الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
نص الحديث الخامس والعشرين
ففي سلسلة الأربعون في عظمة رب العالمين تقدم معنا شرح أربعة وعشرين حديثًا من أحاديث النبي ﷺ، والآن إلى الحديث الخامس والعشرين، قال ﷺ: اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد ﷺ حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت؛ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، أنت إلهي، لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله [رواه البخاري: 1120، ومسلم: 769].
شرح الحديث الخامس والعشرين
هذا جمع للروايات التي وردت لهذا الحديث.
الحديث هذا في الحقيقة دعاء من أدعية الاستفتاح التي ذكرها النبي ﷺ في قيام الليل، وكان له في قيام الليل استفتاحات خاصة، ليست في صلوات الفريضة وغيرها، وإنما وردت في قيام الليل خاصة.
وهذا الدعاء العظيم، هذا دعاء استفتاح فيه تعظيم لله، وفيه معاني عديدة، ومنها: التوحيد، والإيمان، والتصديق، والإخلاص، والتوكل، والانقياد، والتسليم، والإخبات، والإنابة إلى الله -تعالى-، والتضرع، والخضوع، والثناء على الله بما هو أهله من أعظم الثناء، والإقرار بوعد الله ووعيده وبالبعث وبجنته وناره، قاله نبينا ﷺ أعلم الخلق بالله، وأشدهم له خشية، وأكثرهم له تعظيمًا.
وقد أكمل النبي ﷺ مقام العبودية والإحسان على وجهه، فكان ﷺ يعبد الله كأنه يراه، إجلالاً لله ومحبة وخضوعًا وخشية وحياء، وكان يأتي بالعبادات على أحسن الوجوه تحسينًا وإكمالاً وإتقانًا، فهو أفضل المحبين لله، وأفضل المتوكلين على الله، وأفضل العابدين والعارفين به -سبحانه- والتائبين إليه، فلنا في نبينا ﷺ أسوة حسنة؛ كما قال الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].
وقال ﷺ: أما لكم في أسوة [رواه مسلم: 681].
شرح قوله: ((اللهم لك الحمد))
قال في الحديث: اللهم لك الحمد ، اللهم يا الله، الميم تعويض عن ياء النداء؛ لأن أصل الكلمة: يا الله، لما حذفت ياء النداء صارت الميم في آخر لفظ الجلالة دالة عليها.
اللهم يا الله.
فهذه إذن، الميم عوض عن ياء النداء.
لك الحمد أصل العبارة: الحمد لك، الحمد مبتدأ، لكن قدم الخبر وهو الجار والمجرور لك الحمد دلالة على الحصر والاختصاص.
الفرق بين الحمد لك ولك الحمد
لو واحد قال: ما الفرق بين "الحمد لك" و "لك الحمد"؟
"لك الحمد" في الحصر والاختصاص أعظم.
و "أل" في لفظة الحمد تفيد الاستغراق، يعني استغراق جميع أنواع الحمد، وجميع المحامد، تفيد الاستغراق والاستقصاء الحمد.
فإذن، جميع الحمد مستحق لله، جميع الحمد واجب لله، إثبات كمال المحامد لله -تعالى-. كما في "مرقاة المفاتيح" وغيره.
الحمد ما هو؟
وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، فليس فقط وصف المحمود بالكمال، لا بد أن يكون معه محبة وتعظيم، وإلا لا يكون حمدًا، والكمال هذا الكمال الذاتي والوصفي والفعلي، يعني كمال الذات والصفات والأفعال، قال أهل العلم: مجرد وصفه بالكمال دون محبة ولا تعظيم لا يسمى حمدًا، وإنما يسمى مدحًا، فمجرد وصفه بالكمال بدون محبة وخضوع وتعظيم ما يكون حمدًا يكون مدحًا، فإذا أردت الحمد لا بد أن تذكر كماله مع المحبة والتعظيم، حتى يكون حمدًا، ولذلك قد يقع المدح من شخص لشخص لا يحبه؛ كما يقع من كثير من الشعراء لمن لا يحبونهم، لكن يريدون عطاياهم فقط.
