الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
مخلص الدرس الماضي
فقد مر معنا في هذه السلسلة: الأربعون في عظمة رب العالمين، حديث النبي ﷺ الذي كان يقوله في ركوعه وسجوده: سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة [رواه أبو داود: 873، والنسائي: 1049، وصححه النووي، وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار"].
وقلنا: إن التسبيح هو التنزيه والتقديس والتبرئة من النقائص، ومعنى: أسبح الله، أو سبحان الله، يعني أنزه الله عن كل نقص وسوء، وكل ما لا يليق به ؛ كالتعب، والإعياء، والعجز، والنسيان، والصاحبة، والولد.
سبحان ذي الجبروت قلنا: مأخوذ من الجبر والقهر، وعرفنا: أن الجبار هذا الاسم العظيم يدور على ثلاثة معان، كلها داخلة فيه: الرؤوف: جبار القلوب المنكسرة، وللضعيف والعاجز، والقهار: الذي خضع له كل شيء، والعلي الأعلى، فهو بمعنى: الأعلى.
وقلنا: الجبروت، الملكوت، الرحموت، الرهبوت؛ هذه صيغ مبالغة، والجبروت: من الجبر والقهر، والملكوت: من الملك، والله هو الملك وصاحب الملك، الموصوف بالعظمة والكبرياء والقهر والتدبير، خضعت له الأشياء، له الخلق والأمر، والكل في العلم علويه وسفليه كل من فيه مضطر إليه، محتاج إليه، لا يقوم إلا به، وكل الخلق عبيده ومماليكه، فهو الآمر الناهي، المعز المذل، قهرهم بالموت: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: 26- 27]، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ [الحشر: 23]، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء [آل عمران: 26].
كل الملوك يموتون إلا ملك الملوك لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ [الحديد: 5]، لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة: 120]، مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4].
والكبرياء: العظمة والملك والجلال والمجد، من الكبر بمعنى العظمة.
وقيل: كمال الذات، ولا يوصف بالكبرياء إلا الله، قال تعالى: وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية: 37].
الكبر لا يليق إلا بالله، والكبرياء لا يليق إلا بالله، والمتكبر اسم لا يليق إلا بالله، ومن أسمائه: المتكبر، والكبير، فهو العظيم ذو الكبرياء، المتعالي عن صفات الخلق، المنزه عن السوء.
وقوله في الحديث: والعظمة العظمة قريبة من الكبرياء في المعنى، فيكون العطف عطف تفسير. كما في "شرح أبي داود" للعيني، وكما في "نيل الأوطار" للشوكاني.
لكن الكبرياء أعلى من العظمة، ولهذا جاء في الحديث: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري [رواه أبو داود: 4090، وأحمد: 8894]، وفي رواية: والعزة إزاري؛ فمن نازعني واحدًا منهما ألقه في النار [واه أبو داود: 4090، وأحمد: 7382، وصححه ابن حبان، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن"].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية، والكبرياء أعلى من العظمة، ولهذا جعلها بمنزلة الرداء، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار" [مجموع الفتاوى: 10/196]، والعادة أن الرداء أعلى من الإزار، والكبرياء أعلى من العظمة، يعني صفة أعلى من العظمة، والله له كل ذلك، يعني له الكبرياء، وله العظمة، وله الملك، وهو الجبار، الجبروت الملكوت الكبرياء العظمة سبحان الله.
لك الحمد والنعماء والملك ربنا | فلا شيء أعلى منك جدًا وأمجد |
جدًا: يعني حظًا نصيبًا، ملكًا قوة عظمة.
