت: ادفعها إلى القهرمان حتى ينقدها ويزنها. يتأكد، فلما فعل، جاء التأكيد إنه فعلاً المائة هذه مائة صحيحة ليست مغشوشة، فقالت له: أدخل. وكان لها بيت فيه رياش، وأثاث، وسرير من ذهب، فقالت: هلم لك.
فلما جلس منها مجلس الخائن تذكر مقامه بين يدي الله:وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ[الرحمن: 46].
هنالك تذكر في وقت يضل فيه ويعمى الكثيرون، فأخذته رعدة وطفئت شهوته، فقال: أتركيني لأخرج ولك المائة دينار.
فقالت: ما بدا لك؟ أيش صار؟ غيرت رأيك وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت فعالجت وكدحت حتى جمعت مائة دينار، فلما قدرت علي فعلت الذي فعلت؟ قال: ما حملني على ذلك إلا الفرق من الله، "الخوف" وذكرت مقامي بين يديه.
فقالت: إن كنت صادقاً فما لي زوج غيرك.
قال: ذريني لأخرج.
قالت: لا، إلا أن تجعل لي عهداً أن تتزوجني.
فقال: لا حتى أخرج.
قالت: عليك عهد الله إن أنا أتيتك أن تتزوجني.
قال: لعل.
فتقنع بثوبه ثم خرج إلى بلده، وارتحلت المرأة بدنياها نادمة على ما كان منها حتى قدمت بلده، فسألت عن اسمه ومنزله فدلت عليه، فقيل له: الملكة جاءت بنفسها -من جمالها- تسأل عنك.
فلما رآها شهق شهقة فمات فأسقط في يدها.
فقالت: أنا هذا فقد فاتني، أما له من قريب؟
قالوا: بلى، أخوه رجل فقير.
فقالت: إني أتزوجك حباً لأخيك.
فتزوجته فولدت له سبعة أبناء.
ذكر القصة ابن القيم -رحمه الله- في [روضة المحبين، ص: 447 - 448].
والله -عز وجل- قال:إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ[الأعراف: 201].
والإنسان ممكن يبدأ يدخل في الحرام لكن إذا تذكر المقام بين يدي الله أحجم.
ومن أعظم ما يقوي جهاز المناعة ضد الحرام في الإنسان: الصيام، ولذلك قال ﷺ للشباب:ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء[رواه البخاري: 5065، ومسلم: 1400].
فالصوم قامع للشهوة، ويؤخذ منه أن حظوظ النفوس والشهوات لا تتقدم على أحكام الشرع بل تدور معها، وقد يترك الإنسان المعصية شهامة ورجولة لو تأمل ما فيها من الخسة كما قال الشاعر:
فلا على فاحشة مددت يدي *** ولا مشت بي لريبة قدمُ
والإنسان قد يمنعه أحياناً وصف الله للحرام، فكم منع قول الله: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء: 32] أشخاصاً من الوقوع في الفاحشة؟
بعضهم يمنعه خوف الفضيحة، بعضهم يمنعه سوء السمعة، بعضهم يمنعه أن الزنا دين.
إن الزنا دين فإن أقرضته *** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
من يزني يزنى به ولو بجداره *** إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
ليس معنى هذا إن كل واحد وقع في الفاحشة لا بد أن تزني زوجته أو بنته... لا، لكن هناك انتقام، الله -سبحانه وتعالى- ينتقم، فهو إذا اعتدى على أعراض الناس فقد يبتليه الله في عرض نفسه.
وقد يترك العبد فعل المحرم خشية العار، وقد ينظر إلى ما يؤول فيه في الدنيا حتى من جهة الأمراض فتمنعه، لكن من الذي يؤجر؟ الذي يخشى كلام الناس؟ الذي يخشى الفضيحة والسمعة السيئة؟ الذي يخشى مرض الإيدز؟
لا، الذي يخشى الله.