وحمدنا لربنا -سبحانه وتعالى- يشتمل إذن على المحبة والتعظيم، ولذلك صار لا بد من القيد في الحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم.
هذا مختصر الحمد؛ ذكر كماله مع محبته وتعظيمه.
فالحمد إذن، فيه إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه، بخلاف المدح فإنه خبر مجرد. [بدائع الفوائد: 2/93].
الحمد ثناء على الله بصفات الكمال وبأفعاله، ثناء عليه بصفاته وأفعاله، وأفعاله دائرة بين الفضل والعدل؛ فله الحمد بجميع الوجوه. [ذكره السعدي -رحمه الله-].
الفرق بين الحمد والشكر
ما هو الفرق بين الحمد والشكر؟
الحمد الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، لو قلت لك مثلا: القدوس هذا من الأسماء اللازمة أو المتعدية؟
اللازمة؛ لأنه معناها المطهر من النقائص والعيوب.
طيب إذا قلت لك: الشكور الغفور الخالق متعدية.
والحمد يكون باللسان والقلب، فالله -تعالى- محمود على أسمائه وصفاته وأفعاله، وعلى نعمه، وعلى أمره وحكمه وشرعه، المحمود أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
أما الشكر لا يكون إلا على الصفات المتعدية، أنت تحمد من يستحق الحمد سواء لك معروفًا وإلا ما صنع لك معروفًا، لكن لما تقول: شكرته لا بد أن يكون قد صنع لك معروفًا، وإلا لا يسمى مدحك له شكرًا، فمن الفروق بين الحمد والشكر: أن الحمد الثناء على المحمود لأجل صفاته وأفعاله وعظمته.
الشكر لأجل ما صنع لك وأعطاك من النعم والهبات، وأسدى إليك، وأسبغ عليك.
فإذن، الشكر لا بد أن يكون على الصفات المتعدية، ويكون الشكر بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا؛ كما قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا [سبأ: 13].
فالشكر ما هو فقط باللسان، في شكر بالقلب وباللسان وبالجوارح، الحمد يكون مقابل نعمة وبدونها، الشكر لا يكون إلا في مقابل نعمة.
فالحمد والشكر بينهما عموم وخصوص، يعني من جهة الحمد أعم ومن جهة الشكر، أعم كيف؟
الحمد أعم من الشكر من جهة ما يقعان عليه من حيث ما يقعان عليه ما يطرقان عليه؛ لأن الحمد يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، وفي البشر، تقول مثلا: حمدته لشجاعته لفروسيته ولو ما طالك منه معروف، ولا أسدى لك شيئًا من الخير؛ لأنه عندك يستحق الحمد لصفاته سواء أعطاك وإلا ما أعطاك، لكن لما تقول: شكرته لا بد أن يكون قد أعطاك شيئًا تشكره عليه خيرًا نعمة.
طيب هذا الحمد أعم من الجهة هذه، طيب ومن أي جهة يكون الشكر أعم من جهة وسائل الشكر، يعني الآن قلنا: الحمد يكون بالقول والقلب، أما الشكر بالقلب والقول والفعل، والشكر أخص من جهة أنه على الأفعال المتعدية، فلا تقول في اللغة: شكرته على علمه، شكرته على حياته، على سمعه على بصره، لكن تقول: حمدته.
ما تقول شكرته على ذكائه ونباهته وعقله، ما تقول في اللغة هكذا، تقول: حمدته على ذكائه ونباهته، وهكذا.. لكن تقول: شكرت فلانًا على كرمه وإحسانه، هذا في ["الفروق اللغوية" للعسكري و "مدارج السالكين" و "تفسير ابن كثير" وغيرها].
الله -تعالى- مستحق للحمد الكامل من جميع الوجوه، ولهذا النبي ﷺ كان إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال [رواه ابن ماجه: 3803، وجوده إسناده النووي -رحمه الله-، وصححه البوصيري] فالحمد في جميع الحالات.
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنت نور السماوات والأرض))
قوله ﷺ بعدها: أنت نور السماوات والأرض يعني منورهما، ومدبر أمورهما، فالله -تعالى- منور السماء بالكواكب والشمس والقمر.