مليك على عرش السماء مهيمن | لعزته تعنو الجباه وتسجد |
تسبحه الطير الكوامن في الخفا | وإذ هي في جو السماء تصعّد |
ومن خوف ربي سبح الرعد | حمده وسبحه الأشجار والوحش أبَّد |
نص الحديث الحادي والثلاثين
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت خولة إلى رسول الله ﷺ تشكو زوجها فكان يخفى علي كلامها، فأنزل الله : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا الآية. الحديث [أخرجه البخاري -رحمه الله- تعليقا: 9/117]، ووصله النسائي: 3460، وابن ماجه: 188، وأحمد: 24195، وصححه ابن تيمية وابن الملقن وابن حجر].
شرح الحديث الحادي والثلاثين
هذا رجل من الأنصار كان شيخًا كبيرًا اشتكته زوجته إلى رسول الله ﷺ، وشكت حالها معه إلى النبي ﷺ، وحاورت رسول الله ﷺ فيما جرى بينها وبين زوجها، وذلك أنه حرمها على نفسه، ورمى عليها بالظهار، فراجعت الكلام مع النبي ﷺ وعادت وكررت، واشتكت إليه أنها نثرت لزوجها بطنها، حتى إذا كبر سنها، وانقطع ولدها، ظاهر منها، تشكو إلى الله.
حصلت المحاورة بين خولة بنت ثعلبة والنبي ﷺ في حالها وشأنها مع زوجها، حدث في بيت النبوة كانت أم المؤمنين -رضي الله عنها- في ناحية البيت، والمرأة تكلم النبي ﷺ في الناحية الأخرى، تقول عائشة: "فكان يخفى علي كلامها" [رواه النسائي: 3460].
وفي رواية: "ما أسمع ما تقول" [رواه أحمد: 24195، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"]، لكن الله سمع كل شيء، فسمع قولها وشكواها ومجادلتها لنبيه ﷺ، وقال في ختام الآية: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1]، سَمِيعٌ يسمع كل شيء، بَصِيرٌ بحال الناس جميعًا، يسمع الشكوى، ويبصر حال المشتكي، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لجميع الأصوات في جميع الأوقات على جميع الحاجات، بَصِيرٌ يبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
كمال السمع والبصر لله، أسماعنا تضعف، أبصارنا تضعف، عقولنا تضعف، أبداننا تضعف، عظامنا تصاب بالوهن، رؤوسنا تشتعل شيبًا، والله قوي سبحانه.
الحديث هذا فيه إشارة إلى أن الله رحيم، وأن من اشتكى إليه يزيل شكواه، ويرفع بلواه، بل أنزل الله فيها آيات تتلى إلى يوم الدين، والله قال: وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طـه: 7].
إذا كان السر ما في الضمير مما خطر في بالك الآن عندك في نفسك تسره الله يعلمه وأخفى من ذلك، والذي ما خطر على بالك بعد يعلمه سبحانه، يعلم ما سيخطر في البال: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: 80]، أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [التوبة: 78].
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات" يعني أدركها كلها، علمها أحاط بها، ما خفي عليه شيء منها، لا تختلف عليه أصوات المخلوقين، كما واحد يجأر إلى الله في الأرض هذه اللحظة؟ كم واحد يرفع صوته ويسر بالنجوى والشكوى إلى الله يعلم الله كل ما يقولون على اختلاف لغاتهم، وفي وقت واحد، لا تشتبه عليه الأصوات، لا يشغله منها سمع عن سمع، لا تغلطه كثرة المسائل، ولا إلحاح السائلين سبحانه. "طريق الهجرتين".
وقول عائشة -رضي الله عنها- هذا يدل على أن الصحابة آمنوا بالنصوص على ظاهرها الذي يتبادر إلى فهم صاحب اللسان العربي، وأن هذا مراد الله، سميع له سمع حقيقي، بصير له بصر حقيقي، يسمع الأصوات سماعًا حقيقيًّا، وطريقة السلف هذا الإثبات بلا تحريف ولا تغيير ولا تبديل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.
ظاهر النص مراد، القرآن عربي مبين، الله لا يعجزه أن يأتي بلفظة بدل لفظة إذا أراد ذلك، فإذا جاءنا سبحانه بلفظ معين معناها أنه أراده أراد هذا اللفظ، وأنزله: قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر: 28].