قضية الترك خشية المرض كوابح ممكن حتى تنفع الكفار، بعض الكفار العقلاء ما يفعل فواحش لهذا السبب، قالوا في حادثة نقلتها بعض الجرائد المحلية: إن زوجة شعرت أن الخادمة ترفع صوتها أمامها، وترفض تنفيذ طلباتها، وإذا ذكرت ذلك لزوجها قام بالدفاع عن الخادمة، فراقبت الحال فاكتشفت علاقة محرمة بين زوجها والخادمة، فصبرت وما تكلمت ولم تمض فترة حتى ذهب الزوج على عمل في سفر، فاستغلت الزوجة الفرصة وسفرت الخادمة، وعندما عاد وسأل عن الخادمة، قالت: رحلتها إلى بلادها، قال: لما؟ قالت: اكتشفنا أنها مصابة بالإيدز.
فبعد سماع الزوج للخير انهار! وحزن! وأصيب بتوتر شديد! ونقص من وزنه عشرين كيلو! وراح يحتضن أولاده والدموع تتساقط من عينيه لاعتقاده بقرب موته! وابتعد عن زوجته مخافة أن يعديها!
-طبعاً- هذا فيه شيء من الشفقة، والحنان، والعطف، ولا في بعضهم لا يخاف الله، ولا يقف عند حد الحرام، ينقل، ثم لما عرف القصة اعترف بخطئه وطلب المسامحة، واشترى لزوجته بيتاً واستقامت حالته.
فقضية خشية الفضيحة وخشية المرض تحول ولكن ليس هذا هو السبب القوي الذي يبقى مع الإنسان، أحياناً مظهر التدين على الشخص يمنعه من أشياء، لحيته تمنعه من أشياء؛ لأن الناس يقولون: هذا كذا ويفعل كذا؟
ولا يريد الإساءة إلى سمعة الدين.
وكذلك فإن التأمل في أضرار المعاصي عموماً يجعل الإنسان يكبح جماح نفسه، فما الذي أخرج الأبوين من دار النعيم، واللذة، والسرور إلى دار الآلام والأحزان؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده، ولعنه، ومسخ باطنه وظاهره فجعله في أقبح صورة؟
وما الذي أغرق أهل الأرض جميعهم حتى على الماء فوق رؤوس الجبال؟
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم صرعى على سطح الأرض؟
وما الذي رفع قرية قوم لوط حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها وأتبعها بالحجارة، وجعل مكانها شيئاً منتناً لا يكاد يوجد فيه حياة؟
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة فقطعت قلوبهم في أجوافهم؟
وما الذي أرسل على قوم شعيب عذاب الظلة فصاروا يقصفون بالنار والصواعق من السماء فتحرقهم، وتقمعهم، وتصعقهم حتى هلكوا؟
وما الذي أغرق قوم فرعون في البحر؟
هذه المعاصي، إنه شؤمها الذي يجعل الإنسان يكبح نفسه ويجاهد لئلا يقع في الحرام.
وبما أن الحرام والأشياء السيئة تبدأ بالخواطر، فإن كبح جماح الخواطر مهم؛ لأن هذه الخواطر هي الأفكار التي تأتي بالمعاصي:إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ [الأعراف: 201].
الاستعاذة:قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس: 1 - 4].
الشيطان إذا ذكرت الله خنس.
وحتى الوسوسة في ذات الله وهذه الوساوس القبيحة، النبي ﷺ أمرنا أن نكبح أنفسنا، ما نسترسل، فقال ﷺ:يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته[رواه البخاري: 3276، ومسلم: 134] خلاص توقف.
قال ابن القيم -رحمه الله-: وقد خلق الله -سبحانه- النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن ولا تبقى معطلة أبداً، فإن وضع فيها حباً طحنته، وإن وضع فيها تراباً أو حصى طحنته، فالأفكار التي تجول في النفس بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى، فمن الناس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتبناً، ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه، فإذا دفعت الخاطرة الواردة عليك ادفع إليك ما بعده، وإن قبلته -ما جاهدت لدفعه- صار فكراً جوالاً.
ومن المعلوم: أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من إصلاح فساد العمل، وتدارك هذا أسهل من قطع العوائد؛ لأن العمل الشيء إذا تحول إلى عادة، الآن تعال خلص هذا من هذه العادة.