وقيل: نورها بالملائكة كما نور الأرض بالأنبياء.
وقال أبي بن كعب والحسن وغيرهما: "مزين السماوات والأرض" زين السماء بالشمس والقمر والنجوم، وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والصالحين.
وقيل: نور السماوات والأرض، هادي أهل السماوات والأرض، فنبوره اهتدى أهلهما. كما في "البغوي" و" القرطبي" و "ابن كثير" و "فتح الباري".
وروي في دعاء النبي ﷺ وهو منصرف من الطائف أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تُنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك [رواه الطبراني: 181، وفيه ضعف، معضل].
قال ابن القيم -رحمه الله-: والحق أنه نور السماوات والأرض بهذه الاعتبارات كلها، يعني كل ما تقدم من معاني نور السماوات والأرض، والنور بهذه المعاني من أفعاله سبحانه، والنور أيضًا من أوصافه، ومنه: اشتق له اسم النور. كما في "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية".
فالله -تعالى- نور السماوات والأرض، وهذا يشمل: النور الحسي، والنور المعنوي، فهو -تعالى- بذاته نور، وحجابه نور، وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر، وبه استنارت الجنة.
أما النور المعنوي فهو يرجع إلى لله أيضًا، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور، وبصيرته البصيرة منه في قلب المؤمن نور، يرى به المؤمن، ويميز الحق الباطل، الحلال الحرام، السنة البدعة، الشبهات، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات. كما قال السعدي -رحمه الله-.
قال ابن القيم في "نونيته":
نور السماوات العلى من نوره | والأرض كيف النجوم والقمران |
من نور وجه الرب جل جلاله | وكذا حكاه الحافظ الطبراني |
فبه استنار العرش والكرسي مع | سبع الطباق وسائر الأكوان |
وكتابه نور كذلك شرعه | نور كذا المبعوث بالفرقان |
وكذلك الإيمان في قلب الفتى | نور على نور مع القرآن |
وحجابه نور فلو كشف الحجا | ب لأحرق السبحات للأكوان |
وإذا أتى للفصل يشرق نوره | في الأرض يوم قيامة الأبدان |
وكذاك دار الرب جنات العلى | نور تلألأ ليس ذا بطلان |
[الكافية الشافية، ص: 212].
قال عليه الصلاة والسلام: ((ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض))
قال ﷺ: ((ولك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض)).
وفي رواية لمسلم: قيّام [رواه مسلم: 769] قيّم قيّام قيّوم كلها صيغة مبالغة تدل على قوة القيام وكماله، فهو قائم بالسماوات والأرض -سبحانه- قائم بها، ولا تقوم إلا به، ومن أسمائه: القيوم؛ كما في آية الكرسي، كما في آل عمران.
"القيوم" كامل القيومية، لها معنيان الاسم هذا له معنيان:
المعنى الأول: الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته واستغنى عن مخلوقاته، قائم بنفسه مستغن عن خلقه.
المعنى الثاني: قامت به الأرض والسماوات والمخلوقات، فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها، فهو الغني من كل وجه، وكل ما سواه مفتقر إليه من كل وجه. كما ذكر السعدي -رحمه الله- في "الحق الواضح المبين".
قال قتادة: "القيوم القائم على خلقه بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم. كما في "الزاهر"، لابن الأنباري.
فهو -سبحانه- قام بنفسه، فلم يحتج إلى أحد، وقام كل شيء به -تعالى- فكل ما سواه محتاج إليه. "مدارج السالكين".
القيوم: اسم متضمن لكمال غناه، وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه -سبحانه-، وهذا من كمال قدرته وعزته. كما في "بدائع الفوائد".
قال ابن القيم -رحمه الله- في النونية:
هذا ومن أوصافه القيومُ والـ | قيوم في أوصافه أمران |
إحداهما القيوم قام بنفسه | والكون قام به هما الأمران |
فالأول استغناؤه عن غيره | والفقر من كلٍّ إليه الثاني |
والفقر من كلٍّ إليه الثاني | موصوفه أيضًا عظيم الشان |
[الكافية الشافية، ص: 211].