سمع الله -سبحانه- نوعان: سمع إدراك، وسمع إجابة:
الأول: أنه يسمع جميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية، ويحيط بها إحاطة تامة في السماوات وفي الأرض.
والثاني: سمع الإجابة، يعني أنه يسمع مجيبًا الداعين والسائلين والعابدين فيثيبهم ويعطيهم، قال الله: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم: 39]، هذا سماع الأصوات العام وإلا سماع الإجابة؟
سماع الإجابة: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء .
قول المصلي: "سمع الله لمن حمده" سمع الإجابة، سمع الله لمن حمده هذا الحامد هذه الطائفة المخصوصة من عباده يسمع حمدهم فيثيبهم على حمدهم.
"سمع الله لمن حمده" يا مصلي هلا تفكرت في هذا وأنت تقولها إذا رفعت من الركوع؛ لأنه يقول الواحد وماذا نفكر في الصلاة؟ بماذا نفكر في مثل هذا؟
فكر "سمع الله لمن حمده" سمعه فاستجاب له وأثابه. كما في "مفتاح دار السعادة" و "تفسير أسماء الله الحسنى" للسعدي و "شرح السفارينية" للشيخ ابن عثيمين، و "الواسطية" كذلك.
والسمع الثاني: هذا سمع الإجابة، لا ينافي الأول سمع الإدراك، بل سمع الإدراك أعم، فسمع الإجابة داخل في سمع الإدراك، لكنه أخص من جهة أنه فيه ثواب وعطاء واستجابة، والله يسمع الجميع، وإذا سمع دعاء الداعين أجاب وأثاب.
ننتقل الآن طبعا هذا العظمة فيه واضحة الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات يعني عائشة تقول: أنا لست بعيدة عنها، وفي أشياء خفيت علي ما سمعتها، والله في عليائه من فوق سبع سماواته على عرشه سمع كلامها كله ما خفي عليه شيء من ذلك، وأجاب شكواها، وأنزل فتواها في هذه السورة المجادلة، سبحانه.
هذا -يا إخواني- مما ينبغي أن نتفكر فيه، هذه العظمة الإلهية، هذه تقود إلى زيادة الإيمان، وزيادة القرب من الرحمن، هذه من أعظم العبادات، هذا التدبر هذا التفكر من أعظم العبادات؛ لأنك تتفكر في عظمة ربك، يعني تفكر في الآيات والأحاديث التي موضوعها عظمة الله، أظنه -والله أعلم- من أعلى أنواع التدبر أجرًا ما في أعلى من ذلك.
طبعا في تفكر في آيات الأحكام والقصص، لكن هذه العظمة الإلهية، موضوع العظمة هذا موضوع يعني جدير بالاهتمام، ويغيب عن كثيرين؛ لأنه ترى عليه يعني أكثر مدار زيادة الإيمان عليه.
نص الحديث الثاني والثلاثين
قال ﷺ: إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد كل القلوب كقلب واحد، كم قلب يعني الآن في العالم؟ سبعة مليار وأربعمائة مليون نسمة، هذا فقط البشر غير الجن، ما نعرف كم الملائكة، والحديث عن البشر إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كلها سبحان الله، يعني هذه السبعة مليار والأربعمائة مليون قلب بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، يهديه، يزيغه، يثبته، يضله، إلى الله، يفتح عليه، يغلق عليه، يشرحه، يفسحه، يضيقه، يميته، يحييه، في حياة القلوب، وموت القلوب إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء [رواه مسلم: 2654].
وتمام الحديث ثم قال رسول الله ﷺ: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك [رواه مسلم: 2654] يعني إذا علمنا هذه المعلومة، إذا علمنا أن قلوبنا كلها بين أصبعين فقط من أصابع الرحمن، ما الذي يعني نخرج به ونفعله ونقوله؟
نقول: يا مقلب القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
وعن أنس قال: "كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت: يا رسول الله آمنا وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء [رواه الترمذي: 2140، وابن ماجه: 3834، وصححه ابن أبي الدنيا، وكذا الألباني في مشكاة المصابيح: 102].
