الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص الحديث السادس
عن أبي هريرة قال: سمعت النبي ﷺ يقول: قال الله : ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة [رواه البخاري: 5953، ومسلم: 2111].
شرح الحديث السادس
هذا تحدٍ من الله، وبيان عظيم قدرة الله -تعالى-، وأنه الخالق للكبير والصغير، وأن كل ما سوى الله فهو مخلوق، وهذا فيه تعجيز لغير الله أن يخلق، وأن من الظلم مضاهاة خلق الله في ذوات الأرواح، والمعنى فليخلقوا ذرة، يعني نملة صغيرة فيها روح كهذه الذرة التي خلقها الله، أو ليخلقوا حبة، يعني من العدم حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت، ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير، ونحوهما من الحب الذي خلقه الله -تعالى- كما في "شرح النووي على مسلم".
والغرض تعجيز الذين ينازعون الله أو يدعون لأنفسهم صفات الربوبية أو ينكرون وجوده -تعالى-، أو عندهم غرور علمي يقولون: نحن نخلق! ونحن وصلنا! وفعلنا! واكتشفنا!
نقول: اخلقوا حبة، اخلقوا نملة.
والغرض تعجيزهم تارة بتكليفهم بخلق حيوان وهو أشد يعني فيه روح، وتارة بتكليفهم بخلق نبات وهو أهون؛ لأنه حي لكن ليس فيه روح، الحيوان حي بروح، وكذلك الإنسان ولا قدرة لهم لا على هذا ولا على هذا، كما قال ابن حجر في "فتح الباري".
فضلا عن أن يخلقوا فيلا أو فرسا أو جملا من العدم، ولو اجتمعوا له، بل لن يخلقوا ذبابا، لن يخلقوا دجاجة ولا عصفورة ولا حشرة ولا ذبابة، وهذا من أمثال القرآن، قال الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحـج: 73]، وقوله -سبحانه وتعالى-: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ يعني: هذه الأوثان والأصنام التي تعبدونها أيها المشركون لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ فهذا الذباب على تفاهته لن يستطيع هؤلاء خلقه، وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ لو وقفت الذبابة على رأس الصنم المطيب؛ لأنهم كانوا يطيبون الأصنام يضعون عليها الطيب، فعلق برجل الذباب شيء من الطيب، وطار به لا يستطيعون استنقاذه منه.
فإذن، المعبودات هذه لا تَخلق بل تُخلق: لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا [الفرقان: 3] فلماذا تعبدونهم؟
فهؤلاء الآلهة لو اجتمعوا في صعيد واحد وعاون بعضهم بعضا ما استطاعوا خلق ذبابة، فكيف بما هو أكبر من ذلك. وقد جاء في بعض روايات حديث وعيد المصورين: ومن أظلم ممن خلق خلقا كخلقي [رواه أحمد: 9082] يعني يحاول وإلا ما يستطيع يعمل مجسما، لكن ما فيه روح، يعمل تماثيل ذوات الأرواح، صور ذوات الأرواح، لكن ما فيها روح.
لماذا نهى الشرع عن رسم صور ذوات الأرواح، وعن نحت ذوات الأرواح؟
لقطع الطريق لحماية جناب التوحيد؛ لأن من التوحيد توحيد الربوبية أن يوحد الله في خلقه، أنه لا يخلق إلا الله، ولا يحيي إلا هو.
فالذين يريدون أن يعملوا الأصنام، يعملون التماثيل ذوات الأرواح، وصور ذوات الأرواح يضاهؤون يتشبهون يريدون أن يصنعوا كخلق الله، لكن ما يستطيعون، ولذلك يوم القيامة من عذابهم صناع التماثيل، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم [رواه البخاري: 2105، ومسلم: 2107]، ولا يستطيعون، وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ [الحـج: 73] لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا من طيب ونحوه.
والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أخس المخلوقات، ولا على الانتصار منه، واسترجاع ما سلبهم.
فإذا كان هذا في أضعف الحيوانات أو الكائنات وأحقرها، فلماذا تعبد هذه الأصنام من دون الله والأوثان، ولن تستطيع أن تفعل شيئا، ولا أن تدفع عن نفسها الأذى، ولو سلب منها شيء لا تستطيع استرداده؟ فكيف تعبد؟
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ : الطالب العابد للوثن، والمطلوب الوثن نفسه، ضعف الطالب والمطلوب، فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن هؤلاء المشركون عبادتها؟ كيف تُجعل ندا للقوي العزيز الخالق البارئ ؟ ما قدروه حق قدره، ولا عظموه حق تعظيمه، ولا وقروه : مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، وختم المثل بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحـج: 74] كامل القوة سبحانه، كامل العزة بقدرته، يخلق وبقوته، يوجد سبحانه، قهر كل شيء وغلبه، لا يمانع، ولا يغالب، ولا يُغلب؛ لعظمته وسلطانه وقوته سبحانه، عزيز منيع الجناب، من يقدر عليه سبحانه؟
كمال قوة الله وقدرته
ومن كمال قوته وقدرته: أن نواصي الخلق بيديه، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بإرادته ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
ومن كمال قوته: أنه يمسك السماوات أن تقع على الأرض، يمسك السماوات والأرض أن تزولا: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ يعني ما يمسكهما "إن" يعني: "ما"، ما يمسكهما من أحد من بعده إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر: 41].