فإذن، معنى ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض أقمتهما من العدم، أوجدتهما وأنت قائم عليهما يا ربنا بما يصلحهما، فأنت الخالق الرازق، المالك المدبر، المحيي الميت، الغني عن كل شيء، وكل من سواك فقير إليك، ومصيره إليك، كما أنك أنت الذي أوجدته، فلك الحمد، هذا في "شرح كتاب التوحيد، للشيخ الغنيمان" من عرف الله بقيوميته دعاه، وتوسل إليه، وأنزل به حاجته، واستغاث به، أصلا قيوم كل شيء قائم به، كل شيء معتمد عليه، كل شيء مفتقر إليه، ولذلك اللجوء إليه ودعاؤه هذا التوحيد لا يفهمه عباد القبور يذهبون إلى الأموات ويسألونهم والأولياء والأضرحة.
لكن لو يفهمون اسم القيوم يلجؤون إلى غيره؟ لو يفهمون اسم القيوم يسألون غيره؟
فمن عرفه -سبحانه- بقيوميته دعاه واستغاث به، وتوكل عليه، ولجأ إليه، وتوسل إليه.
والنبي ﷺ علم فاطمة -رضي الله عنها- ابنته أن تقول في كل صباح ومساء: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث؛ أصلح لي شأنه كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين [رواه الحاكم: 2052، وابن السني: 48، وصححه المنذري، وحسنه الألباني].
قال ابن القيم -رحمه الله-: انتظم هذان الاسمان، يعني الحي القيوم، هذه في آية الكرسي، وفي أول آل عمران الحي القيوم.
وهل وردت أيضًا في كتاب الله؟ هل ورد هذا الاسم أيضا في موضع ثالث غير البقرة وآل عمران؟
في طه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طـه: 111].
فهذه ثلاثة مواضع: في آية الكرسي في البقرة، وفي مطلع آل عمران، وفي سورة طه، في ذكر القيامة والآخرة وماذا يكون فيها: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ذلت وخضعت لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طـه: 111].
هذان الاسمان قد اشتملا على صفات الكمال والغنى التام والقدرة التامة، فكأن المستغيث بهما مستغيث بكل اسم من أسماء الله -تعالى-، وبكل صفة من صفاته، فما أولى الاستغاثة بهذين الاسمين أن يكونا في مظنة تفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإنالة الطلبات. [بدائع الفوائد: 2/184].
((ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن))
وقوله ﷺ: ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن كما قال تعالى في سورة الفاتحة: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] الرب الخالق المالك المدبر.
الرب تجتمع فيه ثلاثة أوصاف: الخلق والملك والتدبير، فهو الخالق لكل شيء، والمدبر لجميع الأمور. ["ابن عثيمين، في تفسير سورة الفاتحة"].
"العالمين" جمع عالم، وهذا الوزن في الجموع لا يوجد إلا في كلمتين في اللغة: عالمين جمع عالم، وياسمين جمع ياسم.
إذن، ياسمين، مش يعني يا أيها السمين، ياسمين جمع يعني كلمة واحدة، جمع ياسم.
وقيل غير ذلك، يعني في ثلاث هذه المشهورة.
طيب العالمين جمع عالم، نحن نقول الآن عوالم في القرآن عالمين، يعني ما جمعت في القرآن عالم على عوالم، لكن جمعت على عالمين، وليس عالـمَين، عالـمَين يعني مثنى، عالـمِين جمع، العالمين: كل ما سوى الله؛ عالم الملائكة، وعالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الطير والوحش والسمك، وصفوا بذلك؛ لأنه علم على...
طيب رب العالمين، علم على خالقهم رب العالمين؛ لأنه خلق العوالم هذا، ففي كل شيء من المخلوقات آية تدل على أنه الخالق؛ في قدرته، وحكمته، ورحمته، وعزته، وغير ذلك من معاني الربوبية.