شرح الحديث الثاني والثلاثين
وفي هذا الحديث: بيان أن الله -تعالى- متصرف في قلوب عباده، يتحكم فيها كيف يشاء، لا يمتنع عليه منها شيء، يعني نحن قلوبنا أحيانا تستعصي علينا وتتمرد، والقلب يستغلق، ونستوحش أحيانا، ونجد فيه وحشة الله ما يعجزه شيء من هذه القلوب، نحن حتى يعني نخرج بنية حسنة نتعب، كما قال بعض السلف: إن أمر النية شديد علي أنا أعالج نيتي وهي تنقلب علي.
أجاهد أن يكون العمل خالصًا لله يأتيني وارد الرياء، وارد التسميع، وارد العجب، وارد للمخلوقين، العمل للمخلوقين، إرادة الدنيا، إرادة المال، يعني واحد حتى يقيم قلبه على نية حسنة يتعب جدًا، الله يتحكم في قلوب الخلق كلهم، يعني الله يتحكم في قلب الإنسان أكثر من صاحب القلب نفسه، يعني صاحب الجسد الذي فيه القلب ولا القلب إلا أنه يتقلب.
حمده وسبحه الأشجار والوحش أبَّد | ولا القلب إلا أنه يتقلب |
هو اسمه قلب، من التقلب، والله متصرف فيها، لا يمتنع عليه شيء منها، لا يفوته ما يريده، فمن شاء أقام قلبه، ومن شاء أزاغه، ومن شاء هداه، ومن شاء أضله، سبحانه.
ونحن نؤمن بأن لله أصابع على الحقيقة تليق بجلاله ، ليست كأصابع المخلوقين، ولا ننفيها، ولا نحرف، ولا نؤول التأويل الباطل، وإنما نقول له: أصابع حقيقة، كما أن له وجه حقيقة، وسمع حقيقة، وبصر حقيقة ، نثبتها كما أثبتها له نبيه ﷺ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11].
والذين قالوا كناية عن سلطان الله، وكناية عن التصرف، وكناية.. وكناية.. ضلوا ضلالاً بعيدًا.
اثبتوا ما أثبته الله لنفسه: أأنتم أعلم بالله من الله، أم هم أعلم بنفسه سبحانه؟ فإذا أثبت لنفسه ماذا يضيرك لو أثبت يا عبد الله؟ ماذا يضيرك؟ أثبت، تقول: أخشى التجسيم والتشبيه بالمخلوقين.
طيب من القواعد الأساسية: "ليس كمثله شيء"، ما تعرف تثبت مع إيمانك بأنه ليس كمثله شيء، ما تعرف تثبت أن لله سمع وبصر ووجه ويد، ما تستطيع تثبت وأنت تؤمن مع إيمانك أنه ليس كمثله شيء، لازم تثبت، وتتخيل أنها مثل أصابع المخلوقين، هل عندك الإثبات يستلزم التشبيه؟ لماذا يستلزم التشبيه؟
ما يستلزم التشبيه، سبحان الله، تقول: أنت رأس الجبل، ورأس الإنسان، ورأس المال، كل شيء إذا أضيف بحسبه، خلاص رأس الجبل مثل رأس الإنسان؟ رأس الإنسان مثل رأس المال؟
لا، وأنت تثبت رأس الجبل تقول: لا، في رأس حقيقة، في رأس للجبل حقيقة.
طيب وإذا أثبت الله لنفسه وجهًا ويدًا وسمعًا وبصرًا، ماذا يضيرك أثبت مع التنزيه؟ أثبت مع اعتقادك بأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11].