ومما يجعل الإنسان يحجم: الخوف من إضلال الآخرين، وذلك في عملية الفتيا، والله -تعالى- قال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33].
وقال لنبيه ﷺ:من أفتي بفتيا غير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه[رواه ابن ماجه: 53، وأحمد: 8266، وحسنه الألباني].
والذين يفتون بغير علم يضلون ويضلون.
ولذلك كانت هذه النصوص مانعة من كثير من الصحابة، والتابعين، والسلف من الدخول في الفتيا، وكان الواحد إذا سئل عن مسألة ردها إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وبعضهم يقول: إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر.
العالم بين يدي الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.
سعيد بن المسيب لا يكاد يفتي في مسألة إلا يقول: اللهم سلمني وسلم مني.
لماذا؟
لأنه يخشى على نفسه.
وعدم كبح جوامح النفس يؤدي بالإنسان إلى مهاوي وربما يندم ولكن نفسه هي التي أردته وما صبر فتأثر وتضرر، وهذه قصة جبلة بن الأيهم لما أسلم وجاء إلى عمر بن الخطاب، وسر المسلمون بذلك، وجاء معه بخمسمائة فارس، ودخل المدينة، وأدناه عمر، وأراد الحج، وخرج جبلة إلى الحج، وطاف بالبيت فوطئ فقير على إزاره، فانحل الإزار فالتفت جبلة مغضباً فلطمه وهشم أنفه، فاشتكى الفزاري إلى عمر.
يا جبلة ما جبلك أن لطمت أخاك فهشمت أنفه؟
قال: وطأ إزاري فحله، ولولا حرمة البيت لضربت عنقه.
قال عمر: أما الآن فقد أقررت، فإما أن ترضيه وإلا أقدته منك.
قال: أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة؟
فقال عمر: يا جبلة إنه قد جمعك وإياه الإسلام فما تفضله بشيء إلا بالتقوى.
فقال جبلة: والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية.
هذا تلقين الشيطان، قال عمر: دع عنك هذا، إن لم ترض الرجل أقدته منك.
قال: إذا أتنصر.
قال: إذا أضرب عنقك.
قال: أخرني إلى غد يا أمير المؤمنين.
قال: لك ذلك.
فلما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة وسار إلى القسطنطينية وتنصر.
هي ردة فعل، واحد ما يقدر يكبح جماح نفسه يروح، خلاص ارتد وكفر، وطال العهد به في الكفر ففكر يوماً في حاله وجعل يبكي ويقول:
تكلفني منها لجاج ونخوة *** وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني *** رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة *** وكنت أسير في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة *** أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
[البداية والنهاية: 8/71].
لو كان لي ببلاد المسلمين سكن لأرضى لو أني أعمى وأصم.
وقبل أن يندم الإنسان على أشياء يجب أن يحكم شرع الله، وينظر في الأمور ولا يستعجل، وبعض الناس يستعجلون في أشياء فيندمون، ولا يحسنون أن يكبحوا جماح أنفسهم، ولا أن يتوقفوا عند المكان الذي يوجب عليهم الشرع الوقوف عنده.
وينبغي على الإنسان أن يعالج قضية الإقدام والإحجام في نفسه فيقدم في الخير، ويحجم عن الشر، ولا يكون صاحب ورع فاسد، كما قال أحدهم: أما الفاحشة وقعنا فيها! لكن خمر لا!
طيب لماذا؟
قال: أنا لا أريد أن أحرم من الخمر في الجنة!
وأتى رجل ليزني بامرأة فلما قعد للزنا! قال: غطي وجهك فإن النظر إلى وجه المرأة الأجنبية حرام!
فبعض الناس يزعم كذا إنه الآن يعني أحجم!
وبعضهم يجعل إحجام عن جزء من المعصية لمعالجة تأنيب الضمير وهو رايح في أنواع الشر، فلا يخدعن الإنسان نفسه فإن الله هو الرقيب.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله على نبينا محمد.