وتربية الله لخلقه نوعان: عامة وخاصة، يعني مثلا لما تقول: الرب يعني يربي، فتربيته لخلقه نوعان: عامة في خلقه لهم وإيجاده ورزقه وهدايته لمصالحهم هدايته لهم، أو هدايتهم لمصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
أما الهداية الخاصة: فهدايته لأوليائه وعباده المؤمنين فيربيهم بالإيمان، هذه التربية الخاصة.
التربية قلنا: نوعان تربية عامة تشمل خلقهم ورزقهم وهدايتهم إلى ما فيه مصالحهم.
وتربية خاصة، وهي تربيته لأوليائه وعباده المؤمنين، فيربيهم بالإيمان وينمي الإيمان في قلوبهم، ويوفقهم للهدى والحق، ويكمله لهم، ويدفع عنهم ما ينقص ذلك، والصوارف التي تنقصه أو تضره وتحول بينهم وبينه.
فإذن، الله يربي عباده، وحقيقة التربية التوفيق لكل خير، والحماية من كل شر.
ولعل السبب هذا في أن أدعية الأنبياء في القرآن أكثرها مصدرة: "ربنا"، و "رب".
إذن، الأدعية في كتاب الله -سبحانه وتعالى-، أدعية الأنبياء التي ذكرها الله في كتابه مصدرة بالربوبية "رب" مناداة الرب لما اشتملت عليه كلمة الرب من المعاني العظيمة، الدالة على القدرة، والداعي يريد من يقدر على تلبية طلبه، ولذلك يقول: "رب"، و "ربنا".
لكن هناك في القرآن أدعية مصدرة بـ اللهم ، مثال: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: 26].
سورة المائدة: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء [المائدة: 114].
طيب في من أدعية الكفار مصدرة بـ اللهم في القرآن؟
في الأنفال: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء [الأنفال: 32].
طيب في من أدعية أهل الجنة اللهم في القرآن؟
طبعا في، لكن نحن ما هو شرط الآن نقول دعاء، وإنما يدعونه بذلك ينادونه بذلك، فالله قال عنهم: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس: 10].
طيب وآخر دعاء في اللهم في القرآن من تعليم لله لنبيه ﷺ: قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر: 46].
طيب قلنا: ربنا، ورب، لما في معنى الرب من المعاني العظيمة، لما اشتملت عليه كلمة: الرب، من المعاني العظيمة ينادونه ويدعونه به، فيدل على خلقه وتدبيره، وكمال غناه، وافتقار العالمين إليه، قال في الحديث: أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن خالقهما ومالكهما ومدبرهما، والمتصرف فيهما، ولا شريك لأحد لك فيها.
معنى قوله: ((أنت الحق))
قال: أنت الحق الحق في ذاته، الحق في صفاته، ووجوده حق، وأسماؤه حق، وصفاته حق، وشرعه حق، ودينه حق، وكتبه حق، وقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وعبادته حق، وكل شيء ينسب إليه فهو حق: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان: 30]، وقال تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ [الكهف: 29].
معنى قوله: ((ووعدك الحق))
قال ﷺ: ووعدك الحق ما وعدت به في كتابك وعلى ألسنة رسلك واقع لا شك فيه، إلا إن وعد الله حق، فجنته للطائعين، وناره لمن عاند وتمرد حق.
معنى قوله: ((وقولك الحق))
قال ﷺ: وقولك الحق يعني صدق وعدل ثابتة.
الحق هو الشيء الثابت، يقال: هذا حق فلان، وهذا حقي، يعني هذا الثابت لي، الثابت له.
إذن، من معاني الحق: الثبات، ولا عبث فيه قوله ولا كذب ولا مجازفة ولا شك، قال تعالى: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب: 4]. كما في "شرح ابن بطال" و "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن و"مرقاة المفاتيح"].
قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [الأنعام: 115].
صدقا في الإخبار، وعدلا في الأحكام، كل ما أمر به، كل ما حكم به عدل، كل ما نهى عنه باطل، يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ [الأعراف: 157]، إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: 90].