يجي بعضهم يقول: لا، بس هذا يمكن يستلزم المماسة والمباشرة، لماذا -سبحان الله- يعني بعض الناس يقول: لازم ننزه الله، ما نثبت له الأصابع، كيف يعني قلوب العباد بين أصبعين، يعني هذا يستلزم المماسة، لماذا إذا نحن يعني كل الأرض السماوات والأرض كلها يعني بالنسبة للكرسي مثل حلقة في صحراء، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في صحراء، والعرش بالنسبة لله ماذا؟!
إذن، نحن كلنا ماذا ولا الهباءة، هذه إذا جاء شعاع الشمس طلع فيه الجسيمات الصغيرة، هذه تتحرك هباءة، ذرة نحن كلنا ولا ذرة لله، تجي تقول: الآن إذا أثبتنا أن قلوب العباد بين أصبعين يستلزم المماسة، يعني هذا شغل واحد لا يعظم الله يعني، ما يعقل عظمة الله، نحن كلنا كل السماوات ولا ذرة بالنسبة لله، ليس كمثله شيء، ولو الشيطان ألقى في بالك، وألقى في عقلك أشياء كذا الصورة، وكذا شكله، شيء قبيح، الله ليس كذلك قطعًا، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وعقيدتنا السليمة والحمد لله، وحتى -سبحان الله- العلماء لما ناقشوا وردوا، قالوا: أنت تقول بدر بين مكة والمدينة، لا تستلزم مماسة لمكة ولا مماسة للمدينة.
وتقول: شعبان بين جمادى وذا القعدة.
فنحن نؤمن بما جاء عن الله على مراد الله بما جاء عن رسول الله ﷺ على مراد الله ورسوله، وإذا سمعنا من هذا الحديث أثبتناه لله، وقلنا: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء، ويقلبها حيث شاء، نواصي العباد كلها بيده، وهو على كل شيء قدير.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال: 24] وإذا حال بين المرء وقلبه، أي هداية تصل؟ وأي نور يصل؟ وأي هدى يصل؟
خلاص هذه عقوبة عظيمة أن الله يحول بين المرء وقلبه، يرده على عقبيه، ينتكس -والعياذ بالله-، ولذلك معنى الآية: إياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم؛ فيحال بينكم وبينه إذا رددتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء، ويصرفها أنى شاء، فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك.
ومن دعاء الراسخين في العلم: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8].
وفي دعاء النبي ﷺ: اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني [رواه البخاري: 2717].
الله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ولا تضره معصية العاصي، ولا تنفعه طاعة الطائع: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكم [الزمر: 7]، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [الزمر: 41].
فمن استعاذ بعزة الله وتوسل إليه بتوحيده هداه ونجاه.
لا رب أرجوه لي سواك | إذ لم يخب سعي من رجاك |
إن أنت لم تهتدنا ضللنا | يا ربي إن الهدى هداك |
أحطت علمًا بنا جميعًا | أنت ترانا ولا نراك |
نص الحديث الثالث والثلاثين
عن النبي ﷺ في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29] قال: من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويخفض آخرين [رواه ابن ماجه: 202، وحسنه البوصيري، وضعفه ابن حجر في "تغليق التعليق" وروي موقفا عن أبي الدرداء ، وذكره عنه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، ورجحه الدارقطني في "العلل"، وحسنه من المعاصرين الألباني -رحمهم الله-].
شرح الحديث الثالث والثلاثين
الله -تعالى- رب العالمين، له مقاليد السماوات والأرض، بيده الخزائن، وهو السيد الصمد الغني؛ تصمد إليه المخلوقات، يعني: تقصده في حوائجها، وهي محتاجة إليه، مفتقرة تلجأ إليه ذلا، الكل خاضع له، وهو سبحانه الغني عن عباده، كما قال: يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29].
هذا من أحاديث العظمة الإلهية.