ومن كمال قوته: أنه يبعث الخلق كلهم أولهم وآخرهم بصيحة واحدة: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27].
ومن كمال قوته: أنه أهلك الجبابرة والأمم العاتية بسوط من عذابه؛ كرجفة أو صيحة أو صاعقة أو ريح أو خسف أو طوفان، فالله -تعالى- جلت قدرته يخلق من العدم، ويفني إذا شاء، إذا قال: كن للشيء يكون، قال -تعالى- لعبده زكريا : وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [مريم: 9].
ضعف البشر وعجزهم
والبشر لا يستطيعون مهما بلغوا من القوة، قالوا: الهندسة الوراثية، وكملنا خريطة الجينيوم، وفعلنا.. وفعلنا.. وخرجنا من المجموعة الشمسية، وراحت سفننا إلى خارج.
نقول: اخلقوا نملة، أوجدوا من العدم ذبابة، ما يستطيعون إلى الآن كل المختبرات والآلات والأجهزة والتقدم العلمي ما استطاعوا.
قالوا: الخلية الحية! وفككنا! وسوينا! وكل شيء ممكن الآن نفعله ونعمله، ولكن جدار الخلية ما استطعنا السيتوبلازم، لكن الجدار ما سوينا.
لو جاءك شاب متشكك، وقال لك: أنا تأتيني وساوس؟ أو أنا قرأت في كتب وحضرت وسافرت إلى الخارج، يعني أنا عندي شك في وجود الله! وعندي في! ما في؟
قل له: من أوجدك؟ اخلق أنت الآن.
ما هو الإله الذي تؤمن به؟
يقول لك: العلم بعضهم يقول كذا، الإله الذي نؤمن به العلم.
نقول: هل يستطيع إلهك هذا العلم أن يخلق نملة ذبابة؟
الله تحدى البشرية والجن والإنس وكل الخلق كلهم بهذا، فهل في واحد قَبِل التحدي وعمل؟ استطاع يعمل؟
خلاص، سلم، لماذا الغرور؟ العناد؟ سلم، وبس أنت وغيرك من أصحاب العلم الحديث يخلقوا ذبابة من العدم؟ خلاص استسلم، لماذا المكابرة؟
ما غاية ما يفعلونه الآن يفصلون العناصر عن بعضها، يقولون: حللنا هذه! وحللنا هذه! ووجدنا أن هذه مركبة من كذا! وهذه مركبة من كذا! وهذا العنصر موجود في الشيء الفلاني! موجود في الشيء الفلاني!
هيا أوجدوا من العدم؟ طلعوا الخلطة؟ هاتوا نملة؟ ذبابة؟
الله خلق لنا كل شيء، وسخره لنا، هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا، ثم تتمردون عليه: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ [الجاثية: 13]، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: 3]، وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية: 13].
بل الإنسان نفسه إذا تفكر في نفسه وقواه التي خلقه الله عليها ينبغي أن يتعظ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96].
وكل ما توصلت إليه البشرية من إنجازات هي من تعليم الله لهم، علم الإنسان ما لم يعلم: خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن: 3- 4].
وعلمه النطق، وخلق القلم، وعلم الخلق، كل إنجازات البشرية العلمية: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96] كلها من تعليم الله، وتوفيق الله، ومشيئة الله، لو ما هداهم لها ما اهتدوا، ولو ما أذن لهم أن يصلوا إليها وأن يعرفوها ما عرفوها، كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون، وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل: 78]، يعني أكبر مخترع في العالم كيف يولد من بطن أمه؟ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء: 113]، علم الإنسان ما لم يعلم، وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 78].
لو حجب الله الشمس عن عباده ما يستطيعون الوصول إلى أشعتها، ولو أن الله سلط عليهم ريحا عاتية ما استطاعوا دفعها، لو جاءهم تسونامي إيش ترى قواهم؟ البشر إيش قواهم؟ هذه اليابان إيش في من القوى الصناعية الهائلة؟ لما جاءهم تسونامي خلاص تشوف البيوت مثل علب الكبريت، السيارات مثل ولا شيء، خلاص الماء يجرف طرق، ويجرف الجسور، ويجرف العمائر، ويجرف كل شيء، محركات سفن كله جرف، هذا هو الماء، بس هذا جندي واحد من جنود الله، بس واحد وبقوة يعني ولو أن زاد عليهم القوة ما ترى عليها من باقية، خلاص.
وهذه فائدة دراسة هذا الموضوع من عظمة الله الآن، هذا وقت الإلحاد، التصدي للإلحاد، هذا هو، هذا العلم الذي يدفع به الإلحاد: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ [الملك: 30]، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة: 64]، أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة: 58-59]، أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ [الواقعة: 71-72].