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((ولقاؤك حق))
وقوله ﷺ: ولقاؤك حق يعني: واقع وآت لا محالة، لقاؤك قادم قادم، لقاؤه تعالى البعث بعد الموت، والمصير إلى الدار الآخرة، ووقوف العباد بين يديه للمحاسبة على أعمالهم، لقاء الله هذا هو البعث بعد الموت، والمصير للدار الآخرة، والموقف بين يدي الله. كما ذكره ابن رجب في "فتح الباري" والعيني في "شرح أبي داود"، و"مرقاة المفاتيح" كذلك.
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ [التغابن: 7] هذا حق يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: 6]، يعني فملاق ربك، إنك كدحا إلى ربك كدحا فملاقيه، فملاق ربك.
وقال تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ [البقرة: 223].
وقال الله: وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم: 8]، جاء في حديث جبريل في أركان الإيمان: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث" [رواه البخاري: 50، ومسلم: 9 و 10] كما في رواية أبي هريرة، ورواية مسلم انفرد بها من حديث ابن عمر عن عمر.
لقاء الله لقاء حقيقي.
لقاء الله على نوعين: لقاء محبوب على وجه الإكرام، يعني ناس يلقون الله فيكرمهم.
ولقاء مكروه على وجه التعذيب؛ كما قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم يطلب منه الموعظة: كيف القدوم على الله -تعالى-؟ قال: يا أمير المؤمنين أما المحسن فكالغائب يأتي أهله فرحًا مسرورًا، وأما المسيء فالعبد الآبق الشارد عن سيده الآبق يأتي مولاه خائفًا محزونًا.
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((والجنة حق، والنار حق))
وقوله ﷺ: والجنة حق، والنار حق مخلوقتان الآن لا تفنيان ولا تبيدان، الأولى جزاء الطائعين، والثانية جزاء الكافرين العاصين، قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ [آل عمران: 133]، وقال: وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران: 131] أعدت، في آية الجنة، قال: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]، وفي آية النار، قال: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ .
فلو واحد قال لك: أعطني دليل أن الجنة مخلوقة الآن موجودة؟
قال تعالى: أعدت للمتقين، والنار أعدت للكافرين.
والنصوص كثيرة.
إن الله لما خلق الجنة وخلق النار أرسل جبريل فنظر فيها ونظر في هذا ورجع إلى الله الحديث.
و"أن الله لما خلق النار قالت: ربي أكل بعضي بعضا اشتكت فأذن لها بنفسين".
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((والنبيون حق))
قوله ﷺ: والنبيون حق يعني نؤمن بأنبياء الله ورسله، وما سمى الله لنا منهم، وما لم يسمه كله نؤمن به، يعني الآن إذا كان فيما يروى عن حديث أبي ذر عند أحمد مرفوعا فيما يروى، يعني ضعفه كثيرون أن حديث عدة الأنبياء: مائة وأربعون وعشرون ألف نبي الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة وستون، جمًا غفيرًا، الله ما ذكرنا لنا في كتابه إلا خمس وعشرين، فإذا كانوا مائة وأربعين وعشرين ألف نبي الذين بعثوا في البشرية؛ لأنه ما في أمة إلا خلا فيها نذير، وأحيانا اثنين وثلاثة إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ [يس: 14]، ففي أنبياء كثيرون جدًا، الله يحب إقامة الحجة على الناس، يريد ما يأتي واحد يوم القيامة يقول: ما بلغنا وما سمعنا، يعني الله يريد إقامة الحجة، خلاص كل واحد العذر خلاص، والحجة تنقطع.
فإذن، النبيون حق فعلا أرسلهم الله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36].
ونحن نؤمن بهم جميعًا ولو ما عرفناهم جميعًا، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285]، في الإيمان، في أصل الإيمان ما نفرق بين أحد من رسله، والله قال مهددًا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء: 150- 151].
وبهذا احتج بعض علماء المسلمين على أحبار اليهود ورهابنة النصارى: قالوا نحن أولى بالحق منكم، أنتم يا أيها اليهود آمنتم بموسى، وكذبتم بعيسى ومحمد ﷺ، وأنتم يا أيها النصارى آمنتم بعيسى وكفرتم بموسى ومحمد ﷺ، ونحن المسلمون نؤمن بمحمد ﷺ وموسى وعيسى فنحن أولى بالحق منكم.