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال: من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويخفض آخرين فهو الغني عن جميع مخلوقاته، واسع الجود والكرم والخلق إليه مفتقرون، يسألونه جميع حوائجهم، ولا يستغنون عنه طرفة عين، حتى الكافر حتى الملحد الذي يجحده محتاج إليه، والملحد الذي يجحد وجود الله هو نفسه في قبضة الله، فإذا شاء أمرضه أمرضه، وإذا شاء شفاه شفاه، وإذا شاء أفقره أفقره، وإذا شاء أغناه أغناه، وإذا شاء قبضه قبضه وأماته، وإذا شاء أحياه وأبقاه، فهذا الملحد في قبضة الله، وهذا الملحد لا يحيى ولا يقوم له قوام إلا بالله، وتنفسه محتاج فيه إلى ربه، ولو شاء الله أن يقطع نياط قلبه الوتين لو شاء الله أن يقطع وتينه لقطعه، ذرات جسد الكافر توحد الله: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء: 44].
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ كما في سورة الرحمن سبحانه، وما يشغله شيء عن شيء أبدا: وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد: 8].
وكل فعل من أفعاله لحكمة -سبحانه- مدبر الأمور: يدبر الممالك، يدبر السماوات، يدبر الأرض، ويدبر البشر، ويدبر الرزق، ويدبر الأمر بين السماء والأرض.
لا إله إلا هو سبحانه، يغفر ذنبًا، يفرج كربًا، يجيب داعيًا، يكشف غمًا، يغني فقيرًا، يجبر كسيرًا، ينصر مظلومًا، يأخذ ظالمًا، يفك عانيًا، يشفي مريضًا، يعطي قومًا، يمنع آخرين، يؤتي الملك من يشاء، ينزع الملك ممن يشاء، يميت يحيي، يخفض يرفع، يقيل عثرة، يستر عورة، يعز ذليلا، يذل عزيزًا، يعطي سائلاً، يذهب بقوم ويأتي بآخرين، يداول الأيام بين الناس، ينصر هذا، ويذل هذا سبحانه.
سبحانه يسمع السائلين، ولا تغلطه المسائل، قال مجاهد: "كل يوم هو يجيب داعيًا، ويكشف كربًا، ويجيب مضطرًا، ويغفر ذنبًا".
قال قتادة في تفسير الآية: لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض، يحيي حيًا، ويميت ميتًا، ويربي صغيرًا، ويفك أسيرًا، وهو منتهى حاجات الصالحين، وصريخهم، ومنتهى شكواهم، يسمع دعاء المضطر في لجج البحر في الظلمات، ينجي من يشاء، ويغرق من يشاء سبحانه.
فسبحان الكريم الوهاب الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات، وعم لطفه جميع الخلق، حتى فروخ الطير في كل الآنات واللحظات، لا يمنعه عصيان العاصي أن يعطيه فيرزقه ويعافيه وهو يكفر به، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به، لا يمنعه عن إعطائهم يعطيهم، التقادير والتدابير عنده، قضى كل شيء في الأزل: وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253].
يسلط من يشاء على من يشاء، ينشب حربًا إذا أراد، ويطفئ نار الحرب إذا أراد: كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة: 64]، قضى وقدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، أحصى ذلك كتابه، وجرى به قلمه، ونفذ فيه حكمه، وسبق به علمه.
أحكامه الشرعية هذه صادرة عن حكمته، ما في حكم عبثي لا شرعي ولا قدري، يتصرف في مملكته وممالكه سبحانه، كل شيء ملكه، تصرف الملك القادر القاهر العادل الرحيم، لا ينازعه في ملكه أحد، ويأخذ كل أحد، وهكذا أفعاله وأحكامه دائرة بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة، ما خلق السماوات والأرض باطلاً ولا لعبًا ولا عبثًا.
وقوله ﷺ: ويرفع قوما يعني يرفعهم إلى الدرجات العلا في الجنة بفضله، ويرفعهم في منازل القرآن، وفي منازل العلم والدرجات، ويرفعهم في منازل الدنيا والمال، يرفع من يشاء، سلطانًا، نسبًا، يرفع من يشاء دينًا ودنيا، ويخفض آخرين، يخفض الكفار والمنافقين في النار في الدرك الأسفل، ويخفض من يشاء في الدنيا فيضيق عليه رزقًا لحكمة، قال في الحديث: يخفض القسط ويرفعه [رواه مسلم: 179].