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((ومحمد حق))
وقوله ﷺ: ومحمد حق خصه من النبيين مع أنه منهم تعظيمًا له، هذا العطف إشارة للتغاير، يعني أنه فوقهم، أنه إمامهم، مع أنه منهم من جملتهم، وتواضعًا منه ﷺ ما قال: وأنا حق، قال: ومحمد حق مع أنه هو، لكن ما قال أنا حق، ومحمد حق .
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((والساعة حق))
وقوله ﷺ: والساعة حق يعني يوم القيامة؛ وما فيها من الحساب، ونشر الصحف، الميزان، الصراط، الحوض، القنطرة.
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((اللهم لك أسلمت))
وقوله ﷺ: اللهم لك أسلمت بدأ الآن بالدعاء، بعد كل ما تقدم من الثناء، وبعد كل ما تقدم من الاعتراف والإقرارات الإيمانية، اللهم لك أسلمت استسلمت وأطعت انقدت لحكمك وأمرك ونهيك، وسلمت ورضيت وآمنت وصدقت واستيقنت اللهم لك أسلمت . ذكر هذه المعاني ابن بطال، وابن عبد البر، والقاضي عياض، والنووي، وغيرهم.
معنى قوله: ((وبك آمنت))
وبك آمنت : شف الأولى: لك أسلمت ، الثانية: بك آمنت صدقت بما أنزلت وما أخبرت، وما أمرت وما نهيت.
بك آمنت أقوى من آمنت بك، بك آمنت يجمع الإيمان بالله وأني لم أؤمن إلا بتوفيقك.
آمنت بك مجرد الإخبار عن الإيمان، إذن بك فيها استعانة، بك توفيقا منك، غير آمنت بك مجرد الإخبار، بك آمنت إخبار وإقرار بأن الإيمان كان بتوفيق منه -سبحانه-.
معنى قوله: ((عليك توكلت))
قوله: عليك توكلت تبرؤ من الحول والقوة، وتفويض الأمور إلى الله، ومن توكل على الله كفاه، والوكيل هو الكافي. كما في "شرح ابن بطال" و "التوضيح" لابن الملقن.
معنى قوله: ((وإليك أنبت))
وقوله: وإليك أنبت رجعت إلى الخير، وإليك أنبت: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ [الزمر: 54]، عودوا إلى ما يرضيه، عودوا إلى ما يحبه، ارجعوا إليه بالتوبة.
المنيب الراجع المقبل على الله.
أطعت أمرك، وتبت إليك، ورجعت بهمتي إلى طاعتك، فاقبل مني؛ هذا المعنى.
معنى قوله: ((وبك خاصمت))
قوله: وبك خاصمت يعني: بك أحتج وأدافع وأقاتل، وبحججك وبراهينك أتقوى في مواجهة أعدائك.
بك خاصمت ؛ لأن الخصام فيه جدال حجج براهين نقاشات، فهذه تحتاج إلى تأييد ونصرة من الله.
بك خاصمت بك مستعينًا في جدال أعدائك، وبالحجج التي أنزلتها وذكرتها والدلائل والبراهين أيضًا آخذ في دعوتي ومجادلتي الخصوم.
معنى قوله: ((وإليك حاكمت))
وإليك حاكمت الحين بك خاصمت واضحة، وإليك حاكمت إلى شرعك، إلى شرعك حاكمت، لا إلى كاهن، ولا إلى بشر، قوانين أرضية.
وإليك حاكمت إلى شرعك.
وبك خاصمت، وإليك حاكمت المخاصمة لله؛ يقول العبد: المخاصمة ليس لهواي وحظي، وإنما من أجلك يا الله، وإلى دينك حاكمت، لا إلى هواي ولا إلى هوى غيري، فمن خاصم لنفسه ينتصر لنفسه، ولكن النبي ﷺ ما انتقم لنفسه، ومن حاكم إلى شريعة الله لن يتحاكم إلى غيره: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ [النساء: 60].