وفي حديث آخر: وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع [رواه البخاري: 7411، ومسلم: 993].
فالله -تعالى- يحكم في خلقه بميزان العدل؛ من عمل ما يستحق الرفع رفعه، ومن عمل ما يستحق الخفض خفضه، وفضله ورحمته عظيمة، يخفض الميزان تارة بتقتير الرزق والخذلان بالمعصية، ويرفع تارة بتوسيع الرزق والتوفيق للطاعة عدلا وحكمة، فيخفض من يشاء، ويرفع من يشاء، ويوسع الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء.
هذا في "أعلام الحديث" للخطابي، و "المفهم" للقرطبي، و "شرح النووي على صحيح مسلم"، و "فتح الباري"، و "إرشاد الساري"، و "مرقاة المفاتيح"
نص الحديث الرابع والثلاثين
الحديث الأخير في هذا الدرس: رقية النبي ﷺ: اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي هذا من عظمته لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقمًا [رواه البخاري: 5675].
شرح الحديث الرابع والثلاثين
هذا له قصة الحديث عن عبد العزيز بن صهيب قال: "دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك، فقال ثابت: يا أبا حمزة اشتكيتُ؟ الحين ثابت يشتكي لأنس ، فيقول: "يا أبا حمزة اشتكيت؟ فقال أنس : ألا أرقيك برقية رسول الله ﷺ؟ قال: بلى" [رواه أحمد: 5742] فذكر الحديث.
وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي ﷺ يعوّذ بعضهم يمسحه بيمينه" [رواه البخاري: 5750].
طبعا المسح باليمين تفاؤل بزوال العلة، واليمين لها فضل على الشمال.
ماذا كان ﷺ يقول في التعويذ: أذهب الباس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا [رواه البخاري: 5675] لا يغادر يعني لا يترك، وقالوا: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف: 49].
كان ﷺ يرقي نفسه وغيره بهذا؛ كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده" تقول "فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه، طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي ﷺ عنه، رجاء بركتها" [رواه البخاري: 4439، ومسلم: 2192] يعني النبي ﷺ في حالة الوهن وهو في الاحتضار على فراش الموت، عائشة تأخذ بيده الشريفة رجاء بركتها، فتمسح على نبي الله ﷺ بيده ﷺ رجاء بركتها.
ورقاه جبريل قال: يا محمد اشتكيت فقال: نعم، فقال: بسم الله أرقيك في أحد المرات جاءه جبريل رقاه باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس يعني سواء كان العين الحاسدة، أو بمعنى الآدمي من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك [رواه مسلم: 2186].
كان ﷺ رقي الحسن والحسين -رضي الله عنهما- وكان يعوذهما، ويقول: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ذات السم الذي يقتل الهامة، ومن كل عين لامة التي تلم وتصيب بالسوء إذا حلت بالشيء، يعني يقول ﷺ للحسن والحسين وهو يعوذهما هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل ابنيه -عليهم السلام-. [رواه البخاري: 3371، والترمذي: 2060 واللفظ له].
ومسح النبي ﷺ بعض أعضاء جسد المريض بيده الشريفة؛ كما فعل مع سعد في مرضه، فوضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهه وبطنه، ثم قال: اللهم اشف سعدا، وأتمم له هجرته [رواه البخاري: 5659، ومسلم: 1628].
علمنا النبي ﷺ أن نرقي أنفسنا؛ ضع يدك على الذي تألّم من جسدك، وقل: باسم الله ، ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر [رواه مسلم: 2202].