معنى قوله: ((فاغفر لي))
قال: فاغفر لي بعد كل ما تقدم، فاغفر لي بعد كل ما تقدم من الثناءات والإقرارات، وأنه خاصم وحاكم حتى في قضية الخصومة والمحاكمة، قال: فاغفر لي ما قدمت وما أخرت جاء الطلب جاء الدعاء، ما قدمت وما سلف مني من الذنوب والأعمال السيئة، وما أخرت عما سيقع بعد ذلك، ولأن الداعي ليس معصومًا.
وقيل: ما قدمت من سيئة، وما أخرت من عمل.
وقيل: ما قدمت من شهواتي على حقوقك وما أخرت من الحقوق التي تجب لك. كما في "إكمال المعلم" و"الإفصاح" و "مرقاة المفاتيح" و "فيض القدير" و "عون المعبود".
قوله: وما أسررت وما أعلنت يعني ما أخفيت وما أظهرت من الأقوال والأفعال والأحوال، وما حدثت به نفسي، وما تحرك به لساني، وما صدر عني من فعل.
معنى قوله: ((أنت المقدم وأنت المؤخر))
أنت المقدم وأنت المؤخر تقدم من شئت من خلقك إلى رحمتك، وتؤخر من شئت عن ذلك بخذلانهم.
وسؤال النبي ﷺ المغفرة مع أنه غفر له يعلمنا أولا، ويتواضع كذلك، وليقتدى به.
أنت إلهي، لا إله إلا أنت : إذن، افتتح الدعاء بالتوحيد، واختممه بالتوحيد، وأنت معبودي لا معبود لي غيرك، فالإله المألوه المعبود المحبوب، المستحق للعبادة.
معنى قوله: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله))
قال: ولا حول ولا قوة إلا بالله لا تحول لي من حال إلى حال إلا بك، وما أستطعت أن أتحول أصلا ولا قوة لي إلا بالله، كل إنسان لا يستطيع أن يتحول من حال إلى حال إلا بالله لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا استطاعة ولا قدرة لنا على أي عمل إلا إذا أعاننا وأقدرنا ومكننا، هذه الكلمة العظيمة التي هي كنز من كنوز الجنة [رواه البخاري: 6610، مسلم: 2704] كما أخبر ﷺ، الكنز المال النفيس المجموع المدخر المخبأ.
الخلاصة
هذا الدعاء كان ﷺ يستفتح به في قيام الليل، وهو جدير بالتأمل والحفظ والفهم والعمل، جمع فيه النبي ﷺ معاني الإيمان والتوحيد والتوكل والانقياد والتسليم والإنابة والتضرع والخضوع مع الثناء على الله، وختمه بالدعاء.
جمع فيه النبي ﷺ أنواع الاستفتاح الثلاثة، ابن تيمية -رحمه الله- يقول: أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة، يعني لو تأملناها أدعية الاستفتاحات في الصلاة:
أولها: ما كان ثناء على الله وهو أعلاها.
يليه: ما كان خبرًا من العبد عن عبادة الله.
والثالث: ما كان دعاء من العبد.[مجموع الفتاوى: 22/342].
هذا الذكر يشتمل على الثلاثة جميعًا؛ فقدم ما هو خبر عن الله واليوم الآخر ورسله، ثم ذكر خبرًا عن توحيد العبد لله، والمخاصمة به، والمحاكمة إلى شرعه.
ثم ختم ذلك بالسؤال، الحقيقة أنه توسل عظيم بتقديم الحمد والثناء والتمجيد بالأسماء والصفات، والتوسل بالعبودية والتوحيد، ولذلك هذا جدير: ألا يرد؛ فإنه مجد الله: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]، وتوسل إليه بالعبادة كما في الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].
ثم جاء الطلب: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة: 6]، في هذا الدعاء ذكر التوسل إليه بحمده، والثناء عليه، اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ثم ذكر العبودية له: اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت ، ثم بعد ذلك سأل الله المغفرة، وقال: فاغفر لي ما قدمت وما أخرت الحديث.
والحمد لله رب العالمين