فالله -عز وجل- من عظمته وعزته وربوبيته أنه هو الشافي وحده، الشفاء بيده، لا شافي إلا هو، لا طبيب، ولا خبير، ولا استشاري، الشافي هو الله، يقدر الأسباب وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80].
يقول الإمام ابن عبد البر -رحمه الله-: "البرء ليس في وسع مخلوق أن يعجله قبل أن ينزل أو أن يقدر وقته وحينه، وقد رأينا المنتسبين إلى علم الطب يعالج أحدهم رجلين وهو يزعم أن علتهما واحدة، في زمن واحد، وسن واحد، وبلد واحد، وربما كانا أخوين توأمين، غذاؤهما واحد، فعالجهما بعلاج واحد، فيفيق أحدهما، ويموت الآخر، أو تطول علته، ثم يفيق عند الأمد المقدور له" [التمهيد: 5/ 264].
لذلك النبي ﷺ توسل في هذه الرقية إلى الله بكمال ربوبيته اللهم رب الناس ، وكمال رحمته بالشفاء أذهب الباس، مذهب الباس وأنه وحده الشافي، وأنه لا شفاء، فتضمن التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته. [زاد المعاد].
المريض يتوسل إلى الله بربوبيته العامة اللهم رب الناس ؛ لأن الله هو الخالق المالك المدبر خلقتني أنت تمرضني، وأنت تشفيني قدرت علي المرض، أسألك الشفاء، أسألك أن ترفعه، الطبيب سبب، الدواء سبب، الشافي هو الله، أنزل القرآن رحمة للعالمين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء [يونس: 57] جعل الله القرآن شفاء لأمراض القلوب، شفاء من الوسواس والنفاق، والشك والشبهات والشهوات، والحسد، وسوء الظن، ماذا تريد من أدواء القلب، وأمراض الأبدان أيضا شفاء: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء [فصلت: 44]، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] كل القرآن شفاء، والمعوذتان أفضل ما يتعوذ به، والفاتحة.
هل تقاوم الجراثيم كلام رب الأرض والسماوات، ولذلك الاستشفاء بالقرآن عبادة عظيمة؛ لأن فيها لجوء إلى الله بكلامه، اللجوء إلى الله بكلامه استشفاء بكلامه، هذا أعظم الأدوية، ولذلك حتى سواء كانت الأمراض يعني حسية معنوية قلبية نفسية جسدية، العلاج ينفع فيها كلها القرآن ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء [رواه البخاري: 5678] منه هذا القرآن لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برء بإذن الله [رواه مسلم: 2204].
وأنزل الله أدوية حسية، وأخبرنا عن مكامن للأدوية: الحبة السوداء، والعسل، والحجامة، والسنا، والسنوت، والعود الهندي، والقسط البحري، فيه أخبرنا عن مكامن للأدوية، والرقية علاج عظيم، ولا تفريق ما يجي واحد يقول: أنا أصبت بمرض استعمل القرآن، وإلا أروح للمستشفى؟
يا أخي: استشف بالقرآن، واذهب للمستشفى، لماذا الفصام؟ ارق نفسك، واذهب للطبيب، ارق نفسك، وسو عملية، ارق نفسك، وابلع حبوب الدواء، ما في تعارض ترى القرآن يعني ما يضر، لا يضر، هذه الأدوية تتضارب مع بعض، أدوية أهل الدنيا.
أما هذا الرباني، هذا ما يضر، ولا يتضارب مع شيء، بل ربما أفاد في إبعاد الأضرار الجانبية لبعض الأدوية.
أقول: ربما أن هذا القرآن يفيد في إبعاد الأضرار الجانبية لبعض الأدوية.
ولذلك اجمع بينهما -يا عبد الله- ولا تقل: هذا أو هذا؟
وقد لا يوجد علاج أصلاً عند الأطباء قد يقولون لك: ميؤوس، ما نعرف، ما عندنا، ما وصل علمنا إلى شيء، عجزنا، والقرآن يؤثر.
وصلى الله على نبينا محمد